
الفصل الحادى عشر
كانت ترى نفسها.. طفلة صغيرة في العاشرة أو أكبر قليلاً.. تلعب في حديقة منزل الجدة الكبرى هكذا يلقبونها فهي تكون جدة أمها.. وهي ذات شخصية قوية ومسيطرة على من حولها وتطيع أوامرها بلا تردد.. حالها كحال الجميع.. حتى نورا بكل تمردها كانت تصبح كالحمل الوديع في حضرتها قلقاً من انفعالها الذي سيليه تأديبها القاسي لكل من يحاول مخالفة أوامرها
… وعن طريق خآثار المنزل وزواره الكثر وصلت إلى أذنيها الهمسات والهمهمات التي فهمت منها أن أمها فقدت الطفل.. الصبي الذي تنتظره عائلة الجيزاوي وجدها عبد الرؤوف بالذات..
كانت تشعر بالقلق على أمها.. وبالحزن على شقيقها الذي توفي بدون أن تعرفه.. ولكن كان الشعور المسيطر عليها هو الذعر.. الذعر من انفعال الجدة, إذا خالفت أحد أوامرها, أو أزعجتها بدو ن قصد.. وما تسبب في زيادة ذعرها سماعها أن والدتها في حالة حرجة بالمشفى..
لذا تقرر إقامتها هي وشقيقتيها بصفة مؤقتة في بيت الجدة الكبرى.. حتى يتفرغ الجميع للعناية بوالدتها شموس.. فاعتادت أن تتلمس تلك الهمسات حتى تطمئن على حالة أمها.. ولكنها لاحظت اختلاف تلك الهمسات في ذلك اليوم مع ظهور لتلك السيدة صاحبة الوجه القاسي والتي تكاثرت التجاعيد على ملامحه فأضافت لها مظهرا مربكاً ومذعراً في نفس الوقت
.. كانت ملامح تلك السيدة تسبب لها القشعريرة.. بينما نظراتها سببت لها ر عباً لا حد له وهي ترمقها بإصرار أثناء تهامسها مع جدتها الكبيرة.. خاصة عنآثارا حمل لها الهواء بعض كلماتهما والتي كانت تدور حولها وخاصة جمالها اللافت وأنوثتها التي بدأت تتفتح كبراعم الورود
.. حاولت أن تتجاهلها وتستمر في لعبها ولكنها فوجئت بإحدى الخاآثارات تطلب منها الذهاب إلى الجدة.. تحركت سهير في تردد حتى وصلت لجدتها التي ربتت على كتفها وهي تخبرها أنها أصبحت فتاة كبيرة وجميلة.. ويجب عليها أن تطيع جدتها حتى تمنحها مكافأة كبيرة.. وطلبت منها أن تذهب مع الخاآثارة إلى الطابق الاعلى
.. هنا.. تتحول الاحداث في ذهنها إلى ضباب.. أو هلوسات.. فكل ما يرسخ في ذهنها هو وجه تلك السيدة وهي تقترب منها وفي يدها شفرة.. مازالت تتذكر انعكاس الالضواء على نصلها الحاد.. محاولة يائسة منها للهروب.. صوت تلك السيدة الجاف يأمرها بالسكون وأيدي جدتها وخاآثارتها تثبتانها بإحكام.. صوت جدتها يأمرها مرة أخرى بالطاعة.. وآالالم.. آالالم حادة..
لم تفهم.. لم تدرك ماذا يحدث فلقد تعالى صراخها وتعالى..
وفجأة اقتحمت نورا التي جلبها صراخ أختها الغرفة وتعالت صراختها هي الاخرى وهي تصيح: ـ لماذا تإيذاءون سهير؟
_
.. لم تعرف سهير ماذا حدث بعد ذلك.. فهي فقدت وعيها من شدة اآلالم..
ولكنها استيقظت لتجد نفسها على فراشها وفي غر فتها ووالدها بجوارها وآثاروعه تسيل وهو يقبل يديها ويمسح على شعرها وهو يتمتم لها بأن تسامحه
.. رددت بوهن: ـ أبي.. ماذا يحدث؟.. لماذا تريدني أن أسامحك؟
لثم يدها وآثاروعه استمرت في التساقط وهو يجيب: ـ لاني لم أكن موجود لاجلك
سألته بحيرة: ـ ماذا تقصد يا أبي لست أفهم؟!
فأجابها بانكسار: ـ لا شيء حبيبتي.. لقد مررت بكابوس سيء فحسب.
عاد مشهد تلك السيدة القاسية يهاجمها وهي تقترب بشفرتها الحادة.. فتعالى صراخها مرة أخرى
.. فتحت سهير عينيها ورمشت بقوة تحاول اخراج عقلها من لجته السوداء.. وابعاد كابوسها المعتاد عن عينيها.. ذلك الكابوس الذي اعتادت عليه وتعايشت معه سنين طو يلة, ولكنه ازداد حدة وبشاعة كلما اقترب موعد زفافها.. فكان يزيد من مخاوفها ويرفع من حالة الذعر التي كانت تعيش فيها من أن يتكرر انتهاك الانثى بداخلها مرة أخرى..
تزايدت هواجسها ومخاوفها حتى انفجرت مرة واحدة في ليلة زفافها وتراءت لها الشفرة الحادة تقترب مع اقتراب منذر منها فكان أن انفجرت في وجهه تلك المخاوف والهواجس وتعالت صراختها وهي تدفعه عنها.. لم تستطع أن تفسر أو توضح ما أصابها.. وأسباب ذعرها كلما اقترب منها.. حتى بادر هو بتقديم العصير الذي يحتوي على المهدئ.. ولكن حبيبها لم يطاوعه قلبه أن يخدعها فصارحها بما فعل, وحاول منعها من شرب العصير, وهنا كان قرارها بتحدي نفسها, فإن كانت غير قادرة على مواجهة مخاوفها ومصارحة منذر بما تشعر به فلتلجأ لحل آخر.. وهو تهدئة تلك المخاوف حتى يستطيع حبيبها الاقتراب منها وبثها حبه عله يقضي على تلك المخاوف.. وهو تقريباً ما حدث لقد هدأت مخاوفها نوعاً ما.. وسمحت لمنذر باالاقترب ا منها وجعلها زوجته فعلاً.. وكان كلام منذر صحيحاً فلم يخدر المهدئ حواسها ولم يغيب إدراكها.. فكانت تستطيع الرفض والابتعاد في أي لحظة, لكنها قررت أن تتناسى مخاوفها قليلاً يساعدها على ذلك قرص المهدئ الذي تجرعته مع العصير لتمنح حبيبها ما يريده علها تعرف ذلك الشعور السرمدي التي كانت تصفه نورا لها بروعة و جودها بين ذراعي حبيبها..
تلك السحابة المخملية الناعمة التي سيصحبها لها حبيبها و يمنحها شعو ا بأنهما ينتميان لبعضهما فقط.. كانت تتساءل عن ذلك الشعور؟.. هل يوجد شيء خاطيء؟.. هل هي لا تحب منذر بما يكفي؟.. أم أن ذلك الشعور سوف يأتي لاحقاً.
_
فبعد كل شيء كانت تلك مرتها الاولى فحسب.. ولابد أن المهدئ قد أثر ولو قليلاً عليها..
هذا ما كانت تخبر نفسها وهي مستلقية بين ذراعي منذر تحاو ل ألا تصدر أقل حركة, حتى أنها حاولت التحكم في تنفسها حتى لا تتسبب في إيقاظه من نومه.. فهي لا تريد إعادة التجربة مرة أخرى.. ليس حالياً على الاقل.. تريد أن تنفرد بنفسها قليلاً قبل أن تواجهه
… انسلت بهدوء من بين ذراعي منذر وسحبت أول شيء وصلت له يديها لتلف جسدها به وتحركت إلى المكان بسرعة وأغلقت بابه خلفها.. و فتحت الماء البارد وتركته ينهمر فوق رأسها.. لقد تساءلت كثيرا عن جدوى ما قامت به جدتها نحوها.. تعددت أسئلتها لوالدتها ووالدها وكانا دائماً ما يرواغان في الاجابة..
وكان ذلك يثير حيرتها وانفعالها.. فهي تريد اجابة واضحة ومقنعة للافكار التي تتصارع في عقلها, حتى أخبرتها أمها مرة أن جدتها فعلت ذلك بهدف حمايتها.. وحماية شرفها
.. حركت سهير وجهها لتواجه المياه المنهمرة والتي تاعتداء وجهها بحدة وتتألأل قطراتها تحت الضوء الساطع فيذكرها لمعانها بالشفرة الحادة التي اقتطعت جزء منها بدعوى الحماية والوقاية
ابتسمت سهير بمرارة.. فكيف تكون الحدة مفرطة والانتهاك هما الحماية والوقاية؟.. ولم الافتراض أنها بحاجة لتلك الحماية من الاساس؟.. وكأن كل أنثى تولد وتهمة معلقة فوق رأسها.. وتهمتها هي أنوثتها.. وكأنه كتب على كل فتاة أن تقضي عمرها لتثبت براءتها من تهمة هي لا تعلمها ولم ترتكبها؟..
تلك النظرة الضيقة من مجتمع محدود الافق نحو كل أنثى وهو يترصد ويراقب اللحظة التي ستزل فيها قآثارها نحو الخطيئة.. فتكون هي المتهمة والجانية.. حتى لو كانت ضحية ومجني عليها.. إنها نظرة المجتمع وتفكيره الذي يظن أنه باقتطاع جزء من جسدها فهو يحميها من خطر الانزلاق ويمنحها الشرف والعفة.. مجتمع لا يستوعب أن الشرف والعفة والطهارة هي معاني تزرع وتغرس في الروح وتقوى باإليمان والتقوى..
ـ سهير… سهير هل انت بالداخل يا حبيبتي؟..
صوت منذر انتشلها من وسط تصارع أفكارها.. ففكرت أن تتجاهل الرد عليه و تتعذر بصوت المياه الجارية.. إلا أنها رجعت في قرارها بعد أن فكرت ان ذلك سيكون سخيف حقاً وأنها يجب أن تواجهه عاجلاً أم آجلاً..
أغلقت المياه ولفت نفسها في روب المكان الخاص بمنذر.. وقد تعمدت ذلك حتى تخفي نفسها وجسدها تماماً عنه وخرجت لتجده ينتظرها أمام باب المكان وما أن لمحها حتى بادرها: ـ صباح الخير يا أجمل عروس في الدنيا
_
ابتسمت بخجل وهي ملتفة بردائه تشبه الطفلة التي قررت العبث بملابس والدتها.. تأمل احمرار وجنتيها وهو يقربها منه ويدفن رأسه في خصالتها الشقراء المبللة ويستنشق رائحتها بتلذذ هامساً: ـ هل سنعود للخجل مجددا
ألن أسمع صباح الخير من أروع شفتين أريتهما ف حياتي؟..
جبرت سهير نفسها على البقاء ساكنة بين أحضانه وهي تهمس بصوت لا يكاد يسمع: ـ صباح الخير
.. طبع منذر قبلات ساخنة على عنقها وهو يسألها: ـ فقط؟..
همست بحيرة وهي تقاوم رغبة دفينة في الهروب من بين ذراعيه: ـ فقط ماذا؟
.. ضمها بقوة وهو يسحقها إلى صدره كأنه يبلغها أن اختبائها خلف الروب القطني الفضفاض لن يجدي نفعاً وهمس في أذنها بعبث: ـ صباح الخير فقط؟.. بدون حبيبي؟
.. ازداد احمرار سهير وهي تهمس بخفوت شديد: ـ صباح الخير يا حبيبي
.. رفع منذر ذقنها المنخفضة بخجل بإبهامه ليواجه عينيها الزرقاوتين اللا تين التمع فيهما تشتت مشاعرها وحيرتها الشديدة وقبل جبينها برقة, ثم انتقلت شفتاه لتأخذ شفتيها في تحية بدأت رقيقة ثم ازدادت تطلباً مع ازدياد جراه يديه على جسدها,
تجاوبت سهير مع قبلته العاصفة لثوا ٍن الا أنها حاولت التملص من بين ذ ارعيه عنآثارا شعرت بسقوط رداء المكان على الارض, لكنه منعها وهو يهمس: ـ ألم نتخطى مرحلة الخجل؟.
. كادت تصرخ به أنه ليس الخجل, ليس الخجل هو ما يكبل مشاعرها.. إنها خائفة.. خائفة من مشاعرها أو بالاحرى من قلة تلك المشاعر, حاو لت تذكر كلمات نورا عن روعة الوجود مع الحبيب.. ذلك الشعور الذي تريد سهير أن تختبره مع حبيبها, فسكنت بين ذراعيه وهي تحلم بالوصول إلى تلك السحابة الوردية الناعمة..
_
اخذت نورا تذهب وتجيء في غرفتها بغيظ شديد.. لا تدري كيف تبخرت السعادة التي عاشتها مع رؤوف في الايام الماضية وتحولت إلى جمود رهيب.. وتجاهل سافر من قبله؟.. والمثير للغيظ أنه أصبح يلازم نعمات بصورة مبالغ فيها,
حتى أنها تظن أنه يستخآثارها كدرع يخفيه عنها.
. لقد مر على عودتهما من الاسكندرية أكثر من أسبوعين ر أته فيهما مرات تعد على أصابع عهما معاً اليد الواحدة,
بالاضافة إلى قضائه جميع لياليه في الطابق الاعلى,
فلم تجمعهما غرفة واحدة منذ عودتهما من االسكندرية.. وللامانة هي لا تستطيع لوم نعمات على تصرفه ذاك.. فهي شعرت بتباعده بعد تلك الليلة التي صرحت فيها بحبها له, فكانت تراه بالكاد في اليومين التاليين وكان عذره دائماً العودة.. أن الاعمال تراكمت ويجب الانتهاء منها قبل فكان يقضي النهار بالكامل في الخارج ويعود في وقت متأخر من المساء ليأكل وينام مباشرة..
وظل هذا روتينه ليومين كامليين عادا بعدهما إلى منزلهما حيث فوجئت نورا باستقبال نعمات المرحب بهما, والمثير للدهشة أنها وجدت نفسها بين أحضان نعمات تستمع لتمتمات الاعتذار عن سوء التفاهم الغير مقصود والذي تسببت به نعمات في ليلة الحنة الاخيرة لسهير
.. تجمدت نورا تماماً ولم تعرف كيف تتصرف لمواجهه تلك المودة الغير مألوفة من المرأة الاكبر سناً.. فغمغمت بكلمات نصفها غير مفهوم ولكنها استطاعت أن تخبر نعمات أنه لا داعي لللاعتذار وأن الموقف مر بسلام..
وتحركت متوجهة لجناحها وهي تتوقع أن يتبعها رؤوف الا أنها فوجئت به يصطحب نعمات للطابق الاعلى ويلقي لها بتحية عابرة.. وكان ذلك الموقف نسخة كر بونية عن الايام التالية.. فهو يقضي أغلب وقته في عمله, ويعود ليحبس نفسه في مكتبه.. وبالطبع يقضي لياليه في الطابق العلوي.
. لم تهتم نورا بنظرة الانتصار والتشفي في عيني نعمات بقدر اهتمامها بسبب هذا الانقلاب في تصرفاته تجاهها فمقدار انفعالها كان يساوي مقدار حيرتها.. فهو يتجنبها وبوضوح.. يتجنب الانفراد بها أو التواجد معها,
ولولا أن الواجب والاصول حتمت عليه مرافقتها لمنزل عمتهما قمر حتى يقآثارا التهنئة لسهير ومنذر لما ارفقها إلى هناك أبدا ثير حيرتها بل ًوكان يشدد هو إصراره على عآثار ذهابها إلى بيت عمتها لزيارة سهير بمفردها أبدا بقوة على وجود والدتها معها..
_
ولم يسمح لها بالذهاب وحدها إلا بعد عودة منذر إلى العمل.. وكان عذره أنه لا يصح إزعاج العروسين بلا داعي.
. كانت الحيرة تفتك بها.. هل تذهب إليه مرة أخرى؟.. هل تتركه لانعزاله عنها؟.. إن كبريائها يأبى عليها أن تسعى هي إليه بعد اعترافها بحبه وصده وجموده الذي اتبع تلك الليلة.. وقلبها لا يرحمها يصرخ طلاباً قربه.. تدعو وتبتهل كل ليلة حتى يأتي لجناحها..
لا ليبتعد عن نعمات, بل كي تر اه فقط وتسأله عن الخطأ الذي ارتكبته ويعاقبها عليه.. بل يعاقبهما معاً.. فهي ترى التعاسة مرتسمة على ملامحه بوضوح..
ترى رؤوف الذي كانت تخشاه وتهابه عنآثارا تقآثار للزواج منها, وليس رؤوف الذي اقتربت منها وعاشت معه أحلى لحظات عمرها… لمحت شاشة هاتفها تضيء باسم سهير.. تجاهلت نورا الهاتف فحالتها لا تسمح بمحادثة شقيقتها التي تبدو مؤخرا كمن سلب منها شيء ثمين, أو كمن تبحث عن حلم مفقود.. وهذا ً يزيد من حنق نورا, فهي ترى أن قصة حب منذر وسهير انتهت كما الحكايات الاسطورية
“وعاشا في سعادة الى للابد”.. فلماذا ترى انطفاء البريق في عينيها؟.. وتلمس ضياع رونقها ومرحها الطبيعي.. هل الحب هو أسطورة في الحكايات والكتب فقط؟.. هل هو سراب لا يمكن الامساك به؟.. وهل ما تحمله من أحاسيس ومشاعر لرؤوف هو نتيجة وهم أو تعود؟.. وماذا عن مشاعر سهير ومنذر؟.. هل هي وهم أيضاً؟..
إنها تشعر أن شقيقتها تعيسة, ترى ذلك بوضوح على وجهها ولا تجد لذلك مبرر منطقي يقنع عقلها قبل قبلها… تساقطت آثاروعها على وجنتيها بلا شعور منها عنآثارا لمحت طيفه يراقبها من خلف نافذة مكتبه كعادته مؤخرا اقبها ولكنه ً.. لا تدري إلى ماذا يهدف؟.. أو ماذا يدور بعقله؟.. لماذا يمتنع عن التواصل معها؟؟..
هل رؤوف العابس والمتجهم هو من سيحل محل رؤوف أحياناً الرقيق الدافئ والعابث الذي عرفته منذ زواجهما؟.. مسحت آثاروعها بظهر يدها وهي تدعو االله أن تصل الى حل أو اجابة شافية لكل تساؤالتها…
عادت شاشة هاتفها تضيء باسم سهير فالتقتت الهاتف لتجيبها, في محاو لة منها للهروب من واقعها..
اغلق رؤوف ستائر نافذته بقوة بعد أن لمح حركة نورا وهي تمسح آثاروعها, وامتدت أصابعه في الهواء وبحركة لا إرادية ليمسح آثاروعها ولكنه أخفضها ببطء عنآثارا لاحظ عآثار جدوى حركته تلك, يعلم أنها حزينة وغاضبة ولكنه عاجز عن التواصل معها, مشاعره مبهمة وغير واضحة, بل وغير مفهومة.. عنآثارا صفعه تصريحها البرئ بالحب شعر بأنه أجبر على خوض غمار بحر هائج لا يعرف أبسط مبادئ السباحة به.. لم يعرف بم يجبها أو ما الذي تنتظره منه, فهو طوال
حياته مع جده استوعب منطقه ومبدأه بالا يأخذ أي شيء من المسلمات.. كل شيء له ثمن وله مقابل, فتفضيل جده له عن باقي أحفاده_ حتى على عمه عبد السلام_ و عطفه عليه كان بسبب طاعة رؤوف له وامتثاله لجميع أوامره..
_
فكان يسعى جاهدا لنيل دراجاته العلمية ً كاملة واتقان الفنون والمهارات التجارية التي يكلفه بها جده كلما تاق لربتة على الكتف أو ضمه بسيطة تشعره بالامان, وأخيرا كلل طاعا ته له بزواجه من نعمات للحفاظ على أملاك ً العائلة.. وللحفاظ على راحة بال جده..
حينها شعر رؤوف بأنه رد جميل جده كام ودفع ثمن تفضيله له بالكامل.. وحتى نعمات كان مدركاً ان وراء موافقتها علي الزواج منه هدف خفي وهو تحقيق حلمها باالامومة
وكان يعلم أنها تغرقه في أنوثتها حتى تصل لحلمها, وعنآثارا فشل في تحقيق ذلك الحلم أصبحت تغدق عليه حنانها وأمومتها حتى تحتفظ به هو.. الرجل والزوج الذي بقي لها في الحياة كما أخبرته ليلة زفافه على نورا هذه هي حياته التي ألفها وتآلف معها..
يقآثار الثمن مقابل ما يحصل عليه من عواطف سواء كانت ربتة على الكتف.. أو عواطف أكثر حميمية… لكن هي نورا.. ما الذي قآثاره لها حتى تمنحه ذلك الاعتراف؟.. ماذا يستطيع أن يمنحها مقابل قلبها الذي تزعم أنه سقط في حبه؟.. هل يمنحها قلبه بالمقابل؟.. هو لا يدري إذا كان يستطيع ذلك أو إذا كان يملك قلباً من الاساس؟..
وا ذا فعل إلن تكون تقصير لنعمات؟.. فكيف يسقط معها في الحب و ا لا يفعل مع نعمات؟.. أليست نعمات هي زوجته الاولى؟.. ألم يستمر زواجهما خمسة عشر عاماً؟..ألم تكن هي المراه الاولى في حياته من حولته من شاب هادئ إلى الرجل الذي تظن نورا أنها سقطت معه في الحب؟.. فكيف يحب نورا, ولا يحبها هي؟.. أي منطق في هذا؟.. أنه يتساءل
إذا ما كانت مشاعره نحو نورا هي مشاعر حب!!.
. لعله فقط إحساس حس بالتملك نحوها دعمه إدراكه أنه رجلها الاول والوحيد.. لا ينكر أنه شعور واحساس رائع بأن يكون هو الرجل الوحيد الذي مر بحياتها, ولكنه بالتأكيد ليس حباً فمعرفته بأنه لم يكن لم تؤرقه يوماً, الوحيد في حياة نعمات .. صحيح أنه أحس بشعور غير مريح عل الاطلاق بل ان كلمة غير مريح هي بسيطة… فلقد كان شعو ار حياة عنآثارا ً حارقاً بإقصاء منذر من ا لحياه عنآثارا ظن لوهلة أنها كانت متعلقة به, ومعرفته اللاحقة بأن ارتباط سهير بمنذر كان تتويج لقصة حب طويلة هي من أنقذت منذر من نوبات انفعاله الغير مفسرة.. لكنه لن يتوقف أمام تلك النقاط الصغيرة فهو لطالما آمن بأن الحب ما هو الا مجموعة من الاشعار وكلمات الاغاني التي يخدع بها الصبية الفتيات الغريرات..
ولكن في الواقع.. في الحياة.. في حياته هو كما عتقد دائماً.. الاحترام والمودة هما أساس الزواج المتين.. كزواجه من نعمات تماماً عادت أفكاره مرة أخرى لنورا, فمنذ اعترافها الصاعق تعمد هو البعد عنها واظهار الجفاء لها حتى يعود لسابق عهده.. لرؤوف ما قبل قمر, كلا ليست قمر بل نورا.. يجب عليه أن يتذكر جيدا . أنها نورا .. ابنة عمه التي تزوجها حتى ينجبا معاً وريث عائلة الجيزاوي.. ً.
يجب عليه نسيان جنون القمر وما جره عليه من فقدان لذاته, بل أنه عنآثارا ير اجع مواقفه معها في الفترة السابقة يجد أنه كاد أن يفقد عقله.. لقد انجرف خلف تجربة جديدة.. حياة جديدة معها, حتى ظن أن ما يحدث له هو الحب؟.. ولكن تلك هي مجرد أوهام وعبث يفقده عقله وتركيزه, لقد تعرض للتقريع والتأنيب من جده بسبب العقد الاخير الذي أبرمه في الاسكندرية لموافقته على أحد الشروط التي ما كان لينظر له مرتين لو كان في كامل تركيزه, ولكن عقله كان هائماً في سم ارئه الصغيرة وتصرفاتها الغير متزنة فوقع العقد بدون مراجعة متأنية وكانت النتيجة درس طويل من جده في إدارة الاعمال وتوقيع العقود نزل على رأسه ولاول مرة منذ التحق بالشركة..
كلا.. يجب أن يوقف هذا الجنون.. هذا الهوس بها يجب أن ينتهي وتعود حياته هادئة.. روتينية.. حسناً وممله قليلا .. لكنها الحياة ا أن يستكملها وعلى نو ار أن تنضم لها وفقاً لطريقته وشروطه..
_
تحرك متوجهاً نحو جناحها فقد آن آوان المواجهة فإن أراد أن يسترد شخصيته الضائعة فلابد من المواجهة…
كانت نور ا غارقة في ذكرياتها السعيدة معه في الاسكندرية تحاول التغلب على الالم قلبها الذي سببها جفاؤه نحوها.. تذكرت ذلك اليوم الذي طاوعها فيه بالتمشية على كورنيش األسكندرية متشابكي الايدي عنآثارا داهمتهما الامطار..
كانت قطرات بسيطة ولكنه أخذ يتذمر بانزعاج بينما تضحك بسعادة وهي ترفع وجهها ليستقبل قطرات المطر.. مما جعله يتوقف عن تذمره لينظر إليها بتعجب انقلب لذهول عنآثارا طلبت منه أن يتناولا المثلجات تحت المطر.. وهي تعده بأنها تجربة لن ينساها أبدا, ً.. ووافقها مجبرا ً تحت ا لحاحها الشديد هو يبتسم بطفولية تقريباً يعترف بأنها كانت ابتسمت برقة عنآثارا تذكرت احمرار وجنتيه و و تجربة مثيرة حقاً
… دلف رؤوف بهدوء إلى جناحهما يحاول السيطرة على أفكاره الفوضوية عنما لمحها جالسة بسكون على الالريكة شاردة عما حولها.. أخذ يتأملها بشوق وجرت عيناه على جسدها في لهفة وتوق ظهرا في نظراته التي ظهر فيها بوضوح اشتياقه وحنينه لها, لكنه تذكر ما الذي أتى به هنا فتحكم بصعوبة في مشاعره المهتاجة ليسيطر على رغباته التي تحثه على إلقاء كل أمور العقل خلف ظهره ليتقآثار ويأخذها بين ذراعيه ويتناسى كل شيء آخر, لى الشعور بها بين ذ ارعيه..
لقد ابتعد يا الله كم اشتاق لها وا لفترة طويلة واالان كل خلية بجسده تدعوه إلى ضمها لصدره والارتواء من حبها حتى يكتفي ولا يظن أنه سيفعل يوماً.. وكاد أن يفعل حين لمعت في رأسه فكرة أن ما يشعره نحوها ما هي الا رغبات جسدية بحتة وأنه يجب عليه أن يكون أقوى واصلب من تلك الرغبات الحياتية, ولا يجب أن يخضع لسلطان أنوثتها عليه, بل يجب أن يخضعها هي لما يريد..
فقست نظرات عينيه واستدعى الانفعال الذي شعر به عنآثارا استمع لساعة من الزمن لتقريع ولوم جده له على إهماله في عقد الصفقة األخيرة.. وتحرك ليقترب منها..
بينما انتفضت نورا في مكانها عنآثارا ظهر رؤوف أمامها فجأة وكأنه خرج من أفكارها ليتجسد أمامها بوسامته الرجولية وطوله المهيب
ولكن كان به شيء مختلف.. شيء لم تعتده منذ زواجهما ورغم ذلك لم تستطع إلا أن ترمقه بشوق لم تحاول اخفائه,
فهو أخيراً تنازل وجاء ليراها..
كادت أن تعبر عن فرحتها بوجوده وتلقي بنفسها بين ذراعيه عنآثارا لاحظت جمود عينيه.. ذلك ما كان متغير به.. فاللمعة التي اعتادتها في عينيه ونظراته الحميمة لها قد اختفت ليحل محلها جمود وانفعال اخافاها بشدة حتى أنها وقفت بارتجاف وهي تسأله: ـ رؤوف.. ماذا بك؟.. لما تبدو غاضباً هكذا؟
_
.. لمح رؤوف نظرة القلق والقلق في عينيها وقفز قلبه داخل صدره يريد أن يضمها ويطمئنها بأن كل شيء على ما يرام.. ولكن كلا.. يجب أن تعتاد على ذلك الوجه منه, ليس القسوة ولكن الحزم الصارم والبعد عن اللهو والعبث.. ـ ليس بي شيئاً.. لماذا تعتقدين أنني غاضباً؟
.. رمقته بحيرة لا تدري بما تجيبه.. هل تخبره بأن نظراته غاضبة.. وجهه غاضب.. كل خلية به تبدو غاضبة
ـ حسناً.. أنت تتجنبني تقريباً منذ أسبوعين.. وعنآثارا تأتي إلي مقطباً هكذا.. إذا ماذا تريدني أن أعتقد؟..
زفر بحنق وهو يقول: ـ لست غاضباً.. حسناً.. لكني أريد محادتثتك في أمر هام
.. صمت قليلاً سامحاً لنفسه بتأملها وهو يدرك أنه ليس لديه أدنى فكرة عما سيقوله لها..
استحثته نورا على الاسترسال في الكلام: ـ
حسناً.. رؤوف, أنا أسمعك
ابتلع ريقه وهو يحاول ترتيب أفكاره ليقول:
ـ أنه بشأن ما أخبرتني به مؤخرا
ضاقت عينا نورا وهي تستوعب أنه يتكلم عن تصريحها بحبه..
_
فابتسمت بمرارة وهي تقول باستفهام: ـ تقصد عن حبي لك؟
اندفع في الكلام بدون إرادة:
نورا .. استمعى الى … انت اختلط عليك الامر …. لقد رسخ موقفى منك يوم وفاه عمى فى ذهنك ليجعلك تصوريني فارس احلامك ومع الوقت طننت انك تحبيني ولكن الحب انك تتوهمين فحسب …. فانت تعشقين خيالا تصورتيه لسنوات
خذت نورا تنظر له بذهول.. وكادت أن تصرخ به
.. ” من أنت؟.. أين رؤوف؟.. وماذا فعلت به؟”..
هل هو جاد؟.. هل قال ما سمعته حقاً؟!.. بعد جفاء أكثر من أسبوعين تنازل وجاء إليها من أجل أن يقنعها أن مشاعرها نحوه وهم.. سراب.. خيال عاشته وصدقته.. لم تعرف بما تجبه!!..
كانت رغبتها قوية في صفعه, بل اعتداءه هي تريد فعلا تاعتداءه وجهه الوسيم, ثم تبكي.. نعم أنها تريد الحزن, بل النحيب على سذاجتها وضعف قلبها الابله الذي أحب ذلك الرجل, ولكنها بدلاً من ذلك..
سالته باستخفاف تقريباً ـ هل أتيت الان لتخبرني بما يجب أن أشعر به نحوك؟
.. أجابها بهدوء وهو يغض النظر عن أسلوبها الساخر:
ـ كلا .. ولكني شعرت أنه علي توضيح ذلك … حتى تفهمين كلامي عنآثارا أخبرك .. انني اقدرك واحترمك بالطبع فانت ابنه عمى قبل ان تكوني زوجتي
_
قاطعته نورا بقلق: ـ هل تحاول تخبرني أنك تريد الطلاق؟..
كانت الكلمة مثل لكمة قوية أصابته في مإيذاء فجذبها من ذراعها بقسوة وهو يصيح بانفعال:
ـ لا أريد أن أسمع تلك الكلمة منك مره اخرى …هل فهمت ؟
جذبت ذراعها منه وهي تصيح به بدورها: ـ كلا.. كلا لم أفهم.. إذا كنت تريد الاستمرار في تلك الزيجة فما الداعي لكلامك السابق؟
.. تنفس رؤوف بقوة يحاول الوصول إلى هدوئه المعتاد والذي تسلبه منه بسهولة تامة:
ـ أنا أريد الوصول إلى بعض التفاهم.. بعض الاستقرار.. أفهم أنك صغيره تريدين ترديد كلمات الحب والغزل.. وتريدين أن تسمعيها في المقابل.. وقصة حب سهير ومنذر التي عاصرِت تطو ارتها لا ريب أنها جعلتك ترسمين قصتك الخاصة وتعيشينها…هذا شىء افهمه
سألته بسخرية مريرة وهي تفكر جدياً في إعمال أظافرها في وجهه حتى تشوه وسامته الواضحة :
ـ حقاً!!.. كم أنا سعيدة أنك تتفهم شطحات مراهقتي وأوهامي الخيالية… ماذا أتيت لتخبرني به رؤوف؟.. كن صريحاً معي وتوقف عن المراوغة.
اجابها بهدوء:
ـ لا داعي للسخرية.. أنا أحاول أن أضع أسس لحياتنا.. فلا داعي للسخرية الان.. فقط أنني أريد لحياتنا معاً كزوجين أن تكون هادئة ومستقرة.. لا مجال للعواطف المشبوبة وجنون المشاعر, لكن هذا لا ينفي وجود الود والاحترام والتقدير بيننا.. هل تفهميني؟..
_
جابته بانفعال: ـ نعم.. أفهمك.. أنك تريد مني أن أتوقف عن حبك.. ا
وقفته عنآثارا حاول مقاطعتها: ـ أو ادعاء وتوهم حبك كما تظن
.. ثم ارتفع صوتها وهي تحاول السيطرة على عبراتها حتى لا تبكي أمامه:
ـ حسناً.. أعتقد أن هذا سهل للغاية.. سوف أضغط زر الايقاف فيتوقف قلبي عن حبك
أليس هذا ما تريد؟
!! صاح بها في انفعال: ـ قمر.. راقبي كلماتك.. وتوقفي عن السخرية.
همست بشراسة: لا تناديني قمر وأنت تخبرني أنني اتوهم حبك, وأتخيل حبي بك.. لا تناديني قمر..
ـ نورا.. أنا صارحتك بذلك من أجلك.. حتى لا يتحطم قلبك عنآثارا تدركين أنني أختلف عن الفارس الذي تظنينه..
نظرت إليه وهي تحاول استيعاب كلامه.. لقد ظنت دائماً أن الرجال يحاولون اقناع النساء بالحب, وليس العكس..
لماذا يرفض حبها و واقناعها بانه وهم ً.. وحتى َ لو كان وهم كما يظن …ماذا يضيره لو تركها مضللة في وهمها.. أم أنه يخشى التمتع بفكرة حبها له ثم كما يظن,
_
فقدان ذلك الحب بعد ذلك.. هل الحرمان هو ما يخشاه؟.. لمع في ذهنها كلام أمها
“امنحيه الفرصة ليتعرف على مشاعر لم يعرفها من قبل, بل لم يكن يعترف بوجودها من الاساس
“.. “فقط امنحيه المساحة ليعيش سنوات سلبت منه, وهو سيكون طوع بنانك”..
تنهدت بألم وهي تحاول التغلب على أشجان قلبها والاستماع إلى نصيحة أمها.. وقررت
منحهما فرصة معاً.. حتى يستطيعا الوصول لتفاهم مشترك
ـ حسناً.. لقد فهمت ماذا تريد قوله.. ولكن دعنا نتفق على أن نختلف..
وتقآثارت لتقترب منه قليلاً وهي تأخذ وجهه بين يديها:
ـ حبي لك ليس وهماً.. أو خيال اصطنعته لاعيش فيه.. لن أسحب اعترافي بحبك.. فأنا أحبك بالفعل..
لمحت نفس التعبير العاجز الذي ارتسم في عينيه عند سماعه لاعترافها أول مرة,
ولكنها أجبرت نفسها على الكلام: ـ أنت لا تريد سماع كلمات العشق والحب.. ولا تريد ترديدها.. فليكن.. لك هذا..
_
ولكن.. تأكد أن مشاعري حقيقية.. ليست وهماً أو خياالً أو حلم طفولي سخيف..
تقبل تلك الحقيقة ودعنا نستكمل حياتنا في هدوء كما تريد
.. : قاطعها مرددا ـ ولكن
… لكنها قاطعته بحسم: ـ بدون لكن.. أنت رجل أعمال يا رؤوف, وتلك صفقة رابحة.. صدقني.. فاقبل بها
صمت قليلاً لا يعرف ما عليه قوله أو فعله.. بقدر ما يحتاج لان يضمها بين ذ راعيه الان الا أنه لايستطيع.. لا يستطيع فعل ذلك بها بعد أن ألقى بحبها في وجهها.. لذا غمغم بصوت خافت:
ـ سأعود للنوم في جناحنا عند أول الاسبوع
.. أومأت له برأسها فهي استنفذت كل قدرتها على التحاور وتريده فقط أن يبتعد عن عينيها الان حتى لو كان هذا معناه ذهابه إلى نعمات..
صعد رؤوف بتثاقل إلى الطابق الاعلى.. يشعر أن ليس به قدرة على مو اجهة نظرات نعمات وتصرفاتها الغريبة مؤخرا .. وفي نفس الوقت غير قادر على البقاء ف بدون لمسها.. وضمها وتقبيلها.. آه.. فليتوقف عن تلك الافكار.. ويلتزم بما اتفقا عليه.. حياة هادئة ومستقرة… دخل الغرفة عند نعمات التي لم تتوقع صعوده إليها بعآثارا لمحته وهو يذهب إلى جناح نورا… فكادت أن تصيح به دهشة من وجوده, ولكنها ابتلعت دهشتها.. وهي تراه يتحرك في الغرفة بتثاقل ليسحب مالبسه ويتوجه للحمام..
ابتسمت لنفسها بسعادة.. فيبدو أن تظاهرها بمداهنة نورا واعتذارها عما بدر منها بشأن مقطع الفيديو قد اتى بثماره وأعاد لها رؤوف القديم ولو جزئياً فهو لم يعد يرى نعمات بمظهر الزوجة الشريرة التي ترغب في التنغيص على الزوجة الصغيرة, بل أنه عاد ليراها كامرأة طيبة اخطأت خطأ واعتذرت عنه والدليل على ذلك محاولته تعويضها عن الايام التي قضاها برفقة نورا.
. كان هذا ما تظنه نعمات أو ما تحاول إيهام نفسها به متناسية أن رؤوف سافر بوجه وعاد بوجه آخر تماماً.. فهو حتى لم يعد كما كان قبل زواجه بنو ار..
_
فلقد تحول اهتمامها إلى نسخة باهتة وحائرة من الرجل الذي كانه.. ولكنها لم تهتم.. فج جل اهتمامها أن يفقد
رؤوف شغفه بنورا.. وهي كفيلة بعد ذلك باسترداد رؤ وف القديم زوجها للخمسة عشر عاماً الماضية
.. لمحته يخرج من المكان ليستلقي على الفراش وهو يضع يديه خلف رأسه.. و يغمض عينيه بإرهاق..
كانت تتحرق شوقاً صغيرة ليصعد إليها لتعرف لماذا تخلى عن ليلته برفقة سمرائه لا ولكنها ابتلعت فضولها وهي تسأله حتى تجذب انتباهه اليها
: ـ أريد أن أغير لون شعري إلى الاسود, ما رأيك؟
.. فتح رؤوف عينيه بدهشة وهو يسألها: لقد طننتك فخورة بلونه األحمر؟!! ـ
لقد كنت أظن أن أجابته بصوت خافت لم يسمعه
.. “ذلك قبل أن أكتشف عشقك للشعر الاسود”..
ثم رفعت صوتها ليسمعه: ـ آه.. نوع من التغيير, ما رأيك؟
أجابها ببرود ـ افعلي ما يريحك, نعمات.. افعلي ما يريحك
_
رد وهو يغمض عينيه مرة أخرى ويسحب الغطاء ويلتحف به منهياُ المناقشة:
.. سكتت نعمات بعآثارا أدركت عزوفه عن الكلام وأغمضت عينيها في ألم يائس وهي تدرك فشلها معه تلك الليلة… لتلحقها بمثيالتها من الليالي السابقة..
مرت ثلاث أسابيع أو أكثر قليلاً بعد محادثة رؤوف لنورا
.. كانت تنتظره فيها أن يأتي لجناحهما كما صرح, ولكنه استمر في التباعد والجفاء.. وكأنه يخشى الاقتراب منها أو لايعرف كيف يبدأ تلك الحياة الرتيبة التي يريدها معها.. وهي تحملت.. وتحملت.. حتى فاض كيلها وبلغ بها الحنق ذروته.. وكانت مجر د رؤيته وهو يتهرب من التساؤلات في عينيها تثير جنونها.. وكاد صبرها أن ينفذ منه وهي تمنحه العذر تلو الاخر..
ولكنه مستمر في مسلسل البعاد والجفاء.. وكأنه غير قادر على الالتزام بما أخبرها به من البعد عن جنون العواطف والمشاعر المشبوبة.. كان هذا استنتاجها والعذر الذي تمنحه اياه بدلا من أن تإيذاءه أو تشوهه تلك الفكرة التي كانت تراودها بشدة كلما لمحت ارء أيضاً ابتسامته لنعمات حتى وهي تراها ابتسامة عادية تكاد تكون رسمية, بل وصف .. ولكنها لا
تهتم يكفي أنه يبتسم لنعمات في حين أنه حتى لا ينظر إليها..
أضاءت شاشة هاتفها باسم سهير.. موعد محادثتهما الليلية التي تتبادلان فيها الاخبار.. لكن نورا تجاهلتها.. فهي تشعر أن سهير ترواغها تحاول الوصول لشيء لا تدركه نورا.. وهي ليست في مزاج االان لتبادل الاحاديث.. *
ألقت سهير الهاتف بحنق عنآثارا لم تحصل على اجابة من نورا.. كانت تريد الكلام معها.. تريد اخراج ما بداخلها.. تحاول أن تصل الجابة لتساؤلاتها العديدة.. هتفت في غيظ” “لماذا لاتجيبي على الهاتف يا نو ار؟.. أين أنتي ؟
ابتسمت لنفسها بسخرية وهي تفكر.. وحتى لو اجابت نورا على هاتفها ما الذي كنت تنوين مصارحتها والاخذ بمشورته قوله لشقيقتك الصغرى؟.. كم مره حاولت مصارحتهاا ولاخد بمشورتها لكنك جبنت ؟
صرخت بها أعماقها.. “بل خجلت.. كيف أصارح شقيقتي بشيء كهذا؟.. بل كيف أصارح أي شخص آخر؟.. ماذا
_
ينبغي عليه قوله ؟ نورا … اخبريني كيف تسعدين زوجك ؟؟ وتسعدين معه ؟ كيق تصلين الي هذا الشعور الذي طالما صمم ِت لشيء أذني بشأنه.. لماذا أشعر دائماً بالنقص؟.. وما هو الشىء الناقص؟
لقد أصبحت تتهرب من منذر بشتى الوسائل والاعذار.. فما يبدأ بينهما جميالً ينتهي بها لقمة عصبيتها وانفعالها.. وما يثير حنقها أنه كان يبدو سعيدا كان هكذا على الاقل في البداية قبل أن تنتقل عدوى نزقها وعصبيتها إليه..
فأصبحا يصيحان في وجه بعضهما لاتفه الاسباب.. ومن يراهما وهما منغمسان في الشجار لا يصدق أبدا هما.. خاصة أن تلك الشجا ارت دائماً تلي الليالي ً أنه مر شهران بالكاد على زواج التي تتفنن فيها سهير في الهروب من منذر ورغباته فيستيقظ صباحاً بمزاج أسود عاصف وهي بدورها لا تحاول مهادنته بل تهاجمه بضراوة وكأنها تتبنى أسلوب الهجوم خير وسيلة للدفاع..
فهي تدرك تقصيرها نحوه وتشعر به ولكنها لا تريد أن تعترف به.. تريد أن تحيا في حلمها العذري.. بأن ذلك لا يهم وأن حب منذر سيبقى كما كان قبل زواجهما.. رسخاً… قوياً وثابتاً.. ولكنها عنآثارا ترى عصبيته لتهربها من واجبتها نحوه يثار انفعالا وتصب عصبيتها عليه فهو لا يريد الا سعادته.. ولا يبغي إالا اشباع رغباته حتى لو كانت
ضد مشيئتها هي.. فكانت ترضخ أحياناً فكانت ترضخ احيانا لما يريد تجنباً لمشاجرة جديدة.. ولكن للاسف هناك
دائماً ذلك الشيء الناقص.. تلك النكهة المفقودة والتي لا يستطيع كلاهما وضع يده عليها ولكن في أعماقهما كالهما يحمل اتهام لآلخر بسلبه تلك النكهة الغامضة والنتيجة تكون أعصابهما هما الاثنان في الصباح التالي وكأنها وصلت لدرجة للاحتراق فلا يحتمل أحدهما من للا خر حتى كلمة صباح الخير… وهكذا وجدت سهير أن أفضل الحلول هو التهرب من منذر ومن نظراته ورغباته واتهاماته…
فأصبحت بعد حوالي شهرين من زواجها تجيد اصطناع النوم ببراعة تحسدها عليها ممثلات السنيما
… مر الوقت عليها بدون أن تشعر به وهي تتحرك في غرفتها بدون هدف فلمحت الساعة وهي تتجه الى النافذة فأدركت أن الوقت متأخر بالفعل.. فغمغمت بحرج لنفسها..
“يا الهي.. إن الوقت متأخر بالفعل لابد أن نورا كانت برفقة رؤوف.. كم هذا محر ج”..
ادراكها للوقت جاء معه ادراك آخر وهو اقتراب وصول منذر إن لم يكن قد وصل بالفعل ويقضي سهرته مع والدته كما اعتاد في اليومين الاخرين رغبة منه في تجنبها وتجنب الشجار معها..
_
. من كان يصدق أن حب السنين يتحول في أيام إلى تلك المشاجرات والمشاحنات..
هل من المعقول أن يتحول الحلم إلى كابوس بتلك السرعة… هل ستستمر تلك المسرحية الهزلية بينهما طويلاً.. الا يوجد ولو بصيص أمل في تحسن االاوضاع.. سمعت خطواته تقترب من باب الجناح فأسرعت باالاندساس في الفراش.. وتقمص دور النائمة كما اعتادت كل ليلة.. شعرت بحركته في الغرفة وهو يبدل ملابسه.. و يتحرك هنا.. وهناك..
ثم صعقها صوته وهو يقول: ـ إذا ظننت للحظة أنني انخدعت بتمثيلك النوم كل ليلة, تكونين بلهاء.. أنا فقط أمرر ذلك
بإ اردتي.. تحركي يا مدام وأعدي الطعام لزوجك المنهك في العمل.. ولا يرغب منك سوى بطعام محترم يسد رمقه.
الفصل الثانى عشر
دخلت نعمات إلى غرفة المكتب الخاصة برؤوف, فهو يحبس نفسه بها معظم الوقت, لكنها وجدته يجمع بعض الاوراق في حقيبته الجلدية االانيقة..
فعلمت أنه في طريقه للخارج وزاد هذا من عصبيتها التي انعكست على كلماتها وهي تسأله: ـ رؤوف.. أر يد أن أحادثك في أمر هام.
أجابها وهو ما زال مستمر في تجميع أوراقه: ـ ليس الان يا نعمات.. فأنا في طريقي للخارج.
ردت نعمات بسخرية: ـ بالطبع.. فأنت لا تحتمل المكوث في المنزل وهي غير موجودة به.
رفع عينيه إليها بتساؤل عما وراء كلماتها.. فأردفت: لا تنظر إلي هكذا.. فهذا ما أراه, بمجرد خروجها لزيارة أمها أو شقيقتها تنطلق انت ايضا خارج المنزل وكأنك لا تحتمل البيت بدونها
_
!! ترك رؤوف الاوراق من يده وهو يستشعر جدية الموقف وعصبية نعمات التي ظهرت في كلماتها
: ـ نعمات.. اهدئي قليلاً.. أنا لدي موعد عمل بالفعل.. وما تقولينه هو بلا معنى..
قال آخر كلماته بصوت خافت فهو مدرك أنه كاذب.. فكلماتها تحمل بعض الصدق فهو أصبح لا يطيق المكوث في مكان ونورا ليست به,
رغم أنه لا يقترب منها أو حتى يتبادل أي حوار معها منذ حوارهما الاخير ولكنه يكتفي بالشعور بها معه في المكان نفسه
.. صاحت نعمات به بعد أن رمقته بغيظ:
ـ بلا معنى!!.. الان أصبحت كلماتي بلا معنى!!.
أجابها بهدوء: ـ أنا آسف لم أقصد التقليل منك .. ولكن …
قاطعته بعصبية:
ـ دعني أقول ما أتيت لقوله .. أظن أنه كما شِرع لك تعدد الزوجات, فقد امرت بالعدل .. اليس كذلك؟
رمقها رؤوف بحيرة.. فقد تشوش عقله..
_
ما الذي تريده؟.. هل تلومه على مكوثه الشهر الماضي بغرفتها؟.. هل أتت لتحثه على البقاء مع نورا؟..
فسألها بحيرة: ـ ماذا تقصدين يا نعمات؟.. أنا لاأفهم..
أجابته بحدة: ـ ما الذي لا تفهمه؟..
أنا أطالبك أن تعدل بيني وبين ابنة عمك.
غمرته الحيرة مرة أخر ى فهو غير واثق مما تريده نعمات.. هل فعلاً تطالبه بالمكوث مع نورا
وقت أطول..
فسألها بذهول: ـ هل تطالبيني بالبقاء مع نورا لوقت أطول؟
.. صرخت بفزع: ـ كلا بالطبع..
إذا بالضبط؟ ً ماذا تقولين؟.. أنا لم أتركك لليلة واحدة طوال الشهر الماضي… ماذا تريدين
ابتلعت غصتها بمرارة وهي تقول:
_
ـ أريدك أن تراعي مشاعري.. أن تحافظ على كرامتي..
سألها بحدة: ـ هل أخطأت نورا في حقك؟
صاحت وآثاروعها بدأت تنهمر على وجنتيها: ـ كلا.. أنت من فعلت.
صعق من اجابتها: ـ أنا!!!!… كيف؟.
حاولت تتحكم في آثاروعها ولكنها أصرت على معاندتها وهي تتسابق على وجنتيها: ـ لا أنكر وجودك معي طوال الفترة الماضية.. ولكن من كان معي هو خيال رؤوف.. وليس رؤوف.. فأنت شارد طوال الوقت.. أحدثك فلا تستمع إلي
اقترب منك تبعد اميال حتي انا وانت .. نحن …..
لم تستطع اكمال كلماتها فغصت بشهقات بكائها الذي صآثاره..
فاقترب منها ليحتضنها ويحاول تهدئتها.. كانت على حق.. فهو غائب بأفكاره دائماً مع سمرائه.. كان يتواجد مع نعمات بجسده فقط.. ولكن أفكاره وخياله معها هي..
لم يدرك أن نعمات شعرت بذلك فلقد ظن أنه يخفي ذلك جيدا.. ولكن على ما يبدو أنه كان على خطأ.. وسبب الاذى لنعمات ً. بدون قصد. ليس بعد كل احتوائها له وحنانها الذي لا ينكره.. وهي لا تستحق ذلك أبدا يكون جزائها إصابة طفيفةه لها بتلك الطريقة..
زاد من احتضانها وهو يربت على ظهرها برقة.. وقال لها وهو يعلم بأنه مسترسل في الكذب:
_
ـ اهدئي يا نعمات.. ولا تسلمي عقلك للظنون.. قد أبدو شارد طول الوقت بسبب مشاكل في العمل
. فغيابي أنا ومنذر معاً تسبب في تراكم الاعمال وظهور مشكلات عدة.. كما أن صحة جدي ليست على ما يرام هذه الايام مما يسبب لي القلق الشديد.. نورا ليست لها علاقة بأي مما يحدث لي..
صمت قليلاً وهو يتمنى أن تصدق كذبته ولكنها دفعته عنها بقوة:
ـ هل تخدعني أو تخدع نفسك يا رؤوف؟.. انظر.. أنا لا أعلم ماذا يدور بينك وبين ابنة عمك.. ولا أريد أن أعلم.. كل ما أطلبه هو أن تحافظ على كرامتي.. فلا تشعرني أنك تستخآثارني كدرع تختفي خلفه من مشاعـ.. من مشاكلك مع تلك الفتاة..
سكتت قليلا عنآثارا أدركت أنها في غمرة انفعالها كادت أن تنبهه إلى امتلاكه مشاعر بالفعل
لفتاته الصغيرة..
ولكنها فوجئت بعبارته الغاضبة: ـ نعمات.. تلك الفتاة هي زوجتي.. وهي تملك اسم كما تعلمين.. وكما أخبرتك من قبل…. فأنت تعلمين ِ نورا لا عالقة لها بأي مما أمر به.. وأنا لا أكن لها مشاعر حب كا تظنين أريي بتلك الامور.. جيدا
فوجئت بحدته وانفعاله وأدركت أن ما شعرت به هو حقيقة لا جدال فيها.. فر ؤوف عاشق لابنة عمه…. وهي.. هي لم يتبق أمامها الا أن تحتفظ بالبقعة الصغيرة التي تشغلها في حياته.. هذا إذا سمح لها بذلك..
فأخذت عدة انفاس تهدئ بها انفعالها: ـ رؤوف..أ لن أطالبك بمشاعر أو عواطف.. فقط أريد بعض الاحترام.. وهذا أقل ما استحق بعد هذه السنوات
مسح رؤوف وجهه بين كفيه.. يشعر بضيق في صدره.. أنفاسه لا تريد أن تخرج.. كل ما حوله يطبق عليه.. يريد ان يصرخ “ماذا بكم جميعاً؟.. ماذا تريدون مني؟.. حب؟.. مشاعر؟.. احاسيس؟.. احترام؟.. كبرياء وكرامة؟.. عمل؟.. شهرة؟.. محافظة على العائلة؟.. وريث؟.. ماااااااااذاااااا أفعل.. ماذا استطيع أن أفعل
_
” زفر بقوة وهو يقول لنعمات:
ـ اعتذر إن كنت اسأت إليك الان.. ولكن الاعمال كثيرة بالفعل.. وأنا مضطر للخروج
ألقى كلماته وسحب حقيبة أو ارقه ليخرج سريعاً..
تاركاً نعمات خلفه وآثاروعها لم تجف.. وكرامتها مشوهة بجروح غائرة.. فلقد لمست حبه لنورا.. لقد شعرت به يحاول الهروب وعآثار الاعتراف بمشاعره تلك.. ولكنها ليست زوجته فحسب, فهو ابنها الذي لم تنجبه.. ومن تشعر بقلب الابن المدله في الحب الا أمه..
جلست نورا برفقة سهير في غرفتهما القديمة تحاول معرفة ماذا أصاب شقيقتها وسلب الضحكة من عينيها.. ولكن سهير كانت مصرة على أنها بخير وأن نورا تتوهم ليس الا
.. صاحت بها نورا بحنق: ـ لا تخبر يني أنني أتوهم.. بحق الله هل هذا مظهر عروس تزوجت من حبيب طفولتها؟
.. اجابتها سهير بسخرية: ـ وما به مظهري؟.. هل يجب أن أحمل الفتة أصرح بها عن سعادتي وامتناني لزواجي من منذر!!
سألتها نورا بعجب:
ـ سهير.. لم أعهدك ساخرة.. للمرة المائه ماذا بك ؟
أجابتها سهير: ـ للمرة المائة أخبرك.. لا شيء..
_
ثم أردفت قبل أن تقاطعها نورا: ـ ما رايك لو نقضي الليلة هنا في غرفتنا القديمة؟.. نسهر ونثرثر معاً حتى
الفجر, كما الايام الخوالي
صاحت بها نورا:
هل انت غير متزنه !! انت عروس جديده !! لم يمرين على زواجك شهرين وتريدين أن تقضى الليله بعيدا عن زوجك !! هل…..
قطعت نو ار كلماتها وهي تفكر قليلاً ثم التمعت عينيها بشقاوة وهي تسحب هاتفها لتعبث بأزراره قليلاً.. ثم أغلقته وهي تبتسم بخبث وتتمتم
: ـ حسناً يا سيد “حياة هادئة ومستقرة” لنرى ماذا ستفعل الان!!
سألتها سهير بعجب: ـ نورا!!.. ماذا تفعلين؟.. وبم تتمتمين؟
.. أجابتها نورا بهدوء: ـ لقد أرسلت رسالة لرؤوف أخبره أنني سأقضي الليلة مع ِك..
صاحت سهير:
ـ كيف؟.. وكلمات التقريع التي اسمعتني اياها منذ قليل و..
_
قاطع كلامها رنين الهاتف الخاص بنورا,
فالتقطته وهي تبتسم ابتسامة غامضة وترفعه على أذنها لتسمع صوته
يقول بحزم غاضب: ـ سآتي لاصطحبك بعد نصف ساعة.. كوني مستعدة.
ثم أغلق الخط بدون أن يسمع منها أي رد..
اتسعت ابتسامة نو ار وهي تنظر للهاتف بانتصار, فهو كان غاضباً.. نعم تستطيع ان تلمس
لانفعال في صوته برغم محاولته اخفاءه.. أخيرا ً حصلت منه على رد فعل واستطاعت ان
تخدش غلاف الهدوء والجفاء الذي غلف نفسه به منذ تلك المحادثة الاخيرة بينهما والتي أراد بها وضع أطر لعالقتهما..
وقد مر عليها أكثر من ثلاث أسابيع ولم يخطو بقآثاره داخل جناحها, بل أنه عاد للجفاء والعبوس كما لو أنه يعاقبها الصرارها على حبه.. وكأنه ينتظرها لتسحب اعترافها.. وهي لا تنكر أنها تنتظره أن يصرح بحبه.. حسناً.. هي لن تتراجع ولكنها تدرك شغفه بها وتعرف كيف تستعيد ذلك الشغف وتشعل نيران رؤوف مرة أخرى
… قاطع صوت سهير أفكارها وهي تسألها: ـ نورا.. ماذا يحدث؟.. ومن كان على الهاتف؟
.. أجابتها نورا وما زالت ابتسامتها على شفتيها: ـ أنه رؤوف سيأتي لاصطحابي بعد قليل
_
. ارتسمت خيبة األمل على ملامح سهير:
اذا … . لن تبيتي هنا الليلة؟ ـ
الطبع.. لا.. ولا انت ايضا .. هيا اتصلي بزوجك كى ياتي لاصطحابك
عفى دخول شموس الغرفة سهير من الاجابة فحمدت ربها على ذلك وهي تسمع صوت أمها تنادي على شقيقتها: ـ
هيا يا نورا.. إن زوجك بالاسفل وهو في عجلة من أمره
. قفزت نورا بسرعة وهي تجذب حقيبتها حتى قبل أن تنهي أمها كلامتها.. وقبلت أمها وشقيقتها وهي تودعهما بسرعة..
وما أن خرجت نورا من الغرفة حتى أغلقت شمو س الباب وتحركت لتجلس بجوار ابنتها على الفراش.. وأخذت تتأمل ملامحها الفاتنة التي كساها الحزن.. وسألتها برقة:
سهير ,, ماذا بك يا ابنتي؟.. ماذا يحدث مع ِك؟.. ـ
هبت سهير بقوة قائلة: ـ لا شيء.. لماذا لا تصدقوني!.. أنا بخير.
عادت شموس تسألها برقة مرة ثانية: ـ ولم العصبية إذا ؟
_
أجابت سهير بحنق: ـ لانني سئمت من أسئلتكم التي لا أملك اجابة عنها
.. لم تيأس شموس ولم تقتنع.. فهي أم.. وردارها الامومي.. يخبرها أن ابنتها تكذب عليها.. وأن االامور ليست بخير كما تدعي.. فعاودت محاصرة ابنتها مرة أخرى:
ـ سهير يا حبيبتي.. أنتى ابنتي الكبرى.. أول من أرت العين وأول من أذاقتن معنى
الامومة.. هل تعتقدين أنني أصدق كلمات لسانك وأكذب عيني التي ترى التعاسة على ملامحك.. وقلبي الذي يشعر بالالم بين جنباتك
.. لم تحتمل سهير الحنان في صوت أمها ولم تستطع المقاومة أكثر
فألقت نفسها بين ذراعي أمها وهي تبكي بحرارة.. تفرغ حمولتها من الالم والحيرة و التشوش على صدر أمها الذي احتضنها بحنان واحتواء افتقدته بشدة
ظلت شموس تضم ابنتها بقوة, تنتظر منها أن تهدئ ولكن طالت عبرات سهير ولم تصل حتى إلى بداية الهدوء وزاد ذلك من قلق شموس فسألتها بحذر:
ـ هل يسيء منذر معاملتك؟.. هل يضايقك بشيء؟..
نزلت آثاروع سهير أكثر عند سماعها اسم منذر وهي تتذكر كلامه لها في تلك الليلة وهو يطالبها بإعداد طعامه فذلك كل ما يبتغيه منها.. لحظة سماعها لعبارته
تحر كت بدون وعي لتعد له مائدة الطعام التي جلس أمامها يأكل في صمت ثم ما لبث أن رمى ما بيده من لقيمات وهو يبدي امتعاضه من الطعام:
_
ـ ما هذا … هذا الطعام ماسخ جدا ً.. لقد ظننت أن تجديين الطهو علي الاقل .. من الغد ترافقين أمي في المطبخ حتى تتقنين إعداد الطعام..
اجابته سهير بدهشة: ـ ولكن عمتي قمر هي من أعدت ذلك الطعام بالفعل..
صاح بحنق: ـ ِ ماذا تفعلين طوال اليوم؟.. ومتى تبدأين في التصرف كزوجة وربة منزل؟..
تيقنت سهير أنها واحدة من تلك الليالي التي يحاول فيها افتعال أي شجار معها.. وكعادتها
بدلاً من محاولة مهادنته انفعلت عليه وصاحت به:
ـ يبدو أنك تتعذر بأي شيء بحثاً عن شجار
رمقها بنظرة خاصة وصمت قليلا ثم قال: ـ لست أنا من يبحث عن الاعذار…
فهمت ما يريد قوله فأخفضت وجهها أرضاً وهي تغمغم بحرج:
ـ منذر.. أنا..
قاطعها بسؤاله: ـ ماذا يحدث يا سهير؟.. هل آذيتك في شيء؟
_
.. سارعت بالنفي: ـ كلا.. كلا
.. سألها بألم: ـ هل كان حلم؟.. سراب؟.. هل كنا نتوهم؟..
شهقت بالحزن وهي تحرك أرسها نفياً:
ـ منذر.. أنا أحبك.. أقسم لك
صاح بها: اذا .. . لماذا يا سهير؟.. لماذا تعذبينا معاً؟.. ـ
تلعثمت في كلماتها وهي تقترب منه..
فسارع بضمها لصدره: ـ منــذر.. أنـاااا
لكنه قطع ما تريد قوله بقبلات ساخنة أغدقها عليها.. فهو اشتاق لها بقوة.. يحتاجها ويريدها أن تفهم ذلك..
وهي استكانت بين ذراعيه كعادتها وهي تأمل بكل قوة أن تكون تلك المرة مختلفة… ولكن.. بعد أن هدأ كل شيء.. اكتشفت أنه..لا شيء تغير.. لا شيء…
تنبهت من شرودها على حركة اصابع امها وهي تملس شعرها برقة وتعاود سؤالها باصرار: ـ هل يسيء منذر معاملتك يا سهير؟
_
بتعدت عن أحضان أمها وهي تتحرك لتخفي عنها وجهها الذي احمر بوضوح معلنا عن كذبها :
ـ كلا.. يا أمي.. أنا ومنذر في خير حال.. في الواقع يجب أن اتصل به الان حتى يأتي ليصطحبني
.. لكن شموس لم تقتنع.. ولفت ابنتها لتواجهها:
ـ على من تكذبين؟.. يا سهير؟؟.. وما سبب ذلك الحزن إذا؟
تلعثمت سهير وهي تقذف بأول اجابة: ـ لا شيء يا أمي..
أنا فقط افتقدكم بشدة.. وافتقد منزلنا ونورا ونادية وكل شيء.. لم تكن تكذب عنآثارا قالت ذلك.. فهي تفتقد منزلها بشدة.. وفي نفس الوقت تشعر أنه لم يعد منزلها.. كم هذا غريب أن يتحول المنزل الذي ضمك لاكثر من عشرين عاماً إلى مكان تعامل فيه كضيف.. وبرغم شعورك بالانتماء له الا أنك تشعر أن ولاؤك يتحول بدون أن تدري إلى منزل آخر.. ومكان آخر..
لذا فقد تناولت هاتفها بهدوء واتصلت بمنذر ليأتي ويصطحبها إلى…. منز لها… الجديد.
أما في سيارة رؤوف فكانت نورا تكاد تتنفس انفعاله الذي يبدو واضحاً كل حركاته وسكناته شعرت بالقلق قليلا من مظهره العابس الا أنها أغمضت عينيها تسترجع بعض لحظاتهما الخاصة تستمد منها بعض القوة حتى تستطيع مواجهة أعاصير انفعاله التي تعلم أنها ستنطلق ما أن يصلا إلى المنزل……..لا تنكر سعادتها الخفية رغم قلقها, فانفعاله هذا ينفي ادعاءه الكاذب بلامبالاة والجفاء طوال تلك الاسابيع الماضية.. تقسم أنه لو كان وافق على قضائها الليلة في بيت والدها لكانت أحالت حياته جحيماً عن صراره على اصطحابها بنفسه حق..
لكنه باستجابته السريعة لرسالتها وا أثبت أنه يهتم فعالً.. يهتم بوجودها تحت سقف منزله.. وهذه نقطة قد تبدأ منها.. فقط لو منحها الفرصة.. حانت منها التفاتة خفية نحوه ولاحظت انقباض ملامحه بشدة.. هل يعقل أن كل ذلك الانفعال بسبب رسالتها؟..
لاحظ رؤوف نظراتها المختلسة له وشعر بقلقها من انفعاله, حركاتها المتململة وعبثها بكفيها مع سرعة أنفاسها أعلمته بمدى توترها.. اراد طمأنتها.. اخبارها الا تخاف منه.. لكن أفكاره كانت تعصف بشدة بين كلمات نعمات
_
له وتأكيده لها أن نو ار لا تأثر عليه اطالقاً وبين الانفعال الجارف الذي شعر به
عنآثارا وصلته رسالتها لتخبره برغبتها في المكوث مع شقيقتها.. عنآثارا شعر أنها تريد أن تحرمه منها.. من وجودها.. من إحساسه أنها معه بنفس المكان…
كانا قد وصلا إلى منزلهما فترجلت بسرعة من السيارة.. ولكنه لحقها ليتمسك بذراعها ويدخلا معا تحت بصر نعمات التي كانت تنتظره في شرفتها فاغرورقت عينيها بالآثاروع وهي تراه يتمسك بنورا كالطفل الذي عثر على أمه بعد عناء.. فشعرت أنها كما خسرت ر ؤوف الزوج فهي في طريقها لتخسر رؤوف الابن الذي بدأ يخترق شرنقة الحب الامومي الذي أحاطته به ساعياً لفرض سيطرته على زوجته.. لبسط قوامته على امرأته
دخل رؤوف إلى جناحهما وهو ما زال يتمسك بذراعها بقوة, رغم أنها آلمتها إلاأنها أسعدتها..
ولكنها أخفت تلك السعادة بسرعة وهي تستعد لمواجهته: ـ رؤوف.. لماذا تصرفت بتلك الطريقة؟.. فأنت لم تدع لي فرصة لمناقشتك عنآثارا هاتفتني.. لقد أغلقت الخط مباشرة.. لقد كنت أرغب حقاً في البقاء مع سهير.. كنا على وشك
التخطيط لسهرتنا الليلة.
ضغط رؤوف على اسنانه بشدة:
ـ نو ار.. أرجو ِك.. أنا لست أبله.. ولا أنت ..انت متأكدة تماماً أنني ما كنت أسمح لك بقضاء الليلة خارج البيت
. سألته ببراءة كاذبة وهي ترمش بعينيها: ـ لماذا؟.. فأنا كنت سأقضيها وحيدة كالعادة؟..
سأل بحدة: اذا … . ذلك كان تأديبك لي؟.. ـ
_
استمرت في ادعاء البراءة: ـ تأديب!!.. لماذا تظن ذلك؟
لقد كانت تلعب لعبة ما.. ربما يكون غير مدرك لابعادها.. ولكن أي لعبة يمكن لاثنين أن يلعباها..
فسألها بنعومة: ـ أعتقد أنك غاضبة لمكوثي في الطابق العلوي في الفترة الماضية أليس كذلك ؟
غاظها رده فاندفعت تهاجمه: ا يانفعالني؟.. فأنت على ما يبدو أصبحت تفضل الهياكل العظمية.. بدلاً الآثاري
.. اشعلت كلماتها انفعاله بسرعة البرق.. فالتمعت عينيه بقسوة وانفعال وتكون قبضته معا وهو يشد عليهما بقوة حتى ظنت أنه سوف ياعتداءها بالفعل تأديباً على كلماتها الوقحة..
بينما تسمرت قآثاراها في الارض بانتظار أن يقع عليها تأديبه كيفما كان,
انطلقت اصوات رنين هاتفه وهاتفها وهاتف المنزل كأنما جميع هواتف العالم قد تواطئت معاً حتى تعفيها مما كان سيلحقه بها.. تجمد رؤوف عنآثارا سمع رنين الهواتف وغمغم بخفوت: ـ جدي!!!
تجمع جميع افراد العائلة حول الطبيب الذي خرج لتوه من غرفة العناية الفائقة وهو يسحب القناع الطبي لألسفل حتى يمكنه الحديث مع هذا الجمع القلق الذي اخترقه ر ؤوف بسهولة وهو يواجه الطبيب مستفسرا ً: ـ
كيف حال الحاج عبد الرؤوف الان؟
سأله الطبيب بهدوء: ـ هل أنت ابنه؟.. ـ كلا.. أنا حفيده
_
أجاب الطبيب بروتينية: المريض في حالة خطرة.. عنآثارا وصل, أظهرت التحاليل وجود جلطة صغيرة في القلب.. لقد تمكنا من إذابتها والحمد الله .. لكن الااربع والعشرين ساعة القاآثارة حرجة.. فلندعو الله أن تمر بسلام, وبعدها نرى ماذا ستكون الخطوة القاآثارة
.. سأله رؤوف بصوت متحشرج: ـ هل سيكون بخير؟..
ـ إنه رجل عجوز قوي.. وأنا أتوقع أن ينجو بإذن الله
ثم وجه كلماته لجميع الموجودين: ـ يفضل أن تذهبوا إلى المنزل.. أو حتى تنتظروا بالكافيتريا.. فوقفوكم هنا لا داعي له.. قال الطبيب كلماته وابتعد عنهم..
فتصاعدت أصواتهم وهمهماتهم.. فارتفع صوت رؤوف ليسكتهم وهو يشرح لهم ما قاله الطبيب بالتفصيل ويطلب منهم الذهاب للمنزل.. ولكنه قوبل باعتراض الجميع وأولهم عمته قمر التي تجمدت آثاروعها في عينيها وهي تقول:
ـ لن أبرح مكاني حتى يفيق أبي واطمئن عليه.. تعالت الاصوات توافقها..
بينما رؤوف يحاول اسكاتهم ونورا تراقبه عن بعد.. وهو يحاول السيطرة على الموقف واحتواء الجميع
.. فلمحت عمتها تقترب منه لتتأكد وتطمئن على صحة عبد الرؤوف:
ـ رؤوف.. هل سيكون بخير فعلاً؟.. هل ننقله إلى القاهرة أو حتى يمكن أن يسافر للخارج؟؟
طمأنها رؤوف: ـ لا تقلقي يا عمتي.. فلندعو أن تمر الساعات القاآثارة.. ثم نفكر في القاآثار.. كما قال الطبيب
_
ثم ربت على كتفها: ـ لا تقلقي.. لو تطلب الامر أن آتي له بأكبر وأشهر اطباء القلب سآتي له بهم..
اقتربا منذر وقاسم منه وأخذا يتهامسا معه لينسق معهما خطط العمل لليوم التالي: ـ رؤوف.. هل نلغي اجتماع الغد؟.. أم نؤجله.. أم
.. قاطع رؤوف استرسال منذر: ـ كلا لن نؤجل شيء.. سيتم كل شيء.. وسيتم توقيع العقد بأمر الله
ثم رأته يقترب من ابيها المتكئ على جدار غرفة العناية يتأمل في صمت االجهزة المتصلة بجسد جدها,
فيربت على كتفه بهدوء ويخبره بصوت متكسر: ـ سينجو.. إن شاء االله سينجو..
أومأ والدها بصمت حزين وعيناه مازالت شاخصة نحو الغرفة.. فظهر تأثر رؤوف وقلقه
رغماً عنه, ثم شعرت بحركة خفيفة بجانبها فانتبهت أن نعمات تتحرك متوجهة نحو رؤوف فتبعتها بدون إرادة لتسمعها تحدثه وهي تضغط على كتفع بمؤازرة واضحة: ـ تجلد يا رؤوف…. فالكل يعتمد عليك.. فحاول السيطرة على قلقك.
أومأ رؤوف يوافقها.. ثم أغمض عينيه للحظات قليلة وهو يخبرهما: ـ سأذهب إلى الحسابات لاترك بعض المبالغ المالية
.. سارعت نورا تجاوبه: ـ سآتي معك.. وتحركت بسرعة ترافقه حتى لا تدع له فرصة للاعتراض..
بعد أن أنهى المعاملات المالية مع قسم الحسابات في المستشفى..
_
تعلقت بذر اعه وهي تسأله: ـ أين ستذهب؟..
أجابها بسخرية تقريباً: ـ إلى أين تعتقدين؟..
سنعود لنكون بجوار جدي..
كانت طوال الوقت الذي أخذه في انهاء المعاملات المالية تفكر في طريقه لتبعده عن الجمع المتحلق حول جدها.. فالكل واحد منهم يطالبه بشيء ما.. ولم يهتم أي منهم بالاطمئنان عليه هو.. كيف يشعر؟.. كيف يفكر؟..
وهو يرى الاب الوحيد الذي يعرفه يضيع منه؟.. وهو يفقد الاب للمرة الثانية؟..
لذا فقد اقترحت عليه بسرعة: ـ ما رأيك أن تأتي معي لبيت جدي حتى أحضر له بعض الاشياء التي سيحتاجها عنآثارا يفيق بإذن الله؟..
اجابها بتبرم: ـ نو ار.. ليس هذا الوقت المناسب.. يمكنك الذهاب مع عمتي لاحقاً
. أصرت على موقفها: ـ ولكنك أكثر من يعرف ما الذي يحتاجه جدي… وما يرغب بأن يراه عنآثارا يستفيق.. هيا.. لن نتأخر..
عارضها مرة اخرى: ـ نورا.. لكن.. لا أستطيع تركهم والذهاب هكذا
اجابته بلهجة مقنعة:
_
ـ لن نتأخر.. الموضوع لن يستغرق دقائق.. كما يمكننا أيضاً تجميع كل التحاليل والاشعة السابقة الخاصة بجدي.. قد يحتاجون إليها لاحقاً.
اقتنع بكلامها الذي وافق شعو ار تمثله من خطوة ً بداخله يحثه على الهرب من المستشفى وما على الطريق لفقدان وحرمان جديد
… وصلا سريعاً إلى قصر الجي ازوي وتحرك رؤوف متوجهاً نحو غرفة جده بينما ـ سألته نورا:..
هل أعد لك قدح من القهوة, حتى تنتهي من جمع أشياء جدي؟
اجابها بامتنان:. ـ سيكون ذلك ارئعاً.. شكرا لك
توجه إلى غرفة جده بخطوات سريعة سرعان ما تباطئت أمام غرفة جده وهو يفتحها ببطء وتردد كأنه
لا يستطيع تصديق أنه لن يجده خلف ذلك الباب.. لن يستقبله بتلك النظرة المتفحصة التي تصل لاعماقه وتكشف ما بداخله بسهولة..
قد لا يكون أغدق عليه الحنان أو أسرف في بثه عواطفه ولكنه الاب الوحيد الذي امتلك يوماً…. ربما لم يشعر عند وفاة والده بقسوة تلك اللحظة فلقد كان أصغر سناً من أن يدرك ذلك الحزن.. ولكن ان يفقد جده الان , يشعر أن ذلك يآثارره.. يفقده توازنه.. يدخله في دائرة حرمان جديدة.. احساس جديد بالفقد.. ودوامة أخرى من المشاعر
أعدت نورا قدح القهوة كما يحبها رؤوف وتوجهت نحو غرفة جدها لتجده واقفاً في نافذة الغرفة شاردا لها.. ً عما حوله ويقبض بشدة على مسبحة الجد وكأنه يستدعيه من خلالها
وضعت قدح القهوة على إحدى الموائد الجانبية وتوجهت لتقف خلفه وتلف ذر اعيها حوله تضمه لها بقوة وهي تهمس:
_
سيكون بخير.. سيكون بخير..
وافقها بإيماءة بسيطة من رأسه وهو يضم نفسه لها فأحكمت ذراعيها حوله و هي تسأله: ـ هل أنت بخير؟.. كيف تشعر؟
.. أجاب بخفوت: ـ لا أعلم..
عادت لتسأله: ـ هل الامر بتلك الصعوبة؟.. أن تعبر عما تشعر به.. عما يجول بداخلك؟..
لم يجبها فضغطت على صدره تطالبه بمواجهتها.. و هي تجيبه عن سؤالها: ـ شعورك بالقلق والقلق من فقدان جدي لا يقلل من هيبتك.. ولا يضعف من شخصيتك..
أدارت جسده وهو مازال بين ذراعيها حتى أصبح في مواجهتها فلمحت ملامح وجهه المنقبضة والقلق العاصف المختلط بشعور بالضياع ولاول مرة تلمحه في عينيه.. لم تعرف كيف تتصرف.. فخبرتها في الحياة لم تؤهلها للتعامل مع موقف بهذا التعقيد
فقررت اتباع غريزتها تلك التي أخبرتها أنها يجب عليها أن تمنحه الراحة والامان.. فضمته بقوة وهي تلف ذراعيها حول عنقه:
ـ حبيبي.. من غير الممكن أن تظل قوياً طوال الوقت.. يجب أن تسمح لنفسك بقليل من القلق والقلق.. والحزن.. لا تحرم نفسك من الاحساس بتلك المشاعر الانسانية
.. ضمها بقوة وهو يرفعها بين ذراعيه ويهبط بها على الفراش.. يضم نفسه اليها ويخفي وجهه في صدرها
وبينما هي تمرر أصابعها على خصلات شعره بحنان شعرت بآثاروعه تجري ساخنة .
_
الفصل الثالت عشر
فتحت نورا عينيها ببطء لتقابلها ملامح رؤوف وهو ينظر إليها ببرود.. وسمعته يأمرها بجفاء:
استعدي بسرعة, فيجب علينا العودة سريعاً للمستشفى.
سألته بقلق وهي تتغافل عن جموده:
ـ هل جدي بخير؟..
رد باختصار قبل أن يغادر مسرعاً:
كما هو
. صآثارت نورا من تصرفه وانصرافه السريع.. ماذا يحدث؟.. لقد ظنت الليلة الماضية أنهما عبرا مرحلة البرود والجفاء بعد سقوطه بين ذراعيها يذرف آثاروعه على صدرها..
وسقطت كل الحواجز التي كان يشيدها ببسالة حول مشاعره لينكشف لها الطفل الخائف من ألم الحرمان واليتم مرة أخرى.. لم يفاجئها انهياره بقدر ما صآثارها قوة هذا االنهيار وهو ينتفض باكياً بين ذ ارعيها كطفل صغير يخشى فقدان عائلته.
ألجمتها الدهشة للحظة الا أن غريزتها سرعان ما دفعتها لتحتضنه بقوة وهي تربت على كتفيه وتملس خصلاته الثائرة كجسده الذي كان ينتفض بفعل شهقاته العنيفة
_
.. لم تحاول أن تتكلم.. فكل الكلام لا معنى له أمام انهياره العنيف..
