
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نهتدي ونستعين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا ☆ بسمة أمل ☆
بقلمي روز آمين
☆الفصل الأول ☆
ليلاً، داخل إحدي الشقق متوسطة الحال المتواجدة بمدينة القاهرة الكُبري
وبالتحديد داخل شقة أمير مصطفي عساف
كان الجميع مٌلتف حول المنضدة الموضوع عليها قالب حلوي ذكري ميلاد تلك الجميلة ممشوقة القوام المُلقبه ب أمل عمران ،، حيث يجتمع بعضً من أهلها وأهل زوجها وأيضاً بعض أصدقائهما المُشتركين للإحتفال بذكري يوم ميلادٌها الثامن والعشرون من عُمرِها
كان الجميع يصطفون ويهتفون بسعادة إحدي الأغنيات الخاصة التي تُقال في تلك المناسبه ، إنتهوا من غنائها ثم مالت أمل علي قالب الحلوي وزفرت بقوة لتٌطفي شمعه وتطوي بها عامً مضي بما فيه من خيرٍ وشر ،، لتستقبل عامً جديداً تتمني من الله عز وجل أن يرزقها فيهِ الخير والسعادة والصحه لها ولجميع أحبائها
صفق الجميع لها بسعادة وبدأت أمل تتلقي التهاني والهدايا من جميع الحضور
أما زوجها المدعو أمير الواقف بجانبها والبالغ من العُمر إثنان وثلاثون عامً والذي يعمل محاسبً في إحدي الشركات البسيطة
فقد إقترب منها وأحتضنها وقَبل وِجنتها بحب تحت خجلها الرائع الذي زاد من حُمرة وجنتها وجعلها أكثر جمالاً وسحراً
وأردف وهو يٌعطيها هديتها التي كانت عبارة عن سِلسال رقيق من معدن الفضة الخالص :
_ كل سنه وإنتِ طيبه يا حبيبة قلبي وعقبال مليون سنه وإنتِ معايا ومالية عليا حياتي
نظرت للقلادة بإنبهار و أردفت قائلة بنبرة مُمتنة :
_ وإنتَ طيب و معايا يا حبيبي ،السلسلة تجنن يا أمير،، ربنا يخليك ليا يا حبيبي و ميحرمنيش منك ابدا
أردف هو بسعادة لسعادة زوجته بهديتهِ رُغم بساطتِها :
_و يخليكي ليا يا حبيبتي
لوت راوية والدة زوجها فاهها و أردفت هامسة بجانب أذن إبنتها شيرين وهي تٌقلد صوت أمل بنبرة ساخرة :
_ و إنتَ طيب و معايا يا حبيبي، إتفرجي علي بجاحتها وكُهنها
أجابتها إبنتها شيرين بنبرة مُحتقِنة بالغضب والحقد وهي تتطلع علي هدية شقيقها البسيطة إلي زوجتة :
_ و كان لزمتها أيه الهدية اللي جايبها لها دي ، ما كان كفاية عليها مصاريف التورتة والزينة والأكل ده كله
وأكملت بنبرة لائمة ساخطة علي شقيقها :
_بصراحه بقا يا ماما إبنك ده فرفور أوي ومدلع الهانم علي الأخر، بكرة تركب فوق دماغة وتدلدل رجليها وتمشيه علي العجين ما يلغبطهوش و ييجي وقتها يصرخ لنا ويقول إلحقوني
أومأت لها راوية بموافقه وتحدثت بنبرة تقطرُ غِلاً :
_والله أنا حذرته قبل كدة وهو إستهون بكلامي وما قدرنيش، خلية يشرب بقا اللي هيشوفة علي إدين الهانم
أما سَحر والدة أمل، الموظفة بإحدي الهيئات الحكومية وما لديها من مكانة مرموقة بداخل عملها، إقتربت من إبنتها وأردفت قائلة بنبرة سعيدة وهي تٌناولها هَديتها القيمة :
_ كل سنة وإنتِ طيبة يا روح قلب ماما، وعقبال سنين حلوة كتيرة إن شاء الله
قَبلت والدتها بحب وأخرجت الهدية من صندوقها المُخصص لتتفاجئ بثوبٍ أنيقٍ للغاية وحذاءٍ مٌلائم له وأيضاً حجابً يليقً بلون الثوب ليكتمل الطقم
نظرت إلي والدتها بحب وأردفت بنبرة حماسية مرحة :
_ يا حبيبتي يا ماما، طول عمرك ذوقك يجنن، بس الفستان شكلة غالي أوي
وأكملت علي إستحياء :
_ليه كلفتي نفسك أوي كدة ؟
أجابتها والدتها بعيون سعيدة :
_ الغالي يرخص علشان خاطر عيونك يا أمل
أكدَ شقيقها إيهاب علي حديث والدتهِ وأعطاها هديتهِ قائلاً بنبرة حنون :
_ ما فيش حاجة في الدنيا دي كلها تغلي عليكي يا أمولة
وأيضاً شقيقتها رانيا البالغة من العمر الرابعةِ والعشرون من عُمرها، والتي أردفت بسعادة وهي تُناولها هديتها :
_ كل سنة وإنتِ طيبة وبخير يا قلبي
وأكملت حديثها بنبرة حنون:
_ وصدقيني لو جبنالك حتة من القمر مش هيبقا كتير عليكي
إحتضنت شقيقتها وشكرتها بحفاوة
إقتربت منها راوية وأردفت بإبتسامة مٌنافقة وهي تٌعطيها هديتها التي كانت عبارة عن محفظة صغيرة بثمنٍ زهيدٍ بخس :
_ كل سنه وإنتي طيبة يا أم كارما ،معلش بقا هديتي مش أد كدة السنة دي، لكن إنتِ طبعاً تستاهلي الدنيا كلها
إبتسمت لها أمل بسعادة وتحدثت بوجهٍ بشوش ونبرة صادقة :
_ ما تقوليش كدة يا ماما ده كفاية أوي إن حضرتك إفتكرتيني في اليوم ده
إحتضن أمير والدتهُ بحب قائلاً بإمتنان :
_كل اللي ييجي منك بركة يا ست الكُل
بدأ الجميع بتناول الحلوي والشطائر المحشوة باللحوم المشوية والنقانق
لوت راوية فاهها وأردفت قائلة بنبرة ساخرة مُعترضة و هي تفتح إحدي الشطائر وتري ما بداخِلُها :
_ وكان لزومه أيه البانية والكفته والسُجق ،ما كان كفاية أوي التورتة والحلويات والجاتوة، ولا هي مصاريف وبعزقة علي الفاضي يا بنتي
و أكملت بنبرة لائمة كي لا تدع تلك المسكينة تهنئ بيوم ميلادها :
_ مش بيتك كان أولي بيها المصاريف دي، هو أبني هيلاحق علي أية ولا أية ؟
وبلحظة إنطفأت “بسمة أمل” وتحولت إلي خزلان، كسي الحُزن ملامِحُها البريئة وحزن أمير لأجل حبيبته الرقيقة
فأجاب والدتهِ وهو ينظر لها مٌستعطفاً إياها لتصمت وتكف عن أذيت مشاعر زوجتهِ الرقيقة :
_ مصاريف أيه بس إللي بتتكلمي عنها يا ماما، ده أنا لو أطول أجيب الدنيا كلها وأحطها تحت رجلين أمل عمري ما كُنت هتأخر
وقبل رأس زوجته وأردف قائلاً بعيون عاشقة :
_ كل سنه وإنتي سعيدة يا حبيبتي
إبتسمت بسعادة ولهفة لزوجها الحنون، حين نظرت شيرين إلي والدتها وأبتسمت بجانب فمها بطريقة ساخرة كي تستدعي غضبها أكثر من أمل
إقتربت كارما طفلة أمل الوحيدة البالغة من العُمر ست سنوات وقبلت والدتها بسعادة وأردفت قائلة ببرائة :
_ كل سنه وإنتِ طيبة يا مامي
حملتها أمل وبدأت بتوزيع قُبلاتِها الحنون فوق جبهتها ووجنتيها وعيناها بنهمٍ وحُبْ وتحدثت مُدلله لطِفلتِها :
_ وإنتِ طيبة يا قلب مامي
حين تحدثت شيرين بطريقة فظة وتدخُل مُستفز كي تُفرغ حِقدها التي تكنهُ لأمل داخل قلبها الذي لا يحمل لتلك المسكينة سوي الحِقد :
_ هو أنتِ يا أمل مش ناوية تخاوي البنت ولا أية، ده اللي من سنك يا حبيبتي معاها طفلين وتلاته كمان ؟
رمقها زوجها أكرم بنظرة تحذيرية تلاشتها شيرين وأحالت بوجهها عنه بعدم إكتراث
في حين أجابتها أمل بهدوء وثبات إنفعالي متغاضية لهجتها المُستفزة :
_كلة بإذن الله يا شيرين
تحدثَ مصطفي والد زوجها إلي إبنته بعتاب :
_ الحاجات دي بتبقا خاصة بين الراجل ومراته يا بنتي ومش من حق اي حد فينا يتدخل، إفرضي إنهم مش عاوزين يجيبوا أولاد تاني، نتدخل إحنا بينهم ليه ؟
قاطعت راوية حديثه بإعتراض ونبرة حادة :
_ فال الله ولا فالك يا مصطفي، إن شاء الله يجيبوا بدل الولد إتنين وتلاته كمان ، ولا عاوزهم يقعدوا علي حتة البنت كده
مالت أشجان صديقة طفولة أمل وأردفت هامسة بدُعابة :
_ هو أنتِ بتجيبي طاقة منين تتحملي بيها الناس العجيبة دي ،ده أنا مش قادرة أتحملهم الكام ساعه دول
أردفت أمل سريعاً بإرتياب :
_ وطي صوتك يا بنتي لـ حد فيهم يسمعك ومنخلصش إنهاردة
أردفت أشجان بنبرة ساخرة :
_ لا وعلي أية، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم
أما والدة أمل وشقيقتها رانيا اللتان تقفان جانبً وهما تستمعتان لحديث راوية وشيرين اللازع لعزيزة عيناهما الرقيقة، تراقبان ما يحدث بصمتٍ تام حتي لا ينزعا إحتفال غاليتهما
إقتربت رانيا إلي شقيقتها و أحتضنتها و أردفت قائلة بصوتٍ حنون :
_ كل سنه وإنتي طيبة يا مولي، عقبال 100 سنه ياروحي
شددت أمل من إحتضان رانيا وأردفت قائلة بنبرة سعيدة :
_ كل سنه وإنتِ وماما وإيهاب معايا وربنا ما يفرقنا أبداً عن بعض
أمنت شقيقتها علي دٌعائها
إقترب إيهاب من شقيقتهُ التي تقف بجانب زوجِها وحاوط كتفها بحنان وتحدث :
_ أنا حضرت لكم هدية كده صُغيرة أتمني إنها تعجبكم
نظرت إليه أمل بإهتمام مُترقبة لباقي كلماته فأكمل هو :
_ حجزت لكم بكرة غرفة في أوتيل علشان تقضوا فيها ليلة حلوة، الحجز شامل الغدا والعشا وأي حاجة هتحتاجوها خلال اليوم
وأكمل بنبرة جادة وهو ينظر إلي أمير :
_ هبعت لك اللوكيشن بتاع الأوتيل علي الواتس يا أمير
سَعد داخلُها وشددت من إحتضان شقيقها حين تحدث أمير بنبرة خَجلة :
_ مكنش فية داعي تتعب نفسك يا إيهاب، أنا كُنت هخرجها بكرة ونتعشي في أي مكان هادي
أجابهُ إيهاب بمرح كي لا يُشعرهُ بتقصير في حق زوجته :
_ خلينا الأول نكون متفقين إن أنا وإنتَ مجتمعين علي حُب أمل، وإن أهم حاجه عندنا إنها تكون مبسوطة ، وسواء كان الحَدث اللي هيبسطها ده بإيدي أو بإيدك صدقني مش هتفرق
شددت هي من ضمتها لشقيقها وتحدثت وهي تنظر لمقلتي زوجها الحبيب بهيام :
_ربنا يخليكم ليا إنتم الاتنين وتعيشوا وتسعدوني
قَبل شقيقها رأسها بحنان
إنقضي اليوم علي خير وذهبَ الجميع كُلٍ إلي وجهته
دلفت إلي غرفتها بعد تنظيف المكان من الفوضي التي كانت عليه وإعادت ترتيبة من جديد بمساعدة شقيقتها و والدتها اللتان ذهبتا مباشرةً بصحبة شقيقها بعد الإنتهاء
دلفت إلي المرحاض وخرجت بعد مدة وهي ترتدي ثوباً مٌخصصً للنوم ناعمً و حريري الملمس
نظر إليها أمير بعيون هائمة مٌنبهرة بجمال و رقة و إنوثة زوجتهِ الشابة الحنون
تحرك وأقترب منها وأردف قائلا بنبرة حنون :
_ معقولة الحورية إللي نازلة من السما دي تبقا مراتي أنا ؟
أد أيه أنا راجل محظوظ وأمي داعية لي
إبتسمت له وأردفت قائلة بسعادة ناتجة من عشقها لزوجها :
_ المحظوظه في حبك هي أنا يا أمير
وأكملت بنبرة لعاشقة :
_ بحبك يا أمير، بحبك وهفضل أحبك لأخر يوم في عمري ، و حتي بعد ما أموت عمري ما هبطل أحبك
وضع أصابعة فوق شفاها بحركة سريعه وأردف قائلاً بنبرة قلقة :
_بعد الشر عليكِ يا أمل، أوعا أسمعك تجيبي سيرة الموت دي تاني علي لسانك
ضحكت وأردفت قائلة بدلال أنثوي :
_ للدرجة دي بتخاف عليا يا روح قلبي ؟
أجابها بعيون عاشقه :
_ مليش حياة من بعدك يا حبيبتي، ومعنديش أغلي منك علشان أخاف علية
إقتربَ عليها بعيون تملؤها الرغبة وتحدثَ بنبرة هائمة :
_ كل سنه وإنتي طيبة يا أمل ، تعالي بقا علشان أديكي هديتك
ضيقت عيناها وأردفت بلؤم أعجبهُ :
_هدية تاني، ما أنتَ أدتني هديتي خلاص يا بيبي
غمز بعيناه وأردفَ قائلاً بوقاحه :
_ لسه فاضل أهم هدية فيهم
وأنحني عليها وحملها بين ساعديه تحت سعادتها التي تخطت عنان السماء وتحرك بها بإتجاة التخت ثم وضعها علية بهدوء و مال عليها ليغوصا معاً في عالم عشقهما الحلال
_____________
بنفس التوقيت داخل سيارة إيهاب
تحدثت رانيا الجالسه بالخلف بنبرة إستيائية :
_ أنا متضايقة جداً وزعلانة علشان أمل وحالتها المادية يا ماما
وأكملت بإمتعاض :
_ معقولة دي العيشة اللي تستحق تعيشها ولا هما دول الناس اللي المفروض تعاشرهم ؟
تحدث إيهاب مهمومً لأجل شقيقتهُ التي يعتبرها هي ورانيا كطفلتاه :
_ عندك حق والله يا رانيا ، دي الست اللي إسمها حماتها هي وبنتها شبه رايا وسكينة في كلامهم ، واقفين يتفرجوا علي كل اللي حواليهم ومش عاجبهم أي حد وعمالين يمصمصوا في شفايفهم زي عواجيز الفرح بالظبط
واكمل بنبرة إستيائية:
_ حقيقي ناس دون المستوي
تنهدت سحر بأسي وأردفت قائلة بنبرة هادئة كي تُهدئ من ثورة أولادها :
_خلاص بقا يا ولاد ، ده إختيار أختكم ولازم تحترموة ، هي حبت أمير و وافقت تكون شريكة حياته وهي عارفه ظروفة كويس وموافقة عليها
وأكملت مُفسرة :
_ وبعدين بصراحة الولد كويس جداً وبيحبها وشايلها علي كفوف الراحة، كفاية إنه بيشتغل شغلنتين وبيعمل أقصي جهدة علشان يخليها مرتاحة ويلبي لها كُل طلباتها في حدود مقدرته ، وهي الحمدلله مبسوطة معاه وده كُل اللي يهمنا في الموضوع
تحدث إيهاب مؤكداً علي حديث والدته :
_ هو أنا ما أقدرش أنكر إن أمير فعلاً حد كويس وبيحبها ويمكن ده اللي خلاني أسكت وأعدي كلام العقربة اللي إسمها حماتها دي إنهاردة
تحدثت والدتهُ موجهَ كلامها إليه لتغيير مجري الحديث :
_ سيبك بقا من موضوع آُختك وقولي هتسافر دُبي لمراتك وأولادك أمتي ؟
أجابها إيهاب الذي يعمل في مجال العلاج الطبيعي وأختار مدينة دُبي لتكون مقر عملهِ هو وزوجته التي تعمل معهُ بنفس مجاله :
_ بعد إسبوع بأمر الله
وأكمل مداعبً إياها بمرح :
_ ثم إنتِ قوام كدة زهقتي مني يا سحر ؟
إبتسمت بهدوء وتحدثت بنبرة حنون :
_ وأنا أقدر أزهق منك بردوا يا حبيبي ، أنا بس كُنت حابه احضر لك شوية حاجات علشان تاخدهم معاك للأولاد وتقول لهم نانا باعتا لكم الحاجات دي
أجابها بحب :
_ ربنا يخليكي ليا يا ماما
واسترسل حديثهُ مُتذكراً :
_ بالمناسبة قبل ما أنسي ، هبقا أسيب لحضرتك مبلغ كده إبقي إديه ل أمل بعد ما أسافر لانها بتتحرج جدآ لما بديها فلوس وبترفض تاخدها مني ، بس أكيد مش هترفض تاخد من حضرتك
إبتسمت رانيا وتحدثت بنبرة حنون لشقيقها :
_ ربنا يخليك لينا يا إيهاب وما يحرمناش منك أبداً
إبتسم لها وأردف تحت سعادة والدتهما :
_ ويخليكم ليا يا حبيبتي
_______________
صباح اليوم التالي
داخل إحدي المصالح الحكومية وبالتحديد داخل مكتب سحر عبدالسلام والتي تعمل نائب مدير فرع للمصلحة
كانت تجلس خلف مكتبِها مُنكبه علي بعض الأوراق التي تحتاج مراجعتها ووضع إمضتِها عليها، إستمعت لطرقات خفيفة فوق الباب
فتحدثت بوقار :
_ إدخل
دلف ذاك الوسيم الخمسيني والذي يرأُسها بالعمل وتحدث بإبتسامة سعيدة :
_ صباح الخير يا أستاذة
أردفت بإبتسامة مماثلة :
_ صباح النور يا أستاذ حسين، إتفضل إقعد
جلس فوق المقعد وتحدثت هي بتساؤل :
_ شربت قهوتك ولا أطلبها لك من البوفيه
أجابها بنبرة عاشقة :
_لو هتشربي قهوتك معايا يبقا تطلبي لي
إبتسمت له برقة وأمسكت بهاتف المكتب وطلبت من عامل البوفية قدحان من القهوة السادة
في حين تحدث هو إليها بإهتمام :
_ كل سنة وأمل طيبة، وعقبال ما تجوزي رانيا وتفرحي بيها
ردت عليه مُبتسمة :
_ متشكرة جدا
ثم تسائل بعيون تنطقُ عشقً :
_ لسة ما أنش الآوان علشان تنظري لي بعين الرحمة يا سَحر ؟
أخذت نفسً عميقً وتحدثت بأسي :
_ياريت كان ينفع يا حسين
وأكملت بنبرة يتغلب عليها العقل:
_ إنتِ عارف إني مقدرش أكسر إبني وأجيب له جوز أم وهو في السِن ده
نظر لها بضجر وتحدث مُعترضً علي تفكيرها البالي بالنسبة له :
_ تعرفي يا سَحر، برغم إنك ست مُتعلمه ومثقفة بس يظل تفكيرك عقيم ومحدود زيك زي ناس كتير في مُجتمعنا
وأسترسل متسائلاً بنبرة حادة:
_ ممكن تقولي لي إيه اللي يكسر إبنك في إنك تتجوزي علي سُنة الله ورسوله من راجل ليه نفس ظروفك وتعيشي معاه اللي باقي لك من حياتك في ونس
وأكمل مُفسراً بنبرة هادئة :
_ يا سحر إنتِ ست جميلة ولسه صُغيرة ومن حقك تاخدي فُرصة تانية في الحياة بعد جوزك الله يرحمه ،
وأسترسل شارحً:
_ وأنا راجل أرمل وإبني سابني وسافر وعاش حياته بعيد عني ، بشرع مين نفضل كل واحد مننا عايش لوحدة مع إن ممكن جداً نتجوز ونكون لبعض الونس والرحمة والمودة
أردفت متسائلة بإعتراض :
_ ورانيا يا حسين ؟
أجابها بهدوء في محاولة منهُ بإقناعها :
_ رانيا مخطوبة لزميلها في الشغل وكلها سنة وتتجوز، تقدري تقولي لي وقتها هتعملي إية وإنتِ عايشة لوحدك في شقتك ؟
أردفت قائله بعقلٍ مُشتت :
_يا حسين إفهمني من فضلك، أنا معنديش الشجاعة إني أتكلم مع أولادي في موضوع مُحرج زي ده
أجابها بنبرة حماسية :
_ سيبي لي أنا المُهمه دي وأنا قادر أقنع أولادك واخليهم هما بنفسهم اللي يكلموكي ويطلبوا منك تقبلي طلبي للجواز
ضحكت بإنوثة أهلكت بها قلب ذاك العاشق الذي تحدثَ بنبرة هائمة :
_ والله حرام عليكِ اللي بتعملية في قلبي المسكين ده
خجلت من كلماتهِ العاشقة وأزاحت ببصرها عنه خجلاً
_____________________
في صباح يومٍ مٌشرق جديد
فاقت أمل من غفوتها علي صوت المنبه الذي يصدح بجانِبها فوق الكومود ، مدت يدها وضغطت علي زر الإيقاف وبدأت بفتح عيناها بتثاقل وهي تستمع إلي صوت زقزقت العصافير التي تعشقُها
ثم نظرت بحب لذاك الغافي بجانبها بثبات عميق
إعتدلت ومالت عليه وقبلت شفتاه بهدوء،
أفتح أمير عيناه ونظر إليها بإبتسامة سعيدة وأردفَ بصوتٍ مٌتحشرج ناعس :
_ صباح الخير يا حبيبتي
أجابته بوجهٍ بشوشٍ صابح لزوجة سعيدة :
_ صباح الفل يا حبيبي
وأكملت بإنتشاء وحماس :
_يلا يا قلبي علشان تاخد شاور علي ما أروح أجهز لك الفطار
إعتدلَ بجلسته وأحتضنها بسعادة ثم أخرجها و نظر إلي وجهها ومال علي شفتاها وقبلها بنعومه تحولت في لحظات إلي أخري شغوفه
كادت أن تتحرك وتٌفلت حالها منهْ لكن يده كانت أسرع منها وأردف قائلاً بعيون راغبة وهو يجذبها إليه :
_ رايحه فين وسيباني وأنا مشتاق لك أوي كدة
إبتسمت له وأردفت قائلة بدلال :
_ سبني يا أمير ، كدة هتتأخر علي شغلك
أجابها وهو يسحبها داخل أحضانه بطريقة أذابتها :
_ ما أتأخر عادي وأيه المشكلة، كل حاجه تتعوض إلا حُضنك يا قلبي
وسحبها إلي عالمهِ الخاص،عالم العشاق
بعد مدة كان يجلس فوق مقعدهِ بكامل هيئتهِ يتناول وجبة إفطاره بجانب طفلتهِ كارما
و ضعت أمل كوباً من النِسكافيه أمامَ زوجها الحبيب ثم تابعت تجهيز شطائر طفلتها حتي تضعها بصندوق طعامها الخاص بالمدرسة
وأردفت قائلة بحب وهي تنظر إلي صغيرتها :
_ إشربي اللبن بتاعك بسرعة يا كوكي قبل باص المدرسة ما يوصل
أردفت الفتاه بتملل ووجهِ عابس :
_ مش بحب اللبن سادة وحضرتك عارفة كدة يا مامي ،حطي لي علية شيكولا
أجابتها أمل بإعتراض لطيف :
_ ما ينفعش شيكولا علي الصبح يا قلب مامي، إشربي اللبن سادة علشان يقويكي ولما ترجعي من المدرسة هعمل لك النسكويك اللي بتحبيه
تأففت الصغيرة بإعتراض حين وجهَ أمير حديثهٌ إلي طفلتهِ المٌدللة :
_ بطلي دلع وإسمعي كلام مامي يا كوكي وأشربي اللبن بسرعه علشان أنزلك معايا للباص
إستمعت الفتاه حديث والدها وأومأت لهُ بطاعة وبالفعل بدأت بإرتشاف كوب الحليب ثم وقف أمير و أرتدي حلة بدلته وحمل طفلتهِ المُدلله و وقف يقبل وجنة أمل قائلاً بحب :
_ مع السلامة يا حبيبتي ، مش عاوزة حاجة أجيبها لك معايا وأنا راجع ؟
إبتسمت له وأردفت بنبرة رقيقة وقناعة :
_ عاوزة سلامتك يا حبيبي
وقبلته وقبلت طفلتها بسعادة ثم عاودت للنوم مرةً أخري بعد ذهابهُما
بعد مدة فاقت من غفوتها بعد ثباتٍ عميق ، توضأت وصَلت صلاة الضُحي وتحركت إلي الخارج، بعد قليل كانت تقف داخل مطبخها لتقوم بتجهيز وجبة الغداء قبل موعد وصول زوجها وصغيرتها ، إنتهت من تجهيز الطعام وأغلقت مفاتيح شُعلات الموقد
وما أن تحركت مُتجهَ إلي الخارج، فجأة شعرت بدوار أصاب رأسها وبدون سابق إنذار سقطت فوق أرضية المطبخ مُتمدده بجسدِها فاقدة الوعي تماماً
تٌري ما الذي حدثَ لـ أمل جعلها تتهاوي وتسقط فاقدة الوعي هكذا ؟
هذا ما سنتعرف عليه في الفصل القادم
☆بسمة أمل ☆
بقلمي روز أمينبسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم لا تبتلينا في ما لا نستطع عليه صبرا
نوفيلا
☆بسمة أمل ☆
بقلمي روز آمين
☆الفصل الثاني ☆
خطي أمير بساقيه إلي مسكنه بصحبة طفلته التي دلفت تهتف بإسم والدتها وتبحث عنها بمرح ولكنها لم تجيب وتُقابلها بالضحكات والأحضان الحانية ككُل يوم
إستغربَ أمير هدوء المكان وخلوهُ من مرح زوجتهِ الجميله وأنتظارها لهما كعادتها دائماً،
دلف لداخل غرفتهما معاً ظناً منهٌ أنها متواجدة بداخلها، ولكنهٌ وجد الغرفه خالية تماماً، دلف إلي المرحاض و إنزعجَ عندما وجدهٌ أيضاً خالياً منها
إرتعبَ داخلهٌ عندما إستمعَ إلي صراخ طفلته وهي تناديه من الخارج بهلع ونبرة مُرتعبة :
_ باااابي، إلحق مامي يا بابي
جري مٌسرعً يتتبع منبع خروج صوت صغيرته الهلع، وصل إلي المطبخ وجدها تجلس أرضً بجانب والدتها الغائبة عن الوعي وتُحركها وتصرُخ هلعاً
جحظت عيناي أمير حين وجدها علي تلك الحالة ، إرتمي علي الأرض بجانبها ورفع رأسها بين كفيه وبدأ بخبط صَدغِها بيده بخفة وهو يحدثها والقلق بنهش داخلة :
_ أمل، فوقي يا حبيبي، فوقي يا أمل أبوس أديكي
ثم نظر إلي طفلتهِ التي تصرخ بلا إنقطاع بإسم والدتها وأمسك يدها وتحدث ليطمئنها بعدما تحسسَ نبض زوجته وعلم أنها ما زالت على قيد الحياة
أردف أمير بطمأنينه :
_ إهدي يا كارما و ما تخافيش يا حبيبتي، مامي كويسه
ثم وضع رأسها من جديد فوق الأرض بعناية وهب واقفً مُنتفضً من مكانه وتحرك علي عجل، وجلب كوبً من الماء وبدأ بسكب بعض القطرات منه علي وجهها مما جعلها تتملل و بدأت بإستعادة وعيها شيئاً فشيئا
تنفس براحه حين وجدها تفتح عيناها من جديد ، أما كارما فا أرتمت داخل أحضانها و هي تبكي وتتحدث بصوتٍ باكي مُرتعب :
_ خوفتينا كتير عليكي يا مامي، ليه نايمة هنا في المطبخ ؟
نظرت لهما بإستغراب، وأردفت بصوتٍ ضعيف بالكاد يُسمع :
_ هو فيه أيه، أيه إللي حصل يا أمير ؟
سحبها أمير بلهفة لداخل أحضانه وأجابها بنبرة قلقة :
_ مش عارف يا حبيبتي ، إحنا لقيناكي واقعة هنا و فاقدة الوعي تماماً
وقف منتصب الظهر ثم أوقفها معه وتحرك بها سانداً إياها إلي الخارج وأجلسها فوق المقعد المتواجد ببهو المسكن وتسائل بإهتمام :
_ مالك يا أمل، أيه إللي حصل لك وخلاكي حتي ما تقدريش تسيطري علي نفسك بالشكل ده ؟
تنفست بهدوء وهي تحتضن طفلتها التي مازالت مُرتعبه وأردفت متذكرة :
_ مش عارفه أيه إللي حصل لي بالظبط، كل اللي فكراه إني فجاة حسيت بدوخة شديدة وبعدها الدُنيا إسودت والرؤية إنعدمت عندي، ومحسيتش بأي حاجه غير وإنتوا جنبي من شوية
أردف قائلاً بهدوء :
_ الحمدلله يا قلبي إن البوتجاز كان مقفول ،أكيد إللي حصل لك ده علشان مش بتفطري
وأكمل بنبرة معاتبً إياها :
_ كام مرة قولت لك تفطري لما تقومي من النوم وبلاش تهملي في نفسك وصحتك بالطريقه دي
أجابته بإستسلام ونبرة ضعيفة :
_حاضر يا حبيبي، إن شاء الله هفطر بعد كده
ومر اليوم بسلام ، وتوالت الأيام و بدأت أمل تشعر بألام جديدة عليها تقتحم جسدها بقوة، وهزلان وغثيان في بعض الأحيان
لاحظت والدتها جسد إبنتها الهزيل الذي إفتقد الكثير من وزنه وشحوب وجهها الذي إنطفئ بريقهُ، فبادرت هي وأخذتها إلي الطبيب في زيارة للإطمئنان علي صحة غاليتها
وبعد الكشف الأولي نظر إليها الطبيب وتحدث بنبرة عملية وهو ينكب علي دفتره الخاص ويكتب لها بعض انواع الفحوصات المطلوبة منها كي يستطيع معرفة شكواها بدقة متناهية :
_ أنا كتبت لك علي إشعة وتحليل، هتعمليهم لي في المعمل اللي كتبت لك عنوانه في أخر الورقة، وأول ما النتيجة تظهر تجيبي التحاليل وتجي لي فوراً
تحدثت إليه سحر بإستفسار كي يطمئن قلبها :
_ طب ممكن حضرتك تطمني لحد الإشعة ما تطلع وتقولي الدوخة ودبلان وشها ده بسبب إيه ؟
أجابها الطبيب بمنتهي العملية :
_ فيه أمراض كتير بتشترك في نفس الأعراض، وعلشان أكون دقيق في وصف المرض وأقدر أكتب لها العلاج الصح، لابد من التحاليل والإشعة علشان نحدد طبيعة المرض بالظبط
أومأت لهُ أمل وسحر وأيضاً رانيا وتحركن إلي الخارج تحت نظرات الطبيب المشككة بل أنهُ يكادُ متأكداً من صحة شكوكهُ التي راودته مُنذ أن إستمع إلي شكواها والأعراض التي قصتها عليه وأيضاً من الكشف الأولي ، لكنهُ إنتظر لحين ظهور نتائج الفحص ، وتمني من داخلهُ بأن يخيب ظنهُ تلك المّرة
في مساء اليوم التالي
عادت أمل إلي منزلها بعد قضاء يومٍ مٌتعب شاق قضتهُ داخل معمل الفحوصات بصحبة والدتها و شقيقتها اللتان إهتما بها إلي أبعد الحدود كي لا يُشعراها بالحُزن أو الأسي ، ثم أوصلاها أمام البناية التي تقطن بها وتحركتا بسيارة رانيا عائدين إلي مسكنهما
دلفت إلي الداخل وجدت المنزل هادئ ومُظلم بعض الشئ، وذلك لخلوهِ من زوجها وصغيرتِها، تنهدت بأسي وحُزن عميق تملك من داخلها جراء عدم شعور زوجها بما تعانيه من أزمة نفسية، شعور بالوحدة إجتاح داخلها لعدم مشاركتهُ لها همها وتخوفها وشعورها بالسوء مما هو قادم
وضعت حقيبة يدها جانبً بعدما أخرجت منها هاتفها وتحركت إلي الأريكة ورمت حالها بإستسلام وتعب، أمسكت هاتفها وضغطت زر الإتصال وأنتظرت حتي أتاها الرد من أمير الذي أردف قائلاً بنبرة هادئة :
_ أيه يا حبيبتي وصلتي البيت ؟
أردفت بصوتٍ مٌجهدً من شدة تعبها :
_ أنا لسه واصلة حالاً، بس إتفاجأت إن إنتَ وكارما مش موجودين !
أجابها بصوتٍ هادئ يصل إلي البرود :
_ معلش يا حبيبتي أصل أنا عند ماما، كتر خيرها لما عرفت إنك مش موجودة في البيت عزمتنا علي العشا أنا وكارما ، علي العموم هنتعشي ونيجي لك علي طول، مش هنتأخر
وأكملَ مٌتسائلاً :
_ مش محتاجه حاجه أجيبها لك معايا وأنا راجع من برة ؟
ردت بصوتٍ حزين مهموم لعدم إكتراث زوجها لحالتها ولا حتي مجرد السؤال عن صِحتها أو عن ما أخبرها بهِ الطبيب :
_ مٌتشكرة يا أمير، أنا الحمدلله مش محتاجه حاجه،
وأكملت بنبرة حزينة:
_ بس يا ريت تيجوا بسرعة وما تتأخروش علشان كارما وحشتني ومحتاجة أخدها في حُضني وأطمن إنها بخير
إستمعت إلي صوت والدتهٌ الرخيم وهي تستدعيه لتناول الطعام بنبرة حادة ، فأردف هو بنبرة صوت مٌتعجلة ، خشيةً غضب والدتهُ منه :
_ هقفل يا أمل وهكلمك وإحنا راجعين في الطريق
أغلقت معهٌ وتنهدت بأسي، وتحركت إلي غرفة نومها كي تخلع عنها ثيابها وتأخذ حمامً دافئً علهٌ يُزيلٌ عنها همومها وحزنها الذي أصاباها من إهمال زوجها لها
علي الجانب الأخر داخل شقة مصطفي عساف، تحدثت راوية بنبرة ساخطة علي أمل :
_ يدوب إن الهانم إفتكرت إن ليها راجل وبنت ليهم حق عليها، بسلامتها جاية تسأل عليكم أخر الليل ؟
أجابها وهو يضع الطعام داخل صَحن صغيرته بإهتمام :
_ هتسأل علينا إزاي بس يا ماما و هي كانت في المعمل طول اليوم
صاحت راوية هاتفه بنبرة متذمرة :
_ وكان لزمته إية المعمل والتحاليل من أصلة يا أبني ولا هي بعزقت فلوس علي الفاضي ، هي كل اللي تدوخ لها شوية تجري علي الدكاترة وتعمل تحاليل وإشاعات ؟!
وأكملت بنبرة غاضبة:
_ طبعاً ليها حق تعمل فيك أكثر من كده، طالما شيفاك مدلوق عليها وما بترفضلهاش طلب
وأكملت بضيق وتذمر :
_هو آنتَ هتسد عليها منين يا أبني لده كُله، أكل ولا شُرب ولا أعياد الميلاد اللي مبتخلصش، إيشي عيد ميلادها وعيد ميلاد البنت وعيد جوازكم وأدفع يا سي أمير ، وأهي كِملت بالدكاترة والدلع الماسخ بتاعها ده كمان
زفر مصطفي وتحدث معترضً علي حديث زوجته الغير إنساني بالمرة :
_ يا راوية إتقي الله وخافي ربنا وإنتِ بتتكلمي عن الولايا ، ده بدل ما توصي إبنك وتقولي يخلي باله من مراته ويهتم بيها وهي تعبانه علشان ربنا يكرمة ويكرمك، تقومي تقوميه عليها بكلامك الفارغ ده
أجابته بنبرة حادة :
_ هي مين دي اللي تعبانة يا راجل، هو أنتَ بيخيل عليك كُهن الستات ده، دي زي القردة وصحتها أحسن مننا كُلنا، ده دلع بنات ماسخ يا أخويا
تنهد أمير وتحدث مُعترضً علي حديث والدته وهو يُتابع نظرات صغيرتهُ التي تتنقلها بين الجميع بترقب وذكاء :
_خلاص يا ماما لو سمحتي، بلاش كلامك ده قدام البنت وياريت متنسيش إن اللي بتتكلمي عليها دي تبقا مامتها
تحدثت بنبرة حادة :
_ خلاص يا سي أمير، هتخرص في بيتي وأسكت ومش هجيب سيرة الكونتيسة أمل علشان ترتاح إنتَ وأبوك
تنهد بأسي هو ووالدهُ وأكملا طعامها حتي إنتهي العشاء، أخذ طفلته وتحرك بسيارته الذي إبتاعها بضمان من البنك بالتقسيط المريح بمساعدة أمل التي أعتطهُ مبلغً مالياً كان قد أعطاها إياه شقيقها بعد ولادة كارما مباشرةً ، وتحرك عائداً إلي مسكن الزوجيه
ثم تحدث إلي طفلتهِ التي تُجاوره الجلوس في محاولة منه لتجميل وجه والدتهُ أمام طفلتهُ، وأيضاً ليحثها علي عدم الإفصاح وإبلاغ والدتها بما جري :
_ كوكي، إنتِ طبعاً عارفة إن نانا بتحب مامي جداً وبتحترمها ، هي بس كانت متضايقة شويه إنهاردة فتكلمت عنها بطريقة مش كويسه
وأكمل برجاء:
_ فياريت متقوليش لمامي اي حاجه من اللي سمعتيها من نانا، علشان مامي مش تزعل وتضايق وهي تعبانة
أجابتهُ ذات الست سنوات بذكاء وفطانة :
_ أنا عارفة كل الكلام ده يا بابي، وكمان مامي قالت لي إن مينفعش نسمع كلام من حد ونوصله لحد تاني، علشان كده ربنا هيزعل مننا أوي
وأكملت بفِطرة :
_وأنا بحب ربنا أوي ومش عوزاه يزعل مني، وعوزاه كمان يحبني ويدخلني الجنة
إبتسم لذكاء طفلته وتحدث بفخر :
_ برافوا عليكي يا كوكي، ربنا يحميكي يا حبيبتي
بعد قليل وصلا إلي أمام البناية، صف سيارتهُ وترجل منها وصعد إلي منزلهُ بصحبة طفلته، دلف إلي الداخل وجد أمل تجلس أمام شاشة التِلفاز تنظر عليها بشرود ووجهٍ شاحب ويظهر عليها الإرهاق الشديد
جرت عليها طِفلتها وارتمت داخل أحضانها وتحدثت بنبرة حنون :
_وحشتيني أوي يا مامي
إبتسمت لها وبادلتها الإحتضان بحنان ، في حين تحدث أمير وهو يُميل بجذعهِ عليها مُقبلاً وِجنتها :
_ إزيك يا حبيبتي
أجابته بملامح وجهٍ مُبهمه :
_ الحمدلله
تسائل هو بإهتمام مصطنع :
_ إتعشيتي مع طنط ؟
هزت رأسها بنفي وتحدثت بنبرة مُلامة :
_ ماما عزمت عليا إننا ندخل أي مطعم ونتعشي فيه، لكن أنا إعتذرت لها،
واسترسلت وهي تنظر إلي عيناه بنظرة عاتبة:
_إفتكرتك مستنيني إنتَ وكوكي وقُلت نتعشي مع بعض
تحمحمَ مُعتذراً بنبرة خجِله من حاله :
_ معلش يا حبيبتي أصل ماما كلمتني بالصدفة بعد ما آنتِ خرجتي علي طول، ولما عرفت إنك برة مع طنط عزمتني أنا وكارما علي العشا وأصرت، وأنا ماقدرتش أقول لها لا علشان متزعلش
وأكمل متسائلاً عندما تذكر :
_ عملتي التحاليل ؟
أومأت لها دون النظر إلي عيناه وذلك لحزنها الشديد، ثم وقفت قائلة بإستئذان :
_ أنا داخلة أنام علشان تعبانه شوية، وياريت من فضلك تنيم كوكي في سريرها وتطمن عليها
أومأ لها وفعل كل ما طلبته منه تحت خجله وشعوره بالتقصير، بعد مدة دلف إلي غرفته وجدها ممدة فوق التخت، جاورها التمدد دون حديث تحت حُزنها
______________________
بعد يومان كان موعد إستلام نتيجة الفحوصات من المعمل وأخذِها إلي الطبيب حتي يستعرض ما تحتوية وتفهم هي طبيعة ما يحدث مع جسدها مؤخراً
ذهب معها أمير بصُحبة والدتها وذلك كي يعوضها غيابهُ معها تلك المرة الفائتة بعدما لاحظ حُزنها منه وتغيُرها معهُ، إستلموا الفحوصات من المعمل وأتجهوا إلى الطبيب مباشرةً
وبعد مدة نظر لها الطبيب مطولاً وبدون رحمةً ولا شفقة أدلي ما بدلوهٍ قائلاً بطريقة عملية :
_ للأسف يا مدام أمل، التحاليل والأشعه اللي قدامي بتأكد إن حضرتك عندك لوكيميا
إهتز كيانها بالكامل وصٌعقت روحها وكأنها إصتُدمت بكل قوة وعٌنف بجدارٍ صلب مما تسبب لها بإهتزاز بجسدها وتشوش بعقلها، حتي أنها لم تعٌد تَعِي لما يُقال أو يدور من حولها وكأنها إنفصلت عن الواقع تماماً
شهقت والدتها واضعة يدها فوق فاهها وبدأت بهز رأسها بطريقة هيستيرية غير مستوعبة لما إستمعتهُ آذناها للتو من فاه ذاك الطبيب
أما أمير الذي بشدة ونظر إلي أمل بذهول ثم حول بصرةٍ إلي الطبيب وتسائل مُستفسراً :
_ حضرتك متأكد من الكلام ده يا دكتور، مش يمكن ٠٠
كادَ أن يٌكمل لولا مقاطعة الطبيب لهٌ متحدثً بتأكيد ونبرة واثقه :
_ للأسف يا أفندم ، التحاليل والإشاعات اللي قدامي مظبوطه جداً، أنا أساساً كٌنت شاكك في المرض من أول ما كشفت علي مدام أمل بعد ما سمعت منها الأعراض اللي عندها
وأكمل مُفسراً بنبرة جادة:
_ لكن قٌلت أعمل تحاليل دقيقة في معمل موثوق فيه علشان أتأكد قبل ما أفاتحكم في الموضوع
كانت شاردة، ناظرة للأسفل في نقطة اللاشئ، وبلحظة هبطت دموعها وأنهمرت فوق وجنتيها حينما وعت علي حالها وأستوعبت الخبر التي إستمعت إليه من الطبيب ، إنتفضت سحر واقفة من جلستِها وأسرعت وحاوطت صغيرتها وأحتضنتها برعاية لتشد من أزرها
رفعت أمل نظرها إلي الطبيب وأردفت قائلة بدموع وصوتٍ بائس مُحبط :
_ فاضل لي قد أيه في الدُنيا يا دكتور ؟
شددت والدتها من إحتضانها وأردفت سريعاً بلهفة وخوف :
_ بعد الشر عنك يا حبيبتي،أوعي اسمعك تقولي كده مرة تانية
وأكملت بنبرة حماسية بذلت أقصى ما عِندها لإستجماعها والظهور بها وذلك كي تُشجيع إبنتها وتحِثُها علي التفاؤل وطرد تلك الأفكار التشاؤمية من عقلها :
_ إنتِ هتتعالجي وهتخفي وهترجعي أحسن من الأول كمان
ثم حولت بصرها إلي أمير الذي شلت جميع حواسه وصمتَ شارداً من شدة ذهولهُ
وأردفت قائلة لحثهِ علي التحدث والتحرك إلي زوجتة والوقوف بجانبها في أزمتها تلك :
_ مش كدة ولا أيه يا أمير ؟
أفاق من ذهولهُ علي كلمات والدة زوجته التي إختصتهُ بها، وعي علي حاله ثم وقفَ وأقترب من زوجته وتحدث بنبرة صوتٍ مختنق من شدة حٌزنهِ وألمه عليها :
_ أكيد طبعاً يا ماما
ثم نظر إلى أمل بإبتسامة مٌصطنعه تحامل علي حاله لإخراجها :
_ إن شاء الله هتتعالجي وهتبقي كويسه علشاني أنا وكارما وماما وإخواتك، وكل الناس اللي بتحبك
هزت رأسها بيأسٍ وأبتسامة ساخرة ظهرت فوق محياها
إنتهي الفصل
بسمة أمل
بقلمي روز أمينبسم الله ولا حول ولاقوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطع عليه صبراً
نوفيلا بسمة أمل
☆الفصل الثالث ☆
نظر الطبيب بعملية إلي ثلاثتهم وأردف بنبرة مطمأنة :
_أنا عاوزكم تهدوا وتطمنوا خالص، المرض لسه في المرحلة الأولى يعني نسبة الشفا منه هتكون كويسة جداً ومٌرضية لينا جميعاً
وأكمل مُشيراً بسبابتة :
_ لكن بشرط إن المريضة تبدأ في العلاج وفوراً قبل المرض ما يتطور ويدخل في مرحلة صعب السيطرة عليه فيها
تمالكت سحر من حالة الذهول التي إنتابتها جراء إستماعها للخبر وساُلتهُ بنبرة متلهفة :
_ المفروض نبدأ العلاج من أمتي يا دكتور ؟
أردف الطبيب قائلاً بنبرة عملية :
_ كل ما نبتدي في العلاج أسرع كل ما كانت النتيجة مُرضية أكتر
بس الأول محتاجين نعمل شوية تحاليل ضرورية، وبعدها هنحدد ميعاد جرعات الكيماوي اللي هتاخدها المريضة
وأكمل مُقترحً :
_ أنا عندي مكان خاص كويس جداً يملكة دكتور ممتاز في التخصُص ده، والجميل فيه إن الدكتور ده هو بنفسة اللي بيشرف علي الجلسات وبيباشر الحالات بنفسه طول الوقت ،ده غير إنه دارس تنمية بشرية وبيشتغل علي المريض من الناحية دي ، والحقيقة إن ده اللي بيميزة عن غيرة ومعلي نسبة الشفا في المركز بتاعه
وأكمل بعملية وهو يُبسط ذراعه إلي أمير مُمسكً بكف يده بإحدي بطاقات التعريف الشخصية :
_ ده العنوان علشان مدام أمل تاخد الجلسات في المركز هناك، وعلي فكرة مش مُكلف مقارنةً بأسعار المُستشفيات الإستثمارية العالية اللي بنسمع عنها اليومين دول
أجابهُ أمير مُفسراً بعدما أخذ منهُ بطاقة التعريف :
_متشكرين جداً لإهتمام حضرتك يا دكتور، بس الحقيقة أنا مادياً مش هقدر أعالج أمل في أي مكان خاص، أنا هحجز لها في معهد الأورام اللي تبع الدوله
نظرت إليه سحر بذهول غير مستوعبة، ثم هتفت بنبرة قوية رافضة :
_ إيه الكلام اللي إنتَ بتقوله ده يا أمير، إنتَ عارف علشان نحجز مكان للجرعة في المعهد ده هناخد وقت قد إيه ؟
أردف الطبيب مُكملاً علي حديثها بنبرة عمليه :
_ مش أقل من شهرين تلاتة علي ما تلاقي مكان فاضي، وزي ما قُلت لك من شوية، إحنا في سباق مع الزمن وفي أمّس الحاجة لليوم الواحد
أردف أمير قائلاً بنبرة حزينة وهو يتطلع علي زوجته الشَاردة :
_ للأسف يا جماعة هي دي قدراتي المادية، ما يقدر علي القُدرة غير ربنا
تحدثت سحر بنبرة هادئة :
_ما تشيلش هم الموضوع ده يا أمير، أنا وإيهاب أخوها هنتكلف بمصاريف العلاج كُلها
وأكملت وهي تمسح فوق ظهر أمل المستسلمة لقدرها بلمسات حنونه :
_مال الدنيا كله تحت رجلين أمل، بس هي تقوم لنا بالسلامة
شعر بخجل وإهانة ولكنه إبتلع غصة مُرة وتحامل علي حالهِ لأجل إمرأته .
تحرك الجميع من المَشفي بعدما إتفقوا مع الطبيب علي أن يذهبوا لذاك المركز، وأستقلت تلك الشاردة سيارة زوجها وصعدت بجانبه وجلست والدتها بالخلف بقلبٍ يتمزقً ألماً لأجل غاليتها وما أصابها
كانت تستند برأسها علي زجاج السيارة بوجةٍ مهموم وقلبٍ يتمزق حٌزنً علي حالها وحال طِفلتها التي مازالت صغيرة وتحتاج لرعايتها وحنانِها، كانت تنظر علي الطُرقات والمَارة وكأنها تراهم لأول مرة،
نزلت دموعها الساخنة المُنبعثة من داخل أعماقها المُتمزقة
وحدثت حالها بتألم، أبتلك السرعة أتت النهاية وحان وقت الرحيل؟
نعم أيتُها البائسة،فلا أمل من النجاة من ذلك المُهلِك المُسمي بالسرطان
ونظرت إلي السماء وهي تناجي ربها، إلهي، أعلم جيداً أن هذا هو قدري وأبتلائي وأني ولابد أن أرضي بقضائكَ ، وصدقً انا لا أخشي الموت،فيكفي أنني سأكونٌ بجوارك حبيبي وسيدي
ونزلت دموعها وخرجت شهقة رٌغماً عنها إستمعت إليها والدتها وتمزق قلبها علي أثرها وأيضاً أمير الذي يتمزق داخلهُ لأجلِها
وأكملت أمل مناجاتها مع الله بدموع نازفة،
لكن كُل خوفي علي إبنتي الصغيرة، فلهذا أدعوك يا سندي أن تكتب لي النجاة لأجل غاليتي، صغيرتي الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة،
أريد أن أجاورها الحياه وأحيا معها كل مراحِلُها،إلهي لا تحرمني حضن إبنتي ولا تحرمها إحتضاني،
ليس لي إلاكَ يا سندي لأسئلهُ
وليس لي سبيلًٌ في النجاةِ سواكَ
وصلت إلي مسكنها وبعد مُدة كانت تقبع فوق تختِها متقوقعة علي حالِها ومازالت علي وضع الشرود الذي أصابها مُنذُ أن إستمعت لذاك الخبر المش,,ؤوم من الطبيب
جلس بجانبها وسحبها لداخل أحضانه وتحدث بنبرة حماسية كي يبِثُ داخلها روح المُحارب :
_ أنا عارف إن الخبر كان بالنسبة لك وبالنسبة لنا كلنا، بس أنا عاوزك تُبصي للموضوع من الناحية الإيجابية
نظرت إليه بدموع تترقب حديثهُ فأكمل هو :
_ مش عاوز أشوف نظرة اليأس دي في عيونك يا أمل
وأسترسل بنبرة متفائلة :
_ وما تنسيش إن المرض لسه في المرحلة الأولي زي ما قال لنا الدكتور، يعني الأمل في الشفا كبير جداً إن شاء الله
تفتكر مُمكن أقوم منه بجد يا أمير ؟
ولا هموت زي كل اللي سبقوني بيه،، كانت تلك جُملة بائسة تفوهت بها أمل بنبرة حزينه مُتألمة
إبتلع غصة مؤلمة وهتف قائلاً بنبرة حماسية :
_ إوعي تفكري بالطريقة المتشائمة دي يا أمل ، إنتِ هتتعالجي وهتمسكي بإديكي وأسنانك في الحياة علشاني أنا وكارما
وأمسك كف يدها مُشدداً عليه بدعم وأردف قائلاً :
_إوعديني يا أمل
أومأت له بإبتسامة أمل ثم سحبها من جديد لداخل أحضانه برعاية حتي غفت داخل أحضانة مستسلمة لقدرها القادم بقلبٍ يتمزق
_________________
في اليوم التالي
ذهبت أمل مع زوجها وبصحبة والدتها وقامت بعمل بعض الفحصات وحدد لهما الطبيب أخذ الجرعات ، كان تاركً إبنته عند والدته فتحرك إلي مسكن والده كي يُجلبها بعدما أوصل أمل ووالدتِها إلي الشقة
قرع جرس الباب، فتحت لهُ شقيقتهُ شيرين وأفسحت لهُ المجال كي يدلف إلي الداخل، تحرك وألقي السلام علي والدهُ ووالدته اللذان يجلسان ويبدوا علي وجهيهما التشنُج وعدم الإرتياح وكأنهُما كانا يتشاجرا
جلس بجانب والدتهُ وتسائل عن إبنته فأخبرتهُ راوية بوجهها الغاضب وهي تُشير بكف يدها إلي غُرفتها أنها غافيه بالداخل
حول بصرهِ إلى أبية وقطب جبينهُ وأردف مُتسائلاً بإستفسار :
_ فيه إيه يا بابا ، مال وشوشكم مقلوبة كده ليه ؟
هو فيه حاجه حصلت أنا معرفهاش؟
_مفيش حاجة يا إبني ، متشغلش إنتَ بالك وخليك مع مراتك في تعبها ، كانت تلك جملة تفوة بها مصطفي بإستسلام
قاطعتهُ راوية بنبرة حادة معترضة علي حديث زوجها :
_ لا فيه يا أمير
حول بصرهِ إلي والدته فتسائلت هي مُستفسرة بنبرة صارمة :
_ الدكتور حدد لمراتك هتاخد جلسات الكيماوي دي أمتي ؟
تنهد بألم واجابها بنبرة مستسلمة مهمومة :
_ أول جلسه هتاخدها بعد يومين
تفوهت بنبرة حادة وبدون رحمة أو إنسانية :
_ خلاص ، يبقا تجيب حاجتك إنتَ وبنتك وتيجوا تُقعد معانا هِنا
قطب جبينةُ وتسائل مُستفسراً :
_ أقعد هنا إزاي يعني، ومراتي المريضة دي أسيبها لمين يراعيها ؟
أجابته بنبرة حادة وكأن الرحمةَ نُزعت من قلبها وأصبح حجراً :
_ سيبها لأمها وأختها ، هما أولي بخدمتها وبمصاريفها
هتف مصطفي موجهً حديثهُ إلي زوجته بنبرة حادة :
_ يا راوية إتقي الله في كلامك وخافي ربنا، ده أنتي عندك وليه زيها واللي حصل لها ممكن يحصل لبنتك ولأي حد في الدنيا
نهرته بقوة قائلة بتشاؤم :
_ فال الله ولا فالك يا مُصطفي، إنتَ هتفول علي بنتي يا راجل ولا أيه
وأكملت مفسرة:
_ وبعدين الحق ما يزعلش، آه، هو إبني هيجيب فلوس لمصاريف علاجها دي كُلها منين ؟
حين تحدثت شيرين قائلة بنبرة حقودة كعادتها حينما يكون الحديث عن أمل ويختصها :
_ بصراحة بقا يا بابا ماما معاها حق في كلامها، المفروض أخوها ومامتها وأختها يشيلوا مصاريف علاجها، هما التلاته بيشتغلوا في وظايف مرموقة ومراتباتهم علي قلبهم قد كده ، يعني فلوس علاجها مش هتفرق معاهم في أي حاجة، لكن هتدمر أمير وتعجزوا باقي حياته
وأكملت راوية علي حديثها قائلة :
_ ده غير إن كُل دي أصلا فلوس هتترمي في الأرض يا بنتي
ثم نظرت إلي نجلها الذي يستمع لهما والذهول سيد موقفهُ وأردفت قائلة بنبرة عديمة الرحمة :
_ متزعلش مني يا أمير، بس من أمتي كان مريض السرطان بيصحي ويخف ، كل الحالات اللي مرت علينا محدش من أصحابها نجي من الموت
وأخيراً قرر التحدُث قائلاً بنبرة مُستاءة :
_ إنتِ إيه اللي بتقوليه ده يا ماما ، أنا مصدوم ومش مصدق الكلام اللي بسمعه منكم ده ، ده بدل ما تقولي لي أقف جنب مراتك وقويها لحد ما ربنا يشفيها ، جاية تقولي لي إن فلوس علاجها مهدورة لأن المرض هيخلص عليها ؟
هتفت قائلة بنبرة خبيثة :
_ وأنا يعني بقولك كده ليه يا أمير ، مش من خوفي وحرصي علي مصلحتك وفلوسك اللي شقيان فيها يا آبني؟
أجابها بمرارة وكَسرة :
_ إطمني حضرتك ، مامتها وأخوها فعلاً هما اللي هيتحملوا مصاريف علاج أمل، لإن مامتها قررت تدخلها مستشفي خاصة ومصاريفها مكلفة جداً وأكبر من إمكانياتي بكتير
حزن مصطفي عندما إستمع لحديث ولده ولعن الفقر الذي يقف عائقً بينهُ وبين القيام بواجباته كأب تجاه فلذة كبده، وفضل الصمت المّرير
أما راوية فتنهدت براحة عندما إستمعت لذاك الخبر ولكنها أكملت عن جهل :
_ مش بس موضوع الفلوس اللي شاغلني
وأكملت بهلع علي نجلها وصغيرتهُ :
_ يا آبني أنا خايفة عليك إنتَ وبنتك ، العلاج الكيماوي ده اللهم أحفظنا بيأثر علي صحة كل اللي حوالين المريض اللي بياخده ، وممكن كمان لاقدر الله تعديكم
قطب جبينة وتحدث قائلاً بإستنكار :
_ إية يا ماما التخاريف اللي بتقوليها دي ؟
وأسترسل شارحً:
_ الكلام اللي حضرتك بتقوليه ده ملوش اي أساس من الصحة نهائي ، المرض ده عُمرة ما كان بالعدوي
أردفت شيرين قائلة في محاولة منها لإقناع شقيقها :
_ إفهم يا أمير ، يا حبيبي ماما خايفة عليك إنتَ وكارما ، وطبياً الإشعاع ده خطر أوي علي الأطفال، انا سمعت الكلام ده كتير في برامج التلفزيون
وأكملت كي تبثُ الرُعب داخل صَـ.ـدر شقيقها:
_ يعني هتبقا مبسوط لو لا قدر الله البنت إتأذت من أمها ؟
وقف منتصب الظهر وتحدث بنبرة حادة متغاضيً عن حديثهما الفارغ :
_ قومي يا شيرين هاتي لي البنت علشان أوديها لأمل وتطمن بوجودها في حُضنها
هبت والدته واقفه لتواجههُ وتحدثت بنبرة أمرة وهي تُشير بسبابتها بوجههٍ :
_خدها معاك بس خلي بالك ، هتجيبها لي بكل هدومها قبل ما أمها ترجع من الجلسة ، فاهم يا أمير؟
زفر بضيق وتحرك ليقابل شقيقته كي يحمل عنها صغيرته الغافية، حملها وتحرك إلي الخارج تحت حزن والدهُ من زوجته وإبنتهِ وتفكيرهُما العقيم الخالي من الإنسانية
مر اليومان سريعً وذهبت أمل إلي المّشفي بصُحبة والدتها وزوجها وشقيقتها رانيا، دلفت إلي الداخل
وتقابلت بالطبيب المُعالج والتي ستتلقي علي يدة جميع جلساتها، كان شاب في منتصف الثلثينات ذو ملامح وجة بشوشة جذابه وجسـ.ـدٍ ممشوق وطولاً فارعً
دلفت معهُ لحالها كما طلب هو من الممرضة التي إستدعتها من الخارج
نظر لها مُستغربً حالة الراحة والإطمئنان التي إنتابته وتملكت من كيانهُ من مجرد النظر لوجة تلك الأمل، شعر وكأنهُ يعرفُها مُنذُ الزمان
بعيونها أمان إستشعرهُ منذُ الوهلةِ الأولى للنظرِ بداخِلهُما ، بصوتها حنانًُ عجيب أثر روحهْ التائهة التي دائمة البحث عن شئٍ ما لا يعلمهُ هو بذات نفسه ، بملامح وجهها الهادئة راحة وأستكانة لمن يحظي بالنظر لها
تحمحمَ كي يُنظف حنجرتهُ وبلحظة لملمَ شتاتهُ سريعً وتحرك واقفً أمامها وتحدث بوجهٍ بشوش كي يبث داخل روحها الطمأنينة :
_ أهلاً وسهلاً ، أولاً أحب أعرفك بنفسي ، أنا دكتور أحمد سلام اللي هتابع حالتك وهكون معاكي خطوة بخطوة لحد ما يتم الشفا بإذن الله
وأسترسل حديثهُ:
_ ثانياً بقا فية شوية ملاحظات لازم نتكلم فيهم قبل ما نبتدي في العلاج، وأول حاجة عاوزك تعرفيها هي إن علشان تنتصري علي المرض ده لازم تتمسكي بالأمل وبحقك في الحياة
وأكمل مُشيراً إليها :
_ عاوز أقول لك إن نص العلاج هيعتمد علي نفسيتك وعلي مّدي قوة تشبثك بحياتك
واسترسل حديثهُ بنبرة حماسية لها:
_ اللي عاوز أوصلهُ لك واللي لازم تكوني عرفاه كويس، هو إن إنتِ من إنهاردة بقيتي محاربة جديدة للمرض الصعب ده ، و إن بقالك دور كبير جداً ولازم تساعديني وتقومي بيه علي أكمل وجة، علشان نقدر نوصل لبر الأمان مع بعض
أومأت لهُ بإبتسامة خافتة لملامح وجه باهتة فتسائل هو مُستفسراً :
_ ممكن أعرف إسم المُحاربة ؟
أجابته بنبرة رقيقة كعادتها :
_ أمل، إسمي أمل عُمران
شعر براحة غريبة إجتاحتهُ من مجرد إستماعه لنبرات صوتها الرقيقة، إبتسم لها وتحدث بنبرة تفائلية :
_ أمل، ده فال خير وعلامه ، إن شاءالله هنحقق الأمل مع بعض
وتحدث بنبرة هادئة كي يستدعي داخلها روح المُحارب :
_ علي فكره يا أمل، فيه مُحاربات كتير جت هنا في المركز قبلك وبفضل ربنا قدرنا نعدي المحنه دي مع بعض،
وأكمل بإبتسامة حنون :
_ وأنا عندي شعور قوي إنك هتكوني واحدة من بطلاتي المُنتصرات
لم تدري لما شعرت بالراحة والطمأنينة من مجرد إستماعِها إلي حديث ذاك الأحمد ، تركها مع المُمرضة التي ستُساعِدها علي تجهُزها في تغيير ثيابها لآخري مُناسبة لتلقي الجرعة وتحرك إلي الخارج
وجد والدتها وزوجها وشقيقتها وأيضاً مصطفي والد أمير متواجدين داخل غرفة أمل الخاصة التي ستخرج من الجلسة إليها لتستريح بها
وقف منتصب الظهر وتحدث لهم بوجهٍ بشوش يشعُ تفاؤل كعادته :
_ طبعاً مش محتاج أعرفكم إن أمل داخلة حرب صعبة مع عدو شرس مبيرحمش ، وعلشان تكمل وتنتصر لازم لها دعم وقوة خارقة
وأشار لهم بيده وأكمل بعملية :
_ أنتم القوة اللي أمل هتعتمد عليها وتحارب بيها وعلشانها، علشان كده مطلوب منكم تقفوا في ظهرها وتطمنوها ، أظن كمان مش محتاج أقول لكم إن الحالة النفسية مهمة جداً لأمل الفترة اللي جاية لأن نص العلاج بيعتمد عليها
وأكمل برجاء :
_أتمني تساعدوني في إننا نخرج بأمل من المحنة دي وهي مُنتصرة
تساءلت سحر بدموع عيناها التي لم تُفارقها مُنذ أن تلقت ذاك الخبر المُفجع :
_ يعني فية أمل إن بنتي تعدي المحنة دي وتنتصر علي المرض يا دكتور ؟
إبتسم لها وأردف بيقين :
_ أملنا دايماً في ربنا كبير، والأمل موجود جوانا طول ما أحنا عايشين ومتمسكين بيه يا أفندم، أهم حاجة إيمانا بربنا يكون كبير وعن يقين
حول بصرهِ إلي أمير وتسائل بملامح وجه مُبهمة :
_حضرتك جوزها ؟
أومأ لهُ أمير بهدوء، فهز لهُ رأسهُ بتفهُم وتحرك مرةً آخري عائداً إلي أمل
وجدها تجلس فوق التخت المُخصص وجسـ.ـدها ينتفض رُعبً وملامِحُها شاحبه كشحوب الموتي، وقف بجانِبها وما شعر بحالهِ إلا وهو يُمسك كف يدها وينظر لعيناها بقوة وأردف بمؤازرة :
_ متخافيش، أنا معاكِ ومش هسيبك.
وكأنها كانت تحتاج وبشدة لتلك الكلمات البسيطة لتقويها وتعطيها الأمل ، أومأت له وإطمأنت روحها وأستعدت لتلقي أولي جُرعتِها بثبات وهي تتلو بعض السور القرأنية القصيرة ، وتُردد بعض الأدعية والأذكار
بالخارج كانت والدتها تجلس فوق إحدي المقاعد مُمسكة بكتاب الله تتلو أياته ودموعها تنسابُ فوق وجنتيها بحُرقة وغزارة
تحدث إليها مصطفي عساف الجالس بمقعدٍ مقابل لها ليُطمأن روحِها الهلعة :
_ متقلقيش يا مدام سحر، إن شاءلله خير، أنا عندي إحساس إنها أزمة وهتعدي وأمل هتطلع منها مجبورة الخاطر
أجابته بنبرة صوت ضعيفة ودموعً مُنسابة فوق وجنتيها :
_ يارب يا أستاذ مصطفي، ربنا ينجيها هي وكل مريض
وضعت رانيا يدها فوق كف يد والدتها وأردفت قائلة بصوتٍ متفائل رغم رُعبها الداخلي :
_ إهدي من فضلك يا ماما، حضرتك ست قوية ومؤمنة بالله، مش لازم أمل تشوفك بالضعف ده، هي محتاجة تشوف القوة والحماس في عيونك علشان هتستمد قوتها من قوتك
أكد مصطفي علي حديثها قائلاً بنبرة صادقة :
_ كلام رانيا صح، أمل محتاجة تشوفنا في صورة قوية
ثم حَمحم وتحدث بنبرة كاذبة خجلة :
_ أنا بتأسف لك بالنيابة عن أم أمير يا أستاذة سَحر ، هي كانت ناوية تيجي معايا علشان تُقف مع أمل، بس أخدت دور برد إمبارح وراقدة في السرير وشيرين قعدت جنبها علشان تراعيها وتاخد بالها منها
تحدثت سَحر بنبرة صادقة :
_ ألف سلامة عليها يا أستاذ مصطفي، كفاية وجود حضرتك معانا في المحنة دي، حضورك إنهاردة كفاية أوي وبيدل علي أصلك الطيب
إنتهي الفصل
نوفيلا بسمة أمل
بقلمي روز آمينبسم لله ولا حول ولاقوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطيع عليه صبراً