منوعات

شموخ أنثى بقلم ندى

الفصل الثامن- حرب مع الراء
“قبل ساعة ونصف”
كان مايسون يمشي في الشارع وحيداً .. ترك نقطة التفتيش على بعد اربع شوارع من هنا وراح يمشي .. يعلم ان الوضع خطير جدا ليبقى وحيدا لكنه كان بحاجة لأن يمشي ليذهب تأثير الكحول التي تتلاعب برأسه .. لو أمسك به الضابط مخموراً اثناء منوابته سوف يقتله لا محالة .. لذا فحجة تفقد المنطقة بدت افضل من الوقوف هناك وانتظار توبيخ الضابط .. نظر الى المبنى المتصدع الذي يستقر فوقه صليب متداعي، ركز نظره جيداً وتذكر .. هذه هي الكنيسة التي حضروا فيها القداس .. اتجه بشكل لا ارادي نحو الكنيسة .. لم يكن ينوي ان يصلي لكنه فكر ان يدخل ويتمشى في رواقها فهي اكثر اماناً .. كما انها لا تبدو مقفلة حتى والوقت قد شارف منتصف الليل .. ربما لان الأب يفتح بابها تحسباً لأستقبال وتهريب رجال المقاومة كما اعتاد شيوخ الجوامع ان يفعلوا.. فتح باب الكنيسة بحذر ودخل بخطوات هادئة .. تفاجأ بجسد ضئيل يجلس على احد الكراسي .. جسد امرأة تحني رأسها في صلاة دامعة .. وقف للحظة مخطوف الانفاس .. لم يكن وجهها ظاهراً .. بعد ان اسدلت شالاً اسوداً فوق صفحة وجهها .. أمرأة متشحة بالسواد تصلي بيقين كبير .. بإنكسار كبير .. لا يتذكر مايسون انه يوماً صلّى بخشوعها او حتى انحنى بما يشبه ضعفها هذا .. هو دوماً مايسون الماجن كما يحب اخوه الآكبر ان يسميه .. وهي تسمية لم تأته من فراغ بل اكتسبها بسبب باعه الطويل في ميدان النساء والمصائب والمخدرات حتى .. لم يكن يريد حتى ان يتفس لئلا تشعر به وتخرج من حالتها الروحانية التي سلبته .. ترى بماذا تحس وهي تجلس بكل هذا الايمان .. تتضرع كأن الرب فعلاً سيستمع لها .. ألم يجرب هو ان يتضرع له يوم مرضت والدته .. وماذا كانت النتيجة؟ .. لقد توفيت والدته في ذات الليلة.. منذ ذلك الحين ومايسون لا يؤمن بوجود ربٍ أصلاً .. ويوم القداس حضر فقط لان صوت تلك التراتيل يذكره بوالدته التي كانت تأخذه الى القداس معها دائماً .. بشكل ما هذه الفتاة الجالسة ذكرته بوالدته .. لديها نفس خشوعها وتضرعها .. لم يستطع كتم انفاسه أكثر فأخذ نفساً عميقاً .. رفعت الفتاة رأسها مجفلة وأستدارت اليه .. فأتسعت عيناه بمفاجأة .. لا يمكن أن تكون هي .. لا يمكن ان تكون الفتاة الهاربة مع جوزيف والتي تدعى ملاك.. لا يمكن ان تكون هي نفسها من سلب منظرها لبه .. للحظة قبل ان تدرك من هو او تتبينه .. حملت عينيها إمارات حزنٍ عميق .. كأنها فقدت لتوها أعز ما تملك .. منكسرة ومجروحة .. هكذا بدت عيناها .. لكنها ما ان تعرفت عليه حتى بادلته الذهول والصدمة .. تراجعت الى الخلف فأصطدمت بمقعد الصف الذي امامها .. شهقت بخوف .. بينما تلاشت اللحظة السحرية التي سمّرته في مكانه .. تحرك بسرعة يريد ان يصل اليها .. فجرت من امامه هاربة .. كانت سريعة في حركتها الا انه أسرع .. أمسك بها .. وادارها اليه .. عيناها متسعتان خائفتان .. انفاسها لاهثة تخرج من بين شفتيها