فتركته يفرغ كل ما بداخله على صدرها وهي تكاد تحبس أنفاسها تخشى أن يشعر بوجوده بين ذراعيها.. يتذكر أنه يضغطها بجسده في الفراش فيمتنع عن إفراغ شحنة حزنه وألمه.. تريده أن يتخلص من تلك الشجون فهو لن يتحمل المزيد..
عيناه التائهتان والجميع يلتف حوله في المستشفى يسأله المشورة أخبرتاها بوضوح أنه وصل إلى حافة تحمله,
لذلك أصرت على البعد عنهم بأقصى سرعة وليظنوا ما يحلو لهم.. هو ما يهمها.. وهو فقط..
لقد أوشك على الانهيار بالفعل ولم تكن تسمح لاي شخص أن يشهد ذلك الانهيار, وما هي متأكدة وهو لم يكن ليسامح نفسه لو سقط .. منهارا أمام أي شخص وما هي متاكده منه أنه لن يسامحها لانها شهدت لحظة ضعفه
.. بدأت شهقاته تهدأ قليلاً.. فعلمت أنه بدأ يعود للواقع ويدرك ما قام به..
مرت فترة سكون كادت أن تسمع فيها صوت الهواء وهو يتحرك في الغرفة.. فسكنت تماماً تنتظر ثورته, الا أنها شعرت بذراعيه تشتدان حولها لتضمها إليه و
لكن هذه المرة لم تكن ضمة مواساة.. لم يكن يبحث عن دعم ذراعيها, بل عن عاطفتها.. عن تجاوبها..
وتأكدت من ذلك عنآثارا تحركت شفتاه على صدرها تنشر قبلات لاهبة وهو يزيد من ضغط ذراعيه حولها حتى كادت أن تشعر بعظامها تتفتت من قوته… أدركت أنه غير مدرك للقوة التي يستخآثارها
فبدأت تمسد شعره برقة وهي توزع قبالتها على وجهه تحاول أن تمنحه الراحة والحنان حتى يخفف من القسوة التي يعاملها بها ولكنها سرعان ما وجدت شفتيه تزحفان لتصال إلى شفتيها فيضغطهما بحدة غريب عليه.. همست بضعف: ـ رؤوف…
_
وصلها صوته وهو يقول بشراسة حارقة:
ـ أحتاج ِك يا قمري.. أحتاج ِك بشدة..
كان صوته يحمل نبرة يائسة وهو ما يزال يتمسك بها بقوة.. ولاول مرة يشعرها بحاجته اليها
بل ويصرح بذلك أيضاً فلم يكن أمامها الا الاستسلام له تمنحه ما يحتاج من سكينة وراحه وحب.. حبها الذي همسته له عدة مرات وهو لم يمانع في سماع تلك الهمسات, بل كلما همست له بحبها كان يزداد جنوناً واندفاعاً نحوها.. اندفاعه اتسم بالحدة, بل القسوة.. لاول مرة تلتمس منه تلك القسوة في علاقتهما الحميمة.. وكأن لمساته خرجت عن سيطرته, فبدلا
من الحماية والدلال والشغف الذي تستشعره منه دائماً.. تلقت القسوة والالم..
انتهى جنونه سريعاً فاستلقى على ظهره لاهثاً وهو يغطي عينيه بذ ارعه يخفيهما عنها وكأنه غير قادر على مواجهتها بعد تلك العاصفة التي سحبها إليها.. فهو لاول مرة يفكر في نفسه أولاً.. ويأخذ كل ما تهبه إياه بدون أن يفكر بالعطاء في المقابل..
لقد تصرف مثل وغد أناني وهو يكره نفسه لذلك.. لكنه كان بحاجة إليها بشدة.. حاجة لم يستطع تفسيرها, بل لم يرد ذلك.. فهو لم يكن في احتياج المرأة.. لعلاقة.. بل لوجودها هي معه ولاحساسه بها بين ذراعيه,
وكأنها تقرأ أفكاره.. وجدها تحرك رأسها لتضعها على كتفه وشعر بيدها الصغيرة تتسلل بهدوء على عضلات صدره وهي تهمس بخفوت: ـ هل تعلم شيئاً؟..
لم تنتظر إجابته واسترسلت: ـ ليلة زفافنا.. عنآثارا اكتشفت أن جناحنا يقع في الطابق الارضي.. انتابني انفعال شديد
فقد شعرت بالاهانة وبإصابة طفيفة عميق لكبريائي حتى أنني توعدتك سرا وأقسمت أن أجعلك تطلب مني اللانتقال إلى الطابق الاعلى لاتخذ مكاني الملائم كسيدة للمنزل… مثلها تماماً..
_
نظر إليها باستفهام وهو ما زال متمسكاً بصمته..
فحركت راسها قليلا لتضعها على صدره قريباً من قلبه فكاد صوت دقاته العالية والسريعة أن يصم أذنيها وأكملت سرد قصتها: ـ
لقد فكرت في التراجع عن قسمي لاحقاً وخاصة بعآثارا لمحت الحديقة الداخلية التي تربط الجناح بغرفة مكتبك.. فهي رائعة, بل مذهلة لقد أحببتها على الفور.. ولكن ما حسم الامر بداخلي فعلاً.. وجعلني أتمسك بموقع جناحي بالطابق الارضي.. اكتشافي أنني استطيع مراقبتك والاطمئنان عليك من خلال نافذتينا المتواجهتين.. فمراقبتي لك وأنت تعمل..
وخاصة في الايام التي بعدت عني فيها, هي ما ساعدني على تخطي بعدك وجفائك..
فكان أن فضلت اطمئناني عليك واحساسي بتواجدك معي ولو عن بعد على انتصاري عليها في معركة السيادة على المنزل
… تجمد رؤوف تماماً تحت لمساتها الدافئة وهو لا يصدق ما تحاول إخباره به.. هل تقصد ما فهمه من كلامها؟!!.. هل تقصد أنها فضلته عن نفسها.. أنها قآثارته هو على كبريائها!!.. هل هذا صحيح؟.. هل يمثل لها تلك الاهمية!!..
وللمرة الثانية ترد على أفكاره التي لم ينطق بها وهي تتمتم: ـ أنت أهم وأغلى عندي من كل شيء…
فقط صدق هذا.. تلك المرة عنآثارا لفها بذ ارعيه مقرباً إياها من صدره ومرتشفاً رحيق شفتيها.. كانا بالفعل يتبادلان الحب
.. حاولت نورا سحب نفسها من ذكريات ليلتها الحافلة فأغمضت عينيها تعتصرهما حتى لا تجري آثاروعها على وجنتيها وهي تكمل استعدادها حتى تصطحبه للمشفى محدثة نفسها بألم.. “إلى متى؟… إلى متى تمتد حلقة جفائك التي لا تريد كسرها ولا تسمح لي باختراقها؟
“. تحركت بألم تبحث عن رؤوف الذي كان يجوب الطابق السفلي كمن مسه الجنون.. اعتداء إحدى الموائد الجانبية بحدة شديد مما تسبب تكسير بعض التحف التي سقطت أرضاً.. كان الانفعال يمزقه, بل يحرقه حرقاً.. كيف سمح بما حدث الليلة الماضية؟.. كيف يسمح لنفسه بهذا الانهيار.. وأمامها.. بين ذراعيها!!..
_
هي من دون الجميع تشهد على آثاروعه.. على لحظة ضعفه وانهياره..
لقد ظن أنه يملك بأس وثبات جده,
الذي تلقى خبر وفاة ولده وهو ثابتاً.. صامدا وربط الجأش.. ولكن أثبتت الايام أنه ضعيف, بل أضعف مما تخيل يوماً, فلقد سقط منهارا عند تفكيره أنه قد يفقد جده لم يتخيل ان ينانه هذا الشعور … لقد شعر بالهلع ..بل الذعر حتى أنه لجأ إلى ذراعيها يلتمس الدعم منها والراحة على صدرها..
هل انغماسه بها الليلة الماضية كان هروباً من هلعه.. فرارا من ضعفه الذي لمسه لاول مرة لليلة الماضية وهو يواسي الجميع ويحل مشاكلهم, بينما كان في أعماقه يتوق لربته رقيقة تطمئنه وتهدأ من مخاوفه.. لضمة من صدر حنون تخبره الا يخاف ولا يجزع..
حتى نعمات.. حتى مواستها له جاءت رسمية وهي تحثه على الصمود من أجل الجميع..
هل لهذا السبب لم يلجأ لنعمات تلك المرأة التي استوعبته لسنوات… كلا.. لقد أراد نورا.. تاق إليها.. كان بحاجتها مهما حاول أن يهرب من تفسير ما شعر به أو يخدع نفسه بأن اندفاعه الغير مسبوق نحوها كان سببه طول فترة بعده عنها.. الا إنه لن يستطيع إنكار السلام الذي وجده بين ذراعيها.. والراحة التي منحتها له بدون حساب.. وهو ينهل من حبها, يأخذ كل ما تمنحه إياه كيف له أن يواجه عينيها بعد ما شعرت بحاجته إليها التي صرح بها بكل وضوح ليلة أمس, وحتى بعد اعترافاتها المتوالية بالحب.. يجد نفسه الان في الموقف الاضعف وهروبه من متغاضياً عن العطاء
كيف له أن يواجه عينيها بعد ما شعرت بحاجته إليها التي صرح بها بكل وضوح ليلة أمس, وحتى بعد اعترافاتها المتوالية بالحب.. يجد نفسه الان في الموقف الاضعف وهروبه من أمامها منذ قليل هو أكبر دليل على ضعفه ذاك.. لقد انكشف أمامها.. تعرت روحه تماماً.
خرج الطفل الخائف بداخله إلى العلن وكانت هي من أخذت بيده لتخرجه من عدم عدالةات الحرمان إلى ضياء الحب والاحتواء.. ولكن يبقى السؤال الصعب.. كيف يمكن لاي رجل
بحدةوانه أن يواجه امرأته بعد أن بكى بين ذ ارعيها كالطفل الخائف؟.. امرأته التي تقف بعيدا الان مترددة ولا تعرف كيف تتواصل معه.. تحاول الا تشعره بوجودها.. تريده أن ينفث عن عصبيته وانفعاله
قبل أن يذهبا معاً ويواجها الجميع باختفائهما الغير مبرر.. والذي لن يمر بسهولة… ولكنها لم تعلم أنه شعر بها منذ أن خطت بقآثاريها خارج غرفة جدهما..
_
جفلت عنآثارا وصلها صوته: ـ مستعدة؟
.. أجابته بخفوت: ـ نعم
.. ما أن وصلا إلى المشفى حتى اندفع إليه منذر وقاسم يسأالنه بلهفة: ـ رؤوف!!.. أين كنت؟.
أجاب بغموض: ـ ذهبت إلنهاء بعض المهام الخاصة بالعمل.. هل جد جديد؟..
سأله قاسم بغيظ وهو يرمق نورا بنظرة ذات معنى: ـ وهل أخذت تلك المهام الليل بأكمله؟.
شيئاً ما في نبرة قاسم لم ترق لرؤوف.. أو ربما في نظتراه نحو نورا التي ألصقت نفسها به.
مما دفعه للرد بجفاء: ـ هذا شأن خاص بي..
عاد قاسم يتأمل نورا مرة أخرى وهو يخاطب رؤوف بطريقة مستفزة: ـ يبدو أن تلك المهام كانت عاجلة بالفعل.. ولم تستطع الانتظار لادائها..
ضغط رؤوف على أسنانه بغيظ وقد وصله المغزى من كلام قاسم ولكنه قرر تجاهله: ـ يجب أن يتواجد أحدنا بالشركة اليوم,
فلتذهب أنت يا قاسم..
_
أجاب قاسم بحدة: ـ ولماذا أنا؟.. ـ
أنت المسئول عن الشئون القانونية, ويجب أن تراجع العقد الخاص بالصفقة األخيرة.. ماذا بك؟.
أجابه قاسم بحدة: ـ كلا.. سأبقى.. سأجري عدة مكالمات الاسوي الامور.. ولكني لن أذهب..
كانت نعمات تراقب ما يحدث عن بعد.. واستطاعت أن تفهم من تعابيرهم أنهم يتجادلون حول أمر ما.. لم تهتم بهذا, فما لفت انتباهها هو ملامح رؤوف المبهمة.. ولغة جسده الغامضة.. فهو يبدو محتدا وعصبياً, ولكن في نفس الوقت مسيطراً وهادئ بل يكاد يكون مسترخياً قليلاً عن ليلة أمس.
نقلت بصرها إلى السمراء الصغيرة بجانبه تلاحظ أن ملامحها تنطق بالاهتمام والقلق وهي ترمقه بنظراتها الجانبية, فأدركت أن نو ار هي من سحبته من بينهم جميعاً لتستأثر به لنفسها..
تحركت نحوهما وهي تستشيط انفعالاً من اختفائه ليلة أمس.. وانعكس هذا على لهجتها الحادة:
ـ رؤوف.. أين كنت؟
. أجاب بحدة: ـ ماذا بكم جميعاً؟.. هل يجب أن أتواجد أمامكم طوال الاربع والعشرين ساعة؟!!.. ألا أستطيع الحصول على بعض الراحة؟..
تلعثمت نعمات أمام حدة رؤوف: ـ
بالطـ.. ـبـ.. ـع.. ولكني لم أعتد اختفائك في الاوقات العصيبة..
_
أجاب بانفعال وهو : يتحرك مبتعدا ـ لكل شيء بداية..
ثم ما لبث أن عاد وكأنه تذكر أمًرا ما.. فسحب نو ار من ذ ارعها.. متوجهاً نحو عمه.. تاركاً نعمات وهي تتميز غيظاً وغلا
خاطب نو ار بحدة فهو يريدها بعيدا عن قاسم.. بعيدا جدا :
ـ انتظريني هنا
.. أجابت في خفوت وهي متعجبة من تصرفه: ـ حسناً
.. بعد أن اطمئن من الطبيب المختص بحالة جده أن وضع هذا الاخير مستقر.. وأنه على وشك نقله إلى غرفة عادية بدلاً من غرفة العناية المركزة.. خرج إلى حديقة المشفى ومشهد قاسم وهو يرمق نورا بتلك النظرات الغريبة.. يتكرر في ذهنه مرارا تلك ً وتكر ارً.. ماذا و ارء تلك النظرات؟.. وهل كانت موجهة نحو نورا فقط؟.. أم نحوهما معاً, ردا علي غيابهم الطويل ؟
ـ هل هذا ما طلبته منك يا رؤوف؟
.. التفت ليجد نعمات تواجهه وملامح الانفعال تبدو عليها..
فسألها بحيرة: ـ ماذا هناك يا نعمات؟..
أجابته بانفعال:
_
ـ ألم أطلب منك أن تحافظ على كرامتي وخاصة أمام… زوجتك؟..
أجابها بإرهاق وهو يمسح وجهه بكفيه: ـ نعمات.. من أجل الله.. هل تظنين أن الوقت مناسب لحوار كهذا؟
.. أجابته بغيظ: ـ وهل كان الوقت مناسب لتختفي مع … زوجتك.. لتفعلا ما يحلو لكما؟..
انتفض جسده بدهشة من قولها.. وأخذ يتأملها للحظات.. يعلم أنها غاضبة لاختفائه ليلة
امس ولكنه لا يدري لما لم يشعر بتعاطف مع انفعالها هذا ويبلا ً من ذلك أجابها بهدوء:
لا الوقت ولا المكان مناسبين للحوار الذي تريدينه..
قطع كلامه وصول نورا اللاهث: ـ
رؤوف.. لقد استفاق جدي… وهو يطلب رؤيتك.
ازاح نعمات من طريقه متوجهاً نحو جده, وتبعته نورا ولكن نعمات استوقفتها:
لا تظني انك ستمتلكينه, فقط لانه مهووس بجسد ِك الشاب.. ـ
_
رمقتها نورا باشمئزاز من عباراتها واستمرت في طريقها.. لكنها التفتت لتقول من خلف كتفها: ـ لاتجعليني أفقد آخر ما أكنه لك من احترام
وقف رؤوف على باب غرفة جده مترددا في الدخول إليه.. لا يريد أن يراه في تلك الحالة الضعيفة.. صحيح أن جده مر ببعض الازمات الصحية من قبل, الا أن تلك الازمة الاخيرة كانت أشدهم.. وأكثرهم خطراً على حياته..
سمع صوت جده يناديه بخفوت: ـ رؤوف.. تعالى يا بني.
. تقآثار رؤوف بسرعة.. وركع بجانب الفراش:
حمدلله على سلامتك يا جدي.. لقد أثرت قلقنا جميعاً. ـ
ربت الجد على كتفه بحنان: ً اآلن, ـ لا تقلق ولا تحزن يا بني.. فأنت لم تعد وحيدا فلديك زوجة وقريباً سيكون لديك أبناء أيضاً.. لقد طلبت رؤيتك الان لاسألك شيئاً يا رؤوف.
سل ما تشاء يا جدي.
سعل العجوز بجهد: ـ رؤوف.. أريدك أن تسامحني يا ولدي.. فأنا أعلم أنني عدم عدالةتك..
قاطع رؤوف كلام جده وهو يقول: ـ
أنت لم تجبرني على شيء يا جدي.. أنا كنت موافق على كل شيء.
_
ـ هل ترى أنني لم أجبرك؟.. ولكني لم أتح لك الخيار أيضاً
أحنى رؤوف رأسه ليقبل يد جده قائلا
ـ دعك من هذا الكلام الان .. فصحتك هي الاهم.. وتأكد لو أن الزمن عاد للوراء لم أكن لاغير شيء مما حدث..
تمتم جده بخفوت: ـ بارك الله فيك يا بني.. آمل أن تكون شموس بنفس سماحتك.. هل هي بالخارج؟.. ـ
نعم يا جدي
. ـ اطلب منها أن تأتي هي الاخرى..
دخلت شموس إلى غرفة العجوز بخطوات مترددة يرافقها عبد السلام , ولكن ما أن رآه والده حتى طلب منه أن يدعه مع شموس بمفردهما….
تأففت نورا بضيق وهي جالسة بجانب سهير أمام غرفة جدهما
: ـ يا الهي.. أصبحت لا أطيق رائحة تلك المطهرات.. لقد مر أكثر من شهر.. ألن يسمحوا لجدي بالخروج من ذلك المكان؟.
. ردت عليها سهير بنزق:
_
ـ لماذا تصرين على الحضور يومياً, اذا كنت تنزعجين هكذا من رائحه المسشفي
جابتها نورا بغيظ وهي ترمق رؤوف ومنذر وهما يقفان مع إحدى الممرضات والتي توزع ابتساماتها بسخاء للرجلين:
ـ وهل أتركه لتلك الحرباء التي تستمر في مغازلته بلا هوادة؟
. سألتها سهير بخفوت: ولم تقلقين؟ إن رؤوف ال يبدي أي اهتمام بها
.. “بعكس منذر الذي يبدو كالابله أمام محاوالتها الحقيرة
“. كان هذا ما قالته سهير في نفسها.. بالطبع لم تسمعه نورا التي هبت فجأة من مكانها,
فسألتها سهير: ـ أين تذهبين؟.
أجابتها نورا بغيظ: ـ ألا ترين تلك الحقيرة؟… سوف أذهب لاإيذاءع عينيها..
وجهت سهير نظرها حيث تتجه نورا,
فوجدت تلك الممرضة تمسد ذراع رؤوف كما لو كانت تنظف كمه من بعض الاتربة الوهمية.. ولكن الحق يقال كان رؤوف يحاول جذب ذراعه
_
منها بشدة عنآثارا وصلت إليهما نو ار والتي كانت تحمل كوباً من الشاي الساخن لا تدري سهير من أين التقطته في طريقها لهما
.. أدركت سهير ما تنتويه نورا وتحركت مسرعة لتمنعها..
ولكن ما أن اقتربت منهم حتى لالحظت أن نورا ترنحت فجأة وتمايلت نحو الممرضة ليسقط كوب الشاي بمحتوياته الساخنة على زيها لالبيض النظيف,
وهي تشهق من الدهشة: أيتها الغير متزنة ماذا فعلت
أجابتها نورا ببراءة مزيفة: ـ آسفة.. أظن أنني أصبت بدوار بسيط..
يبدو أن الاجواء هنا تسبب لي الغثيان..
ابتعدت الممرضة في غيظ بعد أن فهمت تلميح نورا المزدوج
بينما سألها منذر بعتاب: ـ لما فعلت ذلك يا نورا؟.. إن وداد طيبة القلب وتولي جدي رعاية خاصة..
استفهمت نورا: ـ وداد؟!!!.. أتقصد تلك الحـ.. تلك الفتاة؟.. نعم أرى أنها تولي الجميع رعاية خاصة!!..
ثم وجهت كلامها إلى رؤوف: ـ أليس كذلك؟
_
.. تأملها رؤوف للحظة.. ليدرك أنها تشعر بالغيرة.. ولكن لم؟.. هل تظن أنه يهتم بتلك
الفتاة؟.. إنه لا يهتم الا بها هي.. وهي تعلم ذلك جيدا …. . لحظة.. هل تعلم ذلك بالفعل؟..
هز رأسه بحيرة.
. بالطبع تعلم.. فال يعقل الا تشعر كم هي غالية وأثيرة عنده…
ـ رؤوف!!.
انتبه من شروده وهو يقول: ـ أعتقد أنها ممرضة بارعة.. لقد أوصى الطبيب بها كمر افقة طبية.. لجدي في المنزل
. شحب وجه سهير
بينما شهقت نورا بحدة: ـ ماذا؟.. كلا هذا مستحيل
.. أجاب رؤوف بجفاء: ـ إنها ممتازة.. وكما قال الطبيب هي الافضل.. وسوف يحصل جدي على الافضل ..لا مجال للنقاش..
ثم جذبها من مرفقها مردفاً:
_
ـ هيا بنا.. لقد تأخرت بالفعل, ولدي مواعيد هامة
. تمتمت نورا بحنق: “الان تأخرت.. وعنآثارا كنت تضاحك الحرباء كنت تمتلك الوقت”.
سألها رؤوف بحيرة: ـ ماذا تقولين؟
.. ـ لا شيء.. هيا بنا حتى لا تتأخر. في السيارة
كان الصمت يلفهما كالعادة, فلقد اعتصم رؤوف بالصمت منذ دخول جده المشفى.. واقتصرت حواراته مع نورا.. على كلمات معدودة… كانت أغلبها أسئلة منه عما تعرف من معلومات عن لقاء شموس بعبد الرؤوف بالمشفى.. وهي معلومات لم تكن نورا تمتلكها.. لذا كف عن السؤال مرغماً.. ولكنه استمر في التباعد واالنزواء.. بعيدا عن الجميع ومتعلالً بانغماسه في العمل.
هذا أشعر نورا أنهما يدوران في دائرة مغلقة من الجفاء, فهو عاد لسابق عهده قبل دخول جدهما المشفى.. ولكن الفارق أنه لم يمتنع تلك الفترة عن الدخول إلى جناحهما.. بل العكس هو الصحيح.. فما يظهره من جفاء وبرود طوال النهار.. يتبدل في عتمة الليل إلى جنون, بل هذيان.. فهو يغرقها بعاطفته ليلاً.. يبسط سطوته عليها ويتلذذ باستشعار تأثيره بها ولا يتركها كل ليلة الا بعد أن يسمع اعترافاتها بحبه.. وترديدها لاسمه مع كل نفس تتنفسه.
كانت تتعجب من ذلك في البداية ولم تفهم ماذا أصابه, حتى أدركت أن تلك هي طريقته لينسيها انهياره وآثاروعه بين
ذراعيها.. يريد أن يفرض تأثيره الرجولي عليها ويرسخه مزيح من ذهنها أي أفكار قد تروادها عن ضعفه أو هشاشة نفسيته نتيجة مرض جدهما
.. لقد كان يستغلها, بل يستغل حبها له, يستعمله ضدها..
صآثارها ذلك الاكتشاف في بدايته, ولكنها تفهمت حاجته كرجل لان يظهر الاقوى وأمامها هي بالذات.. هي الزوجة التي
_
تصغره بعدد من السنوات.. والتي كانت تراه دائماً كرجل صلب ومسئول.. فقررت أن تمنحه قليلاً من الوقت حتى يظن أنها نسيت لحظة ضعفه, وبعدها لن تسمح له باستغلال ما تكنه له من حب وعشق.. لن تجعله يبتذل ذلك الحب أو يتجاهله.. أفاقت على هزة من يده لتنتبه أنهما وصال بالفعل أمام باب الفيال وعلى ما يبدو أنه جالس يتأملها منذ فترة.. أجلت صوتها وهي تقول: ـ سوف أذهب.. إلى اللقاء.
أجابها بهزة من رأسه وهو يراقبها تترجل ببطء, يبدو أنها مجهدة بالفعل ولم تكن تتظاهر في المشفى.. راقب خطواتها المتعثرة ليفاجئ بها تتمايل بشدة غير قادرة على الوقوف فقفز مسرعاً من السيارة ليتلقفها بين ذ ارعيه قبل أن تسقط أرضاً.
حملها برفق حتى وضعها على فراشهما.. وهو يتأمل ملا محها الهادئة بوداعة.. تختلف عن شراستها منذ قليل مع وداد..
يا الهي.. لقد سقط قلبه بين ضلوعه مع سقوطها أرضاً.. هل هي مريضة فعلا؟.. إنها لم تكن على ما يرام في الفترة الاخيرة.. كما أنها تبدو شاحبة جدا … ولكنها أيضاً جميلة جدا …. هي تبدو ناعمة ووديعة, بل رائعة.. شعرها الغجري الذي فتنه من أول لحظة وهو يستنشق رائحته, لحظتها عرف كيف ممكن للرجل أن يعشق شعر امرأة, أنفها الصغير المتكبر.. وشفتيها.. ـ آه.. همسة صغيرة منها أفاقته قبل أن تشطح به أفكاره بعيدا , فتحرك ليتناول إحدى العطور
ويرشها برفق أمام أنفها حتى تستفيق
… رمشت بعينيها ببطء وهي مازالت تتأوه وتحرك رأسها برفق: ـ آه.. ماذا حدث؟.. أين أنا؟
.. أجابها بقلق:
لقد فقدت وعيك ؟ ماذا بك ؟ هل انت مريضه فعلا؟
أجابته بإرهاق: ـ لا أعلم.. يبدو أن رائحة المشفى أصبحت تزعجني بشدة.. لقد شعرت ببداية الدوار في اللحظة التي وصلت بها للمشفى.
رفع حاجبه وهو يسألها: اذا مشهد سكب الشاي لم يكن متعمدا ـ
_
اجابته بغيظ: ـ طبعاً.. انا شعرت بالدوار بالفعل ألا كنت قذفت بمحتويات الكوب في وجهها وليس على ردائها ..
كتم ضحكته بصعوبة.. إنها دائماً تنجح في استخراج البسمة منه.. وربت على شعرها يهدئها:
ـ حسناً.. اهدئي.. اهدئي..لا داعي للانفعال
أجابت بغيظ: ـ لا داعي لالنفعال!!.. ألم ترى كيف كانت تلك الحرباء تتمسح فيك؟..
وأنت سمحت لها بذلك.
أمسك ذقنها بأصابعه وهو يضغط عليها برقة:
لا تدعي غيرتك تعميكي عن الحقبقه …. انت تعلمين جيدا انني لا اسمح بذلك
ـ من السهل عليك قول ذلك.. فأنت لا تعرف الشعور بالغيرة
.. ثم تحركت لتنام على جانبها: انا اشعر بالنعاس.. أعتقد أنني سأخلد للنوم قليلاً ـ
فوجئت به يلفها بذراعيه وهو يعدل وضعها حتى تصبح رأسها على ذراعه وذراعه الاخرى يمسد على شعرها بحنان وهو يقول لها: ـ نامي يا نورا.. ارتاحي يا طفلتي
_
.. وهمس لنفسه.. وما ادراك انني لم اعرف شعور الغيره ؟ انا لم اعرف هذا الشعور الامعك انت يا قمرى
في مرحلة ما بين النوم واليقظة تعجبت نورا من احتضانه الحنون لها حتى أنها ظنت أنها تتخيل ذلك.. وأن حلمها الذي يصاحبها في الفترة الاخيرة يتحقق ورؤوف يضمها لصدره فقط كي يشعرها بالراحة بدون محاولته لفرض سيطرته الرجولية عليها..
أخذت شموس ترتشف الشاي بهدوء وهي مدركة لنظرات عبد السلام المركزة عليها.. فهو على مدار الشهر الماضي وهو يواصل ضغوطه عليها لتخبره بما تم بينها وبين والده, وهي تراوغ وتتهرب منه.. حتى نورا ابنتها ظلت تلح عليها لتعرف ولكنها أسكتتها تماماً عنآثار اتهمتها أنها أصبحت تعمل كجاسوسة لصالح رؤوف زوجها.. لكن عبد السلام لا يكل ولا يمل يرغب في المعرفة وهي تثابر على التملص من أسئلته
.. ابتسمت لدى تذكرها كلمة عمها
لطالما ظنت انك الاقوى والاذكى يا شموس.. أذكى حتى من قمر ابنتي.. ولم تخيبي ظني قط
“. كانت تلك إحدى جمل الحوار الذي دار بين الاثنين والذي يتوق الجميع لمعرفة تفاصيله… فبعد أن تركها عبد السلام بمفردها مع والده.. تحركت حتى وصلت للمقعد الموجود بجانب الفراش وتمتمت بصوت خافت وبنبرة تكاد تكون رسمية:
حمد لله على سلامتك يا عمي.. ـ
اجاب العجوز وقد يستعيد شيئا من قوته
سلمك االله يا شموس..
ثم سكت قليلاً.. ليتكلم بصعوبة وكأن ما سيقوله في غاية الصعوبة:
_
ـ شموس.. يا ابنتي.. كنت أريد أن… أطــ
…. قاطعته شموس بحسم: ـ كلا يا عمي.. كلا.. أرجوك لا تطلب الصفح والغفران
. سألها بألم: ـ أتستكثرين الراحة على عمك في ايامه الاخيره ؟
أجابت بحدة: ـ
وهل منحي لك الغفران والصفح هو ما سيوفر لك الراحة يا عمي.. لا أعتقد, بل هذا سيزيد من ألمك.. أن تشعر بأنك تسببت لي بالالم والإصابة طفيفة العميق ورغم ذلك كنت أنا من السماحة أن أمنحك صك غفراني.. كلا يا عمي.. سيزيد ذلك من همك, بل من ذنبك.. هل هذا ما طلبته من رؤوف؟.. السماح!!..
أراهن أنه أخبرك أن لا داعي لذلك, وأنه يوافقك على كل قراراتك, أليس كذلك؟
.. قال العجوز بإعجاب:
لطالما ظنت انك الاقوى والاذكى يا شموس.. أذكى حتى من قمر ابنتي.. ولم تخيبي ظني قط
سألته شموس بابتسامة:
لماذا تظن ذلك ؟بسبب رفض عبد السلام الخضوع لاوامرك قديما ؟ هل تعتقد هذا بسببى ؟؟؟
_
رد العجوز ابتسامتها وبدا وأن تلك المناوشة بينهما تزيد من قوته شيئاً فشيء:
ـ أنا لا أظن ذلك.. أنا أعلم ذلك.. وأنت كذلك
ـ أنت تتحدث عن محاولتك الاخيرة لاقناع عبد السلام بالزواج من نعمات.. ذلك الكلام الذي قاله..
لمن قام بالواسطة بينكما..
سأل الرجل بدهشة:انت تعلمين عن ذلك؟!!. ـ
ضحكت بمرارة شموس: ـ عن إرسالك رؤوف حتى يفكر عبد السلام مرة ثانية في أمر تلك الزيجة, خاصة وأن زوجته أصبحت غير قادرة على إنجاب أطفال؟… عن عآثار قدرتك على طلب ذلك منه شخصياً, فلجأت لحفيدك ليكون رسولاً بينكما؟.. عن رفض عبد السلام القاطع لذلك واخباره لرؤوف أنه لن يستبدلني بنساء الدنيا كلها؟.. نعم.. نعم يا عمي أعلم بشأن ذلك.. وأكاد أكون متأكدة أن ذلك هو سبب موافقة رؤوف على زواجه من نعمات قديماً, فالمسكين
شعر أنه خذلك مرة بعآثارا فشل في إقناع عمه بتلك الزيجة
.. قال عبد الرؤوف بلهجة تقريرية:
قمر هي من اخبرتك
ـ نعم.. هي من أخبرتني.. فقد كانت تحاول رفع معنوياتي بعآثارا فقدت ابني..
_
وتهدج صوتها وهي تقول: ـ لقد فقدت ابني يا عمي.. وذلك قضاء االله وقدره.. اللهم لااعتراض
.. تعثرت الكلمات على شفتي العجوز: ـ شموس.. يا ابنتي
.. مسحت شموس بعض الآثارعات التي بدأت تسيل على وجنتيها وهي تقاطعه: ـ لقد أخبرتك يا عمي من قبل.. بالله عليك لا تسأل عن الغفران.. كما أنني متأكدة أن ذلك ليس السبب الوحيد لاستدعائي.. أنت تريد الاطمئنان.. على أحفادك.. الذكور أعني.. منذر ورؤوف.. أليس كذلك؟..
انت تفهميني جيدا يا شموس … لا يعجبني حال الاولاد فهم جميعهم يبدون وكأن التعاسه تعشش فوق رؤوسهم, حتى منذر وسهير..
وسكت قليلا ليضيف بنبرة ذات معنى: العاشقان
ضحكت شموس :بالطبع.. أنت على علم عن ارتباطهما ببعضهما.. فأنت على معرفة بكل شيء.. لكني:
اطلب منك طلب يا عمي .. بلا اتوسل اليك . أن تتركهما يدب ارن حياتهما.. جميعاً بلا أي تدخل.
أرجوك, لا تتدخل
… أومأ العجوز:
لا تقلقي يا شموس فانا متاكد ان احفادى بين يد امينه فبناتك ورثن منك قوتك وضعفك.. نورا تجيد استخدام الوجهين
_
ولكني أطلب ان تعلمي سهير كبف تستخآثار وتستغل قوه تاثيرها على زروجها بدلاً من إظهار ضعف مستمر.. صدقيني.. لن يحتمل زواجها طويلاً.. اعتبريها نصيحة من رجل عجوز
سكتت شموس على مضض فهو محق, سهير تحتاج إلى جلسة مصارحة طويلة.. فأحوالها لا تعجبها بتاتاً
.. انتبهت على صوت عبد السلام يسألها:
ـ ألن تخبريني بما قاله لك والدى ؟
فاجأته بقولها: ـ عبد السلام.. أعتقد أنه يجب أن تحاول محادثة منذر.. وأنا سأتولى الكلام مع سهير.. فوضعهما لا يعجبني..
استيقظت نورا بعآثارا افتقدت ذراعيه من حولها, فتحركت بتكاسل في فراشها.. وهي تتساءل أين هو.. مر بذهنها قوله أنه مرتبط بمواعيد عمل مهمة.. فتأكدت أنه ذهب إلى عمله….. وتركها
احبطت بشدة من تصرفه.. الا يستطيع البقاء معها ويبتعد عن عمله الغالي حتى وهي مريضة!!…
حسناً.. إنها فرصة لتتأكد من ذلك الهاجس الذي يزعجها مؤخرا
تحركت بخفة تفتح أحد أدراج المنضدة المجاورة لفراشها.. وهي تسحب منها تلك العلبة وتخرج منها محتوياتها وتتوجه نحو حمام غرفتها وهي تبتهل إلى الله في صمت..
الفصل الرابع عشر
_
أمسكت نورا العصا البلاستيكية تتأمل الاشارة الايجابية التي تظهر امامها بوضوح تظهر أمامها بوضوح.. حسنا
إنها حامل.. لقد تأكدت االان .. رغم أن شكها كاد أن يصل لليقين.. ولكن رؤية العلامة الايجابية أمامها جعل الامر يبدو حقيقياً أكثر
تهالكت على الارض بجوار باب المكان تحتضن العصا البلاستيكية بشدة إلى صدرها وآثاروعها تتساقط على وجنتيها بدون إرادة منها.. وتحركت يدها لتمسد بطنها بحنان وهي تفكر في طفلها القاآثار, بل طفلهما..
لو صدقت حساباتها فيكون ابنهما تكون في تلك الايام التي قضياها خارج نطاق الزمن في الاسكندريه .. تلك الايام التي شعرت فيها أنهما زوجان طبيعيان يقضيان أجازتهما في عروس الثغر
.. استمرت في تمسيد بطنها وكأنها تريد التواصل مع طفلها.. مشاعر قوية تنتابها نحوه.. حب لم تتخيل وجوده وهي تشعر بوجود ثمرة حبها لرؤوف تنمو في أحشائها, فجزء من حبها لذلك الطفل يرجع إلى أن رؤوف هو والده.. هو من شاركها تكوينه.
أغمضت عينيها تحلم بطفلهما.. رأته يشبه رؤوف.. في كل شيء من عينيه الخضراوين بدء حتى التقطيبة بين حاجبيه.. حنانه.. ورقته.. حتى قسوته التي اختبرتها مؤخرا ً.. هي تعشق كل تفاصيله..لا تستطيع وصف مدى سعادتها وهي تحمل بداخلها جزء منه.. الرجل الذي أحبته بكل قوة ومنحته بلا حدود من حبها وروحها ونفسها..
ترى ماذا ستكون ردة فعله على خبر حملها؟.. هل سيسعد به لانه الوريث الذي تلهث خلفه العائلة بأكملها؟.. أم لان زواجهما سيتكلل بوجوده ليجمعهما معاً.. يدخلهما مرحلة جديدة في الحياة كأسرة صغيرة.. ترغب بشدة أن يفكر فيه كهدية رائعة تتوج بها حبها له,لا كنتيجة حتمية لزواجهما..
دخل رؤوف إلى جناحهما يحمل صينية طعام وكوب من العصير الطازج.. ولكنه فوجئ بها متهالكة على أرض الغرفة, فترك ما يحمله بيده وهرع نحوها؟.. ـ نورا .. نو را … ماذا بك؟
رفعت إليه عينين مغرورقتين بآثاروعها وكل ما يتردد في ذهنها.. “إنه هنا.. هو لم يتركها و يذهب إلى عمله.. إنه هنا
..”. تأمل رؤوف آثاروعها المنسابة بغزارة.. ووجهها المحتقن بشدة وهي تشهق محاولة السيطرة على آثاروعها.. ونزل على ركبتيه ليمد يده ويرفع ذقنها وهو يسألها بقلق: نو ار.. ؟ هل أنت مريضة؟ ـ ماذا بك؟ فازدادت انهما را ً لم تجبه سوى آثاروعها التي استجابت للحنان والقلق .. فعصف به القلق وهو يراقب تلك الآثارعات ولا يجد أي استجابة منها على سؤاله.. فقال بتوسل:
_
نو ار.. قمري.. هل تشعرين بأي ألم؟ هل انت على ما يرام ؟
اكتفت بهز رأسها كإجابة على أسئلته…
فلم تجد داخلها القدرة على تكوين أي كلمات تصف تشعر به حالياً له ما ..
احتار رؤوف في تحديد ما بها وخاصة مع صمتها التام وآثاروعها المنهمرة فقرر أن يحملها للفراش حتى تستريح من جلستها المتعبة على أرض الغرفة,
ولكن ما أن اقترب منها حتى لاحظ يدها القابضة بشدة على شيء ما.. باعد أصابعها برفق ليجد العصا البلاستيكية بيدها, تناولها بدهشة: ـ ما هذا؟.. نورا!!!..
أخي ارً استطاعت إيجاد صوتها فأجابته وسط شهقاتها
ـ أنه.. اخـ..ـتــ..ــبـ…ـار.. حــ..مـ..ل
نتيجة لغزارة آثاروعها.. ظن أن نتيجة االختبار سلبية, فضمها لصدره بقوة.. لا يريدها أن تغرق في دوامة اختبارات الحمل السلبية واللهاث خلف طفل يظنه الجميع هو الامل المنتظر.. من غير المعقول أنها مازالت تعتقد أن كل ما يريده منها هو الطفل: ـ
ولماذا الحزن؟.. فإذا كانت النتيجة سلبية تلك المرة.. فالايام أمامنا كثيرة.. والمستقبل بيد الله.. لا تحزني.. ولا تقلقي أبدا …. لاشيء يستحق نزول د معاتك
شعرت بالراحة والامان وهو يضمها لصدره ويخبرها بتلك الكلمات.. التي أكدت لها عمق اهتمامه بها
_
فأجابته ورأسها مدفون في صدره: ـ ولكن النتيجة إيجابية.. أنا حامل.. سيكون لنا طفل
. “إيجابية!!.. سيكون لنا طفل
“. لم يعرف ما أصابه عنآثارا سمع تلك الكلمات.. شعر أنها تتغلغل بداخله.. سيكون أب
ستمنحه قمره طفلاً.. أخيراً سيكون هناك من ينتمي له هو.. طفله.. طفلهما بعد االان.. إنه سعيد…. أسرتهما الصغيرة.. أخيراً سيمد جذوره عميقاً.. لن يكون وحيدا بل السعادة لا تصف ذرة مما يشعر به, ولكن.. ولكنها تبكي.. لم تبكي؟.. هل حمل طفله يبكيها؟.. هي لا تريد طفله!!.. هل راجعت أفكارها بشأن زواجهما أم ماذا؟..
ترجم أفكاره إلى كلمات وهو يبعدها قليلاً عن صدره ويسألها بقلق: ؟. إيجابية!!… هل تبكين ألن لا تريدين حمل طفلي ؟.. الا ترغبين في الطفل ـ لما تبكين إذا ؟..
عنآثارا سمعت نورا تلك الكلمات منه لم تدري بنفسها الا وهي تنقض على صدره بقبضتيها الصغيرتين تاعتداءه بشدة وهي تصرخ به وسط آثاروعها:
ـ أنت.. أنت أحمق.. أنت غبي.. أبله.. كيف تقول هذا الكلام؟.. بل كيف تفكر فيه!!.. ثلاثة شهور.. ثلاثة شهور وأكثر وأنا لم أكف عن ترديد حبي لك.. ماذا أفعل لك حتى تصدق؟.. ماذا؟
!!!!!!. فوجئ رؤوف بهجومها المباغت وقذائف قبضتيها المتتالية تهوى على صدره بسرعة فاختل توازنه وكاد أن يسقط على ظهره لولا أنه تدارك نفسه في اللحظة الاخيرة ليستند بكفيه على الارض ويوازن جسده
بينما نورا مستمرة في اعتداءه بحدة على صدره وهي تلقبه بالغبي والابله وآثاروعها تنهمر بلا توقف..
طوقها بذ ارعيه بقوة محاولاً السيطرة على حركة ذ ارعيها الطائشة وهو يحملها ليجلسها فوق فخذيه بينما أسند ظهره إلى جانب الفراش..
_
همس في أذنها وهو يضم رأسها إلى صدره: ـ هششششش.. اهدئي.. اهدئي يا طفلتي.. ت
وقفت قبضتاها عن اعتداء صدر ه وقبضتا على قميصه بشدة وهي تغرز رأسها في تجويف عنقه وتتعالى شهقاتها مما دفعه لسؤالها بحيرة وقد أصابه الهلع من آثاروعها: نورا .. بالله عليك .. اشرحى لى ما يحدث.. ان آثاروعك لا تتوقف لانك اكتشفت انك تحملين طفلى؟ فكيف تريدينى افكر انك سعيده
أجابته من وسط آثاروعها: .
ـ ولكنني سعيدة.. سعيدة جدا
سأل بطريقة حادة نوعاً ما:
اذا لم الآثاروع؟انت لا تكفين عن الحزن!!!!!!!!
بعدت رأسها عن صدره وهو تقول بطفولية: ـ لست أدري.. إنها لا تكف عن الانهمار..
اجعلها تتوقف رؤوف.. أوقفها… زاد من ضمها لصدره وهو يربت على ظهرها بحنان مداعباً شعرها وأخذ يقبل آثاروعها برقة يريد أن يمنحها الراحة..
يخشى أن يكون سبب بكائها هو معاملته لها في الفترة الماضية وأن يكون تسبب بدون قصد في أن تكره حمل طفله, بل يخشى أن… تكرهه هو.. لذا عاود سؤالها وكأنه يحتاج للتأكيد:
اذا انت تريدين طفلى ؟ انت سعيده ؟
_
شعرت أنه بحاجة إلى تأكيدها في رغبتها بطفلهما
فأجابته بوضوح: ـ طفلنا.. إنه طفلنا.. واطمئن أنا أريده أكثر من أي شيء في العالم.. وسعادتي لا توصف.. فقط لا أجد كلمات تكفي للتعبير عنها..
ثم سألته بحذر: ـ وأنت؟.. هل أنت سعيد؟..
ضمها إلى صدره بقوة فقد أراحته كلمتها.. “طفلنا”.. جعلته يشعر بانتمائها له هي ومن تحمله بأحشائها
ضاع منه كل ما كان يتظاهر به في الشهر الاخير من جفاء وبرود.. ولم يستطع الادعاء بهما أكثر من ذلك, فصغيرته تحتاج لللامان والراحة والاطمئنان
.. فتخللت أصابعه في شعرها, بينما تمتد أصابع يده الاخرى لتمسح آثاروعها: ـ ماذا تظنين؟.. الا تعتقدين أنني أحلم بأن تمنحيني فتاة صغيرة.. فاتنة مثل أمها؟!!.
سألته بتعجب: ـ هل تريدها أن تكون فتاة!!!.. الا تريد الصبي.. الذي يريده جميع أفراد العائلة؟..
رفعها بين ذراعيه وتحرك بها نحو الفراش ليمددهاعليه برفق وهو يسوي شعرها الذي تناثر حولها: ـ
لا شأن لي بأحد.. أنا أريد فتاة صغيرة
.. صمتا معاً وهما يتأملان بعضهما بحنان.. هي لا تصدق ما تسمعه هل فعلا يريد فتاة صغيرة!!!..
_
. أما هو فمد يده بتردد ورهبة ليضعها على بطنها وكأنه يخشى أن يؤذيها
وسألها بأمل: ـ هل حدث ذلك في الاسكندرية؟
.. أسعدها أن تتطابق أفكارهما فوضعت يدها على يده وهي تحرك إبهامها عليها برقة:
هذا ما أتمناه.. لقد كانت أياماً جميلة.
وافقها قائلاً: ـ بالفعل
صمت قليلاً ثم قال فجأة وكأنه تذكر شيئاً: ـ هل تعلمين.. أظن أن منذر وسهير بحاجة إلى الاسكندريه !!.
هبت من رقدتها فجأة, مما دفعه للصياح بها
مهلا ماذا بك ؟.. هل تحتاجين شيئاً؟..
هزت رأسها بصمت,
ثم قالت بعجب: ـ يا الهي..لابد أن حالهما أسوأ مما تصورت حتى أنك لاحظت ذلك
_
!!.. ضحك بخفوت وهو يداعب خدها
الا يوجد أمل أن يقصر الحمل من هذا اللسان!!..
أزاحت يده وهي تتصنع الانفعال وتخبره بطفولية: ـ كلا.. وابنتي ستكون مثلي تماماً
. تمتم بداخله.. “وهذا ما أتمناه يا صغيرتي”. ولكنه أخبرها:
بلا شك وانا لا امانع … ولكني جاد بشأن منذر وسهير.. إنهما بحاجة لالبتعاد عن ـ الجميع
كانت تعلم إنه محق.. وأن شقيقتها في محنة.. ولكن رغم ذلك كانت أعماقها تموج بالسعادة.. فهو يثرثر معها كأي زوجين طبيعيين.. لقد عاد لمعاملتها بطريقة عادية وطبيعية و…
فجأة برق في ذهنها إنه تغير بسبب حملها.. وأن معرفته بوجود الطفل المنتظر هو ما جعله يهجر بروده وينسى جفائه, وانعكس تفكيرها على نبرتها
وهي ترد بجفاء: ـ لقد أخبرتني أمي أنها ستحادثها..
ولكن سهير ترفض تدخلنا في حياتها
شعر أنها لا تود الحديث عن شقيقتها وزواجها المتزعزع.. فقرر تغيير الموضوع بعآثارا لمح صينية الطعام وتحرك ليأتي بها ويضعها على الفراش
_
قائلا لنورا ” :هيا لقد اتيت لك بالطعام .. والعصير الطازج
انطلق انفعالها فجأة وكأن اهتمامه بطعامها أكد لها أن تغيره بسبب الطفل: ـ وما سر هذا الاهتمام؟..
هاه.. هل أنت قلق على ابنك؟.. تريد حشوي بالطعام من أجل الطفل صحيح؟.
يا الهي!!.. ماذا أصابها؟.. لم انطلق طبعها الناري فجأة؟.. إن ملامحها تبدو غاضبة بشدة.. غاضبة وفاتنة بتلك العينان الذهبيتين والوجه المحتقن انفعالاً على ما يبدو منه.. شعر بأن يديه لها إرادة منفصلة.. لا تستجيب لاوامر عقله الذي يخبره بأن احتواء وجهها بيديه وتقبيلها هو غاية في الحماقة, خاصة وهي تشتعل انفعالاً .. ولكنه لسبب غير مفهوم استمر في تقبيلها برقة وهي تحاول معاندته ومقاومته وتبعده عنها بانفعال:
كل هذا من أجل الطفل أليس كذلك؟.. فهم االان فقط سبب انفعالها.. إنها تظن أنه يتودد إليها بسبب حملها.. همس أمام شفتيها: كلا ايتها الغير متزنه انا قلق عليك وعلي صحتك واذا لم تلاحظى انا اتيت بالصنبه قبل انا اعرف بالطفل ؟
فلقد تهاويت بين ذراعي وسقطت نائمه علي غير عادتك هل اطمئن عقلها الصغير المزعج الان ؟
ابتسمت بخجل من انفجارها الغاضب في وجهه: ـ
إن عقلي ليس صغيراً..
أبعدها قليالاً وهو يشير للطعام
:لكنك تعترفين إنه مزعج.. هيا أريدك أن تنهي طعام ِك.. ـ
_
لكن همت بتناول طعامها ولكن مر بذهنها هاجس أقلقها, فتوقفت عن االاكل وأخذت تفرك يديها بتوتر.. خائفة ومترددة مما ستطلبه منه, ولكنها لن تستطيع يجب أن تخبره.. يجب أن… شعرت بيديه تغطي يديه معاً
وهو يسألها بقلق: ـ ماذا االان؟.. لماذا التوتر؟.
ندفعت كلماتها بسرعة: ـ لا أريدك أن تخبرها.. لا أريدها أن تعلم االان..
كان يعلم بالطبع أن الـ.. ها.. هذه تعود إلى نعمات.. وهي طريقة نورا في اإلشارة إليها
مؤخرا ً.. ولكن طلبها هذا.. مستحيل.. كيف يخفي أمرا كهذا؟.. إنه يريد أن يركض في انحاء البلد ويخبر اهلها فرد فرد انه سيصبح اب
شعرت نورا بتردده فنهضت لترتكز على ركبتيها وتلف عنقه بذراعيها وهي تتوسله: ـ
أرجوك.. أرجوك يا رؤوف.. لا تخبرها.. وأنا لن أخبر سهير, بل لن أخبر أمي حتى.. فقط لا تخبرها..
ضمها رؤوف بقوة وهو يطمئنها: حسنا يا قمرى .. لك ما تريدين ..ولكن اخبرى والديك …فلا يعقل ان تختفي عنهما انهما سيصبحان جدين
امتزجت ضحكاتها بآثاروعها التي عادت لتسيل مرة أخرى وهي تزيد من ضمه لها: ـ
شكراً لك.. شكراً لك يا حبيبي..
_
ظل الرنين المنبعث من هاتف منذر يزعج رؤوف الذي يترأس اجتماع يضم معظم رؤساء الاقسام في شركة الجيزاوي.. فالتفت له بحدة: ـ منذر.. من فضلك.. قم بإغلاق هاتفك.. فكما ترى الاجتماع هام.. ونحتاج لتركيزك معنا
.. غمغم منذر بحرج.. وهم بإغلاق هاتفه عنآثارا ارتفع رنينه مرة أخرى.. فخاطبه رؤوف بملل
ـ من الافضل أن ترى من على الهاتف.. ربما كان أمراً هاماً.
لمح منذر االسم الذي يضيء به شاشة هاتفه فاحمرت أذناه كمن قبض عليه بالجرم المشهود
بينما تعالت ضحكات قاسم وهو يقول بخبث: ـ يبدو.. أن الامر هام بالفعل.. ولا يحتمل التأجيل.
تحرك منذر خارج غرفة االجتماعات وهو يرفع الهاتف لاذنه هامساً:
ـ ماذا الان؟.. ألم أخبرِك ألا تتصلي بي أثناء ساعات العمل!!
جاءه الصوت من الطرف الاخر يتغنج بدلل: ـ وماذا أفعل إذا اشتقت لسماع صوتك؟!.. فأنت لا تسمح لي بمحادثتك وأنت في المنزل؟!..
همس بانفعال: ـ وداد!!.. لقد أخبرتك من قبل.. أنا.. من سيتصل بك.. وأنا الا أحب أن أعيد كلامي مرتين
تصنعت وداد الحزن والاسى وهي تظهر الخضوع في صوتها:
_
ـ كما تحب.. ولكن ما أريك أن تأتي اليوم لمنزل جدك, سأنتظرك لنتناول الغذاء سوياً
.. أجابها باستسلام فهو لن يتحمل انفعالها
حسناً.. سآتي.. هل تناسبك الساعة الخامسة؟.
صاحت بفرح: ـ
أي ساعة هي مناسبة ماآثارت سأكون معك..
أغلق هاتفه وهو يرمقه بحنق.
. لا يدري إذا كان ما يفعله خطأ أم صواب.. كلا هو يدري.. يدري أنه مخطئ.. يدرك أنه يجب أن يتراجع ولكنه لايستطيع مقاومة نفسه.. فما تمنحه له وداد من اهتمام وعناية يفتقده بشدة مع سهير.. سهير التي أصبحت تتفنن في الابتعاد
والهروب منه.. وكأن سنين الحب والعشق كانت سراباً أو وهماً تحطم على صخرة الواقع..
زفر بضيق.. وهو يستمع إلى نفسه.. وكأن حبهما قد ضاع وسحق نتيجة صراعات يومية مع الحياة وليس بسبب تعنت سهير وحجبها لمشاعرها وأحاسيسها عنه.. بل لتكتمها لكل ما تشعر به وما تريد التعبير عنه.. فأصبح لا يدري ماذا يضايقها من تصرفاته وما يسعدها.. هذا إذا كان هناك شيء يسعدها.. فهو لا يجد منها غير الصد والنفور.. حتى لحظاتهما
الحميمة تشعره وكأنها واجب ثقيل على قلبها وكأنه يجبرها على نفسه واذا ما ابدى اى اعتراض أو ملحوظة يفاجئ بسيول من الآثاروع لا يعرف سبباً لها.. أما وداد.. وداد شيء آخر.. وداد الانوثة والدلل.. هي من تمنحه كل ما يفتقده في زواجه.. أغمض عينيه بألم.. من يخدع.. وداد هي أكبر خطأ ارتكبه في حق نفسه وفي حق زواجه.. ولكنه كمن وقف على قمة المنحدر وال خيار له إال استكمال الطريق ألسفل فهو أآثارن اإلحساس باالهتمام.. ونظرة الشغف.. والدالل الذي تمنحه له وداد.. تشعره عن حق بأنه رجل.. وليس حيوان لا يرغب الا بإشباع رغباته كما رددت عليه سهير مرة تلك الجملة التي صآثارته.. ورغم اعتذارها أكثر من مرة.. الا أنه لم يستطع االقتراب منها مرة أخرى..
_
وعلاقتهما تقريباً أصبحت رسمية.. يحاولان الحفاظ على مظهر زواجهما أمام الجميع. وبخلاف ذلك كلا منهما في إنعزلا كامل عن الاخر.. حالة من الجفاف الاسري يعيشها منذ شهر كامل.. ولولاوجود وداد التي انتقلت لفيلا جده بعد خروجه من المشفى منذ حوالي شهر.. لفقد عقله من التفكير في حياته وفي زواجه..
حرك قآثاريه بتكاسل ليعود إلى االجتماع حيث قابلته نظرات رؤوف المتفحصة.. وقد بدا الرفض في عينيه الغاضبتين.. وابتسامة خبيثة تتعلق على شفتي شقيقه وهو يسأله: ـ
هل كان الامر هام إلى تلك الدرجة؟
.. رد رؤوف قبل أن ينبس منذر بكلمة: ـ لا.. لا أعتقد أن الامر يستحق حقاً.. فلنعد إلى اجتماعنا..
ثم توجه بنظراته إلى منذر الذي أخفض عينيه هرباً من مواجهة رؤوف.. ذلك الرؤوف
الجديد الذي أصبح يمتلك بجوار مهاراته التجارية الفذة, نظرات ثاقبة تكشف دواخل النفس وكأنه قد اصطبغ بطبائع زوجته الصغيرة التي ترمق منذر بنظرات نارية كلما التقيا..
يشعر أن رؤوف هو ما يمنعها من إطلاق لسانها عليه.. فهو بنظرها سبب تعاسة شقيقتها..
انتهى الاجتماع بدون أن يفقه منذر شيئاً مما دار به.. وتحرك ليخرج من الغرفة عنآثارا سمر ه
صوت رؤوف
: ـ منذر.. نصيحة مني.. قلل من زياراتك لفيلا جدي.. فالكل لاحظ ذلك.. وأنا أعني الكل
_
. رد عليه منذر بدون أن يلتفت له: ـ رؤوف لا تتدخل.. الامر لا
يعنيك.. صاح به رؤوف: ـ كيف لا يعنيني؟.. أنـ.
.. قاطعه قاسم الذي كان مازال يتلكأ في جمع أروراقه:
ـ أنت فقط تهتم من أجل زوجتك الصغيرة والا منذ متى تهتم بحياة أي منا!!
جابه رؤوف من بين أسنانه: ـ هل هذا كل ما لديك؟!.. ألا تريد نصح أخيك حتى لا يآثارر زواجه الذي لم يبدأ بعد.. من أجل حماقة.. أو نزوة عابرة!!..
سأله قاسم باستفزاز وخياله يصور له نورا بجسدها الشهي وشعرها الغجري: ـ ولماذا يآثارر زواجه؟.. وهل آثارر زواجك الثاني, زواجك الاول؟.. على العكس أراك تحيا كما هارون الرشيد
.. انطلقت شرارات الانفعال من عيني رؤوف وهو يصيح بقاسم:
ـ قاسم.. سأحذرك للمرة الاخيرة أن تراعي كلماتك جيدا والا …..
صاح به قاسم بحقد:
والا ماذا يا ابن الخال؟.. هل نسيت من منا الاكبر سناً ـ حتى تصيح بى هكذا ؟
_
زفر رؤوف بضيق.. فقاسم ما يلبث أن يعود إلى تلك النغمة القديمة.. بأنه الاكبر سناً.. وأن إدارة الشركات كانت يجب أن تكون له بدلا من رؤوف الذي لا يتميز عنه في شيء الا أنه يحمل لقب الجيزاوي..
بعكس قاسم.. ولكن قاسم يتناسى نزواته ومغامراته لطائشة التي كانت سبباً في إبعاده عن العائلة لفترة طويلة.. ولم يعد لها الا مؤخرا بعآثارا تزوج ووضح بعض التغير في تصرفاته, الا أنه لا يتوقف ابدا عن ن إبداء تلك الملاحظات المزعجة برغم أنه موقن إن تسلمه الادارة في أي وقت سيتسبب في خسائر وكوارث مالية هائلة..
فالقانون التجاري هو مجال قاسم وما يبرع به حقاً.. ولذلك قرر رؤوف إسناد قسم الشئون القانونية له وجعله مسئول عن إبرام العقود.. رغبة من رؤوف في دفن أحقاد الماضي وجمع شمل العائلة.. واتقاء لشره.. وكل ما يرجوه الا يكون قد أساء اتخاذ القرار
قاطع أفكاره صوت قاسم يخاطبه:
ـ أنت ترفل في النعيم منذ سنوات وأخيراً يكافئك جدي بمكافأة إضافية بزواجك من..
قاطعه منذر بصرخة وكأنه يعلم أن أخاه سيزل لسانه بما لا تحمد عقباه:
قاسم كفى كلاكما كفا عن ذلك اللغو.. فال أحد له سلطة الحكم على تصرفاتي.. أراكما ـ لاحقا
خرج منذر بسرعة يلحقه قاسم وكأنه لا يقدر على مواجهة رؤوف بمفرده..
أما رؤوف فزفر بانفعال وهو ياعتداء طاولة االجتماعات بقبضته: ـ أنت غبي يا منذر.. غبي.. لم تزد في تعقيد حياتك بدون داعي؟…
تراءت له سهير في آخر زيارة لمنزله بملامحها الحزينة.. وعيونها الكسيرة.. وشحوب وجهها الواضح.. والفرحة الضائعة من روحها.. أين تلك الفتاة التي كانت تهيم فرحاً عن شرائها فستان الزفاف
_
وما ازده حنقاً انخراط نو ار في الحزن الشديد بعد ذهاب سهير.. وهي تغمغم بكلمات لم يفهم نصفها
ولكنها تلخص ذهولها من حالة منذر وسهير وامكانيه زوال الحب بتلك السرعه
والسهولة.. لقد آلمه قلبه حقاً عنآثارا ظن أن نو ار ممكن أن تتخطى حبه بسهولة.. كانت لحظة حارقة سببت له أرقاً لليلا طوال.. ولكن كثرة انفعاالت نو ار وتأثرها بما يحدث حولها نتيجة لحملها وجنون هرموناتها كما أخبره الطبيب طمأنته قليلاً بأن ذلك كان انفعالا مؤقتاً.
وأنها باقية على حبه كما يتمنى.. لم يفهم لما يهتم بذلك وهو الذي أفهمها أن ما تشعر به
مجرد وهم.. أو افتتان.. ولكنه يشعر بالسعادة بل بالزهو.. لان تلك الفاتنة السمراء تظن أنها تحبه.. وتصر على ذلك أيضاً.
أزعجته نوباتها الجنونية من الحزن.. والتي قد يتسبب بها أي شيء من مشهد مؤثر في أحد الافلام.. إلى خلاف مع نعمات على أمر من أمور إدارة المنزل.. وبقدر انزعاجه في البداية, بقدر ما ازداد استمتاعه وهو يهدئ نورا من تلك النوبات وهي تتشبث به وتتعلق بعنقه تطالبه بحل مشاكل الكون أجمع.. لكن ما يقلقه حقاً أنه إلى الان لم يخبر نعمات
بحمل نورا.. ولا يعلم إلى متى سيكتم الخبر.. فنورا قاربت على الانتهاء من شهرها الرابع.. ولن يمر كثير من الوقت حتى تظهر معالم حملها بوضوح.. وا ن كانت لم تعد تغيب عن عينيه الخبيرة بمعالم جسدها الخلاب..
حاول أن يبعد بأفكاره عن نورا وجسدها وما تشعله فيه من أحاسيس بالعودة إلى فرحة جده الطاغية عنآثارا أخبره بأن الحفيد الذي ينتظره من سنين أوشك على الوصول.. حيث اغرورقت عيني العجوز بالآثاروع وهو يخبره:
ـ أخيراً.. يا رؤوف.. الان يمكنني أن أموت وقد ارتاح قلبي
قاطعه رؤوف: ـ أطال الله عمرك يا جدي.. أنت تهتم بمسألة الوريث تلك بشدة
_
.. أجابه جده وهو يربت على كتفه:
ـ عنآثارا تصل لعمري ستتفهم أهمية استمرار العائلة.. مبارك لك يا ولدي.. أخيرا.. ستمتلك عائلتك الخاصة..
كان رد فعل عمه مماثلاً تماماً من حيث الفرحة الطاغية وتهنئته بالابن القاآثار.. ولكنه ازد وشدد على االاهتمام بنورا.. وصحتها وراحتها النفسية.. وقد فهم رؤوف تلميح عمه المبطن
بمطالبته بحماية نورا من إزعاجات نعمات.. بينما كان رد فعل شموس نوبة من الحزن وهي تطالب رؤوف بالسماح لنورا أن تقيم في منزل والدها باقي شهور حملها وهو ما رفضه رؤوف بشدة.. مخبرا ً شموس أن نو ار لن تترك منزلها أبدا وقد ايدته نورا في موقفه وهي تخبر أمها بخجل برغبتها في البقاء بجانب زوجها
.. تقبلت أمها ذلك على مضض وهي تؤكد على أنها ستصطحبها فو ارً معها إذا ما شعرت بأي إهمال منه في رعايتها..
وهو ما يتفانى فيه منذ علم بحملها.. ليس من أجل طفله القاآثار فقط.. و لكن ألنها تستحق كل عناية ورعاية ودلال
.. نظر إلى ساعته وهو يلملم أوراقه بسرعة فلقد تأخر اليوم عليها بما فيه الكفاية..
دلف منذر إلى منزله بسرعة ففوجئ بوالدته وسهير جالستين في البهو تتبادلان أطراف الحديث..
فألقى تحية سريعة وهو يتو جه للدرج الداخلي.. لمح بطرف عينه والدته تلكز سهير في جنبها لتنهض خلفه.. ت
حركت سهير خلفه بتثاقل حتى وصلت إلى جناحهما ووجدته يخلع قميصه وقد ظهر صدره
_
العضلي أمام عينيها فخفضتهما أرضاً… نظر إليها في فستانها الطويل الذي يغطي جسدها وتخفي به معالم أنوثتها ببر اعة
ربما حتى لا تثير رغبته بها, دفع ذلك بسمة ساخرة على شفتيه ما لبثت أن تحولت إلى ضحكة مليئة بالمرارة وهو يقول:
ـ لا تقلقي.. لن أزعج ِك برغباتي الحيوانية الان.
اجابته بألم: ـ منذر.. لقد اعتذرت عشرات المرات عن تلك الغلطة.. لقد كانت زلة لسان لا أكثر..
أجابها بمرارة: زلة لسان تكشف كثير من مكنونات النفس..
ثم تحرك مبتعدا نحو باب الجناح واوقفه صوتها المتعجب :
ـ هل ستخرج ثانية؟.. ألن تتناول الغذاء؟
.. أجابها بتردد: ـ سأتناول الغذاء برفقة جدي..
لمح صآثارتها وشحوب لونها وهي ترمقه بانكسار ونظرات اللوم تلمع في عيني جنبا إلى جنب مع آثاروعها التي سجنتهم تحت أجفانها وهي تطبقهم للحظات..
ثم تعود لتفتح عينيها وترسم ابتسامة هادئة ـ طعاماً هنيئاً.. أوصل سلامي لجدي
_
. استمر يرمقها بمرارة ظاهرة وهو لا يصدق ردة فعلها.. إنها تبارك خيانته..
خطر له بسخرية.. “تقصير الزوج بمباركة الزوجة”. هل هو عديم القيمة بالنسبة لها إلى هذه الدرجة.. هو متأكد من يقينها بذهابه لرؤية وداد وليس جده.. الايستفزها ذلك؟.. ألن توجه له كلمة لوم أو عتاب؟.. ألن تصرخ به وتتهمه بالتقصير وتذهب لتطرد وداد من منزل جدهما؟
… كلا بالطبع.. إنها تتمسك بدور الزوجة ذات الكبرياء والتي تتعالى على رغبات زوجها وخيانته..
أين كلمات الحب وقصائد العشق.. وانتظارها بفارغ الصبر لتكون في بيته كما كانت تخبره!!.. يبدو أنه كان وهماً بالفعل.
هز رأسه بيأس وتوجه خارج الجناح..
والتقى في طريقه بوالدته التي رمقته بنظرات نارية وهي تراه يتوجه للخارج ولكنه لم يهتم.. إذا كانت صاحبة الحق الوحيد في محاسبته لم يعنها الامر, فماذا يهمه بعد ذلك.. ا
ستقل سيارته في طريقه إلى منزل جده, أو بالاحرى إلى وداد.. وهو يتذكر بداية تورطه معها.. وكان ذلك في اليوم الذي قذفتها به نورا بكوب الشاي مما تسبب في إحراجها أمامهم..
وقد عاد إليها في مساء ذلك اليوم لاسترضائها حتى لا ترفض مرافقة جده كما أوصى الطبيب..
وجدها في الكافيتريا مع مجموعة من زميلاتها.. يتجاذبن أطراف الحديث وهن يتناولن طعامهن..
ولكنها ما أن رأته حتى توجهت نحوه وهي ترسم ابتسامة دافئة على شفتيها وتحييه بحر ارة:
_
مرحباً.. منذر
ثم تحركت لتسير معه باتجاه الحديقة الخاصة بالمشفى.. حتى وصال إلى ركن منعزل
نسبياً.. فسألته بحياء مصطنع:
ـ هل تسمح لي بمنادتك منذر بدون ألقاب؟
.. أجابها بود: بالطبع .. فانت ستصبحين واحدة من أفراد المنزل قريباً.. أليس كذلك؟. ـ
أجابته وهي ترسم ملامح الحزن على وجهها: ـ لا أظن ذلك.. فيبدو أن زوجتك تكرهني.. لقد تعمدت سكب الشاي الساخن على ملابسي
.. أجابها بحرج: انا اسف جدا لما حدث.. ولكن نو ار ليست زوجتي.. ـ
سألته بفرح: ـ حقاً؟.. ـ
نعم.. إنها شقيقة زوجتي
.. اقتربت منه قائلة وهي تدعي التعجب: ـ هل تعني أن زوجتك هي الشقراء؟.. ـ
_
نعم
… اقتربت منه أكثر وهي تمط شفتيها بإجابتها: .. ـ غـ ــ ـريـ ـ ـب.. جــ ـدا
سألها باندهاش: ـ لماذا؟.
. حركت أناملها على طول ذراعه وهي تتحسس عضالته البارزة تحت قميصه:
ـ اعتقد أن رجالً مثلك.. يحتاج إلى زوجة دافئة.. حارة.. وليست شقراء باردة
ابتلع ريقه بارتباك وهو يسألها: ـ ماذا تعنين برجل مثلي؟
.. أجابته بغمزة من عينيها: ـ أحب أن أعتقد أنك ذو آثاراء حارة..
سبلت رموشها ثم عادت لترفعهم وهي تنظر لعينيه بجرأة وتردف بصو ٍت أجش
.. ـ آثاراء حارة جدا
تجمد منذر أمام هجومها الحسي على مشاعر ه .. . فهو العريس الجديد لم يمر أبد ا بتلك
_
التجربة مع عروسه.. محبوبته.. التي يذوب عشقاً وحباً بها, والتي تتهمه بالحيوانية.. فقط
لانه يرغب في قربها
.. وجد نفسه يهيم في عيني وداد البنيتين ويتأمل ملامحها التي تكاد أن تكون عادية بشعرها البنى
البني القصير جدا والذى يصل بالكاد إلى أذنيها وزينة وجهها المبالغ فيها فلم يستطع حتى ً تحديد لون بشرتها التي تختفي تحت طبقات من مستحضرات التجميل..
ولكن رغم كل هذا وجد دفء غريب واهتمام واضح في عينيها التي ظلت ترمقه بنظرات شغوفة..
إلى أن سمع صوتها: ـ يبدو أنني سأقبل بمرافقة جدك بعد كل شيء.
ثم أردفت وهي ترفع أناملها لتتحسس ملامحه بعبث: ـ
من أجلك أنت فقط
.. كان يجب عليه نهرها وايقاف ما يحدث,
ولكنه وجد نفسه ينجرف وينجذب نحوها أكثر وا وأكثر..
_
وأصبحت لقاءاته اليومية بها هي بلسم حياته ومكالمتهما التليفونية والتي تزخر بعبارات الغزل المثيرة هي دافعه للاستمرار,
فينتظرها كالارض المتشققة التي تصبو إلى قطرة ماء واحدة.. وها هو يتجه إلى لقاء جديد وموعد جديد.. مع من شغلت أفكاره ولاهته عن مآساة زواجه
يرجو فقط أن يجد جده نائماً حتى لا يحشر فى موقف محرج
وصل بسيارته إلى فناء الفيلا
حيث وجدها تنتظره أمام البوابة وقد ارتدت فستاناً قصي جد ا يصل إلى ركبتيها بالكاد.. ويتعلق بجسدها بحمالتين رفيعتين..
وقد ظهرت بشرتها الالمعة تتحدى الطقس البارد وكأنها لا تشعر به, ف
سألها بتعجب: ـ الا تشعرين بالبرد حتى ترتدي مثل ذلك الفستان؟
. فأجابته وهي تتحسس عضلات صدره الذي انتفخ إثر كلماتها:
ـ تفكيري بك يكفي لتدفئتي أيها النمر.
. امتدت يد منذر لتمسك أناملها المتجولة على صدره:
_
ـ وداد.. نحن في مدخل المنزل الخارجي.. عملياً نحن في الطريق.. سترصدنا أعين الناس
تمسكت بيده لتسحبه معها إلى أحد أركان الحديقة والذي تظلله مجموعة من الاشجار فتحجبه عن الاعين..
وما أن ارتكزت بظهرها إلى إحدى الاشجار حتى سألته: ـ هل ابتعدنا عن الناس بما يكفي؟..
ورفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه وهي تتوسله: ـ إلى متى ستعذبني ببعادك يا منذر؟.. لماذا لا تريحيني من شقائي في بعدك.. أرجوك.. ابقى معي
.. فك ذراعيها من حو ل عنقه وهو ينهرها: ـ وداد.. لقد تحدثنا في نفس الموضوع مرارا .. اخبرتك اننى لست مستعد لاتخاذ تلك الخطوه التاليه … لم تزعجينى ؟
عادت لتحيطه بذراعيها وهي تمسح رأسها في صدره:
لا تانفعال يا حبيبي.. أنا أريد سعادتك و ارحتك.. الا تأتي الي من اجل الراحه ؟ فلم لا تدعنى امنحك اياها ؟؟ انا علي اتم الاستعداد؟؟ فقط لو تسمح …
أغمض منذر عينيه بألم.. وهو يفكر: ”
يا الهي إنها تتوسل وصالي.. ترجوني لتمنحني الراحة.. وزوجتي.. سهير حبيبة عمري تعتقد أن رغبتي في قربها وتعبيري عن حبي واشتياقي لها هو حيوانية, بل إنها لا تتحمل حتى رؤيتي..
ولكني مستعد لبذل الغالي والنفيس لاسمع تلك الكلمات بلسان سهير”
_
. أفاق من أفكاره على شفتيها تتحركان على وجهه بهيام وهي تغرقه بكلمات تنم عن احتياجها له وتداعب خصلات شعره بأناملها وتجذبه لها كأنها تطالبه باالاقتراب أكثر.. وهو في ظل دوامة المشاعر التي تتقاذفه.. لم يدفعها عنه.. ولم يمانع.. لم يمانع على الاطالق..
وقفت نورا بصعوبة تعد قدح القهوة الذي طلبه منها رؤوف, فهو أصبح لا يستمتع بالقهوة إلا من صنع يديها..
ولكن منذ بداية حملها ورائحة القهوة تزعجها بشدة
.. أخذت تحرك رأسها يمنة ويسرى رغبة منها في استنشاق بعض نسمات الهواء الخالية من الرائحة المزعجة ولكن بدون جدوى..
فوضعت يدها على فمها وأنفها تحاول حجب الرائحة النفاذة عنها وكانت على هذا الوضع حين
دلف رؤوف إلى المطبخ ليأخذ منها قدح القهوة خشية منه أن يصيبها الدوار المعتاد وهي تحمله إليه..
أحاط خصرها الذي امتلأ قليلاً بذ ارعيه وهو يقف خلفها ويسألها:
مذا بك يا نو ار؟.. يبدو على وجه ِك إمارات التعب. ـ
التفت نورا لتخفي وجهها في صدره محاولة استنشاق رائحة عطره الذي أصبحت تهواها مؤخرا
ضغطها لوجهها في صدره بتلك الطريقة أثار قلقه, فهمس بأذنها:
_
ما الامر؟.. ما الذي أزعج ِك؟.
أجابته بضيق: ـ لا تهتم رائحة القهوة تزعجني قليلا.
ـ حقاً!!.. لما لم تخبريني؟!!. ـ
لحظات واتحسن.. لا تنزعج.
حملها بين ذ ارعيه لينقلها إلى غرفتها ولكنه كان غافلا عن نظرات نعمات التي لمحته وهو يحملها برقة..
تلك النظرات التي ظهر فيها انكسار وألم شديد.. تعبيرات وجهها أظهرت شعورها الحاد بالهجران واشتياقها لزوجها الذي يزداد ابتعاده عنها شيء فشيء.. غمرها إحساس قوي بالعجز عن استرداده أو حتى استرداد جزء من اهتمامه الذي ينصب بالكامل هذه الايام على زوجته الجديدة.. السمراء الصغيرة التي تسللت تحت جلده وامتلكت قلبه وأحرقت قلبها..
نعم هذا ما تشعر به حرقة القلب وانكساره… لكنها لن تكون ضحية لعائلة الجيزاوي.. تلك العائلة التي آثاررت شبابها وهآثارت حياتها.. مرة بالزواج من رجل عقيم تاله زواج آخر من طفل حولته هي لرجل.. ليحطم قلبها بتفضيله من هي أصغر وأكثر شباباً منها.. وبين الرجلين ضاع شبابها وظلت حياتها جدباء بدون حتى طفل صغير.
. يناديها أمي كما تمنت.. ولكن كما احترق قلبها.. ستحرق قلوبهم جميعاً.. ولن تستثني أحد
الفصل الخامس عشر
أغمضت سهير عينيها بألم وهي جالسة في نافذتها تتأمل الطريق الذي اتخذه منذر منذ قليل ليذهب إلى جدهما كما أخبرها.. أو إلى تلك الفتاة التي سكنت قصر الجيزاوي بدعوة مراعاة صاحبه بينما هي تخطط للا ستيلاء على من تطاله يدها من أحفاده,
_
فبعد صد رؤوف الواضح لها حولت اهتمامها إلى منذر الذي تلقى ذلك الاهتمام بشغف وتقبله بسعادة… تستطيع سهير تحديد اللحظة الذي بدأ فيها منذر علاقته بتلك الحرباء.. كما تستطيع التأكيد على أنه لم يتمادى معها بعد.. فهي تفهم منذر جيدا وتحفظ ردود أفعاله كراحة يدها كيف لا وهو توأم روحها وحبيبها الوحيد…
ولكنها للعجب تمنحه العذر فيما يفعل.. فهي من تدفعه دفعاً لذلك, بل هي من منعت عمتها قمر من التدخل ومحادثة منذر ورده عن تصرفاته..
فهي طالما آمنت أن ما بين الزوجين يجب أن يظل بينهما.. وأن تدخل أي طرف ثالث ولو بحسن نية سيتسبب بأذى قد لايمكن احتوائه..
ولكنها أيضاً تدرك وجوب مصارحة منذر بوضعها و أحاسيسها, ولكنها لا تضمن ردة فعله..
فما تملكه من تبريرات لسلوكها نحوه قد يعتبره هو عدم احترام لرجولته.. وكيانه كرجل وزوج..
ظنت دوماً أن حبهما صلباً كالصخر وثابتاً كالجبال ولكنها تخشى الا يحتمل مواجهة كتلك..
تعلم أنه خطأها من البداية.. فقلة خبرتها وخجلها منعاها من مصارحته بما ينتابها وهي بين ذراعيه..
تدرك بتقصيرها نحوه.. وخطأها الذي قد يتسبب في آثارار زواجهما..
لذلك هي تسمح له بالتمادي مع تلك الحرباء ربما كتعويض عن حرمانه من مشاعرها واهتمامها.. ولكنها أحياناً تتساءل إن كان ذلك تصرف ماكر منها تركه ليخطأ ويخطأ ثم تو اجهه بما لديها فيتساوى الطرفين في الخطأ
.. تدرك أن المواجهة آتية وحتمية ولكنها تخشى, بل وترتعب من تبعاتها, هل ستنتهي حياتها معه تماماً؟.. أم ترضخ وتقبل بوجود امراه اخرى في حياته لتمنحه ما تعجز هي منحه اياه؟..
_
ولكن هل ستتحمل مشاركته مع أخرى؟.. لا تعتقد.. هي ليست بقوة نورا, ولا تمتلك سعة حيلتها التي مكنتها من السيطرة على قلب وعقل رؤوف الذي أصبح لا يرى غيرها والاعمى وحده من يتغافل عن ذلك..
ولكن رغم هذا تظل نورا زوجة لنصف زوج.. وهو وضع لن تحتمله سهير ولن تطيقه فرغم كل الافكار المنطقية وكل الاعذار التي تمنحها ذر فهي تشعر بنيران حارقة تكوي قلبها وتحرق روحها حرقاً لمن لمجرد تخيله برفقة تلك الفتاة.. فكيف ستتحمل أن يكون زوجاً لاخرى؟!!!…
هل تلك الحرقة بداخلها تشبه ما تشعر به نورا عنآثارا يقضي رؤوف أوقاته مع زوجته لحارقة؟.. وكيف تتحمل نورا تلك اآلالم المبرحة وتلك الغيرة الحارقه إلا أن هاجساً شريراً.. همس لها,
بل نورا هي الدخيلة ومن تشعر بحرقة القلب وعدم عدالة الايام هي نعمات.. الزوجة االاولى التي هجرها رؤوف ليتنعم بالسعادة مع نورا شقيقتها
.. نفضت رأسها بحدة وهي ترمي عنها تلك الافكار السوداء.. كيف تفكر بهذه الطريقة؟..
وكيف تظن بشقيقتها هذا الظن؟.. هل فقدت عقلها؟.. أم أنها تحاول أن ترمي مشاكلها على من حولها
بينما تشرد بأفكارها لمحت منذر يدلف من بوابة البيت بسيارته بسرعة كبيرة.. حدثت نفسها..
لم يبق مع الاخرى اذا لقد عاد إلى البيت.. عاد إليهاا ”
تنهدت براحة وانتابها شعور خفي بالامان فهو مازال صامدا …. ولكن الى متى ؟؟؟
دلف منذر إلى المنزل وهو يجر قآثاريه جراً.. لا يدري كيف أوقف وداد وسحب نفسه من بين أحضانها.. لا يستطيع فهم نفسه فهو غير قادر على الابتعاد عنها وفي نفس الوقت لا يرغب بأن يتطور الامر ويصل إلى مرحلة اللاعودة.. مازال يجاهد نفسه محاولاً إيقاف الامر أو حتى تجميده عند حد معين.. فهو لن يتمادى إلا في إطار شرعي, ولكن هل هو
_
مستعد لتلك الخطوة وهل يرغب فعالً في الاقدام عليها؟.. وهل يستطيع مواجهة العائلة بقرار كهذا؟..
والاهم.. هل يمكنه مواجهة سهير؟..
جذبه من لجة أفكاره أصوات عالية آتية من بهو المنزل وما أن اقترب حتى تبين أن قاسم يتشاحن مع أمهما..
فجائه صوته منفعلاً وهو يتهم أمهما كعادته
أنت طالما فضلت رؤوف على الكل حتى على ابنك على انا الجميع فعل وفى نهاية الامر أصبح هو الرئيس والمتحكم في كل شيء
.. قاطعته قمر بصوت متهدج
ـ يكفي يا قاسم.. يكفي يا بني.. أنت تعلم أن هذا ليس صحيحاً. فجدك يعد رؤوف منذ طفولته حتى يخلفه في كل شيء
.. زعق قاسم بانفعال وكأنه لايصدق ما تقوله أمه
: ـ هاه.. وزواجه الاول الذي منحه رضا جدي الكامل.. وعطف وشفقة الجميع.. ألم أكن أنا اولى منه بذلك
فانا اكبر الاحفاد .. فهل تناسيتم ذلك ايضا ؟؟
_
واجهته أمه بحدة عله يستفيق من ضالالته:
ـ بل أنت من نسيت.. هل تريد فعلاً الخوض في ذلك.. تلك الايام السوداء التي أتى فيها أخي عبد الرحمن رحمه الله ليخبرني..
أن ابني.. ابني الكبير الذي كنت أعقد عليه كل آمالي, اختلس من أمو ال شركة الجيزاوي,
ولولا سرعة تصرف عبد الرحمن وأبيك وتغطيتهما للعجز لوصل الامر للشرطة..
هل تظن أن جدك غفل عن ذلك؟..
وتعالى صراخها: هل تظن أنه لم يعلم؟.. كلا يا أكبر الاحفاد..
لقد علم وأراد إبلاغ الشرطة لولا توسالتي له ولولا خالك عبد الرحمن_رحمه الله_
لكنت تقبع في زنزانة معدم عدالةة, واكتفى والدي فقط بطردك.من الشركه وابعادك عن العائله فى ذلك الوقت
؟؟ هل تظن انه كان يثق بك ليأتمنك على الثروة, بل وعلى أرملة عمك؟.. هاه.. أجبني يا أكبر الاحفاد؟
.. أجابها بصفاقة
_
ـ أنا أعلم قدرك في قلب جدي ولو كنت عرضت عليه أمر زواجي من نعمات لكنت انا
من يتحكم في الجميع الان؟.. ولا تتعذري بانك عرضت عليه رؤوف قلقا علي من زواجي بتلك العجوز فذلك محض هراء.
اجابته بصو ٍت باك :
ـ بل أشفقت عليك من ثقل الامانة يا ولدي.. فأنا أعلم الناس بك, فأنت قطعة مني.. أنت أضعف من أن تتحمل تلك الامانة..
كنت ستفرط فيها وتبوء بإثمها وأتحمل أنا معك ذلك الاثم.. لقد كان الحمل ثقيل ورؤوف هو الوحيد المؤهل لحمله بدون أن يفرط فيه.. ِحمل الثروة, وِحمل المراة التي اقترن بها وحافظ على عشرته معها طوال سنوات رغم فارق السن بينهما..
اجابها بحقد: ـ بالفعل حافظ على العشر ة بزواجه عليها من ابنة الخال
!. أجابته باستفزاز: ـ أليس ذلك حقاً من حقوقه؟.. بعد عشرته لنعمات طوال تلك السنوات التي لم تسفر عن ابن او ابنه
أجابها من بين أسنانه:
الان تقولين أن ذلك حقه!.. وماذا عني؟.. لماذا لم تساعديني للزواج منها فانت تعلمين
اننى اريد نورا منذ سنوات …. لماذا رفضت التوسط لى عند خالى ليوافق على زواجها منى ؟
_
صرخت به:
ـ هل أنت غير متزن؟.. كنت قد تزوجت لتوك وكانت أحوالك على وشك التحسن وكان ذلك بفضل زوجتك.. تلك الفتاة الطيبة التي أصلحت من أحوالك.. فهل كنت تريد مكافأتها بالزواج عليها؟.. وهل من الممكن أن يوافق خالك أو نورا على تلك المهزلة؟.. أفق لنفسك حتى لا تضيع الحياة التي عدت إليها بمعجزة.. وانسى أي أحلام غير متزنة عن نورا أو رؤوف أو ثروة جدك.. وأحمد ربك على ما وصلت إليه..
كان صوته يقطر حقدا وهو يجيبها
أنساها!!.. بالطبع سوف أفعل.. وهل أملك حلا آخر غير ذلك؟.. ولكني لن أيأس أبدا
دخل منذر ليقطع ذلك النقاش الذي أصبح يتكرر بصورة يومية وقطع كلام قاسم بقوله: ـ
إن نورا تعشق رؤوف.. وهو أحق الناس بها.. فلا تفكر بزوجة ابن خالك فهذا تصرف أقل
ما يقال عنه أنه دنئ, ولا تنس ان رؤوف تحدى جدك لكى يعيدك للشركه مره اخرى واخذ
تلك المخاطرة على مسئوليته الشخصية, فلا ترد له الجميل بتلك التصرفات الرعناء.
. أجابه قاسم بسخرية: ـ انظروا من يتكلم عن التصرفات الرعناء!.. أين كنت الان يا أخي الصغير؟.. ثم أخرج من أحد جيوبه زجاجة عطر صغيرة وأخذ يرش على منذر بكثافة,
بينما منذر يبتعد عنه قائلا: ـ ماذا تفعل؟.. هل جننت؟..
_
قهقه قاسم ساخراً: ـ أحاول أن أغطي على رائحة العطر النسائي الرخيص الذي ينبعث منك يا أخي الصغير, حتى لا تهجرك ابنة الخال الاخرى
. حدجتهما قمر بنظرات يائسة وهي تتمتمم: ـ يا الهي.. ماذا فعلت حتى ابتلي في أولادي هكذا؟.. لماذا يا منذر؟.. لماذا يا ولدي؟.
اجابهما منذر بانفعال موجه لنفسه أولا
ـ لا شأن لاحد بي أو بحياتي.
صاحت به قمر: ـ ماذا تعني بـ لا شأن لاحد بحياتك؟.. هل نسيت أن سهير تكون ابنة أخي؟..
هل تعتقد أنني راضية عن تصرفاتك نحوها.. أقسم بالله لولا توسالتها لكان لى معك شأناً آخر.
ولكني لن أصمت طويلاً.. انتبه لنفسك ولزواجك والا ساتدخل انا ولا ترى سهير مره اخرى
فى حياتك
رمقها منذر باستخفاف بينما ابتسم قاسم بتشفي وهو يرى دفة الهجوم توجهت نحو منذر بدلاً منه..
وحيا والدته بسرعة وهو ينطلق من المنزل..
_
بينما اكتفى منذر بالصمت التام ليصعد إلى جناحه تتابعه نظرات أمه القلقة والخائفة من القاآثار
.. دلف منذر إلى جناحه فوجد سهير جالسة على نافذتها تتأمل السماء بشرود, فحياها بهدوء: ـ مساء الخير
.. التفتت سهير إليه وهي ترد تحيته وتسأله: ـ مساء الخير.. هل أعد لك الطعام؟.. أم تناولت طعامك مع جدي كما قلت؟.
كانت تخاطبه بلهجة رقيقة وهادئة يظهر فيها أملها جلياً بأن يعود لها منذر الحبيب العاشق
, فأدرك شعور الامان الذي غمرها عند رؤيته يعود لجناحهما فوجهها الملائكي يعبر عما تشعر به بوضوح
.. رد لها ابتسامتها وهو يسألها:
ـ وهل تبقى أي طعام لي؟
. أجابته برقة:
ـ بالطبع.. أنا أعد ما تحب من أطعمة دائماً.. حتى ولو لم تأكلها معي
ادركا كلاهما أنهما لا يتحدثان عن الطعام وأن ثمة حديث مبطن وخفي يدور خلف الكلمات الواضحة..
_
فسألها منذر بصراحة:
هل هذا صحيح؟.. هل تفكرين بي دائماً يا سهير؟.. هل.
وضعت أناملها على شفتيه لتمنعه من الاسترسال وهي تعترف له: ـ سهير لم ولن تعشق الا منذر.. أقسم لك أنني لم أقصد يوماً إصابة طفيفةك أو إيلامك.. أقسم لك..
أنني تألمت أكثر منك عنآثارا تفوهت بتلك المالحظة الحمقاء.. أنا فقط حمقاء غبية وتحبك بقوة..
اقترب منها وجذبها نحوه وأخذ يتأمل ملامحها التي يعشقها وهو يمرر أنامله عليها برقة وعينيه تغرق في عينيها المغرورقة بالآثاروع يتبادلان حديثاً صامتاً.. تعبر عنه نظراته وآثاروعها..
لماذا؟.. وهل يمكن أن أكتفي باالاقوال التي تناقضها الافعال؟.. حاولي أكثر.. ”
انقذيني.. انقذينا.. لا تدعي حبنا يمو ت”.
كانت نظراته تصرخ بذلك بينما هو صامتاً يتأمل ردها الذي تمثل في آثاروعها العاجزة
فاقترب منها بهدوء ليقبل شفتيها برقة أراد بها تطهير نفسه مما أوشك على السقوط فيه منذ قليل..
مرغ وجهه في عنقها وكأنه يمسح بطهارتها إثم ما كان يقوم به مع وداد.. احتضنها قريباً من قلبه يريد أن يزيح عن ضميره عبئ التقصير.. يريدها أن تدفعه كعادتها..
_
فترفع عن كاهله ما ينوء به من ذنب..
ولكنها استسلمت لقبلته بخضوع يدفعها شعور خفي للتأكد أنه مازال منذرها وهي مازالت سيدته الوحيدة…
في الصباح التالي جلس رؤوف بغرفته في شركة الجيزاوي وهو يرتكز بكلا مرفقيه على مكتبه واضعاً وجهه بين كفيه.. وهو غائب عن كل ما يحيط به.. يبدو كمن يحمل هموم العالم فوق كتفيه.. وهذا هو شعوره بالضبط بعآثارا حدث في الليلة الماضية.. فلم يكن يتصور في أقسى كوابيسه أن يصدر منه ذلك التصرف.. لا يدري تفسيرا لما حدث.. ولا لنعمات.. جميع التعويضات والاعتذرات في العالم لا تكفي للتكفير يستطيع أن يخترع واحدا عما قام به.. فكر بسخرية..
تصحيح, بل ما لم يقم به!!”.
أغمض عينيه بألم وهو يتذكر نظرات نعمات الجريحة والمذهولة.. وهو يفشل لاول مرة منذ
زواجهما الذي تعدى عمره الخمسة عشر عاماً في أداء واجباته الحياة مشتركة نحوها.. واالاكثر إيلاماً وذالً لها..
أنها هي من جاءت له في مكتبه تطالبه بتلك الحقوق.. برغم ما قد يسببه لها ذلك من إحراج ومهانة, الا أنها أتت إليه تنبهه إلى تأخره في زيارة غرفتها وتشدد على العدل بين الزوجات..
ارتبك وقتها رؤوف من حديثها خاصة وأنها كررته من قبل أكثر من مرة, ولكنها كانت المرة الاولى التي تطلب منه صراحة منحها حقها الشرعي كزوجة.. انهال سيل من الاعتذارات والاعذار على لسانه وهو يحاول استرضائها وتهدئة انفعالها
وهو يقنعها أنه كان ينوي قضاء تلك الليلة في غرفتها, فهو على أي حال يرغب في الحفاظ على كرامتها وكبريائها أمامه وهذا على أقل ما يستطيع منحه لها بعد عجزه عن منحها أي مشاعر تتعدى الاحترام..
ولكن محاولته تلك ضاعت هباء بعد فشله كرجل في منحها حقوقها.
_
ساق كمية هائلة من الاعذار والتبريرات لنعمات.. وألقى اللوم على الارهاق وتكدس العمل وانشغال باله بالصفقات المتعثرة وتصرفات قاسم المزعجة..
وظلت هي تستمع إليه في صمت وهي تحبس آثاروعها حتى لا تسيل أمامه ولم تجبه بشيء, فقط سحبت الغطاء عليها لتختفي تحته عن عينيه..
علم أنها تبكي على وسادتها في صمت, كما علم أنها لم تصدق أي قاله, هو نفسه لم يقتنع بأي من أسبابه وهو يدرك كم هي واهية وغير مقنعة..
يعلم الله كم حاول.. وحاول.. ولكنه ببساطة لم يستطع.. هو لم ينفر منها أو شيء من هذا.. ولكنه فقط عجز عن الاقتراب منها.. حتى إنه عجز عن التظاهر بالحماس الفاتر كما اعتاد معها مؤخرا
تمرد جسده على أوامر عقله.. وخضع باستسلام كامل لاوامر القلب الذي أخبره أنه ملكاً لسمراء ذهبية العينين وأبى أن يكون ملكاً المراه سواها.. وانتهت الليلة بإصابة طفيفة هائل لا ينآثارل بقلب نعمات..
كم هاله رد فعلها وهي تتكوم على نفسها وتخفي نفسها عن عينيه وهي تنظر له بعينيها الدامعتين اللتين بعثتا له نظرات اللوم والاتهام والعتاب ثم تخفضهما باستسلام وكأنها تلقت منه ما تتوقع وما انتظرته منذ زواجه الثاني, ولكن رغم ذلك لم تدكا أعماقه كما فعلتا عينيها الذهبيتين وهو يخبرها بأنه سيقضي ليلته في الطابق العلوي.. تلك الآثارعات التي تساقطت على وجنتيها اللامعتين هم ما أعجزوه عن منح نفسه لغيرها..
برغم قسوة ما حدث وصآثارته به.. إلا أن عذابه الاكبر هو إخالله بمبدأ العدل بين زوجتيه.. وهذا ما يجب أن يفكر به بتمعن.. يجب أن يصل إلى حل لتلك المعضلة فهو طالما اعتقد أن شغفه ومشاعره الغامضة نحو نورا يعادلها كم هائل من مشاعر الود والاحترام نحو نعمات.
. ولكن بعد ليلة الامس واكتشافه بعجزه عن منح نعمات ما تستحق كزوجة اختلت كفتي الميزان.. واهتز قانون العدل في نظره ويجب عليه التفكير ملياً كي لا يعدم عدالة أي منهما وعلى االاخص نعمات.. نعم.. هو يجب أن يهيئ نفسه الاتخاذ قر ار حاسم.. ولكنه يبتهل إلى الله أن يكون عادلاً بقدر ما هو حاسم…
شعرت نعمات وكأنها ذرفت آثاروعها كلها فلم يتبق لديها المزيد.. تشعر بجفاف في مآقيها لا يعادله إلا جفاف روحها.. إصابة طفيفة عميق سببه لها رؤوف.. إصابة طفيفة لا براء منه.. التصدق عزوفه عنها أمس وعجزه عن التواصل معها.. وهي من حاولت دفن الحقد في قلبها ومنحه فرصة أخيرة ليصلح الوضع ويساوي كفتي الميزان.. ويعيد إليها جزء من كبريائها الذي مرغه في التراب وهو يزداد التصاقاً بابنة عمه في الفترة الماضية.. ابنة عمه التي أصبحت عالمه ومداره الذي يدور حوله
.. رؤوف من كان لا يعترف بالحب وقصص العشق, سقط بقوة في حب السمراء الصغيرة.. في حب ابنة العم الشابة.. تلك الفتاة التي سعدت في البداية لاختياره لها وظنتها فتاة متوسطة الجمال وذات لسان سليط سينفر رؤوف على الفور.
_
. ولكن ما حدث هو العكس فجمال نورا تفتح وازدهر بز واجها من رؤوف الذي تبين أن لسانها السليط جزء من التعويذة التي ألقتها عليه.. ليتحول رؤوف إلى رجل آخر.. رجل لم تعد تتعرف عليه.. أو تعرف طريقاً للتفاهم معه.. تشعر برفضه لتصرفاتها. وان لزم الصمت ولم يعلق كانت تظن ان ذلك من باب الحفاظ على حسن العشرة.. ولكنها تدرك اآلن أن ذلك نوع من الشفقة أو العطف على امرأة هو غير قادر على منحها أكثر من الاحترام.. وكل ذلك نتيجة لدخول تلك الفتاة في حياته
.. ازداد الانفعال والحقد داخل قلب نعمات.. كلما تذكرت تبريراته الواهية لما حدث في الليلة الماضية.. وهي تدرك كذبها جميعاً.. فهي واثقة إنه لا يعاني من تلك الضغوط مع سمرائه الصغيرة.. فأخذت تردد بجنون
تلك الساقطة الصغيرة التي سيطرت عليه بجسدها الشاب واستحوذت على كل اهتمامه ومشاعره ولم تترك لي أي شيء وهذا ما تأكدت منه الليلة الماضية.. ليلة الإصابة طفيفة الدامي لي كامراة وزوجة.. ليلة عدم احترام و اذلال أنوثتي على يد زوجي.. نعم أنوثتي.. وهل معنى أنني وصلت لسن الخمسين أن أعتزل الحياة؟.. أن أتنازل عن كياني وكبريائي كأنثى؟.. وهل
لانني أكبره في السن فيجب فيجب ان ارضى بما التقطه ؟ هل يجب علي ان اقآثار تنازلتى عنه واتقاعد عن الحياه لمجرد بلوغى
الخمسين؟.. وأتركه لتلك الفاسقة التي تستغل شبابها لتهيمن عليه وتستعبد حواسه وتبعده عني.. أنا من علمته كيف يكون رجلاً”.
عند تلك النقطة شعرت نعمات بالآثاراء تجري حارة إلى رأسها وفقدت كل منطقها وتعقلها وهي تتوجه نحو غرفة نورا تتقافز في مخيلتها مشاهد تجمع بين رؤوف ونورا وهو يمنحها ما ضن به عليها هي
.. اقتحمت نعمات جناح نورا وهي تدفع الباب بقوة أجفلت نورا التي كانت جالسة على الاريكه ومنآثارجة في قراءة أحد الكتب الذي يتكلم عن الحمل ومراحله,
فدست الكتاب خلف إحدى الوسائد تخفيه عن عيون نعمات وهبت واقفة وهي تصيح بها: ـ ما هذا؟.. كيف تقتحمين الغرفة بدون استئذان؟.. ماذا تريدين؟.
أجابتها نعمات بانفعال: ـ أنا لم اقتحم أي مكان.. أنا في بيتي ومن حقي دخول أي غرفة وقتما شئت وكيفما شئت..
ام تراك نسيت ذلك؟ اما الذى اريده .. فهو توضيح بعض النقاط التى قد تكون غائبه عنك
_
شحب وجه نورا عند سماعها تلميح نعمات بأنها سيدة المنزل مما يعني أن نورا ليست بأكثر من ضيفة مؤقتة…
بينما نعمات تكمل هجومها..
ماذا الم يعجبك كلامى …. الم تدركي انك مؤقته فى حياته مثل جناحك المنعزل ؟؟ لم تفهمى اننى اخترت لك مكان جناحك
بعيدا جدا عنه حتى تدركى بنفسك مكانتك فى اسرتى الصغيره .. ركن صغير منعزل
عنآثارا تفوهت نعمات بتلك الكلمات التي تقصد بها إصابة طفيفة نورا, أدركت تلك الاخيرة.. أنها لا تعرف كيف أن مكتب رؤوف يرتبط بذلك الجناح عبر الحديقة الداخلية وأدركت كذب كلماتها التي تتشدق بها
فارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تخبرها: ـ ولكن رؤوف هو من اختار لي جناحي.. هل تعلمين لماذا؟
. شحب وجه نعمات وهي تدرك انكشاف كذبتها,
فسحبتها نورا أمام النافذة.. لتريها منها مكتب رؤوف المكشوف أمامها…
فازداد شحوب نعمات بينما نورا تواصل:
يبدو لى انك لم تتعرفى جيدا … على منزلك كما تتدعين … ويبدو لى ايضا انك لا تقضين ما
_
يكفي من الوقت مع رؤوف لتكتشفي ما الذي تطل عليه نافذة مكتبه
.. ألقت نورا كلماتها وهي تكتف ذراعيها على صدرها وترمق نعمات باستخفاف لتكمل:
والان ان كنت انتهيت من لغوك المريض .. ارجو ان تخرجى بهدوء
ازداد غيظ نعمات أمام ثبات نورا فصاحت بها:
يبدو أنك انت من تنسيت ان زواجكما كان بهدف إنجاب الذرية لعائلة الجيزاوي؟.. حتى
يرضى كبير العائلة وينال رؤوف منه ما يريد… من ثروة ونفوذ..
صمتت قليلاً لتردف بنبرة ذات مغزى:
ـ كما كان زواجه مني بالضبط.. أولى محطاته للاستيالء على عقل وثروة العجوز
.. صعقت نورا من كلمات نعمات.. ما الذي تقصده تلك العجوز؟.. هل تظنها فتاة ساذجة حمقاء فأتت لتتلاعب بها وبأفكارها وتشوه صورة رؤوف أمامها.. الا تعرف أنه ابن عمها قبل أن يكون زوجها.. وهي أكثر الناس دراية برفعة أخالقه ونبل تصرفاته..
فصرخت بها حتى تخرسها عن هذا اللغو:
_
ـ اصم ِت.. هل تستمعين لنفس ِك؟.. كيف تفكرين هكذا؟.. ألم تدركي طبيعة رؤوف وانسانيته
ومروءته طوال سنوات زواج ِك منه؟!.. كيف تتطاولين عليه هكذا؟..
سخرت منها نعمات بقسوة تريد إصابة طفيفةها وإيذاء ثقتها بر ؤوف:
ـ بالطبع أنا أعرف كل شيء عن رؤوف.. ثم وضعت يدها في خصرها وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:
ـ كل شيء.. ألم أكن زوجة له لخمسة عشر عاماً؟.. وشهدت تطوره من شاب غرير خجول
لى رجل الاعمال والزوج الناجح.. كم عمر زواج ِك يا صغيرة؟.. هاه.. خمسة شهور.
خمسة شهور جعلو ِك تفهمين رؤوف وتدركين مميزاته؟. تظنين انك استوعبتيه وملكيته بعد
خمسة شهور.. تعشمين نفس ِك باللحظة التي تكونين فيها أولى اهتماماته..
والمرأة الوحيدة التي يهتم بها.. هذا لن يحدث..
كانت نعمات تهمس بكلماتها الاخيرة بألم وكأنها تحدث نفسها وتحاول إفاقتها من حلم عاشت به لسنوات
_
.. وعادت لترفع صوتها:
ـ رؤوف لا يهتم سوى برؤوف.. وعائلة الجيزاوي.. وأعمال عائلة الجيزاوي.. وكل ما عدا
ذلك هي كماليات واضافات لا معنى لها
وضعت نورا يديها على أذنيها وهي تحرك رأسها يمنة ويسرة تحاول منع سموم نعمات من التسلل داخلها وتقاوم البداية المألوفة لنوبة غثيان قوية:
ـ اصم ِت.. يا إلهي.. اصمت .. كيف تشوهينه بتلك الطريقة؟!.. كيف عش ِت معه وانت تظنيه ذلك به ؟
صرخت نعمات:
ـ لاني أردت طفلاً.. كل ما كنت أريده هو طفل.. بينما هو أ ارد كل شيء آخر بدء من رضا
جده وحتى ابنة عمه الصغيرة.. وأخيرا نال كل ما أراد.. بينما أنا…
وتعالى صراخها:
أنـ ـ ـ ـ ـا.. أنا حصلت على زوج طفل.. حولته إلى الرجل الذي يسعد لياليك فى الفراش
_
لينتقل بكليته الى الفتاه الشابه ذات الجسد الممشوق والمفاتن الظاهره ولكني ساظل دائما
موجودة بداخله حتى ولو بعيدا جدا فى اعمق أعماقه.. لن يستطيع أن يتناساني أو يتخطى ً
أولى ذكرياته كرجل بين ذراعي
.. واقتربت من نورا تجذب ذراعها بشدة وتهمس لها بحقد بالغ:
ـ أريد ِك أن تتذكري في كل لحظة يضمك فيها إلى صدره.. إنني أنا.. المرأة العجوز التي
تنظرين إليها باشمئزاز الان قد عشتها معه من قبل, بل أنني من لقنته فنون العشق التي يغمرك بها..
اتسعت عينا نورا باشمئزاز وزاد إحساسها بالغثيان وبداية دوار يهاجمها بقوة وتلك الصور
تتوالى أمام عينيها وحاولت جذب يدها من نعمات وا حساس الغثيان يزداد بداخلها:
ـ يا لك حتى.. من عجوز حاقدة وشريرة.. لو لم تكوني في سن امى بل انت اكبر منها سنا
حتى لكنت أجبت على كل كلماتك الحقيره …. اتركينى … فانت تثيرين اشمئزاى
_
ـ نــــــورا!!!!.
التفتت المرأتان معاً بباب الجناح لتريا رؤوف واقفا وقد شحب وجهه بينما تلتمع عيناه
بنظرات غاضبة بل حارقة.. وقد تغلف جسده بهالة واضحة من الانفعال الصارخ الذي يهدد بحرق كل شيء
.. شحب وجه نورا وهي تظن أنه سمع جملتها الاخيرة فقط وخشيت أن يعتقد إنها تهين نعمات بدون سبب, وتتطاول عليها متعمدة.. وازداد شعورها بالغثيان والدوار وهي تلمح بريق االنتصار في عيني نعمات فعلمت أنها ستستغل تلك الفرصة بدناءة فهتفت بضعف: ـ رؤوف.. لا.. لا تتسرع.. أنا..
ولم تستطع إكمال جملتها فقد تهاوت أرضاً وهي تشعر أن الغرفة تميد بها..
سارع رؤوف نحوها ليلتقطها قبل أن يمس جسدها الارض بسنتيمترات بسيطة..
فالتفت عباءتها الفضفاضة حولها لتظهر بروز بطنها الصغير بوضوح أمام عيني نعمات المذهولتين وهي تدرك الحقيقة الغائبة عنها.. الحقيقة التي ستقلب جميع موازينها..
“الساقطة الصغيرة حامل!”.
الفصل السادس عشر
التقط منذر هاتفه من على سطح مكتبه بعآثارا أصدر صوتاً ينبئ بورود رسالة إليه.. أخذ
_
يتأمله للحظة.. يتمنى أن تكون الرسالة من سهير..
يريد أن يطمئن أن حياتهما من الممكن أن تتحسن وتتطور لألفضل
, فبعد ليلة أمس وذوبانها بين يديه الامر- الذي فاجئه-
عادت في الصباح لتتقوقع على نفسها وتتجنب النظر في عينيه, ومواجهة تساؤالته عما حدث ليجعلها تتباعد عنه مرة ثانية..
تصاعد صوت الهاتف يعلن عن وصول رسالة ثانية.. فأدرك على الفور هوية المرسل, بالتأكيد وداد.. كانت الرسالة الاولى اعتذار رقيق من وداد:
اسفه جدا ….. لا تانفعال مني.. أنا أعتذر منك رغم أنك أنت من أهنتني بهروبك السريع”. ”
ابتسم رغماً عنه وهو يستشعر اهتمامها به..
وفتح الرسالة الثانية والتي كانت تتوسله فيها للحضور حتى تراه..
ارتفع رنين الهاتف ليعلن عن اتصال منها فرفعه سريعاً إلى أذنه وقبل أن ينبس بأي كلمة
سمع صوتها للاهث يتوسله:
_
ـ منذر.. أرجوك.. أنا آسفة لا تكن قاسياً هكذا.. لقد أغلقت هاتفك منذ الامس.. لا تحرمني
من رؤيتك.. عاقبني بأي شيء غير هذا.. على الاقل مر بالسيارة أمام منزل جدك حتى أراك
.. قاطعها منذر بهدوء: – ما كل هذا يا وداد؟.. لقد أغلقت الهاتف لليلة واحدة فقط!.
أجابته وقد بدأ صوتها يكتسب غنجه المعتاد وقد أدركت أنها تغلبت على انفعاله منها:
-وهل تعتبر مرور ليلة كاملة بدون أن أسمع صوتك شيئاً بسيطاً!!.. يا لك من قاسي القلب..
ضحك بقوة وهو يقول لها:
– حسناً.. لا تانفعالي.. لقد سمع ِت صوتي.. سأغلق الخط الان..
صاحت بنزق: – مــنـــــــذر!!.
ذكرته صيحتها.. بصيحة مماثلة لمعشوقته وهي تنهره بخجل عنآثارا كان يصارحها بحبه.. رغم أن اسمه هو ما تردد في كل مرة على لسان كلتا المرأتين
, إلا أن الفارق كان رهيب بين خجل سهير الطبيعي الذي اخترق قلبه وجعله ينتفض بين ضلوعه..
_
وغنج وداد الوقح الذي يثير حواسه وغرائزه.. ابتسم لنفسه بسخرية وهو يتساءل في نفسه بعجب: “وقح؟!!!”.
ليجيب تساؤله بصراحة: “نعم.. وقح”.
إنه يدرك أن وداد امرأة وقحة, الا أنه معجب بهذه الوقاحة لابد أنه مريض.. أو منحرف ليعجب بشيء كهذا..
وكلما تعمق في تلك العالقة زاد احتقاره لنفسه..
يجب عليه تحجيم تلك العالقة تمهيدا لانهائها والا فقد تفعلها امه وتحرمه من سهير
بالفعل.. وهو لا يستطيع تحمل ذلك.. حتى وهما على تلك الحال من الخالف الغير
مفهوم..لا يريد البعد عنها.. فهو يعيش على أمل أن تتحسن حياته الحياة مشتركة, ووجود وداد سيآثارر ذلك الامل.. يجب أن يتخلص منها بسرعة.. فأجابها بفتور:
– حسناً يا وداد.. صدقاً لابد أن أذهب الان وسوف احادثك لاحقا
سارعت بسؤاله: – هل سآراك اليوم؟
ساهتفك فور أن أرتب أموري لا أدري..
_
وأغلق الخط سريعاً قبل أن يتراجع عن قرراه..
أراح رؤوف جسد نورا المتهالك بين ذراعيه برقة على فراشها تحت نظرات نعمات الحارقة والتي مازالت تحت دهشة اكتشافها لحمل نورا.. وغيظها من حالة الاغماء التي أصابتها وأعفتها من انفعال رؤوف بعد أن سمع بأذنيه عدم احترام نعمات على لسانها.. وفوجئت به يصيح بها وهو يتحرك بسرعة ليلتقط زجاجة عطره ويرش القليل منها أمام أنف نورا
: – نعمات.. اذهبي إلى غرفتتك الان
صاحت به بغيظ: – ماذا؟.. ألن نتحدث عن هذا
أعاد رؤوف محاولة إفاقة نورا بلال جدوى. ؟.. مما سبب له قلقاً عاصفاً.
فعاد يصرخ ثانية: -نتحدث!!!.. عن ماذا؟.. الا ترين أنها مريضة!.
أجابته بحقد:
– بل أرى أنها حامل.. إلى متى ظننت أن بإمكانك إخفاء الامر؟..
تفاجئ رؤوف بإدراك نعمات لحمل نورا, ولكن أراحه ذلك فهو يريد كشف الاوراق كاملة.. فقد أُنهك تماماً وهو يحاول المحافظة على مشاعرها.. بينما هي…
قاطعت أفكاره بصوتها الصارخ: – رؤوف.. أجبني
_
.. أجابها وهو يبحث عن هاتفه ويعبث بأزراره بجنون – نعمات.. اخرجي من الغرفة الان, حتى أتمكن من مهاتفة الطبيب
.. سألته بغيظ: – ألن نتــ
…. قاطعها صارخاً: – الان ..
شكر رؤوف الطبيب بعآثارا طمئنه على صحة نورا.. ولكنه حذره من تعرضها لاى ضغوط ن سيطر عليها حالياً, لكنه لا إضافية لانه الحظ بداية طفيفة لارتفاع في ضغط الآثار, ولا يضمن الا تشكل خطورة على صحتها وصحة الجنين إذا تكرر الامر
… وما أفزع رؤوف أن الامر تكرر وبصورة أقوى من المرة الاولى فهي ما أن سمعت تلك الكلمات حتى دخلت في نوبة حزن..
اقترب من فراشها بهدوء ليجلس مقابلاً لها وسحبها بين ذ ارعيه وهو يمسد على شعرها بحنان: – ماذا هناك؟.. لماذا تبكين الان؟
.. أجابته وسط شهقاتها: -ألم تسمع كلمات الطبيب؟.. إنه يقول قد تو جد خطورة على حياة الجنين
.. ضمها بقوة: – هششش.. توقفي عن الحزن.. ألم يخبرِك أن تتوقفي عن الانفعالات الحادة..
ابتعدت عن أحضانه وهي ترمش بأهدابها تحاول نفض الآثاروع عنها
: – لهذا لم تصرخ علي ؟.. قلقاً على الطفل؟
_
سألها بتعجب: ؟.. – لماذا تظنين أنني أريد الصراخ عليك؟
تسارعت الكلمات على لسانها: -أعلم أنك غاضب.. لقد رأيت وجهك عنآثارا دخلت الغرفة.. ولكني أقسم لك أنني لم أُهنها أو أتطاول عليها بدون سبب.. إنها هي من
.. وضع أصابعه على شفيها يسكتها عن الكلام:
– هششششش.. لست بحاجة للقسم.. لقد سمعت كل شيء
. رفعت عيونها المغرور قة بالآثاروع لتنظر في عينيه: – كل شيء؟..
أومأ بحزن وهو يبتعد بعينيه عن عينيها ويتحرك بعيدا عن الفراش
– نعم.
سألته بريبة: لهذا لم تصرخ علي؟ ام لقلقك على الطفل … ام لانك لا توافق على كلماتها ؟؟ ام ,,,
زفر بضيق مقاطعاً استرسلاها في الكلا م:. – نو ار.. أرجو ِك لا تحاولي تفسير شيء انت غير مدركة لكل أبعاده
بعد سماعها جملته عادت آثاروعها تنهمر بغزارة وهي تسترجع كل كلمة قالتها لها نعمات.. وخاصة عن مكانة كالا منهما في حياة رؤوف..
_
فما قالته نعمات صحيح.. إنها ستظل في أعماق رؤوف دائماً, فنعمات بالفعل هي أول امراة في حياته وتجمعهما ذكريات مشتركة ازحتها من عقلها من قبل حتى تستطيع إكمال حياتها عديدة
حاولت بشدة عآثار التفكير بها وا كزوجة ثانية لرؤوف, ولكن كلمات نعمات أيقظت عقلها من سباته وبدأ يصور لها شريط من صور متوالية لرؤوف ونعمات معاً وكلما تولات الصور في عقلها كلما تعالت شهقاتها وتحولت إلى هيستريا حقيقية
أفزعت رؤوف بشدة فهي عادت تجهش في الحزن وهو غير قادر على إيقافها أو ادراك سبب انفجارها مرة ثانية
وأخذت تردد من بين شهقاتها: -غير مدركة!!.. غير مدركة لماذا بالضبط؟..
شعرت في لحظة أن كل ما تحاوله معه هي محاوالت هشة وعقيمة ولن تثمر أبدا فهو لن
يدرق عمق حبها له … ولن تصل معه إلى نقطة تفاهم حتى وليس حب متبادل أو مشاعر
عميقة كالتي تجمعه بنعمات.. فهو استمع لاهانات نعمات لها ولم يحاول التدخل لحمايتها.. وا يقاف نعمات
نهضت من الفراش لتواجهه وأخذت تردد بذهول وهي تشير إليه بسبابتها
-أنـ..ت سمـ..عت.. سمعت كلماتها الحـقيرة لي واهانتها المتعمدة ولم تتدخل لتمنعها.
كيف؟.. كيف؟.. هل أنا لا شيء بالنسبة لك حتى تتركها تإصابة طفيفةني هكذا؟
_
.. قاطعها بحدة وهو يقترب منها: – نورا.. اسمعيني لحظة… أنـ
… صاحت بغيظ: – لا أريد أن أسمع شيء.. يكفي ما سمعته اليوم..
صرخ بانفعال: – يا إلهي!!.. ما هذا الجنون!!.. لا تدعي هرمونات الحمل تؤثر عليك
صرخت به وآثاروعها تنهمر بغزارة: ُ – هرموناتي جنت بسبب طفلك
.. وأخذت تخبط على بطنها بجنون: – ذلك الذي تريده أكثر من أي شيء آخر أليس كذلك؟.
اقترب منها ليبعد يديها عن بطنها وهو يحاول منعها من أذية نفسها:
– اهدئي أيتها الغير متزنة.. اهدئي.. ستؤذين نفس ِك
.. شل حركة يديها الغير متزنة بينما أخذت تردد
: – أريد أمي.. أريد أمي.
حاول تهدئتها بلا فائدة.. وظلت تردد..”أريد أمي”.. بلا انقطاع.. وأخيرا رضخ لطلبها هامساً في
_
أذنها بحرقة:
– حسناً سآتي لك بامك … ولكن لن تخرجي من هذا المنزل يا قمر, هل سمع ِت؟ ؟؟
لن تبعدى عني فهمتى ..
واتصل بعمه وأخبره أن نورا تحتاج والدتها في بعض الشئون النسائية..
صعدت نعمات إلى غرفتها بعآثارا خرجت كالعاصفة من الغرفة التي دخلتها لتنتقم من رؤوف في شخص زوجته الصغيرة وتحاول خلخلة ثقتها فيه وتحطم حبها له وخرجت وقد تلقت
هزيمة أقوى من هزيمة البارحة.. فالصغيرة حامل.. لقد قضى الامر اذا فهى على الرغم من كل التحاليل التي تثبت سالمة رؤوف وقدرته على الانجاب, إلا أن أمالً خفياً كان يداعبها بأن لا تحمل الصغيرة على اإلنجاب, ومع مرور, وأن يكون رؤوف كعمه غير قادر ا علي الانجاب .. وشطح خيالها أحياناً الشهور وعآثار ظهور بوادر الحمل على نو ار قوي هذا الامل في قلبها بأن تتمرد الفتاة وتهجره طلباً لطفل من رجٍل آخر ويعود هو لها مطأطئ لا راس طالباً غفرانه
على تفكيره في امرأة غيرها كم تخيلت مشاهد عتابها ومسامحتها له وكيف سيعودان لحياتهما القديمة قبل دخول نورا ويطويان صفحة اإلنجاب تماماً فيحرم هو من وجود ابن له كما حرمت هي..
ويزداد إليها في تقاربهما فوجعهما سيكون واحد, ولكن مرة أخرى تهزمها الصغيرة وتثبت أنها األحق برؤوف, بل إنها تلك المرة ختمت على صفقة زواجهما بختم أبدي وحملت طفله.. وريث الجيزاوي.. الان بالفعل أصبح لا مكان لها في بيت رؤوف..
ما أن رأت نورا والدتها حتى ارتمت بين أحضانها وهي تجهش بالحزن.. تحت نظرات رؤوف المذهولة ونظرات والدها القلقة… همست شموس لها بفزع:
ماذا بك يا نورا ؟…. لقد اطمانيت على صحك من رؤوف .. ماسبب تلك الآثاروع ؟
_
أخذت نورا تشهق بحدة:.. – أمي أريد الذهاب من هنا.. سأذهب مع ِك انت وأبي
أن صرخ رؤوف بحدة: – نورا!!!.. هل هذا ما اتفقنا عليه؟
.. أخذت ترمقه والآثاروع تتساقط من عينيها وهي تتذكر كلامه لها قبل وصول والديها عنآثارا ضمها بشدة لصدره وهو يهمس لها أنه لن يسمح بابتعادها عنه وعليها لا تفكر في ترك المنزل
.. أفاقت على حركة والدتها وهي تمسك ذقنها بأصابعها لتحرك وجهها وتقطع النظرات المتبادلة بينها وبين رؤوف: – ماذا يحدث بينكما؟
والتفتت إلى رؤوف متهمة إياه بقسوة: – ألم أحذرك من قبل.. بأنني سوف آخذها من هنا في اللحظة التي تهملها فيها
.. وأشارت إلى نورا وهي تصرخ في رؤوف بانفعال: – هل هذه العناية التي توليها إياها كما تعهدت لي؟.. هاه.. أجبني
.. نهر عبد السالم زوجته بلطف:
– شموس.. دعينا نفهم الموضوع أولا وانت يا نور كفى عن الحزن وتحدثى
مسحت نورا آثاروعها بظهر يدها بحركة طفولية خفق لها قلب رؤف..
“يا إلهي.. لابد أنني سأجن
_
“. همس لنفسه بقهر بينما لزمت نورا الصمت ولم تجب على سؤال والدها الذي أعاد سؤاله مرة أخرى على رؤوف
فصمت هو الاخر وهو يكتف ذراعيه على صدره ويتأمل نورا بنظرات غاضبة
أعادت الآثاروع إلى عينيها مرة أخرى, فمسح وجهه بكفيه بتعب وهو يهمس: – يا إلهي.. ماذا أفعل؟.
برقت عيني شموس بنظرة إشفاق على رؤوف أخفتها سريعاً وهي تتوجه إليه بالكلام:
– يبدو أن الحمل أثر على أعصاب نورا, فلتدعها تأتي معنا.. ترتاح ليومين.. وستعود بعد ذلك
وقد هدأت قليالً.. أجابها رؤوف باحترام: نو ار لن تترك منزلها يا خالتي…. ولكني أقترح.. بعد إذن عمي بالطبع.. أن تبقي – معها لفترة حتى تهدأ أعصابها.. و.
. قاطعته نورا بعصبية: – هذا ليس منزلي.. إنه
.. لم يدعها تكمل كلماتها وأخبرها بحسم:
بل هو منزلك, ألم يكن طلب منزل خاص, وكان هذا شرط ِك الاول لاتمام الزواج؟. –
خبرته بشراسة: – نعم.. ولكني لم أطلب أن يضم المنزل زوجتك القديسة أيضاً.. لقد خدعتني
_
.. رن صوت والدها بقوة:
– نورا!!..
التفتت نورا فجأة كأنها تذكرت وجود والديها وغمغمت بخفوت: -أخرجني من هنا يا أبي..
تحرك رؤوف بسرعة وجذبها من ذراعها بحركة عنيفة جفلت لها شموس وتحركت لتمنعه ولكن عبد السلام أوقفها في حين صرخ رؤوف:
لقد نفذت طلبك.. أقسم لك ما حدث بعد ذلك كان بدون قصد.. ولكن هذا منزلك.. –
غمغمت بذهول ونسيت ذراعها التي يقبض عليها بقوة: – بيتي!!.. ملكي!!.. ماذا تقصد؟
.. رد أبيها:يقصد انك تمتلكين ذلك المنزل, لقد سجله رؤوف باسم ِك في اليوم التالي لزيارته لنا
رددت بذهول: – اليوم التالي!!.. قبل أن نتزوج؟
.. أجابها رؤوف تلك المرة:
نعم ,, ان البيت سجل والاوراق مع عمى …واذا كانت اعصابك متعبه بسببى
_
فساترك المنزل لكنك لا تتركيه
رفعت عينيها بذهول وهي تردد بعذاب: – أنا لا أفهم.. لا أفهم..
م يكن ذهول نورا أقل من ذهول نعمات التي نزلت من جناحها بعآثارا لمحت سيارة عبد السلام..
وربضت خارج باب جناح نورا تحاول معرفة ماذا يحدث.. وهي تأمل أن يكون الطبيب أخبرهم بموت الجنين أو أنها فقدته أو ما شابه..
لكنها صعقت بخبر ملكية نورا للمنزل وغمغمت بأسى:
“يا إلهي.. ألن تنتهي المفاجآت؟!!”
ولم تكد تتم جملتها حتى
سمعت صراخ رؤوف بأن نورا لن تترك المنزل وا ستعداده هو لتركه حتى تستريح وتهدأ أعصابها..
فلم تتمالك نفسها واقتحمت الجناح للمرة الثانية في ذلك اليوم وهي تصيح بانفعال:
– رؤوف.. ما هذا الذي سمعته؟..
_
التفت رؤوف لها بينما أخفت نورا نفسها خلفه وهي تحمي بطنها بإحدى يديها وتتمسك بكتف رؤوف باليدالاخرى
ممل جعل رؤوف بالسعاده فهى تحتمي بيه رغم وجود والديها
وصاح في نعمات بانفعال بارد يحاول التحكم فيه:
-نعمات.. هل تتلصصين على الابواب أيضاً؟.
ابتلعت إهانته وهي تسأله: – هل صحيح ما سمعته؟.. هل هذا المنزل ملكها؟..
سألته وهي تشير إلى نو را بحقد
.. تنهد رؤوف بتعب..
والتفت إلى نورا والتي ما زالت متمسكة بكتفه من الخلف.. واستدار ليواجهها وهو يأخذ وجهها بين كفيه هامساً:
– نو ار.. أرجو ِك.. عديني ألا تتركي المنزل.. عديني أن نتحدث أولا.. لكني الان يجب علي
توضيح بعض الامور لنعمات..
_
سألته نورا غاضبة وهي تحاول تحرير وجهها من بين كفيه: – هل ستتركني وتذهب معها هي؟..
همس بتعب وهو يضع جبهته فوق جبهتها متناسياً الجمهور الذي يراقبه:
يالهى.. …. استحلفك بااله يا نو ار.. أن تعديني الا تتركي البيت, ليس قبل أن نتحدث على اى حال
تحرك لسانها بدون إرادة منها: – أعدك..
طبع تحية رقيقة على جبهتها وهمس: – شكرا لك
ثم و جه حديثه إلى عمه: – استئذنك قليالا يا عمي..
والتفت إلى نعمات وهو يشير إلى الباب: – تفضلي.. لنذهب إلى غرفة المكتب.. فهناك بعض الامور التي يجب توضيحها
الفصل السابع عشر
. ما أن خرج رؤوف برفقة نعمات من الغرفة حتى توجهت نورا إلى خزانة ملابسها محاولة اخراج ثيابها..
بينما تبادل والديها نظرات حائرة.. وارتفع صوت شموس تسأل ابنتها: – نورا.. ماذا تفعلين؟
_
.. أجابتها نورا بغيظ: -أجمع ملابسي.. أليس هذا واضحاً؟!!
سألتها شموس ببرود بعآثارا تبادلت نظرة ذات مغزى مع عبد السلام: – لماذا؟..
صاحت نورا بانفعال:.. – لماذا ماذا يا أمي لانني سوف معكما بالطبع ؟
سألتها شموس بصبر:
لما تريدين ترك بيتك ؟
لم تجبها نو ار وأخفضت بصرها أرضاً.. : كان الدور على عبد السلام ليسألها بنبرة تعرفها جيدا
لم تعطى لزوج ِك الا تتركي البيت؟.. وحتى بدون الوعد يا نور القمر, منذ متى –
تترك بنات الجيزاوي بيوت أزواجهن؟..
صرخت نورا بغيظ: – وهل تريدني أن أنتظره بعآثارا يفرغ من الحديث مع جالاتها و..
صرخ بها أبيها:
_
نور القمر!.. انتبهي للسانك.. انتى تتحدثين والدك واذا كنت لا تنوين الالتزام بوعدك
فلماذا منحتيه له؟..
لم تعرف نورا بم تجب والدها.. فهي غير قادرة على المكوث في بيته لحظة واحدة وخاصة بعد إدراكها أنها كانت تعيش كضيفة في بيتها.. وأن نعمات كانت تمارس دور سيدة المنزل بكل صلف وغرور.. و… هي الان مع رؤوف.. معه وحدهما.. في غرفة المكتب
.. تحركت بسرعة لتزيح الستائر وتكشف النافذة لتفاجئ بأن نافذته مغلقة
.. فصرخت بغيظ وهي تلقي بثيابها بعبث: – أريد الذهاب الان.
هم والدها بالصياح بها مرة أخرى الا أن شموس أشارت له وتولت هي سؤالها تلك المرة وهي تتجه نحو الخزانة مدعية أنها تساعدها في جمع ملابسها التي بعثرتها ولكنها في الواقع كانت تعيد ترتيبها وتعيدها إلى الخزانة مرة أخرى:
– هل تريدين ترك المنزل لألبد؟.. أم لفترة مؤقتة؟.. أخبريني حتى أعد لك مع يكفى من الثياب ؟
التفتت نحوها تسألها باستفزاز: هل ستكتفين بالثياب أم ستجمعين كل أشيائك؟.. –
أجابتها نورا بتحدي: – اجمعي كل شيء
تصنعت شموس الاستسلام والحزن:
_
حسنا ساسطحبك الان .. وسأترك والد ِك ليتفاهم مع رؤوف على طلباتك .. فانت لك حقوق و,,,,,
صرخت نورا: – أمي!!.. أي تفاهم؟.. وأي حقوق تلك؟.. لماذا تتحدثين وكأنني أريد
.. قاطعتها شموس بحسم: – نعم يا نور القمر.. ماذا تريدين؟.. ماذا حدث الان لتهآثاري المعبد فوق رؤوس الجميع.. لقد مر بكما الكثير ومع ذلك تحملت بصير اثار تعجبى واعجابى معا
سألتها نورا مشدوهة: – أمي.. كيف..؟
.. قاطعتها شموس بعآثارا أشارت لعبد السلام فترك الغرفة لتستطيع الام التفاهم مع ابنتها:
كيف عرفت ؟…..لانني أمك ؟.. أم أن هذه إجابة لا تكفي؟.. لاننني كنت اراه يجرِك خلفه –
في كل مكان وفي عينيه تلك النظرة الجامدة, وفي عينك نظرات عشق ورضاا وانت كنت
مستسلمه وخاضعه لم تتعرضى على ذلك بل كنت تريدين اثبات شيئا ما فماذا
حدث اليوم ليثير ذلك االنقلاب الخطير في نفسيتك؟
ثم ضمتها بحنان وهي تسألها مباشرة..لماذا كنت تبكين يا حبيبتي؟.. عنآثارا وصلنا كنتى منهاره :, ماذا حدث؟ –
_
سالت آثاروع نورا بصمت:.. -إنني لن أحتمل أن أتواجد تحت سقف بيته لوقت اطول
لم تستطع أن تخبر و الدتها بأن ما حدث اليوم كان القشة التي قسمت ظهرها.. التي أظهرت لها عآثار جدوى ما تقوم به وما تحاول إيصاله له من مشاعر.. فهو حتى لم يدافع عنها عنآثارا سمع تهجمات نعمات بأذنيه, فكيف تستطيع البقاء معه وهو لا يحترمها.. ولكن رغم كل انفعالها منه لم تستطع أن تشوه صورته أمام والدتها التي أبعدتها عن صدرها وهي تسألها: – هل تريدين تركه؟.. أم تلقينه درس فحسب؟.. فوجئت نورا بفهم أمها لها وحاولت تتكلم عنآثارا
قاطعتها شموس: لانك فى كلتا الحالتين اخطات الوقت دعينى اكمل كلامى واسالك لماذا الان ؟
لماذا بعد ما تحولت نظراته الجامدة إلى أخرى تذوب عشقاً.. لماذا بعآثارا لم يخجل من وجودى ووجود والدك وتوسِك البقاء هل أخطأ بالفعل؟.. أم أنك تبحثين عن استسلام كامل ؟..
غمغمت نورا بحرج: – أنا.. قاطعتها شموس بحسم: ِانت ستبقين حتى تتحدثي مع زوجك.. وبعد ذلك إذا ردت ان تركه سانفذ لك
أومأت نورا موافقة أمها فهي لا تريد ترك رؤوف.. وهل جنت لتترك رؤوفها الجديد.. إنها فقط تريد تلقينه درساً كما فهمتها أمها بفراسة
ما أن وطأت نعمات بقآثارها غرفة مكتب رؤوف حتى تحركت نحو نافذته تشير نحوها بسخرية:
– لهذا كنت تقضي كل أوقاتك في مكتبك؟ بجانب النافذة
.. تجاهلها رؤوف وهو يغلق النافذة و يلف ليجلس على كرسي مكتبه ويتأملها للحظات طويلة وأجابها أخيراً:
.. -نعمات.. اجلسي من فضلك
_
– كلا.. أفضل أن أكون واقفة.. وأنا أتلقى الحكم بإعدامي!.. –
لا داعي للدراما المبالغ فيها.
صرخت بانفعال: – مبالغ فيها!!.. ألاترى أنك أخطأت في حقي.. ليس مرة واحدة, بل ثالث مرات..
وأخذت تعدد على أصابعها:
– أولا.. أخفيت عني خبر حمل زوجتك.. وثانياً.. اكتشفت أن المنزل الذي أقيم به ملك لضرتي.. وأنا من كنت أظن أنني ملكته المتوجة.. و.
. قاطعها رؤوف:
لقد كنت ملكه متوجه فى منزلك الاول ذلك المنزل الذي رفض ِت اإلقامة به مخبرة إياي بكل قسوة.. أنه حان الوقت لانتقل من منزل عمي واعد لك منزلا خاص كما اعددته للعروس الجديده
حاولت مقاطعته لكنه لم يسمح لها:
لقد كنت محقه .. بالفعل انه حقك ان اعد لك منزل خاص لك ولكننا قمنا فى منزل عمى كما تدعين بناء على رغبتك التى استجبت لها .. اليس كذلك ؟
أجابته بقوة رافضة الموافقة على كلماته
_
: ـ أنت اعترفت الان بحقي في منزل منفصل..
– نعم.. وعند زواجي من نو ار طلبت منك اختيار اى منزل لاشتريه لك … لكنك اصريت
على أن أشيد منزل من الصفر طلبت منى البقاء فى منزلى الجديد
كنت تتضغطين علي بقوة وتضعيني في موقف حرج أمام عمي وعائلته بأكملها وقبل كل شيء أمام نورا التي ظنت أنني خدعتها, واحتملت أن أظهر في مظهر الرجل الوغد حتى لا تقوم حرب في ذلك المنزل.. ..والى الان انت ترفضين رؤية الارض التي سيقام عليها منزل لى فأين أخطأت حق.
أجابته بانفعال: – لقد سجلت المنزل باسمها!.
أجابها ببرود:
ليس لكي الحق ان تحاسبينى ماآثارت سافعل لك بالمثل هل هناك شىء اخر
فوجئت نعمات بكمية البرود التي يتعامل بها.. إنه يعاملها كموظف لديه,
فقالت بغيظ: – وخبر حملها؟
.. أجاب بنفس البرود: – كنت سأخبرِك في الوقت المناسب.
_
كانت تريد أن تصرخ به وليلة أمس واهدار كرامتى وبعثرة كبريائي في الوحل.. ولكنها بدالً.. و
من ذلك قالت بانفعال: – لقد سمعت إهانتي بأذنيك ولم ترفع ساكناً لتدافع عن كرامتي!.
اجابها بسخريه .يبدو انك غفلت عن تعليم الزوج الطفل الذى لقنيته فنون العشق كيفيه الدفاع عن كرامه زوجته
تراجعت نعمات خطوتين للخلف وقد شحب وجهها بعد إدراكها لسماعه حوارها مع نورا بالكامل, بينما تحرك هو من خلف مكتبه ليتقآثار نحوها هامساً بقسوة
فقط احب ان اصحح لك معلومتك فرؤوف الذي تظنين أنك ساهمت فى تكوينه لم يكن رجلا تفخرين به كما تظنين
كان مسخا مسخ حولته فتاه عاشقه الى انسان انسان حى
غمغمت بضعف: – رؤوف.. أنا
.. عاد لمقاطعتها:
– أنا من سيتحدث.. أنا لن أدخل في لغو النساء.. فكلانا يعلم سبب تهجم ِك على نورا
.
_
وأنا اعتذرت عن ما حدث ليلة امس, ولكن لن أدع نو ار تدفع ثمنه.. ما أريد معرفته حقاً.
هل تظنين أن زواجي منك كان خطوة لتحقيق طموحاتي؟.. هل تظنين أنني ذلك الرجل
الانتهازي الذي لا يعبأ بشيء الا تحقيق طموحه واالستيالء على ثروة جده على حساب كل شيء؟..
واجهته بقوة: – هل تريد إخباري أنك تزوجتني لاننك أحببتني؟.. أنت تزوجتني لتنفيذ أوامر جدك
.. وافقها رؤوف بهزة من رأسه:
– هذا صحيح.. ولكني استمريت مع ِك لخمسة عشر سنة, ولم يكن ذلك بناء على أوامر جدي.. لقد حملت لك كثير من مشاعر المودة والرحمة و الاحترام.. ِ
– ولكن ليس الحب..
هز رأسه: – ولكن ليس الحب.. آسف على ذلك
. سألته بألم: – وهي.. هل
.. قاطعها بهدوء: – هذا شيء يخصني أنا وهي فقط.
_
همست: – ولكني أحبــ
.. أوقفها بإشارة من يده.. فبعد سماعه لكلمة الحب على لسان نورا.. بل من قلبها الصادق لم يستطع ترك نعمات تشوه الكلمة بإدعائها حبه.. ليس بعآثارا تغلغت داخله بنبرتها الدافئة الصادقة..
– كلا يا نعمات.. قد تحملين لي مشاعر عدة.. أشكرِك على الطيب منها.. وآسف إذا كنت
السبب في وجود أي مشاعر سيئة داخلك لكن أي منها ليس الحب.. فما تعلمته مؤخرا
أن الحبيب لا يلوث سيرة من يحب حتى بالكلمات.. لا يقلل من قيمته.. أو يشوه سمعته..
فلا داعي لترديد كلمة.. تحمل مشاعر سامية. لكنك تطليقنها فى وجهى الان بغرض الضغط على مره اخرى
رفعت نعمات رأسها بكبرياء: – واالان؟..
أجابها بهدوء الان.. أعتقد أنه من الافضل.. أن تذهبي إلى قصر الجيزاوي.. حتى يتم تنظيف..
منزلك القديم … اقصد منزل عمى
سألته بألم: – هل تطردني من منزلك.. أم من حياتك؟..
_
أجابها بواقعية:
– إن المنزل ملك لنو ار كما أدرك ِت.. ووجود ِك في حياتي شيء يعود لك … اسف مره اخرى على ليله امس
صدقا لن ارغب فى اهانتك ولكن الان بعد سماعى لكملماتك عنى
.. بسط يديه أمامه بعجز وكرر:
كما اخبرتك ,, وجودك فى حياتى شىء لا يعود … وانا سانفذ لك ما تريدين
– سأذهب لاعد حقيبتي لاذهب لقصر الجيزاوي.. وسأبلغك بقراري..
تحركت نعمات لتخرج من المكتب بكبرياء وأغلقت الباب خلفها.. وتركته غارقاً في أفكاره.. يتعجب من نفسه وكيف استطاع التحكم في انفعاله وخيبة أمله بتلك الطريقة.. كاد أن يواجهها أكثر من مرة أنها كما أضاعت عمرها
مثلما تظن معه بدون طفل هو ايضا فقد خمسة عشر عاماً من حياته بدون أن يعيشهم فعلاً.. والان تعصف به تلك السنوات بما تحمله من العديد من المشاعر التي لم يعرفها الا مع نورا.. ولكنه لم يرد أن تكون
مواجهتهما الاخيرة جارحة ومؤذية لهما على السواء.. فكتم مشاعره بداخله وأغلق عليها وهذا ما تعلمه من رؤوف القديم.. أم أنه اعتاد إظهار انفعاالته أمام نورا فقط.. هل يختزن لامه حتى تريحه هي بابتسامتها الدافئة؟.. وروحها المرحة وأحضانها الحانية؟.. هل آن أوان عترافه؟.. على الاقل أمام نفسه.. أنه لا يحبها فقط, بل يعشقها..
فأذناه لم تحتمل سماع كلمات الحب من امرأة سواها.. ولم يعد يستطيع إنكار ما يشعر به نحوها,
_
برر لنفسه تغير معاملته لنو ار وتحول حتى قسوته السابقة عليها إلى شغف وحنان جارف بسبب حملها ورغبته في توفير مناخ هادئ حولها حتى لا يتأثر الطفل القاآثار, ولكن تلك ستكون كذبة كبرى…
فمعرفته بخبر حملها كانت إشراقة شمس حبه لها.. ليس بسبب الحمل ولكن لادراكه أن ما يجيش به صدره من مشاعر لم يتأثر بمعرفته للخبر, بل لو زدت مشاعره أكثر من ذلك لانفجر قلبه حباً وعشقاً لها.. إنه فقط غير قادر على التصريح
بهذا.. فهو لم يعرف بعد كيفية التعبير عما يشعر به في كلمات بليغة..
دخل رؤوف إلى جناح نورا التي وجدها راقدة على الاريكة بين أحضان والدتها التي تملس على شعرها برقة وكأنها تمنحها دعمها وحنانها في نفس الوقت..
تعلقت عينيه بعيني نورا, فوجد آثار الآثاروع مازالت ظاهرة عليها.. استمر تبادل النظرات بينهما لفترة ألقى بعدها التحية عليهما بهدوء:
-مساء الخير..
ردت شموس تحيته بخفوت بينما ظلت نورا ترمقه بنظراتها وهو يتحرك في الغرفة بتململ فهو ال يعلم ماذا يدور برأسها من أفكار.. لاحظ اختفاء عمه ولكن خالته شموس مازالت متواجدة.. فهل معنى ذلك أنها مازالت مصرة على ترك المنزل.. ارتسمت حيرته في عينيه وهو يسأل شموس:
– هل ذهب عمي؟.
. – كلا أعتقد أنه في الحديقة.. سأذهب لار ى إذا كان يحتاج لشيء..
وتركتهما معاً في الغرفة بعآثارا أطلقت نظرة تحذيرية نحو نو ار.. كأنها تحذرها ألا تطاوع جنونها وتهد المعبد… وتهآثار كل شيء.
_
بعد أن خرجت شموس تحرك رؤوف نحو نورا ليركع على ركبة واحدة أمامها ويهمس برقة: – آسف
.. هزتها الرقة التي تغلف نبرته كعادته كلما حادثها بتلك الطريقة… سحب يدها ليطبع تحية رقيقة عليها ويهمس مرة أخرى: – آسف
.. ثم قلب يدها ليطبع تحية ثالثة في باطن يدها ويعود لهمسه:
– آسف.. آسف لاننني سببت لك الخزن وسببت فى نزول آثاروعك
حاولت نورا جذب يدها من يدها لكنه شد عليها فسألته
: – هل أنهيت كلامك معها؟.
أومأ ب أرسه قائالً:
إنها الان تعد أشيائها استعداد للذهاب إلى قصر الجيزاوي. –
لم تستطع نورا إخفاء دهشتها وهي تسأله: – هل ستذهب؟.. هكذا؟
.. أجابها بإيماءة من أرسه..
_
ثم مد أنامله ليرفع ذقنها ويواجه عينيها متسائالً:
هل مازالت مصره على ترك المنزل ؟
سالت آثاروعها وهي تسأله: – كيف تركتني أعيش غريبة في بيتي؟
.. – وهل أشعرتك يوماً بالغربة؟.. رمقتة بنظرة لائمة..
فأخفض بصره وهو يخفي عينيه عنها:
ادرى انك المتك كثيرا وانك تفهمين واحتويت هواجسى واشباحى واننى رددت ذلك
بمزيد من الالم لك .. فهل اطمع بالمزيد من التفهم منك الان
ازدادت آثاروعها انهماراً وهي تتذكر ما مرت به معه
؟.. رمقتة بنظرة لائمة..
فأخفض بصره وهو يخفي عينيه عنها:
_
ادرى انك المتك كثيرا وانك تفهمين واحتويت هواجسى واشباحى واننى رددت ذلك
بمزيد من الالم لك .. فهل اطمع بالمزيد من التفهم منك الان
ازدادت آثاروعها انهماراً وهي تتذكر ما مرت به معه
فنزل على ركبتيه معاً ليستطيع ضمها لصدره فهمست له:
لقد المتنى كثيرا وابتعدت وقسوت ….
قاطعها بحنان واقتربت انت اكتر واغرقتينى بحنانك ورقتك واربكت سنواتى الخمسه والثلاثون وقلبت حياتى راسا على عقب
ونظر في عينيها:
ومازلت تفعلين
لم يجاوبه سوى آثاروعها التي مازالت تنهمر.. يدرك أنها قآثارت كل ما لديها والان تنتظر منه
ما يقابل عطائها له.. وهو يحاول جاهدا ولكن يبدو امه لم يحقق نجاح فقرر تفسير
_
الامور العالقه اولا …. على الاقل حتى تهدا قليلا وتتوقف عن الحزن وبدا بامر المنزل
– نو ار.. أنا لم أستطع إخبارِك بأمر المنزل.. فهي طلبت منزلاً خاص بها أيضاً.. ولم يكن من العدل أن أعلن عن ملكيتك لهذا المنزل قبل أن أخصص لها منزلها.. تلك كانت قناعاتي.. ولم أرغب يوما في تعريضك للاذى
لم تعرف كيف تعارضه وهو يحدثها بمنطقه هذا, لكنها لم تستسلم
: -إن أبي كان على علم بأمر المنزل.. أخبرته ولم تخبرني
– لقد علم عمي لانه كان موجودا لتسجيل العقد باسم ِك بموجب التوكيل الذي منحته له انت
وشقيقاتك.. ولم يخبرِك لانني أردت أن اقآثار لك مفتاح المنزل كهديه للزواج ولكن كما اخبرتك
ما حدث من نعمات تسبب في تأجيل ذلك قليلا
أدركت أنها لا تستطيع هزيمة منطقه فيما يختص بأمر المنزل.. والذي حسم الان بخروج نعمات منه.. للابد..
فعادت تهاجمه حول ما يؤرقها بالفعل: – وسكوتك عنآثارا أهانتني بتلك الكلمات الرهيبة؟..
صمت رؤوف قليالً ثم تحرك مبتعدا نها لينهض على قآثاريه ويتجه نحو النافذة يتأمل الفراغ بشرود
_
ثم التفت اليها قائلا
– نورا.. كوني منصفة لقد كانت الاهانات كلها موجهة لشخصي.. هي فقط قررت استخدامك في الهجوم.. على وأنا آسف لذلك فأنا أعلم كم كا نت كلماتها مؤلمة وجارحة.. علي لقد أردت إيقافها عن مهاجمتك.. صدقاً.. أردت التدخل.. ولكني عجزت قآثاري عن الحركة أمام كمية الاهانات والاتهامات التي كانت تلقيها على رأسي.
شعرت نورا بمقدار الالم الذي يقطر من حروفه.. يا الهي إنه يتألم بشدة.. لاول مرة تلاحظ الالم الحز ين في عينيه منذ دخل الغرفة وهي من فسرت نظراته على أنها انفعال.. ولكنه لم يكن غاضباً.. كان مصدوماً ومتألماً.. وهي غير قادرة على تقديم الراحة له.. كيف يمكنها وهو يتألم بسبب كلمات امرأة اخرى..
سألته وهي تحاول التحكم في الغيرة التي تعصف بها: -هل أزعجتك كلماتها؟.
ضحك بمرارة: – ّ أزعجتني!!.. نو ار.. بالله عليك هل تظنين أنه من السهل سماع تلك الكلمات بعد علي علي خمسة عشر عاماً من الزواج؟
لاحظ ترقرق الآثاروع في عينيها فاقترب منها بسرعة:
– يا إلهي.. أنا لا أتسبب الا في زيادة آالمِك.. بالله عليك لا تبكى فانا لا اتحمل اراكى تبكين
سألته من بين آثاروعها:
هى محقه اذا ما بينكما عميق لن يمكنى ان اصل اليه يوما
أمسك كتفيها بيديه وهو يريح جبهته فوق جبهتها.. وهو يهمس بحرقة
_
: -أتعلمين.. ربما استغرق الامر خمسة عشر عاماً من الزواج لاصبح ذلك الزوج الذي كانت تتشدق بأنها من ساهمت في إيجاده.. ولكن.. بفضل امرأة استثنائية تحول ذلك الزوج إلى رجل عاشق.. وذلك ما حدث فقط في خمسة شهور..
بعد اعت ارفه ذاك.. هل هو اعت ارف بالفعل؟.. ماذا يعني؟.. هل هو عاشق
ارتسمت حيرتها في عينيها وهي ترفعهما إليه.. فأجابها بهمس:
– رفقاً بــ ـرجل ما زال يتحسس طريقه في عالم المشاعر وأبجديات الحب..
همست برقة وهي تحيط عنقه بذراعيها: – يا إلهي
… كان جوابه عليها تحية رقيقة على شفتيها وهو يقربها من صدره بقوة ويرفعها بين ذراعيه ليعمق قبلته أكثر.. وأكثر.. وهي تبادله قبلته التي شعرت بها مختلفة عن كل قبالتهما السابقة.. كانت أكثر رقة.. أكثر عذوبة.. أكثر حناناً وروعة.. شعرت به يضعها برفق على فراشها وهو مستمر في تقبيلها على شفتيها ووجنتيها وجفونها وهي مستسلمة تماماً هو يبثها مشاعر مختلفة عن كل ما جمعهما من قبل.. له.. ذائبة فيه
و طرقات خفيفة على الباب أبعدته عنها.. وطرق مسامعهما صوت شموس:
– نورا!!!..
غطت نورا وجهها بكفيها وهي تعتدل جالسة في الفراش محاولة تغطية ما كشفه رؤوف من جسدها
وهي تقول بذهول: – يا الهي.. أمي!.. وأبي أيضاً!… كيف نسيتهما؟!!..
_
همس باستمتاع وهو يلمس شفتيها المتورمة والتي تظهر بوضوح ما كان يفعله بها: – ألاتعلمين كيف نسيناهما؟!!.
اعتداءته على كتفه بغيظ وهي تصيح به: – تحرك وارتدي قميصك قبل أن تدخل أمي علينا..
كاد أن يجيبها بتعليق مستفز آخر عنآثارا
دوي صوت شموس من خارج باب الجناح وهي تقول بحرج: – نورا.. هل مازلتما بالداخل؟
.. تحرك رؤوف بسرعة وهو يغلق آخر أزرار قميصه.. وهمس لها: – سوف اخبر والدك انك باقية في منزل
ابتسمت له برقة وهي تسوي من هندامها فتحرك هو ليفتح الباب لشموس التي لا حظت.. مظهره المرتبك والغير مرتب وعلى الفو ر أدركت أن ابنتها تعقلت وأن حياتها ستستقر أخيرا خاصة بعآثارا لمحت الخآثار ينزلون عدة حقائب خاصة بنعمات
.. لم تتمالك شموس نفسها وألقت السؤال الذي يثير فضولها: – نعمات ستترك المنزل, أليس كذلك؟
. أجابها رؤوف ليطمئنها على نورا:
– نعم.. ستقيم مؤقتاً في قصر الجي ازوي.. كما أن نورا باقية في منزلها..
سألته شموس بعملية: – هل نصطحب نعمات معنا إلى بيت عمي؟
_
.. لمح رؤوف نعمات تتحرك على الدرج الداخلي للمنزل فأجاب: – أعتقد أنه من الافضل أن أقوم أنا بإيصالها
.. جاءت نورا لتقف بجوار رؤوف واستمعت لكلماته الاخيرة فوافقته:
– نعم يا أمي.. أعتقد أنه من غير لائق أن يتركها رؤوف تذهب معكما.. فهذا ليس من طبعه..
رمقتها أمها بإعجاب وفي داخلها تتساءل لماذا لا تملك سهير بعض من ذكاء وقوة نورا.. أو هي تمتلكهما ولكنها تخشى استخدامهما…
ربتت شموس على كتفي نورا واقتربت منها لتحتضنها:
بارك الله لك يا نورا واسعد ايامك
ما أن ابتعدت شموس عن ابنتها حتى اقتربت نعمات بهدوء من وقفتهم وهي تخبر رؤوف ببرود
: – سوف أذهب الان إلى قصر الجيزاوي
حسنا ساصطحبك الى هناك
أجابت بنفس برودها: –
_
لا داعي.. لقد اتصلت بعمي عبد الرؤوف وأرسل لي السيارة لتصطحبني بالفعل..
فوجئ رؤوف بحركتها تلك.. ولكن بعآثارا سمعه منها اليوم لم يعد يستبعد أي شيء.. حتى ما قامت به االان لتظهره كالنذل الذي ألقى بها في الطريق..
هز رأسه بعجب.
. وأظهرت نظراته لها أنه بات يفهم تصرفاتها تماماً.. وأجابها ببرود مماثل:
حسنا كما تردين
منحته نظرة أخيرة..
ثم تحركت لتخرج من البيت تحت نظرات شموس التي تنهدت براحة
بينما أمسكت نورا بكف رؤوف في مؤازرة خفية.. فالتفت إليها وأحاط كتفيها بذراعه في
للحظة التي دخل والدها إلى المنزل ورأى نورا محاطة بحماية زوجها فتبادل نظرات الراحة مع شموس وهو يلقي بالتحية على رؤوف.. – سوف نذهب الان يا رؤوف.. اعتني بنو ار جيدا
أومأ رؤوف برأسه لا تقلق يا عمي… أنت تعلم أنها في أمان.
_
غادرت شموس مع عبد السلام بعد أن تبادل بعض الكلمات مع رؤوف وفهم ما حدث تقريباً مع نعمات وطمئن رؤوف بأنه سيحاول شرح الوضع لكبير العائلة..
ما هي إلا ثواني بعآثارا دخلت نورا إلى جناحها حتى وجدت نفسها تطير في الهواء لتكتشف أنها محمولة بين ذراعي رؤوف ليصطحبها في رحلة عشق طويلة استغرقت معظم ساعات الليل.. لتستيقظ بين ذراعيه وهو يتأملها بشغف..
فغمغمت بخجل: – صباح الخير
. أجابها بابتسامة واسعة تر تسم على وجهه للمرة الاولى:
– صباحك سكر
الثامن عشر
القى منذر هاتفه بانفعال على فراشه.. يريد التخلص منه بأي شكل, بل احر اقه لو تطلب الامر حتى يتخلص مما به من سخافات أو باألحرى بذاءات, فمطاردة وداد له أصبحت ال تحتمل.. فهي تكثف من اتصاالاتها ورسائلها في اليوميين الماضيين بشدة وكأنها أدركت بغريزتها األنثوية قراره بانهاء عالقته بها.. وهي تحاول بشتى الطرق مقاومة ذلك القرار, وكان آخر وسائلها لدك حصونه ومهاجمة دفاعته ارسالها لعدة صور لها في أوضاع قد تكون مثيرة للبعض ولكنها أثارت اشمئزازه وانفعاله في نفس الوقت..
ما يثير أعصابه حقاً أنها تواظب على ارسال تلك الصور المصحوبة بعبارات الغزل الفج.. والكلمات الموحية.. بالوعود المغرية بالسعادة.. والمتعة.
لقد شعر في لحظة ما أنه محاصر وكأنه فريسة في مطاردة او هذا ما اصابه
بالحنق والغيظ الشديد.. لا يعلم إذا كان شعوره ذاك يرجع لاقترابه من سهير في اليوميين الماضيين.
_
. أو أنه بدأ يسئم من تلك اللعبة… فهو أدرك أولوياته و سهير وزو اجه منها كانت المشاكل التي تواجه ذلك الزواج على قائمة تلك الالولويات مواجهتها والتغلب عليها و انقاذ حياته وحب حياته
.. أكمل ارتداء ملابسه في سرعة فهو تأخر بالفعل هذا الصباح.. ولكن لا بأس..
فالوقت الذي يقضيه مع سهير على االفطار.. وحدهما في جناحهما يثرثران معاً حول أي شيء.. كان أثمن من أن يختصره حتى يصل إلى العمل في موعده المعتاد
.. تلفت حوله ليبحث عنها فلمحها وهي تحادث أمها في الهاتف وتبدو على ملامحها معالم االاستياء والرفض لما يصلها من الجهة االاخرى,
فأدرك انها محادثة أخرى من أمها تحاول فيها معرفة ما يحزن ابنتها ويسبب لها التعاسة.. كم يتمنى لو تبوح بما يشقيها بدلا ً من تلك السرية التي تغلفها ولكنه يدرك طبيعة سهير الكتومة والتي تسبب له صعوبة شديدة في التواصل معها
.. فوجئ بسهير تنهي المكالمة وهي تلقي بهاتفها غاضبة وبسيل من الكلمات الغير مفهومة ينهمر شفتيها: ـ
إن أمي في غاية الارتياح لترك نعمات منزل رؤوف.. إنها تكاد تطير من السعادة.. لا أدري كيف تفكر!!.. ألم تستمع للشائعات المنتشرة في البلدة.. إن النساء لا سيرة لهن الا ما حدث.. يتشدقن بأن رؤوف ألقى نعمات في الطريق حتى يرضي زوجته الصغيرة.. كيف فعلت نورا ذلك؟.. كيف؟..
سألها بتعجب: ـ هل تلقين باللوم على شقيقتك فيما حدث؟
.. بدا وكأنها بوغتت بسؤاله.. فأجابت بغموض: ـ ليس بالضبط.. ولكن لابد أن تعترف أنه غير عادل ما تم بحق نعمات!.. فهي قبل كل شيء زوجته الاولى ولم تقصر معه بشيء, كما أن عقمها ليس خطأها حتى تلقى عند أول محطه
بعد أن ضمن حصوله على الذرية من نورا.
_
همس بذهول: ـ يا الهي!.. انت تلومين شقيقتك بالفعل!
أجابته بحرج: ـ كلا.. ولكني لست معجبة بما حدث.
ـ لماذا؟!.. أنني لم أر رؤوف بمثل تلك السعادة وراحة البال من قبل.. أنه يضج بالحياة.. وذلك بفضل نورا
. سألته باتهام: ـ يبدو أنك معجب بنورا للغاية!
ـ أنا معجب بما قامت به لرؤوفا.
وهل أنت معجب بطرده زوجته الاولى من حياته , فقط لان نورا منحته حياة عجزت عن منحها له نعمات علماً بأن هذا رغماً عنها!..
يبدو أن الرجال يلهثون خلف كل ما هو مبهرج ومزركش.. فهذا ما يلفت أنظارهم هذه الايام.
تعجب بشدة من حماسها في الدفاع عن نعمات.. فسألها بحيرة: ـ ما الامر يا سهير هل تدافعين عن نعمات بالفعل؟.. أم أننا نتحدث عن شيء آخر؟
تلعثمت وهي تجيبه ـ أي أمر آخر؟!.. أنا أخبرك بما أفكر: ليس هذا ما تطالبني به دائماً ؟!
! هز رأسه بأسى وهو يراها عادت لقوقعتها المعتادة منسحبة من النقاش كلما تطرق ولو من بعيد لحياتهما معاً, لكنه رفض ذلك الانسحاب من المواجهة فتحرك ليواجهها و هو يجذبها نحوه:
_
كفى هروبا انتى تعلمين عم اتحدث اخرجى ما بدخلك وصارحينى
رفعت إليه عينين مغرورقتين بآثاروعها التي تحاول حبسها: ـ
ليس الان.. ليس الان يا منذر.. الا تذر الملح على الإصابة طفيفة الا ن.. فهو ما ازل مؤلم
ـ سهير.. يجب أن تدعيني أدخل لعقلك ارجوك كفى كتمان
همست بخفوت: ـ قريباً.. قريباً يا حبيبي أعدك.
حسنا لن اضغط عليك .. ولكن لن اؤجل الامر طويلا
أومأت برأسها موافقة.. فطبع تحية رقيقة على جبهتها.. وهو يودعها منصرفا الى العمل
فذهبت إلى نافذتها المعتادة حتى تلمح خروجه من البيت.. وتابعته بنظراتها وهو يتجه إلى سيارته ولكنها فوجئت به يلتفت لها ويلوح لها بيده.. ثم أرسل لها تحية طائرة أعقبها بغمزة من عينه وهو يتخيل تورد خديها من جرأته معها
.. تحركت بعدها بسعادة وهي ترتب جناحها وخيال تحية منذر الطائرة يسيطر على عقلها فيرسم على شفتيها ابتسامة رقيقة..
كانت تشعر بجهوده ليقترب منها وهو يحاول موازنة معاملته لها بين منذر الحبيب العاشق الذي سقطت في حبه ومنذر الزوج الذي تمثل احتياجاته ورغباته كرجل شبح يزعج أحالمها العذرية.. وهي بالمقابل كانت تتقبل جهو ده بسعادة
_
وتقترب منه أكثر, تعود شيئاُ فشيء إلى شخصية سهير العاشقة الحالمة.. خاصة وهي تراه ملتصقاً بها وامتناعه عن زيارة قصر الجيزاوي تماماً.. ولكن تبقى الخطوة الهامة التي تخشى عواقبها.. المصارحة
“سوف أصارحه بكل شيء.. هذا ما يجب أن يكون
” قطع تسلسل أفكارها وهي ترتب أغطية الفراش.. رنين هاتف صدر من بينها..
أخذت تبحث عن مصدره وهي تظن أن أمها تهاتفها مرة اخرى و أخيرا عثرت عليه وسحبته من بين, الاغطية
وتزامن محاولتها الرد عليه
مع صدور صوت آخر ينبأ بوصول رسالة و التي ظهرت لعيني سهير المذهولتين لتتبين أنها تمسك بهاتف منذر في يدها وليس هاتفها هي
جلس رؤوف على مائدة اإلفطار التي أعدتها نورا.. وهو يتأمل وجنتيها المتوردتين من تأثير تحديقه بها وملاحظته لكل تحركاتها حتى أنهت إعداد المائدة وابتسمت له قائلة
: ـ صباح الخير.. لقد انتهيت من إعداد الافطار.. هل تريد قهوتك الان؟
.. سحبها من يدها ليجلسها على المقعد المجاور له:
فقط اجلسي واستريحي قليلا انا لا اريد تلك القهوة التي تسبب لك الغثيان استطيع الاستغناء عنها
_
ثم غمز لها: ـ آه وصباحك سكر..
عادت وجنتيها للتورد فهي غير معتادة على مزاجه العابث هذا في اليومين الماضيين.. واصراره على تلك التحية.. “صباحك سكر
لاحظ هو احراجها وتورد وجنتيها.. فحاول تغيير الموضوع: ـ
هل ترغبين بالاستمرار في الاقامة بجناحك؟.. أم ترغبين في الانتقال إلى الطابق العلوي؟
.. تفاجئت من سؤاله فأخفضت بصرها وهي تغمغم بخفوت:
الطابق العلوي!!.. إنني لن اضع قآثارا فيه قبل ان اطهره اولا
سأل بذهول: ـ ماذا؟!!!
جابته بصوت واضح:
انا لن اضع قآثارا فيه حتى اغيره كليلا .. وحاليا جناحى مناسب لظروف الحمل .. ولا اريد تركه
كما تريدين.. عنآثارا تكونين مستعدة اخبريني لنبدأ التغييرات التي تريدينها
_
.. ثم أكمل طعامه تحت نظراتها المراقبة..
تريد أن تطلب منه شيئاً ولكنها تخشى رد فعله
, فأخذت تفرك بيديها كعادتها عنآثارا تتوتر.. ترك طعامه والتفت اليها:
كفى عن فرك يديك .. ماذا تريدين
سألته بسرعة: ـ لما ال تطرد تلك الحرباء؟
.. تأملها للحظات ولم يرد فعادت تلح عليه ويدها تمتد لتتمسك بيده:
اطردها.. اطردها يا رؤوف انت تعلم تماما ماذا يحدث
كان يعلم عمن تتحدث لذا اجابها بهدوء : ـ وهل طردها هو الحل؟..
سألته بحيرة: ـ ماذا تعني؟..
ـ أعني بطردها أمنحها ميزة أن تكون الطرف المظلوم.. وهذا سيزيد من تعاطف منذر معها.. طردها ليس هو الحل.
_
سألته وهي تخشى سماع الاجابة: ـ الى اي حد هو متورط معها؟
أخفى عينيه عنها وهو يجاوبها: ـ لا تقلقي.. سوف نصل لحل بإذن اه ل..
أدركت أنه لم يمنحها اجابة لسؤالها ولكنها لم تلح عليه, فهي تخشى معرفة الاجابة..
لذا ابتلعت مراوغته ومررتها له تلك المرة..
حسناً.. وما هو الحل الذي تقترحه؟
شد على يدها الممسكة بقبضته:. ـ نو ار.. لا تخوضي حرباً لست طرفاً فيها
أن سألته بحيرة: ـ ماذا تعني؟
ـ الحل لن يأتي من أي شخص إلا سهير.. تدخل أي منا لن يحل المشكلة.. سيؤجلها فقط.
غمغمت بحنق:
انت تتحدث مثل امى
_
جذبها من يدها وهو يتحرك نحو الباب:
ـ إن خالتي شموس سيدة في غاية الحكمة.. استمعي لها
. ثم غمز لها وهو يقول بعبث لم تعتده منه من مدة طويلة:
ولكن هذا لا يعنى ان نكف ايدينا تماما من الممكن تحريك بعض الخيوط دون تحريك فعلى
صاحت بنزق: ـ لماذا تتحدث بغموض؟
. ضحك من انفعالها الطفولي: ـ أعني الاسكندرية
.. صاحت بفرح:
حقا!!!!!!!! هل ستنقل منذر الى فرع الاسكندريه هذا رائع بهذه الطريقه سيبتعد تلك الحرباء تماما
ابتسم بداخله لاصرارها على تسمية تلك الممرضة بالحرباء.. سحقاً.. لقد نسى اسمها بالفعل..
لكنه اجاب نورا بهدوء:
_
ـ كلا لن أنقله إلى فرع الاسكندرية فالوقت مبكر على هذا.. لكني أستطيع افتعال بعض المشكالت التي تطلب وجوده لاصلاحها
.. رمت ذراعيها حول عنقه بسعادة وهي تصيح: ـ أنت رائع.. كم أحبك يا زوجي العزيز
! ابتسم بخبث وهو يسألها: ـ كيف ستكافئني على تلك الحركة الذكية؟
ابتسمت بحب
انا كلي ملك
ضمها لصدره بقوة ثم طبع تحية على مقآثارة رأسها وهو يهمس لها:
ـ أعلم.. و أنت تعرفين كيف تمتلكين كل جوارحي.
ابتسمت برقة لكلماته التي لا يزال يحاول اختيارها بعناية.. فهو يلمح فقط بدون مصارحة بحبه.. ولكنها تستشعر ذلك الحب في كل همسة.. في كل لمسة وحتى أصبحت تعرف كيف تقرأه في نظرات عينيه..
انتبهت على صوته: ـ سأذهب الان.. انتبهي على نفسك, وعلى ابنتي الصغيرة.
لاحظ ابتسامتها الماكرة.. والتي ترتسم في عينيها كلما ذكر موضوع طفلتهما القاآثارة في الطريق
_
فسألها بفضول: ـ لا أعلم معنى تلك الابتسامة ولكنها تقلقني للغاية..
ضحكت بصوت عا ٍل: ـ ستتأخر على عملك.
غمغم بقلة حيلة:.. حسناً ـ أعلم أنني لن أصل إ لى اجابة شافية.. سأذهب الانً..
: تحرك ليفتح الباب ولكنه وقف مترددا ـ فسألته بقلق ماذا هناك؟
.. تردد في اخبارها.. ثم حسم أمره هو لن يخفي عنها أي شيء:
أردت اخبارك أنني سأمر على نعمات في منزل جدي قبل أن أذهب إلى العمل
. خرجت الكلمة على لسانها قبل أن تستطع منعها: ـ لماذا؟..
كانت لهجتها حادة وغاضبة.. وكرهت نفسها لانه شعر بذلك ولكنها لم تستطع لادعاء باالامباالة وهو يخبرها أنه سيذهب ليرى نعمات
.. اجاب رؤوف بهدوء حازم: ـ نورا.. أنها مازالت زوجتي.. ومن واجبي االطمئنان عليها و
.. قاطعته بحنق: ـ أعلم.. أنا آسفة..لا .. لست كذلك.. أنا أعلم أنه يجب عليك ترتيب أمورها.. فقط.. لا أدري.. انتبه على نفسك
_
.. أمسك ذقنها برقة وطبع تحية طويلة على وجنتها:
لا تقلقي.. ولا حاجة لتلك الغيرة التي تلتمع في عينيك
: حاولت تحرير ذقنها من يده لكنه لم يمكنها فهمست أخيرا بغيرة واضحة
لا تقترب من الحرباء التي تعتني بجدي..
يكفي أنك سترى نعمات
. قهقه بسعادة وهو يقبلها مودعاً. ً ـ لا تتغيري أ بدا يا صغيرتي الغيورة
ما أن وصل منذر إلى مكتبه حتى لحق به شقيقه قاسم الذي بادره قائالً:
ـ لقد تأخرت اليوم.. واحتاج إلى توقيعك لانهاء بعض الاعمال
.. ـ حسناً.. أنا هنا.. هات الاوراق التي تحتاج لتوقيعها
ناوله بعض الاوراق فأخذ منذر يراجعها بدقة تحت ناظري شقيقه الذي تمتم في نفسه
_
“لقد وصل بي الحال أن انتظر توقيع شقيقي الاصغر على بعض الاوراق التافهة.. آه من تلك الزلة القديمة التي لا يريد أحد أن ينساها أو حتى يتظاهر بنسيانها.. بسببها سأبقى موظفاً بد..
بينما أخي الاصغر وابن خالي يتوليان إدارة الشركات”
تنحنح ليجلي صوته وهو يسأل: ـ لم يصل صاحب الفخامة إلى الان.. هل تعلم لماذا تأخر؟
.. ضيق منذر عينيه متسائالً: ـ صاحب الفخامة!!.. هل تعني رؤوف؟!.. لا أدري لما تأخر اليوم!!..
لابد أنه على وصول فليس من عادته التأخير.
رد قاسم ساخراً: ـ يجب أن تعتاد على تأخره, فهو تخلص من العجوز الشمطاء.. وغرق في أحضان ابنة الخال الفاتنة
. رمى منذر القلم بغيظ وهو يصيح به: ـ يا إلهي!!.. ألن ننتهي من تلك الحكاية؟!!..
دع الامور على حالها يا قاسم ولا داعي لاثارة المشاكل.. إن نو ار تنتمي كلياً لرؤوف فتوقف عن الاحلام المستحيلة
. صاح قاسم بنزق:
ـ مستحيلة!.. هاه.. لو كنت أعلم أنها الا تمانع في أن تصبح زوجة ثانية لكنت تحركت من مدة طويلة..
_
ولكنت تمتعت بها الان وبجسدها..
قاطعه منذر بحدة: ـ توقف.. الا تملك أي حياء.. يا الهي.. أنك تتحدث عن امرأة متزوجة.. وزوجها هو ابن خالك.. فقط توقف
.. عاد قاسم يتحدث وكأنه يحادث نفسه: ـ نعم امرأة.. ويالها من امرأة فاتنة!!.. و.. لم يستطع اكمال جملته بسبب قبضة رؤوف التي طارت في وجهه وهو يجذبه من ملابسه ويكيل له اللكمات..
رؤوف الذي وصل قبل لحظات ليستمع إلى بذاءات قاسم المقززة فاقتحم الغرفة بسرعة ليلكمه وينطلق فيه صارخاً: ـ
أنت حيوان.. بل أقل من حيوان.. كيف تتجرأ على التفكير بها؟.. كيف؟..
وعاد يكيل له اللكمات التي تفاداها قاسم تلك المرة وهو يسدد لرؤوف لكمة قو ية لم يستطع رؤوف تفاديها..
وصرخ قاسم بانفعال: ـ ولماذا لا أفكر بها؟.. أنا أريدها!..
لقد أردت الزواج منها من مدة ولم يمنعني عنها الا زلتي القديمة والزوجة المعلقة برقبتي.. لقد لهثت خلف أمي حتى تزوجني اياها ولم أنجح.. بينما أنت.. أنت..
اكتفيت بإشارة من اصبعك الاصغر فجعلوها ملكاً لك.
. لم يحتمل رؤوف سماع كلماته فعاد لتسديد اللكمات له بينما قفز منذر بينهما يحاول فض اشتباكهما دون جدوى
_
جذبت أصواتهم العالية عدد من الموظفين في الشركة فتدافعوا لمعرفة ماذا يحدث بين أحفاد حفاد الذكور حدث لا يتم يومياً المعروفة الجيزاوي..
فمشاجرة بين الا
في شركة الجي ازوي بالتزام جميع من يعمل بها.. تحرك عبد السلام بصعوبة وهو يفض الجمع المتحلق من الموظفين وكانت الاصوات اً العالية قد لفتت انتباهه هو
.. فدخل الغرفة ليجد رؤوف يكيل اللكمات لقاسم ومنذر يحاول إبعاده عنه وهو يصيح به: ـ
يكفي يا رؤوف.. يكفي.. سوف تإيذاءه.
ولكن انفعال رؤوف كان أكبر من أن يصغي لمنذر أو حتى لعمه عبد السلام الذي شارك منذر في الامساك برؤوف و رضاً لابسه..
ابعاده عن قاسم الذي تهالك بعآثارا ترك رؤوف
وظل رؤوف يصارع للافلات ممن يمسكان به.. وهو يصيح: ـ اتركاني.. اتركاني حتى أؤدب هذا الحيوان.. إنه انسان مريض.. مريض
حاولوا السيطرة على رؤوف الذي جلس على أحد المقاعد وهو تمكن منذر بمساعده خاله أخيرا يتنفس بصعوبة جراء المجهود الذي بذله..
وهنا صاح عبد السلام بانفعال: ـ هل جننتم جميعاً؟!!.. تتبادلان اللكمات في الشركة!!.. ماذا حدث؟..
_
همس له منذر بكلمات موجزة تلخص ما حدث
فتغير وجه عبد السالام وهو يرمق قاسم بانفعال بينما هو يحاول النهوض من الارض
فتحرك رؤوف نحوه يحاول لكمه مر ة أخرى
ولكن منذر انتبه له فقيد حركته بينما صاح في خاله متوسلاًا :.. ـ
أرجوك.. يا خالي.. أرجوك اخرج قاسم من هنا قبل ن يإيذاءه رؤوف ونخسرهما معاً
بدا على عبد السالم الرغبة في اعتداء قاسم ولكنه تمالك نفسه وهو يرى رؤو ف في حالة انفعال عارمة,
فجذب قاسم يرفعه من الارض ليخرجه من الغرفة يتبعه صوت ر ؤوف الغاضب: ـ لا تدعه يطأ بقآثاره الشركة ثانية.. لا أطيق رؤويته.. ابعده عن عيني حتى لا اإيذاءه..
ساد صمت حرج بعد خروج عبد السلام وقاسم من الغرفة.. فعاد رؤوف يجلس متهالكاً على مقعده وهو يتأمل قبضته المآثاراة إثر شجاره مع قاسم
وسأل منذر بانفعال مكبوت: ـ كنت تعلم.. أليس كذلك؟.
. كان تقريرا أكثر منه سؤال فغمغم منذر بحرج: ً لا تعول على كلماته القذرة انت تعرف قاسم يتطلع دائماً إلى ما يملكه اآلخر ون.. ـ إ يقصد شيئاً معيناً..لا تفكر كثيراً فيما سمعته!
_
رمقه رؤوف بذهول.. كيف لايفكر فيما سمعه!!..
إن كلمات قاسم كانت كطعنات الخناجر لقلبه وعقله معاً وهو يتصور خيال قاسم المريض حول نو ار.. لقد أراد إيذاءه..
وكاد أن يفعل
.. عاد الانفعال يتملكه مرة أخرى فاعتصر قبضتيه بقوة.. ولمح منذر سلسلة الانفعاالات على وجهه فعاد يحدثه بهدوء: ـ يمكنك نقله إلى فرع القاهرة و..
غمغم رؤوف بانفعال: ـ أريد إيذاءه
.. صاح به منذر في هلع:
ـ رؤوف!!.. تعقل.. أنت
.. عاد رؤوف يتحدث كما لو لم يسمع منذر: ـ كان يجب أن أثق بجدي.. لم يكن علي أن أدعه يقترب من أي مكان هي متواجدة فيه..
عاد منذر يحدثه بهدوء:
ارجوك يا رؤوف.. حكم عقلك قليلاً.. ابعده عن هنا.. هذا الحل الامثل.. أنت لا تستطيع ـ
_
التحكم في عقول البشر.. وصدقني ما يدور في عقل قاسم مجموعة من الخيالات لا أكثر.. تلك طبيعته.. لكنه لن يضرك أو يضر زوجتك.. أنه ذو خيال مريض فحسب.. أشعر حياناً أنه لولا رابطة الاخوة بيننا
لضم سهير لخياالته أيضاً
ساد الصمت مرة أخرى بعد كلام منذر المحير
وحاول رؤوف السيطرة على الانفعال الذي يعصف به.. فمازلات الرغبة في محو قاسم من الحياة تنتابه بقوة.. ولكن ما يمنعه عنه هو عمته قمر.. فهي لا تستحق ذلك الالم.. قاطع الصمت صوت هاتف رؤوف فالتقطه بسرعة ليجده يضيء باسم نورا, فر فعه إلى أذنه بلهفة:
ـ نورا!!.. ماذا حدث هل انت بخير؟.. هل تعرض
قاطعته نورا: ـ مهلا يا رؤوف.. لا تقلق.. أنا بخير.. ولكن
.. عاد لمقاطعتها: ـ ولكن ماذا؟..
اجابته بصو ٍت باك
انها سهير…. هل تستطيع احضار منذر والقدوم سريعاً إن سهير هنا وهي تبكي بهستريا
قطب رؤوف بقلق: ـ حسناً.. نحن في طريقنا إ .. لا تقلقي..
_
اجابته بصوت مخنوق: ـ لا تتأخر
. أغلق الهاتف والتفت إلى منذر يسأله بانفعال
ـ هل آذيت سهير؟.. هل اخبرتها عن تلك الفاسقة التي تعرفت عليها مؤخرا.
تفاجئ منذر من سؤال رؤوف فسأله بحيرة: ـ ماذا؟.. ماذا تعني؟
.. قاطعها صوت هاتف رؤوف مرة أخرى وكانت تلك المرة هي عمته قمر والتي صاحت به فور أن أجاب الهاتف: ـ
أين ذلك الغير متزن؟.. أين منذر؟.. ما الذي فعله للفتاة؟.. لقد خرجت كالغير متزنة من المنزل
! اجابها رؤوف بخفوت: ـ اهدئي, عمتي.. ولا تقلقي علي سهير.. إنها في منزلي مع نورا.. ونحن في طر يقنا إيهما الان ـ
ولكن.. ماذا.
. قاطعها بسرعة:
ـ سوف أخبرك بالتفاصيل فور أن أعلمها
_
. وما أن أغلق الخط حتى صاح به منذر: ـ ماذا بها سهير؟.. ماذا يحدث؟..
اجابه رؤوف وهو يصحبه للخارج: ـ سوف نعلم عنآثارا نصل إلي منزلي.. بالمناسبة.. أين هاتفك؟.. لماذا اتصلت عمتي على هاتفي؟.. هل أضعته ام ماذا؟
صآثار منذر وقد تذكر القاءه لهاتفه على الفراش.. ب
عآثارا ضاق ذرعاً بما ترسله وداد من صور فاضحة وربط ذلك بانهيار سهير .. وصرخ برؤوف: ـ أسرع يا رؤوف.. يا الهي.. يا الهي.. لماذا لم أمح تلك الصور؟.. لماذا؟.
رمقه رؤوف بحيرة ولكنه لم يسأله فهو بدا في حالة مزرية.. فتحرك نحو السيارة حتى يذهبا إلى منزله بأقصى سرعة..
الفصل التاسع عشر
وصل رؤوف سريعاً إلى منزله ودلف هو أولا إليه وهو ينادي على نورا بلهفة..
فخرجت له من جناحها مسرعة: ـ رؤوف… حمدالله أنك وصلت.. سهير.. أنا لا أعلم ما بها.. أنها تبكي بالا تو قف.. لقد ً فكرت في استدعاء أمي..
ولكني انتظرت حتى تأتي أولا ربت رؤوف على وجنتها برفق: ـ لا تقلقي.. لقد أتيت بمنذر معي.. ومن الافضل عآثار استدعاء والدتك حتى نعلم ما الامر.
والتفت منادياً منذر الذي دخل بحرج وما أن شاهدته نورا حتى صاحت به: ـ ماذا فعلت لها؟.. سوف أ..
_
قاطعها رؤوف: ـ اهدئي يا نورا.. لاداعي لكل هذا.. نحن لا نعلم ما المشكلة
.. صاحت به بانفعال وهي تشير إلى منذر: ـ أنه هو المشكلة.. أنها تقبض على هاتفه بشدة وتبكي بلا توقف.. لقد كانت في حالة هيستيريا عند وصولها ولكن الان آثاروعها تنزل فقط بدون أن تصدر أي صوت
.. همس منذر بألم: ـ يا الهي.. أين هي يا نورا؟.. أين هي؟..
سكتت ولم ترد عليه بل اكتفت برمقه بنظراتها القاتلة,
فحثها رؤوف بهدوء: ـ هل هي في جناحنا؟
.. هزت رأسها في موافقة صامتة..
فأشار له رؤوف إلى مكان الجناح حيث تتواجد سهير
فأسرع منذر متجهاً نحو بابه وحاولت نو ار أن تلحق به
ولكن رؤوف أوقفها: ـ دعيه يا نورا.. عارضته بقوة: ـ ولكن..
اجابها بحسم: ـ أنها زوجته.
_
اقتربت منه وهي تضع رأسها على صدره وتهمس بضعف: ـ أخشى ان يؤذيها..
قطعت كلماتها بصيحة دهشة وهي تلمح قبضته المآثاراة: ـ رؤوف!!.. ماذا حدث ليدك؟.. كيف أصبت هكذا؟
.. نظر إلى يده المصابة وهو يطمئنها: ـ لا تقلقي.. أنه لا شيء
أمسكت يده تتأمل عقد أصابعه المآثاراة وصاحت بعجب: ـ رؤوف.. هل كنت تتشاجر؟.. مع من تشاجرت؟.
…. ـ نورا. ارجو ِك أمامك وبخير. … ليس بي شيئاً فاطمئني
استفهمت منه بقلق: ـ هل ذلك له علاقة بنعمات؟
. سألها بتكهم: ـ هل تعتقدين أنني تبادلت اللكمات مع نعمات؟!
اجابت بحرج: ـ بالطبع لا.. لم أقصد هذا.. أقصد.. هل لكمت جدار أو ما شابه؟
.. اجاب بغموض: ـ ما شابه.. لا تقلقي.. أنا بخير الان
رمقته بقلق.. أنه يخفي شيئاً ما.. وبالتأكيد لن تدع الامر وتسكت عنه.. سوف تعرف كل شيء..
_
سوف تدفعه إلى الكلام بطريقتها.. ولكن لتؤجل ذلك قليلا.. حتى تطمئن على شقيقتها..
فيكفيها أنه بخير وهو هنا معها.
اجابته مذعنة: ـ
فلتأ ِت معي إلى المطبخ حتى أضع بعض الثلج على يدك..
وعنآثارا وصلا إلى المطبخ سألته بفضول: .. ماذا حدث مع نعمات؟
. رمقها بنظرة متأملة.. يدرك أنها تشتعل من الغيرة.. وهي لا تخفي ذلك.. أنها و اضحة في كل مشاعرها.. ومع ذلك يشعر أنها رمز الغموض..
استحثته بحركة خفيفة من يدها.. فأجابها بهدوء: ـ لا شيء.. لقد رفضت مقابلتي.. وطلبت من جدي أن يبلغني.. أنها تحتاج إلى وقت حتى ترتاح أعصابها وتتغلب على خيبة أملها..
ضغطت كتفه في مؤازرة قوية وهي تهمس: ـ لا تانفعال.. جدي متفهم لموقفك.. لقد أخبرني أبي بذلك… وهي سوف تهدأ بإذن الله
قبل أن يجيبها ارتفع صراخ سهير على منذر.. كانت كلماتها غير واضحة في البداية.. ولكنها بدأت تتضح شيئاً فشيء..
وشحب وجه نو ار على إثرها ثم امتقع حرجاً..
_
وبدا أنها تجمدت وهي تتبادل النظرات مع رؤوف الذي سحبها من يدها بسرعة و أغلق باب المطبخ عليهما: ـ فلنمنحهما بعض الخصوصية.. أين ذلك الثلج الذي أخبرتني عنه؟..
تحركت معه في صمت وهي مذهولة من الكلمات التي تناثرت إلى آذانها..
فعاد هو يخبرها بخفوت: ـ أعتقد أنه من الافضل أن تستدعي والدتك
.. جمعت بعض قطع الثلج في قطعة قماش نظيفة ووضعتها على يده المكدومة وهي تومئ له بالموافقة: ـ انت محق.. يجب أن تأتي أمي
دلف منذر إلى جناح نورا حيث تتواجد سهير التي لمحها على الفور جالسة على الاريكة.. منكمشة على نفسها.. آثاروعها تهطل بغزارة.. ويديها قابضة بشدة على هاتفه.. كاد البؤس البادي عليها أن يتسبب في إيقاف قلبه من اللالم.. فهو آذاها.. وبقوة.. ولا يدري كيف يصلح ما تسبب بكسره في لحظات طيش غبية.. لعن غبائه الذي منعه من محو تلك الصور القذرة والتي بالتأكيد صآثارت عيني سهير البريئتين ي عقلها..
. همس بصوت خافت:
سهير.
. رفعت عينيها الغارقتين بآثاروع حارقة.. وهي ترفع يدها بهاتفه: ـ إنه.. هاتفك.. أنا.. أنا لم أقصد.. لم أقصد تصفح ما.. ما به.. لم أتعمد البحث عن الصور.. لم أتعمد.. لقد.. لقد قفزت في وجهي…. أنا لم أقصد..
وخفت صوتها وهي تضغط على الهاتف بقبضتيها وتهز رأسها بضياع:
لم أقصد
_
.. اقترب منها سريعاً ومد يده ليمسح آثاروعها التي تنساب بلا إرادة منها..
فانتفضت بقوة عند ملامسة يده لوجنتها وابتعدت إلى آخر الاريكة وهي تصرخ : ـ لا تقترب مني.. لا تلمسني.
. صاح بعذاب: ـ سهير.. اسمعيني.. أنت فهمت الموضوع خطأ.
همست بصوتها الجريح:
فهمت!!.. أنا لم افهم شيئا أنا أحاول اخماد عقلي حتى لا أستوعب معنى ما رأيت على هاتفك
سهير.. لا تفعلي هذا بنفسك.. فقط اعطيني فرصة الا شرح.. أن فهمت خطأ
ـ فرصة!.. خطأ
.. ثم ارتفع صوتها قليلا: ـ إلى أي مدى وصلت عالقتك بها؟
.. حاول أن يحرك شفتيه, ولكنها أشارت له ليصمت:
ـ لا.. لا تجب عن ذلك.
_
عاد يهتف بها: ـ سهير.. م
ا يحدث هو سوء تفاهم كبير.. الموضوع أبسط من هذا
نهضت فجأة لتقف على قآثاريها:
ـ بسيط!!.. إصابة طفيفةك لي.. وخيانتك.. هي سوء تفاهم وموضوع بسيط.
. صمتت وسألته بهمس: ـ هل أحببتها؟
هتف بسرعة:كلاانت تعلمين أنك حبي الوحيد.
اجابته بسخرية: ـ واضح.. وهل مطلوب مني أن أسامحك و أغفر لك بعد أن تخبرني بذلك؟
! اقترب منها بهدوء ليواجهها ولكنه امتنع عن لمسها بعآثارا لمح التحذير في عينيها: ـ هل تسخرين الان مما جمعنا معاً؟
هتفت به: ـ ما جمعنا لم يمنعك من خيانتي.. من تقصير ذلك الحب الذي تدعي أنك تحمله لي
امسك بذ ارعيها صارخاً:
_
ـ لم أخنك.. اقسم أنني
.. تملصت من بين يديه: ـ النظرة تقصير
.. صرخ بها في انفعال:
ـ توقفي.. توقفي يا سهير عن تلك المثالية الحمقاء.. توقفي عن لعب دور الضحية والانآثاراج به.. ولا تدعي مفاجئتك بما حدث بهتت من هجومه المفاجئ.. وقد تبينت أنه يكشف جميع الاوراق,
فصاحت به: ـ ولكنني فوجئت.. فوجئت بمدى الابتذال الذي يمكن أن تصل إليه
.. صرخ بها:
ابتذال!!.. سهير.. توقفي.. انت فهمت الموضوع كله خطأ..
صرخت به: انت كنت تذهب يومياً إليها.. كنت تراها وتتحدث معها.. تتبادل معها الرسائل ـ أنت ماذا؟…. نعم.. لقد رأيتها.. فأنا لم أتعمد البحث في هاتفك في البداية.. و لكنني لم أستطع مقاومة نفسي بعآثارا رأيت تلك الصور المقززة..
أنت كنت تحيا معها تقريباً حياة كاملة
.. أمسك بذراعها بحدة: ـ نعم.. اعترف بكل هذا.. ولاأدري لماذا تلقين باللوم علي فقط.. فكما يبدو أنك كن تتابعين تطور علاقتي بها.. ولم ترفعي إصبعاً لايقاف ما يحدث.
_
. صرخت به: ـ أنا!!… تلومني أنا على خيانتك؟!..
صرخ بقوة: ـ لقد أخبرتك.. أنا لم أخنك..
أكملت له جملته:
بعد.. أنت لم تخونني بعد.. فأنت كما يبدو تنتظر أن استمر في تجاهلي لتصرفاتك.. ووقتها ستمنح نفسك العذر في تقصير كاملة.. أليس كذلك؟
.. ـ إذا كان هذا ما تظنينه.. أن خيانتي لك ستحدث لا محالة.. و أن الامر مسألة وقت.. فلم
استمرت مع زوج هو في نظرك مشروع لرجل خائن؟.
همست بضعف: ـ لاني أحبك
.. صاح بها بقسوة:
لم على ان اقبل بتلك الاجابه بينما انت سخرت لك من حبى لك من قليل !! ماذا قعلت لتحافظى على هذا الحب ؟
تساقطت آثاروعها وهي تهمس: ـ يالك من قا ٍس.. مما صنعت؟.. هل تهاجمني االان؟..
_
وأنا التي كنت أتعامل معك بكل الحذر حتى لا أتسبب بإصابة طفيفةك.. أو اهانتك..
وارتفع صوتها قليالًا: انت تلومني.. لا بأس.. فأنا أيضاً ألومك.. ألومك على ضياع حبيبي.. على ضياع حلمي..
صرخ بها وهو يجذب ذراعها بحدة: ـ تلوميني!.. أفيقي يا سهير.. أفيقي.. إن سبب ما نحن فيه الان هو خيالاتك الرومانسية, والتي تجعلك تنفرين مني برومانسيتك الحمقاء.. أو من أي علاقة تربطنا معاً.. أ
لن تعتقدين أن عالقتنا الحياة مشتركة تلوث مشاعرك الرومانسية والعذرية السخيفة..
زدت آثاروعها انهمارا إلى اتهماته له.. هل يعتقد أنها بمثل تلك السخافة ً وهي تستمع والسطحية
!!.. ـ أنت مخطئ.. مخطئ.. أنا لا أعتقد ذلك.. لا أعتقد أن العلاقة الحياة مشتركة تلوث مشاعر ي العذرية السخيفة كما دعوتها..
أنا أعتقد أن تلك العلاقة هي صلة روحية بين الزوجيين قبل ن تكون صلة جسدية.. وسيلة منحها الله لكل زوجين حتى يزدادا تقارباً
كل مرة نكون فيها معاً أشعر أنني ازداد تباعدا هل تعلم لماذا.. لانني عاجزة عن الشعور بك.. عاجزة عن منحك مشاعر الزوجة العاشقة لزوجها.. عاجزة عن حبك بالطريقة التي تريدها أنت
.. سألها وقد بهت من تصريحها الاخير: ـ ماذا تعنين؟.. ما معنى تلك الكلمات الغامضة؟.. كوني صريحة وتوقفي عن المر واغة
واللعب بالكلمات
_
.. صرخت به وكأنها ترمي بكل همومها و أحزانها دفعة واحدة: ائماً ـ أنا لا اشعر بأي شيء.. و أنا معك.. و أنا بين ذراعيك.. هناك شيء ناقص.. هناك شيء ناقص..
وضعت يدها على شفتيها بجزع وقد أدركت أنها صرحت بالكثير.. الكثير الذي لم يحتمله منذر
فتقهقر إلى الخلف مصدوماً مما سمعه وأدركه من خلال كلماتها..
وهو يرمقها بنظرات تشتعل من الانفعال.. الانفعال على كرامته.. على رجولته الجريحة.. عليها هي.. وعلى كل ما أخبرته به الان
كيف حالها الان؟.. كان هذا أول ما سألته شموس لنورا عند وصولها الى منزلها..
أشارت نورا إلى باب جناحها: ـ أنها في جناحي.. وحالتها سيئة للغاية.. مازالت تبكي باستمرار
, لقد تشاجر ت مع منذر مشاجرة عنيفة.. وتعالت أصواتهما.. و..
استحثتها شموس: ـ وماذا؟
.. ردت نورا بحرج: ـ أمي.. من الافضل أن تسألي سهير..
ـ وأين منذر الان؟..
_
ـ لا أدري..
لقد استقل سيارة رؤوف وانطلق بها بسرعة كبيرة ولم يستطع رؤو ف اللحاق به.. ولكنه ذهب ليبحث عنه
.. أغمضت شموس عينيها بقوة.. فهي تدرك أن معركتها مع سهير قاسية وما تواجهه في زواجها أكثر صعوبة مما واجهته نو ار يوماً..
فتنهدت بقوة وهي تسحب نفس عميق.. وقالت لنورا: ـ اتركيني وحدنا.. واعدي لها شراباً باردا
أومأت نورا بصمت
بينما اتجهت شموس إلى حيث توجد سهير والتي وجدتها متقوقعة على الاريكة شاردة في الفضاء وهي تضم ركبتيها إلى صدرها وتحيطهما بذراعيها.. وآثاروعها تهطل بلا توقف..
اقتربت منها بهدوء وجلست خلفها لتلفها نحوها وتضمها إلى صدرها بقوة.. ـ ماذا هناك يا سهير؟.. ماذا حدث؟
.. أجهشت سهير في الحزن وهي تغمغم بكلمات غير مترابطة: ـ انتهى.. كل.. شيء.. أنا.. آذيته.. حطمته.. آثاررت.. كل شيء
.. زادت شموس من ضمها وهي تهدئها: ـ اهدئي يا سهير.. اهدئي حتى أستطيع أن أفهم.. ماذا حدث؟..
أخبرتها سهير من وسط شهقاتها: ـ ضاع كل شيء.. انتهى.. منذر.. وأنا.. انتهينا.. انتهى زواجنا
_
.. مسحت شموس على رأسها بهدوء: ـ لماذا تقولين ذلك؟.. إن منذر يحبك
.. ابتعدت سهير عن أحضان أمها و أخذت تهز رأسها: ـ لا.. لا أعتقد أنه من الممكن أن يستمر في حبي بعد الان
.. ثم عادت تجهش في الحزن وهي تهمس: ـ لقد أضعته.. انتهى كل شيء..
سألتها شموس بحزم:
ماذا حدث يا سهير؟
.. رفعت عينيها لامها وهي تخبرها بألم: ـ لقد أخبرته.. ألقيت الحقيقة في وجهه.. لم أستطع تجميلها أو تخفيف وقعها..
لقد سأمت من التظاهر و أرهقت من الادعاء.. فصارحته.. و… و.. انتهى كل شيء.. سيتركني الان.. سيبتعد.. ويتركني.
. سألتها شموس بارتياب: ـ وما هي تلك الحقيقة التي أنهت كل شيء؟
. هزت سهير رأسها وهي تختنق بشهقاتها: ـ الحقيقة.. أنني عاجزة عن الاقتراب منه كما يجب.. أنني عاجزة عن حبه كما يريد.. أنني زوجة فاشلة.. و أقل من أي امرأة.. أن هناك دائماً ما هو ناقص بيننا..
شهقة قوية من شموس أوقفت سهير عن الاسترسال في الكلام..
_
فرفعت عينيها ألمها بحيرة: ـ لقد خرجت الكلمات بدون أن أسيطر عليها.. أردت أن أخبره انني امرأة غير مكتملة.. فاشلة وباردة.. أردت أن أوضح له أنني لست تلك الفتاة الساذجة والسطحية التي يظنها.. ولكن.. لكن خرجت الكلمات بأبشع صورة ممكنة
.. تنفست شموس بعمق.. وهي تحاول التحكم في انفعالها, فابنتها منهارة بالفعل وحياتها بأكملها على المحك.. وما أخبرته لزوجها أقسى من أن يتحمله أي رجل..
رمقت آثاروع ابنتها في شيء من الحزن وهي تسألها: ـ ولم أخبرته ذلك الكلام؟.. لم تعتقدين أ نك عاجزة عن منح زوجك ما يستحق
عادت سهير تجيب بأسلوبها الشارد وكأنها غائبة عما حولها:
لان تلك الحقيقة.. أنا غير قادرة على حبه كزوجة عاشقة!.. أو كأي امرأة أخرى طبيعية.. فعل؟..
وجدتي قامت بما قامت به نحوي كي لا أشعر هكذا.. أن لم تكوني موجودة بجانبي, وكذلك والدي.. كنت وحيدة ولم أدرك لم فعلت ذلك.. حتى تفسيرك لي كان مبتو ا مشوهاً.. فلم أفهم.. لم أفهم.. أحياناً إلى أجزاء.. أشعر أن عقلي سينفجر..
فهو مشطور جزء يحثني أن أصبح تلك الزوجة العاشقة لزوجي.. وجزء آخر يمنعني ويكبح تلك المشاعر.. وهناك ذلك الجزء الاخر الذي يقف حائرا غير قادر على اتخاذ أي رد فعل
تهالكت شموس على أقرب مقعد وهي تهمس بألم ـ يا الهي!!..: إن المشكلة أكبر مما ظننت لقد كنت أعتقد أ ن تعانين من قلق.. عادي أو ما شابه..
و قاطعتها سهير: ـ ولكني خائفة.. أنا خائفة على الدوام
.. نهضت شموس وهي تمسك بذراعي ابنتها:
_
سهير ابنتى ان عقلك صور لك ما حدث قديما بتلك البشاعه التى تصورينها الان
جدتك اتبعت أسلوباً عتيقاً, بل يكاد يكون بدائياً.. وكونك طفلة صغيرة في ذلك الوقت هو ما ضخم تلك المشاعر بداخلك.
رمقتها سهير بضياع: ـ أمي.. أنا لا أفهم..لاأعرف كيف اتصرف
.. ضمتها شموس بقوة لصدرها وهي تهمس بحزم:
اتمنى لو كن أ صارحتني من مدة لكنت استطعت مساعدتك.. ولكن الان.. لا مفر البحث عن مساعدة مناسبة ومحترفة..
ابتعدت سهير عنها بقلق: ـ ماذا تعنين يا أمي؟.
. رفعت شموس ذقنها بحزم و هي تخبرها: ـ أعني أنه يجب علينا الذهاب إلى طبيبة.. على الاقل في البداية تكون طبيبة نسائية.. ثم.. طبيبة نفسية متخصصة ومأتمنة… و أعتقد أنني أعرف واحدة..
تملصت سهير من أمها بقوة وهي تصيح بها: ـ ماذا!!.. هل تعتقدين أنني غير متزنة؟!
خبطت شموس كف بكف متعجبة:
ـ من يسمعك يعتقد أنك أُمية جاهلة!.. نت تعلمين انك بحاجه إلى مساعدة.. أتمنى لو كنت ستطيع تقديمها لك ولكنى أخشى أ ن تزداد الحالة سوء.. واللجوء إلى الطب النفسي لا يعني بالضرورة وجود مرض عقلي.. لقد لجأت إلى مساعدة طبيبة نفسية بعد فقداني لا خي وفقداني لرحمي..
_
برقت عينا سهير بذهول: ـ ماذا؟!..
أخذتها شموس من يدها وجذبتها ليجلسا على الا ريكة معاً: ـ نعم.. لقد حدث هذا.. لقد عارضت في البداية ولكن أبيك أقنعني بضرورة الذ هاب, فحياتنا ِ كانت على المحك..
هزت سهير رأسها بذهول: ـ كلا.. كلا..
فصاحت بها شموس:
بل نعم هل تعتقدين ان ما مررت بيه كان سهلا او هل من الممكن ان اتغلب عليه بمفردى وحتى مع دعم ابيك مررت بوقت عصيب جدا لولا تلك الطيبه التى اخبرتك بيها والتي أصر طبيبي في ذلك الوقت على مقابلتي لها وأضيف له اصرار ابيك لما كنت تغلبت على حسرتى وانت يا حبيبتى فى امس الحاجه اليها
حاولت سهير الرفض: ـ ولكن ماذا عن منذر؟..
أجابتها أمها بحسم يجب أ ن تستعيدي ثقتك بنفسك أولا حتى تستطيعين استعادة زوجك..
سألتها سهير مرة أخرى: ـ هل من الممكن أن يغفر لي؟..
طمأنتها شموس: ـلا تقلقي.. سأجعل والدك يتكلم معه..
صر خت سهير: ـ كلا..
_
تكلمت شموس بحزم وجدية:
سهير سوف نحاول اصلاح المشكله والبدايه عندك انت يجب أن تقتنعي بالتخلي عن تلك السرية والكتمان..
ودعي والدك يصلح الوضع مع منذر.. ولا تقلقي.. إن والدك لن يتسبب بأي إصابة طفيفة أو احراج لك
بدت سهير غير مقتنعة ومترددة في الموافقة على ما اقترحته والدتها..
وعادت تلتمع عينيها بنظرات الحيرة والضياع.. فهي تخشى ذهابها لتلك الطبيبة.. وفي نفس الوقت لم تعد قادرة على التعايش مع طوفان الافكار والمشاعر المختلطة التي تجيش بها..
شعرت أمها بها فربتت على كتفها برقة:
ارتاحى قليلا وساطلب من نورا تعد لك شىء تتناوليه ثم نقرر ما سيحدث ولكننى ساتصل بابيك حتى يتحدث مع منذر.. لا.. لا أريد أي اعتراض
طأطأت سهير رأسها في صمت.. وهي تراقب أمها تهاتف أبيها وتشرح له ما حدث باختصار و أخذ صوتها يخفت وهي تبتعد وتفتح باب الجناح متوجهة إلى الخارج حتى تكمل محادثتها..
فدخلت نورا حاملة صينية مأكولات..
ووضعتها أمام سهير و أخذت في اطعامها بهدوء.. وسهير ساهمة وكأنها في عالم آخر..
_
انطلق منذر بالسيارة على غير هدى.. انفعال.. دهشة.. ألم.. مرارة.. ضياع.. ذهول.. حيرة.. قهر كل تلك الاحاسيس لا تستطيع وصف هامش بسيط مما يعتمل بداخله.. لم يفهم.. كيف يمكنها أن تكون بتلك القسوة؟..
كيف يمكنها نطق تلك الكلمات؟.. والادهى أن هذا ما كانت تفكر فيه وتشعر به لشهور..
وهو من كان يظن أن كل مشكلتها نفور من العلاقة الحياة مشتركة.. لكنه لم يتخيل للحظة أنه هو السبب!!
يا الله!!.. كيف لم يلحظ ذلك؟.. كيف؟.. ولكن.. لكن حتى لو لاحظ إن أبشع كو ابيسه لم يكن ليتصور فيها أن تصفعه سهير بتلك الكلمات…
سهير الرقيقة جدا الخجله على الدوام لاترضى به رجلا
ترقرت آثاروع القهر في عينيه وكاد أن يذرفها بالفعل.. ولكنه رفض أن يمنح نفسه الراحة بتلك القطرات الدامعة.. فهو يحتاج لكل ما بداخله من انفعال.. لا يمكن أن يسقط منه منهارا
فيثبت لها فعالً أنه ليس رجلا.. لم يعرف ماذا يفعل.. أو أين يذهب.. فقط ظل يجوب الشوارع لساعات بدون هدف وجملتها القاسية تتردد في اذنيه..
” أنا لا اشعر بأي شيء.. و أنا معك.. و أنا بين ذراعيك.. هناك شيء ناقص.. هناك دائماً شيء ناقص.
.” ضغط على دواسة الوقود بقوة وكأنه يفرغ انفعاله فيها..
فازدادت سرعة السيارة بخطورة.. ولفحت نسمات الهواء وجه منذر لتهدأ من حرارة الآثاراء المتصاعدة بانفعال إلى رأسه.. وبدأت الافكار تتوارد الى رأسه “هل معنى كلامها ما فهمته؟… هل لا تشعر بأي شيء بالفعل؟.. هل هي لا تران كفاية لاسعادها؟.. وما الذي ينقصني لاسعادها؟.. هل يمكن إن تجد ذلك الشيء الناقص مع رجرا آخر؟…
_
” زاد من سرعة السيارة وهو يرغب في الهروب من صورتها مع أي رجل سواه.. و أخذ يلوم نفسه.. “كيف له أن يتألم هكذا من مجرد خيال لها مع غيره.. بينما هي لم تتردد في إلقاء الحقيقة في وجهه بكل قسوة؟..” ثم يعود ليراجع نفسه.
“كلا.. لقد حاولت الهروب من المواجهة طويلا.. وكانت تعود لقوقعتها وترضى بتلقي نظرات اللوم مني.. دون أن تصرح بشيء.. أنا من ضغطت عليها وسببت ذلك الانفجار”
ضحك من نفسه بسخرية..
“أيها الغبي هل تلتمس لها الاعذار.. تلك القاسية.. جامدة القلب.. عديمة المشاعر.. نعم.. نعم.. أنها معدومة المشاعر
وسأثبت لها أنه توجد اآلالف غيرها يرغبن في حبي الناقص الذي لا يشعرها بشيء”
الفصل العشرون
أوقف السيارة و أخذ يبحث عن هاتفه في جيوبه ولكنه تذكر أنه ترك بين يدي سهير.. فزفر بضيق..
ثم لمح هاتف رؤوف ملقى على حاجز السيارة الامامي.. فأمسك به بلهفة.. وهو يضغط الازرار التي حفظها عن ظهر قلب طوال الشهر الماضي..
وما أن جاءه صوت وداد, حتى هتف بها يا وداد.. ِ أنا في طريقي إ ليك .. الان .. الان يا وداد
أغلق الهاتف وارتسمت على ملامحه عالمات التصميم وهو يوجه السيارة للطريق المؤدي إلى قصر الجيزاوي..
_
بينما على الجهة الاخرى ارتسمت على وجه وداد ابتسامة انتصار واسعة..
تمددت نعمات على فراشها في غرفتها القديمة بقصر الجيززاوي, والتي مكثت فيها بعد وفاة عبد الرحمن
.. دارت عيناها على معالم الغرفة وهي تبتسم بسخرية..
“لقد عدت إ لى نقطة البداية.. فهنا.. بين جد ارن تلك الحجرة بدأ كل شيء.. بدء من حالة الضياع التي مرت بها بعد وفاة عبد الرحمن ووصولاً إلى تلاعب قمر بها لتقنعها بالزواج من رؤوف.. تلاعب سمحت هي به في ذلك الوقت.. فهي لم تكن تعرف ماذا تفعل بحياتها.. كانت في حالة ضياع استغلتها قمر ببراعة.. لتزج بها في ذلك االارتباط مع رؤوف.. والذي لم يثمر عن أي شيء.
أغمضت عينيها للحظة.. وهي تخاطب نفسها.. ”
لا تغالطي نفسك يا نعمات.. كيف لم يثمر عن شيء.. إن رصيدك المصرفي الان مكون من رقم ذو ستة أصفار”
وهذا هو الفارق عن حالتها بعد موت عبد الرحمن.. فهي بالفعل امتلكت الكثير كميراث شرعي لها.. الا أنه كان أسهم.. و أنصبة مختلفة في أملاك وعقارات الجيزاوي.. و لم تكن تمتلك الخبرة.. أو القوة على التصرف في أي شيء.
. أما اآلن فهي معها ثروة لا بأس بها.. فعلى ما يبدو أنه لم يكتب لها الذرية.. ولكنها تستطيع تأمين سنين عمرها القاآثارة بتلك الثروة الصغيرة.. بالاضافة إلى أسهمها البسيطة في شركة الجيزاوي..
تعجبت من نفسها ومن أفكارها السلسة في تدبير حياتها القاآثارة.. هل معنى هذا أنها قررت بالفعل ترك رؤوف؟.. هي تعلم أنه حضر صباحاً لرؤويتها ولكنها تعللت بتعب أعصابها حتى لا تراه..
ظنت لوهلة أنه سيصر على رؤويتها ولكنه لم يفعل.. وهي لم تتعجب لذلك فيبدو أنه قال ما عنده في مواجهتهما الاخيرة و أنهى تلك المرحلة من حياته والان سيتفرغ لاسرته الصغيرة وابنه القاآثار في الطريق.
_
. كم كانت تتمنى لو أنها قاسية بما يكفي لتحرمه فرحته بذلك الطفل, ولكنها ليست بتلك القسوة أو الحقارة فمهما بلغ حقدها على نورا الا أنها غير قادرة على ايذاء الروح الصغيرة بداخلها.. لكن هذا لا يعني أنها لا تريد العثور على أي وسيلة فقط لتعكر سعادتها.. وسعادة الجميع أو تسلبهم تلك السعادة.. فقط هي غير قادرة على سلب روح بريئة.. كل ذنبها أنها نبتت في الرحم الخطأ..
صوت سيارة تندفع بسرعة بالغة داخل الطريق الداخلي لقصر الجيزاوي هو ما أخرجها من تأملاتها
فتحركت بفضول لترى من الذي اقتحم القصر بتلك الطريقة, ولكنها فوجئت بسيارة رؤوف تصتف في الممر وبتلك الفتاة التي تعتني بالرجل العجوز وهي تركض حتى وصلت إلى جانب الباب الامامي الذي خرج منه قائد السيارة وانقض على الفتاة بتحية عاصفة
.. نعمات وهي تتابع المشهد.. وشلت الدهشة حركتها للحظات.. لم تستطع تصديق عينيها.. هل من المعقول أن يكون يخدعها هي وفتاته الصغيرة معاً ليقيم عالقة مع تلك الممرضة..
حاولت الرؤية من زاوية أوضح ولكنها لم تتبين سوى خيال لشبح رجل لم تستطع تبين ملامحه
استعادت قدرتها على الحركة فالتقطت هاتفها وتحركت بسرعة.. و أخيرات نحو الشرفة الخار جية للفيلا لتستطيع الرؤوية من زواية أفضل
وبدأت تسجل بعدسة الكاميرا الخاصة بهاتفها كل ما يدور.. بين الفتاة والرجل الذي يرافقها.. والتي تبينت ملامحه االان وعرفته على الفور.. وعرفت أيضاً كيف يمكنها تعكر سعادة غريمتها.. ولكن بطريق غير مباشر..
تهالك رؤوف بتعب على أول مقعد قابله في بهو منزله..
وزفر بحنق وهو يخبر نورا: ـ لم أجده في أي مكان.. وكأن الارض ابتلعته!
سألته نورا: ـ هل ذهبت إلى منزل جدي؟.
_
ـ بالطبع.. لقد كان أول مكان أذهب إليه.. ولكنني لم أجده هناك.. أو في الشركة.. أو في منزله.. لا أعلم أين ذهب!..
لعله يجوب الطرقات.. أو سافر خارج البلدة بأكملها
.. وهمس بصوت منخفض لم تسمعه نورا: ـ أنا لا ألومه..
ورفع صوته ليسألها: ـ هل خالتي شموس هنا؟
ـ نعم.. لقد تحدثت مع سهير وبعدها قامت بعدة مكالمات أخرى والان تعد لسهير شئا لتأكله… أعلم أنك تحتاج للراحة.. لم ال تصعد إلى الطابق العلوي وترتاح قليلا ..
فيبدو سهير باقية في جناحنا الليلة
.. سألها بدهشة: ـ حقاً؟! اجابته
وقد عادت غيرتها تغلبها: ـ نعم.. ولكن اختر أي غرفة غير غرفتك القديمة!
قبل أن يرد عليها سمعا صرخة مكتومة.. صدرت من جناح نورا التي اندفعت على الفور لتتفقد ما يحدث مع شقيقتها
فوجدتها ترمق هاتفها بذهول وهي تضع يدها على فمها حتى تكتم مزيد من الصرخات والآثاروع قد تجمدت في مآقيها.. ولكن لم تكن فقط آثاروعها ما تجمدت.. كانت كل ملامحها متجمدة وهي تتابع ما يعرض على شاشة هاتفها
_
.. تحركت نورا نحوها وضمتها بقوة لصدرها.. وهي تنصحها:
ـ سهير توقفي عن مشاهدة تلك الصور..لا تعذبي نفسك أكثر..
لم تجبها سهير بأي كلمة.. ووظلت عينيها تتحرك تتابع شاشة هاتفها..
ثم غمغمت بصوت خافت مجروح: ـ لقد ذهب إليها
.. ثم رمت هاتفها وهي تلتفت لنورا: ـ أريد أن اذهب إلى منزلي!
سألتها بدهشة: ـ ماذا؟!!
تحركت سهير بسرعة لتخرج من الجناح
فاصطآثارت برؤوف الذي كان يقف خارج الباب قلقاً مما يحدث بالداخل..
نظرت لرؤوف للحظة قصيرة وكأنها تتعرف على ملامحه,
ثم أخبرته بلهجة آمرة: ـ اصطحبني إلى المنزل.. الان!!
_
سألها بتوجس: ـ إلى بيت عمي عبد السلام؟
أخبرته بحزم: ـ بل منزلي.
جاءت شموس مهرولة من المطبخ لتستمع إلى كلمات سهير الاخيرة..
فحاولت إثنائها: ـ سهير.. من الافضل أن تبتعدي عن منزلك ليومين فقط..
ثم.. قاطعتها سهير وهي تدفع بذراع رؤوف:
سأذهب الان.. رؤوف.. هل ستصطحبني؟.. أو أذهب بمفردي؟
.. صاحت شموس مرة أخر ى: ـ سهير.. انتظري..
تحركت سهير بالفعل في طريقها للباب وكأنها لم تسمع شيئاً…
وخاطبت أمها: ـ لن أنتظر يا أمي.. ومن فضلك.. أنا أحتاج أن أكون مع منذر بمفردنا عند عودته.. ً. سأتصل بك قريبا
ثم سألت رؤوف بجدية: ـ رؤوف.. هل ستأتي؟
_
تحرك رؤوف ليصطحبها في السيارة التي عاد بها من الشركة:
حسنا سأتى معك
ما أن خرج رؤوف مصطحباً سهير حتى سمعت شموس صوت نو ار وهي تصيح بصوت مذهول
: ـ لا أصدق.. لا أصدق.. كيف وصلت بها الدناءة لتلك الدرجة؟!..
دلفت الى جناح ابنتها لتراها ممسكة بهاتف سهير وهي تتمتمم بكلمات غير مفهومة..
فجذبت الهاتف منها لتصآثارها صور لمنذر وهو يقبل وداد بحرارة وهي تبدو ذائبة بين ذ ارعيه..
تصفحت الهاتف بسرعة لترى مزيدا ً من الصور لوداد مع منذر..
وفي النهايه ظهرت لها بضع كلمات لم تصدق عينيها لرؤيتهم.. ”
كما اكتويت بنار شقيقتك.. سأحرق حب زوجك في قلبك “..
بالطبع لم تحتج شموس أن تبحث عن الرقم الذي جاءت منه الرسائل فقد كان و اضحاً أن نعمات هي من أرسلتهم..
_
فتمتمت بذهول: ـ لقد جنت المرأة بلا شك
.. سألتها نورا بقلق: ـ ماذا سنفعل؟.. هل سنترك سهير بمفردها مع منذر؟..
جابتها شموس بحيرة: ـ لست أدري.. لست أدري.. كيف يمكنني أتواجد معها وهي تواجه زوجها بخيانته؟.. لست أدري ما العمل؟.. أنا في غاية الحيرة.. لكني يجب أن أحادث أ بي أن يعثر على ِ منذر بأقصى سرعة
.. ترددت نورا وهي تقول بقلق: ـ وهل سنخبر رؤوف؟
.. اجابتها شموس: ـ بالطبع سوف نخبر رؤوف.. لقد تعدت نعمات كل الحدود.. لم يكن عليها ادخال ز واج سهير في رد فعل ليس لها أي علاقة به.. تلك السيدة يجب ايقافها.. وزوجك هو الوحيد القادر على ذلك.. الان.. دعيني أحادث والدك لارى إذا كان وصل لمنذر أو لا..
جلس منذر في كرسي القيادة بسيارة رؤوف خارج قصر الجيزاوي وهو غائب عما حوله لقد كاد .ان يسقط في الفخ.. فخ التقصير.. حمدا لله ً على نعمة العقل الذي نبه في آخر لحظة أنه على وشك خسارة كل شيء.. زوجته.. ونفسه والاهم ايمانه
حمدلله على نعمه الايمان
هو لم يستطع أن يصدق ما كاد أن يفعله منذ دقائق.. لقد انقض على وداد ما أن رآها محاوالاً تضميد جراح رجولته والتي أآثارتها سهير بشدة.. وهي استجابت له بطريقة لم يتوقعها.. طريقة انبأته بما لا يدع مجالاً أنها أكثر من جاهزة لتلبية ر غباته.. بل أنها للشك أكثر رغبة وربما أكثر خبرة
. ضحك من نفسه بسخرية.. فهو اتبع طريقة رجال الكهوف ليثبت أنه رجل.. و هذا بالضبط ما أوقفه عن اكمال ما بدأ مع وداد.. فهو للحظة لم يدرك ماذا يحاول اثباته؟.. ولمن؟.. لنفسه.. أم لسهير؟
.. أنه لا يسعى اثبات أي شيء لنفسه فهو أدرى الناس بحاله, فهل يسعى لاثبات أنه رجل لسهير عن طريق خيانتها؟
_
!!.. أي منطق أعوج استحوذ عليه حتى يأتي إلى منزل جده ويجر وداد إلى المقعد الخلفي لسيارة رؤوف ليحاول اغراق ألمه في وقاحة أنوثتها..
انطلق فجأة في ضحك هيستيري.. قهقهات عالية انطلقت منه وآثارعت لها عيناه.. مما أثار تعجب وداد فسألته بحيرة
: ـ منذر.. ماذا بك؟
.. استمر بالضحك وهو غير قادر على تفسير سبب قهقهاته.. فهل يخبرها أنه جاء لها في محاولة لاثبات رجولته لزوجته.. وتخيل نفسه يخبر سهير..
سهير حبيبتى انت مخطئه انا راجل بكامل حدةوانى ودليلى على ذلك اننى قمت بخيانتك في المقعد الخلفي لسيارة رؤوف الذي سوف يإيذاءني ما أن يسمع بذلك.. أو سيتركني لشقيقتك لتسلخنى حيا هذا اذا لم تسبقيها انت فلقد إيذاءتينى حيا بكلماتك بالفعل
لم يستطع كبح جماح نفسه.. واستمر في ضحكاته العالية مما تسبب في اغضاب وداد التي صاحت به:
ـ منذر.. توقف.. توقف عن تلك الضحكات
.. اعتدل في جلسته.. وهو يحاول التحكم في ضحكاته: ـ وداد.. اخرجي من السيارة واجمعي أشيائك واتركي قصر الجيزاوي الليلة
.. بهتت وداد وهي تسأله: ـ ماذا؟
.. أجابها بجدية: ما سمعت .. الليله .. لن تمكثى ليله اضافيه فى القصر
_
سألته بلهفة: ـ هل تعني أنك ستستأجر لي مكاناً بعيد عن عائلتك؟
اجابها بقوة: ـ اعني أنني لا أريد أن أرى وجهك مرة أخرى.. اغربي عن وجهي..
شهقت بقوة وهي تخبره بوقاحة:
ـ حسناً.. لنكف عن اللعب.. أنت تريدني خارج القصر وخارج حياتك.. كم ستدفع لي مقابل ابقاء فمي مغلقاً؟!
ردد بذهول: ـ ماذا؟
أجابته وهي تكتف ذراعيها: ـ ما سمعت يا حبيبي.. كم ستدفع حتى لا أذهب إلى زوجتك الحلوة الرقيقة و أخبرها عن مغامرتنا معاً.. وأطلعها على رسائلنا ومكالمتنا أيضاً؟
خرج منذر من السيارة كالعاصفة وفتح الباب الاخر المجاور لوداد وهو يصرخ بها: ـ اخرجي..
عادت لتسأله: ـ
كم ستدفع؟..
جذبها من ذراعها بشدة ليخرجها من السيارة وهو يجرها عبر الممر الخارجي للقصر وصولاً إلى درجات السلم الخارجي فكانت تتعثر بشدة بفعل جذبه لها حتى أنها سقطت أكثر من مرة..
_
فارتفعت صراختها بشدة وهي تصيح به: ـ دعني.. دعني أيها المتوحش.. سوف أخبر زوجتك أي حيوان أنت
.. ضحك بسخرية: ـ لا داعي لخآثاراتك العظيمة.. فهي بالفعل تعرف كل شيء
وجد منذر نفسه فجأة وجهاً لوجه مع جده.. الذي سأله:
ـ هل قررت أ ن تطهير قصر الجيزاوي من العقربة التي سكنته؟.
تلعثم منذر بشدة.. ولم يعرف بم يرد على جده الذي أوضحت كلماته بأنه كان على دراية بما يدور حوله..
فعاد جده يخبره وهو يشير إلى وداد التي تهالكت أرضاً:
ـ اتركها لي.. واذهب إلى زوجتك.
والتفت الجد إلى المرأة الملقاة أرضاً وهو يسألها: ـ والان هل ستجمعين أشيائك وترحلين.. أم استدعي الشرطة.. فقد تبين لي أنني فقدت عدة الاف من الجنيهات
.. صرخت وداد: ـ لكنني لم أسرق أموالك
.. جذبها العجوز بقوة لم تظن أنه يملكها و أخبرها بصوت مذعر:
_
ـ لقد كن على وشك سرقة أحد أحفادي إذا كان التأديب لسرقة أموالي هو السجن, فإن التأديب على سرقة أحد أحفادي هو الموت.
جذبت وداد ذراعها منه وهي تقول بقلق: ـ سأذهب.. أنا سأذهب.
اما منذر استقل السياره ليخرج بها خارج القصر ويصفها بعيدا عنه بمسافه معقوله ليجلس ويحدق في الفراغ.. محاولا إلى زوجته ليس التفكير فيما عليه فعله..
فالذهاب بالبساطة التي أطلق بها جده الامر.. أنه يحتاج إلى تفكير عميق ولكنه مرهق بشدة..
لكنه يجب أن يصل لحل.. وهو غير قادر على التفكير على الاطلاق.. أرهقه ما حدث للتو مع
وداد, لقد كان غبياً ليتورط معها في المقام الاول ترى هل سيبلغ جده سهير؟!!..
كلا.. كلا.. من المستحيل أن يقوم الجد بأمر كهذا.. ولكنه سقط من عيني جده.. و ربما للابد.. وهذا ثمن كبير ليدفعه مقابل نزوة حمقاء.. لكنه يستحق.. لا يستطيع أن ينكر.. لقد حذر ه رؤوف مرارا ولم يصغ
أخذ يلكم عجلة قيادة السيارة بقبضته.. وهو يصرخ بنفسه.. “غبي.. غبي..”
انتفض جسده فجأة وهو يسمع صوت خاله عبد السلام وهو يفتح باب السيار ة ويستقر في الكرسي المجاور له ويسأله: ـ لماذا تنعت نفسك بالغباء يا منذر؟
.. همس بصوت خافت بعد أن اطمئن قليلاً: ـ خالي!!..
_
أجابه خاله: نعم خالك يا منذر؟.. أين أنت يا ولدي؟.. لقد ارهقتنا بحثا عنك
اجابه منذر محاولا تغير الموضوع
كنت اجوب فى الطرقات … ماذا فعلت بقاسم اليوم يا خالى ؟
سأله عبد السلام قائالً: ـ ماذا تعتقد؟.. هل تظن أنني إيذاءته!.. لقد سلمته لوالدتك.. وهي ستعرف كيف تقنعه بالرحيل.. و االا سيتدخل جدك.. ويقنعه بطريقته.. لا تقلق على شقيقك
.. ساد الصمت لفترة.. ثم سأل منذر خاله:
ـ هل كنت ترغب في الحديث مع جدي؟.. ـ
كلا يا ولدي.. لقد كنت أتمشى قليلاً.. فهواء الليل ينقي الافكار.. ويجلي العقل..
عاد منذر يسأله: ـ هل ترغب أن اصطحبك إلى المنزل؟
اجابه خاله وهو يصطنع التبرم:.. ـ كلا .. فالمنزل أ بعد زواج البنات صبح خالياً. ولم اعد أجد من أتسامر معه. ولكن الله بعثك لي الليلة.. فهي فرصة لاسترجاع بعض ذكريات الماضي التي أصبحت شموس تتبرم من سماعها..
سكت عبد السلام لحظات ثم رمق زوج ابنته بجدية متسائالا
_
ً: ـ هل توافق على مشاركتي بعض ذكرياتي القديمة؟
.. تلعثم منذر لثوا ٍن ثم اجاب: ـ نعم.. نعم بالطبع يا خالي..
أرجع عبد السلام رأسه الى الخلف.. و أغمض عينيه وهو يسترسل في الكلام إن أكثر ذكرياتي أ لماً وقسوة: المتعلقة بالفترة التي خسرنا فيها أنا وخالتك شموس. ابننا.. الطفل الذي مات قبل أن يولد ـ. لذلك لا. أستطيع أ مامها ذكرها كثيرا هي تلك ذكريات ً….. ف مؤلمة كما تعلم
.. أومأ منذر برأسه ولم يتحدث فهو لا يعلم إلى ما يهدف خاله..
ولكن عبد السلام حركة َ لم ير رأسه فهو استمر باغماض عينيه و أكمل:
هل تعلم أن في ذلك الوقت أ رسل لي جدك رؤوف مرة أخرى ليعرض علي مره اخري الزواج بنعمات.. وقد عزز عرضه بأن شموس فقدت رحمها وبالتالي فرصتها في الانجاب.. بالطبع تستطيع الاستنتاج أنني رفضت ذلك العرض.. ثم فتح عينيه فجأة
وهو يسأل منذر: ـ هل تعلم لماذا ر فضته؟.. وجلبت على رأسي انفعال جدك.. الذي لم يتوقف
.. أجاب منذر بواقعية: ـ من أجل خالتي شموس بالطبع
أومأ عبد السالم موافقاً: ـ نعم من أجل خالتك شموس..
ولكن لم يكن ذلك لضعف أو تخاذل مني كما اتهمني جدك.. فلو تغيرت الاوضاع وفقدت شموس الولد فقط واحتفظت برحمها,
_
ربما طاوعت جدك حتى لا أكون عاصياً لامره وعاقاً له.. فالذرية هبه من الخالق.. ولقد ذاقت شموس حالوة تلك الهبة, ولكن فقدانها لرحمها غير قواعد اللعبة فأنا لم أرد لها أن تشعر بأي نقص.. لم أرغب أن أعرض المرأة التي أحببتها لاحساس أنها امرأة أقل من غيرها.. فقط لأن القدر شاء أن تفقد رحمها.. قد لا تعلم احساس الانثى بأنها أقل من غيرها.. أو بأنها لا تمنح رجلها ما يحتاجه.. ولكنه احساس قاتل.. لم أعشه أنا بالطبع ولكني رأيته بوضوح في عيون زوجتي..
أريته بوضوح شديد حتى ُخيل لى انني عشته, فرفضت عر ض جدك على الفور
سأله منذر بانفعال: ـ خالي.. هل تلمح لعلاقتي بسهير؟
.. سأله خاله بهدوء: لماذا تظن ذلك يا منذر؟.. هل تعتقد أن سهير ترى أنها امرأة أقل من غيرها؟..
رفع منذر رأسه فجأة وقد برقت في عقله إحدى جمل سهير والتي تغاضى هو عن تفسيرها لشدة انفعاله..
واخذت تلك الجملة تتردد بقوة.. “لانني عاجزة عن الشعور بك.. عاجزة عن منحك مشاعر الزوجة العاشقة لزوجها.. عاجزة عن حبك بالطريقة التي تريدها أنت..”
ثم عاد صوت خاله يعلو على صوت أفكاره مرة أخرى: ـ
بمناسبة الذكريات التي صاحبت تلك الفترة.. هل تعلم أن سهير قد مرت بتجربة سيئة للغاية في تلك الفترة؟
نظر منذر إلى خاله باستفهام فأضاف الاخير:
ـ لقد قررت جدة أمها أنه حان الوقت لاجراء عملية ختان لها, وللاسف استخآثارت سيدة بدائية وجاهلة للقيام بتلك العملية.. بدالا من اللجوء لطبيب مختص حتى لاستشارته إذا ما كانت الفتاة بحاجة إلى تلك العملية..
_
لقد تعرضت سهير لدهشة ر هيبة, وآالم مبرحة.. حتى انها تعرضت للنزف.. ولكن بفضل الله كان نزيفاً بسيطاً
همس منذر بدهشة: ـ يا الهي!!.. لماذا لم تخبرني؟..
اجابه خاله: ً ـ لقد عانت سهير لفترة طويلة من الكوابيس.. ربما ما ازد الموقف سوء عآثار وجو د والدتها بجوارها لفترة طويلة بسبب ظروفها الصحية في تلك الفترة..
ولكن سهير دفنت تلك الحادثة في عقلها وقررت تناسيها تماماً.. ربما لذلك لم تخبرك.. أو.
سأله منذر باستفهام: ـ أو ماذا يا خالي؟..
ـ أو هي استشعرت عآثار رغبتك في سماعها
.. حاول منذر معارضة خاله, لكن عبد السلام قاطعه:
ـ شيء أخير أريد اخبارك به.. أعرف أن موافقتي على زواج رؤوف بنورا عرضتني للكثير من الشائعات.. حتى أن البعض اخبرني صراحة أنني قآثارت ابنتي قرباناً للصلح مع أبي..
قال منذر بحرج: ـ خالي..
قاطع عبد السلام كلماته وكأنه لم يتحدث على الاطالق واستمر في حديثه:
_
ـ لم يكن هذا صحيحاً على الاطالق.. فأغلى ما أملك هن بناتي.. ولا يمكن أن أقامر على سعادتهن أبدا ان رؤوف طلب نور القمر بالاسم.. لم يتصرف كما هو معتاد ً.. لقد وافقت وطلب الزواج من سهير لانها الكبرى وهو بالمناسبة لم يكن يعلم على الاطالق بحبك لسهير.. ولكنه طلب الزواج من نور القمر لانه أرادها هي.. لم يطلب رؤوف لنفسه أي شيء طوال خمسة وثالثون عاماً.. وعنآثارا طلب ابنتي, علمت أنه سيحافظ عليها حمدلله انه لم يخب ظني.. وسيسعدها..
ثم ضغط على كتف منذر بجدية:
ـ منذر يا بني لا تجعلني أتمنى لو أن رؤوف كان أتبع الطرق التقليدية
.. اتسعت عينا منذر من قسوة الكلمة.. ولكن خاله عاد ليربت على كتفه بحنان:
ـ اعذرني يا ولدي.. فأنا أب يحاول حماية سعادة ابنته.. ومما آراه أن سعادتها معلقة بك.. فلا تخذلني.. ولا تخذلها.. هيا .. أدر تلك السيارة حتى تصطجبني لمنزلي.. وهذا ما فعله منذر..
فقد قام بايصال خاله إلى منزله
ثم ترك سيارة رؤوف بجوار المنزل و أخبر خاله أنه سيذهب إلى منزله مشياً على قآثاريه.. ولكنه لم يتوجه إلى منزله, بل ذهب إلى مكتبه بالشركة ليجلس أمام حاسوبه ويتصفح كل ما أمكنه من مواقع تتحدث عن الختان وآثاره المختلفة.. تابع بنهم جميع المعلومات التي تظهر أمامه من آراء فقهية و آراء علمية وتجارب مختلفة لاناث تعرضن لتلك التجربة.. وتجارب أخرى ألزواج عانوا في علاقتهم مع زوجاتهن وخاصة ممن تعرضن للتجربة بطريقة بدائية وحدة مفرطة مثلما تعرضت سهير..
التهم بحثه معظم ساعات الليل.. بعض الابحاث جعلته يظن أ ن الحل سهلاً البعض.. و الاخر ضخم من حجم المشكلة.. حتى أنه لم يعد يعرف ماذا يفعل!!.. غالبية المشاكل التي قرأها كانت الاجابة عنها ضرورة اللجوء إلى الاطباء.. النفسسيين على الخصوص.. ثم الاطباء المتخصصين في االستشارات الحياة مشتركة..
اللجوء الى الطب يبدو حلا سهلا بكن هو هل يقبل والاصعب هل يستطيع تنفيذه ؟
هل يسمح بقبول النصح من شخص غريب تماماً ليخبره كيف يتعامل مع زوجته؟!!.
_
عاد إلى الخلف في كرسيه حتى يصل لوضع أكثر راحة وهو يعصر خاليا عقله محاولاً الوصول للحل الامثل..
ولكن فجأة داهمه سؤال هام.. هل ما يحتاجه هو بحث عن حل فعالا.. هل الوضع بينهما مازال قابلا للاصالح
.. لقد اخطأ كل منهما في حق الاخر.. ولكن عليه أن يعترف أن مساحته من الخطأ أكبر.. فهو ترك الامر ليتفاقم..
هو من هرب من حزنها الدائم وتقوقعها على نفسها بعلاقة خارج إطار الزواج.. والخطأ الذي يعتبره الاعظم على الاطلاق هو تجاهله لقلقها الغر يب في ليلة
الزفاف.. لقد اكتفى بالوصول إلى ما يريد بعد ذلك عن طريق قرص المهدئ وأسكت ذلك ن ذلك لم يكن قلقاً طبيعياً.. كان يجب الصوت الذي استمر في تحذيره.. الاطلاق عليه البحث خلف أسباب ذلك القلق.. و أن يضغط عليها حتى تصارحه.. ولكنه اختار أن يتجاهل ذلك القلق.. وبذلك حرمها حتى من الاحساس باالامان.. إذا كان حبه لسهير يستحق تضحيته بجزء ليس باليسير عليه أن يوازن اختيا ارته ويفكر جيدا على كرامة أي رجل والذهاب معها إلى طبيب مختص بالعلاقات الحياة مشتركة.
التقطت نعمات هاتفها لتجد عددا من المكالمات الهاتفيه تتصفحها بسرعه لتجد رقم رؤوف
يتكرر مرتين.. ابتسمت بسخرية.
. “بالطبع.. لابد أن فتاته الصغيرة اشتكت له الساحرة الشريرة العجوز وما فعلته بشقيقتها الحسناء
..” التمعت عيناها بسعادة وهي تهتف.. “حسناً.. بهذه الطريقه ستلومه السمراء الصغيرة على تعاسة شقيقتها..
فعلى أي حال أنا مازلت زوجته.. ” تصفحت باقي الارقام.. لتجد رقم غريب يتكرر أكثر من مرة..
_
تعجبت من ذلك الرقم وكانت كثر عجباً أ من تكرارالرقم..
ارتفع رنين الهاتف فجأة لتضيء شاشته بنفس ذلك الرقم المجهول.. فدفعها الفضول للا
جابة.. وما أن وضعت الهاتف على أذنها حتى وصلها صوتاً رجولياً يقول بعبث:
يا لك من فتاه شقيه
شهقت بقوة وهي تجيب بانفعال: ـ ماذا؟.. ما هذا التهريج؟!.. تأدب يا هذا!
ارتفعت صوت ضحكاته وهو يخبرها مرة اخرى ـ حسناً.. حسناً.. لا تانفعالي.. فقط أردت ان أعبر عن اعجابي بما قمته به اليوم!
همست بارتباك: ـ ماذا؟.. ماذا تقصد؟..
عاد لاستخدام ذلك الصوت العابث مرة أخرى: ـ أعني ما قمت به نحو سهير.. لقد أ ثبت ِانك لست جميلة فحسب بل ذكية أيضاً!,
همست بعجب وقد استساغت الكلمة: ـ جميلة!!..
أجابها بغزل صريح:
_
بالطبع يا حلوتى انت لست جميله فحسب بل فاتنه ايضا وهذا رايىء بكل تواضع
نهرته في ضعف: ـ توقف عن هذا العبث.. من أنت؟.. ومن أين تعرفني؟
.. تصنع الحزن وهو يسألها: ـ أتعنين أ نك لم تتعرفي على صوتي حتى الان ؟
ارتفع صوتها وهي تجيبه: ـ افصح عن شخصيتك.. و الا
قاطعها بضحكة عالية: ـ أحب الفتاة الحازمة.. أنا قاسم يا حلوتي.. أنا فارسك المنقذ يا فاتنتي.
يتبع….