
في المساء كانت قد أنهت عملها بالكامل…. غيرت ملابسها وارادت الذهاب حتي دون رؤيته…. لا تعرف ولكنها أصبحت تخاف من تأثيره القوي عليها…لم يؤثر بها أحد بهذا الشكل ابدا… وهذا ليس جيدا… لهذا لكي تحمي نفسها يجب أن تتجنبه… يجب أن تقوم بعملها فقط دون التحدث إليه أو التعامل معه حتى ستتجنب النظر إليه… نبض قلبها بقوة وهي تراه أمامها… شعره مبعثر ووجهه متعب… لم تتمكن من منع تلهفها وقالت بصوت خشن :
-أنت كويس يا بيه؟!
هز رأسه بتعب
ولكن قلقها ازداد ولم ينطفئ… للمرة الأولي تراه متعب لتلك الدرجة… للمرة الأولي تراه ضعيف هكذا… ترنح قليلا لتقترب هي سريعا منه ودون وعي امسكت كفه وهي تسنده قائلة بقلق :
-أنت كويس يا بيه….
ثم اتسعت عينيها ب وهي تشعر بالحرارة التي تنبعث من جسده وتقول :
-حضرتك سخن
سعل بقوة وهو يحاول أن يبتعد وكاد أن يقع أرضا إلا أنها امسكته وأكملت :
-تعال هطلعك اوضتك…
ثم اسندته فذهب معها دون اعتراض… بالأساس لم يكن واعي… الحمى تمكنت منه وأصبح شبه فاقد لا
لوعي..
بعد مجهود كبير استطاعت أن توصله لغرفته ثم اراحته على الفراش… وضعت كفها على رأسه لتشهق مبتعدة :
-يا لهووي الراجل مولع… اعمل ايه أنا دلوقتي….
وضعت كفها على قلبها وقالت :
-تمام اهدي يا دعاء… اهدي… أنا هكلم عم منعم يجيب دكتور … ياريت عم كريم كان هنا كان ساعد أكتر
أمسكت الهاتف واتصلت بعم منعم
……..
اخذت تفرك كفها بتوتر وهي تنتظر الطبيب ينتهي من فحصه.. أخيرا انتهى الطبيب لتقترب هي منه بتوتر ليسبقها منعم ويقول :
-خير يا دكتور ماله.
-ابدا مفيش دور برد بس شديد شوية يظهر مكانش مهتم بنفسه مؤخرا… عموما أنا اديتله حقنه تنزل السخونية دي… واتفضل روشتة الدوا دي تجيبها وتديهاله كل اتناشر ساعة… وياريت تعملوله كمادات عشان السخونية تنزل بسرعة
هزت دعاء رأسها بطاعة ليبتسم الطبيب ثم يذهب
……
بعد قليل اقتربت دعاء من منعم وقالت :
-خلاص روح أنت يا عم منعم وانا هقعد معاه
-ميصحش يا دعاء يا بنتي تفضلي هنا معاه…. روحي انتي وانا هبقى لحد ما يجي كريم.
هزت رأسها وهي تسيطر علي دموعها بشق الانفاس وقالت :
-لا يا عم منعم وانا هقعد هنا قصاده…
-يا بنتي….
ولكنها بترت كلامه وقالت محاولة اقناعه :
-أنا هقدر أهتم بيه عشان حتى لما يصحى اعمله حاجة ياكلها..
هز منعم رأسه رافضا وقال :
-مستحيل تبقي هنا لوحدك معاه… أنا هبقى معاكي هنا
-ومنال يا عمي
تنهد وقال:
-أنا هتصل بيها واقولها ومفيش خوف عليها هو في وسط الحارة ومعاها اخوكي
……..
قبيل الفجر…
كان عم منعم نائما على الكرسي بينما هي ما زالت مستمرة في وضع الكمادات على رأسه…كان يهذي أثناء نومه مما جعل قلبها يؤلمها وهي تراه بتلك الحالة… كان يبدو ضعيفا محطما وكأن قناع تماسكه قد سقط أخيرا ليكشف كم هو شخص محطم من الداخل… اقتربت أكثر وهي تحاول أن تفهمه… كان كلامه متقطع ولكن استطاعت تمييز اسم “نيرمين “… من تكون هي… هل هي زوجته التي خانته مع شقيقة.. :
-نيرم.. ي.. ن ا.. نا ب.. حب.. ك ل.. يه عملتي كده….
كان كلامه متقطع بالكاد فهمت نصفه ودون وعي تصاعدت الدموع لعينيها… وهي تستمع لأنينه بدأ حقا يتألم… بدأ حقا محطم…
وضعت كفها علي رأسه بتردد ودموعها تتساقط لتشهق عندما أمسك كفها فجأة…. فتح عينيه بتعب ولكن بدا وكأنه لا يراها هي بل شخص آخر…
نيرمين.
همس مبتسما ثم قربها منه حتي سقطت عليه أمسك رأسها بالقوة ثم قبلها!!!
انتهي الفصل
الفصل الخامس (أحبه )
اليوم التالي.
-باسك؟!!!
صرخت منال بفزع لتزجرها دعاء وتقول ب :
-ما توطي صوتك يا ست… كفاية اللي أنا فيه!
اختنق صوت دعاء وتصاعدت الدموع لعينيها البنية وقالت :
-معرفش حصل ازاي… هو كان سخن… كان بيهلوس باسمها.
-اسم مين
-اسم نيرمين…. مراته اللي خانته… قربت بس عشان اسمعه بيقول ايه فقام شدني وباسني.
وضعت دعاء كفها علي فمها وشرعت تبكي… تشعر بغليان قلبها وليتها تعلم السبب… أو هي تعلم بالفعل ولكنها ترفض الاعتراف… فالاعتراف يعني تقبل مشاعرها وهذا مستحيل… مستحيل أن يحدث…
نظرت إليها منال بشفقة ثم ضمتها إليها وقالت برفق:
-خلاص أهدي… اهدي.
ظلت لبضع لحظات تبكي بين ذراعيها بينما منال تضمها أكثر وأكثر… أخيرا ابتعدت دعاء عنها وهي تمسح دموعها وقالت :
-أنا لازم اسيب الشغل… كده مينفعش هدور علي شغل تاني بس مش هستمر في المسرحية السخيفة دي مستحيل
أمسكت منال كفها وقالت بإعتراض :
-بس يا دعاء
-من غير بس يا منال…. أنا دخلت بيت واحد علي أساس إني راجل واشتغلت عنده… وصممت إني ابات عنده لما تعب وادي شوفتي اللي حصل.
-طيب ممكن تهدي…
زعقت دعاء :
-لا مش ههدي وهسيب الشغل… انتي ليه مش حاسة بيا…. ليه مش فاهماني.. أنا مينفعش أروح هناك بعد النهاردة…. أنا…..
-انتي بتحبيه
تجمدت دعاء وهي تنظر إليها بذهول… ثم ضحكت بسخرية وعصبية قائلة :
-بطلي تخلف أحب مين!
-طيب ورحمة أمي بتحبيه يا دعاء باين عليكي يا حبيبتي!
أحمر وجهها.. خجلا غضبا وإحراجا…. لقد واجهتها منال بما ترفض الاعتراف به…. واجهتها بالمشاعر الغامضة التي تخفيها في قلبها…. مشاعر فضلت ألا تطلق عليها اسم… فضلت أن تغطيها للأبد ولكن ها قد أتت منال ببساطة وعرت مشاعرها… هل هي حقا تحبه؟! هل وقعت أخيرا في حب رجل قاسي يكره النساء؟!… أغمضت عينيها وهي تتذكر الطريقة التي ينبض قلبها بها عندما تراه أمامها…. جسدها كله يرتعش بقوة وتشعر أن قلبها سوف يخرج من جسدها ويهرب…. عندما يعاملها بلطف ويضحك لها تشعر أنها أسعد نساء العالم…. كيف يمكنها التغاضي عن هذا هي فعلا تعشقه تحبه…. انسابت دموعها مرة أخري وهي تنظر إلي منال وتقول بصوت مختنق:
-مينفعش!
-مينفعش ايه يا دعاء
شهقت دعاء وقالت:
-مينفعش احبه… مينفعش..
ربتت منال علي كتفها وقالت:
-بس الحب يا دعاء مش بإيدينا.
هزت دعاء رأسها وقالت :
-انتي مش فاهماني يا منال… ليه مش قادرة تفهمي أنا مش هستفيد حاجة من الحب ده… قلبي هيتوجع وبس… روحي هتتحرق وأنا إلي هخسر في الآخر… هخسر قلبي وسعادتي وكرامتي كمان… رائد مش هيبص لواحدة زيي… رائد عامل زي النجمة البعيدة أنا مقدرش اطولها ولو حاولت هتحرقني الشمس… عرفتي ليه مش عايزة احبه… لأن هو لاغي الحب من حياته بسببها… رغم خيانتها مش شايف غيرها.
وضعت كفها علي فمها وهي تكتم شهقاتها… ربتت منال علي كتفها بمواساه.. نظرت إليها دعاء وهي تقول بنبرة تغلي غيرة وقهر:
-كان بيقول اسمها وهو نايم…. كان بيقول أنه بيحبها يا منال…. بعد ده كله بيحبها تخيلي
-الآه هو احنا هنبدأ نغير ولا ايه
أشارت دعاء إلي نفسها وقالت :
-أنا بغير عليه؟!
-أيوة بتغيري.
شهقت بكاءا وهي تقول :
-يعني باين إني غيرانة عليه صح!
ضحكت منال وقالت :
-بصراحة الاعمي ذات نفسه يشوف غيرتك دي..
بكت دعاء وارتمت ب منال وهي تقول:
-منال أنا مش عايزة احبه!
قلبت منال شفتيها بسخرية وقالت:
-تحبيه ايه بس انتي وقعتي وقعة سودة يا حبيبتي عيطي يختي عيطي.
…………
ذهبت إلي العمل وقد قررت وانتهي الأمر ستترك هذا العمل… ربما أن ابتعدت عنه ستنساه… هذا صعب صحيح ولكن ليس مستحيل…. فهي فتاة لا تملك رفاهية الحب خلقت فقط لتشقي… لطالما فكرت هكذا ولكن لم تقنط يوما بل اعتبرت الأمر ابتلاء من الله فعندما ماتت أمها صبرت وعندما تركها والدها وتزوج صبرت ولكن حقا تعبت الآن لا تريد أن تتعلق بأحد فيخذلها مجددا… لا يمكن… ولجت إلي المنزل لتجده أمامها بوجه متجهم للغاية… ارتبكت وأحمر وجهها وهي تراه أمامه يبدو ضعيفا للغاية… ما زال المرض يؤثر به… تكلم بصوته المبحوح قليلا وقال :
-ليه جيت يا داوود عم منعم قال أنك سهرت قصادي للصبح أنا حتي روحته… روح أنت كمان وارتاح
اطرقت دعاء وقالت :
-لا يا باشا أنا هقعد معاك النهاردة… مقدرش اسيبك وأنت تعبان كده
-بس انت منمتش أسمع الكلام ونفذه
-يا باشا لو سمحت انت لسه تعبان روح علي سريرك وأنا هجهز الفطار فورا…
نظر إليه رائد بحيرة لما كل هذا الاهتمام من قبله…..
…….
كان جالس علي فراشه ورأسه يعيد ذلك الحلم الغريب ويتسائل هل حقا كان حلم… بل كابوس غريب من قبله أم حقيقة… فتصرفات داوود تثير الريبة…. هل يكون ما يفكر به صحيحا… وضع كفه علي رأسه وقال :
-ده ايه الورطة دي يا ربي… لا يا رائد بلاش ظلم… بس أنا هتجنن ازاي حلمت أنه باسني!!! هو أنا اتجننت ولا ايه!! ياربي ايه اللي بيحصلي بس.
ولجت دعاء وهي تحمل صينية الإفطار ووضعتها علي الفراش ثم ابتسمت وقالت:
-الفطار أهو يا بيه أفطر عشان تاخد دواك.
ودون انتظار خرجت وأغلقت الباب سريعا وهي تضع كفها علي قلبها وهمست :
-الله يخربيتك أهدي شوية انت دايما كده فاضحني ما تضخ الدم من غير دوشة لازم تدخل في متاهات الحب… عاجبك الوجع اللي انت فيه دلوقتي…. يا ربي أنا قولت إني جاية عشان اقوله إني همشي ايه اللي خلاني اقعد وأحضر الفطار كمان!! أنا بعد الغدا بإذن الله هقوله كده. ثم هزت رأسها وهي تبرر:
-أيوة أنا همشي بعد الغدا ما هو ميصحش مغديش الراجل وهو تعبان كده.
ثم ذهبت لتكمل عملها.
…………
في مكان ما.
قدم لها جابر الملف بأكمله وقال :
-ودي كل تحركاته يا هانم…. روتينه نادرا ما بيتغير…. غير أن بيته مش مأمن كفاية أي حرامي شاطر يقدر يدخله.
ابتسمت سميرة بشر وقالت :
-جميل يا جابر.
ثم أعطته مبلغ محترم من المال وقالت:
-احنا كده عارفين كل تحركاته فاضل بس ته زي طلبت منك وهديك باقي المبلغ.
-تمام يا هانم.
ابتسمت وقالت :
-مش عايزة أي غلط يا جابر… أنا عايزة تحصل مجزرة حرفيا… رائد غنيم لازم يتعذب الأول قبل ما يموت…
………..
كانت تتطلع إليه بحنان وهو يأكل حساء الخضار الذي أعدته… فأخيرا رضخ لها وقبل بالحساء… حسنا هو تحسن كثيرا عن البارحة ولكنه ما زال مريضا قليلا.
نظر إليها رائد وعقد حاجبيه بحيرة….. نظرات داوود لا تريحه وما لا يريحه أكثر هو الحلم الغريب الذي حلم به….. لقد حلم أنه كان يقبله… يقبل داوود!!… لم يكن حلم بل كابوس بالطبع وشئ مقزز أيضا… فكيف يحلم بهذا… يبدو أن مكوثه طويلا مع الرجال جعله يفقد عقله… حمحم رائد وقال :
-معلش يا داوود ممكن تروح تعملي حاجة سخنة اشربها عقبال ما أخلص طبق الشوربة.
هزت دعاء رأسها بالإيجاب ثم ركضت للمطبخ… أخذت تجهز له “يانسون “بنشاط وسعادة….. لقد تقبلت الأمر هي تحبه.. فتلك النبضات ملكه… فالقلب لا يكذب هو ينبض فقط لمن يحب وهي وقعت في الحب ولا يهم ما الذي سيحدث بعد الان…. فلتعش كل يوم بيومه ولا تفكر بالمستقبل… انتهت من إعداد “اليانسون “ثم ذهبت به إليه وقالت مضخمة صوتها:
-أهو أجمل يانسون لأجمل رائد
-افندم بتقول ايه
-هو أنا بقول ايه صح… معلش يا بيه زلة لسان