منوعات

غنوه

بعد مرور خمسة أسابيع على بدأ الدراسة قضتهم غنوة في غضبٍ شديد وسخط من ذاك الذي يتعمد دائماً أن يسخر منها أمام أصدقائها تحت كظم غيظها تجنبًا لافتعال المشاكل معه كي لا يتعمد إيذائها
داخل الحرم الجامعي، وبالتحديد داخل ساحة واسعة تحاط بها مجموعة من الأشجار والزهور المخصصة لجلسات الرسم لتعلُم وتدريب الطلاب على الرسم وسط أجواء هادئة تساعدهم على الاسترخاء ليبدعوا
في زاوية منعزلة تقف غنوة أمام لوحتها المعلقة علي حامل الرسم الخشبي، تبدع بريشتها طالقة لخيالها العنان، تنسج من خيوط ريشتها أروع المناظر حيث تجعل كل من يرى رسمتها للوهلة الأولي يعتقدها حقيقة جراء إتقان غنوة الشديد بتصويرها
تشعر وكأن العالم أكمل سار بين يديها ويرجع ذلك لشغفها وعشقها الكبير لموهبتها التي كبرت معها منذ الصِغر
كان يتحرك بين طلابه بهدوءٍ تام يتابع إبداعاتهم حتي وصل إليها، دقق النظر فيما تخطه ريشتها، برغم إيمانه الشديد بموهبتها واعجابه بفنها والذي يتيقن من تميزهُ إلا أنهُ وكعادته تحدث متهكمًا كي يستدعي غضبها:
-إيه يا أنسة اللي إنتِ عملاه ده!

رفعت وجهها لتطالعهُ فرمقها باستهجان ثم استطرد ساخرًا:
-أنا مش فاهم إنتِ إزاي عديتي من إختبارات القدرات؟!

كظمت غيظها من استهزاءه وكادت أن تتحدث لولا استماعها لصوت ضحكات الجميع الساخرة منها، اعترتها حسْرةٌ وشعور مُميت تغلب عليها في حين تصَّبب جبينها عرقًا وبدأ جسدها بالارتجاف مما جعل ضميره يستيقظُ فجأة ويجلدهُ بلا رحمة وكأنه تحول لسوط
شعر بذاك الوقت كم أنهُ تحول لرجلاً بلا ضمير حيث ترك العنان لغريزة الانتقام من تلك المسكينة وجنب ضميره المهني الذي يحتم عليه احترام جميع الطلاب وعدم السخرية منهم أو تقصدهم واصطياد الاخطاء لهم وهذا ما يتنافى مع اخلاقيات تلك المهنة السامية
رفعت رأسها لتطالعه بعينيها المُغيمه بدموع الألم والانكسار، لامتهُ عيناها وكأنها تسألهُ لم؟!

ثم انطلقت مسرعة للخارج تاركة إياه مصدومًا ومحتقرًا حاله، تسمر بمكانه لا يعلم ما وجب عليه فعلهُ الآن، شعور بالعجز تملك منه ولأول مرة وعى على نفسه عند وصول همهمة الطلاب من حوله، على الفور استعاد توازنه وما شعر بحاله إلا وهو يُسرع بخطواته باتجاه خروجها، خرج يتجول بالمكان بعينيه باحثًا عنها حتى وجدها تجلس فوق أريكة خشبية بجانب سور جانبي، تحرك صوبها بخطواتٍ سريعة حتى وصل لعندها
التداول المالي (Trading)
شعر بوخزٍ قوي يقتحم صدرهُ لأجلها وما أصاب قلبهُ بالالم الشديد وشطره لنصفين هو رؤيتهُ لدموعها وهي تنساب بغزارة فوق وجنتيها، تحمحم لاخراج صوته وبنبرة خجلة نادمة تحدث:
-أنا أسف
لم تنظر إليه بل ضلت على حالها تنتحب بشدة فأعاد على مسامعها من جديد:
-غنوة أنا بجد أسف

رفعت عينيها لتتقابل بخاصته وبصوتٍ ضعيفٍ منكسر وبدموعٍ مُنهمرة من مقلتيها بغزارة أردفت بنبرة عاتبة:
-ليه تكسرني قدام زمايلي بالشكل ده، أنا عملت لك إيه؟!

كانت نظراتها بمثابة طعنات خناجرٍ اخترقت قلبه فادمته، ابتلع لعابه واجابها وهو يرفع منكبيه لأعلى:
-صدقيني أنا مش عارف عملت كدة إزاي
واستطرد نادمًا:
-أنا أسف

بدموعها عقبت:
-وأسف حضرتك هعمل بيه إيه بعد الاهانة اللي حسيت بيها قدام كل زمايلي
واستطردت وهي تهز رأسها بألم وانهزام:
-أنا حاسة إني مش هقدر اوريهم وشي تاني

انت في الصفحة 3 من 8 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل