
الفصل الثامن..
جبر السلسبيل2..
✍️نسمة مالك✍️..
.. بسم الله الرحمن الرحيم..لا حول ولا قوة إلا بالله..
انقضى النهار بما يحمله من إزعاج و صدمات طالت الجميع، لم يعود “جابر” ل “سلسبيل” مجبرًا، ظل يجهز كل الأشياء المتعلقة بوالدته حتى يصلها إلى مثواها الأخير،
كان يتحرك كالآلي بلا روح، العبرات تحجرت بعينيه، يحاول التماسك قدر استطاعته لأجل جده العجوز الذي تدهورت حالته هو الأخر من شدة حزنه على ابنته، و التزم الفراش غائب عن الوعي بجواره فريق طبي كامل يشرف على حالته ..
بينما “صفا” وقفت على غُسل “سعاد” بقلبٍ مفتور أرهقه الحزن، لم تتوقف عبراتها المنهمرة على وجنتيها ولا لحظة واحدة، تبكي بصمت دون صوت و قلبها يصرخ صرخات تمزق روحها..
“سعااااد.. يا أم صفااااا “..
كان هذا “فايز” زوجها الذي وصل للتو من عمله بعدما هاتفه “جابر” حتى يأتي يودع زوجته و يحضر دفنتها، دلف لداخل المنزل الذي تجمع فيه حشد كبير من الأهل و الأقارب و الجيران بخطي متعثرة، عينيه غارقة بالعبرات، يبكي بنحيب و ينادي عليها بقلب ملتاع متأملاً أنها ستجيبه..
هرول إليه “جابر” الذي كان يقف أمام الغرفة المتواجدة بها والدته، أمسك يديه و أجلسه على أقرب مقعد، قبض “فايز” على كفه بأنامله المرتجفه، تطلع له بأعين زائغة تفيض بالدمع، و تحدث بصعوبة بالغة بصوتٍ متقطع قائلا..
“أيه اللي حصل.. أيه اللي جرالها.. أنا سيبها زي الفل و كانت بتتصل بيا و تطمني.. أيه اللي حصل يا جابر يا ابني!!!”..
ربت “جابر” على كتفه، و أجابه بهدوء عكس الصخب بداخله..
“أمر ربنا و نفذ يا عم فايز و لا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون.. أجمد كده وشد حيلك عشان خاطر صفا بنتك”..
تعمد الشد على كلمة ابنته، و قد تذكر حديث والدته قبل وفاتها بثواني قليلة، أن “صفا” يتيمة أم و أب!!، إذا من يكون هذا الرجل؟،دار هذا السؤال بعقله، و كاد فضوله أن يسأله مستفسرًا عن ما قالته” سعاد” خاصةً أنها أوصته عليها، لكنه ألتزم الصمت الآن لوجود الكثير من الناس حوله..
دار “فايز” بعينيه في المكان و هو يقول..
” بنتي!!.. صفا.. هي فين؟! و فين جدك.. فين الحج فؤاد “..
أخذ “جابر” نفس عميق و سار من جواره وقف مكانه أمام غرفة والدته ينتظر الإذن حتى يدخل يودعها الوداع الأخير..
“صفا واقفه على غُسل أمي”..
قالها بحسرة و بصوتٍ اختنق بالبكاء..
………………………………………. سبحان الله العظيم…….
” سلسبيل”..
خرجت من المستشفى بعدما سمح “عبد الجبار” بذلك، تسير بضعف مستندة على “عفاف” التي تحاوطها بحنان، تلفتت حولها تبحث عن” جابر” فلم تجد له أثر، عقدت حاجبيها بتعجب مردفة..
“معقول جابر مشي يادادة؟!”..
حركت “عفاف” رأسها لها بالايجاب و هي تقول بأسف..
“جاله تليفون و أنا واقفه معاه بلغوه أن والدته تعبانه فقالي لازم أمشي”..
قالت “سلسبيل ” بابتسامة ” تخفي بها وجعها..
“خالتي خايفه عليه مني و عايزه تبعده عني بأي شكل و ده حقها أنا مش هلومها عليه ولا حتي زعلانه منها لأن محدش يقبل يشوف ابنه الوحيد بيجري ورا واحدة اتجوزت مرتين و قلبها مع واحد تاني ويوافق عليها.. مع إني خلاص بقيت رافضة الارتباط لا جابر ولا غيره “..
ترقرقت العبرات بعينيها لكنها كبحتها و منعتها من الهبوط على غير عادتها، و تابعت بقوة جديدة عليها كليًا..
” أنا استكفيت و جه الوقت اللي هختار فيه سلسبيل.. سلسبيل و بس”..
” الحقي يا سلسبيل..عبد الجبار بيه قاعد في عربيته هناك أهو “..
قالتها” عفاف ” فور خروجهما من باب المستشفى، تطلعت “سلسبيل” حولها بلهفة تبحث عنه و قد تبخرت قوتها و أختفت نهائياً..
“عبد الجبار!!”..
تحدث بصوت منخفضت بأسمه بنبرة يغلفها الحنين المتأوه، و هي تطلع نحوه باشتياق فاق كل الحدود ..