بحرارة ضربت ذقنه فسرت في دمه .. شالها انحدر عن شعرها ليسقط على كتفيها الهزيلين .. تلوت بين ذراعيه تريد الهروب .. وهي تهز رأسها يميناً ويساراً وتصرخ .. من بعيد جاء الآب راكضاً يصيح مصدوما بأسمها .. ويراقبها بهلع بين ذراعيه .. استل مايسون مسدسه واطلق رصاصة مرت من جانب الاب بالضبط .. مما جعل الاب يجفل صائحاً .. صاحت معه ملاك “أتركه أرجوك .. أرجوك” نظر اليها ثم الى الاب .. ملابسه الدينية جلبت صوراً من طفولته .. لم يرد ان يشوهها فصاح “اخرج من هنا ولا تعد” نظر الاب الى ملاك بعجز فصاحت به بشئ بالعربية لم يفهمه لكنه فهم انها تحاول ان تبعده .. بعد لحظة تردد هرب الاب من امامهما.. التفت اليه مرة اخرى يمسك بها بأحكام .. حاولت مقاومته بإستماتة .. واثناء ذلك تحرك شئ ما داخله .. رغبة وحشية في ان يلمس هذا الجسد بحميمة اكبر .. ان يقبل هذه الشفاه اللاهثة .. ان يتحسس الشعر الثائر .. دفعها الى الحائط وهي تتلوى بكل ما اوتيت من قوة .. قدم رجلها دقت قصبة ساقه .. لكنه لم يتألم .. فوراقهما الجسمانية خدمته .. كانت كحمامة تصارع نمراً .. التقط شفتيها بين شفتيه بعد ان قبض على يديها بيد واحدة وامسك بالاخرى فكها ليثبت وجهها .. شفتاها ناعمتان كالمخمل .. طريتان .. كأنهما لم تُمسا أبداً .. مذهل تماماً ان يشعر أنه الرجل الأول في حياتها .. دموعها انهمرت على وجهها بغزارة وصوت أناتها وصراخها المكتوم اشعل النار فيه أكثر .. ارتخى جسده قليلاً تحت تأثيرها المُسكر .. فأنتهزت الفرصة ودفعته عنها وركضت وقبل ان تصل الى مكان امسك برجلها لتسقط مرتطمة بطاولة خشب تناثرت عليها صور وتماثيل للسيدة العذراء والسيد المسيح .. سقطت صورة من الصور ليتناثر زجاجها في المكان بينما جرها من قدمها نحوه وهي تصيح برعب .. انه يريدها .. هذا هو الشئ الوحيد الذي كان يدور في باله .. بأي ثمن وأي طريقة .. لمستها اعطته لذة لم يكن يعرفها على كثرة ما عاشر من النساء .. هذه الفتاة تبدو كأنها قديسة او مقدسة .. لدرجة تغري شيطاينه بأمتلاكها .. بالتعرف على ما يختفي تحت تلك الثياب البسيطة من بشرة ناعمة صافية كالحليب .. زحف فوقها وهو يجرها لتصير تحته .. عيناها مرعوبتان ومتسعتان خوفاً .. صدرها لاهث تحت صدره .. لم تعطه الفرصة ليسحقها بين ذراعيه لأنه شعر بشئ حاد يخترق ساقه .. صاح من الوجع وانتفض لا شعورياً وهو يشعر بقطعة الزجاج تنغرز في فخذه .. رفع نظره اليها فرأى عينيها تمتلئان حقداً واصرار .. وهمست “عليك اللعنة” وهي تغرز قطعة زجاج اخرى في صدره .. شهق ألماً وراقبها من خلف الضباب الكثيف الذي بدأ يلفه تنهض وتجري دون ان تنظر الى الخلف بينما سقط الشال عن كتفيها مستقراً على بعد خطوات منه .. بذهن شبه غائب .. مد يده الى الشال وكوّره بضعف ودسه في جيبه قبل ان يغرق تماماً في الظلمة.

انت في الصفحة 6 من 24 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
20

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل