
-قولتلك تنسي الليلة دى بكل اللي حصل فيها مش بس الجريمة ومتتكلميش عنها حتى قصاد المرايا مع نفسك يا مريم
أحتضت “مريم” وسادتها بخوف وهى تتذكر الماضي ثم قالت:-
-أنسي! سارة أنا ولا مرة نمت فيها بسلام وأنام بعد الليلة دى من بداية اللى عمله مُختار فيا و حمزة له، الكوابيس ملازمني كأن حياتي كان ناقصها اليوم المشئوم دا، أزاى أنسي دا، أنا عارفة أن الجحيم جاي جاي هي بس مسألة وقت
أخذت “سارة” يدها الصغيرة بين راحتى يديها ونظرت إلى “مريم” بدفء ثم قالت:-
-صغيرتي أنا معاكي ومش هسيبك نهائيًا لكن حرصًا مننا متقربيش من جمال وأبعدي عنه قدر الإمكان لحد ما يجي الوقت المناسب ونهرب من هنا…
أومأت “مريم” إليها بهدوء ثم وضعت رأسها على قدمي “سارة” لتنال قسطًا من الراحة فى مأواها الوحيد ربما لا تأتيها الكوابيس وهى بقرب “سارة”..
_________________________
فى الوقت نفسه كان “جمال” جالسًا فى مكتبه وفتح أحد الأبواب السري ثم دلف إلى الغرفة وكانت صغيرة والحائط مليء بالصور والملاحظات ويتوسطه صورة “مُختار” ليقول ب شديد:-
-أنت فين يا مختار؟ إذا كنت ميت فعلًا فين جثتك؟ أنا وأنت عارفين كويس أن الجثة اللي أدفنت مش أنت وأني وافقت الشرطة علي أنها أنت عشان التحقيقات لأني تعبت مش قرفك لكن فين جثتك الحقيقية يا مختار وأيه اللي حصل معاك؟
سمع صوت باب المكتب يدق فخرج من الغرفة مُسرعًا وأغلقها ثم أذن بالدخول ودلف “شريف” بعد أن عاد من المرزعة ليقول:-
-أتمني مكونش أتاخرت؟
هز “جمال” رأسه بلا، أقترب “شريف” منه وهو يقدم له الجهاز اللوحي وقال:-
-مريم حمزة العاصي تسعة عشر سنة و8 شهور يتيمة الأم اللي أتوفت فى الولادة ومن وقت ولادتها وعاشت مع جدتها والدة حمزة مريضة السرطان وربتها لحد ما وصلت 5 سنين بعدها حمزة وداها علي بيت عمتها في الفيوم لطالما كره وجودها من لحظة ولادتها بسبب وفاة مراته معتقد أنها ت حبيبته، عمتها قدمت لها فى المدرسة ودرست لحد أولي ثانوي عام بسبب كونها طالبة متفوقة فى الدارسة وربتها مع أبنها ياسين لحد ما أتوفت عمتها وفضل جوز عمتها عامل الأسطبل فى مزرعة السيد مُختار يربها لحد مر شهر وأخدها على المزرعة بسبب خوفه على بقاء بنت مراهقة مع ابنه اللى بيكبرها بثلاثة سنين لذا تربت مريم وسط الخيول وتعلمت معه المهنة، وقتها رجع حمزة بعد خبر وفاة أخته وأعتبر أن مرة شؤم على كل أحبابه كل ما تروح لحد يموت فقرر يمنع مريم من تعليمها وأتجوزت أخوك وقتها بعد فترة، قدم مُختار مربية لها وهى سارة بيوم زواجهما وقدم لها فى المدرسة تكمل ثانية ثانوي لكن منعها من تعليمها مرة تانية بسبب معارضة أخاك وبصراحة معرفتش أوصل لسبب دا، من لحظة جوازه بها وهي مخرجتش من باب البيت فى المزرعة بمعني كانت سجينة هناك لحد ما مختار مات من ثلاثة أشهر وطوال فترة الجواز حمزة ملمحهاش بنظره، لكن الحاجة الوحيدة اللى مؤكدة أن حمزة كان نار بتحرقها طول الوقت
كان “جمال” يستمع جيدًا لقصتها على لسان “شريف” وعينيه تحدق بصورتها الموجودة فى الجهاز اللوحي أمامه ليكمل “شريف” بأهتمام أكبر:-
-معندهاش صحاب ولا عائلة بطبيعة حياتها فى سجن المزرعة غير حصانها اللي قدمه مختار ليها واتعلقت به كتير، حياتها كانت طبيعة لحد ما فيوم الخادمة سمعت صوت زعيق من فوق وكان مختار أول مرة يتخانق معها ومحدش يعرف السبب كان أيه لكن الأكيد أنه كان حاجة كبيرة لأنه عاقبه ليها كان حرمانها من حصانها لما بعته هنا من ثلاثة شهور ومن وقتها ومريم دخلت فى حالة صدمة وفقدت النطق بالفعل بسبب فراق حصانها وجابولها دكتور نفسي لكن منفعش ومريم متكلمتش لحد ما جت هنا وطلبت بحصانها وأتوفي مختار بعد ثلاثة أيام من خناقهم وكانه لسه متخاصمين
تمتم “جمال” بنبرة خافتة وسبابته تلامس وجهها الموجود على الشاشة قائلًا:-
-يعنى حمزة مكدبش لما قال أنها خرساء
أومأ “شريف” بنعم وتابع:-
-كمان الخادمة قالت أن طول الثلاثة شهور اللي فضلت فيهم فى المزرعة بعد موت مختار بيه كان حمزة عايش معاها هناك وبيعذبها بكل الطرق اللى ممكن تتخيلها لدرجة أنه فى مرة طعنها بسكينة فى كتفها وسابها تنزف من غير حتي ما يجيب لها دكتور
كان “جمال” صامتًا طيلة الوقت يستمع فقط دون أن يتفوه بكلمة أو يعلق، فقط عينيه لم ترفع عن وجهها ثم أغلق الجهاز اللوحي ووضعه على المكتب قائلًا:-
-خلاص يا شريف كفاية، روح أنت
غادر المكتب صامتًا مما جعل “شريف” متعجبًا فقد أكتفي بشكره فقط، أين أسئلته وشكوكه المعتادة ليقول بتمتمة:-
-بس كدة، بتفكر فى أيه يا سيد القصر؟
خرج “جمال” من المكتب وصعد الدرج شاردًا حتى وصل إلى غرفة “مريم” وتتطلع بالباب كثيرًا ثم قال مُرددًا كلمات “جمال” إليه:-
-مات وقت خصامها، معقول تيه يا مريم؟
رواية جمال الأسود الحلقة الرابعة
ها داخل مكان مُظلم لا تري فيه حتى أصابعها، صوت أستغاثتها سرعان ما تبدل الصوت بصوت أحتكاك الحديد بالحائط الصلب، ظلمة مُرعبة ومُخيفة ونيران مُشتعلة بنهاية المطاف ويد رجولية قوية ترفع عاليًا حتى سقطت بالعصا الحديدية على رأس “مختار” أسقطته أرضًا وبسمة مُخيفة وكأن الشي..طان من يبتسم لمكره وفخرًا بقذارته….
ت “مريم” بقوة هزت جدارن القصر كاملًا وفتحت عينيها بهلع شديد ترتجف وجبينها تتعرق كأن أحدهن سكب دلو من الماء على رأسها، نزل “جمال” من الأعلى على صوت ها وكانت نائمة على الأريكة، جاءت “سارة” إليها من الأعلى بقلق شديد لتضمها بقوة بين ذراعيها، تتطلع “جمال” بها كثيرًا وهى تخفي عينيها داخل “سارة” بقوة وكأنها لا تقوى على النظر أو مواجهة هذا العالم، والفضل يعود إلى “حمزة” التى أرتكب جريمة ال أمام عينيها لكن أن علم بما رأته عينيها سي ها هى الأخرى بلا شك فالقدر وحده من وضعها بهذا الموقف وخلق بداخلها هذا الخوف وسلب منها الأمان حين رأت ما لا يجب أن تراه عينيها، أحضرت الخادمة ماء باردة لأجلها لترتشفها بخفة ثم عادت إلى المطبخ، أنتبهت “مريم” لوقوف “جمال” بعيدًا يراقبها عن كثب بعد أن إيقظت الجميع ب ها لترفع نظرها به فكان يتطلع بها بقوة والفضول ي ملامحه والقلق لتتعجب لرؤية قلقه عليه فقالت بنبرة هادئة:-
-أنا أسفة صحيتكم
لم يجيب عليها وسار إلى الحديقة فأمسكت “سارة” بيدها ثم قالت بلطف:-
-ولا يهمك يا حبيبتي هعملك كوباية ليمون ساقع، أهدئي
أومأت “مريم” لها بنعم وألتفت برأسها على الحديقة حيث ذهب “جمال”، كان يسير واضعًا يديه الأثنين فى جيوبه بنطلونه القطني ذات اللون الأزرق ويرتدي سترة سوداء مُغلقة الساحب الخاص بها وينظر إلى الأمام بشرود ولا يفارق عقله تها القوية وانتفاضها رعبًا فقطع هذا الشرود صوتها الخافت من الخلف تقول:-
-ممكن أمشي معاك
ألتف إليها وكانت تشبه المراهقات الصغيرات جدًا بوجهها الخالي من مساحيق التجميل وصغر حجمها مُرتدية بيجامة قطنية ذات اللون الأصفر الفاتح بنصف كم وشعرها الطويل مسدولًا على ظهرها حتى بلغ نهايته وعلى الجانب الأيسر، صمت ولم يعقب على كلمتها فقالت بترجي:-
-مش هعمل أى صوت ولا هزعجك، أنا بس خائفة أقعد لوحدي لحد ما سارة تيجي
تابع سيره للأمام بمعنى الموافقة لتلحق “مريم” به وكانت حقًا ضئيلة بجانبه تصل إلى ساعده برأسها فقالت بهدوء:-
-أنا دايما بحلم بكوابيس مُخيفة
أنتبه لحديثها بأذنيه دون أن يتطلع بها وقدميه تسير فى هدوء، أخبرته أنها لن تصدر صوت لكنها تفعل الآن فتنهد “جمال” فهو سمع عن حياتها ما يكفي ولا يرغب بسماع شيء أخر عن تعاستها فهذا لن غير الأمر كثيرًا، تابعت “مريم” بنبرة خافتة وقد بدأ الخوف يظهر فى صوتها:-
-من لحظة وفاة عمتي وظهور حمزة مرة تانية فى حياتي ومعاملته القاسية ليا والكوابيس ظهرت معاه
ضمت ذراعيها الأثنين إلى صدرها وقد بدأت تشعر بالبرد القارس ليلًا لتتابع حديثها قائلة:-
-فى الحقيقي أنا كنت عايزة أقولك أنى أسفة على أني ثقيل عليك ومش مرحب بوجودي هنا لكن برضو أحب أقولك شكرًا على اللى عملته معايا وأنك مسمحتش أن حمزة يأخدني
توقف عن السير لتنظر إليه بخوف فربما تفوهت بشيء أ ه لتراه يفتح سحاب سترته ونزعها عن جسده ثم أقترب ليضعها فوق أكتافها بلطف لتميل رأسها لليمين بدهشة من لطفه وقالت:-
-أنا…
قاطعها “جمال” بجدية قائلًا:-
-متمرضيش فى بيتي أن كوني عارفة أنك ضيف غير مرحب فياريت متزعجيش البيت دا حتى الخدم بمرضك
أنتفض قلبها رجفًا وهى ترفع رأسها نحوه وتشعر بأرتباك شديد حتى أنها شعرت أن حرارتها أرتفعت بسبب قربه هكذا وفعله فأومأت بحرج إليه ليخفض نظره نحو عينيها وقال بلطف:-
-خليني أقدم لك نصيحة متثقيش بلطفي ولا معاملتي أنا مش باللطف اللي أنتِ مُتخيلاه، لو كنت سمحت لك فى البقاء هنا فـ دا عشان اللى عملته فى المستشفي أنا محبش أكون مدين لحد بحاجة لكن متثقيش فيا أنا أكثر وحشية من حمزة اللى خايفة منه
يخبرها بمدة وحشيته التى يخفيها خلف قناع اللطف والهدوء كأنه ينذرها بألا تأمن له لكن ما أصابها بال الأكثر لها تشعر بتوتر شديد فور ذكر اسم والدها لتقول:-
-أنت بتتكلم كدة لأنك متعرفش حمزة لكن أنا واثقة أن مفيش أقسي منه ولا حد أوحش منه
غادر “جمال” دون أن ينطق بكلمة واحدة لتنهدم سترته الكبيرة على جسدها الضئيل وكانت يديها مخفية تمام داخل أذرع سترته الطويلة وتصل لركبتها لتسير مُسرعة للداخل فرأت “سارة” تخرج من المطبخ حاملة بيدها كأس من عصير الليمون فدهشت “سارة” عندما رأتها ترتدي سترة “جمال” وقالت بخوف شديد:-
-أيه دا، مش قولتلك أستنيني هنا؟ جبتي الهدوم دى منين؟
نظرت “مريم” إليها وقالت بحرج:-
-أنا هطلع أنام
صعدت للأعلي ولم تنزع سترته عنها بل ولجت لفراشها بملا وكأنها تحتمي من كوابيسها بها و”سارة” تتبعها حتى جلست جوارها على الفراش وقالت بلطف:-
-أشربي الليمون
أومأت “مريم” لها بنعم وأرتشفت الكأس كاملًا ثم غاصت فى نومها، و”سارة” بجوارها تنتظرها أن تغرق فى نومها ثم خرجت للشرفة بتسلل وأخرجت هاتفها لكى ترسل رسالة واحدة محتواها
(لقد دخل العصفور القفص)
أنتظرت الرد على رسالتها وكان من كلمات قليلة غامضة
(أبقيه بداخله)
عادت للغرفة فى هدوء….