منوعات

شموخ أنثى بقلم ندى

تهاوى جسد مصطفى على المقعد يحاول ان يفهم ويستوعب ما يقوله محمد .. بدى كلامه كأنه فلم هندي .. لا يمكن ان يحدث على ارض الواقع .. حوراء زيفت موته .. وموتها لم يكن حقيقياً وهي متزوجة من الجندي الذي هربت معه .. الكلمات المتدفقة من فم محمد شلت عقله وتفكيره .. محمد الذي كان يستحثه ليجد حلاً لانقاذها من براثن الجندي .. وقبل ان يعمل عقله من جديد سمعوا طرقاً على الباب .. سارع محمد نحو الباب بينما قادت سوسن اخوها الى الغرفة لتخبأه .. عندما فتح محمد الباب تفاجأ بملاك تقف لاهثة وهي تقول “أريد أن أراه” ودفعته عنها وركضت الى الداخل تصيح “مصطفى .. مصطفى” انفتح الباب ليطل وجه سوسن المذهول وما ان راتها سوسن حتى صاحت “ملاك” وركضت تعانقها فرحاً .. لكن ملاك لم تكن تفكر في شئ سوى مصطفى فركزت عيناها على الغرفة وتخلصت من ذراعي سوسن وركضت الى الغرفة .. هناك جلس مصطفى شاحب الوجه ينظر اليها كأنه يرى شبحاً .. توقفت تستوعب منظره .. صحيح ان ذراعه مربوطة الى عنقه .. و وجهه شاحب ذاهل .. لكنه كما عرفته دوماً .. خارق الوسامة خاطف الانفاس .. صوت قلبها في صدرها كان كقرع الطبول .. همست بتهدج “مصطفى” .. وتقدمت منه وهو ينظر اليها دون تعبير .. ركعت على الآرض امامه “لقد قالوا لي انكَ مُتّ” استوعب وجهها الحبيب للحظات .. لم يستطع ان يصدق انها على قيد الحياة .. امتدت يده الى وجهها بينما ملأت الدموع عينيه وهو يهمس “ملاك”.. مالت بخدها على كفه اكثر ثم رفعت يدها اليسرى تضعها فوق يده .. عندها فقط انقطع السحر .. وعاد الى وعيه .. التمع الشئ المعدني في اصبعها ليطعنه في الصميم .. نفض يدها عنه بحركة عنيفة جعلتها تفتح عينيها على اتساعهما وراقبت كيف قست ملامح وجهه الطيبة الحانية .. وكيف ظهر الغضب جلياً في عينيه .. قبل ان تشعر بدوي صفعة على ذات الخد الذي كان منذ لحظة يربت عليه .. تراجعت الى الخلف وهي تأن بألم وتضع يدها على أثر صفعته .. نهض من المقعد وقال بصوت اقرب الى الصراخ منه الى الكلام “لقد تزوجت جندياً أمريكياً” قالت تتوسله باكية “لقد اضطررت الى ذلك .. لقد .. ” قبل ان تكمل كلامها قاطعها “هيا لا تقولي لي الكلام الذي قلته لمحمد .. فهو لا يدخل عقلي ..لقد هرّبكِ .. هذا يعني انه كان على معرفةٍ بكِ .. ماذا يا ملاك هل كنتِ تعملين لديهم؟” شهقت ملاك متراجعة .. أحس بألم في قلبه فهو أكثر الناس علماً ان ملاك ليست من هذا النوع .. لكنه لا يستطيع ان يغفر لها .. لا يستطيع ان يتخيل انها ليست له .. انها هي حلم العمر تصير ملك غيره وملك من ؟ ملك محتل .. مهما كانت الاسباب .. هو لن يستطيع ان يتحمل .. لذلك فضل كرهها على ان يشعر بخسارتها مرة ثانية بعد ان قامت فجأة من بين الاموات الذين لم تكن منهم ابداً .. صاح بها “ما الذي تريدينه يا ملاك .. اخرجي من حياتي .. لا اريدك” زحفت على الأرض نحوه غير قادرة على ان ترفع نفسها لتقف .. دموعها انهرمت فوق وجهها .. لقد تحطم عالمها .. ياليتها ميتة .. ياليتها .. منظرها الزاحف جعل قلب مصطفى يسقط ويتحطم لالفي قطعة .. ملاكه الطاهر تزحف اليه .. كاد ان ينحني اليها لكنها سبقته وامسكت برجله وهي تقول باكية “وحق الله يا مصطفى .. وحق الحب الذي احببتك اياه .. انا لم اخنك .. لم اخن قضيتنا .. لم اتزوجه بارادتي .. انا اكرهه .. أكرهه” لم يتمالك نفسه .. انحنى يرفعها بيده السليمة .. عيناها اللتان لطالما قتلتاه حباً .. قتلتاه الان الماً .. انخفضت عيناه الى يدها اليسرى ثانية وعذبه منظر الخاتم .. هي الان ليست له .. هي زوجة عدوه .. سيلمسها كما اراد هو ان يلمسها .. سيقبل شفتيها كما حلم هو ان يقبلها .. سيضمها ليلاً وينام كما تمنى ان يضمها هو وينام .. لقد اخذها منه .. وهي سمحت له ان يأخذها .. لقد خانته .. خانته .. دفعها عنه وهو يصيح “لا تكذبي .. لقد خنتني .. لم يمضي على موتي المزعوم عشرة ايام وها انتي تتزوجين بغيري” تقدمت منه تتوسله “لقد كنت مجبرة” لم يتحمل أكثر .. اراد ان يؤلمها بقدر الألم الذي يشعر به .. رفع يده السليمة وصفعها مرة اخرى .. تراجعت متهاوية الى الارض بينما رعد صوت غاضب بالانكليزية “ايها السافل لا تلمسها” التفت واشتعلت عيناه غضباً .. رجل اشقر خمنه تماماً من يكون وقف يرفع مسدسه في وجهه .. تقدم منه كالثور الهائج وحاول لكمه لكن الرجل عاجله بلكمة وسحب ملاك من على الارض .. منظر الرجل وهو يمسك بيدها جعلته يفور غضبا وكرهاً .. نهض بينما محمد يحاول ان يمسك به وسوسن وامه تبكينا وتتوسلانه ان يتوقف .. لكنه دفع محمد وتقدم الى الرجل وهو يصيح “يا حقير .. يا حقير لا تلمسها” .. بأسفل مسدسه وجه يوسف ضربة الى جبهته فسقط متأوهاً تتبعه صرخات متعدده ميز منها صرخة زوجته .. جرها كمن يجر كيس بطاطا .. وهي ترفس وتصيح بأسم مصطفى .. ترك البيت وركض بها وعندما لم يتوقف صراخها ولا رفسها وقف وثبتها ووضع المسدس تحت ذقنها وقال من بين اسنانه “قسماً يا ملاك ان لم تسيري معي لذهبت اليه وقتلته .. وليكن اول من اقتل عندها سيكون لكِ سبب حقيقي في كرهي” ظهر الرعب على وجهها مما الجم لسانها .. استدار مواصلاً مشيه جارا اياها خلفه ..
*
ها قد انتهى عالمها .. الرجل الوحيد الذي أحبته من كل قلبها يكرهها الان .. يكرهها بسبب جوزيف .. بسبب هذا الجندي المحتل .. ويتهمها بالخيانة ايضاً .. يا الهي .. دموعها لم تتوقف عن الهطول كمطر فوق صحراء خديها .. كان سائق التكسي ينظر بذهول اليهما .. يرى رجلاً اجنبياً وفتاة باكية .. سألها بتردد “هل انتي بخير يا انسة” لم تجبه بل اجابه جوزيف بالعربية بصوت جامد “هي سيدة .. وهي كوليش زينا” نظرة واحدة لوجه جوزيف الغاضب جعلت الرجل يلتزم الصمت بينما ملاك واصلت البكاء .. كله بسبب جوزيف .. كله بسببه .. كم تتمنى لو يموت .. لو يختفي من على وجه الارض .. كم تتمنى لو ان الرجل الذي قتلته لم يكن مايسون بل جوزيف حتى تتخلص منه نهائياً .. حتى تمحي صورة مصطفى الغاضب الذي ينظر اليها بقرف كأنها عدوته .. ارتفعت وتيرة بكائها وهي تفكر في مصطفى .. في حبها له وفي كرهه لها .. تضرعت الى الله “يارب ارحم قلبي ما عاد يحتمل .. يارب دعني اموت فأنا لا استطيع ان اعيش اكثر” ها قد خسرته للمرة الثانية .. خسرته اولاً عندما كذبت عليها حوراء بموته وخسرته ثانياً عندما نظر اليها فلمَ ترَ حباً ولا حنان .. رأت كرهاً واشمئزاز .. رددت في قلبها بحقد .. كله بسبب جوزيف .. كله بسببه..
*
بعد ساعة كانا يتجهان من بيت سامح الى بيت خالته .. حيث كانت امه المريضة تقضي بعض الوقت معها .. ولم تمانع في استقبال ملاك وجوزيف بعض الوقت .. فبيت سامح لم يعد آمناً .. مصطفى قد يأتي بعمل مجنون .. تحركت ملاك كالآلة .. مغيبة تماماً .. عقلها لم يكن يكرر سوى نظرات وكلمات مصطفى التي طعنتها في الصميم .. قبل ان تخرج قفزت القطة اليها تموء فحملتها دون وعي واستقلت السيارة القديمة التي لا يستخدمها سامح الا للضروريات .. بعد ساعه كانا على طريق زراعي يتجهان لبيت الخالة سهيلة .. هناك استقبلتها الخالة بترحاب بينما لم تتذكرها والدة سامح .. لم تعرف كيف سلمت عليهم وكيف دخلت الغرفة وكيف لحقها جوزيف .. لكنها تنبهت عندما وجدته يقف امامه يأويهما سقف غرفة واحدة .. صاحت بحدة “ماذا تفعل هنا؟ اخرج” .. هز كتفيه “لا لن اخرج .. سأبقى .. من يضمن لي انكِ لن تهربي؟” قالت بغضب “تبا لك من عينك وصياً علي؟” قال ببرود “أنتي زوجتي” تقدمت منه غاضبه “لا تقل هذه الكلمة .. اكرهك .. اكرهك ايها الحقير” نشبت اظفارها في رقبته .. لكنها لم تستمتع طويلا بخربشته اذ امسك بكلتا ذراعيها وابعدها وهو يزمجر “اسمعي لقد صبرت عليكِ وعلى معاملتكِ المجحفة والغير مهذبة معي .. عذرتكِ لآنكِ تمرين في ظروف صعبة .. انتظرت حتى تفهمي انني لست حقيراً مثل الاخرين لمجرد اني جئت مجبرا الى حرب ليس لي فيها ناقة ولا جمل .. لكنكِ عنيدة .. فعلت كل شئ لاجلك.. هربتُ بكِ وحميتكِ .. وقفت بجانبك وتلقيت رصاصة عنكِ .. جريت بكِ من مصير اسوأ من الموت وضعكِ فيه مصطفى الذي تذرفين عليه الدمع المدرار .. لقد خلصتكِ مما عرضكِ له .. ساندتكِ ولم أتخلَّ عنكِ بينما هو ترككِ حتى بعد ان علم انكِ مجبرة على الزواج بي ترككِ .. وانا الذي جئتث وخلصتكِ من اذلال نفسكِ أكثر… انا يا ملاك .. انا من حماكِ وليس هو” تلوت بين ذراعيه وهي تصرخ “تبا لك .. اتمنى لو تموت اتمنى لو تموت” صاح بها وهو يدفعها الى الحائط “توقفي” لكنها لم تتوقف بل ظلت تصرخ “اكرهك .. أكرهك .. أكرهك” صاح مرة اخرى “توقفي” لكن صوتها ازداد علواً حتى سمعه من في البيت “اكرهك .. اكرهك .. أكـ ..” ضاعت بقية الكلمة بين شفتيهما .. عندما اطبقت شفتيه على شفتيها بقبلة.

انت في الصفحة 9 من 24 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
20

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل