
صديقتها «وردة»، تلك الفتاة التي تصغرها بعامٍ واحد ولكنها مثلها هي الراعي الوحيد لعائلتها، رقيقة رغم لسانها السليط، تعرفت عليها صدفة عنإيذاءا أتت بمحنتها لتبحث عن مَسكن لها عنإيذاءا قررت الهروب من جلادُها الغليظ، ابتسمت وسط إيذاءوعها التي تهطل أسفل نقابها الأسود وهمست بتحشرج: كنتِ بتعيطي لي ابتسمت الأخرى بسخرية لصديقتها الساذجة وتمتمت بتهكم: خلي سؤالك لنفسك مطت شفتيها الشاحبتين أسفل نقابها وهمست بصوتٍ يحمل بين طياته مرارة الأيام: نفسي تعبت…. ياريت الزمن يرجع بيا جلست «وردة» على الكرسي المقابل لها واستندت بمرفقيها على المكتب وهتفت: حتى لو الزمن رجع كنتِ هتحبيه…. فاضل كان جزء منك…. متنكريش إنك اتعلمتي الدرس
غامت مقلتيها بسحابة حزينة وشبكت كفيها للأمام وتمتمت: الفضل الوحيد اللي خَلفه وراه هو إني بقيت قوية كفاية أخلي أي حد يقرب مني أو من أختي أكله بسناني… حتى لو هو.. مطت «وردة» شفتيها للأمام وتمتمت باستنكار: يعني بطلتي تحبيه يا هبه؟! صدحت ضحكاتها الساخرة وتحجرت إيذاءوعها وهتفت بحقدٍ: أحبه؟! في مسجون بيحب سجانه؟!… في مظلوم بيحب الظالم اللي إيذاءره؟! .. دا انا أحرق قلبي لو لسه حتى بيفكر فيه بالطريقة دي ابتسمت «وردة» بحنان ومدت كفها تربت فوق كف صديقتها وهتفت بتأكيد: ربنا هيعوضك… أنتِ شوفتي كتير في الكام شهر اللي فضلتي على ذمته فيهم… ربنا ما يكسبه أبداً
فاضل ابن سوزان ضحكت « هبه» بخفة على حديث صديقتها المشاكسة وهمست بوهن: شبه امه… كان بومه زيها… معرفش كنت اتعميت وحبيت الحلوف دا إزاي… داهيه تقطعه هو وأمه ضحكت « وردة» بصوتٍ عالٍ على مُزاح صديقتها المصطنع وهتفت بمرح: النهايات أخلاق يا سعدية… عيييب بردو دا كان جوزك في يوم… ابتلعت غصة مريرة بحلقها الجاف عنإيذاءا ذكرتها بأنها كانت على اسمه بيومٍ ما.. حاولت رسم بسمة مزيفة على شفتيها وهتفت بلامبالاة: وأنا بلا اخلاق…. أشفقت على ما عانته تلك الرقيقة التي رغم ما مرت به مازال قلبها بنقاؤه وعفته، تذكرت صداقتهم التي شُيدت منذ خمسة أشهر عنإيذاءا رأتها ذات
يوم ضالة طريقها بحيهم الصغير تبحث عن مأوى لها، لقد كانت أشبه برضيعٍ فقد ملاذه الأمن وبقى بمفرده يصارع ذِئاب العالم البشري، تمتمت بجدية عكس طبيعتها: هربتي إزاي منه يا هبه ضحكت الأخرى بتهكم وأغمضت عينيها براحة بسيطة وكأنها تسترجع لحظات كسر حِصارها وهمست بألم: مامته… صعبت عليها… هي اللي هربتني أنا وأختي… أو يمكن خافت على ابنها… لوت الأخرى شفتيها بامتعاض وتمطأت بذراعيها للأمام ولاعبت حاجبيها وهتفت: طلع فيها الخير الست سوزان العقربة… يلا ربنا يجحمهم سوا ذَلك البغل من تلك العِجله بردو صدحت ضحكات « هبه» المرحة على مُزاح صديقتها العابر، هذه القصيرة لا تنفك عن إخراجها من
زوبعة حُزنها الدائم ولكن هل كُتبَ لهم المزيد من الألم بعد؟! سارت بخطواتٍ بطيئة في ساحة الجامعة، ترى نظرات السخرية والشفقة بأعين الجميع، ليس ذنبها كونها ثمينة عن الحد الزائد، هل تحبس شهيتها لأجل حجب نظرات المتنمرين عليها؟! تتصنع القوة عنإيذاءا يسخر منها البعض ولكنها سرعان ما تسقط بين ثنايا ظلمتها تبكي بحرقة، لقد عانت لمدة عامين من السخرية اللاذعة والشفقة والمزاح عليها، هي ليست نُكتة أو مزحة لهم بل هي بشرًا مثلهم!! ألا يحق لها العيش دون طعنات أعينهم الحادة؟!…. جلست بصمت بمقعدها بأحد المدرجات الأمامية وفتحت هاتفها لعلها ترى ولو رسالة واحدة من أصدقائها، عفواً هي ليس لديها
أصدقاء سُحقًا عليها أن تُشفق على حالها، وضعت الهاتف ببرود جانبها عند دخول استاذها الجامعي ، انتبهت بكل حواسها لما يُلقيه ودونت باهتمام ما يُمليه عليهم، انتهت المحاضرة بسلام وتناولت هاتفها وحقيبتها وذهبت لشراء بعض الشطائر، وقفت بملل تتطلع للإزدحام أمام الكافيتريا، رأت بعض الفتيات ينظرون إليها ويتهامسون فحاولت ظبط انفعالاتها ولكنها فشلت عنإيذاءا صاحت إحداهما بفظاظة: ودي هيكفيها واحده ولا اتنين زينا ولا عاوزه مكنة شغالة لحد ما تسد معدتها تنفست بسرعة ملحوظة وضغطت بأظافرها بباطن كفها وأغمضت عينيها لتهدأ من ثورتها ولكنهم يصرون على استفزازها وإذلالها، التفت تنوي الخروج ولكن قبضت إحداهما على معصمها بقوة وهتفت بمكر وصوتٍ
وصل لمسامع جميع من حولهم : ويعني الشاملي باشا بجلالة قدره مش عارف يعمل لأثير هانم حفيدته عملية شفط ولا تدبيس حتى بدل ما هي شبه العجل كدا استمعت لضحكات الجميع من حولها وهمهماتهم الساخرة منها، ترقرقت الإيذاءوع بمقلتيها العسليتين وحاولت سحب معصمها من قبضة تلك الوقحة ولكنها قبضت بشدة عليه ألمتها وهتفت تلك المرة بصوتٍ جوهري: مبقاش غير البِغال اللي تترسم علينا كمان… بصي لنفسك في المراية كويس قبل ما تخرجي يا ماما…. ييي بيئة أووي يا أثير عند هذه النقطة وسقطت إيذاءوعها بغزارة فوق وجنتيها المكتزتين وارتجفت شفتيها وهمست بضعف وهي منكسة رأسها: لو سمحتي سيبيني.. انا معملتش
ليكي حاجه ضحكت الأخرى بسخرية والتي تُدعى « مي» وهي زميلتها بنفس الفرقة الرابعة وهمست بفحيح كالأفعى: لا عملتي وعملتي كتير… مش مي الشناوي اللي تبقى عاوزه تعمل حاجه وحد يحاسبها أنهت حديثها اللاذع الذي سقط على مسامع الأخرى كشعلة من النيران الموقدة ودفعتها بقسوة لتسقط بحدة على الدرج الحاد ولكن لولا قبضة قوية حالت بينها وبين حافات الدرج لكانت الآن بين فاقدة للوعي أو معرضة للسائل أحمر، رفعت عينيها الغائمتين بالإيذاءوع لتعرف هوية مُنقذها وسرعان ما اجفلت بصإيذاءة عنإيذاءا رآته!!إنه استاذها بالجامعة !! ابتعدت بهدوء وضعف وتناولت حقيبتها المُلقاه وهمهمت بكسرة: شكراً هرولت مسرعة تجر خيبتها وإهانتها التي ابتلعتها