
الحلقة العاشرة
تنيــــن!!
كـاد رسلان يفقد عقلـه وهو يري أمامه ذلك الحيـوان ينظر له بشـر بذيـله المدبب و جناحيـه، تلك الأساطير لا يراها سوي بالأفلام.. تراجـع خطوة أخري و هو يمسك بذلك الرمح يوجـه سنـه تجـاه التنيـن..
” بسمِ اللهِ الذي لا يَضرُ مع اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمِ .”..
لفـتت أنظـاره مجـرفه تظهـر من خلف ذلك التنيـن، وان كـان لوجـود ذلك التنيـن أهميه فالبتأكيد هو لحمايـة شئ ما، ولكن المثير للتعجب ان ينتهي به الأمر حاملا تلك المجـرفه للخـارج، أكان ينقص العالم منها ليحـارب تنينا لأجل الحصول عليهـا!!
في وسط أفكـاره رفـع التنيـن ذيله ليهـاجمه فركض رسـلان ينحني أرضا حتي يتفـاداه، ذلك التنين يرصد كل تحـركـاته و الدفـاع لن يجدي نفعـا هنا رسلان، عليك الهجـوم الآن..
اتجـه بكـل قوته يرفـع جسده متسلقا الأحجـار حتي أصبح أمام رأس التنين ثم بكـل قوته كان الرمح يختـرق احدي عينيه و يخرج من الأخـري ففقـد التنين نظـره ولكن الآن اشتدت الحرب و تحفزت بـاقي حـواسه…
سحـب رسلان الرمح مجـددا بصعوبـه و هو الآن بات يشعر بضئاله جسده أمام ذلك الحيـوان، عليه اصابته في مق-تـل، عليه فصـل رأسه عن جسده ولكـن هاجمه التنين قبل ان يتخذ الخطـوة وأصابت أشواكه أقدام رسلان الذي صرخ متألمـا صرخه كادت تتشقق لها جدران الكهف، تعـرق جسده و اصبحت الأرض د’اميه من أعين التنين وقدم رسلان النا’زفـه…
بقدم واحده ورمح عليـه الفوز والا فحياته الثمن، عليه انقـاذ أخيها لتعود لها الحيـاة، هو لم يعرفها قبل ذلك ولكن يشعر بحيـاته ستتجدد وشمسه ستشرق ان استعادت فتـاته سعادتهـا…
فتـاته!! ابتسم رسلان متألما ومتأملا في افكـاره، هو يمتلك شعور قوي تجـاه تلك الفتاة، يمتلكه منذ الوهلة الأولي، شعور قوي يسمي بالحب…
تراجـع للخلف بظهره و هو يري التنين يحـاول الهجوم مجددا، يشتم رائحه الدماء و قد تحفزت حاسه الشم لديـه، نظـر رسلان له و للرمح ثم سمي الله ورمي الرمح بكـل قـوته للتتحرك حافته موازيه لرقبـة التنين ذ’بحتـه و انطلقت الد’مـاء مندفـعه خارج جسده متحرره و سقط أرضا، توسعـت أعيـن رسلان وهو يري تلك المجرفـة خلفه تضئ فأبتسم بألم وكأنها تناديه، وكأن ذلك الضوء هو البداية لحياته من جـديد..
كـان يجـلس علي كرسي مقيد من يديه وقدميـه، وأمامـه يجلس شخص يبدو عليـه الثـراء يجلس بكل هيبتـه واضعا قدمـا فوق الأخري و كـريم يحـاول فقط تبيـن ملامحه ليعرفه فقال بحده:
“أنت هتندم علي اللي عملته دا!”..
” الندم مش في قامـوسي يا كريم، بس يمكن يبقي جـزء من حـياتك قـريب “..
” أنت مين؟ “..
” أنا اللي هيعرض عليك 30 في المية من أملاك داليا النجـار، اللي هتبقي ملكي وملكك مش بس تحت تصرفك لمجرد غيابها”..
أجابه كريم بسخـرية:
“ومين قـالك اني هوافق!! فلوس داليا تحت حمايتي لحد ما ترجع، ولو فاكر ان الفلوس و الأملاك هتخليني اخون اخت صاحب عمري يبقي بتحـلم”..
” خلاص بلاش الفـلوس، هتبقي ملكي لوحدي ومعاهم زوجـتين زي القمر، واحده اسمها لينـا والتانيه اسمها مريم، اي رأيك!؟ حلوين صح!؟ “..
” بتهددنـي؟ معقول جبان للدرجـادي!! جبـان من داليا و بتهدد في غيابها و دلـوقتي قاعد تهددني بإخواتي، مسكـين!! “..
تعـالت ضحكات الرجـل الساخـره وقال بصوت غاضب:
” أنا مبهددش، أنا بقـولك، بديلك علم علشان متجيش ساعتها وتزعـل يا ابن الاسيوطـي…
” كويس انك عـارف أنا مين، والابن الاسيوطي اللي قدامك مبيتهددش و اخواتك اقدر كويس اوي احميهم من اللي زيـك… هتفكـني ولا اقوم بنفسي!! “..
نظـر له الرجـل بإستنكـار، قد تهـاون بقـوة من يجـلس أمامه فظنـه شاب مسالم هادئ سيتمكن بسهوله من الإيقـاع به، لم يعرف بأنـه ظل تلك السنوات يحميهـا من أمثـاله، فلم يكن طريق داليا محفوفا بالازهـار بل بأشواكها وكان كريم هو المزارع المسالم الذي أزال كل تلك الأشواك ليمهد لها سيـرها…
فك كريم أوثاقه بسهـولة ثم تحـرك للخـارج ولا زال ذلك الرجـل أمامه و قد ابتسم بخبث:
” قد اي كنت حاسس بالملل من اللعب معاك، بس دلوقتي انت اديتني الحمـاس اني اكمل… “.
تحـرك كريم وهو علي يقيـن بأنه لن يمس بضرر ولكـنه شعـر بالقلق لأجل الأيـام القادمـة وعلي عاتقه حماية الجميـع…
أخـرج هاتفـه يُجري اتصالاته و بالفعـل عندما عاد لبيته كـان محاط بالحراس من كـل اتجـاه وتقدم رئيسهم تجـاه كريم يقول بجديه:
” تمام يا كريم باشا، البيت كله اتأمن.. “..
أومأ كريم برأسه وقال بجديه:
” أقوي حـارسين عندك يا حازم، واحد هيكون معايا انا ومريم و التـاني هيفضل مع جدتي في حالة غيـابك “..
” أنا موجـود دايما يا باشا متقلقش “..
” نفذ يا حازم.. انت هتـوصل لينا وتجيبهـا أول ما الجامعة تبـدأ، وتفضل زي ضلها جـوا الجامعه.. مفهوم!! “..
” مفهوم يا باشا “..
تحـرك كريم للداخـل تحت نظرات مريم التي وقفت في شرفتهـا تنظر لكل ذلك التأمين الزائد، لأجلها!!!!
ربمـا..
ذهبت لنومها من فرط التعب وهو تود ان تسأله بالكثير ولكن قوتها البدنيه لم تتحمل الاستيقاظ لأكثر من دقيقـه…
…………………………………………..
كـانت تنتـظره أمام ذلك الكهـف، فقط الظلام أمامهـا و عيناها تكاد تختـرق تلك الحجـارة لأجـل رؤيتـه، طال غيـابه لساعـات و تعجـبت لذلك الشعور بداخـلها بإستعدادها التام لإنتظـاره لأعـوام..
ومن وسط ذلك الظـلام ظهـر رسـلان وهو يستند علي رمحـه و باليد الأخري يحمـل تلك المجـرفه و يسحـب قدمه التي أفقدته الدمـاء و حينمـا وقع نظـره عليهـا ابتسم ثم استسلم لآلامه وسقط أرضا لتـركض اليـه بخوف وخلفها البقيـه و صاحت ببكاء:
” رسلان! رســـــلان! “..
وضعت رأسه علي ساقهـا تحتضن وجهه فتطـلع لها بأعين دامعه:
” ما كنت أؤمن بالعيون وفعـلها، حتي دهتني في الهوي عيـ,ـنـاكِ… “.
(نزار قباني)….
تطـلعت له بأعين حائـره وأنتشلهـا من حيرتها آفـرين وهي تصـ,ــرخ جـوارهـا تقـول بجدية:
” علينا العودة بـه لأتمكن من علاجـه، هيا سنفقده ان تأخـ,ـرنا لثوانٍ”..
حمـله بعض الرجـال تجـاه بيت الحاكم ايـوان وهناك تـولي هو علاجه بنفسه وسـاعدته ابنتـه و عادت داليا خلفهـم ولكنها لم تخطو لغرفتـه بل ذهبت لأخيـها ألقت نفسها بين يديه تبكـي فسألها بقلق:
“حصل حاجه؟!! مالك يا داليا اي اللي حصل!؟”
قالت بين دموعها:
“أول مره احس اني ضعيفه كـدا يا أدهم، اول مره احس ان العـالم ممكن يتـ,ـمثـل في شخص واحد، في حدث واحد، حياتك وحياتي كانت واقفه علي خروج رسلان من الكهف عايش، لو مكـانش خرج كنت……
” كنتي اي؟ “…
أغمضت عينيها تشعر بألم يغزو كل جسدها تجـهل سببه وعقلهـا توقف عن التفكـ,ـيـر و ضمت اخيهـا أكثـر تستشعر الأمان الذي استوحشته، وهي يتمني ان يملك القوة لرفع يديهـا للتربيت عليـ,ـهـا و طمئنتها..
كـادت تصـرخ ولكنها وجدت من يكمم فمهـا وقال بهمـ,ـس:
” اششش.. أنا كريم.. اهدي “..
تنفست لتهدئ نفسها وسألته:
” اي اللي مصحيك دلـوقتي!؟ ”
” عاوز اصلي الفجـر، لقيت الماية قاطـعه هروح بقي اتوضـ,ـي في المسـ,ـجـد وخـلاص “..
” طيب وأنا هنـزل اشوف ماية تحت علشان اتوضي انا كمـ…..
غفـلت عن درجـة السلـم فأنزلقت قدمهـا وكادت تسقط لولا أنه أمسـ,ـك بيدهـا و ان بقيت علي وضعهـا فستقـع بكل تأكيد علي ظهرها فسحبهـا تجـاهه لتستقر يداها علي صـ,ـدره واحاطـ,ـها بيده وسكنت بيـن يديه…
ان كـان للتيـه تعريف فـهي ليده التي كانت في حيرة بيـن لمسـ,ــها والتمـ,ـسك بها أو تركهـا، و ان كـ,ــان للغوص تعريف فهي عينـاه التي غاصت لأعماق عيناهـا الخائفـة، وان كان للشرود معـ,ـني فهـ,ـو عقـ,ــل كريم في تلك اللحظة..
تراجـع للخلف بصمت ليترك لها المساحة الكافـ,ـيـه لتقف من جـديد وقال بهدوء:
“خدي بالك..” ..
تركهـا وتحرك مسرعـا للأسفـل وغادر المنـزل بأكمـ,ــله وهي ظلت بمكـانهـا لا زالت تشعر بيده التي تمسكت بهـا و بعيناه وتلك النظرة الغريبـة التي كان يطـالعها بهـا، سكـون، راحـة و آمـ,ــان… أحضانه!!!
في الصبـاح التـالي..
خرجـت مريم من مرحاضها الخاص تجفف شعـرهـا و قد سئمت استخدام يد واحده فـ,ـذلك جعـ,ـل مهمتهـا صعبه، جلست تمشط شعـرها و ارتدت ثياب فضفـاضه و حجـابا ثم خـرجت من غرفتها التي ظـ,ـلت بها لساعـات طويلة منذ الليلة الماضيـة و قد قررت تحضير طـعام الإفطـار للجميـع…
و كم كان مطبـخ ذلك البيت واسعا مريحـا و يطـل علي الحديقـة الخـارجيـة فأندمجـت بكـل شغـ,ـف تحـ,ـضـر الطعـام حتي شعـرت بدقـه خفيفه علي البـاب فألتفتت لتجـده رجـلا يبدو في منتصف الستينات من العـ,ـمـر يتطـلع اليها بأعين فاضت بالدمـوع:
” انتي.. انتي ازاي نسخـه عنهـا كدا “..
ابتسمت مريم بسعـادة ف خـالها و الذي حدثـ,ـته لمـ,ـرة واحده فقط يقف أمامها وأخيـرا:
” خالو؟! حضـرتك وصلت امتي؟! “..
مسح دمـوعه وقال بإبتسامة:
” لسه واصل يا حبيبتي.. “.
اتجـه لها وصافحـها ثم ضم وجهها بيـ,ـديه يقول بهدوء:
” انتي عوضي عن اختي اللي اتحرمت منهـا بدري، هتبقي بنتي واختي وصاحبتي وكل حاجه “..
قالت بدموع:
” عمر ما حد عاملني بالطريقة دي بعد بابا الله يرحمه”..
“خالك موجود يا حبيبتي، تعـالي برا سلمي علي فاطمه مراتي و شوفي جايبلك اي دا انا جايب شنطه بحـالها مليانه حاجات ليكي بـس”..
ابتسمت بسعادة وحماس:
” الله بقي.. وأنا عملت فطـار مصري اصيـل هنفطـر و تورينـ,ـي كـل الحاجات بنفسك”..
“بس كدا دا أنا عينيا ليكي و للفطـار، حرفيا انا هموت من الجـوع”..
” هخرج بس اسلم علي طنط واجي أحط الفاينل تاتش “..
ملأت ضحكاته المكـان وقال بإبتسامة:
” براحتك يا حبيبتي، انا كدا كدا كريم مستنيني هنتكلم سوا شوية “..
رحـل من أمامها واتجـه لغرفـة ابنـه الذي استقبله منذ دقـائق ليخبره والده بأن ينتظـره بغرفته للحديث معه..
قال بجدية:
” اي حـوار العريس اللي جاي دا!! “..
” اه يا بابا ما أنا قولت لحضرتك، صالح يبقي محامـ,ـي و هو انسـ,ـان كويس و….
” كويس ولا مش كـويس لنفسه، مريم بقت بنتي وأنا اتحرمت مـ,ـنها سنين، عاوزها تفضل جمبي اللي باقي من العمر “…
” يعني اي يا بابا دي بنت و كمـان سنها مناسب للجواز و هي شـ,ـبه موافقه اسـ,ـاسا، هتـ,ـقعدها جمبك تعنس!! “..
” لا يا كريم، هقعدها هنا كزوجـة ليك “..
” اي؟! زوجة لمين يا بابا مريم عندي زي لينا! “..
” كـريم انا مش باخد رأيك، أنا بقولك.. أنت هتتجـوز مريم.. ودا قرار نهـائي “…
………………………….
” رسـلان لسه مفاقش!! “..
” لقد خسر الكثير من د’مـائه..وساقه متضرره “…
قالت داليا بإنفعال:
” لو مش عارفين تعملوا حاجه يبقي رجـعوني بيه لمصـر و أنا هتصرف “..
قال آفرين بهدوء:
” عزيـزتي إهدئي، هو يتعـافي وضعت له أدوية فعـاله، سيصبح بخير بحـلول الصباح، ابقِ بجـواره وسأذهب لوضع الأعشاب لأخيكِ “..
تحـركت آفـرين تجـاه غرفـة أدهم فوجدته شـاردا، تحركت بالغرفـة وهي تجمع الأغراض التي تحتاجهـا وهو لا زال علي وضعه، حمحمت تنظر له فأنتبه لها وآخيرا وابتسم ابتسامة واسعه:
” سندريلا! أهلا وسهلا “..
” أعطيتني العديد من الأسماء سيدي، بالبداية سبيستون و من ثم اميرة ديزني و اليوم تنـاديني بهذا الإسم، ألا يعجبك آفرين أم تخجل من قولـه!؟ ”
ضحك أدهم وقال بمشاكسه:
” أخاف ان يُجرح اسمك الرقيق ان نطـ,ـقه صوتـ,ـي الخـ,ـشن “..
ابتسمت بخجـل وبدأت في وضـع أدويته:
” أنت تأخذنـا لطريق لا عودة منه، أرجوك توقف عن وضـ,ـع الأسماء لي “..
” في الحقيقه أول اسم كـان لما سمعتك بتتكلـ,ـمي بلغة عربية فصحي، و التـاني لمـا بدأت اتأكد انك جاية من العالم دا، و سندريلا كانت أكثر الأمـ,ـيرات شـ,ـهره، كان كل اللي حواليها بيغير من جمـالها، لأن كان جمالها طاغي وحضورها مميز وفستانك الأزرق بيفكرني بيها “..
” هل تغازلني؟! “..
” أنا معملتش حاجه غير كدا من أول ما فتحت عيني “..
” اذا تـوقف عن ذلك، فلا اشعر بالراحـه، بالنهاية أنت مجرد ضيف لن اراه بعد ايام قليـلة، لن أراه لبقية عمري، ف دعنـي ودع قلبي في ثبـاته “..
تحـركت آفـرين لغـرفتها وبقي هو في مكـانه مضطرب لكلمـاتها، فلم يبقي علي الرحيـل سوي القليـل….
بالغرفـة المجـاورة استعـاد رسلان وعيه وأخيـرا ليجـدها بجواره من جديد وكأنها لم تفارقـه أبدا فأبتسم بوهن:
” كنت فاكر اني هلاقي مال آرون ولا حته آثار نسند بيها نفسنا “..
ضحكت داليا و قـال بإحساس بتأنيب الضمير:
” كل دا بسببي، كـأني ابتلاء وظهر في حياتك “..
ابتسم رسلان وقال بهدوء:
” و هل يُبتلي الإنسان إلا فيمن يحب!! ♡”..
يتبع….
الحلقة الحادية عشر
” كـريم انا مش باخد رأيك، أنا بقولك.. أنت هتتجـوز مريم.. ودا قرار نهـائي “.
” لو سمحت يا بابا، سيبلي مساحة للنقـاش واسمعنـي، يا بابا أنا حابب أكون أخ لمريم، وانا جيبتها البيت هنا علي الأساس دا، بالنسبة لصالح فهو أساسا بيته في نفس الشارع و هي شبه موافقه عليـه و الشاب محترم وكويس، بابا حضرتك لو جوزتني مريم غصب عني انا مش هكـون مبسوط و كمـان هي مش هتكون مبسوطـه، بلاش تفرض عليا وعليهـا، حضرتك قابل صـالح واقعد معاه وانا متأكد انك هتوافق عليه “..
” بيتـه في نفس الشارع؟ ابن مين هو؟! “..
” ابن الأستاذ مؤمن المحامي، وصالح كمـان محامي وشغال في مكتب ابوه الغني عن التعـريف بردو، راجل محترم و عارفينه وعارفين أهله من زمـان “..
” بس أنا كنت عاوزها ليك يا كريم، يا ابني البنت كويسه ليه تسيبها للغريب، لو مكانتش حلوة كنت وافقتك بس البت زي القمر و لبسها ساتر و محترمه و متعلمه كويس، اي اللي مش عاجبك فيها بس!! “..
” يا بابا والله مريم فيها كل الصفات الحلوة، بس هي عندي زي لينـا “..
” لا حول ولا قوة الا بالله.. ماشي يا كريم هقابل الشاب بـ,ـس خليك فاكر انك كسرتنـ,ـي برفـ,ـك دا “..
” ليه بس يا بابا، هو انا لما اكون اخوها يبقي وحش! هخاف عليها و احميها واكون سند ليها لو في يوم اتخاصمت مع جـوزها، هكون أهل ليها يا بابا مريم مهمة بالنسبالي صدقني “..
” ماشي يا ابني اللي فيه الخير يقدمه ربنا “..
تحـرك خـارج الغـرفة ولحق بـه كريم و اجتمـعوا علي طـاولة الإفطـار فسأل والده بسخرية:
” الاه اي كمية الحراسه اللي برا دي يا كريم دا ولا كأني داخل السفارة الأمريكيه!!؟ “..
قال كريم بشرود:
” في واحد بيهددني و عاوزني اسلمه أملاك داليا “..
” أملاك داليا؟! وانت مالك بأملاك داليا اصلا!؟ “..
” داليا يا بابا عملالي توكيلات وتصريحـات التصرف في أملاكها لأنها غايبه في سفر طويل “..
” وانت ازاي تقبل بحـاجه زي دي اصلا؟! دي مسئولية يا كريم وأنت اصلا العلاقة اللي بينك وبينها انتهت بموت صاحبك.. ليه عملت كدا “..
” علشان بتثق فيا يا بابا وعلاقتي ب داليا كانت اقوي بعـد وفاة أدهم، طبعا في اطار الشغل، أنا عارف كل كبيرة وصغيرة في الشركه ف طبيعي بغيابها أكون أنا المسئول، انا لازم احافظ علي فلوسها وفلوس صاحبي، حتي لو علي حساب حياتي “..
تحـرك كريم للأعلي تحت نظرات والده المستاءه ثم عـاد بعد قليـل يسأل بإهتمـام:
” حد محـتاج مني حاجه قبل ما أمشي؟! “..
قالت والدته بإبتسامة:
” متتأخرش، مش هتعشي من غيرك، هعملك الأكل اللي أنت بتحبه”..
“مش هتأخر يا حبيبتي ان شاء الله..”..
تسألت لينا:
” طيب أنا كنت عاوزة أخرج مع صحابي يا كريم؟! “..
قال بجدية:
” الحارس برا هيكون مـعاكي يا لينا، و ياريت متتأخريش ولـو حصل اي حاجه كلميني يا قلبي”..
قالت بإبتسامة:
” طب شخلل جيبك طيب “..
ضحك كريم و ترك لها ما قد تحتاجه من مـال ثم رحـل، نظر لها والدها بآسي و قال بحزن:
” يعني استأذنتي اخوكي و طلبتي منه فلوس يا لينا و أنا كأني مش موجود؟!! “..
” أنا.. أنا أسفة يا بابا والله مش قصدي انا بس علشان متعودة “..
” طـول ما أنا موجود يا لينـا يبقي اذني قبل اذن أخوكـي و كمـان تطلبي فلوس مني انا مش هو، وأنا مش هعز حاجه عليكي يا بنتي والكـلام ليكي يا مريم “..
اومأت الإثنتيـن برأسهم وبدأ الجميـع في تنـاول الإفطـار في جو عائلي جميـل…
” هـو اي السائل اللي شربه دا؟! من سـ,ـاعة ما فـلق وشربها وهو فقد وعيه تاني!!؟’..
” بالبداية كان فاقدا للوعـي، والآن هو نائمـا.. ذلك السائل يعمل كمهـدأ و مسكن لألامه، سينـام رسلان لبضعه ساعـات الآن، ربما يستيقظ بعد غروب الشمس، لن يتحمـل آلام ساقه بدون تلك الأدويـة “..
اومأت داليا برأسها، كم تبقي لغروب الشمس!! بضعة سـ,ـاعات ولكنهـا لم تعلم بان تلك الساعات ستصبح ايـام و لا زال رسلان غافيـا علي فراشـه وهي علي الأريكـة بجـ,ـواره وقد ادركـت بأنه كان مؤنسهـا ورفيقها الوحيد خلال تلك الرحـلة و الآن باتت تشعر بالخوف و الوحدة من المجـ,ـهـول…
في غرفـة أدهم كانت آفـرين أمامه تتفقد يده التي بدأت تتحرك من يوميـ,ــن ولكنه يشعر بهـا برجفـه سببت له القلق من أن تكون دائمـه:
” اعتقد بأنهـا ستصبح بخير بعد أيـام، لا تقلق سيدي انت تتعافي بشـ,ـكل جيد للغايـة، ربمـا بالأسبوع المقبل سنجدك تتجول بين اراضي دارو “..
” أدهم.. اندهيلي بإسمي لو سمحتي مبحبش كلمة سيـ,ـدي دي “..
” الألقاب ترسم الحدود بشكل جيد بيـن الأشخـاص “..
ابتسم بآسي:
” وأنتي حابه الحدود دي، حابة تنكـري انك معجبه بيا زي ما أنا معجـ,ـب بيكـ,ـي، مـ,ـع اني اعتـ,ـرفت من اول مره شوفتك فيها “..
” تود الإنجراف وبشده خلف مشاعرك، أما أنا ف لا “..
كانت علي حق، فهو يرغب في التمـادي و لا يستطيع السيطرة علي قلبه الذي جن بالكـامـ,ـل فقال بجدية:
” لست أدري هل تداويني من السحر، أم أنتِ من اصابني به آفرين “..
” ماذا تريد؟! “.
” عاوزك تديني فرصه “..
” أنت لا تعرفني، كل ما تشعر به هو مجرد اعجاب سيزول بعد ايام “..
” أنتي مبتكلميش مراهق!! أنا عنـدي 33 سنـه “…
صرخت به:
” اللعنه أدهم ماذا تـريد!! حسنا أنا لست معجبة بك بل أنا أحبك يا أحمق ولكـ,ــن ماذا أفعـل، ستترك عالمك و تترك أختك و تبقي معي، ام أترك أنا أبي و دارو!!؟ لما تريد التـ,ـسبب في العناء لي ولقلبي!! “…
ركضت للخـارج وظـل هو بمكـانه يطـالعها بحزن وضيق وجـلـ,ـس يفكر في حديثهـا و اتبسم تلقائيا عندما تذكر كلمتهـا التي روت ظمأه.. احبك يل أحمق فقال بإبتسامة:
” الرومانسيه عندها مبدأ “..
