منوعات

بقلم آية محمد رفعت

إنتهى الطبيب من فحصها، ثم جذب دفتره الخاص ليدون بالرُوشِتّة بعض الأدوية، ثم قدمها إليه وهو يخبره بعمليةٍ:
_الدوخة اللي عندها دي سببها الإجهاد وسوء التغذية، عشان كده كتبتلها شوية فيتامنيات، والأفضل إنها ترتاح خالص وتنام على السرير لحد ما تدخل في التاسع على الأقل.
شكره “غيث” وقدم له مبلغ من المال، وإتبعه للخارج، ثم طلب الدواء من الصَّيْدَلَةِ القريبة منه هاتفياً، وما أن أغلق هاتفه حتى ألقى بثقل جسده على أحد المقاعد، يحاول التفكير في مخرج لهذا الأمر، فهي وحيدة بهذا العالم، لا تمتلك أماً ولا شقيقة، حتى ابنة خالته وصديقتها الوحيدة تخوض نفس المعاناو مع حملها المرهق، هل سيزيد مسؤولياتها بمسؤولية زوجته، ربما يحتمل المخاطرة بها حينما تعود لشقتها التي إستأجرها لها ولكن كيف سيخاطر بإبنه الذي تحمله بأحشائها!
الأمر ليس سهلاً، لذا لم يملك أي خيارات قد تخرجه من مأزقه، لذا نهض ليتجه للمطبخ ثم أعد لها بعض الطعام الطازج، ليحمله ويتجه لغرفة نومه مجدداً، فوضعه على الكومود المجاور لها ثم جلس على المقعد القريب منها، ينتظر لحظة إفاقتها، فكانت تلك المدة ثقيلة على قلبه النازف،يرى معشوقته أمامه ويحارب عينيه أن لا تعانقها، من أصعب المعارك التي قد توجهها يوماً،معركة كان الخصم فيها القلب والعقل، فالعقل يستحضر كل لحظة سوء وضغينة حملها تجاه هذا الشخص فيمقت رؤياه وقربه،أما القلب فلا يستحضر سوى ذكراه الطيبة وكلما خفق لجواره يذكره بأقصوصة العشق الذي شهد عليها،ودونها بداخله، إستقام “غيث” بجلسته حينما وجد “عائشة” تسترد وعيها تدريجياً، فجاهدت لرفع جفن عينيها الثقيل، فبدت الرؤيا مشوشة عليها قليلاً، حتى استطاعت استعادته بشكلٍ كامل، فصُدمت حينما وجدت نفسها بداخل شقتها وبغرفتها التي إشتاقت إليها، خاضت عينيها بتفاصيلها التي إشتاقت لها، فتصلبت نظراتها حينما وقعت على من يجلس بالقرب منها، تنشطت ذاكرتها، فانتباها الأمل مصاحب لفرحةٍ غمرتها، مساعدته لها يعني بأنه مازال يحمل حباً تجاهها حتى وإن كان مبهماً، إتكأت “عائشة” على معصمها، ثم أخفضت ساقيها لتهم بالوقوف، فإستوقفها صوته الخشن:
_رايحة فين؟
رفعت رأسها الذي يدور بتعبٍ، وهي تجيبه:
_همشي عشان مسببلكش مشاكل مع والدتك.
حدجها بنظرةٍ حادة،وكأنها أخطئت بحقها، وبصرامةٍ لا تحتمل نقاش قال:
_إنتي مش هتخرجي من هنا لحد ما تولدي، بعد كده إبقي روحي في المكان اللي يعجبك بس لوحدك من غير ابني.
زداد من وجعها وجعاً، فشددت من ضغطها على فستانها الزهري وكأنها تحاول إستجماع شجاعتها فيما ستقول:
_يعني أيه هتحبسني هنا!
ترك مقعده ثم دنا ليصبح مقابلها:
_سميها زي ما تحبي.
ضمت شفتيها معاً بإرتباكٍ، فقربه يزيد من رجفة شوقها إليه، تود إن تمرمغ رأسها بأحضانه، فكم قست ليالي دونه بجفاءٍ، فبات نهارها شبيه بعتمةٍ الليل الكحيل، وكأنه سحب نورها وتركها تنازع حتى الرمق الاخير، لقاء الأعين القصير دفعها لخوض تجربة حالمة، تتمنى بها إن لم يحدث ما حدث بينهما، ليتها لم تفترق عنه، ولكنه لم يمنحها فرصة حتى لتدافع عن نفسها فبنهاية الأمر لعبت حماتها لعبة ذكية من الصعب الشك بها، أزالت رداء الصمت الذي إستحوذ عليها حينما همست برجفةٍ تصاحب كلماتها المذبذبة:
_أنا مش هتخلى عن ابني يا “غيث”.
أفترت شفتيه عن إبتسامة شبه ساخرة، فتعمد قطع المسافة التي تفصلهما وهو يهمس بشرٍ يلاحق وعده:
_مش بمزاجك.. إنتي غلطتي ولازم تتحملي العواقب.
وإستدار للخلف وهو يشير بيديه على الصينية الموضوعة على الكومود، ثم قال بصرامةٍ:
_كلي وخدي أدويتك.
ثم خطى خطوتين تجاه باب الغرفة، إستعادهما ليقف مقابلها من جديدٍ:
_ده مش عشانك عشان ابني اللي في بطنك.
ثم تركها وغادر من أمام عينيها، فسمحت لنفسها بالإنهيار أرضاً، بكت لتفرغ ما بداخلها من همومٍ وأوجاع كان من إنتشالها منهما السبب بها الآن، ظلت “عائشة” في حالتها تلك ما يقرب النصف ساعة، حتى إستعادت جزء من عزيمتها، فنهضت لتتدلف حمام الغرفة، ثم خلعت حجابها وتوضأت لتلجئ لمن يشهد على ما بصدرها.

انت في الصفحة 3 من 40 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
1.3K

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل