منوعات

شموخ أنثى بقلم ندى

الفصل العاشر
ارتعش جسد ملاكْ بين يديه .. مثل شخص مسته صاعقة كهربائية .. كانت تنتفض كالحمامة لكنها لم تبعده .. لم تدفعه .. كان تهتز فقط بينما يحشرها بين الحائط وبين جسده .. رائحتها تغلغلت في أنفه وسبحت مع كريات دمه .. رائحة أطفال .. تشبه البودرة .. خفف من وقع شفتيه على شفتها .. اراد ان يستوعب اللحظة .. ان لا يكون قاسياً ولا حاداً ولا وحشياً .. بل أن يكون لطيفاً يخفف عنها وجعها رغم سُمّ الكلام الذي نفثته في وجهه منذ قليل .. عظامها رقيقة تحت ضغط اصابعه .. شفتاها لينتان كحبتي مشمش .. وانفاسها تصعد وتنزل في صدرها كاللهاث .. شعر بأنها خلقت خصيصاً لأجله .. لأجل ان تناسب دائرة ذراعيه .. ومساحة فمهِ وسعة صدره .. ملاك هنا تنتمي .. الى قلبه .. الى روحه .. الى جسده .. فهل تراها تشعر بذات الشئ؟ اتراها تعرف كم ينتمي اليها وكم تنتمي اليه؟
*
لم تعرف شعورها في هذهِ اللحظة .. كلها كانت ترتجف .. لا تعرف لماذا تستكين قبضتها على صدره بدل ان تدقه وتدفعه .. ولماذا تنفرج شفتيها في استسلام يائس لقبلته .. ولماذا تميل بجسدها اليه كأنها تستند .. كل ما تعرفه انها لا تريده ان يبتعد .. فهذا الشلل الفكري يقيها من ان تتذكر كل ما مر بها في هذا اليوم .. راحة فكرية واسترخاء جسدي اصابها على وقع شفتيه تبحثان في فمها عن استجابة رقيقة .. كله كان رقيقاً .. مثل شال حرير يمس الجسد .. مثل نسمة هواء صيفية تبعثر شعر أمرأة فلا تزيده الا جمالاً .. اغمضت عينيها في إستسلام لهذا السلام الذي بين ذراعيه .. ودون شعور انسابت دموعها .. دموع امرأة طال تعبها وارهاقها فوجدت أخيراً وسادة تضع عليها رأسها لتغفو .. احاط وجهها بيديه الدافئتين ورفع رأسه اليها يسألها بلطف “أنجل .. هل آلمتُكِ؟” صوته الهادئ الرقيق جعلها تنشج في بكاء أقوى .. كانت متعبة .. متعبة لدرجة انها قد تفعل اي شئ لترتاح .. لتنام .. لتنسى .. ذراعاها امتدا بشكل تلقائي الى جسده لتحيطان رقبته بينما تقلص جسده في مفاجأة لفعلها ثم عاد ليسترخي .. اقتربت منه وضمت نفسها اليه وهي تهمس بتهدج من بين دموعها “يو.. يوسف” وكأنه علم حاجتها للمواساة .. همس في اذنها “ششششش” ثم احاطها بذراعيه وراح يربت على ظهرها بيد ويمسح على شعرها بالاخرى .. مما دفعها لتبكِ اكثر .. لم تحملها رجليها اكثر ويبدو انه علم ما تعانيه .. هبط يجلس على الارض آخذاً اياها معه .. جلست في حضنه بينما قدم لها كتفه لتواصل ذرف دموعها .. راحة غريبة انتابتها وهي تبلل بلوزته بدموعها .. كانت بحاجة لتبكي .. لتخرج ما في قلبها من الم وحسرات على كتف شخص يتفهمها .. ورغم انها كانت تظن انه اخر رجل في العالم يمكن ان تلجأ لكتفه لكن ها هي بين يديه .. تنتفض بدموعها وهو يربت عليها كما يربت الاب على ظهر طفله ليعطيه حناناً وحماية كانت هي بأمس الحاجة اليهما..
*
توقف نشيجها بعد فترة .. وانتظمت انفاسها .. علم انها غفت على كتفه .. شعرها محشور بين رقبته وكتفه .. رائحته الجميلة كادت ان تسكره .. ألم في قلبه عاوده .. عندما فكر بكل الامور التي عاشتها اليوم وحتى قبل اليوم.. قبل ان ينظر في عقد زواجهما لم يفكر في عمرها كثيراً .. عندما نظر الى الرقم (19) قرب كلمة “السن” والتي بالكاد فهمها لضعف القراءة بالعربية لديه .. شعر بضيق النفس .. لقد تزوج من طفلة تقارب عمر اخته الصغيرة .. وهو سيدخل في ثلاثينه .. بهدوء تام رفعها بين ذراعيه .. خفيفة كالريشة .. وضعها على السرير وغطاها .. وجهها المبلل بالدموع أثار شفقته .. كل ما فيها يجذبه .. ويستنفر لديه غريزة الحماية والتملك .. نظر الى خاتم الزواج بيده ثم الى خاتمها .. تنفس .. رغم كل شئ لا يستطيع للان ان يصدق انها زوجته رغم انه مارس تسلط الزوج طوال اليوم .. لكن ان تكون هذه الغزالة العراقية ملكاً له وان كان بشكل مؤقت فهذا كفيل بأن يرفع ضغط دمه .. ملاك الصغيرة لو تعلمين كم تؤثرين بهذا القلب .. فكر .. سيكتب عنها رواية عندما يعودان معاً .. سيأخذها الى الكوخ الصيفي .. وسيجعلها تمارس طفولتها كما تريد .. تبني قلاع رمل وتجمع محار وتسبح كما انه سيأخذها للتحليق ببالون ربما .. لتشعر بحريتها .. لتشعر بأنطلاقها .. سيمنحها كل ما تريد .. كل ما لم تستطع ان تحلم به .. تأملها للحظة ثم عاد الى واقعه .. كل ما تحلم به الان هو ان تنفصل عنه .. لن يوهم نفسه بأن لحظات ضعفها قبل قليل قد أثرت في علاقتهما .. ربما أثرت في روحه .. لكن ليس في علاقتهما .. سيظل هو بالنسبة لها .. جوزيف ميلر .. الجندي الآمريكي المكلف !

انت في الصفحة 10 من 24 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
20

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل