
بشقة “عائشة”.
قضت يومها بأكمله على الفراش، فمع اشراقة شمس الصباح وهناك ألم حاد يضرب أسفل بطنها، فاعتدلت بجلستها وهي تحاول جذب الهاتف الموضوع لجوارها على الكومود، فجحظت عينيها وهي تتفحص الوقت فرددت باستغرابٍ:
_غريبة أن غيث لسه مرجعش من الشغل لحد دلوقتي!
كادت بأن تجري إتصالًا هاتفيًا به، ولكنها توقفت حينما استمعت لصوت جرس الباب فظنت بأنه قد عاد، نهضت”عائشة” عن الفراش ثم اتجهت لتفتح الباب قائلة بابتسامةٍ أشرقت وجهها الشاحب:
_نسيت مفتاحك زي عادتك.
تلاشت ابتسامتها تدريجياً وعينيها اتسعت لأخرها حينما رأت بوضوحٍ من تقف أمامها، دفعت “سمية” الباب الموصود بيدها ثم قالت بلهجةٍ فظة:
_مش هتقوليلي إتفضلي ولا أيه!
ابتلعت ريقها الجاف عدة مرات، ثم رددت بارتباكٍ:
_البيت بيتك اتفضلي.
منحتها نظرة قاتمة لا تنذر بالخير قبل أن تدلف، ثم اتجهت لأقرب مقعد،وقالت دون أن تنتظر حتى إنضمامها إليها:
_أنا جاية عشان أقولك كلمتين حطيهم حلقة في ودانك.
افترس الخوف معالمها رويدًا رويدًا، ومع ذلك حاولت أن تلتزم بثباتها، فجلست على الأريكة المقابلة لها وهي تسيطر على انطباع وجهها جراء ما شعرت به من وجعٍ حاد، فبدأت الأخيرة بإلقاء ما أتت لأجله:
_أنتي نجحتي إنك تفرقي ابني عني طول الفترة دي، وخلتيه يدوس عليا ولأول مرة يقاطعني بسببك.
_بس يا ماما والله أنا م… آآ….
قاطعت دفاعها عن نفسها بما ستقوله حينما رفعت كفها لتوقفها عن مقاطعة حديثها مرة أخرى ثم استطردت بحدةٍ:
_وفري على نفسك كلامك اللي هتقوليه لإني مش هقتنع بيه ولا هصدقه، إنتي عملتي كل ده عشان توقعي بينا وتوصلي للي أنتي وصلتيله دلوقتي، بس متتهنيش كتير لإني مش هتخلى عن ابني بسهولة.
واستقامت بوقفتها وأنفها مرفوع بشموخٍ غريب:
_أنا جيتلك النهاردة عشان أقولك إن كل اللي حصل ده مأثرش معايا في حاجة أنا لسه عند وعدي لو نفذتي اللي طلبته منك ساعتها هتلاقيني مامتك بجد ويمكن الأمور ترجع زي الأول بينا.
وكادت بالمغادرة، ولكن لحقتها “عائشة” فأوقفتها وهي تردد بصوتها الباكي:
_أنا عايزة أعرف إنتي ليه ظنة فيا السوء أيه اللي شوفتيه مني وخلاكي تحسي إني ممكن أرتكب الذنب ده؟
إبتسامة ساخرة ارتسمت على وجهها المجعد وهي تخبرها باستهزاءٍ:
_اللي أعرفه إن البنت اللي متلاقيش حد يقولها ده غلط وده عيب تعمل أكتر من كده.
استهدفتها موجة قاتلة من الآلآم، اللي يكفيها ما تتعرض له من ضغطٍ نفسي حاد، وضعت “عائشة” يدها على بطنها وهي تجابه وجعها، لتجيبها بنبرةٍ متقطعة:
_لو مفيش أهل يعيبوا على أولادهم في اللي أكبر منهم، ربنا اللي خلقني وخلقك، أنا مستحيل أخون غيث ولا أرتكب أي ذنب يغضب ربنا زي اللي بتتهميني بيه دلوقتي..
وكزت على أسنانها في محاولةٍ للتحمل وهي تستطرد:
_إزاي متوقعة إني سعيدة وفرحانة بوضعي ده وأنا شايفة غيث حزين وقلبه مكسور بسبب اللي حصل؟
عقلها متسخ بما تحمله من أفكاراً سودوية، وضعتها بنفسها لتلك الفتاة المسكينة، فصاحت بوجهها بشراسةٍ:
_قولتلك المسكنة بتاعتك دي مش هتاكل معايا.
احتد بها الألم حتى أصبح بدرجة غير محتملة، فتمسكت ببطنها وهي تصرخ بوجعٍ، ارتبكت “سمية” مما تراه، فلو لم ترى المياة التي تتساقط من بين ساقيها لكانت ظنتها تتدعي ذلك لإستعاطفها، فألقت حقيبة يدها ثم هرعت إليها لتتمسك بيدها قائلة بخوفٍ:
_شكلك بتولدي.. هو ده معادك؟
صرخت “عائشة” وهي تمتم بألمٍ:
_مش عارفة، حاسة إني هموت من الوجع، أرجوكي ساعديني هموت.
لم تحتمل “سمية” رؤيتها تنازع هكذا، فبالنهاية هي إمرأة مثلها وزوجة ابنها، لذا أسرعت للهاتف لتطلب مساعدة البواب في نقلها للسيارة التي أتت بصحبة سائقها، لتنتقل بها سريعاً لأقرب مشفى، فحملوها الممرضات على السرير المتنقل، ومن ثم دفعوها لغرفة العمليات والأخيرة تلحقها دون وعي منها، فلم تتوقف الا حينما وقفت أمامها إحدى الممرضات فأخبرتها بعمليةٍ:
_مش هينفع تدخلي جوه، استني هنا.
أومأت برأسها عدة مرات ثم وقفت تراقب ابتعادها عنها بتخبطٍ، كانت مشتتة الفكر، فما أن اهتدت بعد جلسة استراحة تمكنت منها بالتفكير المنطقي تجاه هذا الموقف المحسوم، فجذبت هاتفها لترسل برسالة لغيث بعنوان المشفى وختمتها بجملة واحدة
«مراتك بتولد!»