
أخذت تضغط على أصابعها بتوتر وهي تشعر بمشاعر جمة، فلقد عاد ليحي ما دفنته بداخلها و بعثر كل ما في مقبرتها.
أردف بحذر :- ساكتة ليه؟
هزت رأسها بمعنى ماذا تقول، فتنهد هو بعمق قائلاً بحزن :- مقولتيش ليه يومها بدل ما أنتِ جاية ترمي طوب، ساعتها كان نفسي ا ك و أطفي ناري منك، دة أنا كنت مستحلفلك لحد وقتنا دة بس اللي حاشني إني عرفت الحقيقة .
أردفت بوجع :- هددني أنه هي ك، هما الاتنين هددوني و وقتها ماما الله يرحمها كانت تعبانة وهو أستغل دة كويس.
أردف بغيظ :- يعني شايفاني عيل مش هعرف أحميكِ ! دة أنا كنت فعصتهم تحت رجلي بس غبائك و ضعفك هو اللي وصلنا للطريق دي.
أردفت بنبرة توشك على البكاء :- لو هتفضل تلومني كدة همشي أحسن.
زفر بضيق قائلاً :- إيه مش قادرة تواجهي نفسك قدامي و تعرفي إنك كنتِ غلطانة!
ارتعشت يديها قائلة برجاء :- عاصم كفاية.
ضم قبضته بشدة وهي يراها على تلك الحالة وغير قادر على احتوائها لطمئنتها فأردف بهدوء مغاير :- خلاص يا سندس انسي كل حاجة راحت زي ما أنا كمان هنسى، هنبتدي من جديد من غير ما نخبي على بعض أي حاجة تحت أي ظرف مهما حصل، ماشي؟
هزت رأسها بموافقة، فأردف بابتسامة بسيطة كي يرفع عنها الحرج :- قوليلي بقى يا سيدة الأعمال أخبار شغلك إيه؟
نظرت له بغيظ قائلة :- كان في حد بيقول إني بهش دبان!
ضحك بمرح قائلاً :- قلبك أبيض بقى، ها يا ستي احكيلي.
ابتسمت بعذوبة و راحت تقص عليه عملها و المنتظر منها في الفترة القادمة، تثرثر بحماس وهو يتابع ذلك برحابة صدر، وكم اشتاق لتلك الأيام معها التي يتلهف شوقاً لاستكمال المتبقي منها معها.
قاطع حديثهم رنين هاتفه، وما إن رأى المتصل أردف بمرح :- دي أمي! حماتك بتحبك.
رد على الهاتف لتتغير ملامح وجهه ما إن هتفت ببعض الكلمات فأردف بعدها بسرعة :- ماشي يا ماما أديني جاي أهو.
أنهى الحديث معها لتردف سندس بقلق :- فيه إيه؟
أردف بخوف :- الدنيا مقلوبة في البيت أنا رايح أشوف في إيه.
أردفت بذعر :- طيب أنا هاجي معاك علشان رحيق.
و بالفعل انطلقوا بسرعة للحاق بتلك المعركة التي نشبت بالقصر.
______________________________________
ما إن توقفت السيارة أسرعت هي تخرج من السيارة تركض للداخل بهمة ولم تعطه الفرصة للحاق بها، فزفر بغيظ و دلف للداخل مع شادي.
اصتدمت بشيري على درجات السلم التي هتفت بضيق :- أنتِ عامية مش……
بترت كلماتها وهي ترى احمرار وجهها دلالة على الغضب و الحزن، و أيضاً لاحظت دموعها التي تحبسها بمقلتيها ولم تأذن لها بالخروج بعد.
مطت شفتيها بتساؤل قائلة :- في إيه؟
إلا أنها تخطتها و تابعت ركضها، بينما هزت شيري كتفيها باستسلام قائلة بعدم اكتراث:- وأنا مالي.
ولجا معاً للداخل فوجدوا الجميع باستثناء عاصم، فأخذ شادي يطالع والدته بخزي وعتاب جعلها ترتبك بداخلها، بينما هتف مجدي بتعجب :- مالكم يا ولاد، و فين رحيق؟!
خرج صوته قائلاً بجمود :- فوق، و كويس أنكم موجودين هنا علشان نتكلم كويس.
تطلع جميعهم إلى بعضهم البعض بغرابة، بينما نظر مراد لناريمان بغضب حارق و وقف قبالتها قائلاً بفحيح أمام الجميع :- كام مرة وأنا أقولك بلاش؟ أنا حذرتك أكتر من مرة و دلوقتي أنتِ استنفذتي رصيد الصبر اللي ليكِ عندي واللي يقرب لحاجة تخصني يبقى أفعصه بأيدي مهما كان مين.
هتفت بتلعثم :- أاا… أنت تقصد ايه؟
صرخ بعنف قائلاً :- ما تمثليش! كفاية أنا عارف كل حاجة فشيلي الوش دة خالص دلوقتي .
تدخل عمران قائلاً بتوبيخ :- مراد أنت بتعلي صوتك على مرات عمك!
نظر له بتهكم قائلاً :- والله يابابا لما تكون مرات عمي كانت هتبقى السبب في أذية مراتي يبقى لازم أعمل أكتر من كدة.
نزلت عليهم عبارته كالصاعقة، فاتسعت أعينهم بذهول فأردف مجدي بضياع :- إزاي دة يعني؟ وفين بنتي؟
طالع عمه بابتسامة مطمئنة قائلاً :- متقلقش يا عمي هي بخير .
تنهد براحة قائلاً بغضب وهو يحدج ناريمان بازدراء :- عملتِ إيه تاني؟ والله ما يكون اللي في
دماغي ما هخليكِ على ذمتي لحظة، كفاية أوي اللي عملتيه.
نظر لمراد قائلاً بقلق :- عملت إيه يا ابني، طمني على بنتي.
أردف بسخرية لاذعة :- ناريمان هانم اتفقت مع عدوي و أدتله ملف صفقة مهمة من بتوعنا قصاد إنه يخطف مراتي و يخلص عليها.
شهق بذهول قائلاً بعدم تصديق :- عملت إيه؟
تابع بتهكم :- و دي مش أول مرة هي بردو اللي راحت لابن خالة رحيق علشان يخطفها و دلوقتي بقى أنا عاوز حق مراتي، أنا ممكن بسهولة أمحيها من على وش الدنيا أو احطها في السجن، بس أنا هعمل اعتبار ليك يا عمي وأنت اللي هتقرر.
ترقب الجميع مجدي الذي أخذ يطالعها بحقد خلفته سنوات أضاعها برفقتها من عمره، إذ خرج صوته قائلاً بقهر :- عملتلك إيه؟ كل دة علشان أمها فاطمة؟ فاطمة اللي محبتش غيرها ولا هحب بعدها! أنا صبرت كتير بس لحد بنتي لا وألف لا مش هسمحلك، و يؤسفني بعد العمر دة كله أقولك أنتِ طالق، أنا اكتفيت منك ومن أفعالك ولولا عيالك كنت شوهت احترامهم ليكِ باللي عملتيه زمان.
نظرت له ب ة وحقد من اعترافاته التي يمطرهم إياها حتى وإن كان بعضها ضمنياً، و كم شعرت بالنيران التي تشتعل في صدرها حينما أعترف صريحة بحبه لتلك التي لم تبغض مثلها، فهتفت بحدة و تعالي :- بعد دة كله و جاي تنهي دة؟
أردف بوجع :- أنتِ اللي نهتيه مش أنا.
أردفت بجنون :- كله من بنت فاطمة ..
قاطعها بصوت عال :- إلزمي حدودك يا ناريمان و كفاية أوي لحد كدة.
نظرت لسلوى التي شحب لونها قائلة بغل :- بس أنا مش هغرق لوحدي، سلوى هانم كانت معايا في كل خطوة دي حتى هي اللي كانت السبب في إن فاطمة تمشي و متعرفش طريقها.
صاحت سلوى بتوتر :- أخرسي!
ضحكت بتهكم قائلة :- لا مش هسكت، إيه مش أنتِ اللي روحتي و هددتيها يا إما تبعد يا إما هت ي بنتها، وهي هبلة خافت و مشيت علطول.
أردفت بغضب مفجرة القنبلة التي أطاحت بالجميع :- بس أنتِ اللي تيها.
كان هذا التصريح بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كانت رحيق تقف بالأعلى على السلم و عندما سمعت أن والدتها تم ها دارت بها الأرض فوقعت واختل توازنها لتتدحرج على درجات السلم حتى وصلت إلى نهايته و سكن جسدها تماماً.
ما إن رآها صرخ باسمها بلوعة، ليعدو نحوها و يحملها بخوف وهو يتفحص وجهها الشاحب شحوب الموتى، و بدون تفكير ركض بها نحو الخارج ليتبعه شادي الذي شعر و كأنما من قام بغرس سكيناً حادة في قلبه ف ته في الحال.
وصل بها للمشفى بوقت قياسي وما زاد هلعه هو وجود تلك الدماء التي لطخت فستانها. دلف للداخل وأخذ يصرخ في الممرضين ليحضروا أحد الأسرة المتحركة ومن ثم وضعها عليه برفق، ودلفت للغرفة للتشخيص وهو بالخارج يدعو الله بأن تكون بخير.
وصل شادي الذي وقف قبالته بصعوبة قائلاً بضياع :- رحيق جرالها إيه؟ هي كويسة مش كدة؟
نظر له ببعض الشفقة وهو في أمس الحاجة لمن يطمئنه، ولكنه تحلى ببعض الثبات قائلاً وهو يربت على كتفه :- إن شاء الله الدكتور هيطلع و يطمنا عليها.
أردف بدموع عالقة في مقلتيه :- أنا مش …مش عارف إزاي هبص في وشها بعد كدة، كل اللي حصلها و بيحصلها بسبب أمي..
زم شفتيه بضيق على ذكرها قائلاً :- أنت ملكش ذنب يا شادي وهي عارفة كويس دة.
أردف بصوت متحشرج :- بس أطمن عليها ومش هوريها وشي أنا ما استاهلش أكون أخوها..
أردف بحدة :- أنت عبيط! كلام إيه اللي بتقوله دة، أنت أكيد مش في وعيك دلوقتي، لينا كلام بعدين بس نطمن عليها الأول.
جلس أرضاً بإهمال و وضع رأسه بين قدميه يؤنب ذاته وكأنه المسؤول عما حدث، وكم يشعر بالقهر و الخذي مما فعلته والدته، آخر شيء ممكن أن يتوقعه أن تكون ة! كيف تقدم على هذا الجرم، وكيف تمارس حياتها بشكل طبيعي وكأنه لم يكن هناك شيء؟!
خرج الطبيب بعد وقت وعلى وجهه علامات الأسى فنهض شادي بدوره ينتظر سماع كلماته بتلهف، بينما هتف مراد بقلق :- طمنا يا دكتور.
مط شفتيه بحزن قائلاً :- للأسف ملحقناش ننقذ الجنين، شوية كدة وهتفوق و يا ريت تمهدولها الموضوع علشان متت ش و يجلها إنهيار..
قال ذلك ثم تركهم وانصرف، بينما ظلت كلماته تتردد في أذن مراد بذهول، أكانت تحمل صغيره في أحشائها؟ ولكنه والسبب هي حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة.
اتسعت عينا شادي ب ة قائلاً :- كانت حامل، والبيبي نزل والسبب برده هي! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله و إنا إليه راجعون..
وضع يده على رأسه وهو يشعر بدوار شديد فأخذ يترنح لولا الحائط الذي استند عليه لتهطل دموعه بحزن على شقيقته.
ظل مراد على حالته واقفاً بجمود و بداخله مرجل يغلي، توجه لغرفتها لرؤيتها فوجدها ممدة على الفراش لا تتحرك قيد أنملة.
جلس بجوارها والتقط يدها و قبلها بندم قائلاً وهو يتخلى عن رداء كبريائه :- قومي يا رحيق فوقي وأنا هقولك بحبك و بعشقك زي ما كنتِ عاوزة بس بلاش أشوفك كدة، أنا متعود عليكِ تناطحيني راس براس، قومي يلا زعقيلي قولي أي حاجة بس متفضليش ساكتة كدة، قومي وأنا هجبلك حقك والله ما هرحمها.
أنهى كلماته ثم أخذ يمرر يده على وجنتها التي سبق وأن صفعها عليها و الخذي حليفه من فعلته أعقبه بتقبيله إياها برفق وكأنه يعتزر لها عما بدر منه.
_____________________________________
ما أصعب من أن تتلقى ال من هؤلاء الذين هم أقرب إليك من أي شخص آخر، و ما أصعب الخذلان إن حصلت عليه منهم .
أخذ يطالعهم بوجع وخاصة والدته التي ظلت تشاهد معاناته طيلة تلك السنوات ولم ترأف لحاله، شاهدت ألمه دون أن تساعده على الشفاء بل زادت من فوهة ال بالمزيد والمزيد من الآلام.
هتف بنبرة ضعيفة يملؤها العتاب و القهر :- عملتي كدة ليه يا أمي، عملتي كدة ليه؟ كنتِ شايفاني بموت قدامك وأنتِ بتتفرجي عليا مستمتعة بعذابي، أهم حاجة منظرك قدام الناس!
صمت ليصرخ بدموع :- ملعون أبو الفلوس اللي تخلي الواحد يتخلى عن آدميته، ملعون أبو المظاهر اللي تخلي الواحد يبقى مجرم، ارتحتي إزاي؟ ضميرك كان بيخليكِ تنامي؟ حرام عليكِ يا أمي عارفة لو حد قالي إنك ممكن تعملي كدة هقول لا استحالة دي أمي اللي مش هترضى بالوجع ليا، لكني اكتشفت إنك وجعي و ألمي.
