منوعات

لقاؤنا حياه ج 2

الفصل الثامن

تمالك “خالد” حاله بعدما أدرك ما صار يشعر به.

ملامحه التي كانت مسترخية أصبحت باردة مما جعلها تندهش من تغيره المفاجئ.

أشار لها لتتحرك أمامه دون أي كلمة أخرى.

شعرت بالتوتر لوجودها معه على الطاوله دون أحد.

أخذ يختلس النظرات إليها كلما نظرت لهاتفها.

أخيرًا انضم الشُرڪاء إليهم واتبعهم “كريم” الذي بلطافته جعل طاولة العشاء تتحول من جلسة عملية إلى جلسة مرحة.

استرخت “خديجة” بجلستها بل وبدأت تبتسم مع كل مزحه يلقيها “كريم” ثُمّ يشير لها بترجمتها لهم.

إتجه “كريم” برأسه نحو “خالد” الذي يُشاركهم الكلام باِقتضاب، ثم سأله بخفوت.

– مالك يا بوص، فُك التكشيرة دي لـ الشُركاء يفتكروا إنك مش طايقهم.

حَدَجَهُ “خالد” بنظرة لم يفهمها، ثُمّ تحولت عيناه نحو تلك التي تجلس بالمِقْعَد الذي يلي “كريم”.

هذه المرة انتقل “كريم” بنظراته نحو “خديجة” التي أخذت تأكل طعامها بتمهل وبطئ.

– يا بنتي كلي براحتك محدش بيركز مع حد بلاش شغل الإتيكيت اللي مبيأكلش عيش دا.

ابتسامة خجلة اِحتلت ملامح “خديجة” وهي تنظر إلى “كريم” ، جعلت نظرات “خالد” تصبح قاتمة.

بساطة “كريم” بالحديث ولُطفه جعل “خديجة” تندمج معه.

فور أن انتهى العشاء وصافح “خالد” شُركائه غادر المطعم.

ضاقت عينيّ “كريم” بحيرة لكنه يعرف طباع ابن عمه.

تصرف “خالد” كان مُلفت للغاية لـ “خديجة” التي تخشى أي خطأ يصدر منها أمامه.

نظرت إلى “كريم” الذي مازال واقفًا معها أمام واجهة المطعم.

– هو أنا عملت أي تصرف مش مظبوط، دكتور “كريم”.

ابتسم “كريم” لها بلُطف ثُمّ نظر لسيارة ابن عمه بعدما تحرك بها.

– لا يا “خديجة” ، واسمحيلي أقولك “خديجة” من غير ألقاب.

أماءت “خديجة” برأسها له وهي تبتسم بخجل.

تعلقت عينيّ “خالد” بها عندما مر بسيارته أمامهم.

– حاولي تاخدي على طباع رئيسك… للأسف من الصعب تلاقيه بيضحك.

قال “كريم” عبارته الأخيرة ثم أشار لها أن تتحرك أمامه ليقوم بتوصيلها لمنزلها.

– اتفضلي معايا عشان أوصلك.

– شكرًا دكتور “كريم”.

تمتمت بها “خديجة” ورغم إصرار “كريم” عليها إلا أنها استمرت في رفضها.

– خلاص يا “خديجة” … هوقفلك تاكسي.

بالفعل انتظر “كريم” معها إلى أن أتت سيارة أجرة.

– لطيف أوي يا “سارة”.

قالتها “خديجة” لـ “سارة” في مكالمتهم الهاتفيه بنظرة يملئها الإعجاب.

– وإيه كمان.

لم تنتبه “خديجة” على نبرة “سارة”، فاستطردت قائلة:

– ووسيم وچنتل مان.

انتبهت “خديجة” على حالها بعدما وجدت “سارة” تعزف لها بلحن موسيقي.

– أنتِ سيباني اتكلم عشان تتريقي مش كده يا “سارة”.

– ما أنتِ شكلك كده بدأتي تُعجبي بـ دكتور “كريم”.

قالتها “سارة” لتختبر مشاعر صديقتها نحو ذلك الرجل مما جعل “خديجة” تنتفض من فوق فراشها قائلة:

– لا طبعًا، إقفلي يا “سارة” خلينا ننام.

تهربت “خديجة” من سؤال “سارة” لأنها لا تعلم الجواب.

فهل تُعجب بشخص بسبب لطافته معاها.

دلفت “نورسين” مڪتب “خالد” بالشَركة والفزع يحتل ملامحها وهي تحاول إلتقاط أنفاسها.

– “خالد” ، اتصلوا بيا من مدرسة “أحمد” لأنهم حاولوا يكلموك لكنك مبتردش…

“أحمد” أخدوه المستشفى لأنه وقع من على السلم.

إنتفض “خالد” من فوق مِقْعَده واقترب منها متسائلًا بقلق على أخيه الصغير الذي صار يعتبره طفله.

– مستشفى إيه؟؟

تحرك قبل أن يحصل على الجواب واتبعته “نورسين” وهي تشعر بالقلق على حال أخَاهَا الذي ترفض وجوده لكنها في داخلها تحبه.

رمقها السيد “سامر” بنظرة ممتعضة بعدما أخبرته أنها تريد خمسة عشر دقيقه لتذهب فيهم لمكان قريب من الشركة لتستلم شىء -قامت بشرائه- من عامل التوصيل.

أشار إليها بالإنصراف ثُمّ عاد ليركز أنظاره نحو الأوراق التي أمامه.

بتعجل خرجت “خديجة” من المصعد الخاص بموظفين الشركة ثُمّ غادرت البناء.

وضعت هاتفها على أذنها منتظرة رد عامل التوصيل عليها ليُخبرها أين هو بالتحديد.

أسرعت بالتحرك نحو الجهة التي ينتظرها بها.

حصلت أخيرًا على كنزها الثمين وهو أحد أعمال الأديب الروسي “دوستويفسكي” الغير مترجمه.

في تلك اللحظة التي كانت تتجه فيها نحو المصعد…

كان “خالد” يخرج من المصعد الآخر يتبعه “كريم”.

ابتسم “كريم” عندما رأها ثُمّ حرك لها رأسه بتحية…

بادلت تحيته بإماءة من رأسها مع ابتسامة ودودة ارتسمت على شفتيها.

احتدت نظرات “خالد” عندما التقطت عيناه الأمر ثُمّ أسرع بخطواته ليُغادر الشَركة.

صعد “كريم” السيارة ينظر إليه دون فهم لأمره.

– دايمًا كده واخد في وشك.

حَدَجَهُ “خالد” بنظرة غاضبة ثُمّ بدأ بقيادته.

– مش هستناك لحد ما تتساير مع الموظفات.

تعجب “كريم” من حدته و رده عليه بتلك الطريقه.

– اتساير! دي “خديجة” والبنت محترمه.

– مجرد موظفه في الشركة وقبل كده أخدت أختها معاك فرح “سلوى” …

“كريم” علاقاتك النسائية تكون بعيد عن الموظفات.

لم يستسيغ “كريم” تلك الطريقه التي تحدث بها فهتف بوجه حانق.

– قصدك إيه يا “خالد” ؟!

لم يُجيب “خالد” عليه لأنه يعلم أن ردة فعله كانت بلا داعي…

موظفه تقبل التلاطف مع المدير فما الأمر الذي يُزْعِجةِ…

إنه بالفعل يضع إهتمامًا عجيبًا نحو تلك الفتاة.

– خلاص يا “كريم” اقفل السيرة ديه.

طالعه “كريم” بدهشة ولولا أنه يعلم جدية “خالد” وعدم تقبله لتلك الطريقه التي يتعامل بها مع الموظفات لـ ظن أن “خالد” يهتم لأمر تلك الفتاة.

– بس اللي أنا مستغربه إن الأختين مختلفين خالص في طريقتهم وطريقة لبسهم.

عاد التجهم يحتل ملامح “خالد” ولم يشعر بنفسه وهو يقود بسرعة جنونيه إلا على صوت “كريم” الذي أثار الأمر دهشته.

– هدي السرعة يا “خالد” … إحنا مش على طريق صحراوي ده طريق عمومي.

…..

اليوم هو نهاية الشهر والمقرر فيه الحصول على الرواتب.

ارتسم الحماس على ملامح “خديجة” عندما علمت أن راتبها تم وضعه بحسابها البنكي.

– حضري نفسك هعزمك النهاردة يا “سارة” وهرد ليكِ الفلوس اللي استلفتها منك.

قالتها “خديجة” وهي تتحرك نحو الإستراحة التي يقضون فيها الموظفين إستراحة العمل.

– المرتب نزلك كامل ولا ناقص.

ابتسمت “خديجة” ، فسعادتها كانت لا تُوصف عندما تأكدت من المبلغ الذي تم وضعه بحسابها.

– لا كامل، وكمان نازل ليا مكافأة.

– واو… لا الوظيفه دي خسارة تكون مؤقته.

هتفت بها “سارة” لكن سُرعان ما استكملت كلماتِها بتشجيع.

– حاولي تثبتي نفسك ليهم دايمًا يا “خديجة” وأنا متأكده إنهم مش هيقدروا يستغنوا عنك…

في نفس اللحظة التي أنهت فيها “خديجة” مكالمتها مع “سارة” وجدت شاشة هاتفها تُضاء باسم والدتها.

– ألحقيني يا “خديجة” أنا محتاجة فلوس حالًا.

غادرت “خديجة” الشركة دون أن تأبه أن استراحة العمل ستنتهي بعد خمس وأربعون دقيقة.

من سوء حظها أن جميع سيارات الأجرة لم تكن فارغة بهذا الوقت.

نظرت حولها بيأس ثُمّ تحركت نحو الطريق الرئيسي لعلها تجد سيارة أجرة.

في هذا الوقت كانت سيارة “خالد” تُغادر جراچ الشركة.

كان منشغل بمكالمة هاتفية وهو يقود سيارته لكن عندما تقاطعت سيارة أخرى -مارة نحو طريق متفرع- مع سيارته توقف فجأة.

إنتبه عليها وهي تسير بخطوات سريعه نحو الطريق الرئيسي.

– أستاذه “خديجة”.

صاح بها “خالد” بعدما فتح باب سيارته.

اتجهت بعينيها نحوه فأردف قائلًا :

– تعالي أوصلك في طريقي لو تحبي لأن للأسف صعب تلاقي تاكسي في الوقت ده.

طالعته بتردد لاحظه لكن إرتفاع رنين هاتفها برقم والدتها جعلها تقبل عرضه.

– أنا مش عارفه أشكر حضرتك إزاي.

قالتها “خديجة” بخجل بعدما تحرك بالسيارة.

رمقها بنظرة خاطفة وقد ارتسمت على ملامحه ابتسامة لطيفه تمكن من إخفائها سريعًا.

– قوليلي رايحه فين.

– وسط البلد.. مطعم رانوس.

كادت أن تصف له مكان المطعم لكنه كان يعرف مكانه.

– هو أنا هأخر حضرتك.

تساءَلت “خديجة” ثُمّ نظرت لهاتفها الذي تعالا رنينه مرة أخرى.

– ردي على تليفونك ومتقلقيش مش هتأخريني ولا حاجه.

طريقته اللطيفة التي كان يتحدث بها معها كانت تصدمه بنفسه.

إنه ليس بتلك الشخصية الودودة مع النساء حتى لو أعجبته إحداهن.

– فينك يا “خديجة”… أختك مبتردش عليا لازم واحده فيكم تلحقني… “ماجدة” الحقوده دبستني… أوعي تيجي من غير فلوس.

خشيت “خديجة” أن لا يتحمل راتبها فاتورة الطعام الذي تناولته والدتها مع صديقاتها.

– الحساب كام يا ماما.

عندما استمعت للرقم الذي أبلغتها به والدتها أغمضت عيناها بحسرة سيضيع جزء كبير من راتبها -الذي حلمت به منذ أن توظفت- من أجل فاتورة غذاء.

– “خديجة” فيه كمان فاتورة شنطة وجذمه دبستني فيهم “تفيدة” عشان هدية عيد ميلادها.

– كمان!! كام يا ماما.

ارتفع تنفسها عاليًا وشعرت برغبة قوية بالبكاء؛ فلن يتبقى من راتبها إلاّ مبلغ قليل تستطيع به تدبر حالها لنهاية الشهر.

أغلقت “خديجة” المكالمة تنظر نحو الطريق بنظرة شاردة .

نظرات “خالد” -من حين إلى آخر- كانت تنصب عليها بإهتمام…

لقد إلتقط بعض الكلام أثناء مكالمتها مع والدتها.

– أنتِ كويسه يا آنسة “خديجة”…
والدتك في أزمة؟ لو محتاجه حاجه ممكن أساعدك.

طالعته بابتسامة حملت ما تُعانيه ثُمّ شكرته على لُطفه معها.

– شكرًا يا فندم.

أخيرًا وصلت لمكان المطعم وقبل أن تُغادر سيارته كان يُخرج أحد بطاقاته البنكية ويمُدها لها.

– خليها معاكِ يعني لو احتاجتي حاجه.

صدمها عرضه وشعرت بالإهانة لأنه فهم من مكالمتها مع والدتها أنها بحاجة للمال.

– شكرًا يا فندم.

تمتمت بها مرة أخرى بصوت خفيض يحمل الْخِزْي ثُمّ غادرت سيارته.

طالعها “خالد” وهي تتجه نحو المطعم -الذي يعلم تمامًا أن فاتورة تناول الطعام به غالية- ثُمّ توجه بأنظاره نحو بطاقته البنكية وزفر أنفاسه بضيق…

فهو لم يقصد إهانتها كما فهمت بل أراد مساعدتها لكن كان هناك شىء يهتف داخله.

” لما تهتم لأمرها ” .!!

أسرعت السيدة “ثريا” نحو “خديجة” عندما وجدتها تدلف من باب المطعم.

– فين الفلوس؟؟

أخرجت “خديجة” بطاقتها البنكية ثُمّ أعطتها لها…

بخطوات حملت الثقة هذه المرة اتجهت “ثريا” نحو الموظف المسئول عن دفع الحساب.

– عشان تصدقوا إني نسيت الڤيزا في البيت… واحده هانم زيّ ما تنفعش تتعامل بالإهانة دي.

قالتها بصوت مرتفع حتى يستمع من شاهدوا لحظات إذلالها.

– إحنا مكناش نقصد يا هانم وعلى العموم إحنا متأسفين.

قالها الموظف بعدما حصل على ثمن فاتورة الطعام.

نظرت “ثريا” حولها بكبر ثُمّ إلتقطت البطاقة البنكية منه واتجهت نحو الطاولة التي كانت تجلس عليها هي وصديقاتها -لكنهم غادروا متحججين أن لديهم مواعيد هامة-.

التقطت حقيبتها من فوق الطاولة ثُمّ اتجهت نحو “خديجة” التي وقفت تنظر إلى والدتها بحسرة.

– خلينا نروح ندفع ثمن الشنطة والجذمة لأني بلغتهم هفوت أخدهم بعد ما أخلص مشاويري وأدفع تمنهم.

سارت معها “خديجة” صامته تكتم أي كلام داخلها حتى لا تنفجر بالكلام..

– اختك طلعت بتكذب عليا ومفهماني إن مرتبات الشركة ضعيفة وبتقضي بقية الشهر سلف من صحباتها…

شوفي أنتِ اهو لسا متعينة من شهر ومرتبك عالي.

أما بقى “ريناد” اللي بتشتغل مهندسه كيميائية وبتشتغل في الشركة من تلت سنين مرتبها كام.

الفضول اِحتل نظرات السيدة “ثريا” بعدما علمت راتب “خديجة”.

طيلة طريق عودتهم للمنزل كانت صامته وقد نسيت تمامًا أمر عودتها للشركة وإبلاغ السيد “سامر” أنها اضطرت للمغادرة.

وصلوا لشقتهم وقد اتجهت السيدة “ثريا” نحو أريكتها الغالية.

– مش هتبطلي اللي أنتِ بتعمليه دا … هتفضلي لحد امتى عايشة كده… إحنا مش زيهم ولا شبههم…

حرام عليكِ شقا بابا الله يرحمه في غربته ضيعتيه…

حتى القرض اللي أخدناه من البنك ضاع على رحلاتك مع صحباتك…

الديون وعماله تتكوم علينا… أنا خايفه في يوم تقولينا إنكِ بعتي الشقة.

لم تهتم السيدة “ثريا” بأي كلام قالته ابنتها لعلها تفيق من تلك الحياة التي تسحبهم معها فيها.

– بنت أنتِ إزاي بتكلميني كده… أنتِ ناسيه إني أمك ولا عشان دفعتي ليا مبلغ صغير هتذليني عليه.

واصلت السيدة “ثريا” الحديث عن تضحياتها الغالية من أجلهم وما فعلته لهم وتحملها لحياة الفقر مع والدهم.

– أنتِ عمرك ما عملتي ليا حاجة… الكلام ده قوليه لـ “ريناد”.

قالت “خديجة” عبارتها -التي ألجمت السيدة “ثريا” للحظات- ثُمّ انسحبت لغرفتها.

استمرت السيدة “ثريا” بالصياح عليها وإخبارها كم هي جاحدة وتشبه والدها.

اِنسابت دموع “خديجة”، تتمنى من كل قلبها أن ترحل من هذا المنزل وتذهب لوالدها.

توبيخ قاسي حصلت عليه من السيد “سامر” على مغادرتها للعمل دون إستأذانه…

فهم بشركة خاصة وليس بعمل حكومي يستطيعون التَزْويغ منه كما يشاءون.

– إيه اللي حصل لكل ده يا أستاذ “سامر”…

توقف “سامر” عن صراخه بها وأخفض رأسه بإحترام عندما وجد نفسه أمام “كريم”.

– دكتور “كريم” أهلاً بحضرتك في قسمنا يا فندم.

تجاهل “كريم” تحيته وتساءَل عن سبب صراخه عليها، فهو بالمصادفه كان يمر بهذا الطابق.

– الأستاذة سابت الشغل إمبارح من غير ما تستأذن.

– وده يستدعي الصراخ ده كله عليها… افهم منها السبب وبعدين احكم يا أستاذ “سامر” مواظفينا مش عبيد عندنا.

عندما وجدت “خديجة” الحرج يحتل ملامح السيد “سامر” أسرعت بتوضيح الأمر.

– أنا عارفه إني غلطانه يا فندم وأوعدك مش هتتكرر تاني.

نظر إليها “كريم” بتقدير ثُمّ ابتسم وأشار إليها لتعود لعملها.

– اتفضلي على مكتبك يا آنسه “خديجة”.

تعلقت نظرات “خديجة” به عندما استدار بجسده ليُغادر الغرفه وسُرعان ما أخفضت رأسها نحو سطح مكتبها لتتفادى نظرات السيد “سامر” المتجهمة.
…..

في نهاية نقاشهم عن صفقة الأدوية الجديدة لا يعلم “كريم” لما انبثق الكلام منه عن “خديجة” وعن توبيخ السيد “سامر” -مدير قسمها- لها.

تجهمت ملامح “خالد” وهو يستمع إلي التفاصيل التي يسردها له عن الموقف وكيف شعر بالتقدير والإحترام نحوها لردة فعلها.

ولأن “كريم” يشعر بالإختلاف بينها وبين شقيقتها -التي استطاع مراضتها عن موقفه السخيف معها بهدية باهظة الثمن- استمر بالكلام عن “خديجة” ومدحها.

ضاقت عينيّ “خالد” بنظرات تحمل الغضب وهو يرى كيف ابتهجت ملامح “كريم” وهو يتحدث عنها.

••••••••••••••

الفصل التاسع

أغلق “خالد” الكتاب الطبي الذي ڪان يقرأ فيه بعدما شعر أنه لا يقوى على المواصله بسبب تشتت عقله.

حديث “كريم” عنها، تلك الإبتسامة التي تحتل ملامحها كلما رأته..

تفاصيل أصبح يُلاحظها كلما تصادف معها في ردهة الشركة.

أغلق جفنيه لعله يستطيع طرد ذلك الشعور الذي بات مؤخرًا يؤرق مضجه.

نهض من فوق فراشه ثُمّ غادر الغرفة متجهًا نحو غرفة أَخَاه.

توارى جانبًا بعدما انتبه على صوت “نورسين” التي جلست جوار “أحمد” على فراشه الصغير تقص له حكاية.

اِلتمعت عيناه بنظره حانية وهو ينظر إليهم، فـ “نورسين” منذ أن أصيب “أحمد” بساقه وكُسرت وهي تهتم به.

من كل قلبه كان يتمنى أن تعود شقيقته لشخصيتها القديمة، فزواج والدهم -من امرأة أخرى سرًا- وإنجابه طفلاً؛ جعل شخصية شقيقته تتغير لشخصية باردة عملية لا تثق بأحد.

قرر الإنسحاب بهدوء حتى لا تنتبه على وجوده لأنه يعلم تمامًا أنها لا تحب أن تُظهر اهتمامها بـ “أحمد” فهي تفعل ذلك من ورائهم كما تَظُن.

في صباح اليوم التالي وعلى طاولة الإفطار

انضم “خالد” أخيرًا إليهم بعدما اهتم بإطعام “أحمد” ثُمّ ترك مربيته تتولى رعايته.

إتجه نحو والدته كالعاده يُقبل رأسها وكفها وبعدها يتجه نحو “نورسين” يُقبل رأسها بحنو وهو يتمتم بتحية الصباح إليهم.

– صباح الخير يا حبيبي … “أحمد” فطر كويس؟؟.

حرك رأسه لوالدته ثُمّ شرع في تناول فطوره فأردفت السيدة “لطيفة” بنبرة دافئه.

– حبيبي كان عامل صوت للبيت بشقاوته.

طالعت “نورسين” والدتها بنظرة خاطفة ثُمّ عادت تُحدق بطبق طعامها، فهي حتى اليوم لا تستوعب كيف تقبلت والدتها “أحمد”، هم واجب عليهم تقبله لأنه أخَاهم حتى لو من امرأة أخرى خائنة.

ابتسم “خالد” لوالدته صاحبة القلب اللطيف والملامح الطيبة ثُمّ نظر نحو شقيقته التي مازالت في صراعها من تقبل أخَاهم بينهم.

– “خالد” أنا عايزه أنضم لفرع دبي …

قالتها “نورسين” وهي تتهرب من نظرات “خالد” إليها بعدما حدق بها.

– ليه يا “نور”؟

تساءَلت السيدة “لطيفة” عندما استمعت لرغبة ابنتها بالإبتعاد عنهم.

انتقلت عينيّ “نورسين” نحو شقيقها بعدما سيطرت على ملامح وجهها المرتبكة.

– تقيمات الفرع مبقتش عجباني والظاهر “طارق” لسا مش عارف يتعامل ويفهم النظام.

رمقها “خالد” بنظرة ثاقبه مما زاد من ربكتها وتوترها.

– غريبه، “طارق” مطلبش مني مساعدة.

توترت “نورسين” وهي تنظر إليه تبحث عن رد سريع تُخبره به.

– عمومًا يا “نور” لو أنتِ شايفه فرع الشركة محتاجاك مفيش مشكله.

زفرت “نورسين” أنفاسها براحة ولكن عندما وجدت نظرات “خالد” مرتكزة عليها وهو يرتشف من فنجان الشاي خاصته أسرعت بإلتقاط قطعة من الخيار وتناولها.

طالعتهم السيدة “لطيفه” بنظرة حائره وقبل أن تتكلم… كان “خالد” ينهض من فوق المِقْعَد متمتمًا.

– عندي إجتماع بعد ساعه مضطر أمشي.

إتجه نحو والدته يُقبل خدّها هذه المرة ثُمّ همس بأذنها بخفوت.

– بنتك بتكابر يا “لطيفة”.

اتسعت ابتسامة السيدة “لطيفة” عندما فهمت مغزى كلامه لكنها زفرت أنفاسها براحه؛ فأخيرًا تأكدت أن ابنتها تكن مشاعر لـ “طارق” الذي تعتبره كأبن لها لم تنجبه.

– “خالد” قالك إيه يا ماما خلاكي تبتسمي.

عادت الإبتسامة تشق شفتيّ السيدة “لطيفة” وهي تنظر إليها.

– ديه أسرار بين الأم وابنها.

مطت “نورسين” شفتيها بحنق طفولي من رد والدتها.

– طبعًا ما “خالد” بيه هو الغالي.

التمعت أعيُن السيدة “لطيفة” بنظرة تفيض حنانًا.

– انتوا الاتنين غاليين عندي ونفسي أشوفكم دايمًا سعداء يا “نور”.

أخفضت “نورسين” عيناها بحزن مازال يحتل قلبها وقبل أن تنطق بكلمة أسف عما حدث بسببها.

– تعالي في حضني يا حبيبتي.

أسرعت “نورسين” بالإرتماء في حضن والدتها تهتف بأسف.

– أنا مبقتش أفكر غير في سعادتكم… انسي الماضي يا “نورسين”.

وهل تستطيع نسيان خيانة صديقتها لها بعدما غفلتها وتزوجت من والدها؟؟

اليوم كان عليها أن تنتظر إستلام البريد الإلكتروني الذي ستبعثه الشركة الروسية ثُمّ تقوم بطباعته.

نظرت إلى الوقت في ساعه يدها ثُمّ حولها..

لقد غادر معظم موظفيّ الشَركة بعدما إنتهى دوامهم.

أصبحت الآن الساعه السابعه.

إِلْتَقَطَت “خديجة” الأوراق التي قامت بطباعتها، فـ البريد الإلكتروني كان مرفق بملف لابد من ترجمته الليله ووضعه غدًا أمام سكرتيرة الرئيس التنفيذي كما أبلغها السيد “سامر” بعدما تلقى الأوامر من مدام “عايدة”.

جمعت الأوراق التي قامت بطباعتها ثُمّ عادت لمكتبها لتغلق الحاسوب وتُجمع متعلقاتها الشخصية.

ابتسامة واسعة ارتسمت على شفتيها عندما رأت “كريم” يقف في ردهة الشركة ويُشير بيده لها.

واصلت خُطواتها نحوه لتقوم بتحيته لكنها وجدت يدًا تُضع على كتفها لإقافها عن الحركة ثُمّ أتاها صوت “ريناد”.

– “خديجة” بقولك إيه داري عليا النهارده لاني رايحة السخنه مع دكتور “كريم”.

اِستدارت بجسدها بعدما تمكنت من إخفاء تلك الرعشة التي اِحتلت شفتيها.

– أوعي يا “خديجة” تقولي حاجه لماما… قوليلها عندنا شغل مهم في الشركة تمام.

لم تنتظر “ريناد” سماع ردها بل أسرعت نحو “كريم” الذي حرك رأسه هذه المرة كتحية لـ “خديجة” التي توقف الكلام على شفتيها عندما اِلتفت بجسدها إتجاه شقيقتها لتُنادي عليها.

خرج صوتها أخيرًا لتُنادي على “ريناد” بعدما اتبعتها لخارج الشركة لكنها وجدت “ريناد” تُلقي لها قُبلة بالهواء ثُمّ صعدت سيارة “كريم”.

وقف “خالد” يُطالع المشهد خِلسة وهو يقف في تلك الزاوية.

عيناه تعلقت بها بنظرة حملت مزيج من المشاعر التي حاول إخمادها طيله الشهرين الماضيين الذي حاول فيهم تجنبها وعدم التفكير بها والنظر إليها كمجرد موظفة لديه.

عادت “خديجة” من عملها بعدما تعمدت التأخر قليلاً إلى أن تغادر والدتها المنزل لتذهب لحفل زفاف أحد أبناء صديقاتها.

بملامح مُحْبَطه ألقت جسدها على فراشها تتساءَل للمرة التي لا تعرف عددها لما هي حزينة اليوم.

اِقتحم رأسها المشهد وهي ترى شقيقتها تتجه نحو “كريم” الذي كان ينتظرها ليصطحبها معه.

أغلقت جفنيها لعلها تستطيع طرد ذلك المشهد خاصةً عندما ظنته يبتسم لها.

– أنتِ ليه زعلانه يا “خديجة”… كنتِ فاكره إن دكتور “كريم” معجب بيكِ.

تنهيدة طويلة خرجت منها تحمل بؤسها ثُمّ واصلت عتاب حالها.

– من إمتى وكان حد بيهتم بيكِ… من إمتى حد أُعجب بيكِ… “ريناد” دايمًا هي اللي بتخطف الأنظار.

ساعة أخرى قضتها “خديجة” في رِثَاء حالها إلى أن شعرت بالإرتياح والعودة لرشدها وأقنعت قلبها الذي فُتن بلطافة “كريم”

«ليس كل مَن يُعاملك بلطف مُعجب بِك».

أعدت لها وجبة خفيفة لتتناولها ثُمّ كوب كبير من النسكافيه.

نظرت للأوراق التي عليها ترجمتها الليلة ثُمّ للوقت الذي اِقترب من منتصف الليل.

– أنا هقدر أخلص كل ده إزاي.. شكلك كده يا “خديجة” مش هتنامي النهاردة.

استمعت لغلق باب الشقة ثُمّ صوت والدتها… فعدلت نظارتها على عينيها وانتظرت دخول والدتها عليها واستجوابها عن سبب تأخُر شقيقتها.

دخلت “ثريا” غرفة ابنتها تتساءَل:

– أختك لسا مجتش؟

حركت “خديجة” رأسها بالنفي، فزفرت “ثريا” أنفاسها بضيق وأخرجت هاتفها لتُهاتفها.

بملامح حانقة نظرت “ثريا” لهاتفها بعدما تلقت تلك الرسالة المسجله بعدم اِستطاعتها الوصول للرقم الذي تُهاتفه.

– الهانم تليفونها مقفول….

– ممكن تكون الشبكة في المعمل وحشه.

قالتها “خديجة” وهي تتهرب بعينيها من والدتها، فلو أفشت الأمر لوالدتها ستكون هي الخاسرة بالنهاية أمام “ريناد”.

– أنا داخله أوضتي هاخد حباية المنوم وهنام… افضلي رني على أختك واستنيها لحد ما تيجي.

في تمام الخامسة صباحاً

كانت “ريناد” تدلف الشقة وتسير على أطراف أصابعها بعدما خعلت حذائها .

في تلك اللحظة كانت “خديجة” تخرج من المطبخ وهي تحمل كوب من القهوه هذه المرة لعلها تتغلب على نُعاسها وتُكمل ما تبقى لها.

– أنتِ جايه سكرانه يا “ريناد”…. حرام عليكِ اللي بتعمليه دا… أنا هروح أصحي ماما عشان تشوف أخرت دلعها ليكِ.

قالتها “خديجة” وقد شعرت بالإشمئزاز من تلك الرائحة التي تفوح من فم شقيقتها.

إِلْتَقَطَتهَا “ريناد” من قميصها وقد اِهتزّ الكوب الذي تحمله.

– هما كاسين بيره بس اللي شربتهم… عارفه يا “خديجة” لو فتنتي عليا وقولتي كنت فين ومع مين هتشوفي مني وش مش هيعجبك ووسعي كده من قدامي عايزه أدخل أنام.

دفشتها “ريناد” من أمامها واتجهت لغرفتها وكأنها لم تَخَف مُنْذُ لحظات من إستيقاظ والدتها.

انسكبت بضع قطرات من مشروب القهوة الساخن على يدها بعد دفع “ريناد” لها …وعند هذه اللحظه كانت تسقط دموعها ليس من الألم ولكن من عدم قدرتها على الوقوف أمام شقيقتها والسبب والدتها.

إِسْتَأْنَفَت “خديجة” عملها حتى أتى الصباح.

وجدت “ريناد” تقف بالمطبخ تعد قهوتها الصباحية وترتدي ملابس العمل و كأن شيئًا لم يَكُن.

– بقولك شدني من ايدي من وسط صحابه وأخدني لمكان بعيد عنهم وأنتِ عارفه الباقي.

تراجعت “خديجة” للوراء بعدما وضعت يدها على شفتيها تكتم صوت شهقتها التي ستخرج من الصدمة من سعادة شقيقتها لحدوث أمرًا ڪهذا.

إِسْتَطْرَدَت “ريناد” حديثها مع “سالي” صديقتها ومازالت تنتظر نضج قهوتها.

– لا محصلش اللي في دماغك… هما كام بوسة لكن تعرفي ڪان فظيع يا “سالي”.

بوقاحة وصفت شقيقتها القُبلة بتلك المسميات التي يطلقونها…

– “كريم العزيزي” ده فظيع… بيعرف يخلي الست اللي معاه تكون فعلاً مبسوطه وعايزه تسلمله نفسها.

وكأن حجرًا سقط على رأس “خديجة” بقوة.

لقد كانت تراه بصورة مختلفة… لقد ظنته رَجُلاً آخر.

انسحبت “خديجة” من أمام المطبخ دون أن تنتبه عليها “ريناد”.

ذهبت للعمل ومازالت كلمات “ريناد” يتردد صداها في أذنيها.

صعدت للطابق الذي به قسمها بذهن شارد ثُمّ جلست على مِقْعَدها وأخرجت الأوراق التي ترجمتها.

حاولت الإندماج بعملها إلى أن آتى لها السيد “سامر” يُخبرها بالصعود لمكتب سكرتيرة الرئيس التنفيذي بالأوراق التي قامت بترجمتها.

زفرت أنفاسها ثُمّ نهضت من فوق مِقْعَدها وصعدت لمكتب السيدة “عايدة”.

ابتسمت “عايدة” وهي تلتقط منها الأوراق فهي لم تعد تدلف لمكتبه بل صارت السيدة “عايدة” من تتولى هذا الأمر وقد أراحها التعامل مع السيدة “عايدة” مباشرةً.

– في أي ملاحظه في الإيميل اللي اتبعت أبلغها لـ دكتور “خالد”.

كادت أن تخبرها أن المدير التنفيذي للشَركة الروسية سيأتي مصر الأسبوع المقبل لكن خروج “خالد” من غرفة مكتبه جعلها تتوقف عن الكلام.

وقفت السيدة “عايدة” باحترام له تستمع لِما يُخبرها به.

– اتصلي بمدير قسم الإنتاج بالمصنع وبلغيه الساعه 12 يكون في مكتبي.

قالها “خالد” مُحاولا عدم النظر لـ “خديجة” لكن رُغمًا عنه خانته عيناه.

حركت السيدة “عايدة” رأسها له ثُمّ استدار وعاد أدراجه لغرفة مكتبه.

نظرت “خديجة” للسيدة “عايدة” بتوتر، فرؤيتها له تربكها.

– المدير التنفيذي للشركة الروسية هيوصل مصر بعد اسبوع.

أبلغتها “خديجة” بالرسالة التي تم إلحاقها بالبريد الإلكتروني ثُمّ غادرت عائدة إلى قسمها.

انتهت ساعات العمل أخيرًا ولولا حاجتها لـ لقاء “سارة” لعادت للمنزل سريعًا واحتضنت الفراش.

دخلت المقهى تبحث عن “سارة” التي وصلت قبلها لكن عيناها ضاقت في دهشه وهي ترى صاحب المقهى يجلس قُبالتها وعلى وجه “سارة” ارتسمت ابتسامة خجلة.

تلاقت عيناها بـ عينيّ “سارة” التي أشارت لها بالإقتراب.

إقتربت “خديجة” من الطاولة وقد وقف “مازن” على الفور عندما تمتمت “سارة” قائلة:

– “خديجة” صاحبتي المقربه تقدر تقول أختي.

ابتسم “مازن” وهو يُحرك رأسه لها كتحية فهو لا يحتاج أن تُعرفه على “خديجة”، فهو يعلم أنها صديقتها المقربة.

– اتشرفت بمعرفتك يا آنسة “خديجة”.

استأذن “مازن” منهم و اِتجه لأحد العُمال لديه وأشار لطاولتهم ليهتم بهم دون أن يتم محاسبتهم على أي شىء يشربونه أو يتناولوه بعد هذا اليوم.

تحدثت “خديجة” بحيرة وهي تضع حقيبتها على سطح الطاولة.

– أنا مش فاهمه حاجه.

بإبتسامة سعيدة تمتمت “سارة” بخفوت بعدما إقتربت بمِقْعَدها منها.

– اعترفلي بإعجابه بيا يا “خديجة” وطلب رقم بابا مني.

السعادة كانت بالفعل تلتمع في أعيُن “سارة”.

اِحتلت الفرحة ملامح “خديجة” التي كادت تحتضن صديقتها الغالية لكن “سارة” أمسكت يدها تتمتم بصوت هامس.

– لا خلي الأحضان والتنطيط لما الموضوع يتم.

– هيتم يا “سارة” متخافيش … أنا فرحانه أوي.

مرت الأيام بروتينها المُعتاد وأوشكت الستة أشهر على الإنتهاء.

نظرت “سارة” للثَوْب الذي اجتذب عينيها فور أن دلفت المتجر بصُحبة “خديجة”.

– هتاخدي الفستان ده خلاص أنا قولت.

نظرت “خديجة” للثَوْب الذي كان بالفعل جميل وبسيط ولونه هادئ.

– شكله عجبك أنتِ كمان… يلا خدي قيسيه.

هتفت بها “سارة” بحماس ثُمّ أعطتها الثَوْب لقِيَاسُه.

تعالا رنين هاتف “سارة” برقم “مازن” الذي صار اسمه مدون على هاتفها بـ “خطيبي العزيز”.

ابتسمت “سارة” وهي تستمع إلي ندائه الدائم لها منذ أن تمت خِطبتهم.

– حبيبتي اللي دايمًا مشغوله عني.

توردت وجنتيّ “سارة” بخجل وابتعدت قليلاً حتى تستطيع الحديث.

خرجت “خديجة” من حجرة القِياس تبحث عن “سارة” التي اِستدارت عندما استمعت لصوت العامله وهي تُخبر “خديجة” أن الثَوْب وكأنه تَمّ تَفْصِيلُه لها.

أنهت “سارة” مكالمتها مع “مازن” سريعًا واتجهت نحو “خديجة”.

– الفستان فعلاً وكأنه متفصل عليكِ يا “خديجة”… لا شكلك كده هتطلعي المرادي بعريسين مش عريس واحد.

هتفت “سارة” عبارتها الأخيرة بمِزاح ثُمّ تراجعت للوراء بعدما لَڪَزْتها “خديجة” في كتفها.

– من ساعة ما اتخطبتي وبقيتي شبه الخاطبه… عريس إيه اللي هدور عليه… أنا لولا إن خلاص عقد العمل بتاعي هينتهي مكنتش حضرت.

شعرت “سارة” بضيق صديقتها بسبب إنتهاء عقدها بالشَركة.

– يا بنتِ مش بعيد العقد يتجدد تاني… هما هيلاقوا زيك فين.

تنهدت “خديجة” بحزن، فهي تتمنى حدوث هذا لأنها اِعتادت على العمل بالشَرِكة.

– لا بس الفستان جامد عليكِ.

قالتها “سارة” وهي تنظر للثوب على جسد “خديجة” مما جعل “خديجة” تتأمل هيئتها بمرآة المتجر بتدقيق.

••••••••••••••••

الفصل العاشر

الجميع كان مُتَحَمِّس للحفل الذي سيُقام غدًا للإحتفال برأس السنة.

اِستمعت لأحاديث زُملائِها بالقسم وحَمِّاسهم لِما سيحدث غدًا، فما علمته أن كل عام يتم إختيار خمسة موظفين عشوائيًا عن طريق سحب الأوراق ومنحهم هدية وكل منهم تكون هديتة مختلفة.

كانت مثلهم مُتَحَمِّسة لحضور الإحتفال لكن في داخلها كانت تشعر بالتوتر والخوف لأن تلك الأجواء تُذّكرها بتلك الذكرى السيئة.

نفضت رأسها من أفكارها التي لا تجلب لها سوى الخوف والإنطواء ثُمّ نهضت من فوق المِقْعَد الجالسة عليه واتجهت نحو زُملائها لتُشاركهم الحديث، فحتى السيد “سامر” كان يتحدث معهم عن إحتفال غد.
وأنهم سيحضرون غدًا نصف دوام.

دلف “كريم” غرفة “خالد” بالشَرِكة فوجده مُنهمِك في مطالعة الملفات التي أمامه.

– “نورسين” هانم اتخلت عننا وراحت فرع دبي تروق بالها.

رفع “خالد” عيناه عن الملف الذي يُطالعه ثُمّ أزال عويناته عن عيناه وأسند ظهرهِ للخلف مسترخيًا.

– أشرفت على كل حاجه؟؟، “كريم” إهتم بكل حاجه بنفسك.

إقترب منه “كريم” ثُمّ جلس قُبَالته، فهذا الإحتفال كانت “نورسين” من تهتم به لأنه فڪرتها هي.

– كله تمام متقلقش..

طالعه “خالد” بنظرة ثاقبة ثُمّ استند بمرفقيه على سطح مكتبه.

– “كريم” بلاش بكره تهز صورتنا قدام الموظفين زي كل مرة…أوعي تنسى وضعك.

تأفف “كريم” حانقًا من تلك العِبَارة التي أخبره بها “طارق” عندما هاتفه وأيضًا “نورسين”.

– ليه مش مصدقين إنهم هما اللي بيتّرموا حواليًا… وكل واحده فيهم تقولي ممكن أرقص معاك يا دكتور “كريم”… وأنت عارفني مقدرش أحرج ست جميله.

حرك “خالد” رأسه بيأس من غرور ابن عمه وقد حمد الله داخله أن “سلوى” ابنة عمته فاقت من وهم حبها له ووجدت شَريك حياتها؛ لأنه بالفعل لا يصلح ليكون زوج.

– طبعًا مش ابتسامتك ونظراتك اللي بيوقعوهم في حبك.

اِرتفعت ضحكات “كريم” عاليًا ثم غمز له بمرح.

– ما تيجي أعلمك يمكن تعرف توقع واحده وتجرب شعور إنك تكون مع واحده ست بدل حياتك اللي كلها صفقات وأبحاث.

– بره يا “كريم”

صاح بها “خالد” عاليًا، فنهض “كريم” من أمامه وتحرك ليُغادر لكنه توقف قبل أن يخرج من الغرفة.

– اعمل حسابك أنت اللي هتّسلم السنادي الجوايز للموظفين اللي تم اختيارهم أنهم أفضل موظفين لهذا العام وهتّسلم الفائزين في القرعة.

نظرت “خديجة” -للمرة التي لا تعرف عددها- لحالها بالمرآة بعدما أنهت زينة وجهها البسيطة.

تعالا هاتفها برقم “سارة” التي فور أن أجابت عليها هتفت بحماس.

– أنا تحت مستنياكِ أنا و “مازن”.

– “سارة” أنا مش عايزه أروح.

مطت “سارة” شفتيها بحنق من أفعال “خديجة”.

– يلا يا “خديجة” عشان أنا على أخرى مش كفايه معايا عزول.

قالتها “سارة” بحنق طفولي ثُمّ نظرت للخلف حيث شقيقها الأصغر منها الذي أصر والدها أن يرافقهم في خروجتهم الليلة.

رمقها “عبدالله” شقيقها بنظرة غاضبة متوعدًا لها وكأنه هو الأڪبر عمرًا وليست هي.

– أسفين ليك يا “عبدالله” باشا…

ڪتم “مازن” ضحكاته بصعوبه وهو يراها كيف تلتفت ورائها بخوف من شقيقها الذي لم يتجاوز السابعة عشر عامًا.

– يلا يا “خديجة” بقى عشان نوصلك وبعدين نروح حفلتنا إحنا كمان.

زفرت “سارة” أنفاسها بإرتياح عندما وجدت “خديجة” تقترب من السيارة… عندما تسلطت بقعة الضوء على “خديجة” فتحت “سارة” شفتيها بإنبهار.

– البت “خديجة” احلوت كده ليه.

قالتها “سارة” ببهجة وسعادة لأنها ترى صديقتها أخيرًا تهتم بمظهرها وحالها وعلى ما يبدو حقيقةً أن الإختلاط مع أفراد المجتمع يُعلم المرء الإهتمام بذاته.

صعدت “خديجة” السيارة بوجه متورد من الخجل تُلقي عليهم السلام.

بتوتر نظرت لـ “عبدالله” شقيق “سارة” الذي يُجاورها في المِقْعَد الخلفي تسأله عن حاله بصوت خفيض.

– عامل إيه يا “عبدالله”.

أشاح “عبدالله” عيناه عن هاتفه ينظر إليها.

– متمرمط والله يا “خديجة” أنا مش عارف ليه مكنتش الڪبير.

ضحكت “خديجة” على كلامه ثُمّ أردف وهو ينظر لشقيقته التي اِستدارت برأسها إليهم.

– أنا مش عارف مستحملاها إزاي يا “خديجة”.

– فعلاً يا “عبدالله” أُختك لا تُطاق.

اتسعت حدقتيّ “سارة” من حديث شقيقها عنها وجواب “خديجه” عليه..

– رد عليهم يا “مازن”.

ولم يكن “مازن” إلا غارق بالضحك ثُمّ تمتم بمِزاح.

– عشان تعرفوا أنا مستحمل قد إيه وهفضل مستحمل.

أوصلوا “خديجة” للفندق الذي سيُقَام فيه الإحتفال ثُمّ تحركوا بالسيارة ليبدأوا سهرتهم إحتفالاً بالعام الجَديد.

تقابلت مع “ريناد” بردهة الفندق ولن تُنكر أن شقيقتها كانت جميلة للغاية وقد اجتذبت الأنظار إليها.

إقتربت منها “ريناد” تنظر إليها بنظره فاحصة لهيئتها.

– تصدقي معرفتكيش ، شغلك في الشركة غيرك يا “خديجة” لكن أنا حزينة عليكِ كلها  أيام وعقد عملك ينتهي.

قالت “ريناد” كلامها ثُمّ رفعت يدها لتُداعب تلك الخصلة المنسابه من شعرها المصفف بعناية.

عندما لمحت “ريناد” نظرة الحزن في عينيّ “خديجة” شعرت بزهوة الإنتصار، فهي لا تُريد رؤية “خديجة” مميزة مثلها تُريدها دائماً سُخْرية للجميع عندما يُقارنوها بها.

ابتعدت “ريناد” عنها عندما رأت “كريم” يسير مع سكرتيرته جِهة الباب الآخر من قاعة الإحتفالات.

أطلقت “خديجة” زفيرًا ثقيلاً لعلها تتمكن من تخفيف الألم داخلها ثُمّ سارت نحو القاعة بعدما ألقت نظرة خاطفة على شقيقتها التي التصقت بـ “كريم” الذي أزاح يدها عنه بلُطف وواصل تحركه مع سكرتيرته.

بدأ الإحتفال الذي كان منظم بدقة.

و قبل أن تدق عقارب الساعة معلنة منتصف الليل

كان “خالد” يقف على المنصة ويُلقي كلمته لموظفينه الذين صاحوا بحماس وتقدير لرئيسهم.

انطفأت الأضواء فجأة وقد بدأ الجميع في عَد آخر عشر ثواني في العام التي سيُصبح ذكرى وتنغلق صفحته.

اندهش “كريم” عندما وجد “ريناد” تسحبه أثناء إنغلاق الأضواء وانشغال الجميع بالعَد مع عقارب الساعة.

عينيّ أحدهم كانت تتعلق بها وفي داخله كان يزداد حقده وإصراره على إتمام خطته اليوم….

سيفضحها ويذلها كما جعلته كالأُضْحُوكَة.

إلتمعت عيناه بشر عندما وجدها تدفع “كريم” نحو ذلك الممر الخاص بموظفين الفندق الذي يغطيه سِتار قاتم اللون.

اتبعهم وهو يعلم ما يحدث خلف السِتار لكنه يريد رؤيتهم بعينيه.

وجدهم يتبادلون القُبلات تاركه له جسدها يعبث به كما يشاء.

في تلك الأثناء

شعرت “خديجة” بالذُعْر ثُمّ أخذت تلتف حولها يمينًا ويسارًا وهي تضم جسدها بذراعيها.

اِنفتحت الأضواء وقد بدأ الجميع بالتهليل لقدوم عام جَديد.

لم يُلاحظ أحدًا حالتها فهي شعرت بالرَهْبَة عندما تذكرت مجددًا ما حدث معها تلك الليلة.

انتقلت أعيُن “خالد” بين موظفينه يبحث عنها لكنه لم يلمحها.

حاول نفض رأسه ليسيطر على مشاعره وسُرعان ما ضاقت عيناه وهو يرى “كريم” يخرج من ذلك الممر وعلى شفتيه يظهر أحمر شفاه ويلتف حوله.

إتجه إليه بوجه محتقن، فهو حذره من إرتكاب فَضِيحة اليوم.

ألقى عليه “خالد” مَحَارِم ورقيّة وهو يرمقه بنظرة مشمئزة.

– امسح الروچ يا بيه من على شفايفك.

إرتبك “كريم” من نظراته ثم وضع المَحَارِم الورقيّة على شفتيه وانسحب من القاعة.

احتدت عينيّ “خالد” حينما وجد “ريناد” تخرج من الممر ذاته وعلى ما يبدو له أنها كانت تُهندم فستانها القصير  وخصلاتها.

أسرعت في خفض عيناها بعدما رأت نظرات “خالد” موجهه إليها.

بسبب تلك الشقيقة يرفض مشاعره نحو “خديجة”

هذا ما كان يدور بخلده وهو يبتعد بعدما رمقها بنظرة تحمل النفور.

اقتربت السيدة “عايدة” من “خديجة” بعدما لمحتها تقف بمفردها.

– كل عام وأنتِ بخير يا “خديجة”.

ابتهجت ملامح “خديجة” عندما استمعت لصوت السيدة “عايدة” ثُمّ  إحتضانها لها.

– وأنتِ طيبه وبخير يا مدام “عايدة”، سنه سعيدة عليكِ.

– هتوحشيني يا “خديجة” لما تسيبي الشغل.

قالتها “عايدة” بحزن وفي داخلها تتمنى أن تكون “خديجة” من ضمن الأشخاص الذين سيتم تعينهم هذا العام بعقد ثابت وليس مؤقت.

طالعتها “خديجة” بنظرة تلتمع بسعادة زائفة.

– أكيد هنفضل على تواصل يا مدام “عايدة” لأني أكيد مش هنساكِ.

ابتسمت “عايدة” لها ثُمّ ربتت على كتفها.

– ولا أنا أقدر انساكِ يا “خديجة”… أتمنى أشوف بنتي في يوم من الأيام زيك.

ارتفعت أصوات الموسيقى وقد بدأ الشباب يندمجون بالرقص.

نظرت لها السيدة “عايدة” قبل أن تتقدم للأمام حتى تتمكن من رؤية رئيسها.

– زمايلك كلهم قدام يا “خديجة”… الكل دلوقتي هيستني يعرف مين الفايز في القرعه ومين اللي حصل على لقب أفضل موظف.

ثُمّ أردفت السيدة “عايدة” وهي تتحرك.

– يلا يا “خديجة”

تحركت “خديجة” ورائها فهي لم تجد أيّ من زميلاتها لتندمج معهن لأن جميعهن مشغولين بالرقص والتمتع بالحفل.

تابعت “خديجة” السير خلف السيدة “عايدة” إلى أن انتبهت أنها إقتربت من مكان وقوف السيد “خالد” والمُدراء التنفيذيين.

تراجعت “خديجة” بخجل واستدارت بجسدها لتبتعد عنهم.

في الوقت الذي استدارت به لتبتعد تعلقت عينيّ “خالد” بها.

« هل خانه قلبه وخفق لرؤيتها، هل يريد إخباره أنه بالفعل أحبها؟»

إبتلع لُعابه فتحركت تفاحة أدم خاصته وعيناه ظلت ثابتة عليها.

إندهشت السيدة “عايدة” من عدم تركيز رئيسها مع حديث أحد المدراء فحاولت تنبيهه ولفت نظره.

– دكتور “خالد” ،دكتور “شوقي” بيسألك عن زيارتك لمعمل الأدوية

عند البوفية

وقفت “خديجة” تلتقط قطع بسيطه من الطعام وهي تستمع لهتاف البعض منتظرين إعلان أسماء الفائزين.

اِقتربت منها “ريناد” لتُخبرها أنها ستُغادر مع “كريم” بعد نهاية الحفل وعليها تولي أمر غيابها الليلة إذا سألت والدتها عنها.

– “خديجة”، لو ماما سألت عليا قوليها أني روحت أكمل السهره مع زمايلي.

اِحتدت عينين “خديجة”، فقد طفح بها الكيل مما تسمعه من علاقة شقيقتها بـ ” كريم العزيزي” الذي علمت أن له علاقات نسائية عديدة.

– بلغي أنتِ ماما بالكلام ده… ولعلمك يا “ريناد” هقولها على علاقتك بـ “كريم”

ارتفعت قهقهة “ريناد” وهي تربت على خَدّ “خديجة”.

– ماما عارفه ومستنيه اللحظة اللي هقولها إن “كريم العزيزي” هيتقدم ليا.

ثُمّ أردفت بتَهَكُّم وسُخْرية.

– أنا عارفه إنك غيرانه فبلاش غيرتك تخليني أزعل منك يا “خديجة”… أوعي تنسي إن أنا اللي بهدي ماما عليكِ.

كادت أن تتحرك “ريناد” لكن وجدت “خديجة” تجذبها.

– “ريناد” بلاش “كريم العزيزي” ده بيلعب بيكِ… بلاش كل اللي بتعمليه ده… أنتِ جميلة وفيكِ كل المواصفات اللي أي راجل يتمناها ليه ترخصي نفسك.

رمقتها “ريناد” بنظرة ساخرة.

– مش بقولك إنك بتغيري مني.

إقترب النادل منهما ثُمّ قدم كأس به مشروب التفاح لـ “ريناد” وأشار نحو أحدهم .

– الأستاذ اللي واقف هناك بعتلك المشروب ده يا فندم.

نظرت “ريناد” نحو الواقف بعيدًا ثُمّ امتعضت ملامحها.

إنه “هاني” زَميلها الذي أنهت علاقتها معه قبل أشهر.

التقطت الكأس من النادل ورفعته لأعلى.

كاد أن يرفع “هاني” الكأس خاصته تحية منه لها لكن تجمدت يده على الكأس عندما رآها تعطيه لشقيقتها.

– متخافيش ده عصير تفاح.

قالتها “ريناد” لـ “خديجة” ثُمّ ابتعدت عنها.

في تلك اللحظة كان “خالد” يتابعهم من بعيد و شىء داخله كان يُحركه ليقترب من مكان وقوفها.

إِرْتَشَفَت “خديجة” من كأس العصير وقد فرت الدماء من عروق “هاني” وهو يرى “خديجة” تَجَرَّعَت العصير الذي وضِعَ به المخدر الذي يجعل الشخص مستيقظ لكنه لا يشعر بشىء حوله ولا يستطيع المقاومة.

بخُطوات سريعة غادر “هاني” الحفل هَربًا قبل أن يتورط، فلم يكن يقصدها هي.

أنهت “خديجة” الكأس بأكمله ثُمّ أعطته للنادل الذي مر بجوارها.

– واقفة لوحدك ليه؟

إندهشت “خديجة” من سماع صوته ثُمّ استدارت بجسدها جهته.

– دكتور “خالد” !!

ابتسم “خالد” وهو يرى ربكتها وأردف.

– الشَركة هتفتقد موظفة مجتهدة زيك.

عندما أبلغها “خالد” هذا الحديث تأكدت أن لا أمل لها في استمرارها بالعمل.

أخفضت رأسها وقد شعر “خالد” بالضيق من فكرة عدم رؤيتها بالشَرِكَة.

وقفوا صامتين لدقائق إلى أن ارتفع رنين هاتف “خالد”.

في تلك اللحظة بدأت “خديجة” تشعر بدوار طفيف يُداهم رأسها لكنها تجاهلته.

إبتعد “خالد” قليلاً ليتحدث بهاتفه لكن مع إرتفاع صوت الموسيقى قرر الإنسحاب لخارج القاعة.

– ثواني وهكون معاك.

تحرك “خالد” بعدما ألقى بنظرة أخيرة على “خديجة”، فرُبما لا يجمعهم القدر مرة أخرى وتكون كنسيم خفيف مر عليه.

توقف عن متابعة حركته عندما وجدها تجذب ذراعه الذي يمسك به هاتفه ثُمّ تمتمت بصوت خافت وأنفاس ثقيله.

– دكتور “خالد”.. أنا

خرج صوتها بتقطع ليتساءَل “خالد” بلهفة.

– “خديجة” فيكِ إيه، إيه اللي حصلك.

حاولت الكلام لكنها لم تقوى من ثِقَل لسانها.

أحاط خصرها بذراعه حتى يُساندها لخارج القاعة.

تَعرُق وجهها جعله يزداد قلقًا عليها.

صرخ بإحدى الموظفات التي كان لديها دوام مسائي في قسم الإستقبال.

– عايز غرفة فاضية حالًا ودكتور.

الفتاة وزَميلَها شعروا بالقلق وهم يُراقِبوا حالة “خديجة” وقد اِقتربت منهم السيدة “عايدة” بعدما لمحته أثناء مغادرته القاعة يسند “خديجة” على ذراعه ويُحاول إفاقتها بهلع.
….

بعد ساعات، في تمام الساعه الخامسة صباحًا…

رمى “خالد” جسده على فراشه بإرهاق ثُمّ أغمض جفنيه.

مازال لم يستوعب ذلك الإحتمال الذي أخبره بِه الطبيب ورجحه “كريم”، فربما من فعل هذا الأمر كان يُخطط لشىء ما كلما تخيله تأكله نيران الغضب والغيرة.

إرتفعت أنفاسه ثُمّ قبض على شرشف فراشه محاولاً السيطرة على حاله.

بالظَهيرة وفي تمام الساعه التي أخبرهم الطبيب أنها ستستيقظ فيها.

فتحت “خديجة” عيناها بتشويش تنظر حولها.

إتجهت “ريناد” إليها تزفر أنفاسها براحه.

– الحمدلله إنك فوقتي.

ثُمّ أردفت بوجه عابس.

– دكتور “خالد” لسا قافل معايا… كان بيطمن عليكِ.

– هو إيه اللي حصل، ليه راسي تقيله كده.

تساءَلت “خديجة” بصوت ضعيف ثُمّ عادت تنظر للغرفة التي هي بها ثُمّ لملابسها وأردفت.

– “ريناد” إيه اللي حصلي؟؟

سردت لها “ريناد” ما حدث بالتفصيل وبداخلها كانت تشعر بالغيرة بسبب الإهتمام الشَديد والعجيب من السيد “خالد” على شقيقتها وكأنها فرد من أفراد عائلته.

– بسبب اللي حصلك ضاعت السهره اللي كنت هسهرها مع “كريم”.

قالتها “ريناد” حانقة وعندما تأوهت “خديجة”… أسرعت إليها تسألها:

– لسا تعبانه.

اِلتمعت عينيّ “خديجة” بالدموع وهي ترى لهفة شقيقتها عليها وتمنت أن تطلب منها أن تأخذها داخل أحضانها وتربت على ظهرها.

– هي ماما عرفت حاجه.

– لا طبعًا… قولت ليها إن ضغطك وطي وأخدتك المستشفى.

حركت “خديجة” رأسها ثُمّ تساءَلت لعلها تشعر بالإطمئنان.

– يعني مافيش حاجه حصلتلي…

ثُمّ واصلت حديثها وهي تُحاول النهوض من فوق الفراش.

– العصير… هو العصير اللي شربته.

تعلقت عينيّ “ريناد” بها بعدما ذكّرتها بأمر العصير وتلك النظرة التي كان ينظر بها “هاني” عندما لوح لها بيده.

– “هاني”

لم يترك “خالد” الأمر يَمُر مرور الڪِرام بل تولى بنفسه أمر التحقيق فيه.

شعر “كريم” بالتعجب وهو يرى نظرة الشر التي اِحتلت عينيّ “خالد” عندما أكد عليه النادل شكوك “ريناد” بأن “هاني” هو من وضع المادة المخدرة.

وقد إزدادت دهشة “كريم” عندما اهتم بأمر “هاني” والعثور عليه بل وجعله يدفع ثمن فِعلته.

– أنت ليه مهتم بأمر “خديجة” أوي كدا.

تساءَل بها “كريم” بعدما بدأ الأمر يُثِير شكوكه، فـ “خالد” لم يَڪُن يومًا رَجُل سريع الغضب.

حَدَجَهُ “خالد” بنظرة لم يفهمها “كريم” ولم تتأكد شُكوك “كريم” إلا عندما بدأت الأقاويل والثرثرة تنتشر بالشَرِكَة.

••••••••••

الفصل الحادي عشر

توقفت “خديجة” أمام مدخل الشَرِڪَة ولا تعرف لما يدفعها شعور داخلي أن تعود أدراجها إلى المنزل.

تنهيدة طويلة خرجت منها، فهذا أخر يوم لها هُنَا…

وقد أخذت الأيام الماضية إجازة بعدما أخَبَّرَتها السيدة “عايدة” أنها أبلغت مشرف قسمها السيد “سامر” أنها مريضة…

كل هذا كان يتم بأمر من “خالد” لكنه لم يظهر بالصورة.

ارتفع رنين هاتفها برقم “عايدة” التي طلبت منها أن تأتي إليها قبل رحيلها لتودعها.

أعادت “خديجة” هاتفها داخل حقيبتها ثُمّ علقتها على كتفها واتجهت لداخل الشَرِكَة.

ما حدث لها لم يعرفه أحد من موظفيّ الشركة، فغيابها كان لسبب مرضي.

عندما دخلت قسمها تقدم منها بعض زملائها يُرحبون بها بلُطف يملئه الخبث لكنها لم تلاحظ ذلك.

البعض الآخر رحب بها بود حقيقي ثُمّ قدموا لها هَدية ڪ تذكار منهم وأخبروها أنهم سيفتقدونها.

انسابت دموع “خديجة” بسبب لُطفهم ونظرت إليهم.

– أنا مش عارفه أشكركم إزاي.

لم يكُن السيد “سامر” موجود هذا اليوم، فلم تتمكن من توديعه هو الأخر رغم معاملته الجافه.

في هذا الوقت كان “خالد” يقف أمام شُرفة مكتبه بذهن شارد بعدما أبلغته السيدة “عايدة” أن “خديجة” آتت الشركة لتحصل على شهادة خبرتها ومستحقاتها وتُجمع متعلقاتها…

كان يعلم أن السيدة “عايدة” تود أن تطلب منه أن تحصل “خديجة” على عقد جَديد بعدما مَدّت الشركة الروسية فترة تعاونها معهم في صناعة أحد الأدوية لكنه أنهى الكلام معها بنبرة جادة قبل أن تُخبره باِقتراحها.

مشاعر متضاربه كانت تحتل قلبه وعقله، فهو لا يصدق أنه أعجب بها وتمنى أن يلتقي بها مرة أخرى عندما دفعتها صديقتها نحوه لتصطدم به لكي تلفت نظره إليها.

زفرة طويلة خرجت من شفتيه والقرار قد اتخذه…

سترحل “خديجة” من الشَرڪَة ولن تجمعه الصدفة بها مرة أخرى وسيتأكد حينها أن مشاعره نحوها كانت مجرد إعجاب لم يصل لمرحله الحب.

بدأت “خديجة” تُجمع أغراضها بحزن، فهي حتى هذه اللحظة كانت تتمنى أن يتم تجديد عقدها.

اِقتربت منها إحدى زَميلاتها التي لم تحبذ الإختلاط بها منذ أول يوم عمل لها بالشَركة… فهي لم تكن إلا فتاة تُحب القيل والقال عن الآخرين وخلق حكايات كاذبه.

– معقول دكتور “خالد” قدر يستغنى عن خدماتك بسهوله كده.

ضاقت حدقتيّ “خديجة” وهي تنظر إليها، فهي لا تفهم معنى حديثها.

– يستغنى عن خدماتي؟!… أنتِ تقصدي إيه يا “نجوان”.

رمقتها “نجوان” بإبتسامة ملتوية ثم نظرت لمن يُطالعونها بفضول.

– عايزه تقوليلي إنك متعرفيش إن سيرتك بقت على كل لسان… ده الصور أكبر دليل على علاقتك بـ دكتور “خالد” … فعلاً الأختين طلعوا مش سهلين…

قالتها “نجوان” بسخرية ثُمّ التفت برأسها ناحية زَميلاتها وابتسمت.

حدقت بها “خديجة” بنظرة فارغة ثُمّ بعدها ارتفعت أنفاسها بعدما تابعت “نجوان” كلامها.

– واحده ماشيه مع دكتور “كريم” والتانيه طلعت أنصح ولعبت على الراس الكبيرة.

شعرت “خديجة” بالإختناق وهي ترى نظراتهم إليها.

وضعت “نجوان” الهاتف أمام “خديجة” التي بدأت تلتقط أنفاسها بصعوبة.

– مش دي صورتك مع دكتور “خالد” وأنتِ في حضنه ورايحين ناحية الإستقبال عشان تاخدوا مفتاح الأوضه.. قوليلي يا “خديجة” هي كانت ليلة حلوه مش كده.

– فين مدير القسم عشان يشوف المهزله اللي بتحصل دي.

قالتها “عايدة” التي أتت للقسم بعدما وجدت نفسها بالطابق الذي تعمل به “خديجة”… فقررت الذهاب إليها لتوديعها.

ارتبكت “نجوان” وباقي الزملاء بعدما وجدوا السيدة “عايدة” أمامهم ترمقهم بنظرات غاضبه.

– إزاي تتكلمي عن رئيسك كده… إزاي جاتلك الجرأة إنك تتهمي زميلتك بالطريقة دي.

– الصور هي اللي بتقول كده.

قالتها “نجوان” وهي تعطي “عايدة” هاتفها.

الجميع كان مترقب لـ ردة فعل “عايدة”.

رفعت “عايدة” عيناها إليهم تبحث عن رد تستطيع إخراسهم به إلى أن تبلغ رئيسها.

– مين اللي نشر الصور دي… مين المسئول عن جروب الشركة.

ثُمّ هتفت بحدة.

– عمومًا كل حاجه هتبان لأن دكتور “خالد” مش هيسكت عن المهزله دي.

التفت “عايدة” برأسها نحو “خديجة” لتُخبرها أن تأتي معها لكن وجدت “خديجة” قد غادرت.

خرجت “خديجة” من الشَرڪَة ودموعها تسبقها لا تصدق ما رأته… هم لا يفترون عليها لأن هذا ما حدث بالفعل لكن الأمر ليس كما يظنون.

لا تعرف كيف ومتى وصلت المنزل… ومن حسن حظها كانت والدتها قد خرجت للإلتقاء بصديقاتها.

…..

تحرك “كريم” بدهشة وراء “خالد” ينظر إلى السيدة “عايدة” التي كانت مثله تتعجب من ردة فعل رئيسها بعدما أبلغته بما تم نشره على جروب يجمع موظفين الشَركة.

أسرع “كريم” خلفه ليلحقه.

– نفذنا كلامك وجمعنا الموظفين لكن سيبني أنا أوضح اللي حصل مع إني شايفه حوار وهيتنسي لأن الصور خلاص اتمسحت.

احتدت ملامح “خالد” عاقدًا حاجبيه وهو يلتف نحو “كريم” ثُمّ سأله بغضب.

– حوار وهيتنسي… وسمعتها يا دكتور يا محترم…

ثُمّ أردف بنبرة حادة.

– ابعد من قدامي يا “كريم”.

انتفضت بفزع من غفوتها التي سقطت بها بعد بكاء متواصل.

وجدت “ريناد” تقف جوار فراشها تعقد ساعديها وترمقها بنظرة قاتمة.

– دلوقتي عرفت سبب إهتمامه بيكِ ليلة راس السنة…

ثُمّ استطردت بحقد احتل قلبها منذ أن علمت بما فعله “خالد” اليوم.

– ما هو مش معقول هيقلب الدنيا عشان حتت موظفه عاديه.. ده غير لهفته عليكِ ساعتها.

– “ريناد” أنتِ بتقولي إيه…أوعي تقولي إنك صدقتي
الصور والكلام اللي بيتقال عليا.. ده أنتِ كنتِ معايا وعارفه كل حاجه.

لم تتحمل “ريناد” سماع ما تُخبرها به وأخذت تتحرك حولها بغيظ.

– “خالد العزيزي” وقف قدام موظفينه يدافع عنك.

الغصة اِحتلت حلقها عندما أعلن أنه وشقيقتها كانوا على وشك إعلان خطبتهم بعد إحتفال ليلة رأس العام.

– لا وكمان قالهم إنك بإعتبار ما سيكون هتكوني “خديجة العزيزي”

حدقت بها “خديجة”، فهي لا تفهم شىء ولا تستوعب.

– استعدي لخطوبتك من “خالد العزيزي” يا عروسة.

– مش معقول “خالد” يعمل كده.

قالتها “نورسين” بعدما علمت بالأمر من “كريم”..، فهي مازالت لا تستوعب أن شقيقها أعلن خِطبته من موظفه لديهم فجأة والسبب ما نُشر عن تلك الفتاة وعنه .

– صدقي يا “نور” لأن أخوكِ شكله كان واخد قراره من بدري.

– قصدك إيه يا “كريم”.

تساءَلت “نورسين” وقد أشارت لسكرتيرتها أن تُغادر مكتبها لحين أن تنتهي من مكالمتها.

– “خالد” شكله معجب بيها رغم إنه بينكر ده.

احتدت عينيّ “نورسين” ثُمّ حدقت بتلك الصورة المعلقة على الجدار.

– أنا هنزل مصر حالاً يا “كريم” عشان أوقف المهزله ديه.

– أنا مش فاهمه حاجه يا “خديجة”… مال صوتك.

هتفت بها “سارة” بقلق على صديقتها ثُمّ أردفت.

– “خديجة” كفايه عياط وفهميني فضيحه إيه وعريس إيه اللي متقدم ليكِ.

– خلينا نتقابل يا “سارة”… انا هحاول أخرج من البيت واقابلك.

قالتها “خديجة” وهي تمسح دموعها.

بعد وقت

كانت “خديجة” تدلف للمقهى الذي يملكه “مازن” خطيب “سارة”.

طالعتها “سارة” بنظرة مصدومة من هيئتها.

فتحت “سارة” فمها بدهشة وهي تستمع لكل ما تخبرها به “خديجة”.

– هو ده سيناريو مسلسل كوري يا “خديجة”.

احتقنت ملامح “خديجة” من تعليق “سارة” على ما تقصه عليها.

– ما أنا عقلي مش مستوعب… يعني هو كان معجب بيكِ ومصدق يعمل كده.

مسحت “خديجة” أنفها ثُمّ احتدت نظراتها أكثر.

– معجب إيه يا “سارة” ! هو عمل كده عشان صورته قدام موظفينه.

ضاقت حدقتيّ “سارة” وهي تنظر لـ “خديجة”.

– صورته قدام موظفينه إزاي وهو وضح ليهم إيه اللي حصل بالظبط ومدام “عايدة” و” ريناد” كانوا معاكِ…
وكل شىء متسجل في كاميرات الفندق.

تجهمت ملامح “خديجة” من رد “سارة” التي أردفت.

–  هو الوحيد  اللي في ايده التفسير يا “خديجة”.

لم يتوقع “خالد” أن تقف “نورسين” في وجهه يومًا وتُعارضه على أمر اِتخذه.

– إزاي واحد في مكانتك يقف قدام الموظفين عشان يبرأ موظفه عنده…

احتدت عينيّ “خالد” وهو ينظر لشقيقته التي كبرت وأصبحت تقف أمامه.

– اللي برأتها دي هتكون مراتي يا “نور”.

– مستحيل يا “خالد”…

– “نــور”

صاحت بها السيدة “لطيفة” بعدما أمرت خادمتها أن تُحرك مقعدها المُدولب وتأخذها لغرفة المكتب بعدما تعالت أصواتهم.

التفت “نورسين” نحوها وكادت أن تتكلم وتفسر لها سبب رفضها لفعلت شقيقها.

– أخوكِ عارف هو بيعمل إيه كويس…مش هتجي أنتِ وتعارضيه… يوم ما تكبري أوعي تكبري عليه.

نظرت “نورسين” نحوها وهي مصدومة من موافقة والدتها على فتاة لا تليق بشقيقها.

وبسبب ما حدث لها ليلة الإحتفال بالعام الجَديد تورط شقيقها بفَضيحة بين موظفينه بل وأيضًا بسببها وقف أمام موظفينه ليوضح لهم ملابسات ما حدث.

– معقول يا ماما أنتِ موافقه واحده زيها تكون مرات ابنك

في صباح اليوم التالي…

طرقت “نورسين” باب غرفة شقيقها ثُمّ دخلتها بعدما أذن لها.

عندما التقت عيناه بخاصتها… أشاح عيناه عنها.

اِقتربت منه “نورسين” وهي تشعر بالضيق من حالها لأنها وقفت أمامه ليلة أمس ورفعت صوتها عليه.

– أنا أسفه يا “خالد”…

لم ينظر إليها “خالد” لذلك أسرعت إليه تحتضنه وتُقبل خَدّه.

– أنا مش عارفه إزاي اتكلمت قدامك كده.

ضمها “خالد” لحضنه.

– مش زعلان خلاص يا “نور”.

ثُمّ أردف بحنان.

– أنتِ عارفه كويس إن عمري ما أزعل منك.

تعلقت عينيّ “خديجة” به بعدما خرج من البناية التي يقطنون بِها.

رمقته بنظرة حادة، فهو من ورطها بأمر ڪهذا.

تحرك “خالد” نحوها لكنه وجدها تبتعد عن طريقه.

اندهش من فعلتها ثُمّ زفر أنفاسه بضيق فهو حتى اليوم لا يعرف كيف قال ما قاله عن أمر خِطبتهم.

– شكلنا قدر بعض يا “خديجة”.

تمتم بها ثُمّ تحرك نحو سيارته وقادها.

دلفت “خديجة” الشقة..

وقبل أن تتجه نحو غرفتها لتغلقها عليها -حتى لا تسمع كلام والدتها الذي يسمم بدنها- إِسْتَمَعَت لها تقول.

– بكره اهله جايين لينا…

ثُمّ أردفت “ثريا” بطمع.

– ياا يا “خديجة” مش مصدقه إن واحده من بناتي هتتجوز راجل غني هيرفعها ويرفعنا معاها لفوق.

بدأت “ثريا” تَحلُم بما سيقدمه لها عريس ابنتها إلى أن فاقت من أحلامها.

– أنا مش موافقه… أنا مش عايزه اتجوز واحد غني أنا عايزة اتجوز واحد يحبني وأحبه ويكون حنين.

– يحبك وتحبيه.

نطقتها “ثريا” بسخرية ثُمّ اقتربت منها.

-مش بقولك وش فقر زي أبوكِ.

– بابا كان راجل حنين… عمل المستحيل عشان يراضيكي لكن أنتِ دايمًا كنتِ باصه لفوق.

احتقنت ملامح السيدة “ثريا”.

– طيب يا “خديجة” يابنت ابوكِ بكره تكوني جاهزة عشان تقابلي الناس يا كده يا تنسي إن ليكِ أم.

لأول مرة تساندها “ريناد” بقرار لكن كل ما حاولت فعله كان يبوء بالفشل.

– اهربي يا “خديجة” وحطي ماما قدام الأمر الواقع.

قالتها “ريناد” وهي تتمنى أن تتهور “خديجة” وتفعل ذلك الأمر لكن “خديجة” كعادتها استسلمت للأمر بعدما أقتنعت أنها خِطبة وليست زواج.

لم يعجب “نورسين” ولا السيدة “نعمة” -عمة “خالد”- تلك الطريقة التي تتحدث بها “ثريا”…

شعرت “ريناد” بالسعادة وهي ترى امتعاض “نورسين” واستياء العمه… فهذا خير دليل أن الأمر سينتهي بعد مغادرتهم.

الصدمة التي حصلت عليها “ريناد” أن “خالد” هاتف والدتها ليُخبرها أن والدته تُريد رؤية “خديجة” فلم تسنح لها الفرصه القدوم بسبب حالتها الصحية.

تساءَلت “سارة” بحيرة بعدما قصت عليها “خديجة” عن لقائها بشقيقته وعمته.

– يعني قعدتي معاهم ساكته مبتتكلميش.

زفرت “خديجة” أنفاسها بثقل ثُمّ قالت بحيرة صارت تُسيطر على عقلها.

– أنا حاسه إني في حلم يا “سارة”…

ثُمّ أردفت وهي تتذكر نظرات عمته وشقيقته التي لم تراها بالشَركة إلا ثلاث مرات.

– أنا لا كنت عاجبه عمته ولا أخته وبصراحه عندهم حق.

– أوعي تقللي من قيمة نفسك يا “خديجة”.

صاحت بها “سارة”، فهي لا تُريدها أن ترى حالها دومًا أقل من الجميع.

– افهميني يا “سارة”… الموضوع مش تقليل من نفسي…

ثُمّ زفرت أنفاسها بخنقة وواصلت كلامها.

– أنتِ مشوفتيش ماما كانت بتتكلم معاهم إزاي عن الشبكة والمهر والڤيلا اللي هعيش فيها…

“سارة” هو لازم يبعد عني.. ماما فكراه الكنز اللي جالها أخيرًا من السما.

هذه المرة كانت “سارة” تتفهم وجهة نظر “خديجة”.

– يعني أنتِ عايزة تقوليلي إن هو ده سبب عدم تقبلك للخطوبه.

– كل حاجه يا “سارة” لأني مش فاهمه حاجه.

تمتمت بها “خديجة”؛ فتساءَلت” سارة”.

– طيب ليه مقعدتيش معاه النهاردة وكانت فرصه حلوة تتكلموا لوحدكم… ليه مش بتردي على مكالماته ليكِ.

وسُرعان ما واصلت “سارة” حديثها بعدما أصبحت شبه متيقنة أن هذا الرَجُل أحب صديقتها .

– “خديجة” الراجل ده معجب بيكِ بجد.. ما هو مش معقول بعد كل محاولات صدك ليه مازال مصمم على الإرتباط بيكِ…
اللي عمله قدام موظفينه مش إنقاذ لسمعته يا “خديجة” ولا شهامة منه… ده تصرف واحد بيحب… ما هو مش هيقف بنفسه يبرأك.

للحظات كانت “خديجة” تشرد في لقاء جمعها به وسُرعان ما نفضت رأسها.

– لا يا “سارة” اللي حصل إنقاذ للموقف مش أكتر.

عندما استمعت “سارة” لذلك الرد منها أجابتها بصوت متهكم.

–  وجوده في بيتكم النهاردة مع أخته وعمته عشان يتقدم ليكِ إنقاذ للموقف.

ثُمّ استطردت “سارة” بحنق منها.

– عزومته ليكم بكرة في بيته عشان يعرفك على مامته و يعرفها بيكِ إنقاذ للموقف برضو.

دلفت “ريناد” الغرفة عليها فجأة مما جعلها تُنهي مكالمتها مع “سارة” سريعًا.

رمقتها “ريناد” بنظرة ساخرة تحولت لأخرى مظلمة عندما تعلقت عيناها بباقة الأزهار التي جلبها لها.

– افرحي ليكِ شوية يا “خديجة”… ما هي الأيام السعيدة مش بتدوم.

سيارة تأتي بِهُنَّ ثُمّ تعيدهن لمنزلهن

هذا ما علقت عليه “ثريا” وهي داخل السيارة التي يقودها السائق الذي أمره “خالد” أن يعيد أهل خطيبته لمنزلهن.

– يا سلام يا “خديجة” لو تقعني “خالد” بيه إنه يجيب لماما عربيه.

قالتها “ثريا” وهي تحتضن ذراعها.

كورت “ريناد” قبضة يدها بغل وهي تستمع لحديث والدتها…

فأصبحت “خديجة” الآن هي ابنتها الغالية التي ستُحقق أحلامها.

لم تكن “خديجة” منتبهه لما تقوله، فعقلها كان منشغل برأي والدته عنها وعن عائلتها.

لأنها متيقنة أنهُنَّ لم يلقوا استحسان والدته.

……

– البنت هادية وطيبة يا “خالد” لكن أمها واختها معجبونيش خصوصًا أمها… يا بني الأهل أساس أي جوازة.

ثُمّ أردفت السيدة “لطيفة” رغم عدم حبها لإنتقاد أحد.

– أمها شكلها ست طماعه.

وهَلّ هو غافل عن هذا الأمر وهذا للأسف سبب صراعه مع عقله كل ليلة لأن قلبه هو الذي اختار “خديجة”.

حاول “خالد” تلطيف الأمر لوالدته.

– يا ست الكل أي واحدة بتحب بنتها بتكون عايزه تطمن عليها.

عندما رأت رضىٰ ابنها وسعادته..

فردت له ذراعيها في دعوه له بالإقتراب منها لكي تتمكن من إحتضانه.

– ما دام أنت مبسوط وراضي يا بني… انا راضيه ومبسوطة.

قضت “ثريا” طِيلة الليل تُجاور “خديجة” فوق فراشها تُعلق على كل شىء لم يعجبها.

– أنتِ لازم تكوني ناصحة يا “خديجة” وتقنعيه بعد كده إنكم تعيشوا في بيت لوحدكم.

ثُمّ أردفت ممتقعة الوجه.

– اخوه الصغير شكله متعلق بيه جامد لا وكمان بيقوله يا بابا… لا لازم الولد يفهم إنه اخوه الكبير لكن ولادك أنتِ هيكون هو ابوهم.

التمعت عينيّ “ثريا” بسعاده لتخيلها النعيم الذي ستعيش به هي.

– أنتِ لازم أول ما تتجوزي تحملي منه على طول… راجل زي ده مينفعش متربطيهوش بعيل عشان لو بعد كده حَسّ بتسرعه وندم يكون فيه عيل بينكم يكون ورقة ضغط عليه.

– تصبحي على خير يا ماما.

قالتها “خديجة” وهي تلتف بجسدها لتنام مما جعل “ثريا” تهتف بها بضجر.

– أنتِ هتنامي… والله أنا عارفه إنك خايبة وهتضيعي الراجل من إيدك… هو ليه بس مجاش لـ “ريناد” مع إنها بقالها أكتر من تلات سنين قدامه.

غادرت “ثريا” الغرفة، فسقطت دموع “خديجة”.

– كفايه شرب يا “ريناد” وخلينا نتكلم.

ابتلعت “ريناد” ما تبقى من الكأس ثُمّ اِلتقطت الزجاجة لتضع المزيد داخل كأسها.

هزت رأسها له ترفض إعطائه زجاجة الخمر.

– سيبني أشرب.

زفر “كريم” أنفاسه بضيق…

فهو وافق على قدومها لمنزله بعدما هاتفته لتتحدث معه لأنه أراد أيضًا التحدث معها وإنهاء علاقتهم التي لم تعد تصلح بسبب تلك القرابة التي وضعها “خالد” مع عائلتها.

التقط منها “كريم” الكأس بعدما ضجر من وجودها..

–  أنا شايف إننا مش هنعرف نتكلم النهاردة… فخليني أوصلك ونتكلم يوم تاني.

لكن “ريناد” هزت له رأسها رافضة إقتراحه ثُمّ نهضت من جِواره تترنح ثُمّ سقطت على فخذيه.

– أنتِ بتعملي إيه؟

تساءَل “كريم” مصدومًا من فعلتها بعدما بدأت تحل أزرار قميصه و تَمُد يدها لتتلمس صدره وتتحسس شعيراته.

– خليني معاك النهاردة… “كريم” أن محتجاك.

احتدت ملامح “كريم” من جرأتها -التي لم يعهدها بالنساء اللاتي عرفهن- …

فقد كان قرار ابتعاده عنها -منذ علم بعلاقاتها العديدة داخل الشَركة وخارجها- صحيح.

أبعدها عنه لكنها تمسكت به ثُمّ مالت عليه تلتقط شفتيه لتقبله.

أزاحها عنه بغضب بعدما تمكن من تحرير جسده منها ثُمّ بصق لُعابه.

– علاقتنا انتهت خلاص يا “ريناد” وياريت متحاوليش تقربي مني تاني واحترمي النسب اللي هيكون بين العيلتين.
…..

قطب حاجبيه بدهشه بعدما وجد حارس المنزل يُخبره بوجود “ريناد” أمام البوابه.

– يا بيه ديه شكلها سكرانه طينه.

أسرع “خالد” بإلتقاط قميصه ليرتديه وهو يهتف بالحارس.

– أنا نازل ليك حالًا.

اتسعت ابتسامة “ريناد” عندما وجدته يخرج من البوابة، عيناها تعلقت به فهي لم تكن تتخيله بتلك الوسامة لأنها دائمًا كانت تراه بهيئته العملية.

– إيه اللي أنتِ عملاه في نفسك دا…

تمتم بها “خالد” بوجه حانق يشعر بالصدمة من هيئتها ووجودها أمام منزله بهذا الوقت المتأخر.

أخرج هاتفه لكي يُحادث “خديجة” وفي داخله يعلم أنها لن تجيب عليه.

لكن “خديجة” اليوم خيبت ظنه وأجابت عليه لأنها كانت بحاجة لأحد بعدما قضت ساعات تبكي من شدة شعورها بالخنقة.

أشاح عيناه عن “ريناد” التي أخذت تتطلع به بنظرة وقحة يفهمها.

– “ريناد” هنا عندي… أختك سكرانه.

قالها “خالد” بنبرة جامدة، مما جعل “خديجة” تنتفض من فوق فراشها.

– بتقول إيه؟؟

انقطع الخط فجأة وقد أنهى “خالد” المكالمه عمدًا بعدما اقتربت منه “ريناد” واحتضنته من الخلف تسأله .

–  ليه اختارتها هي ومخترتنيش أنا.

••••••••••••••

الفصل الثاني عشر

ارتشف “خالد” من فنجان قهوته ثُمّ نظر إلى ساعة يده…

كاد أن يلتقط هاتفه من فوق الطاولة ليُهاتفها لكنه وجدها تدلف من باب المقهى الذي قرروا الإلتقاء به بعد ما حدث ليلة أمس.

اِقتربت منه “خديجة” بعدما اِلتقطت بعينيها مكان جلوسه.

شعرت بالتوتر عندما صارت أمامه وقد زادت ربكتها حينما نهض من فوق مِقْعَده على الفور لإستقبالها.

– اتأخرت عليك… أصل التاكسي عطل في الطريق وفضلت مستنيه تاكسي تاني.

بررت سبب تأخيرها لمعرفتها أنه دقيق في مواعيده ولا يُحب الإنتظار.

ابتسامة صادقه اِحتلت شفتيه وهو ينظر إليها بعدما أخفضت رأسها لتخفي عنه توترها.

– ولا يهمك يا “خديجة”… أنا صحيح مبحبش الإنتظار وبحب الدقة في المواعيد لكن أنتِ مش أي حد…

ثُمّ أردف بنبرة تحمل اللوم.

– ليه متصلتيش بيا وقولتيلي أجيلك.

رفعت عيناها إليه وقد أربكها لُطفه بشدة.

أزاح المِقْعَد لتجلس عليه ثُمّ نظر إليها بابتسامة لم تغادر شفتيه.

– اتفضلي أقعدي.

جلست وهي تتحاشا النظر إليه لأن نظراته تُربكها.

هي مازالت تراه بصورة رئيسها بالعمل، رئيسها الذي كان يُرهبها حضوره ومازال.

– تحبي تشربي إيه؟

تساءَل خالد حتى يُزيل عنها الحرج.

عيناه التمعت بنظرة دافئه عندما خرج صوتها أخيرًا بهمس خفيض.

– نكسافيه.

ابتسم ثُمّ أشار للنادل ليتقدم منهم.

استرخى فوق مِقْعَده بعدما رحل النادل ثُمّ استند بمرفقيه على الطاوله.

– كنت خايف إنك متجيش.

تعلقت عيناها بخاصته لوهله وقد شعرت برجفة في قلبها، أشاحت عيناها عنه فتابع حديثه.

– أنتِ عارفه أنا طلبت ليه نتقابل النهاردة…

توقف بقية الكلام عند طرفيّ شفتيه عندما أتى النادل بطلبهم.

في اللحظة التي تحرك فيها النادل مبتعدًا عن طاولتهم انبثق الكلام منها دون أن تنتظر أن يواصل حديثه.

– أنا أسفه على اللي حصل من “ريناد” امبارح… هي ندمانه جدًا على اللي عملته وطلبت مني إنها تعتذر منك وصدقني ده مش هيتكرر تاني بس بلاش تاخد موقف منها وترفدها من الشركة.

استمرت “خديجة” في تحسين صورة شقيقتها أمامه وقد اختفى ذلك الهدوء الذي كان يحتل ملامحه وحل محله الجمود كلما عادت تفاصيل ليلة أمس لرأسه.

– “خديجة” ممكن نتكلم عن نفسنا شويه وياريت ننسى اللي حصل امبارح.

ضاقت حدقتيّ “خديجة” بدهشة من رده، فهي ظنت أن سبب طلبه لمقابلتها من أجل ما حدث من شقيقتها.

حدقها بنظرة طويلة في محاولة منه لفهم خَلْجَاتها.

– يعني أنت طلبتني مش عشان تتكلم معايا عن تصرف “ريناد” امبارح وإنها راحتلك بيتك سكرانه.

تنهد بضيق كلما ذكرته بليلة أمس التي يُحاول نسيانها.

– ممكن ننسى اللي حصل امبارح يا “خديجة” ومنتكلمش فيه تاني.

ابتسمت عندما أزال عن روحها هذا العبئ، فهي مهما بررت تصرفات شقيقتها فهي تعلم أنها مخطئة لكن في النهاية “ريناد” شقيقتها.

تأمل ملامحها المرتبكة منذ أن جلست معه ، عيناها التي تتهرب بهما كلما التقت بعيناه… كل شىء بها مختلف ويزيد فضوله…

والسؤال الذي صار مسيطر على عقله في الآونة الأخيرة كيف لفتاة مثلها نشأت في بيئة كهذه تكون مختلفه عن عائلتها…

هم لا يرتدون الحجاب لكن هي ترتديه، لباسها محتشم…ليست جريئة ولا تختلط بأحد.. ليس لديها إلاّ صديقه واحده مقربه منها.

« وكأن سر تميزها أنها لا تشبه إلا ذاتها، متألقة لا تشبههم ولا يشبهونها. »

إختلافها يُحيره ولكن أيضًا يجعله يخاف مما هو قادم لأنه وحده سيتحمل إختياره.

– بيعملوا النسكافية حلو… هعزم “سارة” عليه لما نتقابل.

قالتها بتلقائيه أنهت صراعه مع أفكاره ثُمّ تساءَل.

– هو أنتِ كل حاجه بتعمليها مع “سارة”.

حركت له رأسها وهي تُكمل إرتشاف ما تبقى من كوبها.

– أنا معرفش أعمل حاجه من غير “سارة”.

إندمج “خالد” معها بالكلام وقد عاد يميل نحو الطاولة ويستند عليها بذراعيه.

– أي حاجه أي حاجه.

حركت له رأسها فتساءَل رغم أنه يعلم الجواب.

– طيب و “ريناد”.

توقفت عن إرتشاف مشروبها وقد التمعت عيناها بنظرة حزينة حاولت إخفائها عنه لكن عيناها فضحتها.

– أنا و “ريناد” من صغرنا مش بنتفق مع بعض… تقدر تقول إن كل واحده فينا ليها إهتمامات مختلفه.

خانته شفتاه، فهو صار يبتسم كثيرًا هذه الليلة ولكي يزيل عنها ذلك الحزن الذي استوطن ملامحها تساءَل.

– تحبي أطلب ليكِ نسكافيه تاني…

أسرعت بوضع الكوب على الطاوله تُحرك له رأسها برفض وقد ارتبكت من شدة خجلها لأنها أبدت إعجابها بكوب النسكافيه الذي يعده هذا المقهى.

اتسعت ابتسامته من ردة فعلها الطريفة.

غادروا المقهى وقد اندهش من تعلق نظراتها بالطريق ثُمّ تساؤلها.

– هو أنا هنا ممكن ألاقي تاكسي بسهوله؟؟

لم تجد منه رد لكن وجدته ينظر لها بنظرة غاضبه.

– لو مش متقبله إننا في حكم المخطوبين يا “خديجة” فحاولي تتقبلي ده وياريت تمشي قدامي عشان أنا اللي هوصلك.

إندفعت “ريناد” نحو باب الشقة بعدما لمحت نزول “خديجة” من سيارته من وراء سِتار الشُرفة.

– اتأخرتي كده ليه، وليه وصلك؟

طالعتها “خديجة” بعدم إستعاب إلى أن جذبتها “ريناد” من ذراعها تهتف بها بضجر.

– ردي عليا، قالك إنه قابل إعتذاري ولا إيه؟

– “ريناد” أنتِ مش مدياني فرصه أتكلم.

عقدت “ريناد” ذراعيها أمام صدرها حانقه من هدوئها.

– متكلمش عن حاجه تخص ليلة امبارح وقالي ياريت ننسى اللي حصل.

– يعني إيه؟

تساءَلت “ريناد” بعدما لم يُعجبها رد “خديجة” عليها ثُمّ أردفت.

– ومادام متكلمتوش عن حاجه تخص اللي حصل… كل ده ڪنتوا بتتكلموا في إيه.

ارتبكت “خديجة” من سؤالها، فهم قضوا الوقت يتحدثون عن حالهم وإهتماماتهم.

– اتكلمنا في أي حاجه.

تجهمت ملامح “ريناد” من ردها المقتضب عليها.

– اتكلمتوا في أي حاجه.. أنتِ فكراني هبلة يا “خديجة”… شكل الموضوع عجبك… ما طبعًا واحد زي “خالد العزيزي” يترفض إزاي.

احتدت ملامح “خديجة” من كلامها ولأول مره تصرخ عليها حتى أن “ثريا” -التي خرجت من غرفتها- اندهشت من الأمر، فـ “خديجة” دائمًا هادئه الطبع ومطيعه.

– أنا لو هتجوزه مش هتجوزه عشان هو “خالد العزيزي”…

شعرت بالإختناق من كل شىء حولها خاصةً عندما وجدت والدتها تتساءَل بسعادة.

– يعني أنتِ موافقه تتجوزيه يا “خديجة”.

انسحبت الدماء من وجه “ريناد” بعدما شعرت أن “خديجة” ستوافق على زواجها منه.

رمقتها “خديجة” بألم.

– ايوة موافقه يمكن ألاقي معاه اللي ملقتهوش معاكم.

ركضت “خديجة” نحو غرفتها تحت نظراتهم التي سيطرت عليها الصدمة.

– الحمدلله مطلعتيش وش فقر زي أبوكِ… وطلعتي بتعرفي تفكري.

أظلمت عينيّ “ريناد” بالغيرة واِتجهت بعدها لغرفتها ثُمّ صفعت الباب خلفها بقوة.

دلف “خالد” غرفة أخاه الصغير بعدما عَلِمَ من والدته أنه سأل عليه كثيرًا قبل صعوده لغرفته مع مربيته.

إقترب من فراشه ثُمّ انحنى ليلثم جبينه ويرفع الغطاء عليه.

فتح “أحمد” عيناه وهو يراه أمامه.

– أنت هتتجوز وهتسيبني لوحدي.

نبرة الحزن التي احتلت صوت الصغير جعلت قلبه يرجف ثُمّ جلس جواره ورفعه إليه ليضمه داخل أحضانه.

– مين اللي قالك إني هسيبك وابعد… أنا هعيش معاك هنا.

– بس هتحبها أكتر مني.

اِندهش “خالد” من كلام الصغير ثُمّ طبع قُبلة على كفه الصغير.

– مين قالك الكلام ده.

– مخي هو اللي قالي.

قالها الصغير ببرائه وهو يشير نحو رأسه، ضمه “خالد” إليه ثُمّ مسح على خده برفق.

– كل واحد فيكم هيكون ليه مكان في قلبي….

ابتهجت ملامح الصغير وابتعد عنه يسأله.

– يعني هتفضل تحبني.

– طبعًا يا حبيبي… أنت ابني وأخويا وصاحبي وكل حاجه.

اندفع الصغير داخل حضنه بعدما طمئن قلبه.

– أنا بحبك أوي يا بابي.

– مش عارفه يا “سارة”… مش عارفه ليه حسيت النهاردة معاه بشعور مختلف.

قالتها “خديجة” بتنهيده وهي تتذكر تفاصيل لقائهم.

ابتسمت “سارة” وهي تسمعها… لقد بدأت مشاعر “خديجة” تتحرك نحوه وهذه هي البداية.

– أنتِ مكنتيش متقبلاه لأنك دايمًا شيفاه في صورة صاحب الشغل اللي بتترهبي من نظراته لو غلطتي في حاجه…لكن دلوقتي الموضوع مختلف يا “خديجة”

– “سارة” أنا مش عايزه اتجوزه عشان هو غني… أنا عايزه أحس إن في حد بيحبني…. أنا تعبت قوي يا “سارة”.

ابتلعت “خديجة” غصتها بمرارة، فقد صار لها قيمة الآن لدى والدتها منذ أن تقدم “خالد” لخِطبتها.

– هتلاقي اللي يحبك يا “خديجة” وهتعيشي في سعادة بس أدي نفسك فرصه تعرفيه وبعدين احكمي إذا كان جوازه منك وضع مؤقت أو مجرد قرار لإنقاذ الموقف رغم إني مش شيفاه كده.

أنهت “خديجة” مكالمتها مع “سارة” بعدما اعتذرت منها لأن “مازن” خطيبها يدق عليها.

تنهيدة طويله خرجت منها ثُمّ وضعت رأسها على وسادتها شاردة.

انتفضت بفزع عندما ارتفع رنين هاتفها… رأت رقمه على شاشة الهاتف، لم تتردد هذه المرة في محادثته بل أجابت على الفور.

ابتسامة سعيدة ارتسمت على شفتيه بعدما ظن أنها لن تجيب عليه.

بصوت متحشرج خرج صوتها.

– نعم.

تسطح على فراشه بعدما هامت روحه بشعور يدق فؤاده بقوة.

– لسا منمتيش.

والرد منحته له على الفور.

– كنت بكلم “سارة”.

– ياريتني أكون مكان “سارة” في قلبك يا “خديجة”.

صدمه ما قاله كما ألجمها ما سمعته منه.

توترت واكتفت بسماع أنفاسه.

– “خديجة”.

همسه لاسمها بتلك الطريقه جعلها تغمض عيناها مستمتعه بشعور جديد عليها.

دلفت “ريناد” الغرفه لتجدها بتلك الحالة الهائمة.

الحقد اشتعل بعينيّ “ريناد” عندما تأكدت أن شقيقتها نالت ما ظلت هي تسعى له طويلاً.

ضغطت “ريناد” على شفتها السفليه لتكتم غيظها.

– ماما عايزاكِ.

أنهت مكالمتها معه سريعًا وقد تفهم سبب إنهائها لمكالمتهم التي تمنىٰ أن تطول قليلاً.

الخِطبه الرسمية تمت بجو عائلي بسيط

نظرات شقيقته وعمته لها كانت توحي أنهم لم يتقبلوها بعد لكنها اقتنعت برأي “سارة” أن عليها إعطاء نفسها فرصه معه.

مضى أكثر من شهر على خِطبتهم، استطاع فيهم “خالد” أن يتأكد من مشاعره نحو “خديجة”.

والأمر الذي صار متيقن منه…

“خديجة” لا ذنب لها بـ سمعة عائلتها.

بريئة وطيبة هذا ما تأكدت منه السيدة “لطيفة” بعدما جمعتها عدة لقاءات بـ “خديجة” ولكن “نورسين” مازالت غير مقتنعه بها زوجة لشقيقها؛ فأيّ عائلة ذات نسب يُشرف تتمنى مصاهرته.

– نتجوز أخر الشهر!!

تمتمت بها “خديجة” في صدمة تُردد ما قاله لها للتو.

– أنا مش شايف إن فيه لازمه إن الخطوبة تطول عن كده.

– بس احنا لسا بنتعرف.

قالتها وقد إنتابها شعور لا تعرفه.

– “خديجة” أنتِ مش مرتاحه معايا… لو فيه حاجه خايفه منها قوليلي.

– أنا مش خايفة.

نطقتها برجفه شعر بها في صوتها.

– اطمني يا “خديجة” لو أنتِ لسا حاسه بخوف من علاقتنا فاطمني.

وكأنها كانت تنتظر سماع هذه الكَلمه منه… أن تطمئن لأنه سيكون معها.

في ليلة الحناء التي صممت “سارة” على فعلها لها وجمعت صديقاتهم وكل من كانت تعلم أنه سَيُشَاركهم الفرحة بصدق.

رغم سعادة “خديجة” بأجواء الفرح ورؤية صديقاتها حولها، حتى والدتها كانت معها وحولها هذه الأيام-رغم علمها أن ما تفعله لها وتقربها منها نابع من سعادتها بزواجها من رَجُل له مكانته ولديه المال الذي سيجعلها تتفاخر بين صديقاتها وقريباتها- ڪان ينقصها وجود شقيقتها.

انسحبت “خديجة” من وسط صديقاتها تنتظر أن تجيب عليها “ريناد” التي أجابت بعد عدة مكالمات.

– نعم.

هتفت بها “ريناد” وهي تنظر لمياة النيل أمامها بشرود.

– عايزاكِ تكوني جنبي يا “ريناد”… أنا مش حاسه بأي فرحة وأنتِ مش معايا.

شعرت “ريناد” برجفة في قلبها وهي تستمع لرجائها بأن تكون معها.

دلفت “ريناد” الشقة وقد مزقتها الغيرة التي صارت كالمرض ينهش قلبها…

عندما التقت عينيّ “خديجة” بها.. أسرعت نحوها ترمي نفسها داخل أحضانها وقد تعلقت أنظار الموجودين بهما.

بصعوبة خرج صوت “ريناد”.

– مبرووك يا “خديجة”.

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيّ “خالد” وهو يرى اسمها يُضاء على شاشة هاتفه.

انسحب من بينهم وقد تعلقت أعيُن “كريم” به الذي غمز على الفور لـ “طارق” يهتف له بصوت خفيض.

– “خالد” باشا دخل القفص خلاص…

تعلقت عينيّ “نورسين” بشقيقها ثُمّ بتلك التي نظرت نحوه بحزن.

شعرت “نورسين” بالضيق، لما تأخرت “هيلين” بالقدوم… لما تركت الفرصة لفتاة لا تليق به.

التقطت “نورسين” يدها لتؤازرها؛ فنظرت إليها “هيلين”
التي تمتمت بنبرة حزينة.

– لقد تأخرت كثيرًا “نورسين”.. لم يعد لي.

تأثرت “نورسين” من نبرة “هيلين” التي مازالت تحب شقيقها وقد أتت إلى مصر لتكون معه لكن الأوان قد فات.

لكن في نظر “نورسين”، مازالت هُناك فرصه… ربما يُفِيق أخيها من حُب تلك الفتاة التي لا ترى بها شىء يجذب.

– مازال أمامك فرصه “هيلين”.. اذهبِ إليه ربما أخي يُفِيق من ذلك الوهم.

نظرت لها “هيلين” بضياع.

– عن أيّ فرصة تتحدثين “نور” … “خالد” عُرسه غدًا.

– ما المانع إذا تم إلغائه… الأمر بيدك…

– أنا لو مقفلتش معاكِ دلوقتي مش هخلص من كلام “كريم”.

قالها “خالد” ثُمّ ضحك…

– طيب لسا مكملتش ليك كل اللي حصل النهاردة.

ابتسم بحب.. فهو صار يشعر معها مثلما يشعر مع “أحمد” أخيه…

كلاهما بحاجه لحُبه وإنصاته حتى لو كان ما سيقصونه عليه أمرًا تافهًا.

– إيه رأيك نكمل كلامنا بأدق التفاصيل لما تكوني معايا وفي حضني.

خجلت من نبرته ثُمّ تمتمت بنبرة متعلثمة.

– أنا شايفه إن باقي التفاصيل مش مهمه.

أغلقت المكالمه وقد ارتفع صوت ضحكاته.

شعرت “هيلين” بنغزة قويه تحتل قلبها؛ فهي تفهم اللغة العربية.

استدار بجسده وقد رأى “هيلين” تنظر إليه بنظرة تلومه بِها أنه صار لأخرى.

– لم تكن بهذا المرح معي يومًا “خالد”… يبدو أنك أحببتها بالفعل.

غمرتها السعادة وهي تحتضن هاتفها بوجنتين متوردتين….

ارتفع رنين هاتفها بنغمة قصيرة.

أسرعت بالنظر إلى شاشة هاتفها وقد ظنت أن الرسالة منه هو لكن وجدتها من رقم ليس مسجل لديها.

بفضول فتحت الرسالة وسُرعان ما كانت تُقرب شاشة الهاتف من عينيها.

صورة لامرأة شديدة الجمال وجوارها “خالد”.

عيناها تعلقت بصدمة بالرساله الملحقة بالصورة…

ولمرات عِدة كانت تقرأها.

••••••••••••

الفصل الثالث عشر

كل شيء حولها -منذ أن وطئت أقدامها الفندق الذي سيقام به حفل الزفاف- يدعوها للانبهار، لكن “خديجة” لم تكن اليوم إلا شاردة في تلك الرسالة التي أرسلت إليها ليلة أمس.

استمرت “سارة” بالثرثرة عن مدى اهتمام “خالد” بكل شىء يسعد صديقتها لكن لم تجد من “خديجة” إلاّ الصمت.

اعتذرت “سارة” من خبيرة التجميل التي دلفت مع فريقها الجناح الذي سيتم فيه تجهيزها لتستطيع الانفراد بـ “خديجة” والتحدث معها عن سبب صمتها العجيب الذي يثير دهشتها.

– فيكِ حاجه غريبة النهاردة.. عكس امبارح كنتِ مبسوطه.

كادت أن تتحدث “خديجة”، وتُخبرها أنها لم تستطع النوم ليلة أمس لكن “سارة” تابعت حديثها دون أن تستمع إلي مبررها الخادع.

– أوعي تقوليلي عشان معرفتيش تنامي كويس لأن ببساطة هسألك منمتسش ليه.. ولا كنتِ مشغوله بالتفكير في حاجات تانيه.. مع إني أشك.

صفعتها “خديجة” على راحة يدها التي تلوح بها ثُمّ التفت بجسدها، وابتعدت عنها.

اجتذبتها “سارة” إليها تتساءَل بإصرار.

– اعترفي يا “خديجة”.

لم تجد “خديجة” مفر من إخبار “سارة”؛ فهي تعلم أن “سارة” لن تتركها إلاّ إذا علمت بالسبب الذي أبدل حالها.

– يعني حبيبته القديمة ظهرت دلوقتي فجأة؟!
واشمعنا الصورة دي اتبعتت ليكِ امبارح متبعتتش ليه قبل كده…

نظرت “سارة” إلى الرسالة التي ما زالت على هاتف “خديجة” وهي تتساءَل.

– معرفش يا “سارة”… أنا حاسه إني مخنوقه ومش عارفه أفكر.

تمتمت “خديجة” بإحباط، وهي تشيح عيناها بعيدًا عن “سارة”.

– اللي عمل كده شخص عايز يسبب مشكله بينكم، ويمكن توصل إنكم تلغوا الفرح.

رمقتها “خديجة” بنظرة حزينة، فهي كانت تعلم أن هذه السعادة لن تدوم.

– حاسه إني بتخنق يا “سارة” كل ما بفتكر الصوره.

– صورة عاديه يا “خديجة” مفيهاش حاجه وكأنهم اتنين صحاب… أنتِ بس بتتخنقي كل ما بتفتكري إنها كانت حبيبته في يوم.

اقتربت منها “سارة”، والتقطت يدها وابتسمت.

– النهاردة اليوم بتاعكِ أنتِ متخليش حاجه تضيع فرحتك…كلها كام ساعه وتكوني معاه وتعرفي منه كل حاجه خايفه منها…

ارتفع رنين هاتف “خديجة”.

فهتفت” سارة” بدُعابة، وهي تُلقي بنظرة خاطفة نحو هاتف “خديجة”.

– ده عاشر اتصال منه النهاردة عشان يطمن عليكِ ويسألك لو محتاجه حاجه.. مع إنه موفر كل سُبل الراحة ليكِ… وتقوليلي مخنوقة وخايفة يا “سارة”…

زال الشعور الذي كان يخنقها شيئًا فشيء، وبدأت تستمتع باليوم الذي تعلم تمامًا أنه لن يُعَوِّض.

صعدت “ثريا” الجناح المخصص لـ “خديجة” ثُمّ نظرت إليها، وابتسمت…

اقتربت منها لتحتضنها، وقد كانت “خديجة” سعيدة بحضنها حتى أنها أرادت البُكاء لكن السعادة تلاشت، وهي تستمع إلى ما تُخبرها به.

– كل صديقاتي وقرايبنا بيحسدوني على جوازك من “خالد العزيزي”… الكل مش مصدق إنك في كام شهر بس عرفتي توقعي “خالد العزيزي”… النهاردة الكل هيشوف جوازة بنت “ثريا”.

ابتعدت “خديجة” عنها بقلب ممزق، وقد خرجت “سارة” من دورة المياه، ونظرت إلى “ثريا” التي رحبت بها.

– عامله إيه يا “سارة”.

ابتسمت إليها “سارة” وردت عليها، وهي تنظر إلى ملامح صديقتها التي عاد الحزن يُسيطر عليها.

– الحمدلله يا طنط.

غادرت “ثريا” … فاقتربت منها “سارة” تسألها.

– مالك يا “خديجة”… أنتِ كنتِ كويسه من شويه.

– مافيش يا “سارة”.

لم تضغط عليها “سارة”، وقد حاولت أن تجعلها تبتسم مرة أخرى.

بعد مرور عِدة دقائق…

كانت “خديجة” تقف بتوتر تنتظر دخول “خالد”.

اتجهت “سارة” نحو الباب لتفتحه لكن “خديجة” أسرعت إليها تسألها.

– أنا طالعه حلوه يا “سارة”.

– سألتيني السؤال ده أكتر من عشرين مره…

قالتها “سارة” بضجر لكن عندما نظرت إليها “خديجة” بتوسل أن تخبرها للمرة الأخيرة هل هي بالفعل جميلة اليوم.

لانت ملامح “سارة”، واقتربت منها بابتسامة صادقة.

– طالعه زي القمر.

اتجهت “سارة” نحو باب الغرفة تفتحه لـ “خالد” الذي مَلّ من الانتظار… عندما تعلقت عيناه بعينيّ “سارة” تساءَل بلهفة رأتها “سارة” بعينيه.

– ينفع أدخل بقى.

ابتسمت “سارة” إليه ثُمّ أشارت بدُعابة نحو الداخل.

– اتفضل يا دكتور… كفايه عليكِ لحد كده.

ابتسم “خالد” لـ “سارة” واتجه إلى داخل الغرفة.

امتقعت ملامح “نورسين” من لهفة شقيقها ومزاح “سارة” معه بتلك الطريقة…

أرادت “نورسين” الدخول وراءه لكن “سارة” وضعت يدها لتمنعها من الدخول.

رمقتها “نورسين” بنظرة غاضبة لكن “سارة” لم تهتم.

بنظرة كارهه حدقت “ريناد” بـ “كريم” الذي اقترب من امرأة ثُمّ قبل خدها.

اليوم رأت عائلته…

أب يعمل بروفيسور جامعي بأحد جامعات ألمانيا وأم بولندية الجنسية تعمل طبيبه ويعيشون بألمانيا.

عائلة يستحق التفاخر بها، لكن هو لا يستحق أن يفتخر به أحد.

تلاقت عيناهم… فرمقته هذه المرة بنظرة حاقده، وهي تضغط على شفتها السفلية.

– حقير.

أشاحت عيناها عنه بعدما سبته داخلها بأبشع الألفاظ.

ابتسم “كريم” على ردة فعلها… يتساءَل داخله لماذا هي غاضبه؟

هو أخبرها أن علاقتهم وقتيّة، علاقة يجمعها المرح، وهي كانت مُرحبة بهذا الأمر.

اختفت تلك الابتسامة التي كانت تحتل شفتيه عندما تلاقت عيناه بعينيّ “سلوى” ابنه عمته التي تأبطت ذراع زوجها، واقتربت من طاولتهم لتُرحب بوالديه.

لم يتحمل رؤيتها مع زوجها، فانسحب متحججًا باتصال هاتفي تعجب منه والديه لكن وحدها السيدة “لطيفة” مَن كانت تفهم سبب فعلته.

أشفقت عليه السيدة “لطيفة” ، فليته فاق قبل فوات الأوان لكنه فاق متأخرًا.

نظرات حملت الشماتة ألقتها “ريناد” نحوه.

تعلقت عينا السيدة “لطيفة” بولدها الغالي والدموع تملأ مقلتيها بالفرح.

أما “ثريا” فكانت تنظر بتفاخر وكِبر كلما التقت عينيها بـ أعيُن قريباتها اَللَّوَاتِي عاملوها بالمثل ذات يوم، وتفاخروا أمامها بأصهارهن.

“نورسين” كانت السعادة تحتل ملامحها وقلبها من أجل شقيقها لكن كلما وقعت عيناها على “خديجة” -التي لا تليق بشقيقها- تحولت ملامحها للوجوم.

التمعت عينيّ “طارق” بحب، وهو ينظر نحو معذبة فؤاده التي كلما شعر بتقارب طرقهم أبعدته عنها.

اِقتربت منه والدته السيدة “نعمة” ثُمّ وقفت جِواره تنظر نحو ابنة أخيها الراحل.

– هتفضل تتمناها من بعيد، وكأنك بتتمنى نجمة بعيدة.

التقت عيناه بعينيّ والدته التي لم تعد تتحمل عذابه.

– كفاية يا “طارق”… صرح بمشاعرك ليها… لو رفضت حبك يبقى كل اللي أنت عايش فيه مجرد وهم.

تجمدت نظرات “خديجة” نحو التي تصافحها “نورسين” بتودد ثُمّ اتجهت بها نحو السيدة “لطيفة” التي رحبت بها.

نظراتها التي كانت تتوهج بالسعادة أصبحت خاوية…

إنها نفس المرأة التي رأت صورتها بتلك الرسالة المجهولة.

انتقلت بعينيها نحو “خالد” الذي وجدته يصافح البعض.

اقترب “خالد” منها، وقد بَدا عليه الضجر.

– مكنتش فاكر إن هيكون عندي صبر في يوم زي ده…

ثُمّ أردف بعدما اتجه بعينيه نحو “كريم” الذي فهم على الفور نظراته إليه.

– “خديجة” إيه رأيك نطلع أوضتنا لأن مبقتش قادر أتحمل.

نظرت إليه “خديجة” ثُمّ لتلك التي تتجه نحوهم، وقد انتبه هذه المرة على من تنظر.

اقتربت منهم “هيلين” ثُمّ مدّت يدها لتُبارك له.

– مُبَارك لك “خالد”.

صوتها خرج ببحة حزينة تحمل في طياتها الكثير.

صافحها “خالد” بلُطف مُتَقَبَّلًا تهنئتها بود.

– شكرا لكِ “هيلين”.

نظر “خالد” نحو “خديجة” التي كان يعلم بفضولها.

– “خديجة”… هذه “هيلين” كنا زملاء عندما كنت أعمل بأمريكا.

تلاقت عينيّ “خديجة” بها تتساءَل داخلها أبالفعل كانت مجرد صديقة له.

– مُبَارك لكِ.

تمتمت بها “هيلين” التي وقعت عيناها على فعلة “خالد” الذي اجتذب “خديجة” إليه، وعلى وجهه ترتسم السعادة.

– شكراً لكِ.

غادرت “هيلين” حفل الزفاف بعدما ألقت نظرة أخيرة نحو “خالد”.

تتذكر حديثه لها ليلة أمس.

” أصبحت الآن لامرأة أخرى “هيلين”، امرأة أخرى أحبها …
كل ما كان بيننا انتهى في تلك الليلة التي رفضتي فيها أن تكوني معي بوطني”

بجناح الفندق الذي سيقضون فيه ليلتهم.

ابتسم “خالد” لها ليُطمئنها بعدما رأي توترها عندما أغلق الباب ورائهم.

التفت حولها وكأنها تبحث عن شيء ضائعاً منها.

– “خديجة”

هتف اسمها برفق لتنظر إليه لكنها استمرت بإشاحة عينيها عنه.

اقترب منها؛ فتراجعت على الفور مما جعله ينظر إليها بدهشة.

– “خديجة” أنتِ ليه متوتره كده…

نظرت إليه أخيرًا، فاقترب منها خُطوة أخرى.

تراجعت على الفور، فنظر إليها ثُمّ تبسم.

– طيب ارجع أنا لورا وأنتِ تقدمي لقدام.

حركت له رأسها، فأغمض عيناه ثُمّ فتحهما وهو يستمع إلى ردها.

– أنا هقرب وأنت تبعد.

– طيب إحنا هنقضيها طول الليل كده يعني.

تمتم بها وهو يقترب منها.. فتراجعت للوراء.

توقف عن تحركه ثُمّ ابتسم بلُطف، وأخرج هاتفه.

– أنا هبعد أهو يا “خديجة”… هسيبك شوية لحد ما تستوعبِي الوضع الجديد.

اتجه نحو الشرفة ليمنحها وقتً ويُهاتف والدته ليطمئن عليها، وعلى “أحمد”.

أسرعت “خديجة” نحو الغرفة ثُمّ أغلقت الباب ورائها.

استمع “خالد” لصوت الباب يُغلق؛ فابتسم وهو يزفر أنفاسه.

أنهى مكالمته مع والدته ثُمّ نظر لساعه يده… لقد أصبحت الآن الساعه الثانية عشر وثلاثون دقيقة.

اقتربت “خديجة” من الفراش الذي تم تزينه ثُمّ التقطت الثوب الموضوع عليه.

رفعته أمام عينيها ثُمّ كورته سريعًا واتجهت به نحو الحقيبة التي أعطتها لإحدى موظفات الفندق لتضعها بغرفتها.

التقطت الحقيبة تبحث عن مبتغاها.

زفرت أنفاسها بتوتر ثُمّ اتجهت لخارج الغرفة لتطمئن أنه مازال بالشرفة.

أسرعت بالتوجه لدورة المياه لتبدأ معاناتها مع زينة وجهها وطرحة زفافها ثُمّ ثوب الزفاف.

نظر “خالد” لساعة يده وهو يجلس على الأريكة بالصالة بعدما أبدل ثيابة… لقد صار الوقت الآن الواحدة صباحًا وعشرون دقيقة.

تعلقت عيناه بـ باب الغرفة يسأل حاله بحيرة.

– معقول بياخدوا الوقت ده كله…

ثُمّ أردف وهو يزفر أنفاسه بإرهاق.

– خمس دقايق وهدخل أشوفها.

انتظر مرور الخمس دقائق بترقب ثُمّ نهض واتجه للغرفة.

نظر هذه المرة لـ باب المرحاض المغلق ثُمّ طرق عليه..

– “خديجة”

قبل أن يواصل حديثه ويسألها إذا كانت تحتاج لشىء وجدها تهتف ببكاء.

– مش عارفه افك رباط الفستان.

ضحك وهو يستمع إلى صوت بُكائها ثُمّ خلل أصابع يده بين خصلات شعره…فهل ستضيع الليلة هباءً من أجل رباط فستان.

– ممكن تفتحي الباب يا “خديجة”.

– ليه افتح الباب؟

تساءَلت بقلق بعدما أسرعت نحو باب المرحاض لتتأكد من إغلاقه بالمفتاح.

– ليه؟!..
تمتم بها ثُمّ دلك جبينه بقوة و أردف.

– عشان اساعدك تفكي رباط الفستان.

أخفضت “خديجة” عيناها نحو فستان الزفاف الذي لم تعد تتحمل ثقله على جسدها.

– هفتح فاتحه صغيرة ماشي.

أراد الإعتراض بعدما أدهشه طلبها لكنه كتم إعتراضه وتمتم بهدوء.

– تمام، افتحي الباب بقى.

فتحت له الباب فتحه صغيرة كما أخبرته…

أغمض عيناه حتى يتمكن من ضبط أنفاسه.

– طيب ممكن نفتح الباب شويه تاني.

مطت شفتيها بإعتراض، فأردف بصبر أوشك على النفاذ.

– متخافيش هفك الرباط وأنا مغمض عينيا.

بنصف عين فك لها رباط الفستان الذي كرهه.

وقبل أن يسألها هل تحتاج شىء آخر وجدها تدفعه ثُمّ أغلقت باب المرحاض بوجهه.

– شكرًا.

مط شفتيه بحنق منها، فهل بالنهاية يحصل على كلمة شكر فحسب.

بالثانية صباحًا إلا عشر دقائق كانت تخرج أخيرًا من المرحاض.

عندما سمع صوت الباب يُفتح استدار إليها وكله توق.

اتسعت عيناه في حالة من الذهول وهو يرى المنامة الحريرية التي ترتديها.

– بيچامة يا “خديجة” !!

قالها بهمس خافت، فتساءَلت وهي تفرك يديها بتوتر.

– هنصلي؟

بصعوبة ابتسم وهو يُلقي نظرة سريعه نحو منامتها.

– هنصلي ونتعشا ونتفرج على فيلم كمان… وممكن نتكلم عن تفاصيل الفرح لأني عارفك بتحبي التفاصيل بزيادة.

– بجد يا “خالد”.

غادر الغرفة قبل أن يخنقها، فهو بحاجة لإستنشاق بعض الهواء.

اتجه إلى الشرفة مرة أخرى ثُمّ أخذ يزفر أنفاسه عاليًا.

عاد إليها بعدما هدأ وقد وجدها تقف في وسط الردهة كالطالب المطيع.

رمق هيئتها بنظرة خاطفة، ثُمّ تمتم برفق.

– خلينا نصلي الأول.

تغللت السكينة روحها بعدما وجدته يمسح على رأسها، ويتمتم بالدعاء ثُمّ وضع قُبلة حانية على جبينها.

ارتعش جسدها عندما طالت قُبلته.

ابتعد عنها بعدما شعر برعشة جسدها ثُمّ تساءَل.

– جعانه.

بالطبع كانت جائعة…

لم يمس هو الطعام لأنه لا يأكل بوقت مُتأخر أما هي أكلت بضعة لقيمات بسيطة.

نظر لها بحنان متسائلاً.

– شبعتي.

حركت “خديجة” رأسها له بالإيجاب، ثُمّ أشاحت عينيها عنه.

تعلقت عينيها بالتلفار.

– خلينا نشوف حاجه في التلفزيون.

كانت تتهرب منه وهو كان يتفهم هذا تمامًا، تقبل الأمر بسعة صدر رغم شعوره بالضيق.

بمجرد أن فتحت التلفاز تذكرت أمر نظارتها… فهي لا تستطيع رؤية ما يُعرض بوضوح إلا إذا ارتدتها، فقد تخلت عن عدسات النظر التي أرهقت عيناها.

تعجب من تحركها نحو الغرفة بتلك الطريقة وقبل أن يتساءَل إلى أين هي ذاهبه جائه صوتها.

– دور لينا على حاجه مسلية.

هز خالد رأسه بيأس، وبدأ بالتنقل بين القنوات إلى أن سمع صياحها به.

– أنا بحب البرامج الوثائقية أوي.

نظر إلى ما يُعرص على الشاشة ثُمّ نظر إليها وقد ضاقت حدقتاه بدهشه من ارتدائها لنظارتها.

جلست جواره على الأريكة، ثُمّ ربعت ساقيها واندمجت مع ما يُعرض.

– مش كفايه كده يا “خديجة”.

تساءَل بنُعاس، فنظرت إليه ثُمّ عادت تنظر نحو شاشة التلفاز.

– لو عايز تنام نام أنت… أنا هتفرج شوية.

– مين قال إني عايز أنام.

نظرت إليه وقد فتح فمه ليتثاءب مرة أخرى.

– البرنامج شكله لسا في البداية… روح نام.

رمقها بمقت من إصرارها على خلوده للنوم ثُمّ عقد ساعديه أمام صدره بضيق.

– مش عايز أنام يا “خديجة”.

عادت “خديجة” لمطالعة شاشة التلفاز ثُمّ بدأت حدقاتِها تتسع شيئًا فشىء.

نظرت لذراعه الذي صار يُحاوط به كتفيها.

التفت إليه بتوجس فوجدته يُطالع التلفاز.

عيناها عادت تتعلق بذراعه الذي يُقربها منه، ثُمّ نظرت إليه مرة أخرى فتساءَل وهو ينظر للتلفاز.

– تفتكري فعلاً بيعرضوا الحقايق التاريخية.

حركت رأسها إليه وقد تناست أمر وجودها داخل حضنه.

– بيتهيألي مافيش حاجة حقيقية مية في المية مهما أكدوا ليك إن دي الحقايق.

تعلقت عيناه بها ثُمّ تمتم بابتسامة تغللها المكر.

– عندك حق.

عادت تندمج مع ما تُشاهده إلى أن تيبس جسدها.

شعرت بأنفاسه قُرب عنقها، ثُمّ بلمسات خفيفة يُحركها على ظهرها.

نظراتها اتسعت وهي تشعر بقبلاته تتحرك ببطئ على بشرة عنقها..

ارتفعت دقات قلبها وهي تُخبره.

– البرنامج لسا مخلصش.

أجابها دون أن يرفع شفتيه عن عنقها.

– ركزي مع البرنامج يا حبيبتي.

استمر بعبثه الذي دغدغ حواسها.

شعرت بيده ترتفع نحو مشبك شعرها، ثُمّ بعدها نثره بيده.

شعرها كان أسود كالليل، ليس بالطويل، ولا بالقصير …، استنشق عبيره الْفَوَّاح ثُمّ عاد يُطبع قبلاته على طول عنقها.

امتدت يده هذه المرة نحو أزرار منامتها، لتتسع حدقاتِها ذهولاً وخوفًا تهمس اسمه بتلعثم.

– “خالد”

ضاعت أحرف اسمه الذي نطقته بجوفه بعدما صارت شفتاها أسيرة لشفتيه.

تأوه خفيف خرج منها عندما شعرت بيده تتسلل أسفل بلوزتها.

أرادت التحرر منه لكنه استطاع بدهاء استدراجها وإغراقها معه في بحور عشقه.

حملها بين ذراعيه، ثُمّ اتجه بها نحو الغرفة تاركًا ورائه شاشة التلفاز تُكمل عرضها للبرنامج.

•••••••••••••

الفصل الرابع عشر

على أحد شواطىء جزيرة زنجبار

وقفت “خديجة” تتأمل زُرقة المياه الصافية.

أرخت جفنيها مستمتعة بصفاء الطبيعة ثُمّ داعبت شفتيها ابتسامة رقيقة بعدما شعرت بذراعيه حول خصرها.

– سرحانه في إيه.

سألها وهو يضمها لصدره ويُحركها بين ذراعيه بخفه.

– سرحانه في كل حاجه.

ابتسامة متلاعبه تراقصت على شفتيه.

– زي إيه؟

ابتسمت ثُمّ خرجت منها تنهيدة طويلة.

التفت إليه لتتعلق عينيها بخاصته.

– سرحانه في السعادة اللي أنا عايشاها معاك.

التمعت عيناه بوميض العشق ثُمّ ابتسم وحرك يده بخفه على وجنتها.

– وأنا مبسوط وأنا شايفك سعيدة يا “خديجة”.

أغمضت عينيها مستمتعه بقبلته التي لم يشهد عليها سوى أجواء الطبيعة.

عادت لمطالعه أمواج البحر تستند على صدره الذي صار موطنها.

حرك خده بخفة على خدها.

– مكنتش فاكر المكان هيكون بالجمال ده.

لقد اقترح عليه هذا المكان أحد أصدقائه… مادحًا له أجواء الطبيعة الساحرة.

– أنا كمان عجبني أوي ونفسي أفضل هنا على طول.

استدارت برأسها إليه تتمتع بالنظر إلى عينيه وملامحه الوسيمة.

– أنا عارف إن اسبوع واحد شهر عسل قليل يا “خديجة” لكن احنا لازم ننزل عشان “طارق”.

ثُمّ ابتسم وهو يتذكر اتصال “طارق” به ليلة أمس يطالبه بالعودة سريعًا ليطلب منه يد “نورسين” رسميًا.

– ده مصدق إن “نور” قالتله موافقه.

– هو بيحبها أوي كده.

– بيحبها من وهي بضفاير.. عينه دايمًا كانت فضحاه، بس الأستاذ كان فاكر إن بابا الله يرحمه أو أنا هنرفض حبه ليها.

ضاقت عيناها في حيرة تتساءَل:

– وليه كان فاكر كده.

رفع وجهها إليه ليداعب وجنتيها بأنامله.

– بسبب الوضع الإجتماعي… جوز عمتي الله يرحمه كان مهندس زراعي معندهوش غير مرتبه

لكن زي ما أنتِ شايفه “نور” دايمًا عايشه في رفاهية…

كانت دلوعه بابا وحاليًا دلوعتي مع إنها كبرت خلاص على الدلع ده.

قالها بابتسامة واسعة وهو يتذكر غيرتها الطفولية، وحاليًا صارت تغير من “خديجة”، ثُمّ أردف بحب.

– كان خايف لنفتكره طمعان في فلوسها أو هي تشوفه أقل منها.

إلتقط يديها وتعلقت عيناه بعينيها، واستطرد.

– راحه الإنسان وسعادته أهم من الفلوس يا “خديجة”.. لأن الفلوس ممكن تتعمل بسهوله، لكن السعاده وإنك تعيشي مع حد يكملك وتكمليه.. صعب تلاقيه…

دمعت عيناها بسعادة وهي تستمع إلى أحرف كلماته التي خرجت بنغم.

– أنا محظوظ إني لقيتك يا “خديجة”

مشاعر جديدة اكتسحت كيانها وقد انسابت دموعها.

كانت مثل صحراء جرداء هطل عليها المطر بعد سنوات عجاف.

امتدت يديه لوجهها مره أخرى يمسح دموعها هذه المرة وقال بلُطف تتخلله الدُعابة.

– النهاردة آخر يوم لينا هنا يا “خديجة”… عاوزة نقضيه دراما ولا نستمتع بكل لحظه فيه.

هزت رأسها له ثُمّ تولت مهمه إزالة دموعها لتؤكد له رغبتها بالاستمتاع بـ اليوم الأخير لهم على الجزيرة.

أفعال جنونيه لم تظن يومًا أنها ستفعلها، حتى هو لم يكن يُدرك أنه يمتلك روح المرح.

توقفت عن الركض لتلتقط أنفاسها وقد اقترب منها يضحك بقوة.

– كل الجري ده عشان مش عايزه تنزلي البحر… أنا مش عارف إيه العداوة اللي بينكم دي.

إنه بالفعل صار مندهشًا بسبب خوفها العجيب من المياه… طيله الأيام الماضية التي مكثوها على الجزيرة امتنعت عن نزول مياه البحر واكتفت بالجلوس أمام الشاطىء ورغم محاولاته الكثيره معها إلا أنها كانت ترفض.

– بخاف يا “خالد”..

عندما رأي دموعها، شعر بالضيق من حاله… ضمها إليه بقوة يُحاول إقناعها للمرة الأخيرة.

– هننزل وأنتِ في حضني.

هزت رأسها له رافضه اقتراحه..

استمروا بالاستمتاع على الشاطىء، والتجول وسط أشجار الجزيرة.

عادوا للكوخ الصغير الذي استأجروه على مياه الشاطئ، يضحكون على أفعالهم.

شهقت “خديجة” بفزع عندما وجدته يحملها بين ذراعيه.

– كفايه لعب بقى.

كادت أن تتحدث لكن وجدته يلتقط شفتيها ويُقبلها بهيام.

عانقته وهو يسير بها نحو الفراش إلى أن استقر بها عليه.

نظر لها قبل أن يعود للغرق بالنعيم الذي صار يحياه بين ذراعيها.

نظراتها إليه جعلته يزداد لهفة وتوق.

ابتعد عنها بعدما نال شهد عُسَيْلَتَها ينظر لفتنة ملامحها.

ضمت جسدها إليه لتستشعر دفئ أنفاسه.

بهمس خافت تمتمت.

– اتقابلنا قبل تلت سنين… مكنتش المرة الأولى اللي اشوفك فيها في المطعم.

– عارف يا “خديجة”.

ابتعدت عن حضنه تتمسك بغطاء الفراش وتنظر إليه بدهشه.

– فاكر قابلتني فين وامتى.

ابتسم وهو يُخبرها بتلك الليلة التي اصطدمت فيها بسيارته عندما غادرت ذلك الحفل الذي ترسخ بعقلها.

– شوفت صورة قديمة ليكِ  بالصدفة.

– لو كنت لسا بجسم مليان كنت برضوه هتحبني.

– حبنا ده قدرنا يا “خديجة”….

اجتذبها لصدره مرة أخرى وقد عاد إليه الفضول لمعرفة سبب ركضها تلك الليلة وهي مبللة الملابس.

– ليه كنتِ ليلتها بتجري وكأنك خايفه يا “خديجة”.

داهمتها ذكريات تلك الليلة ثُمّ ازدردت لُعابها.

– لما وقعت في حمام السباحة كلهم ضحكوا عليا..

بالطبع كذبت عليه بتفاصيل تلك الليلة؛ لأنها تُدْرك إذا عَلِمَ الحقيقة سيكره “ريناد” بشدة، وستظل صورة شقيقتها بنظرة دومًا سيئة.

رفع وجهها إليه وقد تفهم الآن سبب خوفها الشديد من المياه.

– عشان كده بتخافي من النزول للبحر يا “خديجة”

هزت رأسها له ثُمّ أغمضت عيناها لتقاوم تلك الرجفة التي احتلت جسدها بعدما عاد ما حدث من هؤلاء يغزو رأسها.

احتواها بين ذراعيه بحنان ثُمّ غمرها بفيض عشقه ليُخبرها أنها الأنثى الوحيدة التي امتلكت قلبه.

تلك السعادة التي رأتها السيدة “لطيفة” في أعيُن ولدها الغالي جعلتها تشعر بالرضى نحو “خديجة” التي في أول فطور جمعهم كعائلة واحدة أخبرتها أن تدعوها بـ أمي فقد صارت ابنة لها.

اِقْتَرَبَتْ “خديجة” من غرفة “نورسين” بتردد بعدما شَجِّعْها “خالد” أن تَبْدَأُ بِالمُبادَرَة.

طرقت “خديجة” الباب ثُمّ دخلت الغرفة بعدما أذنت لها بالدخول… التقطت “نورسين” أقراط أذنيها ثُمّ تساءَلت بعدما ظنتها الخادمة.

– دكتور “طارق” وعمتي وصلوا؟؟

تنحنحت “خديجة” حرجًا؛ فاستدارت “نورسين” إليها.

– أنا قولت أجي أشوفك لو محتاجة حاجه.

رمقتها “نورسين” بنظرة خاطفة ثُمّ عادت تنظر لمرآتها ترتدي أقراطها.

شعرت “خديجة” بالخجل لعدم تقبلها تودَّدَها ثُمّ تحركت لتُغادر الغرفة لكنها توقفت عندما استمعت إلى تساؤلها.

– الفستان حلو يا “خديجة”.

ابتسمت “خديجة” ثُمّ استدارت إليها وهي لا تُصدق أنها طلبت رأيها بفستانها، لقد صدق “خالد” عندما أخبرها أن التقرب من شقيقته سهلاً لكن عليها أن تُحاول.

– طالعه زي القمر، دكتور “طارق” مش هيقدر يرفع عينه من عليكِ.

ابتسمت “نورسين” وهي تستمع إلى رأي “خديجة” بها، وقد توردت وجنتاها خجلاً وهي تتخيل نظرات “طارق” إليها.

التمعت عينا السيدة “لطيفة” بسعادة وهي ترى ابنتها أخيرًا ترتدي خاتم خِطبتها.

عيناها انتقلت بين أولادها وهي ترى كل منهما يقف جوار محبوبه وفي داخلها كانت تتمنى لهم أن لا ينتهي حبهم بالطعن والخيانه كما طُعنت من حبيبها ورفيق دربها.

اقترب “أحمد” من “خالد” ثُمّ نظر نحو “خديجة” بنظرة غاضبة.

– خليها تبعد عنك.

اندهشت “خديجة” من تصرفه العدائي نحوها منذ أن أدرك الصغير أنها ستُشاركه في “خالد”.

– “أحمد” عيب كده، اطلب ده من “خديجة” بأدب.

مط الصغير شفتيه بتذمر ثُمّ عقد ساعديه أمام صدره.

– أنا عايز اقف جنب بابي.

قالها الصغير بأدب، كما طلب منه “خالد” الذي كتم صوت ضحكته بصعوبة من تصرفه.

ابتسمت “خديجة” وهي تنظر له بلُطف.

– وأنا أهو بعدت يا سيدي.

ابتعدت “خديجة” بالفعل واتجهت نحو حماتها التي كانت تُطالع المشهد.

جلست “خديجة” قربها تُحاول تجنب نظرات السيدة “نعمة” -عمة “خالد”- لها.

ربتت السيدة “لطيفة” على يدها ثُمّ نظرت إليها بنظرة حنونه.

انتهى التجمع العائلي أخيرًا، الذي تم فيه تحديد موعد عقد قران “طارق” و “نورسين”؛ فـ “طارق” لم يعد يحتمل الانتظار أكثر.

اجتذبها بين أحضانه يغرقها بطوفان قبلاته وبين كل قبلة وقبلة -يُلهب بها مشاعرها- كان يخبرها بشوقه إليها.

داعب خدها بأصابعه بعدما ضمها إليه.

– متزعليش من “أحمد” يا “خديجة”.

رفعت وجهها إليه تنظر إليه بنظرة صافية.

– أنا مزعلتش منه، أنا عارفه إنه متعلق بيك أوي.

توهجت عيناه وهو ينظر إليها بعشق، وقد ضاعت الكلمات منه.

دفن وجهه بعنقها ثُمّ عاد يغمرها بحبه.

ابتهجت ملامح “سارة” وكأنها طفلة صغيرة عندما اقترحت عليها “خديجة” أن يذهبوا معًا للملاهي.

– هاتِ “مروان” ابن “نورهان” اختك معاكِ يا “سارة”.

– يعني إيه؟ هي الخروجه دي مش لينا لوحدينا…

امتقعت ملامح “سارة”، عندما بدأت “خديجة” تُخبرها أنها تُريد التقرب من الصغير “أحمد”.

– وأنا اللي فرحت وقولت أخيرًا هقدر أخرج طاقتي في حاجه بحبها.

ضحكت “خديجة” على طفولة “سارة”.

– معلش يا “سارة” هنعوضها كتير …ها هتجيبي “مروان”.

امتعضت ملامح “سارة” عند ذكر اسم ابن شقيقتها.

– أنتِ متأكده إنك عايزه “مروان” يلعب مع “أحمد” ويتصاحب عليه… “خديجة” افتكري “مروان” عمل فيكِ إيه قبل كده.

مطت شفتيها باستياء وهي تتذكر ما فعله بها الصغير.

– احنا هنكون معاهم يا “سارة”… وهفهم” مروان” يكون لطيف.

– لطيف!!

تمتمت بها “سارة” ثُمّ حكت ذقنها بإصباعها.

– خلينا نشوف “مروان” هيكون لطيف ولا هيفضحنا.
..

عادت “خديجة” وهي تمسك يد “أحمد” الذي كان سعيدًا للغاية بعدما قضى اليوم بأكمله خارج المنزل.

تعلقت عينا “خالد” بهم واتجه نحوهم… ليسرع الصغير إليه قائلاً.

– أنا و “خديجة” و “سارة” و “مارو” لعبنا كتير وأكلنا آيس كريم.

ابتسم “خالد” وهو ينظر لملامح أخَاه، ولأول مرة يراه بهذا الحماس وهو يقص عليه ما فعله بيومه.

تلاقت عيناه بعينيّ “خديجة” بنظرة ممتنة، التي اقتربت منهم.

– وكمان “مارو” عزمني على عيد ميلاده.

ابتسمت “خديجة” وهي تنظر إلى “أحمد” الذي نظر إليها.

– إحنا هنروح عيد ميلاده يا “ديدا”.

“ديدا” ..

تمتم بها “خالد” بعد مَا قاله “أحمد” الذي تابع حديثه.

– “مارو” و “سارة” بيقولولها كده… وأنت كمان قولها كده.

قهقه “خالد” عاليًا ثم نظر إلى “خديجة” التي ضحكت.

– هنشوف حكايه “ديدا” دي بعدين… يلا يا بطل على اوضتك وهبعتلك الناني عشان تساعدك.

تحرك الصغير لغرفته واتبعته مربيته.

التمعت عينا “خديجة” بسعادة وهي تنظر إلى “أحمد” الذي صعد لغرفته مبتهجًا.

أجتذبها “خالد” إليه بعدما وجد عيناها عالقة نحو أخيه.

– شكل “أحمد” باشا هياخدك مني… وهتتقلب الأدوار وأغير أنا منه يا ست “ديدا”.

ابتسمت “خديجة” بحرج عندما شعرت بيديه تطوقها بحميمية.

حاولت الابتعاد عنه وهي تسأله.

– أنت شايف إنه هيحبني.

اجتذبها “خالد” إليه مرة أخرى بعدما فكت حصار ذراعيه.

– هيحبك أكيد يا حبيبتي زي ما أخوه وقع في حبك.

خرجت نحنحت “ثريا” التي كانت تجلس بغرفة المعيشة مع السيدة “لطيفة” التي أصرت عليها أن تتناول وجبة العشاء معهم.

رمقت “ثريا”، “خديجة” بسعادة؛ فقد استطاعت امتلاك قلب زوجها..

– جيتي أخيرًا يا “خديجة”…

اقتربت “ثريا” منها ثُمّ احتضنتها.

– مقولتليش ليه إنك جايه يا ماما مع إني كلمتك الصبح.

ارتبكت “ثريا” من سؤال ابنتها ولكي تتهرب من سؤالها تساءَلت بحزن مزيف:

– هو أنتِ مش عايزانى أجي بيتك يا “خديجة”… شوفت يا” خالد” يا حبيبي بنتِي بتقولي إيه.

– “خديجة” متقصدش يا حماتي.. متزعليش منها.

رمقها “خالد” بنظرة معاتبه.

– أنا مقصدش يا ماما حاجه بس استغربت إنك مقولتليش.

– كنت عايزه اعملها ليكِ مفاجأة بس الظاهر المفاجأة معجبتكيش.

تعجبت “خديجة” من ردود أفعالها وتقمص ذلك الدور…

والدتها لا تكون بتلك اللطافه إلا إذا أرادت الحصول على شىء.

وقد شعرت بوجود شىء ما بين والدتها و “خالد” عندما طلبت منه  أن يرافقها لخارج المنزل بعدما انتهت وجبة العشاء وأردات المغادرة بعُجالة متعلله إن “ريناد” في المنزل بمفردها.

ناولت “خديجة” حماتها كوب الماء ودوائها ثُمّ أسرعت خلفهم لتستطيع سماع أي شىء من حديثهم.

•••••••••

الفصل الأخير

ضَاقَت عَيْنَا “خديجة” بحِيْرَة و شَكّ بَعْدمَا الْتَقَطْت أُذُنَيْهَا مَا طَلبَتْهُ مِنهُ والدتها “أَلَّا يخبرها بشيء”.

كانت تعلم أنها إذا سألته عَمَّا أرادته والدتها منه لن يُخبرها لذلك أسرعت لغرفتها لتتمكن من مهاتفة شقيقتها لتعرف سبب زيارة والدتها لها اليوم.

تمنت من كل قلبها أن تكون كما أخبرتها…أنها أتت لرؤيتها والاطمئنان عليها.

– عايزه تعرفي “ثريا” هانم كانت عندك ليه؟؟

قالتها “ريناد” بلهجة ساخرة، مما جعلها تتيقن بشكوكها ثُمّ أردفت.

– الناس اللي كانت بتستلف منهم بيطالبوا بفلوسهم لأنهم عرفوا هي بقت دلوقتي حماة مين.

جلست على فراشها تشعر بالاختناق تنظر إلى هاتفها…

تريد مهاتفتها لتسألها لما تفعل بها هذا… لما تريدها أن تشعر بالعار أمامه، ويظن أن زواجه منها له ثمن عليه دفعه.

أغمضت عينيها ثُمّ تمددت على الفراش، وهي تُفكر بالعديد من المحاولات لسداد ديونهم… لا بدَّ من أن تعود لعمل الترجمة مرة أخرى، وتذهب لهؤلاء لتترجاهم حتى يمنحوها بعض الوقت.

شعرت بيده تتحرك على شعرها ثُمّ همس برفق.

– “خديجة” نايمة كده ليه، فيكِ حاجه تعباكِ؟؟

لم تكن نائمة بل كانت مرهقة من الحياة التي تطاردها.

فتحت عينيها ثُمّ اِعْتَدَلَت تنظر إليه.

– أنا مكنتش نايمة.

– أنتِ تعبانه… شكلك أرهقتي نفسك جامد النهاردة عشان تبسطي “أحمد”.

– “خالد” ماما كانت عايزاك في إيه؟؟

تظاهر بالدهشة من سؤالها.

– وهتعوزني في إيه يا “خديجة”… مامتك كانت جايه تزورك..

هزت رأسها إليه بحزن.

– ماما كانت عايزه منك فلوس… بلاش تكذب عليا.

اقتربت منه تترجاه.

– متدفعش حاجه أرجوك… أنا هرجع اشتغل تاني وهسدد الديون.

استدار إليها بعدما أشاح وجهه عنها وقد ألجمه ما تُخبره به.

– تشتغلي عشان تسدي ديون والدتك يا “خديجة” للدرجادي مش عايزانى أشاركك مشاكل عيلتك…

ثُمّ استطرد بنبرة تملكها الغضب.

– كلامك ده إن دل فهيدل إني مش فرد من عيلتك.

اتجهت إليه تقبض على ذراعه لكي لا يغضب.

– أنا مقصدش كده.. حاول تفهمني.

– أنتِ اللي حاولي تفهمي يا “خديجة”… أهلك دلوقتي هما أهلي.. إحنا بقينا عيلة واحدة.

أرغمها على عدم جداله، وألّا تشعر بالخجل بعد ذلك من عائلتها أمامه لأنه اعتبر حاله مسؤول عن عائلتها منذ أن تزوجوا.

الخزي صار -يومًا بعد يوم- كالعلقم في حلقها من أفعال والدتها… عضوية بنادٍ شهير، سيارة لها وراتب شهري تحصل عليه منه.

وكلما كانت تعترض كان رده ” أنّ لا دخل لها”.
….

اليوم هو عُرس “نورسين” و “طارق”…وقد تكلل أخيرًا هذا الحب بالزواج.

– هي كل العيلة دكاترة يا “خديجة”.

قالتها “سارة” وهي تميل نحو “خديجة” التي عرفتها على أقارب زوجها، وهم جالسين على الطاولة.

– شكلك هتخلفي طفل عبقري… ما العيلة كلها نوابغ.

كتم “مازن” صوت ضحكاته بصعوبة ينظر إلى “خديجة” التي تركت أهل زوجها، وأتت للجلوس معهم قليلًا.

– يا بنتِي أنتِ معزومة عشان تجيبي الناس الأرض.

قالها “مازن”، فرمقته “سارة” بنظرة ممتعضة.

– قصدك إن أنا عيني وحشه يا “مازن”.

تمتمت بها “سارة” بدراما بعدما خرجت منها شهقة قوية.

– أنا بقول انتوا الأتنين فكروا ألف مرة قبل ما يتقفل عليكم باب واحد …

هتفت بها “خديجة” وهي تمد ذراعها على الطاوله لتفصل بينهم.

تحولت نظرات “سارة” للوداعه ثُمّ رفرفت بأهدابها.

– بكره هتشوفي قصة حبنا لما تكتمل.

انتقلت نظرات “خديجة” بينهم فرأتهم ينظرون لبعض بنظرات هائمة.

– أنا إيه اللي جابني وسطكم.

أرجعت “خديجة” المِقْعَد للوراء لتتمكن من النهوض بفستانها ذو التنورة المنفوشة لكن “سارة” أمسكت ذراعها لتعيدها مكانها حتى تحصل على جواب سؤالها.

– مافيش حاجه كده ولا كده.

تساءَلت “سارة” وهي تغمز لها وقد أشاح “مازن” عينيه عنهم.

قطبت “خديجة” حاجبيها تُحاول فهم كلامها وسُرعان ما صفعتها على ذراعها.

اتجه “خالد” إليهم بعدما وقعت عيناه على “خديجة”.

توقفت “سارة” عن مشاكسة “خديجة” فور أن رأت “خالد” يتجه نحوهم.

رحب “خالد” بهم بحرارة ثُمّ صافح “مازن” الذي مدّ له يده بترحيب.

– هخدها منكم معلش.

قالها “خالد” بابتسامة، ثُمّ التقط يد “خديجة” واتجه بها نحو بعض معارفه ليُعرفها عليهم بعدما تساءَلت الزوجات عن زوجته.

تعلقت عينيّ “سارة” بهم سعادة… فها هي صديقتها تعيش أخيرًا بسعادة مع رجلاً يثبت لها يوم بعد يوم حبه لها.

رغم اعتراض “خالد” على زيجة “ريناد” ونصحه لها إلا أنها وافقت على الزواج من رجل لا يشعر نحوه بالارتياح، وتتردد حوله الأقاويل، بل وصممت على رأيها عندما وجدت والدتها تستمع إلى كلام “خالد” وتوافقه الرأي.

تزوجت “ريناد” وأقامت حفل زفاف باهر يفوق حفل زفاف “خديجة” لتجعل الجميع كالعادة يُقارنون بينها و “خديجة”.

نظرت “خديجة” نحو شقيقتها بعدم رضى، بسبب عُري فستان زفافها.

– هي أختك داخله مسابقه في تبديل الفساتين يا “خديجة”.

تحولت نظرات “خديجة” نحو “سارة” تزفر أنفاسها بثقل.

– خايفه تخسر نفسها وهي بتدور دايمًا على التميز.

هزت “سارة” رأسها بيأس وهي ترمق “ريناد” المحاطة بفتيات يشبهونها.

– اتمني تكون عِرفت تختار.

عادت عينان “سارة” ترتكز نحو “ريناد” فعن أي اختيار تتحدث “خديجة” … فالعريس يرقص، ويصفق و “ريناد” تهز صدرها، وتتمايل وأعيُن الرجال تُحدق بها.

شعرت “سارة” بأن الحديث عن “ريناد” لن يفيد بشيء، فعليهم تجنب النظر لما يحدث.

– قوليلي هتقولي لـ “خالد” النهاردة إنك حامل؟؟

فبعد عام من الزواج، استقبلت اليوم هذه البشارة.

نظرت “خديجة” إلى “سارة” التي أصبحت الآن حاملاً في شهرها الثاني ثُمّ عاد لها التوق لتلك اللحظة التي ستُخبره فيها عن طفلهم الذي ينمو بأحشائها.

عادت “خديجة” من حفل الزفاف بملامح ليست سعيدة، دخلت الغرفة لتجد “خالد” جالساً بغرفتهم، ويتحدث مع كلا من “طارق” و “نورسين” من خلال حاسوبه بأمور العمل؛ فقد تولى “طارق” و “نورسين” فرع الشركة بـ دبي بعدما قرروا الاستقرار هناك.

ابتسم إليها عندما تعلقت عيناه بها، وتعجل في إنهاء محادثته معهم.

تركته يُكمل محادثته دون أن تقترب منه ثُمّ توجهت للمرحاض بعدما التقطت من خزانة الملابس ما ستقوم بارتدائه.

بعد نصف ساعة كان “خالد” يغلق حاسوبه.

أغمض عيناه ثُمّ زفر أنفاسه ونهض.

اقترب من باب المرحاض يسألها بقلق.

– “خديجة” أنتِ كويسه.

آتاه صوتها بهدوء لتطمئنه أنها بخير.

لم يذهب معها “خالد” لحفل زفاف “ريناد” لأنه لم يكن راضيًا عن الأمر وقد طلبت منه ألا يتدخل بحياتها.

ابتعد عن المرحاض ثُمّ تسطح على الفراش منتظرًا خروجها.

بعد دقائق كانت تخرج وهي ترتدي غلالة حريرية ناعمة تُحدد منحنياتها بسخاء.

تعلقت عيناه بها وهي تقف بمنتصف الغرفة بتلك الفتنة التي ستهلكه.

فرد لها ذراعه في دعوة منه لتأتي لحضنه، وعيناه تمتلئ بهما اللهفة عليها، ثُمّ همس اسمها.

– “خديجة”

اقتربت منه وهي تخفي ذلك الشىء الصغير في قبضة يدها.

اجتذبها إلى صدره بعدما صارت أمامه.

– مكنتش فاكر إني هوصل للدرجه دي من الحب.

ابتسمت وهي تستمع إلى حديثه الذي داعب به أنوثتها.

– ولا أنا كنت فاكره إني هعيش السعادة دي… أنت عوضتني عن كل حاجه كانت نقصاني.

دفن رأسه بتجويف عنقها يلثمه.

ضاعت مع عاصفة حبه التي تلاها سقوط المطر.

وقعت عيناه على العصا البلاستيكية التي حررتها قبضتها أخيرًا ثُمّ نظر إليها وتساءَل بنبرة تخللها مزيج من المشاعر.

– أنتِ حامل يا “خديجة”؟؟

بعد مرور ثماني أشهر

أصبحت “خديجة” بشهرها الأخير من الحمل.

تعلقت عيني السيدة “لطيفة” بها وهي تراها تُذاكر لـ “أحمد” دروسه.

– متتعبيش نفسك يا “خديجة”…تعالي على الكنبه افردي رجلك.

ابتسمت “خديجة” لها، فهي صارت تعشق والدة زوجها مثلما تعشقه هو.

اقترب “خالد” منهم بإرهاق بعدما عاد من عمله ثُمّ اتجه نحو والدته ليُقبل يدها ورأسها.

تهللت ملامح “أحمد” بسعادة منتظرًا اقتراب “خالد” منه ومنحه قبلته.

– شوفت أنا شاطر إزاي.

قالها “أحمد” وهو ينظر إلى “خديجة” حتى تؤكد كلامه.

– طبعًا يا حبيبي…

ابتسم لها “أحمد” ثُمّ عاد يستكمل كتابة واجباتها.

– أنتِ كويسه؟؟

تساءَل وهو يضع يده على بطنها المنتفخة.

حركت له رأسها بابتسامة يشتاقها في ساعات عمله المنصرمة.

صعد لغرفته ليأخذ حمامه ويبدل ملابسه.

انضم إليهم حيث مكان جلوسهم إلى أن تضع الخادمة الطعام.

اندهش من صوت الجرس الذي يقرع بتلك الطريقة كما اندهشت والدته و “خديجة” وفزع “أحمد”.

هرولت الخادمة لتفتح الباب ثُمّ تراجعت للوراء، وقد خرج “خالد” من غرفة المعيشة وخلفه “خديجة”.

اندفعت “ريناد” إلى الداخل وخلفها “ثريا” ….

هتفت “خديجة” وهي لا تصدق وجود “ريناد” أمامها؛ فقد سافرت مع زوجها لخارج البلاد.

– “ريناد”.

اتجهت “ريناد” نحوهم تشكو لهم ما حدث لها بغربتها.

– ضحك عليا… ضربني لحد ما اجهضت وبعدين رماني… كان منعني أكلمكم…حياتي معاه ضرب وشتيمة.

سقطت دموعها وهي تُخبرهم بمعانتها بصوت خرج متقطعًا ثُمّ حاولت التقاط أنفاسها.

اتجهت “ثريا” إلى “خالد” تهتف به برجاء.

– أنت لازم تعمل حاجه يا “خالد”، لازم تدفعه التمن.

اقتربت “خديجة” من “ريناد” التي انهارت بالبكاء وقد تمزق قلب “خديجة” وهي ترى شقيقتها بتلك الحالة المزرية.

– أنا نصحتها وهي مسمعتش كلامي.. طلبت مني متدخلش في حياتها.

نظرت إليه “ثريا” وهي تعلم أنه على حق.

– عندك حق بس هنعمل إيه اللي حصل حصل.

تركت “ريناد” ذراع “خديجة” التي وقفت جوارها ثُمّ صرخت بها بحقد.

– أنتِ السبب ،أنتِ السبب في كل اللي أنا فيه.

انصدمت “ثريا” من هجوم “ريناد” عليها لتتساءَل.

– أنا السبب يا “ريناد”.

– ايوة أنتِ السبب… أنتِ اللي دمرتيني… كنتِ عايزانى أحقق أحلامك اللي محققتيهاش.

ابتلعت “ريناد” غصتها بمرارة وهي تنظر إلى “ثريا” التي احتلت الصدمة ملامحها.

– لازم تكوني دايمًا حلوة، لازم تخطفي كل الأنظار حواليكِ، لازم تستغلي جمالك… بنت فلانه اتجوزت عريس لقطه..لازم تبصي لفوق يا “ريناد” اوعي تبصي لتحت زي ما انا بصيت.

شعرت السيدة “لطيفة” بالشفقة نحو الفتاة التي لم تتقبلها يومًا بسبب طريقتها المتحررة.

اقتربت “ثريا” منها وهي تشير نحو حالها.

– يعني أنا في الأخر السبب… ده أنا دايمًا كنت مميزاكِ…عمري ما بصيت لأختك ولا اهتميت بيها… أنتِ أنانيه.

نطقتها “ثريا” بقلب ممزق لتصرخ “ريناد” عاليًا بعدما نعتتها بذلك الوصف الذي يليق بها أيضًا.

– أنا أنانية وأنتِ إيه يا “ثريا” هانم…

وقفت “خديجة” بينهم تنظر لزوجها الذي اتخذ دور المتفرج وحماتها التي طالعتهم بنظرة مشفقة.

وضعت بيدها على بطنها تشعر بالاختناق بعدما وضعوها طرفًا بينهم.

– بسببك كرهت أختي، اللي اكتشفتي فجأة إن ليكِ بنت تانيه بعد ما حققت اللي طول عمرك نفسك فيه.

– كفايه.

خرج صوت “خديجة” بصراخ بعدما أعادوا لها ذكريات من القهر، وهي ترى والدتها تعامل “ريناد” بحب، وتميزها لكن هي، وكأنها لم تُنجبها.

اندفع “خالد” إليها بعدما رأي الألم يحتل وجهها يضمها إليه بقلق، وهو يصرخ باسمها.

– “خديجة”

بعد مرور أربعة أعوام.

خرج “خالد” للحديقة المزينة احتفالا بمرور عام على ولادة صغيرته.

اتجه نحو والدته التي يجلس قُربها طفله الذي يبلغ من العمر أربع سنوات.

رفع الصغير عينيه نحوه بابتسامة واسعة كشفت عن غمازتيه ووجنتيه المكتنزتين.

داعب “خالد” خصلات شعر صغيره.

– حبيب بابي “كنان” باشا.

تعلقت عينا والدته به وبصغيريه بسعادة ودموع ترقرقت داخل مقلتيها، وقد تمنت لو كانت “نورسين” معهم اليوم لتكتمل فرحتها بأولادها وأحفادها لكن “نورسين” ستأتي بعد شهرين لتضع مولودها الثاني.

السعادة والبهجة صارت تحتل جدران هذا المنزل الكبير.

اتجه “أحمد” نحو “خالد” ليلتقط منه الصغيرة “حور” ليحملها، ويُقبل وجنتيها المكتنزة.

بدأت أفراد العائلة تتجمع وأصدقائهم، وقد جعلوا هذا الاحتفال يضم الأشخاص المقربين لهم فقط.

رحب “خالد” بعمته وبناتها، وقد أتى “كريم” بخطيبته وقد صار الجميع يأمل أن يتوقف عن حياة العبث.

ابتسامة لطيفة و ودودة، استقبل “خالد” بها “مازن” و “سارة” وابنتهم “تالا” التي تبلغ من العمر أربع سنوات.

تساءَلت “سارة” عن “خديجة” التي لم تظهر بعد، فابتسم “خالد”، وهو يحرك عينيه ليبحث عنها.

– شكلها لسا منزلتش، روحي شوفيها يا “سارة”… الناس كلها وصلت وهي لسا بتجهز.

– “خديجة” طول عمرها دقيقه أوي في مواعيدها.

قالتها “سارة” بمزاح فضحك كلا من “خالد” و “مازن” عليها.

تحركت “سارة” بضع خُطوات، وقد تركت ابنتها يدها لتذهب للعب مع “كنان”.

توقفت “سارة” مكانها تنظر نحو “خديجة” التي خرجت للتو للحديقة متجهه إليهم، وقد تعلقت أنظار بعض الموجودين بها.

– أهي نزلت أهي

انتقل “خالد” بنظراته إليها، وقد غادر الملل ملامحه، وتوهجت عيناه ببريق خاص.

ابتسامة هادئة احتلت شفتيه، وتحرك إليها لكن عندما انتقلت أنظار الجميع للجهة الأخرى من الحديقة، وبهتت ملامح “خديجة” استدار بجسده على الفور ليرى سبب شحوب ملامحها.

احتدت عيناه في صدمة، وهو يرى حماته الغالية تدخل، ومعها رجلا يصغرها.

تجهمت ملامح وجهه، وهو يستمع لما تخبره به “ثريا” بعدما انسحبت معه للداخل.

– خطيبك.

تمتم بها “خالد” بصدمة وغضب ثم نظر إلى “خديجة” التي صارت تتوقع أي شىء من والدتها.

– ده في نفس عمري… بتتخطبي لواحد في عمر جوز بنتك.

هزت “خديجة” رأسها بيأس وهي تحتضن طفلتها الصغيرة داخل أحضانها.

– سامعه جوزك بيقولي إيه يا “خديجة”.

دخل “كريم” الغرفة -التي خرجت أصواتهم العاليه منها- ينظر نحوهم.

– ياريت تأجلوا أي نقاش بعد ما الحفلة تخلص.

جذب “كريم” ذراع “خالد”، وسحبه معه بعدما رفض المغادرة مُحاولا إقناعه أن اليوم عيد ميلاد صغيرته، وألا يجعل شيء يعكر صفو سعادته.

– ليه دايمًا مخلياني قدام عيلة جوزي مش عارفه ارفع راسي واتشرف بيكم.

والسؤال الذي سألته “خديجة” كانت تعلم أنها لن تجد له رداً عند والدتها، لأنها لا تبحث إلا عن سعادتها.

تحركت “خديجة” من أمامها، ولوهله شعرت “ثريا” بالضيق، بسبب فعلتها لكنها أقنعت حالها.

– أنا مش هفضل لوحدي، كل واحده فيكم شافت حياتها.

جلس “خالد” قُرب والدته لعله يهدأ.

حركت السيدة “لطيفة” مقعدها المدولب قليلاً لتقترب منه ثُمّ ربتت على كتفه.

– مراتك كويسه بلاش تخليها تزعل وهي شيفاك كده… هي ملهاش ذنب.

رفع عيناه لوالدته ثُمّ نظر أمامه… ليجد عينيّ “خديجة” عالقة به بحزن، وقد وقفت “سارة” قربها تترجاها ألا تكترث.

– قوم يلا خد مراتك وولادك وطفوا الشمع…

كلمات والدته إليه جعل غضبه يتلاشى، ويخمد ضجيج أفكاره.

كاد أن ينهض لكن عينيه وقعت على آخر شيء كان ينقصه اليوم.

“ريناد” تتجه نحوهم، وتتأبط ذراع رجل بفستان قصير.

ركض صغيرة نحو خالته التي يحبها كما تحبه..

وقعت عيناه على سعادة صغيرة بوجود خالته.

العجيب أن “ريناد” التي لا تحب إلا نفسها كانت تحب الصغيرين بصدق رغم أن علاقتها مع “خديجة” لم تتغير.

هز رأسه بيأس ثُمّ زفر أنفاسه بقوة.

– الناس يابني بدأت تزهق… روح يلا لمراتك وولادك.

وقف الجميع يهللون، ويغنون للصغيرة المبتسمة بسعادة رغم عدم فهمها لشيء.

احتضن خصرها بعدما أشار لهم المصور بالاقتراب من بعضهم.

على ذراعه كان يحمل “كنان”، وهي كانت تحمل الصغيرة، ويقف بينهم” أحمد”.

خرج صوتها بهمس خافت بعدما أنهوا إطفاء شمعة الصغيرة وتقبيلها.

– أنا آسفه.

تعلقت عيناه به، واكتفى بنظرة لم تفهم معناها لكنها ظنت أنه غاضب منها.

بعد وقت

وقد التهى الجميع في تناول قطع الحلوى، وأصبحت الصغيرة بين أحضان جدتها “لطيفة”.

سحبها معه لأحد غرف الطابق الأرضي ثُمّ أغلق الباب ورائهم.

احتجزها بينه والحائط بنظرة أرجفت جسدها وقلبها معًا، وتمتم أمام شفتيها.

– أوعي في يوم تفكري للحظة إني ندمان يا “خديجة”، ممكن اغضب أثور عليكِ لكن عمري في يوم ما هندم إني اتجوزتك.

هذه المرة لم تخطف قبلته وحدها أنفاسها، بل جعلتها كلماته ذائبة بعشقه بأنفاس لاهثة بين أمواج عاتية.

تمت بحمد الله.

بقلم سهام صادق ❤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
6

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل