
داخل سيارة الأجرة كان هناك رجل يجلس على مقعد السائق وبجواره فتاة تملك من العمر تسعة عشر عامًا تنظر من النافذة وشاردة بجسدها الصغير المُلتصق بالباب المجاور وكأن تخشي الأسترخاء في مقعدها بسبب هذا الرجل الموجود جوارها فقال بنبرة حادة:-
-إياكي تفتحي بوءك بكلمة واحدة، والأحسن تنفذي الى قلت عليه من سكات
لم تجيب “مريم” عليه بل فتحت نافذة السيارة وأخرجت رأسها منها تاركة الهواء ي رأسها ويجعل شعرها الحرير يتطاير مع الهواء الطليق وتضع ذراعيها النحيلين أسفل رأسها فتنهدت بصمت شديد، تأفف والدها “حمزة” من برودة هذه الفتاة وقال:-
-الله يلعنك، أمتي هخلص منك يا مريم؟
دلف “شريف” إلى مكتب الشركة الخاص بمكتب “جمال” وكان مُنغمسًا فى عمله بين أوراقه المنثورة على سطح المكتب وهو يراجع كل أملاكه حتى لا تأخذ هذه الزوجة شيئًا منه ف فى محاميه الجالس على المقعد أمام المكتب قائلًا:-
-أعمل اللى تعمله مش مشكلتي لكن الحية دى لا يمكن تأخد منى جنيه
نظر المحامي إلى “شريف” ب وعجز عن فعل شيء لهذا الرجل الشرس ليقول بهدوء:-
-أهدأ يا مستر جمال، إحنا منعرفش أيه هى وصية أخوك الكبير
وقف “جمال” من مقعده وسار بعيدًا بعقل على وشك الأنفجار كالقنبلة الموقوتة بداخله ثم تمتم قائلًا:-
-أهدأ!! كلكم عارفين أن مختار بيحب الستات وكل شهر يتجوز واحد من الكباريهات والكازينهات، دلوقت المفروض أن واحدة ركلام.. مجرد فتاة ليلجاية تأخد فلوسي وتعبي وتشاركني فى شركتي وبيتي، مختار نزواته كانت بعدد أنفاسه حتى لو كان كبير العاهرات بيجروا وراءه عشان الفلوس وأنا أنظف الفضايح ورايا وأدفع لدي وأرضي دي عشان متروحش لصحافة ودلوقت أنا جمال المصري أقعد مع عاهرة عشان تساومني
نظر “شريف” إلى “راغب” بصمت شديد ثم قال:-
-إحنا هنحل المشكلة بمجرد ما نشوفها ونتكلم معاها، ممكن تقبل مبلغ ونخلص لكن مشكلتنا دلوقت أننا منعرفش هي مين ولا أزاى ممكن نساومها، أهدأ لأان بمجرد ما نعرف هي مين هنلاقي الحل
دلفت “أصالة” السكرتيرة الخاصة بالمكتب، امرأة فى منتصف الثلاثينات مُرتدية بدلة نسائية وكعب عالي بحذائها وتلف حجابها الوردي الذي يخفي خصلات شعرها جميعًا ثم قالت:-
-اتصل المنزل يا مستر جمال بيقولوا أن هناك ضيوف عايزينك وتليفونك مُغلق
كز “جمال” على أسنانه ب شديد لم يحتمله مما أرعب مساعده فأسرع “شريف بالحديث قائلًا:-
-ماشي يا أصالة روحي أنتِ دلوقت
غادرت “أصالة” المكتب فوقف “راغب” وسار نحو “جمال” المُشتعلًا غضبًا من داخله ثم قال:-
-خلينا نروح يا مستر جمال و رجاءًا تمالك أعصابك عشان نعرف هم عايزين أيه ونقدر نحل الموضوع
عاد “جمال” إلى مقعد مكتبه ب شديد وفتح رز سترته ثم قال بحزم:-
-أنا عندي شغل، خليهم يستنوا أنا مش تحت أمرهم لما أخلص أبقي أروح ليهم
تنهد “راغب” ب شديد وقد عجز تمامًا على فعل أى شيء مع هذا الرجل العنيد ثم غادر المكتب وهكذا “شريف” تاركين خلفهم “جمال” يكمل عمله وكانت الساعة الخامسة عصرًا، ظل “حمزة” جالسًا فى الصالون بجوار “مريم” يتطلع بالقصر بعينيه وهو لا يُصدق ما يراه وأن هذا منزل زوج ابنته المتوفي فهو كان على علم بأنه ثري لكن بهذا القدر من الثراء الفاحش لم يكن يتخيل هذا، جاءت لهم “حنان” وخلفها خادمة تحمل صنية عليها طبق الكعك والعصير ثم وضعتها أمامهم على الطاولة، لم ينتظر “حمزة” كثيرًا بل أنقض علي الطاولة يأخذ الكعك ويتناوله بشراهة مما أدهش “حنان” لها تشمئز منه ثم عادت إلى الخلف تراقبهم عن كثب فقالت الخادمة بأشمئزاز:-
-مستحيل دول يكون قرايب مُختار بيه، دول حثالة
نظرت “حنان” للخادمات اللاتي يتسامرون وقالت بأختناق:-
-أنا مش قادرة أصدق اللى شايفاه
أخرجت هاتفها من جيبها وسارت بعيدًا لتتصل بـ “شريف” تخبره بما يحدث وقالت بأختناق:-
-أنهم حثالة وخصوصًا باباها متسول يا شريف
أومأ “شريف” إليها بهدوء وهو يحاول كبح ه مما يسمعه وهو يجلس فى مقدمة السيارة و”جمال” فى الخلف يستمع له ثم قال بجدية:-
-متقلقيش خليهم بس تحت عينيك وإحنا فى الطريق
أومأت إليه بنعم ثم أغلقت الهاتف وعادت بنظرها إليهم وخصيصًا إلى “مريم” هذه الفتاة الصامتة وكأنها إنسان إلي لا يتحرك أو يتنفس حتى، فقط جالسة عاقدة ذراعيها أمام صدرها مُنذ أن دخلت القصر من أربعة ساعات فالآن أصبحت الساعة التاسعة والنصف مساءًا ولم يمل “حمزة” أبدًا ويطلب الرحيل بل يأخذ رأحته فى هذا المنزل وكأنه مالكه، تتطلع بهذه الفتاة ذات العيون الذهبية ولا تصدق كيف لرجل فى عمر “مُختار” الذي تجاوز منتصف الأربعين من عمره أن يتزوج من فتاة بعمرها لم تكمل العشرين حتى، دلف “جمال” بصحبة “شريف” و “راغب” إلى القصر لتستقبلهم “حنان” قائلة:-
-حمدا لله على سلامة يا مستر جمال…
نظر “جمال” إليها ب وقال بنبرة صارمة:-
-هم فين؟
أشارت “حنان” على غرفة الصالون المُستقلة فى نهاية القصر ليسير إلى هناك ومعهم “حنان” تقول بقلق:-
-جوا لكن من الواضح أن باباها طماع ومش عايز غير الفلوس وبس
نظر “جمال” إليها ب ثم سار إلى الغرفة لتفتح له الخادمة الباب ودلفوا ثلاثتهم ليقف “حمزة” من مكانه فتطلع “جمال” به ثم رأي امرأة أربعينية تقف جواره فى صمت مُرتدية عباءة سوداء وتلف حجاب أسود اللون فقال “شريف” بهدوء:-
-مساء الخير
قبل أن يُجيبه سأل “جمال” ب موجه حديثه إلى هذه السيدة قائلًا:-
-أنتِ مراته،مش كدة؟
هزت رأسها بلا ثم أفحست الطريق لليمين قليلًا ليرى فتاة نحيلة صغيرة وبشرتها بيضاء كالأطفال وشعرها البني الطويل الذي يصل إلى ساعدها بنعومتها الحريرية مسدول على الجانبين يحيط بوجهها الصغير ذو الملامح الصغيرة، فتاة قصيرة تشبه عقلة الأصبع، مما أدهش الجميع وأذهلهم وسؤالًا واحدًا طرأ على عقولهم جميعًا كيف لطفلة أن تكن زوجة رجل يملك من العمر 46 عامًا ليقول “جمال” بصدمة ألجمته:-
-أنتِ مراته؟
أومأت “مريم” إليه بنعم وهى تتطلع به رجل يصغر زوجها بسنوات تقريبًا فى منتصف الثلاثينات من عمره بجسد عريض ممشوق ورياضيًا، طويل القامة فإذا وقفت جوارها فبالكاد ستصل إلى ساعده وكوع ذراعه، بشرته قمحاوية وعينيه الخضراء تزيده جمالًا لكنه تحمل من ال بركانًا أرعبها من مكانها ل قلبها ينتفض رعبًا وخوفًا من مواجهته فعادت للخلف خطوة تختبيء خلف هذه المرأة المصاحبة لها لتجيب هذه السيدة “سارة” قائلة:-
-اه هي مراته أو بالأحري أرملته
تطلع “شريف” بها وقال:-
-أنتِ أمها؟
هزت “سارة” رأسها بلا ثم قالت:-
-لا، مربيتها
تطلع بها “جمال” لكن قاطعه صوت “حمزة” يقول بحماس:-
-أنا أبوها أتشرفت بيكم
مد يده إلى “جمال” ليصافحه لكن “جمال” كان كلوح ثلجي باردًا ولم يصافحه بل وضع يده فى جيوب بنطلونه بغرور شديد وسار إلى المقعد كي يجلس عليه ووضع قدم على الأخرى ثم قال:-
-أتفضل أقعد، خلينا نتكلم ونخلص من القرف اللى بيحصل دا
جلس “حمزة” وجذب أبنته بقوة لتسقط جواره بسبب جسدها الصغير مما جعل “شريف” يندهش من معاملة هذا الرجل لأبنته فقال:-
-لحظة ممكن نأجل أى حاجة أنا حابب أتكلم معها شوية قبل أى حاجة
أغلق “حمزة” قبضته بقوة على يدي “مريم” ثم قال بنبرة قوية خشنة:-
-ممكن تتكلم معاها قصادي لأن بكل الحالات بنتى مبتتكلمش أقصد خرساء
كان “جمال” ينظر للجهة المجاور وبعد أن سمع هذه الكلمة ألتف برأسه إليهم بدهشة ليقول بصدمة ألجمته:-
-خرساء، مبتتكلمش وجبانة واقفة تترعش من الخوف وجاي تقولي أن أخويا زير النساء أعجب بها وكمان أتجوزها، أخويا اللى بيجري وراء أى تاء مربوطة ووراء أجمل نساء العالم، دي نكتة مش كدة… أنا مستحيل أصدق أن الجوازة دي تمت أصلًا
كاد “حمزة” أن يتحدث لكن أستوقفه “شريف” بهدوء قائلًا:-
-هوضح لحضرتك حاجة، إحنا مش هنفتح الوصية ولا هنتكلم فى أى ورث إلا بعد ما أقعد معها ونتكلم لوحدنا ولو المشكلة فى مرضها دى مشكلتي أنا مش حضرتك
تردد “حمزة” كثيرًا فى الموافقة ثم نظر إلى ابنته بقلق وأشار إلى “سارة” وقال:-
-ماشي أتكلم معاها لكن خذ معاكم مربيتها سارة لأن أصل هي بتخاف من الغرباء وخصوصًا الرجالة ومش هتروح معاك حتى لو أنا قلت لها تروح
أومأ “شريف” له بنعم وترك “راغب” مع “حمزة” وخرج من الغرفة معهم ثم ذهبوا إلى المكتب ليُحدثها وبعد حوار طويل بينهم فُتح باب المكتب ودلف “جمال” قائلًا:-
-لسه مخلصتش أنا عايز أنام؟
لكنه صُدم عندما سمع صوت فتاة أدعي والدها أنها بكماء تقول بصوت مُرتجف:-
-أنا مش عايزة فلوس منكم لكن ممكن تديني حصاني، صدقني مش عايزه منكم غيره
تقدم “جمال” إليها مصدومة من كلماتها وصوتها الذي خرج من جنحرتها بعد أدعى والدها بأنها “بكماء” فأدرك أن هناك لغز لهذا الشيء، قال بصدمة ونبرة باردة:-
-قُلتي أيه؟
ألتف “شريف” إليه بقلق شديد مما سمعه من هذه الفتاة وقال:-
-مستر مختار أداها حصان هدية فى عيد ميلادها وبعته لهنا من ثلاث شهور، هى عايزاه
تأفف “جمال” ب وهو يزحزح رابطة عنقه بأختناق ثم قال:-
-أديهولها ، لو دا اللى هي عايزاه خليها تأخده ونخلص من القرف دا أنا معنديش طاقة أتحملهم أكثر من كدة
ألتف لكي يغادر المكتب مُعتقدًا أن الأمر أنتهى ولن تأخذ شيء منه أكثر ولن تدخل معه فى مجادلات لأجل الورث لكنه توقف فجأة عندما شعر بيدي قوية تتشبث به بقوة وكانت يدي “سارة” مربيتها تقول بترجي:-
-رجاءًا متخلهاش تروح مع الرجل المجنون دا، دا مش أب دا مجنون ومريض نفسي حتى لو هترمينا فى الشارع بعد ما يمشي مش هنعترض لكن على الأقل متخلهوش يأخدها
نظر “جمال” إليها بتعجب وهو لا يفهم ما هذا وما سبب هذا الرجاء، أستدار بنظره إلي “مريم” وكانت واقفة منكمشة فى ذاتها بخوف، لا يفهم ماذا يحدث؟ جذب “جمال” يده من يدي “سارة” بأشمئزاز وقال:-
-أطلعوا برا قصري حالًا… وصلهم للباب يا شريف
تنحنح “شريف” بقلق من رد فعل هذا الرجل متصلب القلب وعديم الرحمة بعد أن جمع شجاعته وقال بجدية:-
-لكنها هي مش هتمشي من هنا
توقف “جمال” لبرهة عن السير بصدمة من معارضة “شريف” له وألتف إليه قائلًا بصدمة:-
-شريف، أنت قُلت أيه؟
أبتلع “شريف” ريقه بصعوبة بالغة ثم قال:-
-هي بتقول أنها حامل من أخوك أستاذ مختار وبكرة الصبح هأخدها للمعمل عشان نحلل عشان كدة مش هتمشي من هنا؟
تأفف “جمال” ب شديد من هذه الكارثة التى حلت به، ألم يكفي كونها زوجة ترغب بالورث لكن الآن هناك طفل ولوح بيديه غاضبًا أثناء مغادرته ويتمتم قائلًا:-
-دا اللي كان ناقصني طفل من عاهرة
غادر المكتب لينظر “شريف” إلى “مريم” وقال بلطف:-