-الو..
رد عليه الطرف الاخر ببرود صقيعي…
-المعلومات اللى عندك يا حضرة الرائد عن العمليه بتاعت المخدرات…نفذت اللى قولته مراتك هترجعلك سليمة من غير خدش واحد…اتفرعنت كالعادة انساها…حتى جثتها مش هتاخدها…معاك مهلة يوم واحد….
اغلق الخط مرة اخري…خارت قواه وجلس على المقعد بتثاقل…عليه الان ان يختار بين حبه لوطنه وحبه لزوجته…هو حتى لا يعلم من الرجل الذي قام باختطافها..هذه العمليه بعد يومان هى حصيلة تعبه طيلة شهران من العمل الدءوب والجهد الخرافي …بها سيكون ساهم ولو قليلا بانقاذ الكثير من الشباب الحمقي من الوقوع فى التهلكة…وضع راسه بين كفيه حائرا لا يعلم ما عليه فعله؟؟؟…
مر اليوم الذي اعطاه له الرجل بتثاقل شديد فقد دق جميع الابواب التى قد تتمكن من مساعدته لكنه لم يتوصل لشئ…واخر ما سمعه من صديقه المقرب ورئيسه بالعمل..
“احنا لما بنطوع ف الجيش يا ناير بنقسم اننا هنحافظ على بلدنا حتى لو على حساب ارواحنا وارواح حبايبنا..مش هأمرك بصفتي رئيسك ف شغلك..بس هقولك مراتك واحده بس…انت دلوقتي بين نارين…اختيارين سيئين جدا…ولازم تختار ..ف الحالة ديه بتختار السئ فالاسوء”..
وغادر المنزل تاركا اياه في دوامته مرة اخري…تصاعد رنين هاتفه بنفس موعد امس رد على الهاتف ببطئ وخوف كامن بحدقتاه البنية…
-المهلة خلصت…عندك حاجة تقولهالي؟؟…
رد عليه ناير بصوت جامد…
-افتح الاسبيكر..
ثوان وسمع ذلك الرجل يتحدث الى زهرته التى استمع الى نشيجها …
-يلا جوزك عاوز يكلمك..قوليله بقي يخرجك من هنا بسرعة..انت شوفتي كرم ضيافتي بلاش اوريكي الوش التاني…
وصله صوتها الباكي وشهقاتها…
-ناير..ناير عشان خاطري طلعني من هنا…ناير انا خايفة..
قالت كلمتها الاخيرة وبكت بقوة …جاءها صوته الثابت الجامد وهو يقول…
-زهرة انا اسف..مش هقدر انقذك..مش هقدر انفذ اللى هما عاوزينه…انا بحبك…
ثوان واستمع الى صوت الرصاصة التى بالتأكيد اصابتها واردتها …سقط الهاتف من يده وبكي..بكي كما لم يبك من قبل…حب عمره…عشق شبابه…رفيقة دربه الى نهاية الدنيا وبالاخرة وستبقي يديه ملوثة بدماءها الى يوم القيامة..
#########
-هااااي رحت فين يا عم الحج؟؟..
قالها يامن صديقه بالعمل ورئيسه سابقا…بفضل هذه العملية حصل ناير على ترقية جديدة بعمله واصبحا بنفس المنصب الان…
-مفيش…رحت لزهرة يا يامن..
اتكمشت ملامح يامن بأسف واردف…
-هى لسه متعالجتش بردو؟؟..
هز رأسه نفيا بيأس وهتف بمرارة…
-لسه ..انت عارف علاج الادمان بياخد وقت …والمصحة كمان كانت السبب انها ترجع تتعاطي تاني يعني رجعنا للصفر م الاول..
-طب المستشفي اللى راحتها دلوقتي مجابتش نتيجة؟؟..
-لا هى حاليا مش ف مستشفي…انا اخدتها البيت وحابسها ف اوضة يدوبك بس بدخلها الاكل مفيش لا علاج ولا مسكنات…
اتسعت حدقتي يامن بذهول ثم هتف…
-حرام عليك يا ناير…حرام عليك …انت كنت شايفها عامله ازاي وهى ف المستشفي وبتاخد العلاج اومال لما تمنعه منها هتبقي عامله ازاى؟؟…
احتدت نظرات ناير وهتف بشراسة…
-كنت عاوزني اعمل ايه يعني ؟؟..اسيبها ف المستشفي لحد م تموت من جرعة زيادة؟؟..
-طب اهدي…اهدي…انا قصدى بس تتعالج صح …ع الاقل يبقي الوجع الطبيعي مش مضاعف..هاتلها دكتور ف البيت طيب..
تنهد ناير بتعب واسند رأسه على ظهر المقعد قائلا…
-مش هأمن عليها مع حد يا يامن…وكمان خايف…خايف منها لما تخف لا تسيبني..خايف من حاجات كتير…مش عارف هبررلها ازاي انى سبتها ف اديهم…مش عارف هبررلها جوازى ازاي واللى كان قبل يوم الحادثة بكام ساعة بس…
الفصل التاسع…
بعد مرور يومان …ذهب ناير الى زوجته فى الغرفة المحتجزة بها ..فقد اقنعه صديقه “يامن” بخطأ تصرفه معها …وقف امام الغرفة واخرج المفتاح من جيب بنطاله..توتر يجتاحه عندما يقترب منها بعد فعلته الاخيرة…استعاد قوته وفتح الباب ثوان واندفع الادرينالين بأوردته وذهب ركضا اليها …كانت تجلس بأحد اركان الغرفة يبدو انها لم تتحرك من مكانها طوال مده غيابه فقد كان يراقبها من خلال الكاميرا التي وضعها بالغرفة وكان هذا المشهد هو اخر ما رأها عليه…
جلس على الارض وجذبها الى احضانه بقوة وهو يبكي على حالها …كانت كالزهرة بحياته تضفي جو من الحب والالفة بأى مكان توجد به..حتى انها لم تحمله معاناتها من معاملة اهله جميعا لها…
رفعت رأسها تنظر اليه ثم هتفت بضياع…
-مرة واحدة بس…صدقني يا ناير مرة واحدة …اريح دماغي من الصداع ده…
نظر الى عينيها بقوة هاتفا…
-لا..
همست تترجاه ..
-والله مرة واحدة بس ..
-قولت لا..
توحشت نظراتها واسودت حدقتيها ودفعته بكل ما اوتيت من قوة ادت الى ترنحه قليلا اذ لم يكن مستعدا لتلك الدفعة منها ..
-يعني ايه لا؟؟..انت مين عشان تقولي لا؟؟…مش انت اللى سبتني ف اديهم ؟؟…مش اللى انا فيه ده دلوقتي كله بسببك..
نهضت من مكانها وخلعت التي شيرت الذي ترتديه وهى تشير الى باطن ذراعها نحو العلامات الزرقاء بسبب الابر..
-شوف..شوف نتيجة تخليك عني…خلوني مدمنه ف اقل من ست شهور..خلوني مدمنة وبجري ورا السم ده …استنيتك تنقذني بس مجتش…بكل برود قولتلي انا اسف..سبتني ف اديهم مهمكش يعملوا ايه فيا حتى…مارست حياتك عادى واترقيت…اترقيت على حسابي…
وانفلتت اعصابها واصبحت تبكي وتصرخ فى آن واحد..اندفع اليها ولم يجد سبيلا لتهدأتها سوى ضربة تلقتها بسيف يده برقبتها ادت الى اغمائها…حملها ووضعها على الفراش وعاود البكاء عليها من جديد …واتخذ قراره …زهرة يجب ان تعود الى المشفي…كما انه يجب ان يبتعد عنها حتى يندمل جرحها الذي تسبب هو به …
****************
تغيرت حالتها النفسية كثيرا ..يومان فقط بذلك النادي الرياضي برفقة شقيقتها ساهم بدرجة ملحوظة فى التغيير الذي طرأ عليها…انتهت من ارتداء ملابسها وذهبت الى النادى بمفردها فقد اخبرتها زمزم بأنها متعبة ولن تستطيع القدوم اليوم …لم تضغط عليها تمارا وتركتها على راحتها داعية لها بالشفاء العاجل…
وصلت تمارا الى النادي مبكرا عن موعد تمارينها التى تؤديها بانتظام لمدة يومان فجلست على احدي الطاولات بالنادي المقابلة لحمام السباحة وطلبت فطورها…
على مقربة منها يجلس ذلك الشاب ذو البشرة البيضاء …يرتدى سروالا من الجينز وقميصا ابيض اللون ويضع النظارات الشمسية على عينيه..كان يلتفت بالصدفة فوجدها …تجمد مكانه لبرهة ثم نهض وسار باتجاهها..
-صباح الخير…
رفعت تمارا رأسها عن هاتفها عندما استمعت الى ذلك الصوت ثم قطبت جبينها باستغراب قائلة…
-صباح الخير…افندم؟؟..
افلتت ضحكة من ذلك الشاب ثم هتف بابتسامة…
-لسه زي م انت متغيرتيش …مش فكراني؟؟..
هزت رأسها نفيا ..
-لا…الحقيقة معرفش حضرتك…وياريت تقول انت عاوز ايه ولا تعرفني منين اصلا..
جذب الشاب المقعد الاخر وجلس عليه قبالتها وخلع نظارته قائلا…
-انا احمد…احمد نصران زميلك بتاع الكلية…لسه مش فكراني؟؟..
هزت رأسها بعدم تصديق تحاول استيعاب هوية الماثل امامها…”احمد نصران”..عشق الشباب يجلس امامها الان بهيئته …ترقرقت عيناها بالدموع وهى تتذكر ما عانته مع والدها بسببه…كانت تعتقد انه يحبها …خيل لها انه لن يتركها تتزوج غيره….لكن ..ليس كل ما يتمناه المرء يدركه…
اخفضت رأسها سريعا وحاولت ازالت تلك العبرات قبل ان تتخطي حدود عيناها …
-عاملة ايه يا توتا؟؟..اخبار دنيتك ايه؟؟..
تعمدت ان ترفع يدها اليسار امام وجهه وهى تقول بابتسامة حاولت قدر استطاعتها جعلها طبيعية…
-الحمد لله يا احمد…اتجوزت ومعايا سجدة وعدي…وانت ايه اخبارك؟؟
انطفأت لمعة عينيه وهو يحدق بالحلقة الملفوفة حول اصبعها …احس بها تلتف حول عنقه حتى كادت ان تخنقه…سافر الى الخارج حتى يحصل على فرصة عمل مناسبة على امل ان تنتظره…تنتظر رجوعه ويتزوجها…لكن على ما يبدو انه كان مخطئا…فهي لم تكن له مشاعر يوما وذلك واضح للغاية من ابتسامتها…
-الحمد لله…بس لسه ربنا مكرمنيش …ملقتش اللى احبها وتحبني..واصدقها…
استطاعت فهم المعني المبطن لكلمته الاخيرة والتي لا تمت بصلة الى ما يتحدثان به من الاساس لكنها لم تكترث وتابعت الحديث معه …بعد مرور ساعة تقريبا …
-سوري يا احمد لازم امشي ..معاد الكلاس بتاعي…فرحت جدا انى شوفتك النهاردة..
والتفتت حتى تغادر لكنه هتف…
-وانا كمان فرحان جدا اني شوفتك النهاردة…مع السلامة…
اشارت له مودعة وذهبت نحو الجيم الخاص بالسيدات وكل انش بها ينتفض رعبا وهى تتخيل معرفة عابد بتلك المقابلة مع رجل غريب فقط…تري ماذا ستكون ردة فعله عندما يعرف انه لم يكن بشخص غريب وانه الشخص الذي رفضته زوجته بسبب حبها له؟؟…من المؤكد دون ان يرف له جفن؟؟…
************************
بالمساء …خرجت سيلين من غرفتها متوجهة نحو غرفة ابنة عمها حتى تري اذا كانت تجهزت ام لا…دقت الباب ودلفت اليها فوجدتها تقف امام المرأة وتفتح فمها بتركيز شديد وهى تضع خطا من الكحل بعيناها الزرقاوين…انتظرت سيلين حتى انتهت زمزم من وضع الكحل بنجاح ثم هتفت…
-خلصتي يا زوزة؟؟..