
المطعم …
لم يدرى لم كان متلهفاً للمجئ للمطعم بتلك الصورة ، بل ولم شعر بهذا الضيق الذى إكتسح نفسه فور أن نظر حوله بزائرى تلك الطاولات من حوله …
بضيق بالغ أردف “يوسف” بصوت محبط للغايه …
يوسف: “شريف” .. إتغدى إنت أنا مش جعان …
ذهل “شريف” تماماً من حال صديقه فمنذ دقائق قليله كان جائع ومتحمس للغايه لتناول الطعام ليهتف به متعجباً من تغير حاله للنقيض تماماً …
شريف : الله !!!!! … ما أنت كنت لسه حتموت من الجوع دلوقتى … إيه إللى حصل ..؟؟
يوسف : محصلش حاجه .. بس حاسس زى ما تكون نفسى إتقفلت كده …
شريف: غريبه … طب إستنى حتى أجيب ساندوتش ولا حاجه ونطلع سوا ..
لوح إليه “يوسف” بيده رافضاً وهو يتحرك بذات اللحظه إلى خارج المطعم دون التمهل أو الإنتظار …
يوسف: لا .. كل إنت براحتك أنا حسبقك ..
تركه “يوسف” عائداً إلى الشركه وقد تملكه شعور عظيم بالخيبه ، لاح بعقله تساؤل غير منطقى بالمرة فلم يشعر بالخيبه والإحباط لعدم رؤيتها الآن ، ولم كان ينتظر رؤيتها أو مقابلتها مرة أخرى …؟!!
يوسف: هو أنا كنت مستنى إيه …؟؟؟ وكنت بدور عليها ليه أصلاً … وليه زعلت لما ملقتهاش …؟!!!
تعجبه كان من حاله وليس من عدم وجودها ليظل شارد الذهن حتى عودة “شريف” الذى لحقه مباشرة فور إحضار بعض الطعام لتناوله بالمكتب ..
شريف: بجد مستغربك يا “يوسف” …
يوسف بضيق: لا تستغرب ولا حاجه .. نفسى إتسدت وخلاص …
بضيق بالغ جلس “يوسف” فوق مقعده عابثاً بأزرار حاسوبه فهو نفسه لا يجد سببا مقنعاً لما فعله منذ قليل ….
شريف: عموما جهز نفسك السفر الخميس الجاى …
يوسف بإقتضاب: تمام …
ردوده المقتضبه جعلت “شريف” يلتزم الصمت تماماً فلا داعى لإثارة حنقه أكثر من ذلك …
شقه يوسف …
بتكاسل شديد ظلت “دعاء” متملله بفراشها لوقت متأخر حتى دلفت والدتها إلى غرفتها تطمئن عليها ففى الغالب تستفيق بوقت مبكر عن هذا الوقت …
ام يوسف: مالك يا “دعاء” مرحتيش الكليه النهارده ليه ….؟؟
دعاء: أبداً يا ماما مصدعه شويه ..
ام يوسف: طب قومى إتحركى كده وأنتى تبقى كويسه بلاش النوم ده …
بمزاح لطيف عقبت “دعاء” على نصيحه والدتها …
دعاء: حاضر .. شويه كده وحقوم أرقص ..
صرخت بها والدتها بضيق من طريقتها المزحه طوال الوقت …
ام يوسف: دعااااء ..!!!
دعاء : بهزر معاكى يا ماما .. مال الصداع ومال الحركه ..؟؟
ام يوسف: هو كده .. إتعودنا كده طول عمرنا … إتحركى و إعملى أى حاجه حتلاقى الصداع راح …
بتعجب من علاج والدتها الغريب أردفت بتهكم وقد عقصت وجهه المازح بصورة تدعو للاشمئزاز …
دعاء: ده طب الفراعين ده ولا إيه …؟؟؟ فيه حاجه اليومين دول يا حاجه اسمها مسكن … بتخلى الصداع يروح ..
ام يوسف: بلاش غلبه وقومى بلاش كسل …
تحركت أم “يوسف” مستنده إلى عصاها نحو المطبخ لتبدأ فى تقطيع الخضروات لحين لحاق “دعاء” بها …
لم تجد “دعاء” بُد من أن تلحق بوالدتها لمساعدتها حين دق هاتفها برقم “مرزوق” ….
دعاء: السلام عليكم …
مرزوق: وعليكم السلام … ده إيه الصباح الجميل ده ..
دعاء: يا سلام .. للدرجه دى .. أنا مباكلش من الكلام ده ..!!!
مرزوق: ده مش كلام .. ده طالع من قلبى … أخبارك إيه النهارده ..؟!!
دعاء: تعبانه والله مصدعه من سهر إمبارح وأنا بذاكر ..
مرزوق: ألف سلامه عليكى أجيب لك دواء ..؟؟
دعاء: لا طبعاً تجيب إيه ..؟؟ ولا تهوب ناحيه بيتنا من أساسه ..
مرزوق: كنت بس عايز أطمن عليكى …
دعاء: لا متقلقش إتطمن …
مرزوق: أنا كنت بطمن عليكى مقدرش أبدأ يومى من غير ما أقولك صباح الخير و أسمع صوتك …
إهتمامه بها أشعرها بوجودها ، إحساس غريبه أحبته للغايه وإحتاجته بالفعل لترتسم إبتسامه خفيفه على ثغرها سرعان ما أفاقت لنفسها لتستكمل حديثها معه مصطنعه الجديه …
دعاء: وخلاص صبحت !!!! .. يلا سلام ورايا حاجات كتير فى البيت ..
مرزوق: سلام …
لامار ….
بعد إنتهاء لقائهما بالمكتب تفاجئت “لامار” بطلب “آدم” …
آدم: أظن إنك هنا النهارده ومش وراكى سفر .. ممكن بقى نتغدى النهارده مع بعض …
لم تجد لامار بُد من موافقتها .. خاصه وأنها لم ترى منه أى سوء .. فقررت خوض التجربه فربما تظن به ظن خاطئ …
لامار : موافقه .. حنتظرك الساعه ثلاثه هنا الشركه عندى ونروح سوا …
آدم: تمام .. حعدى عليكى فى المعاد …
فى الوقت المحدد …
مر “آدم” بـ”لامار” ليصطحبها لتناول الغذاء سوياً حين أردف بخيلاء …
آدم: شفتى مواعيدى مظبوطه إزاى …؟؟؟
لامار : أينعم إحنا فى فرنسا بس زى ما بيقولوا مواعيد انجليزى …
آدم: إتفضلى .. أنا اعرف مطعم جميل جداً ..
لامار : وهو كذلك …
توجه “آدم” و”لامار” إلى أحد المطاعم الفاخرة لتناول الطعام مع تعامل “آدم” الراقى للغايه مع “لامار” بصورة أبهرتها حقاً ..
مما جعلها تبدأ تغير تلك الصوره السيئه التى أخذتها عنه وأنه ليس ثقيل الظل الى هذه الدرجه …
بعد الإنتهاء من تناول الطعام أوصل “آدم” “لامار” مره أخرى إلى شركتها لتستقل سيارتها نحو المنزل …
لامار: مساء الخير …
والد لامار: مساء الخير …
نظرت “لامار” لتلك الحقائب الموضوعه بالزاويه قبل أن تسأل والدها بلطافه …
لامار : خلاص حضرتوا نفسكم للسفر …؟!!!
والد لامار: ما تيجى معانا تغيرى جو …؟؟
لامار: عندى شغل كتير جداااا الفتره دى ومقدرش أغيب أسبوعين بحالهم …. روحوا إنتوا ..
والد لامار: ماشى .. إحنا طالعين المطار كمان نص ساعه …
لامار: حاجى أوصلكم طبعاً …
والد لامار: أكيد … أخبار الشركه إيه …؟؟
لامار: مكنتش متخيله كم الطلبات للتعاقد مع شركتنا بالصوره دى … بجد مبسوطه جداً .. ده حتى فيه مؤتمر كويس أوى حيعرضوا فيه طرق جديده لجذب إنتباه العملاء الأسبوع الجاى مش لازم أفوته أبداااا …
بفخر شديد أردف “نشأت” متباهياً بذكاء إبنته وقدرتها على خوض تلك التجربه بنجاح …
والد لامار: أنا عارف إنك قد المسؤليه وحترفعى راسى … خصوصاً لما نسافر مصر ..
رفعت “لامار” كفيها بحالميه وهى تستطرد بإنفعال وحماس شديدين ….
لامار: أهى السفريه دى لا يمكن أفوتها أبداً … وقتها حكون مجهزة نفسى من قبلها لأن مصر وحشتنى جداً وخصوصاً إسكندريه …. أنا ممكن أعمل شغل كويس أوى هناك …
والد لامار: طيب يلا إستعجلى والدتك عشان منتأخرش …
لامار: تمام ثوانى حروح أناديها ….
•• الفصل الرابع عشر ••
•• هل دق القلب …؟؟!••
فى المساء …
ربما عيبه الوحيد الذى يعترف به حقيقه هو عدم التجاوز ، لا يستطيع تجاوز ضيق حل به أو فكرة سيطرت على عقله وتصبح هى شاغله الشاغل طوال الوقت …
عاد “يوسف” بعد إنتهاء عمله بالشركه إلى بيته لكن أثر ضيقه الذى حل به ظهيره اليوم مازال مؤثراً به …
صعد درجات السلم بتجهم تام حين سمع صوت “علا” تهتف بإسمه أمام باب شقتها مرة أخرى ….
إضطر “يوسف” على رسم إبتسامه مجبره على ثغره لتحيتها …
يوسف: السلام عليكم …
علا : أنا حضرت الورق أهو .. معلش حتعبك معايا …
يوسف: تعبك راحه …
تاهت كلماتها برد “يوسف” المجامل حتى أنها أخذت تبحث عن أى سؤال يخطر ببالها فقد تناست ما قد حضرت نفسها لقوله تماماً …
علا : ااااا …. أنا … أنا خريجه تجارة .. يعنى ممكن يكون فيه وظيفه عندكم صح ..؟؟!!!!
يوسف: إن شاء الله خير …
إستأذن “يوسف” منها صاعداً نحو شقتهم ليقابل والدته و”دعاء” ويطمئن عليهم لتقابله “دعاء” بالباب وهى تقف تتوسط خصرها بكفيها وهى تحرك حاجبيها إستفزازاً لـ”يوسف” مازحه …
دعاء: أيوة يا عم ماشيه معاك … شايفاك واقف مع “علا” …
أنهت عبارتها وهى تغمز بعينها مازحه معه ، لكنه لم يتقبل دعابتها ككل مرة وأردف بنبره مختنقه …
يوسف : بقولك إيه يا “دعاء” أنا مش فاضى لك … دى كانت عايزانى أقدملها على شغل فى الشركه …
رد “يوسف” المقتضب وعدم تحمله لمزاحها الثقيل جعلها تعقب بجديه لشعورها بأن هناك أمر ما يضيق نفسه …
دعاء: هو أنا قلت حاجه !!! … أنا كنت بهزر معاك .. مقصدش أزعلك …!!
أحس “يوسف” أنه زادها بحدته الغير مبرره وأن “دعاء” لا ذنب لها بضيقته التى لا يستطيع تجاوزها منذ الصباح ليردف معتذراً …
يوسف: معلش يا “دعاء” .. كنت مضغوط فى الشغل أوى النهارده عشان سفر يوم الخميس …
لم تكن تنتظر منه سوى تلك الكلمات البسيطه لتنفرج شفتيها عن إبتسامه رضا وهى تستطرد …
دعاء : معلش … أنا برضه زودتها شويه .. بس أصل “علا” حتموت عليك بجد ..
لم يستسغ مزاح “دعاء” الثقيل بموضوع مثل هذا ليردف بنبره تساؤل تحمل معنى لا يمكن ذلك …
يوسف : إيه الكلام إللى إنتى بتقوليه ده … لأ طبعاً ….؟؟
دعاء: طب بكره تشوف … ده باين وباين وباين كمان …
يوسف: بطلى هبل وحضريلى الغدا أحسن مكلتش حاجه من الصبح …
دعاء: ثوانى …
تبع “يوسف” أخته نحو الداخل وهو يحدث نفسه بإستراب مما قالته منذ قليل …
يوسف: مجنونه دى ولا إيه ؟!!!!! .. “علا” .. بتحبنى أنا …؟!!!!
بعد تناول طعامه وخلوه بنفسه بغرفته تناسى تماماً “علا” وما قالته “دعاء” عنها وتذكر شئ واحد فقط …
تلك الفاتنة ذات العيون الزرقاء ، أخذ يؤنب نفسه على إحساسه اليوم وإنتظاره لرؤيتها مره أخرى ….
وماذا لو رآها ….؟!! ما الذى سيتغير ….؟!! فمازال عقله يرفض تقبل ما مرت به … ، لم ذهب من الأساس للبحث عنها ؟!! .. وكيف سيطرت على تفكيره على الرغم من رؤيتها لمرة واحده فقط …. لم يريد رؤيتها ثانيه إذا كان يرفضها !!!!! …
شعر بأنه يسير فى متاهه ويجب أن يخرج منها بعقله مثلما إعتاد دائماً وعليه ألا ينساق وراء طريق لا يرضاه ولا يتقبله …
أسبوع آخر يمر تلتئم به الجروح ويتناسى به الألم …
إستطاعت “ورد” بتلك الأيام التعود على حركتها بمفرده مستخدمه عكازها تتكئ عليه لكنها بداخلها تتوق لموعدها بالمستشفى لإزاله تلك الجبيرة المتبقيه وتتحرر تماماً من تلك القيود التى سجنت بها لوقت طويل …
ولم يكن موعدها فقط هو ما تنتظره بل اليوم أيضاً ستتقابل مع “سماح” بجلسه جديده فمازال بداخلها حديث تود لو أن تخرجه من داخلها وتتحدث به عن أشياء تشعر بها تتمنى لو تشاركها مع أحدهم ، ولن تجد أفضل من “سماح” لذلك …
عانى “عبد المقصود” من بعض النوبات المؤلمه ومازال يخفى مرضه عن الجميع فلا يشغل فكره سوى “ورد” وحياتها من بعده فقد أدرك أن الموت قادم قريباً لا محاله .. لم يستطع ذلك إقصاء الصغير “محمد” عن البيت حتى بعد تأكده أنه ليس ولده فهذا الصغير لا ذب له …