منوعات

بقلم نسمه مالك الجزء الثاني

“جابر”..

يقود سيارته بسرعة الرياح، و قد انقبض قلبه قبضة مخيفة، عينيه كانت على الطريق بتركيز شديد، و على المرآة أيضًا في آنٍ واحد، ينظر للهدايا القيمة الخاصة بالرسم و الكثير من الورود الرائعة التي أحضرها ل “سلسبيل” و لم يجد فرصة مناسبة لأعطائهم لها..

وبرغم تركيزه هذا إلا أنه لم ينتبه ل “حسان” الذي يتابعه منذ خروجه من المستشفى بأمر من “عبد الجبار”..

دقائق معدودة وكان يصف سيارته أمام منزله، تزامنًا مع وصول “صفا” التي قفزت راكضة من سيارة أجرة، متوجهه نحو المنزل التي كانت تأتي إليه دومًا برفقة زوجة والدها “سعاد” لزيارة “فؤاد” التي تعتبره في مقام جدها..

كانت تركض نحو الدرج بهرولة، ليلحق بها “جابر” بخطواته الواسعة، و قد زاد قلقه حين لمح قلق مفاجئها الظاهر على ملامحها ذات الجمال الهادئ..

تصعد الدرج كل درجتين معًا لتفلت إحدي قدميها و كادت أن تسقط على وجهها، إلا أن يده التي قبضت على ذراعها منعتها، استدارت وتطلعت له بلهفة فقد كانت على يقين أنه هو حين حاوطتها رائحة عطره المميز..
“جابر.. خد علاج ماما سعاد و أطلع أنت أديها حقنة الأنسولين بسرعة”..
قالتها بأنفاس مقطوعة و هي تمد يدها له بالحقيبة الخاصة بأدوية “سعاد”..

أخذهم منها “جابر” و ركض بهم من أمامها مسرعًا دون أن يرد عليها بحرف واحد، وصل لشقته في لمح البصر بسبب سرعته الشديدة، بينما هي كانت تجاهد بأنفاس متهدجة لتصعد الباقي من الدرج..

فتح الباب بأصابع مرتعشة، و أندفع للداخل يبحث عن والدته و جده و هو يصيح بصوتٍ يملؤه القلق..
” يا أمه.. يا جدي!!”..

توقف عن الحديث، و حجظت عينيه بذهول حين وجد “فؤاد” يجلس بجوار والدته الممدة أرضًا في حاله يرثي لها، فاق من صدمته على صوت جده الباكي يقول بتوسل..
“ألحق أمك يا جابر”..

جثي على ركبتيه بجوارها، و قام بغرز تلك الحقنة الرفيعة للغاية بفخذها مرددًا بابتسامة يخفي بها ارتعاد قلبه عليها..
“أيه يا أم جابر.. عايزة توقفي قلبي ولا أيه”..
قالها و هو يساعد جده على النهوض، و من ثم مال عليها و حملها على ذراعيه بمنتهي الخفة لضائلة و ضعف جسدها الهزيل للغاية..

كانت “سعاد” بين الوعي و اللاوعي، تجاهد لتفتح عينيها، تهمس له بجملة صغيرة بصعوبة بالغة قائلة..
“سامحني..سامحني يا ابني”..

كان يسير بها لخارج المنزل قاصدًا المستشفى بعدما رأي شحوب وجهها و عينيها الزائغة التي جعلت التوتر شديد يدب بأوصاله..
“وبعدين معاكي يا أمه.. أنتي بتشوفي غلاوتك عندي بعاميلك دي!!!”..

ارتمت “سعاد” برأسها على صدره، و بكت بضعف و هي تقول”عطشانة..أسقيني يا جابر”..
جملتها هذه جعلت “جابر” في حيرة من أمره، يكمل سيره بها، أم يضعها على أقرب أريكة، و يجلب لها الماء؟!..

“الميه أهي يا ماما سعاد.. اشربي يا حبيبتي “..
صدح صوت” صفا” التي دلفت للتو من باب الشقة المفتوح، و ركضت تجاه كوب من المياه كان موضوع على الطاولة، أخذته، و اقتربت منها تساعدها على الشراب و هي على يد ابنها..

بللت “سعاد” شفتيها التي أزرقت لونهما، و تحدثت بصوتٍ بالكاد يُسمع قائلة..
” قعدني على كرسيي يا جابر.. أنا هبقي كويسة دلوقتي.. مش عايزه أروح مستشفيات.. عايزة اتكلم معاك يا ابني”..

حرك “جابر” رأسه لها بالنفي و تابع سيره بها مرددًا..
“هنروح المستشفى نطمن عليكي بس و نرجع على طول بمشيئة الله يا أم جابر”..

ربتت “سعاد” على صدره بكف يدها الباردة كالثلج وهي تقول بنبرة راجية.. “جابر أقف و اسمعيني الأول لو ليا خاطر عندك يا ضنايا”..

انت في الصفحة 10 من 13 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
14

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل