منوعات

بقلم مني سلامه ج 1

الحلقه الخامسه

 

وقفت فى الشرفة وكأنها تنتظر أحداً .. دخلت “لميس” الغرفة وهتفت بإستنكار :

– “نهال” بتعملى ايه عندك .. يلا الضيوف كلهم تحت

أطلقت نظرة قلقة على ساعتها ثم على الطريق وهى تقول :

– ثوانى بس يا مدام “لميس” .. ثوانى ونازله .. قوليلهم ثوانى

قالت “لميس” بحزم وهى تخرج :

– طيب متتأخريش عشان ميصحش كدة

عادت تتطلع الى الطريق خارج الفيلا .. ثم ما لبثت أن اتسعت ابتسامتها ولمعت عيناها بسعادة وهى تنظر بلهفة الى تلك السيارة السوداء الفارهة التى عبرت بوابة الفيلا .. وهتف قلبها وهو يقفز فرحاً :

– مهنــد ! ……..

 

توقفت السيارة أمام الفيلا .. انحنت “نهال” لترى الفتاة التى ترجلت من السيارة .. ثم تسير السيارة بضع خطوات بعيدة عن الفتاة لكى تصطف السيارة بعيدة عدة أمتار عن باب الفيلا حتى لا تعيق مرور سيارات الضيوف التى ستدخل وتخرج من الفيلا .. رأت “بشير” وهو يسرع بإتجاه السيارة ويفتح الباب .. اتسعت ابتسامتها وهى تنظر الى ذاك الرجل الذى ترجل من السيارة بحلته الكلاسيكية و شعره المصفف بعناية .. كان يوليه ظهرها ويضع ذراعه على كتف “بشير” الذى رأته يبتسم بسعادة وهو يتحدث اليه .. ربت الرجل على كتف “بشير” مرتين قبل أن يلتفت فى اتجاه الفيلا .. تأملته بوجهه الذى لوحته الشمس فأكسبته سمره محببه زادت من اسمرار بشرته .. وتلك الملامح التى وإن خلت من الوسامة الظاهرة إلا أنها تشع قوة ورجولة .. اقترب من الفتاة التى نزلت من السيارة ووقفت تنتظره .. أحاط كتفيها بذراعه وتوجها معاً الى داخل الفيلا .

التفتت “نهال” تلقى نظرة سريعة فى المرآة لتتأكد من أنها تخرج فى أبهى زينه .. هبطت الدرج بسرعة .. رأت احدى الخادمات تفتح الباب ليدخل منه ذالك الرجل مع تلك الفتاة .. اتسعت ابتسامتها وتوجهت اليهما لتستقبلهما .. ابتسمت الفتاة فى وجه “نهال” وقالت :

– “نهال” .. ازيك .. وحشتيني أوى

عانقتها “نهال” قائله :

– انتى كمان يا “فريدة” وحشتيني أوى

التفتت “نهال” تنظر الى الرجل قائله :

– حمدالله على السلامة با “مهند”

تأملته عن قرب بتلك العينين الثاقبتين وهو يقول بصوت رخيم :

– الله يسلمك يا “نهال”

ترك الفتاتان معاً وتوجه الى الداخل مما سبب الحسرة فى قلب “نهال” .. ابتسم “عدنان” بمجرد أن رآى “مهند” مقبلاً عليه وتعانقا .. قال “عدنان” :

– حمدالله على السلامة يا “مهند”

ابتسم “مهند” قائلاً :

– الله يسلمك يا عمى

توجه “مهند” ليسلم على عمته الجالسه تتحدث الى احدى النساء فهتفت قائله :

– “مهند” حبيبى .. حمدالله عى السلامة .. فين “فريدة”

قبلها قائلاً :

– بره مع “نهال”

توجه الى رجلين يقفان معاً .. ابتسم “نهاد” وسلم عليه قائلاً :

– حمدالله على السلامة يا “مهند”

– الله يسلمك يا “نهاد”

ثم التفت لينظر الى “علاء” الذى نظر اليه ببرود وهو يحتسى العصير فى يده قائلاً :

– ايه أخبار السفرية

قال “مهند” بإقتضاب :

– الحمد لله

احتد “علاء” قليلاً :

– أيوة الحمد لله ايه يعني .. اتفقت معاهم على ايه .. والأسعار مشتها زى ما احنا عايزين ولا فى اتفاقات جديده

قال “مهند” بصرامة وهو ينظر اليه بثبات :

– المعلومات دى هتعرفها فى الإجتماع يا “علاء” .. بس لما تتعرض على عمى الأول .. هو صاحب الشغل يعني لازم يكون أول واحد عارف بتفاصيل الصفقة اللى هتم بينا وبينهم

أشاح “علاء” وجه بغيظ ورفع كوب العصير الى فمه ينهيه فى رشفة واحدة كبيرة .. استأذن “مهند” ليسلم على بعض الأشخاص فى الحفل .. التفت “علاء” يرمقه بنظرات حقود ثم قال لأخيه “نهاد” :

– شايف بيتعامل معانا ازاى .. الشحات ده

قال “نهاد” محذراً :

– شششششش وطى صوتك احنا فى حفلة .. لو حد سمعك مش هتبقى ظريفة

قال “علاء” محتداً بغضب :

– هو فاكر نفسه ايه بالظبط .. هو ناسى ان أنا وانت شغالين فى الشركة دى زينا زيه .. بيتعامل كده ليه معانا أكنه مشغلنا عنده .. الشركة دى بتاعة عمى “عدنان” وكلنا بنشتغل فيها زى بعض محدش أحسن من حد عشان يتعامل معايا كدة

قال “نهاد” بحنق :

– يا ابنى انت غاوى مشاكل وخلاص .. “مهند” مقالش حاجة .. قال ان لازم عمى “عدنان” يعرف التفاصيل الأول وبعدين هنعرف كلنا فى الإجتماع

وضع “علاء” الكأس الفارغ بقوة فوق أحد الطاولات قبل أن يغادر قائلاً :

– بكرة يبقى “مهند” الكل فى الكل ونتركن أنا وانت على الرف يا “نهاد” .. بكرة تقول “علاء” أخويا قال

توجه “علاء” الى احدى الفتيات يتحدث معها .. بينما نظر “نهاد” فى اتجاه “مهند” بريبه .. وقلق .. وخوف من المجهول !

 

************************************

 

نظر “باهر” فى المرآة يتمم على تصفيفة شعره التى استغرقت ما يقرب من نصف ساعة لضبطها .. ثم ألقى نظرة على الطاولة فى الشرفة .. نظر بعين الرضا الى المفرش الأحمر والى الكاسين الفارغين والثلج الموضوع به زجاجة الخمر .. والى الشموع و العشاء الشهى .. نظر الى ساعته لبرهه ثم .. سمع جرس الباب .. فعلت شفتيه اتسامه خبيثه وتوجه مسرعاً الى غرفة النوم يلقى نظرة على الشموع التى أعدها وعلى المفرش النارى الموضوع فوق الفراش .. ثــم توجه الى الباب وفتحه وهو ينظر اليها متأملاً اياها فى فستانها الأنيق الذى كشف عن ساقيها ذراعيها .. ثم قال مبتسماً وعيناه تلمع بخبث :

– سمــر !

ابتسمت وهى تدخل البيت .. أغلق الباب خلفه .. فقالت بنعومة :

– كل سنة وانت طيب يا “باهر”

أمسك يدها مقبلاً اياها وهو يقول :

– وانتى طيبة يا حبيبتى

أعطته تلك العلبة التى كانت تحملها فى يدها .. فتحها مبتسماً ليجده نموذج مصغر لأحد سيارات السباق .. لمعت عيناه بشغف وهو يتفحصه ويقول :

– رااائع يا “سمر” بجد رائع .. والأروع ان معدنيش زيها فى المجموعة بتتعتى .. جبيتيها منين دى

نظرت اليه بسعادة تتأمل فرحته بهديتها وقالت بحماس :

– وصيت عليها حد من معارف بابا .. بجد عجبتك يا “باهر”

ابتسم وهو مازال ينظر الى النموذج يقلبه بين كفيه بإعجاب :

– طبعاً عجبتنى

توجه بها الى الشرفة .. وأخرج زجاجة الخمر يفتحها ويصب منها فى الكأسين ويعطى أحدهما الى “سمر” وهو يبتسم قائلاً :

– أحلى عيد ميلاد مر عليا .. عشان ده أول عيد ميلاد يمر عليا وانتى معايا

ابتسمت فى سعادة لكلماته التى أطربتها .. ثم ما لبثت أن نظرت بقلق الى محتويات الكأس .. رفع “باهر” كأسه الى فمه ينهيه .. فنظرت اليه بأسف قائله :

– معلش يا “باهر” انت عارف انى مليش فى الشرب

وضعت كأسها فوق الطاولة .. فقال “باهر” بضيق :

– بس النهاردة عيد ميلادى .. يعني يوم مميز

قالت برجاء :

– عشان خاطرى متزعلش مش بحب أزعلك .. بس فعلاً مش بطيق البتاع ده

قال متظاهراً بعدم الغضب :

– خلاص يا روحى ولا يهمك

جلسا معاً وشرعا فى تناول عشائهما .. قالت “سمر” بسعادة وهى تتأمل ما أعده باهر لها على الطاولة من زهور وشموع :

– انت اللى عملت كل ده

نظر اليها بهيام قائلاً :

– طبعاً يا روحى .. حبيت يكون العشا مع حبيبتى وخطيبتى رومانسى على الآخر

تناولت عشائها فى استمتاع وهى سعيدة بتلك المعاملة وذاك الإهتمام .. بعد العشاء وقفت تستند على سور الشرفة بينما أحضر “باهر” كوبين من العصير تناولته منه مبتسمة .. ثم التفتت تنظر الى ظلمة السماء شارده .. وقف “باهر” بجوارها قائلاً :

– مالك يا “سمر” شكلك مش فى المود النهاردة

تنهدت بحسرة .. وصمتت .. ثم ما لبثت أن قالت بحزن :

– عارف يا “باهر” .. أنا نفسى أرجع مصر أوى

قال وهو يبتسم بسخرية :

– ليه بأه .. حد يسيب تركيا ويرجع مصر

تنهدت مرة أخرى وقالت شاردة :

– وحشنى ناسها أوى .. شكلهم .. ملامحهم .. طيبة قلبهم .. أخلاقهم .. طباعهم .. وحشنى أماكن كتير كنت بروحها مع ماما الله يرحمها .. نفسى أروح الأماكن دى تانى

قال “باهر” بلامبالاة وهو يحرك كوبه فى يده :

– ما فى هنا مصريين كتير نعرفهم

قالت “سمر” وفى عينيها نظرة حزن :

– لا المصريين اللى بنشوفهم هنا مش زى اللى كنت بشوفهم فى مصر وأنا صغيرة .. كانوا حاجة تانية .. تحس انك بتحبهم من غير ما تعرفهم .. تحس انك عارف وشوشهم وحافظها .. ممكن تقابل واحد لأول مرة فى حياتك بس تحس انك تعرفه من زمان

ثم سرحت بخيالاتها الى عدة سنين للوراء وقالت بنبرة حالمة :

– زمان وأنا صغيرة .. أفتكر فى يوم كنت راجعه من المدرسة .. وكالعادة ماما كانت واقفة فى المطبخ بتعمل الأكل .. فجأة سمعت صوت صويت .. كان فى حريقة فى العمارة بسبب ماس .. والستات عماله تصوت .. الشارع كله اتلم والرجالة طلعت وسط النار وطفوا الحريقة ونزلونا كلنا تحت .. ماما فضلت شيلانى وحضانى .. كنت مرعوبة أوى .. بصيت على وشوش الناس وهما بيطبطبوا عليا عشان أبطل عياط .. السكان خافوا يرجعوا العمارة تانى قبل ما ييجى حد يكشف على سبب الماس عشان متحصلش حريقة تانى .. جيرانا فى الشارع فتحولنا بيوتهم نعد نستنى فيها بدل وقفتنا فى الشارع .. سعتها حسيت ان الناس دى كلها عيلة كبيرة أوى .. ومتقسمة على بيوت جمب بعض .. بيحبوا بعض وبيخافوا على بعض .. حتى لو فيهم ناس وحشة .. وناس مؤذية .. هفضل الأغلبية طيبة وكويسة

بدا على “باهر” الضجر وهو يستمع الى حديثها .. لم ترى تعبيرات وجهه لأنها كانت شاردة تنظر أمامها .. ران الصمت بينهما الى أن قطعته وقالت :

– عارف يا “باهر” أنا ايه اللى خلانى أحبك ؟

نظر “باهر” اليها .. فالتفتت تنظر اليه وابتسامه صغيره على ثغرها وقالت :

– من يوم ما ماما اتوفت وبابا اتجوز “فيروز” وجينا عيشنا هنا .. وأنا بحس انى مختلفة شوية عن الناس هنا .. عارفه ان العلاقات ممكن تكون فى بلد زى اللى احنا فيه حاجة عادية .. حتى المصريين لما بينزلوا هنا بيفتكروا ان خلاص عشان سبت مصر وعشت هنا يبأه هتصرف زى ناس كتير هنا وهسمح بعلاقات زى دى

صمتت قليلاً ثم قالت وهى تتطلع ايه بحب :

– اللى عحبنى فيك انك مكنتش زيهم .. من أول مرة شوفتنى فيها جيت وقفت بجرأة قدامى وقولتلى عايز أتجوزك .. ساعتها فرحت أوى .. حسيت انك مختلف عن كل الناس هنا وبتدور على حاجه غير اللى الناس بتدور عليها

مط “باهر” شفتيه وحك رأسه فأكملت “سمر” :

– عارف لو كنت عملت زيهم وحاولت انك تدخلنى معاك فى علاقة كده أنا كنت كرهتك أوى وكنت سيبتك فوراً

بدا عليه الحنق لكنها لم تنتبه لذلك وأكملت شاردة وهى تنظر أمامها الى السماء الحالكة :

– عارف يا “باهر” رغم انى عشت هنا سنين طويلة .. وبقيت بقلدهم فى حاجات كتير .. بس فى حاجة جوايا بتخليني أفتكر “سمر” الصغيرة اللى كانت عايشة مع مامتها وباباها فى مصر .. حاجه بتخليني ساعات بحس نفسى ضايعه .. ساعات بحس انى مش لاقيه نفسى .. نفسى ضايعه جوايا من عارفه أوصلها .. وفى نفس الوقت مش عارفه اتجاهلها واشيلها من جوايا .. عارف لما تحس انك بردان وحران فى نفس الوقت ؟ .. أنا حسه بكدة حسه انى بردانه وحرانه فى نفس الوقت .. لا أنا عارفه أتغطى ولا عارفه أشيل الغطا

ظهرت تعبيرات وجه “باهر” واضحة جلية بمدى ضجره من ذلك الحديث وتلك الطريقة التى آلت اليها السهرة والتى لم تكن مثلما خطط ! .. نظرت اليه “سمر” متأملة ثم قالت معتذرة :

– صدعتك مش كده .. انا آسفة يا “باهر” .. النهاردة عيد ميلادك وطول الوقت قضيناه فى الكلام عنى

رست بصعوبة بسمة على شفتيه وهو يقول :

– لا أبداً يا روحى أنا بحب أسمعك وانتى بتتكلمى

نظرت “سمر” الى ساعتها ثم قالت :

– أووف الوقت اتأخر .. لازم أمشى

هتف “باهر” بإستنكار :

– هو احنا لحقنا نعد مع بعض يا “سمر”

قالت معتذره وهى تحمل حقيبتها :

– معلش يا حبيبى .. انت عارف ان من يوم ما انت ركبت عربيتي وعملت بيها الحادثة وأنا بابا مجبليش غيرها .. وأنا بخاف اركب تاكسيات فى وقت متأخر أوى .. انت عارف الحوادث اللى بنقراها كل يوم فى الجرايد

قال “باهر” بإستسلام :

– خلاص يا حبى ولا يهمك

قبلته مودعة وقالت مبتسمة :

– كل سنة وانت طيب يا حبيب قلبى .. ان شاء الله كل أعياد ميلادك الجايه نقضيها مع بعض

– اهااا

خرجت “سمر” وهى تلوح له قبل أن تركب المصعد .. أغلق “باهر” الباب ووقف خلفه للحظات وهو يزفر بضيق قائلاً :

– ده ايه البلوه اللى بليت نفسى بيها دى !

انت في الصفحة 5 من 15 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
2

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل