
الحلقه الثامنه
تنامى الى مسامعه آذان الفجر فأخذ يردد خلف المؤذن فى خفوت .. وعيناه التى تختلط سوادها بسواد الليل شارده سابحه فى مكان آخر .. تنهد وكأنه يعلن لعقله وصوله الى نهاية المطاف .. دخل “مهند” الى غرفته ومنها الى الحمام القريب .. توضأ وخرج يجفف وجهه فإصطدم بـ “فريدة” التى قالت بعينين ناعستين :
– كنت خايفه مصحاش عشان نمت متأخر
قال “مهند” وهى يغلق أزرار أساور قميصه :
– لو مكنتيش صحيتى كنت هخبط عليكي
ثم نظر حوله قائلاً :
– كالعادة محدش فى البيت صحى مش كده
هتفت قائله :
– يا ابنى حاولت مع عمتو و “نهال” لحد ما روحى طلعت .. وفى الآخر يئست وبقتش بحاول أصحيهم .. هما حرين بأه
دخلت الحمام فتوجه “مهند” الى غرفته وأخذ مفاتيحه .. ثم نزل الدرج ومنه الى خارج الفيلا .. أثناء خروجه من البوابه قابل “بشير” فإبتسم له هذا الأخير وقال :
– وحشتنى يا بشمهندس الأيام اللى فاتت
أحاط “مهند” كتفيه بذراعه وسارا معاً الى المسجد الذى يبعد عدة أمتار عن الفيلا .. دخلاً فى الصف الأول والذى لم يكن مكتملاً ! .. وبعد الإنتهاء من الصلاة تحدثا معاً فى طريق العودة .. سأله “مهند” قائلاً :
– أخبار دراستك ايه يا “بشير” ؟
قال “بشير” بحماس :
– الحمد لله ماشى كويس أوى يا باشمهندس .. هانت السنة دى آخر سنة ان شاء الله
ابتسم له “مهند” مشجعاً وهو يقول :
– خلص انت بس السنة دى وخد شهادتك وان شاء الله نشوفلك شغلانه تانيه فى شركة عمى
اتسعت ابتسامة “بشير” وهو ينظر اليه قائلاً بحماس :
– ان شاء الله يا باشمهندس .. ان شاء الله
عادا معاً الى الفيلا .. توجه “بشير” الى الدور السفلى من الفيلا والذى يحوى غرف الخدم والعاملين بالفيلا .. صعد “مهند” الى غرفته وتمدد على فراشه ليسرق تلك الساعات التى تفصله عن موعد عمله
**************************************
دخل “باهر” المستشفى بعدما تأخر عدة ساعات فى احدى حفلاته متعللاً بأعذرا واهية أرسلها فى رسالة الى “سمر” .. يبرر فيها أسباب تأخره .. نظر حوله بتبرم فأكثر مكان يكرهه هو تلك المستشفيات برائحة المرضى والمرض !
نظر الى “سمر” والتى كانت متكومة باكية على أحد المقاعد .. رفعت رأسها فرأته مقبلاً عليها .. نهضت مسرعة وجرت نحوه وألقت نفسها بين ذراعيه وهى تهتف باكيه :
– بابا مات يا “باهر” .. بابا خلاص مات
ربت “باهر” على رأسها قائلاً :
– معلش يا “سمر” .. معلش
ثم التفت الى “فيروز” التى جلست فوق أحد المقاعد تفرك جبينها بقوة لتخفف ألم الصداع الذى أصابها قائلاً :
– معلش يا طنط
نظرت اليه ببرود وأومأت برأسها .. رفعت “سمر” وجهها المبلل بالعبرات وهى تقول بصوت متقطع متألم :
– “باهر” معدليش غيرك اوعى تسيبنى .. معدليش حد غيرك .. خليك معايا
ألقت “فيروز” نظره ساخره على كليهما قبل أن تتناول دواء الصداع الذى أحضرته لها الممرضه .. قال “باهر” برقه :
– حبيبتى متقلقيش .. أكيد هفضل معاكى .. متقلقيش
وضعت رأسها فوق صدره وبكت بحرقه وهى تقول :
– ليه يا رب كده .. ليه يارب كده .. ليه تحرمنى منه
بدل على “باهر” الضيق من وجوده فى المشفى .. فقال لـ “سمر” :
– طيب تعالى نغير جو بره وجودك هنا هيتعبك أكتر
صاحت “فيروز” بحده :
– هتروحوا فين وتسيبونى لوحدى .. استنوا لما نشوف هنستلم الجثة امتى وندفنها امتى أنا معرفش الاجراءات بتتم ازاى .. مش هعرف اتصرف لوحدى
انفجرت “سمر” فى البكاء مرة أخرى .. فلقد تحول والدها الآن .. الى مجرد جثة !
*************************************
فى صباح اليوم التالى التف الجميع على مائدة الفطور .. جلس “مهند” على يمين “عدنان” وفى مواجهته “نهال” و بجوارها “فريدة” .. قالت “انعام” مازحة :
– طبعاً الأستاذ “علاء” مستحيل يصحى دلوقتى
التفتت اليها “نهال” قائله :
– طبعاً يا عمتو ده راجع وش الصبح .. سمعته وهو داخل أوضته
قال “عدنان” وهو يهز رأسه بإستنكار :
– مش عارف الولد ده هيعقل امتى .. هو عارف كويس ان عندنا اجتماع مهم النهاردة .. وبرده راجع متأخر ونايم متأخر
قالت “نهال” ملطفة لمزاج عمها :
– معلش يا عمو بكره يعقل
حانت من “نهال” التفاته الى “مهند” الذى يتناول طعامه فى صمت .. رسمت ابتسامة على شفتيها وهى تقول بلهفة :
– “مهند” ممكن توصلنى لواحده صحبتى .. “بشير” مش فاضى سألت عليه تحت قالولى راح يجيب طلبات
توقف “مهند” عن تناول طعامه وبدا عليه الضيق لكنه قال :
– ماشى مفيش مشكلة
اتسعت ابتسامة “نهال” وهى تنهض قائله بحماس :
– طيب هروح أجهز نفسى عشان معطلكش
هتفت “انعام” بإستنكار :
– كملى أكلك يا “نهال”
قالت وهى تنصرف :
– شبعت يا عمتو
توجه “مهند” الى سيارته وأخرجها من الجراش ليوقفها أمام باب الفيلا .. خرجت “نهال” والسعادة على محياها .. ركبت بجواره وانطلق بالسبارة بعدما أملته العنوان الذى تود الذهاب اليه .. حانت منها التفاته اليه لتجده ناظراً مامه لا ينظر تجاهها .. سألته بتوتر :
– عجبتك هديتي ؟
توقعت أن يجيب على الفور .. لكنها أخطأت .. لم يجيب .. فتوترت أكثر .. وقالت :
– “مهند” .. بقولك عجبتك هديتي ؟
كان قد وصل الى العنوان المطلوب .. فأوقف السيارة .. ثم التفت اليها قائلاً بهدوء :
– مفتحتهاش يا “نهال”
ظهر على ملامحها الضيق .. فأكمل بحزم :
– بصى يا “نهال” .. انتى بنت عمى وبخاف عليكي زى “فريدة” أختى بالظبط .. انتى لسه صغيره .. والحياة أدامك .. وانتى دلوقتى داخله على مرحله جديدة فى حياتك .. ركزى فيها أوى
أنهى حديث والتفت ينظر أمامه .. قالت “نهال” بإضطراب :
– انت ليه بتقولى الكلام ده
قال بصرامة دون أن ينظر اليها :
– بقولهولك وخلاص .. بنصحك زى ما بنصح “فريدة” .. لانى بعتبرك أختى زيها بالظبط
لمعت العبرات فى عينها .. فتحت الباب ونزلت من السيارة .. انطلق “مهند ” دون أن ينظر وراءه .. تابعته بعيناها الدامعتان .. وقد فهمت رسالته جيداً !