
في البنك الأهلي بمدينة الإسكندرية حيث يتجمهر في البنك المئات من الأناس ،
ينتظرون أدوارهم بنظام عالي وترتيت ويرجع ذلك النظام لمدير البنك الأستاذ “جميل ” فكم هو جميل حقا قلباً وقالباً ،
فهو يدير البنك بحرفية ونظام يشهد له الجميع فهو نابغة في إدارة الأعمال بشكل عام وفي الحسابات بشكل خاص ،
يجلس جميل في مكتبه وأمامه جهاز اللابتوب الخاص بالبنك ويجلس معه أيضاً مهندس الألكترونيات المسؤول عن إدارة الالكترونيات وأجهزة الحاسوب ومسؤول أيضاً عن تأمينها ضد الهكر ،
فجميل اختار موظفينه بدقة وعناية فائقة لأجل المسؤلية العظيمة التي تقع على عاتقه تجاه البنك ،
تحدث جميل بجدية إلي المهندس نادر وهو يعمل على حاسوبه دون أن ينظر له مرددا:
_ ها يابشمهندس عملت إيه مع الهاكر إللي حاول يخترق حسابات البنك ومفكر نفسه ذكي ومحدش هيكشفه ؟
استمع إليه نادر بآذان صاغية وأجابه بثقة وتأكيد:
_ متقلقش يافندم أنا مقفله كل الطرق إللي يقدر يخترق بيها الحسابات وعايز أفرحك كمان وأقول لك إني خلاص قدرت أوصل لمكانه برغم كل الاحتياطات اللي عاملها ،
واسترسل حديثه بإيضاح:
_ ابن الذين بيتكلم من أرقام برايفت ومن أماكن عامة يعني كافيهات مثلا مختلفة من كل بلد شكل يعني مرة يحاول من مصر ومرة من بورسعيد ومرة من الاسماعلية وهكذا ،
علشان مقدرش أحدد مكانه كل مرة بالظبط ،
بس القدر خدمني في مرة وكنا خارجين أنا وواحد صاحبي وكنا في الجيزة قاعدين في بيته ،
وجالي رسالة علي الموبايل إنه بيحاول يفتح لأني مظبطه علي برنامج معين عندي لو فتح بأي طريقة أنا مترصد له ،
متتصورش الواد ده دماغه رهيبة وكمية ذكاؤه عاملة إزاي يافندم كل مرة بيكتشف إن في حد كاشفه فيغير طريقته فوراً في الهكر والتعامل ،
مش عارف ليه ميستغلش دماغه العبقرية دي في الصح ويسيبه من سكة اللوع والحرام إللي ماشي فيها دي !
قطع حديثه جميل موضحاً له عقلية ذلك الهاكر قائلا بذكاء :
_ إللي زي ده يانادر مش عايز يتعب ولا يعافر ، مستني مساءلةة الحظ إللي تجي له علي طبق من دهب فيقفش فيها پإيده وسنانه ويقول يافكيك ،
وأشار علي حاله بفخر متسم بالدعابة:
_ بس علي مين ، ميخلش ويعدي علي جميل .
ابتسم الآخر وردد بدعابة مماثلة:
_ طبعاً ده دماغه فايتاه ومش عارف هو إنه بيتعامل مع خُط البنوك ،
حضرتك أيقونة ذكاء متحركة وكلنا هنا شغالين بتوجيهات حضرتك يافندم.
أماء له بشكر وطلب منه أن يكمل حديثه ،
أكمل نادر حديثه شارحاً بتفسير :
_ وبصيت ياباشا لقيت إشعار جاي لي إن فتح في مكان معين تابعت المكان واتفاجأت إنه في الجيزة ،
في أقل من ربع ساعة كنت قدام المكان طيارة ودخلت الكافيه الموجود فيه ومن استكشافي شفت واحد في منتهي الشياكة قاعد والأيباد بتاعه قدامه ، قربت منه كويس ودققت في إصدار الأيباد من ورا في رقم معين كدة أدخله عندي وأعرف إذا كان ده من ضمن أجهزة الهاكر ولا لأ ،
تعبت جدا علشان أتحقق من الرقم بس جبته في الآخر بصعوبة جداً ، علشان ميشكش فيا ،
وعرفت إن هو يافندم راقبته وأخدت رقم عربيته وبعتها لواحد صاحبي في المرور ولسة مستني يجيب لي أخباره بالتفصيل،
طبعاً منقدرش نقبض عليه إلا وهو متلبس وخلاص قربت يافندم ، وهجبهولك لحد عندك وهقدمه لك هدية علي طبق من دهب .
_الله عليك ياهندسة عمري ماشكيت في ذكائك لحظة يانادر …قالها جميل بثقة ، وأكملوا حديثهم عن أمور أخري تخص البنك .
______________________________
في كلية التجارة جامعة الإسكندرية ،
في نهاية السنة الدراسية حيث تتوافد جميع الطلاب علي قدم وساق لآداء الإمتحانات ،
بتوتر شديد مُلاحظ علي وجوه الطلاب من مختلف أقسام كلية التجارة ،
يدلف الدكتور رحيم المالكي المدرج المسؤول عن مراقبته اليوم ،
ألقي السلام بجدية واحترام علي جميع الطلاب الماكثين في توتر وهرج ومرج من دورانهم حول بعضهم ، كل يسأل غيره ويستفسر عما يريد ،
انتظموا في أماكنهم فور دخول الدكتور المراقب عليهم ورددوا السلام بوقار واحترام مماثل ،
وزع جميع الأوراق بالعدد عدا ورقة واحدة ، استغرب ونظر إلي المقاعد ليري ماإذا كانت زيادة أم ماذا ؟
وبالفعل وجد مقعدا فارغا نظر إلي الطلاب وتساءل بجدية :
_ في مكان فاضي وورقة زيادة ياجماعة مين محضرش خلاص فاضل عشر دقايق وورق الأسئلة يوصل ؟
تلفت الطلاب يميناً ويساراً ليروا من ينقصهم وبعد لحظات بسيطة أجابت طالبة قائلة باستغراب:
_ ده مكان مريم عماد ، معقولة إيه إللي أخرها وللأسف مش معايا تليفونها اكلمها عليه ،
_طيب محدش يعرف عنها حاجة خالص ولا يعرف سبب تأخيرها إيه ؟ …قالها رحيم بقلق دكتور علي طالب ، كقلق الأم علي ابنها من رسوبه في أمر ما ،
لم يعرف اي منهم اي طريقة للوصول إلي مريم لأنها انطوائية جداً ولا تتحدث مع أحد إلا قليل قلة من زملائها ،
وظلت مريم متأخرة لنصف ساعة من دخول وقت الإمتحان ، وفجأة وجدوا من يقرع علي الباب بدقات سريعة،
حوَّل رحيم أنظاره إلي الباب واستشف بذكائه أنها المتأخرة عن موعد الإمتحان ،
ضيق عينيه بزهق وحدةها قائلاً باستنكار وهو ينظر إلي ساعته:
_ الأستاذة إللي مش واخدة بالها من إن وراها امتحان وجاية متأخرة ولا هاممها ،
واسترسل حديثه باستهزاء :
_ ياتري البرنسيسة إيه إللي أخرها عن الإمتحان كان عندها ميتنج مع وكالة أنباء ولا حاجة ؟
تجمعت الدموع في مقلتيها من استهزائه بها أمام الطلاب دون أن يتركها تشرح سبب تأخيرها ،
ولكن هذا الاستهزاء لا يشغلها حالياً بقدر ما يشغلها آداء الإمتحان فردت بهمس واستعطاف :
_ أنا متأسفة جداً لتأخيري يادكتور بس والله غصب عني ظروفي صعبة جداً هي إللي أخرتني ، وطمعانة من حضرتك إنك تدخلني الإمتحان ومتضيعش عليا المادة .
فكر مع حاله وأوجعه استعطافها واعتبرها مثل إخوته لو وضعوا في نفس الموقف ،
فأشار إليها بيديه أن تدلف إلي مقعدها وأعطاها ورقة الأسئلة والإجابة ،
تنهدت بارتياح وأخذت الورقة منه وذهبت إلى مقعدها بتعب شديد حاولت أن تخفيه من على معالم وجهها ،
جلست وبدأت في الإجابة بهدوء وصمت مثل باقي زملائها ، وجاهدت حالها علي عدم الإنهيار من شدة التعب والإجهاد الذي تشعر بهم ،
ولكنه كل حين ينظر إليها بفضول انتابه فجأة ،
لاحظ عليها التعب والإجهاد واضحين للأعمي يراهم ولكن وجدها تجاهد حالها ، فقرر أن لا يشغلها حتي تنتهي فهي متأخرة مايقرب من ساعة ،
انتهي الجميع من إجابة الإمتحان عدا هي الموجودة في المدرج معه تحاول أن تنهي إجاباتها بسرعة جدا فالوقت انتهي منذ عشر دقائق ،
نظرت إليه باستعطاف أن يمهلها عشر دقائق فقط كي تنهي الإجابة ، وقبل أن تتحدث أحس هو بطلبها ، فأشار إليها أن تكمل لأنه لاحظ إجهادها ،
وبعد ربع ساعة بالتمام أنهت الإمتحان وذهبت لكي تعطيه الورقة و إذا بها قبل أن تصل إليه قوتها تنهار ، وتسقط مغشياً عليها قبل أن تسلمه بالورقة ،
انتفض من مكانه ذاهبا إليها برع..ب وحاول أن يصل إليها قبل أن تقع أرضاً لشدة متابعته لها ، وبالفعل قبل أن تصل رأسها أرضاً كان ممسكاً بها ،
تمعن في ملامحها البرئية والتي من الواضح أن ورائها انكسار وحزن يكسوا معالم وجهها ،
ثم حاول إفاقتها ض..ارباً علي وجهها بهدوء مرددا بقلق :
_ آنسة مريم آنسة مريم فوقي ،
لم تجدي محاولته نفعاً فأنزل رأسها بتمهل أرضاً وأخرج من حقيبته زجاجة البريفيوم الخاصة به ووضع منها علي يديه ثم ذهب إليها علي عجالة ومرر يداه علي أنفها ،
وبالفعل استجابت لمحاولته وتململت بين يديه وبدأت بفتح عينيها رويداً رويداً ،
وتقابلت زرقاويتها مع عسلية عيناه عن قرب شديد ،
هدأت من روعها وما إن وجدها أفاقت وتحاول لملمة شتاتها تركها بهدوء ،
اعتدل من قامته وسألها محاولا الاطمئنان عليها :
_ مالك ياآنسة مريم شكلك مجهد جدا وباين التعب جداً علي وشك ، إنتي بتشتكي من حاجة معينة تاعباكي ؟
رمشت بأهدابها بتوتر وإجهاد وأجابت باختصار شديد:
_ لأ الحمدلله مش بشتكي من حاجة بس كنت مجهدة بسبب ضغط المذاكرة ،
ثم شكرته بامتنان علي وقوفه بجانبها وعدم حرمانها من الإمتحان ، ولملمت أشيائها وغادرت بهدوء كما دخلت ،
نظر إلي طيفها بشرود وردد مع حاله بشرود:
_ دي مالها دي ،
دي شكلها وراها حوار كبير أوي ،
ثم جمع الأوراق الخاصة بالإختبار وغادر تاركاً المدرج ، وتلك المريم بغموضها غاصت اعماق عقله