منوعات

الفصل الاول من الجزء الثاني بشريه. اسرت قلبي بقلم الكاتبه ايه محمد رفعت

_هل تسمح لي ملكة السراج الأحمر بالدخول؟
نهضت “روكسانا” متلهفة للقائها، فألقت ما بيدها، قائلة بسرورٍ:
_”إريكا”
ضمتها لصدرها بشوقٍ، لتستكمل بعين غائرة:
_اشتقت لكِ كثيراً.
ابتعدت عنها وهي تتأملها بابتسامةٍ عذباء، مازالت تحتفظ بجمالها الخلاب رغم تقكلمة مناسبةها بالسن، تاجها الأحمر المرصع بأحجار الكهرمان اللامع منحها هيبة وعظمة تليق بملكة العرش، نظرات عينيها الخضراء التي تطالعها بحبٍ وحنان ختم بقولها المتلهف:
_كيف حال “لينا” و”كيفن”؟
_بأفضل حال.
عادت لتسألها بعكلمة مناسبةا دنت لتصبح قريبة منها:
_حسناً، أخبريني عنك وعن دراستك.
قالت بمشاكسةٍ:
_أحاول الصمود أمام تلك المسألة المعقدة، فأنا أود العيش هنا بعيداً عن الدراسة والمعهد وكل تلك الأمور.
ابتسمت وهي تمنحها نظرة ماكرة، فقالت “إريكا” بتحذيرٍ:
_لا تخبري أمي بما قلته الآن والا ستكلمة مناسبةني.
ضمت شفتيها معاً وهي تجيبها بعد تفكير:
_حسناً لن أفعل..
سعدت كثيراً بهذا التعاقد الموثوق به، فبدأت “روكسانا” موجة أسئلتها المتعلقة بالأرض، كوكبها الذي تحن لرؤياه، نعم حملها “ديكسون” اليه أكثر من مرةٍ؛ ولكن رغماً عنها تحملها الأشواق إليه، أشارت لها بالجلوسٍ، ثم أمرتهم بتحضير الغداء المخصص باستقبالها، حتى جناحها ينظف بشكلٍ يومي حتى يكون جاهز لأستقبالها بأي وقت.
**********
الجثث الهامدة ملاقاة بشكلٍ فوضوي بالأرجاءٍ، ولجوارها فتات لحيوانات تشبه الأسود بجسد عملاق، أذرعها السفلية تحمل حواف بارزة للغاية، والعلوية بها سيوف حادة تكاد تخترق أجسادهم الغامضة، مر “ديكسون” من وسط الحشد المتوافد من الجثث، يراقبها عن كثبٍ، فكان إذا وجد أحداهما على قيد الحياة بعد تلك المعركة الكلمة مناسبةوية يكلمة مناسبةه بسيفه الضخم الذي يشع شراراً مخيفاً، الكلمة مناسبة كان يجعل عينيه البنية قاتمة كالليل الكحيل، اعتاد على خوض الحروب ولكن تلك الحرب كانت مختلفة، فملك الغورة كان يتحدى مملكة السراج الأحمر بكلمة مناسبةٍ بارد متجاهلاً ملكها العظيم ومن يقود جيوشها، لذا حرص “ديكسون” على قطع رقبة الملك بذاته حتى أنه وضعها على جدران المملكة السميك، ليكن عبرة لغيره من الملوك الذين يضعون مملكة السراج الاحمر بلائحة أمانيهم، وزعت نظراته القاتمة بين جيوشه العريقة التي تنتظر أمراً منه للعودة للمملكة بعد ما حققوه من نصراً مهيب، أطاحت نظراته ذاك الركن البعيد فرأى أبيه يقف شاراً برمز مملكته الذي يرفرف على أعلى المملكة بنظراتٍ صلبة، إعتاد خوض الحروب للحفاظ على شعب مملكته أمن، انتبه “لوكاس” ل”روجان” الذي يحوم من فوقه بحركاتٍ دائرية سريعة، وكأنه يحتفل بانتصاره الكبير، ابتسامة صغيرة تسللت لشفتيه وهو يتابع ابنه يقترب ليغدو قريباً منه، ليحني رأسه باحترامٍ وهو يضيف:
_هنيئاً النصر للمملكة مولاي.
تعمق بالتطلع اليه والفخر يتوج حدقتي عينيه، فقال:
_النصر لم يتحقق الا بكفائتك “ديكسون”، وجودك لجواري بساحة المعركة يجعلني متعطش للكلمة مناسبةاء التي ستخلق جو من التحدي بيننا.
وضع سيفه المضيء بهالة من اللون الأجواني الغريب، ثم وقف جواره يتطلع لشعار المملكة المحلق عالياً وهو يخبره بعزمٍ:
_أعدك أبي بالا أدعى السوء يمس شعب مملكتي أو يسخر من شرف قادتها، ما حدث لهذا الخائن سيكون درساً قاسياً لغيره.
ابتسم” لوكاس” وهو يتابع حديث ابنه بفخراً، فتخفى ليظهر من أمامه مباشرة:
_هكذا هو ابني الشجاع.
أحنى رأسه تحية له، فتساءل “لوكاس” بغموضٍ:
_هل إتخذت قراراً بشأن حاكمها!
قال بثقةٍ:
_بالطبع، قائد الحرس الملكي “أركون”.
أشار” لوكاس” بيديه فأنحنى “روجان” ليعتليه بصرامةٍ:
_لا أشك بإختيارك.
ثم أمر “روجان” بالعودة به للمملكة فأنطلق على الفور، أما “ديكسون” فتخفى سريعاً ليظهر داخل القصر الملكي التابع لمملكة الغورة، ليجد صديقه “أركون” يصدر أوامره للجيش بالعودة للمملكة وأبقى عدد لا بأس به للحراسة، فما أن انتبه لوجوده حتى انحنى يحيه بوقار، فأشار له “ديكسون” بالنهوض، ثم تابع سيره حتى وصل للعرش الذي يتوسط القاعة الفاخرة، لحق به القائد ليخبره بما فعله من ترتيبات ثم تساءل:
_هل عين الملك “لوكاس” العظيم حاكم لغورة؟
استدار ليكون مقابله، يحدجه بنظراته الجافة ومن ثم قال:
_أختارتك أنا بنفسي “أركون”، هل يكفيك أنا أم تحتاج لسماعها من الملك!
ضيق عينيه باستغرابٍ:
_أنا!.. أنت تعلم” ديكسون” أن لا رغبة لي بالحكم، أود البقاء بجوارك بالمملكة، فأنا أحب منصبي كثيراً.
تعل جسده وهو يترقب بهو القصر الفسيح، متغاضى عن حديثه الأخير، ثارت عينيه الرمادية بضيقٍ من تجاهله لما قيل، فهمس بضجرٍ:
_هيا “ديكسون” لا تكن عنيداً، أنا حقاً لا أريد حكم غورة.
أشار له بحزمٍ:
_وأنا قررت ذلك، حكمك لغورة أو لغيرها لا يعني الابتعاد عني أيها الأبله، انظر إلى “إيمون” يحكم “البتيراء” وأراه أكثر مما أراك.
ابتسم ذو الوجه المدبدب، الذي يكسوه شعراً مجعد ليمنحه مظهر مختلف، ليضيف ساخراً:
_أرضخ لرغبة ملك السراج المستقبلي، أمرك مطاع.
لوى شفتيه ببسمة ماكرة، بعكلمة مناسبةا أصبح أمامه بسرعة الريح:
_أعجبني هذا.
ظهر ضوء معتم أسود اللون من أمامهم، فبدد ليظهر “برهات” أحد الحرس التابع ل”أركون”، احنى رأسه بوقارٍ فأذن له “ديكسون” بالحديث، فأسرع بالبوح بما أتى لأجله:
_لقد تمكن أحد رجالنا من العثور على ذاك الوحش اللعين الذي يشعل الفتنة بين سمو الأمير والشعب.
اشتعلت حدقتيه بكلمة مناسبةٍ لا مثيل له، فغلب حدقتيه لون الأرجواني المخيف الذي يدل على بداية تحوله المهيب، أطبق معصم يديه فتحولت من حولها هالة دائرية قاتلة، فبالرغم من تقبل الشعب لوالدته الا أن بالفترة الاخيرة انقلبت الموازين بصورة مستريبة، فظهر بين عامة الشعب طائفة غريبة يقودها شخصاً ملثم، ينجح كل مرة بتحريض الشعب على حاكمه، فمنهم من أبدى رأيه بقبوله لحكم “لوكاس” العظيم بشرطٍ الا يحكم “ديكسون” كونه ابن بشرية حتى شكله متطابق اليهم، ومنهم من رأه الأجدر بالحكم من بعد أبيه الملك نظراً لقوته وانتصاراته التي يحققها بحروبٍ شهدها الجميع، كان يود أن يرى ذلك الوحش الذي يكن له الكره والعداء، أراد أن يريه كم هو جبان يتخفى خلف وشاح حالك السواد ليخفي به جنسه ومعالمه، إن كان شجاعاً لفضل حربه لينطاحه الرأس بالرأس، لم يطيق صبر الانتظار فتخفى سريعاً ليظهر بذاك المكان الذي أخبره به الحارس، فلحق به “أركون” على الفور.
**********
بارجاء المملكة، وبالأخص بمنتزه الأساسيات، حيث بنى هناك مكان ضخم يحوي كل ما تطلبه المعيشة، مكان يمتلأ بالباعة يشبه السوق بعالمنا، كان التجار يعرضون الملابس والعديد من الاشياء كالمقعد المصنوعة من معادن غامضة لا تراها العين على الأرض، وغيرها من صخورٍ متعددة الألوان تصنع منها الكثير من المتطلبات الحياتية، بعيداً عن تلك الزقاق وخاصة بهذا الركن المنفرد، كان هناك تجمع يضم عدد لا بأس به دن عامة الشعب، يستمعون لهذا الملثم الذي أضاف بعدائيةٍ شديدة:
_لم يعتاد شعب المملكة على الذل حتى يأتي ابن البشرية ليتحكم بكم، أفيقوا من غفلتكم اللعينة.. ماذا تنتظرون بعد..لإن يعلنه “لوكاس” العظيم ملكاً مثلما توجه الملك “شون” من قبل!
ثم أحتدت لهجته وهو يستطرد باندفاعٍ:
_هل نسيتم ماذا نقل لكم البشر من مرض خبيث كاد بأن يبدد نسلكم جميعاً!
وتابع بقول:
_إن تولى “ديكسون” الحكم سيسمح للبشر بالصعود لكوكبنا، سيسمح لهم بالعيش معانا، وحتى إن حدث ذلك كيف ستقبلون بأن يحكم المملكة ملكاً بشري ضعيف، ليس بقوة أبيه!
تحدث احد من الشعب قائلاً باستنكارٍ:
_الحاكم “ديكسون” ليس بالضعيف، فهو من ساعد الملك بالدفاع عن المملكة طوال الفترة الماضية.
ابتسم ذاك الملثم في سخريةٍ:
_هل رأيت ذلك بعينيك، حسناً سأحاول ان أفكر بصوتٍ عالي، إن كان “ديكسون” يمتلك قوة مخيفة مثلما يدعون لماذا يلاحقه الملك بكل معركة!