شهق بانهيار ليتابع وهو يشير لناريمان :- هي دي اللي كنتِ فرحانة بيها قتالة ال ة دي! كنتوا سبتوني على عمايا طيب كنتوا سبتوني، يا رب، يا رب…
تدخل عمران بخوف على شقيقه قائلاً :- مجدي أهدى…
أردف بانفعال :- مش ههدى بلغ البوليس حالاً وحياة وجعي اللي عيشته السنين اللي فاتت كلها لأدوقهولكم..
هتفت شيري ببكاء :- بابي أنت هتسجن مامي؟
أردف بغضب :- أنتِ تسكتي خالص حسابك لسة مجاش، هعيد تربيتك من تاني لو كان دة آخر حاجة هعملها قبل ما أموت..
نظر لأخيه قائلاً الذي نفذ طلبه لتوه وطلب الشرطة:- أتصل على مراد شوف بنتي جرالها إيه؟
هز رأسه بموافقة ليتصل به و ينهي الحديث بعدها قائلاً بحزن :- هي كويسة بس فقدت الجنين.
اعتصر عينيه بألم فلم تسلم أيضاً ابنته من شرها.
أردف بخوف :- طيب خدني لهناك يا عمران أرجوك عاوز أشوف بنتي دي ملهاش حد غيري.
أومأ له بموافقة قائلاً بروية :- ماشي هعملك كل حاجة.
و ما هي إلا لحظات حتى وصلت الشرطة لتلقي بالقبض على ناريمان التي تحولت كالمجنونة وهي تصرخ فيهم بأن يتركوها ولكن هيهات فالعقاب حل بها في الدنيا لتنتظر عقابها بالآخرة، فما أعظم من جريمة ال التي حرمها الله.
____________________________________
عاد من عمله برفقة الصغير يحملان معهما بعض الاشياء التي ابتاعوها قبل أن يصعدوا للأعلى.
أخذ ينادي باسمها فخرجت من المطبخ وهي تبتسم لهم بعذوبة وما إن رأت ما يحملوه هتفت بشراهة :- الله! أنتوا جبتوا الحجات دي ليا أنا كلها، صح؟
ضحك بصوته كله قائلاً بمرح :- لا دة أنا بقيت أخاف منك، أنا خايف لأصحى في يوم ألاقي دراعي متاكل!
قوست شفتيها بعبوس قائلة :- كدة يا إسلام! ماشي.
قالت ذلك ثم دلفت للمطبخ بتذمر، بينما وضع أحمد أنامله على ثغره قائلاً بحزن :- إثلام ماما زعلت!
بعثر خصلات شعره بمرح قائلاً :- لا متقلقش أنا هصالحها، خليك أنت هنا، تمام؟
هز رأسه بموافقة فدلف هو و يحمل الكيس المملوء بالحلوى و أنواعها و أكياس الشيبسي التي تطلبها بمبالغة في الفترة الأخيرة.
وجدها تعطيه ظهرها، تقف قبالة المقود تتابع طهي الطعام، فوضع ما بيده على الطاولة بهدوء، و وقف خلفها مباشرة و حاوط خصرها فشهقت بحنق قائلة :- أوعى كدة يا إسلام أنا مخصماك.
قبل شريانها النابض برقبتها قائلاً بعشق :- وأنا ميهونش عليا زعلك يا روح إسلام.
ثم أضاف بمرح وهو يلفها ناحيته و يدفن رأسها بصدره :- إيه مش هتاخدي الجرعة النهاردة؟
ابتعدت عنه وهي تجعد أنفها بتقزز قائلة :- لا ريحتك وحشة.
طالعها وكأنها برأسين و أردف ب ة وهو يقرب قميصه يستنشقه مراراً يتحقق من صدق حديثها :- نعم! مش كانت حلوة الصبح!
هزت رأسها بنفور قائلة :- لا أنا قرفانة وعاوزة أرجع.
ضغط على يده بغيظ قائلاً :- ماشي يا مريم لما نشوف اخرتها إيه.
أنهى كلماته و انصرف بغضب مكتوم وهو يشعر بأنها ته في م بنفورها منه، أما هي التقطت الكيس و أخذت تخرج ما بداخله و تتناوله بنهم كما لو أنها لم تأكل منذ أسبوع.
بعد وقت كان يجلس على الطاولة بعد أن أعدت الطعام، أخذ يلوكه بهدوء و إن حدثته يجيبها باقتضاب، فشعرت بالندم على ما تفوهت به وهي تشعر بالتعجب من حالها، فبعد أن كانت تتجرع رائحته كالمدمنة تنفر منه الآن!
نظرت للطعام بدون شهية، وما إن قربت الملعقة لثغرها شعرت بالغثيان، فلم تتحمل و ركضت فوراً نحو الحمام تخرج ما في جوفها.
تابعها هو بقلق ونهض خلفها ما إن سمع صوتها، ليجدها تتقيأ فهتف بقلق بالغ :- مريم مالك؟
ازاحته برفق قائلة بحرج :- إسلام أطلع مينفعش تشوفني وأنا كدة.
نهرها ببعض الحدة قائلاً :- بطلي عبط بقى.
نظرت له والدموع تتلألأ بمقلتيها، فداهمها الغثيان مجدداً لتخرج ما بمعدتها بعنف وهي تشعر بروحها تُسحب منها.
أخذ يمسح على ظهرها بحنو و يمسكها جيداً، و ما إن انتهت غسل وجهها و فمها ثم حملها ليتوجه بها ناحية غرفتهما ليمددها برفق على الفراش، ثم التقط هاتفه و اتصل بالطبيبة المجاورة لهم في الحي.
أتت على عجالة و دلفت لتفحصها، بينما وقف هو بالخارج يعدو جيئة و ذهاباً و الخوف حليفه.
خرجت وهي تبتسم بخفوت ليركض نحوها قائلاً بذعر :- مالها مراتي يا دكتورة طمنيني عليها..
ابتسمت بعملية قائلة :- متقلقش كلها تمن شهور و تبقى أب.
نظر لها ببلاهة فضحكت هي بخفوت قائلة :- ألف مبروك.
أردف بغباء :- يعني هبقى أم، قصدي أب؟
هزت رأسها تومأ له بتأكيد قائلة :- أيوة، أنا كتبتلها على شوية فيتامينات كدة تاخدهم بانتظام وهبقى أتابع معاها في العيادة.
أومأ لها بسعادة، وبعد أن انصرفت هتف أحمد بحزن :- هي ماما عيانة؟
حمله واحتضنه بسعادة قائلاً :- متخافش يا حبيبي ماما كويسة، تعال نطمن عليها جوة.
دلف به وابتسامة واسعة تزين ثغره، فجلس إلى جوارها و وضع الصغير أرضاً، و امسك يدها وقبلها قائلاً بحب و سعادة :- ألف مبروك يا حبيبتي.
ابتسمت بحب وهي تضع يدها على بطنها تتحسسها بفرح :- الله يبارك فيك يا إسلام، أنا حامل .
ربت على خصلات شعرها قائلاً بابتسامة عريضة :- أيوة يا روحي عقبال ما ينور حياتنا كدة هو وميدو.
نظرت أرضاً بخجل قائلة :- إسلام أنا آسفة ما أقصدش…..
وضع أصابعه على ثغرها يمنعها من مواصلة الحديث قائلاً بتفهم و مرح :- خلاص هعديها المرة دي، كله من ابن الكلب اللي جوة دة..
جعدت جبينها بضيق قائلة :- ما تشتمش ابني ولا تشتم أبوه..
غمز لها بعبث قائلاً :- يا بخت أبوه والله، احم أنا بقول نتلم أحسن الولد قاعد .
هتف الصغير بتساؤل :- ماما يعني إيه حامل؟
ضحكت بخفة وهي تشير لبطنها :- يعني هنا في نونو صغير هيطلع بعد شهور و هيبقى أخوك أو أختك.
أردف بانبهار :- يعني هيكون عندي أخ زي محمد ابن خالو محمود؟
هزت رأسها بموافقة قائلة بحنو :- اه يا حبيبي.
ضيق إسلام عينيه بغيظ قائلاً بغيرة :- وصلة الحب دي هتخلص إمتى؟
ضحكت بخفوت قائلة بمهاودة :- إسلام حبيبي دة طفل صغنن..
أردف بخبث :- أيوة جريني للرزيلة وأنا بحبها، مليش دعوة أهو..
أردفت بحرج وهي ترجع خصلات شعرها خلف أذنها :- إسلام عيب الولد!
غمز لها بعبث قائلاً بمكر :- ماشي هروح أوزعه أنا عند جدو موسى ونحتفل بالخبر الحلو دة على رواقة..
و بالفعل بعد أن أطعم الصغير و حمل الأطباق من على الطاولة نزل و أعطى الطفل لجدته عواطف وأخبرها بكذب أن مريم مشغولة بتنظيف المنزل، وصعد بعدها ليدلف للغرفة وعلى وجهه ابتسامة عابثة، فهتفت هي بفرح :- إسلام قولتلهم تحت؟
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا طبعاً أنتِ عاوزاهم يقطعوا عليا ولا إيه! دة لو قولتلهم هيطبوا كلهم هنا وهطلع أنا من المولد بلا حمص، خلينا نحتفل الأول وبعدين ربك يسهل.
هزت رأسها بضجر منه قائلة :- مجنون!
اقترب منها بخبث قائلاً :- بيكِ يا جميل..
______________________________________
رمشت بخفة و فتحت مقلتيها بضعف، أنت بخفوت لينتبه لها مراد الذي أقترب منها بلهفة قائلاً :- رحيق أنتِ كويسة؟
حاولت الاعتدال إلا أنها تأوهت بصوت مسموع، وهي تضع يدها على بطنها قائلة :- في وجع هنا.
زم شفتيه بأسى قائلاً بحنو :- معلش كلها يومين و يروح.
هزت رأسها بتساؤل قائلة :- ليه في إيه؟
زفر بضيق فلابد من اخبارها، إذ نظر لها بحذر قائلاً :- أنتِ كنتِ حامل و أُجهضتي .
طالعته بوجه شاحب قائلة بهمس :- حامل! ابني راح.
بدأت عبراتها بالهطول وهي تنظر حولها بضياع فاقترب منها إلا أنها أبعدته بيدها قائلة :- سيبني أنا عاوزة أقعد لوحدي..
أردف بهدوء وهو يحاول أن يحتويها :- رحيق أهدي.
صرخت بحدة :- بقولك سبني لوحدي مش عاوزة حد ، مش عاوزة..
ابتعد عنها بخوف من تأزم حالتها قائلاً باستسلام :- خلاص هبعد بس أهدي .
دلف شادي على صراخها و توجه ناحيتها قائلاً بحنو :- متزعليش يا حبيبتي، ربنا يعوض عليكِ..
هتفت ببكاء :- ابني مات يا شادي، ابني مات.
جلس إلى جوارها ومن ثم أخذها في أحضانه ليردف بحنو :- هششش خلاص أهدي، وحدي الله دي أمانة ربنا أخدها و بيبتليكِ هتعترضي.
هزت رأسها بنفي قائلة بوجع :- كان نفسي أحس بيه و يطلع على الدنيا و أشوفه وهو بيكبر قدام عنيا، بس يوم ما أعرف أعرف أنه مات..
قبلها برأسها بعمق قائلاً بروية :- إن شاء بكرة ربنا يرزقك بغيره..
أخذت تبكي بعنف، والآخر يشاهدهم و هو يشعر بجمرات الغيرة و الغضب يعصفان به، فهي رفضت اقترابه بينما تعانق غيره حتى وإن كان شقيقها، ضم كفه بغضب فهو المسؤول عن ذلك ما كان عليه أن يرفع يده عليها، فها هو يجني ما زرعه.
_____________________________________
يحتضنها بتملك وعلى وجهه ابتسامة خبيثة لتحقيقه ما يريد، بينما هتفت هي بخجل :- إسلام روح هات أحمد هيقولوا علينا إيه دلوقتي؟
قبل جبينها بحب قائلاً بمكر :- متخافيش أنا قولتلهم إنك بتنضفي البيت، شوفتي ساهلة إزاي!
زمت شفتيها بعبوس قائلة :- والله أنت قليل الأدب.
ضحك بعبث قائلاً :- هو أنتِ متعرفيش إني خريج تجارة قسم قلة أدب؟
قوست حاجبيها بتعجب قائلة :- هو في قسم في تجارة اسمه كدة ؟ أنت بتشتغلني!
وقبل أن يرد عليها سمع رنين جرس الباب، فأردف بغيظ :- مين ابن ال….. اللي جاي دة؟
أردفت بعتاب :- بطل تشتم كل شوية و روح شوف مين بقى.
نهض بعبوس قائلاً :- ماشي أديني رايح أهو..
ثم أردف بخفوت :- دة أنا هنفخ أمه.
ما إن فتح الباب، اتسعت عيناه ب ة………………
ذئب يوسف
الفصل السادس والعشرون والأخير.
شعر بالحرج الشديد لوابل السُباب الذي أطلقه من ثغره كالمدفع عندما وجدها والدته و أحمد، فهتف بابتسامة عريضة :- تعالي يا أما اتفضلي.
ضيقت عينيها بغيظ قائلة :- بالذمة أنت عندك دم!
بعثر خصلات شعره بحرج قائلاً :- فيه إيه يا أما بس؟
أردفت بحنق :- بقى مراتك حامل و متقولش! هنكرهلك إحنا يعني ولا هنكرهلك!
طالع الصغير بغيظ قائلاً :- عملتها يا أبو حميد يا اللي ما مبتسترش أبداً.
ثم نظر لوالدته قائلاً بمرح :- أهدي يا عواطف أنا بس قولت أعملكم مفاجأة متكبريش الموضوع.
دلفت للداخل قائلة بفرح :- ألف مبروك يا عين أمك، فين مريم أباركلها.
أردف بابتسامة :- أقعدي يا أما وأنا هروح أديها خبر و أجيلك.
أنهى حديثه و دلف للداخل ليجدها تهاجمه و ت ه بعنف في صدره قائلة بوجه متوهج خجلاً :- شوفت أخرة قلة أدبك، أهى هتقول عليا إيه دلوقتي؟
ضحك بمكر قائلاً :- هتقول إيه واحد بيحب مراته، يلا أنا هطلع أقعد معاها على ما تجهزي.
توجهت للخارج، ولكنه اعترض طريقها قائلاً بخبث :- إيه هتعدي كدة من غير ما تدفعي الضريبة.
لم يعطيها الفرصة للفهم و ابتعد عنها سريعاً فأردفت بحنق :- والله أنت معدتش عليك تربية.
قالت ذلك ثم أسرعت للمرحاض لتغتسل بينما خرج هو عند والدته وأحمد. بعد وقت خرجت مريم بوجه قاني وجلست جوار عواطف بعد أن سلمت عليها، لتربت الأخيرة على ظهرها قائلة بسعادة :- ألف مبروك يا مريم يا بنتي.
بادلتها ابتسامة عذبة قائلة :- الله يبارك فيكِ يا مرات عمي.
أخذت تعد عليها بعض النصائح قائلة بلهفة :- متشليش حاجة تقيلة ولا تتعبي نفسك لحد ما تولدي بالسلامة بإذن الله.
هزت رأسها بموافقة قائلة :- حاضر يا مرات عمي، أنا واخدة بالي كويس.
أردفت ببسمة :- ماشي يا حبيبتي ولو في حاجة قولي لسامية وهي تساعدك…
وأخذت تثرثر معها بالعديد من النصائح و التوصيات.
______________________________________
بعد مرور سبعة أشهر حدث بها الكثير وفاة ناريمان التي أنهت حياتها بنفسها لتلاقي عقابها بالآخرة، خيم الحزن على شادي و شيري لعدة أشهر وهم في حالة ة مما فعلت و مصيرها الذي اختارت أن تنهي حياتها به.
حاولت سلوى في تلك الأشهر كسب عطف ابنها الذي كسبته أخيراً بعد عناء، فما فعلته ليس بهين و تعاملت بتحفظ مع رحيق التي ذبلت في بداية المدة تحت تأثير تي وفاة والدتها ة والتي علمت به للتو و وفاة جنينها الذي لم تعلم أنه يسكن بأحشائها لم يتركها مراد طيلة تلك المدة رغم اعتراضها فهي لم تنسى له تلك الصفعة التي لم يبادر حتى بالإعتذار منها عما بدر منه، و كم زاد ذلك من غضبها نحوه، ذلك الجامد جبل الثلج المتحرك .
تم خطبة آلاء على إحدى الشباب بمنطقتها، كما تم عقد قرآن عاصم و سندس في جو أسري اقتصر على العائلة فقط، وكم شعرت باليتم لوجودها بمفردها إلا أن موقف مراد جعلها تبتسم بامتنان وأن الدنيا لا زال الخير يسكن بها حينما وكل نفسه بأن يكون وكيلاً لها ومنذ تلك اللحظة اعتبرته شقيقاً لها.
مريم التي أصبحت بشهرها الأخير من حملها والتي كانت تتدلل على إسلام يومياً و أحياناً تفتعل المشاكل بينهم بدون سبب وهو يتمنى أن يأتي اليوم الذي تضع فيه ذلك المولود ،والذي رفضت أن تعرف نوعه و تركته مفاجأة، ليرتاح قليلاً من العناء الذي تسببت له فيه، فقد أصابه الغيظ والضجر من غيرتها و تقلباتها المزاجية التي ستقوده للجنون.
______________________________________
تلزم فراشها كعادتها، و أصبحت في حالة يرثى لها منذ أن توفت والدتها، سمعت طرقاً على الباب ولكنها لم تعبأ له بل ظلت على حالتها .
دلفت رحيق وهي تنظر لها بشفقة حتى وإن كانت والدتها هي من ت أمها، فهي ليس لديها أي ذنب في ذلك الجرم، و لم تكن تتخيل أن فتاة مثلها ستذبل بتلك الطريقة سريعاً.
جلست إلى جوارها على الفراش ولا تعلم من أين تبدأ أو ماذا تفعل، بينما أشاحت شيرين وجهها للجانب الآخر نحو النافذة العريضة التي تتوسط الغرفة قائلة بصوت متحشرج به بعض التهكم :- جاية ليه؟ جاية تشمتي فيا؟ بقلم زكية محمد
هتفت بسرعة :- لا طبعاً، أنا عمري ما هشمت في الموت يا شيري، دي بقت بين أدين ربنا دلوقتي ميجوزش عليها غير الرحمة.
تجمعت العبرات في مقلتيها و سرعان ما تساقطت كالمطر في ليلة شتاء عاصف، نظرت لها بوجع من كلمات حُفِرت في ذهنها حفرتها المغفور لها بآلة حادة فبات من الصعب محوها :- أنتِ جاية ليه ؟ أديكي فزتي بكل حاجة بابا و أخدتيه زي ما مامتك عملت زمان كرهته فينا .
رسمت ابتسامة باهتة تخفي بها تلك الندوب التي لم تطيب بعد :- ماما الله يرحمها مكانتش بتكره حد وإلا مكانش أت ت بالشكل دة، وأنا عمري ما حاولت أكرّه بابا فيكِ يا ريت تشيلي الأوهام دي من دماغك.
صمتت قليلاً لتردف بصدق :- أنا جاية بس أقولك تعالي نبتدي صفحة جديدة من غير كره ولا حقد علشان دة آخرته وحشة أوي.
ثم ا بت إبتسامة لترسمها على صفحة وجهها :- أنا هسيبك دلوقتي و فكري كويس ولو عوزتي أي حاجة تعاليلي.
قالت ذلك ثم اقتربت منها و أودعت قبلة حانية على رأسها ثم غادرت لتترك الأخرى تتابع أثرها وهي تعيد حساباتها لآلاف من المرات.
خرجت وهي على أمل في أن تتغير ولو قليلاً فيكفي معاناة في دنيا فانية.
نزلت الدرج لتجد نفسها تصتدم بجدار صلد، فرفعت مقلتيها نحو ماهية هذا الشيء لتجده هو، وسرعان ما تجهم وجهها و ارتدت ثوب الغضب معلنة عن عدم الاستسلام والرضوخ له، فتخطته وهي لا تعيره أي انتباه، لتشتعل النيران بصدره قائلاً وهو يمسك بذراعها :- رايحة فين؟
نظرت للجانب الآخر قائلة بجمود :- رايحة عند بابا و بعدين الشغل.
كز على أسنانه بعنف فيبدو أنها تستخدم برودها ضده كما يفعل هو ولكنه سئم من كل تلك الترهات ، فقد أشتاق قربها و الغرق في رحيقها حد الثمالة فأردف بهدوء :- رحيق تعالي عاوز أتكلم معاكِ.
زمت شفتيها بضيق قائلة :- وأنا مش عاوزة أتكلم معاك.
أردف ببعض الحدة :- ما تتعدلي بقى أنا سايبك بمزاجي.
جعدت أنفها قائلة بغيظ :- إيه عاوز ت ني تاني؟ اتفضل مش همنعك.
زفر بحنق و قد أيقظت تلك الذكرى التي كلما مرت أمام عينيه جعلت الندم يركض خلفه يلاحقه في كل مكان، نظر لها قائلاً بهدوء وكلمات الاعتذار تتسطر بمقلتيه :- مكنتش أقصد، أنا آسف أوعدك مش هكررها تاني.
زمت شفتيها بتهكم قائلة :- والله جاي دلوقتي تتأسف! إيه غرورك أخيراً أتنازل!
اصطكت أسنانه ببعضها محدثة جلبة قائلاً :- ولازمته إيه الكلام دة أديني أهو أعتذرت.
أردفت بجمود :- أعتذارك مرفوض، It’s too late .
قالت ذلك ثم ولته ظهرها، لتظهر ابتسامة خبيثة، ليمسكها الآخر من ذراعها يقربها منه قائلاً بغضب مكتوم :- رحيق لمي الدور أحسنلك.
رمشت بسرعة قائلة بوداعة :- عاوزني أسامحك؟
زفر بحنق قائلاً من بين أسنانه :- أممممم
طالعته بتشفي قائلة بمكر أنثوي :- قولي بحبك و بموت فيكِ قصاد سالي.
ضم قبضته بعنف قائلاً باستنكار:- نعم! وأقول قدامها ليه إن شاء الله هتشجعني ولا هتحييني على الأداء !
جعدت أنفها بضيق قائلة :- أيوة أهرب، قول من الآخر إنك ما بتحبنيش، صح؟
بلحظة كانت مقيدة بإحكام بقبضتيه وهو ينهل من رحيقها الذي أدمنه وبات له زمن لم يتجرع جرعته، فتناول الرحيق بنهم ضارباً بغروره عرض الحائط، وكل ما يهمه هو وجودها معه..
بعد وقت لم يذكر مدته، ابتعد عنها ليلصق جبينه بجبهتها قائلاً بحرارة :- بحبك و بموت فيكِ، ومش قادر على بعدك أكتر من كدة.
كاد ثغرها يصل للأرض من اعترافه الذي لامس أوتار قلبها فأحدث نغماً محبباً أشبع كيانها و زاد من عشقها له.
ولكن هيهات أبت الإعتراف أمام ذلك المغرور لتلقنه درساً قائلة بعدم استحسان وهي تمط شفتيها للأسفل :- الأداء مش حلو على فكرة، محستهاش قولها بضمير. بقلم زكية محمد
رفع حاجبه بذهول قائلاً :- نعم! رحيق أنا على أخرى منك أتجنبي شري أحسنلك.
دفعته بعيداً عنها قائلة بحنق :- أهو دة أكبر دليل على إنك بتمثل شوفت!
وضع أصابعه في خصلات شعره يشده بعنف، يفرغ طاقته السلبية به بدلاً أن يقوم بتهشيمها الآن، عن أي تراهة تتحدث؟!
أخذ يعدو جيئة و ذهاباً بدون هوادة، و فجأة طرأ على ذهنه فكرة خبيثة، فهز رأسه بتأكيد وتقدم نحوها بخطوات جعلت أوصالها ترتجف فأردفت بتوتر :- خلاص مش عاوزة …بص اعتبرني ما اتكلمتش هو أنت هتاخد على كلام واحدة هبلة برده!
كبح ابتسامته بصعوبة و حملها على حين غرة لتصرخ بخوف بينما أردف هو بحدة طفيفة :- أخرسي خالص أنتِ هتلمي الناس علينا كدة، مش أنتِ الأداء مش عاجبك أنا هعيده تاني بقى وهنعرف ساعتها إذا كنت بمثل أو لا..
هزت رأسها بحذر قائلة :- أنت… أنت هتعمل ايه والله لأصوت و ……
لم تكمل حديثها حينما اقتطف رحيقها مجدداً ليهتف بخبث وهو يتأمل وجهها النبيذي :- صرخي وكل ما هتصرخي هتلاقي العقاب دة علطول وأنا هكون سعيد جداً وأنا بقوم بالمهمة دي.
لم ترد عليه وإنما دفنت رأسها بخجل في صدره وهي تهمس بخفوت ولكنه وصل لمسامعه:- قليل الأدب.
أردف هو بمكر وانتصار :- شاطرة يا رحيق و بتسمعي الكلام و دلوقتي لازم نعيد الأداء ..
قال ذلك ثم صعد بها للأعلى لينعما سوياً في بحور عشقهم الخاصة.
______________________________________
تجلس على الأريكة و حولها الكثير من المأكولات و بيدها طبق من البسبوسة تأكلها بنهم و بطنها المنتفخة أمامها.
يتابعها الصغير بتذمر فكلما اقتربت يده من أي شيء ليتناوله تتحول إلى تنين مخيف بأن لا يقترب من أشيائها، تحذره بأن لا يقترب منها، فما كان منه سوى أنه وضع يده على وجنته يراقبها بتحسر، لتمتد يده بحذر نحو قطع الشيكولاتة و يلتقطها خلسة منتهزاً انشغالها و انتباهها المصوب على شاشة التلفاز، فأخذ يتناولها سراً و بداخله فرحة عارمة انتصاراً بانجازه الطفولي.
دلف بانهاك بعد أن سحب العمل طاقته، ضيق عينيه بحذر عندما وجد السكون هو سيد الموقف فهتف بداخله :- راحت فين؟ يكون كلت الواد أحمد! أما ألحق أشوفها.
دلف للصالة ليزدرد ريقه بذهول وهو يراها هكذا، ليخطو بخطوات متمهلة و يجلس بجوارها وهتف بمرح :- عاملة إيه يا قلبي يا مفلساني أول بأول؟
طالعته بوداعة قائلة :- دة مش أنا، دة ابنك اللي عاوز ياكل كل دة.
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- اه طبعاً، يجي بس وأنا هعلقهولك .
ثم أضاف بمرح وهو يتابع سكون الصغير :- إيه يا ميدو يا حبيبي مش بتاكل ليه في الوليمة اللي عملاها مامتك دي؟!
قوس شفتيه بتذمر قائلاً :- مش راضية تديني يا إثلام قولها أنت.
فرغ ب ة قائلاً :- حتى الواد يا مؤمنة! خد يا حبيبي مد إيدك على اللي أنت عاوزه متخافش.
صاح الصغير بفرحة وراح يلتقط ما تطوله يداه و بدأ في تناوله، بينما أردفت هي بتذمر :- لا دي الحجات بتاعتي أنا أبقى أشتريله .
أردف بمرح وهو يمسك بوجنتيها :- يا أختي خلاثي عسل بكرشك دة.
تقلص وجهها حزناً قائلة بعبوس :- أنا بكرش يا إسلام! ماشي أنا هروح عند أمي ما أنت خلاص مبقتش طايقني.
ثم تابعت وهي تلقي بيديه بعيداً:- و أوعى أديك دي خدودي وجعتني.
أردف بضحك :- ما هما حلوين كدة وهما منفوخين.
ربعت يديها بضيق جلي و نظرت أرضاً وهي تكبح دموعها، فعندما رآها هكذا اقترب منها و احتضنها، فأخذت تحاول الفكاك منه إلا أنها فشلت قائلة بتذمر وصوت أقرب للبكاء :- أوعى كدة يا رخم.
ضحك بخفوت قائلاً بحنو :- بهزر معاكي يا قلبي، دة أنتِ بقيتي قمر كدة و بطة بلدي عاوزة تتاكل أكل ولولا قاطع اللحظات السعيدة دة كنت قومت كلتها دلوقتي.
نهرته بحدة قائلة :- إسلام!
رفع يديه باستسلام قائلاً بمرح :- حاضر هسكت علشان ما أبوظش الولد.
هزت رأسها بيأس منه، و فجأة جعدت جبينها بألم وهي تشعر بألم عنيف أسفل بطنها، ليردف هو بخوف ما إن رأى حالتها :- مالك يا مريم؟ أوعي تكوني هتولدي!
أردفت بألم :- مش عارفة، بس في وجع جامد…اااه..
صرخت بحدة عندما ازداد الألم لتبكي بصوت مسموع :- ألحقني يا إسلام، شكلي بولد.
أردف بغيظ :- يعني مش هنروح المستشفى و نرجع زي كل مرة …
صرخ بحدة عندما وجدها تمسك يده و تغرز أسنانها بها، سحبها منها بصعوبة قائلاً بصراخ :- يا بنت المجنونة .
أردفت بصراخ :- بقولك بولد يا بارد اتحرك، أعمل أي حاجة. بقلم زكية محمد
تعالت صرخات الصغير تزامناً معها ليردف إسلام بهدوء :- حبيبي أهدى ماما كويسة.
إلا أن الصغير لم يتوقف عن البكاء وتلك التي تصرخ بوجع فوقف عاجزاً بينهما للحظات .
فاق على صرخات مريم التي تقطع نياط القلوب فالتقط هاتفه ليتصل بمحمود أن ينزل هو وسامية على عجالة، وما هي إلا لحظات حتى امتلأ المنزل بالعائلتين، و حمل إسلام مريم و توجه بها نحو المشفى، وأخذت تصرخ طيلة الطريق وهي تسبه و توبخه بأنه المتسبب فيما هي فيه، أما الآخر أخذ يتوعد لها وعلى لسانها الذي أوشى بالكثير و سبب له الحرج، ولكن الآن أهم شيء سلامتها الآن.
بعد وقت أخذ يسير جيئة و ذهاباً بالطرقة وقد تمكن الخوف عليها منه، وهو يسمع صراخها الذي رج المشفى وهو غير قادر على تقديم العون لها، ولو كان الوجع يُنتشَل لأ عه منها و زرعه في أضلعه.
انقطع صوت صياحها ليرتقب من بالخارج بقلق، وما إن خرجت الطبيبة أسىرعوا جميعهم نحوها فهتف إسلام بلهفة :- طمنيني على مراتي يا دكتورة .
ابتسمت بعملية قائلة :- ألف مبروك المدام رُزِقت ببنت زي القمر وهي حالتها مستقرة و تقدروا تشوفوها .
انصرفت الطبيبة ليدلف الجميع لتتوالى التهاني و المباركات عليهما .
حمل مولودته برفق وهو يخشى أن تتهشم بين يديه، و شعور أبوي جديد غزاه ليميل مقبلاً جبهتها بحنان و رقة وكأنها زجاج يخشى عليها من الكسر .
توجه ناحية مريم ليقبل جبينها بحب قائلاً :- مبروك علينا بنتنا يا روحي.
ابتسمت بوهن قائلة :- الله يبارك فيك، هات أشيلها.
أعطاها الصغيرة لتحتضنها بحنو أموي وهي تطالعها بسعادة، بينما أقدم الصغير يطالعها بانبهار قائلاً ببراءة :- دي أختي اللي كانت في بطنك.؟
أومأت بفرح قائلة :- اه يا روحي هي .
صعد على الفراش بجانبها ليردف بلهفة :- طيب خليني أشيلها شوية زي إثلام.
ضحكت بخفة قائلة :- لا يا حبيبي شوفها كدة أنت لسة صغير لتقع منك.
نظر لها بسعادة و مال مقبلاً إياها بوجنتها قائلاً :- ماما دي حلوة أوي و صغيرة أوي.
هتف محمود بابتسامة عريضة :- مبروك ما جالك يا إسلام أديني أهو هحجزها من دلوقتي للواد ابني علشان أجوزهاله.
نظر له أحمد قائلاً بغضب طفولي :- لا مصطفى وحش مش هخليه يتجوز أختي.
ضحك بصخب قائلاً :- بكرة نشوف يا ابن علي.
_____________________________________
مرت الأيام بسعادة على الجميع فتزوج شادي بعد عدة أشهر بإحدى زميلاته في العمل، و توطدت علاقة رحيق بشقيقتها في الآونة الأخيرة و تزوجت، كما بدأ الجد و الجدة في تقبلها وسط العائلة، عاشت أيامها بسعادة إلى جوار مراد الذي لم يبخل في إغداقها بالحب و السعادة رغم جنونها المعتاد إلى أنه عشقها و انتهى الأمر ليصبح أسيراً لسجن عشقها الذي قيدته فيه بإحكام و ما أسعد السجن في بحور المغرمين .
بعد مرور سبع سنوات تركض الصغيرة التي تبلغ ثلاث سنوات نحو أبيها الذي احتضنها و قبلها من وجنتها المكتنزة قائلاً :- مالك يا روح بابا؟
هتفت بضيق طفولي :- بابي مامي بتزعق !
أردف بتساؤل :- و بتزعق ليه؟
هزت كتفيها ببراءة قائلة :- آثل كثل الملاية في الأوضة وهي بتثرخ كتيل.
توجه بها ناحية غرفة ابنه قائلاً :- تعالي نشوف كدة.
دلف للداخل ليُفاجئ حينما وجدها تركض خلف آسر ابنهما ذو الستة أعوام، و الآخر يفعل حركات تزيد من جنونها عليه و هي تكيل له بالوعيد ما إن يقع تحت يدها .
خشي على الصغيرة فوضعها في مكان بعيد وأمرها بأن لا تتحرك، فتوجه ليقف قبالتها فأسرعت تقول بغضب :- أبعد يا مراد خليني أمسكه دة أنا هموته، الأستاذ بيلعب كورة في الأوضة في حد بيلعب كورة كدة يا ناس.
احتمى آسر خلف والده قائلاً بضجر و برود :- بابا حوش مراتك دي عني، أنا مش عارف مكبرة الموضوع على إيه؟
اتسعت عيناها ب ة قائلة :- يا برودك يا أخي وكمان مش عارف حجم المصيبة اللي عملتها دة أنت كسرت المراية بتاعتي الوحيدة اللي بشوف شكلي فيها حلو يا معفن، لكن هقول إيه بارد و فريزر لأبوك.
نظر لها مراد باستنكار قائلاً بجمود :- إممممممم ها وايه تاني؟ بقلم زكية محمد
ازدردت ريقها بتوتر قائلة :- أااا….مراد حبيبى أوعى تفهم غلط أنا أقصد لعمه عاصم .
أومأ بصقيع جليدي ليهتف بهدوء مريب :- آسر خد جنا و روح لمرات عمك تحت .
أومأ الصغير بسرعة و قد وجدها فرصة للهرب، فأخذ أخته و انطلق بها للخارج بينما توجه هو نحوها قائلاً :- عيدي اللي قولتيه تاني كدة.
قوست شفتيها للأسفل وقد علمت أن لا محالة من العقاب، فأردفت بخفوت :- مراد أعقل يا حبيبي احنا معانا عيال دلوقتي و….و…….لو قربت مني هصوت أهو أنا كبرت على ال على فكرة !
حملها متوجهاً بها نحو غرفتهم قائلاً بخبث :- لا لازم نفكر المدام و نقرص ودنها شوية، و بالمرة تتعاقب العقاب اللي هي عارفاه كويس.
ضغطت على شفتيها بغيظ من نفسها وهي توبخ ذاتها، و لوهلة أردفت بداخلها :- تستاهلي يا رحيق أنتِ اللي جبتيه لنفسك..
لتستسلم بعدها لطوفان عشقه الذي يغمرها به.
______________________________________
كانت تعد الطعام حينما أتت لها ابنتها التي هتفت بضيق :- ماما تعالي شوفي ابنك.
زمت شفتيها بضجر قائلة :- عمل إيه ابني؟
قوست شفتيها بعبوس قائلة :- مش راضي يخليني أروح أقعد مع ندي بنت خالو محمود.
زفرت بملل قائلة :- بقولك إيه اطلعي من نافوخي، أنا فيا اللي مكفيني لما نشوف أبوكي كمان اللي الهانم بنت خالته قاعدة عندهم من الصبح وهو بيحكي معاها ما صدق لقاها.
ت بقدمها الأرض بغضب طفولي قائلة :- يا ماما خليكِ معايا أنا، الله! روحي قولي لابنك بقى ملوش دعوة بيا.
تمتمت بخفوت :- كان يوم مطلعتلوش شمس يوم ما قولناله أنه مش أخوكِ هيبتديها تحكمات من دلوقتي المفعوص!
دلف أحمد عندهم قائلاً بصرامة رجل كبير وليس طفل لم يبلغ عامه الثاني عشر بعد:- ماما عقلي بنتك مرواح فوق مش هتتطلع.
هزت رأسها بمهاودة قائلة :- حاضر يا عين أمك مش هتطلع، تعالي ساعديني يا فريدة على ما المحروس أبوكي يشرف، وأنت يا ميدو طُل على سيف شوفه صحي ولا لا.
أومأ لها بموافقة، بينما نفخت الصغيرة وجنتيها بغضب محبب لديه و شرعت في مساعدة والدتها.
بعد وقت صعد إسلام للأعلى وهو يحفز نفسه للمعركة التي ستنطلق الآن ما إن يدلف للداخل، حيث دلف بهدوء وما إن رآهم بانتظاره ورأى سهامها الحارقة التي تطلقها نحوه :- السلام عليكم يا أهل الدار، إيه دة أنتوا مستنيني حبايبي والله.
هتفت من بين أسنانها بغيظ :- وعليكم السلام، يا رب القعدة تكون حلوة بس.
ضحك بخبث قائلاً :- يووه دي حلوة بشكل.
حدجته بغضب وهي تغرز السكين التي بحوزتها في الطاولة :- والله! امممم طيب مفيش عشا و روح اتعشى مع أم سحلول اللي تحت..
ضحك بصوته العالي قائلاً :- عليكي تشبيهات يا مريومة عسل زيك.
هزت رأسها بوعيد قائلة :- هنشوف يا إسلام هنشوف. بقلم زكية محمد
قالتها ثم أخذت تأكل طعامها بغيظ تلوكه بعنف، بينما تحاشى هو النظر لها وبداخله يردف :- ربنا يستر.
بعد إنتهاء وجبة العشاء، نهضت هي تلملم الأطباق و عاونتها الصغيرة في ذلك، و بعدها تجاهلته عمداً حينما تخطته و توجهت نحو حجرة صغيرتها تستذكر لها الدروس، و بعد أن غفيت دثرتها جيداً و اودعت قبلة حانية على جبينها، ثم غادرت الغرفة لتذهب لغرفة أحمد و سيف و ظلت معهم بعض الوقت، لتتركهما بعد أن غفيا هما الآخران.
توجهت أخيراً لغرفتها لتجده مستيقظاً يطالعها بغيظ قائلاً :- ما لسة بدري يا مدام!
تجاهلته و توجهت للجانب الآخر من الفراش، ليغتاظ الأخير منها فسحبها نحوه قائلاً بحدة :- ممكن أعرف إيه الخلقة اللي مصدرهالي دي!
أردفت ببرود :- أبداً بس بحسسك بنفس احساسي وأنت معاها تحت ولو أنه مش هيوصل للتلت حتى.
زفر بغيظ وهو يمسح على وجهه قائلاً بتهكم :- هو أنا قاعد أحب فيها لا سمح الله ، و بعدين دي متجوزة يعني شيلي الهبل دة خالص من دماغك.
أردفت بحنق :- آه يعني دلوقتي أنا اللي بقيت وحشة و هتغلطني.
أردف بضجر قائلاً :- مريم بكرة هنروح للدكتورة أنتِ شكلك حامل أو أكيد، أصل جنونتك مش بتقوم غير لما تكوني كدة..
أردفت ببلاهة وقد تناست ما تقوله :- بجد يعني أنا حامل يا إسلام؟
هز رأسه قائلاً بتأكيد :- أقطع دراعي دة إن ما كنتي حامل هو أنا هتوه عنك دول عيلين يا أما وأنتِ أهو بتكرري كل حاجة بحذافيرها.
احتضنته بحب قائلة :- يا حبيبي يا إسلام أنا بحبك أوي.
بادلها العناق ليردف باستسلام وكأنها شخص آخر غير التي كانت مثل التنين المجنح منذ دقائق :- وأنا بموت فيكِ يا قلب إسلام.
_____________________________النهاية