
بعد مرور سبعة أشهر أُخر
قضتهم أمل داخل المركز ما بين إنتصارات وإنكسارات وإنهزامات وكثيراً من الألم والتعب ، قضتهم ما بين جلسات إشعاع وبين تناولها أدوية اخري وما زالت تحارب من أجل البقاء
ومازال أمير يبتعد وينسحب رويداً رويدا حتي أنه مؤخراً غاب عن المشهد نهائياً، ومٌنذُ ذاك الوقت وقد ساءت حالة أمل من جديد جراء إبتعادهُ ، قررت سَحر أن تذهب إليه داخل منزل والده كي تستعطفه ليعود من جديد لمساندة إبنتها التي تذبل وتذوب أمام أعيُنها يومً بعد الآخر جراء إبتعادهُ المخزي وتخليها عنه بتلك الطريقة المُهينة
دقت الجرس وانتظرت، فتحت لها شيرين وهي ترتدي ثوبً فخمً وكأنها تحضر عُرسً أو مناسبة هامة ، إرتبكت حين رأتها أمامها وتلبكت قائلة :
_ طنط سَحر ! خير فيه حاجه ؟
إستمعت سحر وانتبهت لضحكات وأصوات صاخبة تأتيها من الداخل فتحدثت إلي شيرين بإستغراب لردة فعلها تلك :
_ دي مقابلة بردوا تقابليني بيها يا شيرين
وطلت برأسِها للداخل متسائلة :
_ هو إنتم عندكم ضيوف ؟
اجابتها بنبرة رخيمة تلك التي ما زالت مُمسكة بباب الشقة وتغلقهُ بجسدِها :
_ اه، عندنا ضيوف
تنهدت سحر وأردفت قائلة بإستسلام :
_ طب يا ريت يا بنتي تندهي لـ أمير علشان عوزاه في موضوع مُهم ورنيت عليه في الفون وللأسف مردش عليا
وأكملت لتُطمأنها :
_ وما تقلقيش، هاخده وهنقعد برة في أي كافيه ، يعني مش هعمل لكم ربكة في المكان
تلبكت شيرين وأجابتها بنبرة مرتبكة ظهرت علي وجهها :
_ أمير مش هينفع يخرج مع حضرتك
ثم أخذت نفسً عميقً لتقوي حالها وتُرمي بقُنبلتها في وجة تلك الأم الحزينة :
_ بصراحة كده أمير خطب وهيتجوز، وخطيبته وأهلها معزومين علي الغدا عندنا إنهاردة، يعني وجود حضرتك هنا مش في محله ولا مُرحب بيه
نزلت تلك الكلمات علي قلب سحر أحرقته ، وما شعرت بحالها إلا وهي تتخلي عن كبريائها وتربيتها الحَسنه وتدفع تلك الشيرين للخلف مما جعلها تتهاوي وكادت ان تسقط أرضً لولا إستنادها علي الحائط
أسرعت سحر إلي الداخل تحت صياح شيربن ، تسمرت قدميها بالأرض حين وجدت أمير يجلس بجانب شقيقة زوج شيرين التي لم يسبق لها الزواج بعد ، مُمسكً بكف يدها ويتبادلان الأحاديث والضحكات وحولهما مباركاتٍ من الأهل
إنتفض وهـ,ـب واقفً من جلسته حين رأها أمامه ونظر إليها بعيناي جاحظة ثم تمتم بشفاهٍ مُرتعشة :
_ طنط سَحر
تحدثت هي إليه بنبرة غاضبة وعيناي تطلقُ شزراً :
_ آه يا قليل الأصل يا ندل يا خسيس ، بقا سايب مراتك تعبانة وأخوها هو اللي متحمل نفقة علاجها وقاعد تحب وتخطب يا عِرة الرجالة ، إخص عليك وعلي أصلك الواطي ، إخص
وأكملت وهي ترمقهُ بنظرات مشمئزة :
بس تعرف، العيب مش عليك، العيب علي بنتي اللي حبت وإتجوزت واحد لا يليق بمستواها لا الفكري ولا الإجتماعي ولا المادي
وأشارت بيدها ساخرة :
_ وأدي النتيجة ، طلع خسيس وباعها عند أول إختبار قابلهم في حياتهم
وقفت راوية وتحدثت بحده ونبرة غاضبة :
_ ما تلمي نفسك يا ست إنتِ ، إنتِ جاية تغلطي فينا في وسط بيتنا، وبعدين يا حبيبتي أنا إبني حُر ويعمل اللي علي كيفة
وأكملت بنبرة خالية من الرحمة :
_ بنتك وربنا إبتلاها بمرض مش هتقوم منه ، وإبني راجل ولسه في عز شبابة ومن حقة يتجوز واحدة تشوف طلباته وتخلف له الولد اللي بنتك حتي لو فلتت من المرض عمرها ما هتعرف تخلفهوله
هتف مصطفي بنبرة حازمة ناهراً زوجته بحدة :
_ عيب يا راوية الكلام اللي بتقولية ده، إسكتي خالص مش عاوز أسمع صوتك
نزلت كلماتها المُميتة علي قلب سحر زلزلته فتحدثت بذهول وإهانة لتلك الشمطاء :
_ إبنك مش جايب قلة الأصل من برة يا راوية ، دي وراثة رضعها في اللبن اللي شربه منك وبتجري جوة دمه
ثم نظرت إلي والدة العروس وتحدثت ساخرة بألم :
_ مبروك يا أم العروسة ، بس نصيحة مني ليكي ، ما تبقيش تنسي وإنتِ بتمضي سبع الرجالة علي عقد الجواز تبقي تمضيه كمان علي إقرار إنه يبقا راجل مع بنتك وميسبهاش عند أول إختبار حقيقي يحصل لها
ثم نظرت إلي أمير الذي يقف كالفرخ المُبتل يشعر بخِزيٍ وعار من حديث سحر المُحق ويلعن حالهُ أنه سلم رأسهِ لوشي والدتهُ وشقيقته
وتحدثت سحر بقوة وشموخ لإمرأة عزيزة النفس :
_ ورقة طلاق بنتي توصلني في أسرع وقت وقبل ما تتمم جوازك من الأستاذة
وأكملت مُشيرة بسبابتِها مُهددةً إياة بوعيد :
_ وإلا قسماً بالله هخليها تخلعك وأبعت لك المُحضر بإعلان القضية علي مكان شُغلك وأفضحك وسط الناس كلها يا إبن أمك
هُنا قرر مصطفي التدخل رُغم الخجل الـ,ـذي يعتريه من وجود سَحر :
_ إهدي يا مدام سحر وخلينا نتفاهم بالعقل ، طلاق إيه بس بعد الشر اللي بتتكلمي عنه، إعملي حساب حتي للبنت الصغيرة
إلتفت إليه وتحدثت بقوة وهي ترمقهُ بنظرات إشمئزاز :
_ وإنتم كنتم عملتم حساب للبنت ولا للعشرة ولقمة العيش اللي كلناها سوا ، ولا كنتم عملتم حساب لبنتي اللي عاشت مع إبنكم علي المُرة قبل الحلوة، ورضيت بيه وبفقرة وهي بنت الأكابر اللي عُمرها ما أتحرمت من حاجة
وأسترسلت حديثها بنبرة لائمة:
_هو ده رد الجميل يا أستاذ مصطفي يا أبن الأصول؟
وأكملت بحسرة وقلبٍ يتألم علي صغيرتها :
_يا خسارة العشرة والعيش والملح اللي معملتوش حسـ,ـابهم ، ياخسارة كل لحظة بنتي عاشتها معاكم وهي مخدوعة فيكم وفكراكم أهل وسند ليها
هتفت شيرين قائلة بنبرة وقحه :
_ جري إية يا ست إنتِ ، ماخلاص خلصنا، بنتك وعندك إشبعي بيها، وأخويا وخلاص هيتجوز ويشوف حياته ويكملها ، ولو علي الطلاق فدي بسيطة
ونظرت إلي شقيقها قائلة بقوة ونبرة أمَرة :
_ من بكرة تطلقها وتبـ,ـعت لها ورقتها لحد باب بيتها يا أمير
هز رأسه بنفي رافضً حديث شقيقتهُ، في حين أردفت راوية هاتفة بمنتهي الوقاحة والخِسة :
_ قبل ما يطلقها تتنازل له عن المؤخر والقايمة
إتسعت أعيُن سحر بذهول من خِستها فأكملت راويه بتبجح :
_ إنتوا يا حبيبتي اللي متضررين وطالبين الطلاق، يبقا العدل بيقول إنكم تتنازلوا عن حقوقها
تحدث أمير بنبرة حادة :
_ من فضلك يا أمي كفاية إهانة لحد كده
تحدثت سحر بنبرة قوية شامخة :
_ لو فاكرة إني هسيب إبنك يتهني بمليم واحد من حق بنتي تبقي بتحلمي
وأكملت بتوعد :
_ ده أنا هلففكُم علي المحاكم وحق بنتي هتاخده من عين إبنك بالمليم
وأكملت بنبرة تحدي :
_ وبكرة يا راوية تشوفي اللي سحر عبدالسلام هتعمله في إبنك اللي محسوب علي الرجالة غلط
قالت كلماتها وانسحبت علي الفور إلي الخارج واغلقت خلفها الباب بحده هزت بها أركان المنزل بأكملهُ، تحت حُزن أمير وندمه علي ما فعله بزوجته التي من المفترض كانت يومً حبيبته وحُلمً عالياً بعيد المّدي، تمناهُ ومّن الله بهِ عليه وحققهُ له
بعد خروجها إنسحب مصطفي لداخل غرفته يلعن ضعفهُ وإستسلامه لرغبة زوجته من زواج إبنها كي يُتابع حياته وينجب لها الذكر التي تنتظرة وتتمناه
تحدثت راوية إلي العروس و والدتها وشقيقها زوج شيرين وهي تُشير بيدها وكأن شئً لم يكُن :
_ إقعدوا يا جماعة ، إقعدوا نكمل سهرتنا ولا يهمكم
وأكمل بفظاظة:
_دول عالم بجحه وناقصين تربية ، مش كفاية إن إبني عمل بأصله وما طلقش بنتها لحد إنهاردة، لا كمان جاية تقل ذوقها وأدبها علينا، ومن جبروتنا بتهددنا في وسط بيتنا
أما عنايات والدة العروس والتي لا تختلف كثيراً عن راوية بأخلاقها المُنحدرة ووقاحتِها لتؤكد علي مقولة الطيور علي أشكالها تقع :
_ واضح أوي من طريقة كلامها إنها محروقة والغيرة واكلة قلبها ، أنا كنت هرد عليها وأبهدلها بس عملت حساب لوجود الأستاذ مُصطفي
وأكملت بتفاخر وتعالي :
_ إحنا بردوا ولاد أصول وعمرنا ما نعمل زيها ونعلي صوتنا في وجود الرجالة
ثم نظرت إلي أمير الصامت الشارد بملامح بَدت عليها الحُزن والندم، وتحدثت كي تُخرجهُ مما هو عليه :
_ ولا يهمك يا أمير يا حبيبي، إحنا كُلنا معاك وهدير كمان معاك وعمرها ما هتتأثر بالكلام اللي سمعته من الست دي
إنتَ سيد الرجالة وإبن أصول واللي عملته ده حقك اللي ربنا شرعهُ لك وحلله ، هتيجي هي تمنعه
ثم نظرت لإبنتها وتحدثت كي تحثها علي التقرُب من أمير كي تسحبهُ لعالمها من جديد :
_ ولا إية يا هدير ، ما تتكلمي يا بنتي
فاقت هدير من شرودِها وتحدثت متلهفة :
_ أه طبعاً يا ماما ، أنا مع أمير وعمري ما هسيبه أبداً تحت أي ظروف
أما أمير فكان شارداً داخل أحزانهُ لا يدري إن كان ما فعلهُ هو الصَواب وحقهُ المشروع كرجُل في ريعان شبابهِ مثلما أخبرته والدتهُ وشقيقته وهما تحاولان التأثير عليه وإقناعه بالزواج بآخري كي يُنجب لهما ذكراً يحمل إسمه، أم أنهُ وبتلك الخطوة لم يخسر أمل فقط، بل خسر إنسانيته ورجولته بعيون نفسهِ قبل الأخرين
إنتهي الفصل
بسمة أمل
بقلمي روز آمينبسم الله ولا حول ولاقوة إلا بالله
اللهم لا تبتلينا فيما لا نستطيع عليه صبراً
نوفيلا بسمة أمل
بقلمي روز آمين
☆ الفصل السادس ☆