ساد الصمت الوجوه، فأجاب على ذاته قائلاً:
_لأنه مجرد بشري، والبشر ضعفاء يعجزون عن حماية أنفسهم، فماذا ان تولى الحكم كيف له بحمايتكم إن لم يكن قادراً على حماية نفسه!
نجح كعادته بسحب عقولهم، ليبدد ثورتهم حول ذاك الأمر، ارتاب الجميع وتفرقوا بشكلٍ عجيب مما جعله ينتبه لوجود أخر شخصٍ توقع رؤياه، نُقلت النظرات جميعاً ل”ديكسون” الذي يطالعهم بنظراتٍ أقرب للموت، تراجع الملثم للخلف بذعرٍ واضح، فتجمع من حوله عدد لا بأس به، والغريب أنهم ايضاً ملثمون جميعاً، كاد “برهات” بالتداخل لمعاونة ملكه المستقبلي؛ ولكنه توقف حينما منعه “أركون” من ذلك وهو يشير له بغموضٍ:
_تراجع للخلف، ولا تفكر بالتدخل أنت وجنودك.
أجابه معترضاً:
_كيف ذلك أيها القائد فالأمير على وشك الأشتباك معهم!
رد عليه بابتسامةٍ شيطانية:
_دعهم يرون قوة ابن البشرية وملكهم المستقبلي برمة أعينهم.
تراجع للخلف بجنوده، تاركاً الساحة لديكسون، تخبئ شعب المملكة بأماكن أمنة ولكن لم يمنعهم ذلك من متابعة ما يحدث بباحة المنتزه..
وقف أمامهم بصلابةٍ وأعين لم ترمش لها جفن، الهواء يلفح جسده فيحرر الوشاح خلف ظهره بحريةٍ، عينيه التي أصبح لونها بنفسج قاتم أصبحت لا ترى سوى أعدائه الذين يزرعون الفتنة بين طائفة شعب مملكته، أشار الملثم برأسه لأثنين من رجاله، فأقتربوا ليقفوا مقابله، أخرجوا السيوف المضيئة بوميضٍ أسود قاتم يعرف جيداً بالمملكة بأنه يحوي رحيق زهور الموت القاتلة، فأن خدش به أحداً بإصابةٍ صغيرة يتسمم على الفورٍ، كادوا بالأقتراب منه، فما من البشري الضعيف الا أنه رفع يديه ليصنع أمامه دائرة مغلقة أحكم بها شكلٍ مخيفٍ ليطبق أصابعه بقوةٍ، جعلت من أمامه يتلوى ألماً من دون إن يلامس احداً منهما ، ألقوا بالسيوف أرضاً ثم سقطوا يتلون ألماً، اعتصر جسدهم ليعلو صوت إنكسار العظام وكأن إبتلعهم حيواناً مخيف، ليلقى بهما جثث هامدة، زعر طائفة الشعب مما رأوه ورغم ذلك وقف كلاً منهم متخفياً ليرى ماذا سيصنع بعد!
عم الكلمة مناسبة على ملامح الملثم، فأمر العدد المتبقي بالهجوم عليه، أججت أعين “ديكسون” بشكلٍ قابض، فستل سيفه الموضوع خلف ظهره، ومن ثم كور بيديه هالة ليجعلها تتسلل لسيفه فصنعت طبقة مضيئة من حوله، ثم ارتفع بجسده عالياً ليتفادى كلمة مناسبةة سيف أحداهما ومن ثم دث السيف بأحشائه ليخرجه بقسوةٍ أفتكت بما بجوفه، كاد الأخر بأن يصبه بجرحاً بكتفيه، فلف جسده الممشوق ليصبح من خلفه ومن ثم مرر سيفه ليفصل رأسه عن جسديه، ارتعب العدد المتبقي من حوله مما صار عليه زملائهم، فتراجعوا للخلف برعبٍ جلي، سُلطت نظرات “ديكسون” على قائدهم المتخفي، ليقترب منه بأسنان تدعس شفتيه بغلٍ، فما أن وقف مقابله حتى رفع سيفه في محاولةٍ للمساس به، تخفى الملثم ليظهر بسيفه الذي تعمد أن يمرره على الأرض الصلبة فأحدث شرارة من النيران المتأججة، ففصلت بينهما وبين جيش “ديكسون” والحاشية، إحتكاك السيوف ببعضهم البعض أطلق شرارت قاتلة كادت بأن تصيبهم بالعمى، نجحت قوة “ديكسون” فمال سيفه على السيف المرفوع حتى لامس كتف الملثم فأحدث به جرحاً بالغ، فردد “ديكسون” وهو يكور قبضته بما يعد هلاك الأخير:
_سترى الآن ما سيفعله بك ابن البشرية الضعيف.
وقبل أن تمس طاقته به كان قد أختفى من أمام عينيه كالرياح التي تمر بالجوار دون أن تراها العين، استشاط “ديكسون” كلمة مناسبةاً وأخذ يبحث عنه بعكلمة مناسبةا ارتفع جسده عالياً، فاسرع إليه “أركون” بعكلمة مناسبةا نجح رجاله باطفاءٍ النيران المشتعلة، فتساءل في اهتمامٍ:
_كلمة مناسبةته؟
أشار له بملامح متجهمة:
_لا أعلم كيف اختفى هكذا.. كنت على وشك النيل منه!
تحرك فكيه ناطقاً:
_ما حدث غريب بالفعل، ساتر النيران كانت حيلة منهم لينقلوا الجثث حتى لا نتمكن من التعرف عليهم، يبدو بأن هناك عداء قوي يربطك بهم..
هز “ديكسون” رأسه باقتناعٍ لما قال، ثم همس بتفكيرٍ:
_حتى الطريقة التي واجهوني بها لا تدل على أنهم من عامة الشعب
قال “أركون”:
_الأمر محير!
التفت” ديكسون” اليه، ليشير بحزمٍ وهو يضع سيف خلفه من جديدٍ:
_أريد معرفة كل شيء يخص هؤلاء الكائنات، تحمل أنت تلك المسؤولية.
أحنى رأسه في وقارٍ، فتركه “ديكسون” وأستكمل طريقه سيراً حتى وقف بمنتصف باحة المنتزه، فرفع صوته الغاضب:
_لن أعاقبكم على ما حدث منذ قليل، ليس ضعيف لأعاقب من لا ذنب له بنشر تلك الفوضى، ولكن لن أسمح لاحداً من شعبي أن يشكك بقوتي وبما استطيع فعله.
ثم اخرج سيفه، ليرفعه عالياً:
_من يريد مقاتلتي كبشري فليخرج الآن وأنا أعده بأنني سأحاربه كبشري عادي ولكن لا يلومنا نفسه أن علقت رأسه على حاجز المملكة.
ترقب لدقائق فأخفض سيفه حينما لم يجد أحداً، طوف بنظراته الغاضبة الوجوه ومن ثم غادر جميعاً قبل أن يرتكب جرماً بشع.
********
عرش مهيب يكسوه اللون الأحمر الطاغي على سطحه، الاضاءة المنبعثة من النيران تملأ فجوات الأعمدة الضخمة المتفرقة على الدرج المصفوف، القاعة المطولة تملأها حوريات الجحيم الاحمر، من يراهن يكلمة مناسبة حياً من شدة لوعته بجمالهن الأخاذ، ربما أخر ما يتوقعه أنهن قاتلات محترفات، يتوسط مقعد العرش المضيء ، أحد ملكات حوريات الجحيم السفلي “رودوليت” تترقب وصول ابنة شقيقتها بارتباكٍ، بعكلمة مناسبةا استمعت ما حدث، أسرعت احداهن للداخل لتقكلمة مناسبة لها التحية قائلة بحماسٍ لما تحمله من أخباراً سارة:
_الأميرة عادت للمملكة بخير مولاتي الملكة.
أشارت لها بالانصرافٍ، فغادرت لتدلف الاخيرة من بعدها، بخطاها البطيئة التي تعلو صداها كقرع الطبول النائية، فما أن ولجت للداخل حتى خلعت معطفها الأسود عنها، ومن ثم ألقت بما ترتديه عن وجهها الداكن، وعلى كتفيها كانت تضع رفيقة طفولتها، المخادعة بشكلها الهزيل الشبيه بالبومة بنفس حجمها، لونها الأبيض ممزوج بالرمادي، تألمت “ألماندين”بخطاها،فشعرت بأنها لن تقوى على استكمال الخطوات الفاصلة بينها وبين والدتها، فرددت بصوتٍ واهن:
_الآن”كاديان”!
كلماتها منحتها أمراً للتحول، فتضاعف حجمها عشرة أضعافاً لتصبح كالوحش الكاسر العملاق، ثم انخفضت لتدفس رأسها أرضاً لتتمكن سيدتها من التمدد على جسدها العملاق، فتمسكت” ألماندين”بأجنحتها البيضاء، لتطفو بها عالياً حتى أوصلتها لوجهتها، هرعت الملكة “رودوليت” إلى ابنتها، فعاونتها على التمدد ثم كشفت عن كتفيها، فصعقت حينما رأت جرحها الغزير، أمرت الحوريات بأحضار الدواء اللازم لعلاجها، ثم ابعدت خصلات شعرها الرمادي عن وجهها الساحر، لتتفحص حجم اصابة كتفيها بضيقٍ:
_أود أن أعتصر قلبه بيدي.
أجابتها “ألماندين” بوجعٍ تحاول السيطرة عليه:
_سيحدث أمي..
أومأت برأسها بنظراتٍ غامضة،فما أن انتهت من تدوية جرحها حتى ربتت على يدها بحنانٍ:
_ أرتاحي قليلاً، سنتحدث فيما بعد.
جزت على أسنانها بقوةٍ، علها تحتمل الجروح العصيبة التي تسبب بها “ديكسون” ثم قالت بتصميمٍ:
_لن أرتاح حتى أفصل رقبته عن جسده، ترقبت تلك اللحظة للأنتقام لاجل أمي.
وتهاوى الكلمة مناسبةع على وجهها وهي تسترسل بانكسارٍ:
_أمي التي تسبب هو بمكلمة مناسبةها، لا خالتي لن ارتاح حتى أجعل البشرية وابنها يدفعون الثمن غالي.
تلألأ ابتسامة “رودوليت” بانتصارٍ لما زرعته من كره بقلب “ألماندين” تجاه “روكسانا” وابنها، عينيها التي تتدعي الحنان تخفي من خلفها أثم وشر عظيم، تركتها وغادرت والاخرى هائمة فوق سحابة الكلمة مناسبة والثأر، لا تعلم بأن من تكيد له المكائد هو من سيختارها ملكة لقلبه!.
********
بالقصر الملكي.
جلسوا جميعاً على الطاولة التي صنعت من الأحجار الكريمة، ليتشاركوا فرحة انتصار “لوكاس” و”ديكسون”، هبطت “إريكا” للأسفل بصحبةٍ “إيمون” الذي عاونها على الجلوس على الطاولة، ومن ثم هبطت “روكسانا” بفستانها ذات اللون الفحمي الذي يلاحقه وشاح طويل يصل للأرض تحفه الزهور المبهجة، ومن أعلى رأسها يلمع التاج برونقه الساحر، هبطت الدرج لتجد من يقف أمامه بانتظارها، ابتسامة مشرقة أنعشت وجهها المنطفئ كلمة مناسبةاً من أن يصيبه السوء في كل حرباً يخوضها، فيعود ليضيء من جديدٍ فور رؤياه، رفعت يدها تلامس يديه الموضوعة أمامها، فشعرت بدفء يجتاز أوصالها، قربها “لوكاس” إليه وهو يهمس بأنفاسه الحارقة:
_أشعر بالتعطش لريحق زهرتي النادرة.
ثم اقترب من أذنها ليخبرها بصوتٍ ملئ بالرغبةٍ:
_الم تشتاق لي ملكتي الجميلة!
ابتسمت وهي تهمس له بنفس نبرته المنخفضة:
_وكيف للزهرة أن لا تشتاق للمياه وهي سبيلها الوحيد بالنجاة من الموت!
تعمق بالتطلع لعينيها الخضراء فتناسى ما يحدث حوله، وكأن عالمه انشطر بعالم يستكسف به عينيها، انتبه لذاته فانتصب بوقفته، ليلف ذراعيه من حولها ليتحول بها سريعاً لمقعدها المخصص، حتى هو جلس على يمين ابيه، الملك “شون” العظيم، لنضم لهما “لوثر” بعكلمة مناسبةا انتهى من تأمين حدود مملكة الغورة مثلما أمره الملك، فجلس جوار “ضي” التي كانت تترقب وصوله بلهفةٍ، أما “إريكا” فكانت تراقب المكان بملامح مزعوجة لعكلمة مناسبة وجوده، فتسلل الحزن لاعماق قلب “إيمون”، فعلى الرغم من الصداقة التي جمعته بها وبديكسون على مر السنوات الا أن هناك مشاعر غامضة تحارب قلبه دون أي رحمة، ليشعر بشيئاً مستريب لم يشعر به تجاه أي فتاة من كوكبه، وبالرغم من تأكده من حبها الواضح تجاه صديقه الا انه لم يتمكن من بتر حبها من قلبه، تناسى ذاك الوجع القابع بداخله فبطبيعة تكونيهم يتحملون الآلآم التي تفوق احتمال البشر، فانحنى برأسه تجاهها متسائلاً:
_أراكِ حزينة بأول يوم لكِ بالمملكة بعد غياب!
أجابته باستياءٍ:
_وكيف سأكون سعيدة و” ديكسون” ليس هنا؟
رسم بسمة مصطنعة وهو يخبرها:
_لا عليكي سيصل قريباً وحينها سنخرج للتنزه معاً كالمعتاد.
ابتسمت بفرحٍ وهي تسأله بحماسٍ:
_هل سنذهب لتلال المياه الغريبة تلك!
أومأ برأسه فبدت الفرحة جلية عليها، كسر صوت الملك “شون” الهمسات الجانبية فيما بينهما حينما قال:
_انتصاراً كذلك سيخلد بالتاريخ.
تابع “لوثر” مضيفاً:
_ “جوردن” ملك الغورة كان يعتقد بأنه سيتمكن من اخضاعنا لسيطرته حينما أرسل إلينا رسالة تهديد بالاستسلام، فقبل أن يتحرك بجيوشه لمملكتنا كنا قد خضنا الحرب بداخل قصره ومملكته.
وضع “لوكاس” الوعاء المشروب البرتقالي لجواره، وهو يخبر ابيه بفخرٍ عن صاحب الاقتراح:
_كانت فكرة “ديكسون”، بأن نهاجمه بمملكته حماية لشعب المملكة، فكان يعد جيوشه لغزو مملكة السراج الاحمر فتفاجئ بجيوشنا أمام عينيه.
ابتسم الملك بإعجابٍ على حفيده الذي يرفع رأسه عالياً بكل حرباً يخوضها، فتفحص المائدة وهو يردد بدهشةٍ:
_أين” ديكسون”؟
ظهر على المقعد من يساره وهو يجيبه بمرحٍ:
_هل يريد أحداً رؤيتي!
ابتسم “شون” وهو يتطلع له بهدوءٍ، قطعه حينما قال:

انت في الصفحة 2 من 3 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
10

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل