
الحلقه 30
قال “علاء” بينما كان يسوق سيارته التى تحمل بداخلها والده ووالدته وعمته “كوثر” :
– فكرة الحجر فكرة جامده .. ياريت ننفذها
هتف “حسنى” :
-أنا مش مصدق .. كلكوا شايفنها فكرة جامدة الا أنا
قالت “يسرية” بحزم :
– أيوة فكرة جامدة . .خليك انت بره دلوقتى واحنا اللى هنتصرف
قالت “كوثر” وهى تنظر الى “يسرية” الجالسه بجوارها :
– صح يا “يسرية” هنتصرف احنا
التفتت اليهم “حسنى” قائلاً :
– بحده .. هتتصرفوا ازاى يعني
قالت “كوثر” بحزم :
– اطلع منها انت .. احنا هنعرف ازاى نثبت ان “عدنان” مش طبيعي .. وانه محتاج وصى عليه
توقفت السيارة أمام الفيلا ومن خلفها سيارة “مهند” .. صعد “مهند” الدرجات المؤدية الى الفيلا .. وقبل أن تتمكن “فريدة” من الصعود نظرت اليها “يسرية” قائله بتشفى :
– عقبالك انتى كمان يا “فريدة”
ابتسمت “فريدة” وقالت بخجل :
– شكراً يا طنط
قالت يسرية” بلؤم :
– انتى عديتي الـ 35 مش كده ؟
اختفت ابتسامة “فريدة” وهى تقول بتوتر :
– أيوة يا طنط
قالت “يسرية” وهى تمط شفتيها :
– يا حرام .. متقلقيش أكيد هيجيلك نصيبك .. انتى صحيح وصلتى لسن صعب .. بس خلى عندك أمل
قالت جملتها الأخيرة وهى تربط على ذراعها فى برود .. ثم التفتت لتصعد الدرجات الى الفيلا وابتسامة تشفى على شفتيها .. اغرورقت عينا “فريدة” بالعبرات .. شعرت بالإختناق .. حاوت التحكم فى تلك العبرات التى انهمرت رغماً عنها .. تمتمت بألم :
– حرام عليها ليه تعمل فيا كده
مسحت عبراتها .. وأخذت نفساً عميقاً .. وصعدت الدرجات فى تؤدة .. وجدتهم جميعاً فى غرفة الصالون .. فصعدت مسرعة الى غرفتها .. أغلقت الباب عليها وألقت بنفسها فوق فراشها .. تبكى ذلك كرامتها الجريحه !
************************************
ظلت الكوابيس تطارد “سمر” .. تستيقظ فقط لتضخ لها الممرضة المزيد من المهدئ .. أشفق عليها العاملون فى المشفى .. فحالها كان من سئ الى أسوأ .. كانت تبكى حتى أثناء نومها .. مرت الأيام حزينة كئيبة .. كلما التفتت لتنظر الى ذلك الذراع الراقد بجوارها بلا حراك ازدادت حزناً وألماُ .. طلب الطبيب حجزها لعمل المزيد من الفحوصات والتى لم تنبأه بشئ جديد .. لا استجابه فى ذراعها على الإطلاق .. أمر بعمل جلسات من العلاج الطبيعي .. فلعلها تفيد .. وإن كان يظن غير ذلك .. حاول أن يأهلها نفسياً لتقبل وضعها الجديد .. لكن “سمر” كانت ثائرة .. جامحة فى غضبها .. ترفض أن تظل هكذا .. ترفض أن يصبح هذا هو حالها .. ازداد توترها وعصبيتها .. ازدادت نوبات انهيارها وبكائها .. أخذت تصرخ فيهم ليعالجوها .. ثم ما يلبث أن يتحول الصراخ الى عويل وبكاء ورجاء وتوسل .. كانت تضرب فى ذراعها المشلول ليتحرك .. ليستجيب .. دون جدوى .. دون أمل .. أغمضت عينيها وتمنت لو كانت والدتها على قيد الحياة .. لتلقى بنفسها بين ذراعيها .. وتبكى الى أن تنضب دموعها .. شعرت بأنها فى أمس الحاجة لذلك الحضن الحانى .. يحيطها ويحميها ويبث الأمل فيها .. فتحت عينيها على واقعها المر .. تتذوقه كالعلقم فى فمها .. ليس لكِ أحد فى هذه الدنيا يا “سمر” .. أنتِ وحدك .. ستواجهين واقعك بمفردك .. يجب أن تصبحى أقوى حتى تستطيعي الاستمرار فى هذه الحياة .. لا تأملى أن يساعدكِ أحد .. أو أن يحنو عليكِ أحد .. أو أن يبكى عليكِ أحد .. أنتِ بالنسبة للجميع لا أحد يا “سمر” .. لا تعنين لهم أى شئ .. لا لـ “باهر” .. و لا لـ” فيروز” .. ولا لأى أحد .. ظلت عيناها الدامعتان معلقتان بسقف الغرفة وشفتيها ترتجفان وهما يتذوقان ملوحة دمعها .. رفعت كفها لكى تمسح تلك العبرات .. لكنها أعادت كفها الى مكانه مرة أخرى .. ما فائدة مسح تلك العبرات .. إن كان هناك المزيد منها .. وسقط المزيد !
ملء الصغير “فريد” حياة الجميع بالبهجة حتى كادت حادثة القـ,ــ,ـتل ان تصبح في طي النسيان .. فقط “عدنان” كان عقله يعمل دون توقف ؟؟ أصبح حذراً بدرجه كبيرة .. وأصبحت ثقته بـ “مهند” كبيرة .. أعطاه المزيد من الصلاحيات التي أثبت عن جداره استحقاقه لها .. لم يخن “مهند” ثقة عمه قط في اي أمر من أمور العمل .. وظل كاتماً أميناً لأسرار العمل .. فاطمئن قلب “عدنان” بوجود “مهند” الي جواره .. يعمل معه يدا بيد وبقلب مخلص .. رأي “عدنان” فيه ابنه الذي فقده .. ورآي “مهند” فيه الاب الذي افتقده
أما “سمر” فغرقت في أحزانها وآلامها .. ظنت أن ما هي الا أيام حتي نعود الأمور الي سابق عهدها .. لكنها كانت مخطئة .. بقي الوضع علي ما هو عليه .. بل وتحول الي الأسوا .. باعت “فيروز” الشركة لكنها أخفت عن “سمر” بالمبلغ الحقيقي الذي تسلمته .. وطلبت من المشتري كتابة العقد بمبلغ اقل مما اتفقا عليه .. شعرت “سمر” بالصدمة .. فها هو مالها يتناقص .. وبقائها في المستشفي يطول .. ولا أمل يلوح في الافق .. شعرت بالدنيا تظلم امام عينيها .. ولا تدري سبيلا لعبور الازمة .. ولا تدري سبيلا للتخفيف من آلام قلبها المكلوم .. شعرت بتفسها تهفو الي شئ ما .. شئ لا تدري كنهه .. لكنه شئ تحتاج اليه بشدة .. مرت عليها الايام كئيبة مظلمة خاوية مملة وهي تقضيها داخل حجرتها في المشفي دون ادني رغبه لديها لعبور باب غرفتها .. او للذهاب الي اي مكان .. كان لديها امل ان تاتي الفحوص الاخيرة مبشرة .. لكن املها خاب عندما قال لها الطبيب :
– للاسف لا يوجد اي استجابه .. ولم نستطع ان نتوصل الي السبب الذي ادى الي شلل ذراعك .. تلقيتي ضربة علي مؤخرة رأسك تسببت في تورم لعله هو الذي تسبب في ذلك الشلل .. ولكن علي الرغم من شفاء هذا التورم يوما بعد يوم الا ان ذراعك مازال وضعها كما هو .. حتي مع العلاج الطبيعي لم تظهر اي استجابه .. آسف .. لم يعد بوسعنا فعل شئ .. عليكي التأقلم علي العيش بذلك الذراع المشلول
كانت كلماته مقتضبة واضحة كما لو كان يلقي محاضرة علي مسامع احد طلابه .. لكن وقع تلك الكلمات علي”:سمر” كان قاسياً كقسوة حجر سقط في بركة ماء فأحدث بها دوامات لا نهاية لها .. تنهدت في حسرة وهي تنظر الي ذراعها .. تتحسسه .. تقرصه .. تضربه .. تبكي .. تنتحب .. تسكن .. تغمض عينيها في ألم !
************************************
وقف “دياب” في شرفة بيته مع ابنته الصغيره يقبل وجنتها بين الحين والاخر .. دخلت “سحر” لتقول بروتينيه :
– الاكل جاهز با دياب
دخل “دياب” وجلس بجوار زوجته علي الارض أمام الطبلية.. واجلست “سحر” الصغيرة بجوارهما واعطتها فطعة خبز تتلهى بها .. قال “دياب” وهو ينظر اليها :
– بأت عسوله اوي يا “سحر” .. نفسي تكبر عشان امشى بيها في الشارع .. هي هتمشي امتي يا “سحر”
قالت “سحر” وهي تدس احدي اللقيمات في جوفها :
– لسه كام شهر كده
تناول “دياب “طعامه وهو يرمق “سحر” بنظراته قائلا :
– “سحر” بعد ما نخلص اكل نفسي كدة تسرحي شعرك واشوفك بحاجه جديدة
قال “سحر” دون ان تنظر اليه :
– طيب
انتهيا من طعامهما وجلس “دياب” يتابع التلفاز .. بعدما انتهت “سحر” من جلي الصحون اخذت الصغيرة الى الفراش .. فقال “دياب” مبتسما :
– متنسيش .. ها
قالت بتافف وهي تدخل غرفة النوم :
– طيب قولنا
اندمج “دياب” في مشاهدة احد البرامج الي ان انتهي .. قام وسار علي اطراف اصابعه ليفاجا بـ “سحر” تغط في النوم بجوار طفلتهما .. اقترب من الفراش ببطء ومسح علي شعرها هامسا :
– “سحر”
فتحت “سحر” عينيها وهي تتطلع الي الصغيرة النائمة ثم تنظر الي “دياب” شذرا فقال هامسا :
– تعالي نعد مع بعض شوية النهاردة يوم اجازتي
قالت بنفاذ صبر :
– طيب هنام شويه وبعدين نعد مع بعض
قال مبتسما وهو ينظر الي الصغيرة :
– فرصه انها نايمة .. نعد مع بعض برواقه
نهضت “سحر” بتثاقل واوشكت علي الخروج معه من الغرفه فالتفت ليقول لها بحنان :
– مش هتعملي زي ما قولتلك .. سرحي شعرك والبسي حاجه حلوة
فعلت “سحر” ما طلب بتبرم .. وخرجت لتجده قد اعد كوبين من الشاي الساخن .. جلس متجاورين علي الاريكة الوحيدة في المنزل ..اقترب منها “دياب” وقال :
– عارفه يا “سحر” .. انتي و “منه” اللي مهونين عليا التعب اللي بشوفه في شغلي .. لما بجيبلكوا حاجه في ايدي وانا راجع من الشغل ببقي مبسوط اوي .. مع اني نفسي أقلل ساعات شغلي عشان اعد معاكوا اكتر
قالت “سحر” علي الفور :
– ازاي يعني يا “دياب” تقلل ساعات شغلك ده يدوبك المرتب مكفينا حتي مش عارفين نحوش ونشي حاجه للزمن
مسح “دياب” علي شعرها قائلا
معلش يا “سحر” .. انا نفسي والله اعيشكوا احسن عيشه .. بس اديكي شايفه .. مفيش في ايدي حاطه الا وبعملها .. نفسي مخلكيش انتي و “منه” نفسكوا في حاجه ابدا
قالت “سحر” مبتسمه :
– ربنا يخليك لينا يا “دياب”
اتسعت ابتسامته قائلا :
– ايوة كدة اضحكي يا شيخه .. الدنيا بتضلم في وشي لما بشوفك مبوزه ومنكده كده
اختفت ابتسامه “سحر” وقالت بحنق :
– هو انا يعني ببوز بمزاجي .. حد قالك اني بحب النكد .. انا بيبقي طالع عيني طول النهار مع بنتك .. وكمان امك ساعات بتزود الطينه بله وتقفلي اليوم
قال بحنان :
– معلش يا “سحر” استحمليها ست كبيرة برده .. وبتحبك والله
نظر “دياب” الي ملابسها الرثه والي البقع الزيتيه عليها وقال :
– مفيش حاجه تانيه غير دي تلبسيها
قالت “سحر” بتأفف:
– خلص يا دياب .. مش وقته .. البت هتصحي
عقد جبينه قائلا :
– ايه خلص يا “دياب” دي ؟
قالت “سحرط بنفاذ صبر وهي تنظر لأعلي :
– ده لسه بيسأل
قال “دياب” بحنق وهو يعتدل فى جلسته :
– انا كنت عايز اعد معاكي نتكلم .. اشوفك لابسه حاجه حلوه .. ليه يا “سحر” معدتيش بتهتمي بنفسك .. ليه معدتيش بتهتمي بيا
قالت “سحر” منفعله :
– يعني ايدالك انت وبنتك وامك صوابعي العشرة ومش عاجب .. برده مقصرة
قال “دياب” بعصبيه :
– اه مش مقصرة في البيت ولا مع “منه” بس مقصرة معايا انا … انا راجل يا “سحر” .. انتي متعرفيش البلاوي اللي بشوفها بره .. المفروض انتي مراتي وتملي عيني
نهضت “سحر” بعصبيه وقالت :
– مش أنا مش ماليه عينك .. خلاص سيبني في حالي بأه
نهض “دياب” وامسك ذراعيها قائلا :
– يا “سحر” مقولتش انك مش ماليه عيني
ثم قال :
– استني هنا
وقفت تنتظره بينما دخل الغرفه وعاد حاملا خمسون جنيها دسها في يدها وقال مبتسما :
– خدي دول يا “سحر” هاتي اللي نفسك فيه .. شوفي حاجه حلوة كدة تلبسيها .. ماشي
قالت “سحر” بدهشه وهى تنظر الى الخمسون جنيهاً فى يدها :
– وايه لزمة المصاريف دي يا “دياب”
تنهد “دياب” قائلاً :
– مش عايز عيني تشوف غيرك يا “سحر” .. افهمى بأه
يتبع….