في الخـارج كـانت تجـلس آفرين، علي درجـات السلم أمام بيتهـا و ضمت قدمهـا لصدرها تبكـي حتي آتي والدها من خلفهـا يقول بجدية:
” ربمـا بعد شفاءه سأتحدث معه بأمر الزواج و البقاء ب دارو “..
سألت بلهفه:
” حقا أبي!!! “..
أجابها بحده:
” أجل عزيزتي… رسـلان هو الزوج المنـاسب لكِ، أنـ,ـتِ لم تنسي انه وريث دارو، هو من يستحقك لتتولوا أمور دارو من بعدي، أخطأت والدته من قبل وعليه هو اصلاح ذلك الخـ,ـطأ، كان اتفاقنا من البداية آفرين “..
” لكن… لكني لا أحبه “..
” لا ترتكبي نفس الخطأ آفرين، يكفيني أختي وخسارتهـا “..
انهـمرت دموعهـا بغزاره و ركضت بعيدا عن أبيها و بعيدا عن منزلهـا و هي تتذكر أبيهـا وتتذكر ذلك الوعـد..
F. B..
” سيعـود ابنها يوما آفريـن، أشغر بذلك وكلي يقيـن، وذلك السحر الذي دفن بأرضنا يؤكد لي ذلك، سيعود و ستتزوجي به، عديني بذلك آفرين “..
” سأفعل أبي..هذا وعدي لك حتي تتوقف نبضات قلبي “..
B..
وضعت يديهـا علي صدرها تستشعر دقات قلبها و همست بضعف:
” هو ليس ملكي أبي.. اختطفه ذلك المصري صاحب الثلاثة وثلاثون عاما.. أُحبه.. احبه كثيرا أبي”..
” عدي يوميـن يا مريم و صالح مستني الرد “..
سألتهـا والدة كريم التي اقربت منها بالفـ,ـترة الأخيـرة، ربتت علي شعرهـا وقالت بهدوء:
” حبيبتي محدش بيجبرك علي حاجه، همـ,ـا بيحـاولوا يقنعوكي مش بيضـ,ـغطـوكي، بس في النهاية لو قولت لا محدش هيعترض “..
قالت مريم بقلق:
” هو كويس يا طنط و أنا مرتاحـه بس عندي احسـاس ان في حاجه ناقصه، حاجه واقـ,ـفه مـ,ـش مخـ,ـليه لساني يقولي اني موافقه”..
” يا حبيبتي طبيعي الجواز المدبر بيبقي كدا، أنتي لسه مش عارفاه، انتي طالما صليتي استخاره ومستريحه يبقي اتكلي علي الله “..
أومأت مريم برأسها ببعض الهدوء والقلق و الخجل:
” تمام يا طنط.. موافقه “..
ابتسمت والدة كريم بسعـادة ثم أطلقت الزغاريد فأجتمع كل البيت حـولها يتسألون عما يحدث فقالت بسعادة:
” عندنا عروسـه، مريم وافقت “..
ابتسم والد كريم براحـه و اقترب يضمها بحنان:
” مبروك يا حبيبتي، ألف مبروك “..
قـال كريم بهدوء:
” مبروك يا مريم “..
تحـرك كريم للأعلي، ليس لغـرفته بل لسطـح بيته وجـلس يستنشق بعض الهواء لعل تلك الموجه الحارة التي هاجمته تهدأ قليـلا وهو يشعر بالضيق، ضيق لا يدري سببه ولا يعلم مصـدره..
اخرج هاتفه ليضع صورة داليا أمامه.. وللمرة الأولي لا تطفأ تلك الصورة غضبـه أو حتي يستكين قلبـه و تهدأ دقاته، فتأفف بضيق وجـلس بموضعه يتذكر حديثه طبيبته النفسيه:
” أنت كان لازم تتوصل لدا بنفسك يا كريم بس انت اتأخرت فأنا لازم انبهك… انت محبيتش داليا أنت كنت بتحب صاحبك، اخوك اللي من اب وأم تانين و كبرتوا سوا و فجـاءة لقيته مات و خسرته و بعدين تعرف انه عايش و حالته أسوء من الموت، واحساسك بالمسئولية هو اللي خلاك تطـ,ــلب الجواز منهـا “..
” لا يا دكـتورة، انا حبيت داليا بجد”..
“اكتشفت مشاعرك دي بعد موت ادهم بس!! ولا بدأت تتواجد جواك أصـ,ـلا في الوقـ,ـت دا، زي مـ,ـا قولتلك يـا كريم أنا مش هناقشك في الموضوع دا، يكفي اني لفت نظـرك ليه”..
” بس… بس أنا عمري ما اتشديت لبنت تانيه! جدتي بتجيبلي صور لبنات كتير و دايما بتلح عليا في موضوع الجواز وأنا برفض، وأنا والله مش ضد المبدأ انا بس مش قادر اخد الخطوة “..
” يمكن علشان لسه مجاتش البنت اللي تجذبك ليها يا كريم؟! “..
” تفتكـري!؟ “..
عـاد من ذكـرياته علي صوت آذان الفجر فمسح وجهه بتعـب و تحرك للأسفل ليذهـب للمسجـد و بالفعـل أدي صلاته ثم عاد لغـرفته و بدل ثيـابه، وبدلا من النوم جـلس في شرفتـه ينظر للسماء و قد بدأت الشمس في ملاحقـة القمـر و بدء الصباح في مهاجمة ظلام الليـل و ذلك السكـون قد سمح لصوت الضحكـات الخافته التي آتت من الغرفـة المجاوة ان تصل لأذنه التي أرهفت السمع لحديثهـا ولكنه لم يستطـع تبين الكلمـات، لم يسمع منها سوي كلمة واحده..” صالح “..
تحـرك كريم غاضبا تجـاه غرفتها وقام بدق الباب بغـ,ـضب لدرجـ,ــة انها سـ,ـحبت حجـ,ـابها فوق منامتها فقط وخرجـت لتجده أمامهـا يصرخ بغضب:
” انتي بتكـلمي مين دلـوقتي في التليفون!!؟ “..
خرج والده يركض تجاهه بسأله بصدمه:
” في اي يا كريم!!؟ “..
” الهانم واقفه تكـلم صالح بيه اللي لسه مجمعهـاش بيه اي صله و احنا وش الفجـر.. ”
هزت رأسها نفيـا وهي تبكي:
“لا والله يا خالي و الله انا كنت بكلم سارة صاحبتي”..
سألها كريم بسخرية:
” صاحبتك اه.. طب وريني التليفون كده!! “..
صاح بـه والده بحده:
” كريم.. الاسلوب دا متتكلمش بيه طول ما أنا موجــ,ـود، و انتيـ,ـ يا مريم فهمينـي اي اللي بيحصل!! “..
” يا خالي والله ما في حاجه، انا بتصل علي سارة كل يوم الفجر علشان اصحيها للصلاة وصدف النهـاردة ولقيتها صاحيه ففضلنا نتكلم شوية و حكيتلها اني هتخطب لصالح، فجاءة لقيت كريم بيخبط علي الباب و بيزعقلي “..
التفـت ل كـريم الذي وقف ينظر لها بضيق وغضـب ثم قال ببعض التحفظ:
” شغلك هيبدأ من بكـرا.. الساعة 8 تكوني جـاهزة “..
تركهم وتحـرك لغرفـته وأغلق الباب خلفـه بقوة بينما اتجه والده تجاهها وربت علي رأسها بحنان:
” معلشي يا حبيبتي، هي غيرة وخوف الأخوات بتكون صعبه، هو خايف عليكي تعملي حاجه غلط، معلشي متاخديش علي خاطرك منه “..
أومأت برأسها بحزن ثم تحركت للداخل وعاد هو لغرفتة..
” عمي عبد الرحمن… يا عمييي… بيقـولوا في بنت جت بيت الأسيوطي و بيقولـوا انها بنت بنتهم اللي هربت من 25 سنه “..
فتح عبد الرحمن عينه حيث أراح ظهره قليلا علي كرسي مكتبـه و اغمض عينيه فغفـي لدقائق ولكن كان وقع تلك الكلمات علي قلبه كوقع السحـر فهمس بعدم تصديق:
” بنتي!!!! “…
يتبع….