منوعات

رواية بقلم آية محمد رفعت

كان من المهين إليه أن يعود لمنزله ووجهه يمتلئ بالكدمات التي تترك أثرها عالقاً، وكأنها تذكار تعمد عاصي تركه ليمنحه فرصة طويلة بحسم أموره، ولكن كانت نتائجه عكسية بالنسبة إلى “قاسم خلدون” الذي إختبر الجبن والتقهقهر لأول مرة، شعر وإنه يحمل وصمة عار بعودته منكسراً هكذا وسط رجاله وأفراد عائلته، لذا ظل لساعاتٍ مطولة بغرفة مكتبه، حتى وصل أحد رجاله بعد أن تلاقى رسالة منذ ما يقرب النصف ساعة بضرورةٍ لقائه، فوقف مقابله وهو يردد بوقارٍ لهيبته التي دعست بالأرض:

_تحت أمرك يا باشا.

تحركت يديه المتصلبة مع حركة جسده المرتخي على مقعده، ليفتح درج خزانته المقابلة أمامه، ثم سحب سلاح أسود اللون مقبض لمهامه الشنيع، ثم ألقاه تجاهه، ليتحرك لسانه الثقيل ناطقاً بأوامره الصارمة:

_بكره الصبح عايز أسمع خبر “عاصي سويلم”.

سحب الرجل السلاح ثم دثه بحزام بنطاله، ليجيبه ببرودٍ، وكأنه تلقى عمل بأحد الفنادق :

_إعتبره حصل يا باشا.

سحب من نفس الخزانة مبلغ طائل من المال، ثم دفعه بيديه تجاهه وهو ينفث تبغه الخاص:

_لو صدقت هتأخد أضعافهم.

غمز له بوجهه الأجرامي:

_هيحصل، وبكره هنشيع جنازة محترمة للمرحوم.

*******

بغرفة “لوجين”.

ظلت مستيقظة طوال الليل، تفكر في رده على عرضها، تبتسم تارة حينما تتذكر هيامه بها وتتردد تارة أخرى خوفاً من أن يرفض عرضها، فقبضت أشعة الشمس ظلام الليل الدامس، ومازال عقلها مزحوم بالتفكيرٍ به، فما أن سطع النهار بشمس يومها الجديد حتى هرعت لخزانتها لتجذب الأقرب ليدها، وأسرعت بالهبوط للأسفل، فوجدت إحدى الخادمات تضع الطعام على المائدة، فسألتها بابتسامةٍ مشرقة:

_هو فين عاصي؟

أجابتها وهي تسكب كوب من العصير إليها:

_خرج من الصبح وقالي أبلغك تستنيه لما يرجع.

وتركتها وعادت للمطبخ مرة أخرى، فجلست على المقعد باهمالٍ وهي تهمس بضيقٍ:

_راح فين على الصبح كده، هو مش كان في إتفاق بينا ولا أيه؟

ثم عبست بطبقها وهي تتحدث مع ذاتها بصوتٍ شبه مسموع:

_متزعليش نفسك اليوم هيعدي بسرعة وأكيد هيرجع وهيبلغني بقراره..

وحملت كوب العصير ثم صعدت مجدداً لغرفتها لتجلس أمام شرفتها تترقب لحظة عودته.

انت في الصفحة 3 من 32 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
350

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل