
_من!
ابتسمت ساخرة:
_من غيرها.. “إريكا”.
ثم تابعت بألمٍ وهي تلكزه بيدها:
_أحمق هل تظنني لا أشعر بك؟
ظهرت علامات الحزن جلية بعينيه، فاستند بجذعيه على سور المملكة من أمامه:
_ليتها تشعر بي مثلما شعر بي الجميع.
اتبعته ثم وقفت جواره، لتهيم بذكرى الأيام:
_أتعلم ما يحدث معك الآن حدث مع أبيك من قبل.
التفت إليها باهتمامٍ:
_أبي!
أومأت برأسها وهي تجيبه ببسمة واسعة:
_كنت حمقاء مثلها.. لم أشعر بحبه بالبداية.
تساءل بلهفةٍ وكأنه يطمح أن يحدث معه مثلما حدث مع والدته:
_وماذا حدث؟
_أجبرني”لوكاس” على الزواج به مقابل خدمة قدمها إلي.
صعق وهو يردد بعدم تصديق:
_أجبرك الملك على الزواج من أبي؟
تعالت ضحكاتها، فقالت لتوضح له:
_ليس إجباراً بالمعنى.. فهو كان يعلم بأنني أحبه ولكني كنت أتهرب مما بداخلي لكونه قائد الحرس وأنا الأميرة.
لوى شفتيه بتسليةٍ:
_تتخلين عن حبك لأجل الزواج من ملك.. يا لكِ من أم!
ضحكت بصوتها كله، لتردد بصعوبةٍ:
_أخبرتك.. كنت حمقاء!
تعالت ضحكاته هو الأخر، فإحتضنته “ضي” بحبٍ وبداخلها تتمنى أن لا يعاني ابنها مثلما عانى أبيه!
********
ولج لجناحه ليلقى نظرة ساخرة على العتمة التي تكسوه رغم نفاذ الضوء إليه، فكيف سيشعر بضوئه ومعشوقته بعيدة عنه، لم يعارضها على شيئاً من قبل ولن يفعلها؛ ولكن طلبها بالسفر لعالمها لزيارة “لينا” و”كيفن” هو أبغض شيئاً، يخشى تلك الأيام التي يقاسيها من دونها، جلس “لوكاس” على الفراش بحزنٍ منحه عمراً ينهاز عمره، يتطلع على الجانب الأخر من فراشه باشتياقٍ لها، يلعن أحياناً مسؤوليته كملك التي تحتمه على العمل ليلاً نهاراً لأجل أمن المملكة وشعبها، فربما لو لم يستلم الحكم لكان جوارها الآن، أخفض رأسه أرضاً بمللٍ، التقطت أذنيه صوت باب جناحيه فاستدار ليجد “إيرلا” تقف من أمامه، ضيق عينيه بذهولٍ من حالتها الغريبة، وخاصة حينما اقتربت لتجلس أرضاً أسفل قدميه ثم مددت رأسها على قدميه لتردد بدموعٍ:
_أبي.
هلع حينما رأها هكذا فمرر يديه على شعرها بحنوٍ:
_ما بكِ صغيرتي!
تدفقت الدموع بمقلتيها، فمسحتها وهي تجيبه بخوفٍ:
_أخطئت بحق أخي ونفسي.
تجعدت ملامحه بدهشةٍ من حديثها، فجذبها “لوكاس” لتجلس جواره، ثم أمسك بيدها كالطفلة الصغيرة وقال:
_هيا أخبريني ماذا حدث؟
تطلعت له بحزنٍ شديد وهو تجاهد ذاتها بالحديث، لا تعرف من أين تبدأ وكيف ستخبره بما ارتكبته بحق أخيها، التقطت نفساً طويل ثم زفرته على مهلٍ لتخرج ما ركنته الأيام من جروح متلاحقة:
_أتيت تلك المرة لجناح أمي فسمعتها تخبرك بأن “ديكسون” هو الأولى بالعرش مني.. لم يكن يعنيني العرش ولا السلطة ولكن سماعها لهذا الشيء نبت بداخلي حقد تجاه “ديكسون”، وزرع رغبة بالعرش استحوذت على تفكيري.
وتابعت بترددٍ وهي تمسح الدموع العالقة بأهدابها :
_ولأجل هذا ارتكـ,ـبت ذنباً لا يغتفر.
قصت” إيرلا” على مسمع “لوكاس” فأكفهرت ملامح وجهه وهو يتابعها بصمتٍ حتى انتهت من قص كل شيء متعلق بتلك الحورية التي اتضح بأنها ابنة شقيقة الملكة “رودوليت”، ختمت” إيرلا” حديثها قائلة بانكـ,ـسارٍ:
_لا أعلم كيف فعلت ذلك أبي.. لم أرى أمامي سوى العرش!
وهزت رأسها بانفعالٍ:
_والآن لا أريد شيئاً، إفعل ما شئت بي ولكن أصلح ما فعلته.. يجب الا يلحق الأذى بأخي مهما كان الثمن.
وخبأت وجهها بيدها لتفرغ ما بداخلها من بكاءٍ عاصف، استعدت لعقوبة تعلمها جيداً، وربما تفوق ما توقعته، بداخلها استعداداً لما سيحكم به “لوكاس” فهي معترفة بأنها تستحق الموت لما فعلته، شعرت بيديه تحيطها لتقربها من صدره، فرفعت عينيها تجاهه بصدمةٍ، ثم قالت بذهولٍ:
_ماذا تفعل أبي؟ ألن تعاقبني على ما فعلته!
ثم مسكت يديه لتطرق بها على وجهها وهي تردد ببكاءٍ:
_هيا إرفع يدك واضربني..عاقبني على ما اقترفته!
بثباتٍ عجيب جذبها لأحضانه مجدداً، ليقول بغموضٍ مخيف:
_العقاب لمن يستحق “إيرلا”..
وأبعدها عنه ليحتضن وجهها بيديه، ثن قال:
_قسوتي على” روكسانا” دون أن تفهمي ما تفكر به، تخشى أن حياة الملوك تقيدك مثلما قيدتنا صغيرتي، العرش والسلطة وكل ذلك ابتلاء، “روكسانا” لم تفكر الا بكِ أردت أن تمنحك حياة حرة، تختارين بها شريك حياتك وتتفرغين لأبنائك لا تريد العرش أن يحرمك من كل شيء، علها ترى “ديكسون” أحق ولكنه بالنهاية الأكبر والأجدر للملك.
استمعت لكلماته بحرصٍ شديد، فاسترسل حديثه قائلاً بحزنٍ:
_لما يكن بأوسع مخيلاتي أن العرش سيصنع عداء بين أبنائي!
انحنت لتقبل يديه وهي تقول بصوتها الشـ,ـاحب:
_أعتذر أبي كنت حمقاء.. أرجوك سامحني.
رسم ابتسامة صافية:
_أسامحك صغيرتي.
ثم قال بحزمٍ أبدته لهجته الصـ,ـارمة:
_ولكن عديني أن لا تفعلي هذا مجدداً “إيرلا”.
قالت بتأكيدٍ:
_أعدك أبي.
خرج بها”لوكاس” لمكانٍ سري بالقصر، يعقد به الإجتماعات الهامة، ومن ثم طلب من أحد الجواري أن يبلغ “راوند” و”بيرت”أن يأتوا إليه، وبالفعل ما هي الا دقائق معدودة حتى وصلوا للغرفة المحكمة، جلس “بيرت” على أحد المقعد الصدفية لجوار”إيرلا” ثم سأل بقلقٍ:
_هل كل شيئاً على ما يرام أخي؟
وزع نظراته بين “إيرلا” التي يتمكن الحرج منها لما سيقال عنها وبين “رواند” التي تترقب ما سيقول بصمتٍ، فكان حكيماً حينما قال:
_بطريقة ما علمت “إيرلا” بأن الملكة “رودوليت” تعد المكائد لديكسون، واليوم حاولت قتله.
صعق “بيرت”، فردد بغضبٍ:
_كيف تجرأ على فعل ذلك!
جزت” راوند” على أسنانها بغيـ,ـظٍ:
_لقد تمادت “رودوليت” كثيراً ويجب أن يُوضع لها حد.
تدخلت “إيرلا” بالحديث، قائلة:
_تستغل ابنتها لتنفذ مكائدها حتى يلقى اللوم عليها حينما ينكشف الأمر.
تعجبت “راوند” كثيراً، فقالت بإندهاشٍ:
_عن أي ابنة تتحدثين “إيريلا”..”رودوليت” لا تمتلك أبناء!
أوضحت مقصدها:
_أعلم ولكن ابنة شقيـ,ـقتها تناديها أمي.
تشتت ذهنها، فرددت بفتورٍ:
_ربما أنتي مخطئة.. شقيقاتها “درين” و”يوليا” لم تنجب أي منهن.
استند “لوكاس” بيديه على حافة الطاولة المثلثية الشكل قائلاً باهتمامٍ:
_من تلك الفتاة إذاً!
********________*******