
ظن أسر أن بها شيء وركض نحوها يتسأل أن كان هناك شيء فأردف بقلقٍ:
-مالك يا حبيبتي في حاجه بتوجعك اجبلك دكتور؟!
نظرت له سها وعينيها لا تزالان تذرف الدموع، تردد بمشاعرٍ متضاربة:
– خدني في حضنك يا أسر.
أسر :
-قشطه دا أنا كل يوم هفرجك على فيلم رومانسي.
فحضنها أسر:
– مكنتش أعرف إنك حساسة كدا يا قلبي عيطي يا حبيبتي.
سها ببكاء:
– إيه ده؟!
أسر:
– إيه؟!
سها:
-هو أنت فكرني بعيط عشان الفيلم؟!
أسر:
– أمال إيه؟!
سها :
– انا بعيط عشان الفستان اللي البطلة لبساه ده اشتريته وجي ضيق عليا جدًا.
أسر:
– يعني أنتِ بتعيط عشان الفستان بس!
سها:
– آه.
أسرظل يلكمها الضربات وهي تصرخ
سها :
– ألحقوني… ياسمين.
ياسمين:
– بتزعقي ليه يا زفتة؟
ياسمين:
– هتموت البت سبها.
أسر :
– وأنا بقول البت بقا عندها مشاعر وهتحس بيا واحضني يا أسر.
سها:
– وأنا مالي أنت اللي تفكرك مش حلو.
ياسمين:
– بس يا أسر.. بس يا سها.. الله خلاص بقا.
أسر:
– وبعدين أنت إيه اللي مقعدك هنا وأنا اللي بقول عمتي إزاي قدرت تقعد من غير بنتها كل ده من يوم الخطوبة دا زي ماتكون مصدقة.
سها:
– أنت مالك! أقعد براحتي كان بيتك ولا بيتك دا قصر خالي يا حبيبي.
أسر:
– حبك برص يا شيخة
ياسمين:
– بـــــــــــاس كفاية تعالى يا أسر.
وخدت أسر ومشيت
عاتبته ياسمين بكلماتٍ صغيرة:
– حرام عليك يا أسر براحة شوية وبعدين هي قاعدة على قلبك!
ردد أسر باختناق:
– يا بنتي أنا بسمع أن اللي بيتجوز بياخد مؤبد وأنا لسه يدوب خاطب وهي لازقة هنادي زي ما تكون ما صدقت حد يخطبها عشان تكلبش فيه هي مكنتش مصدقة ولا إيه؟!
حركت ياسمين رأسها بيأسٍ، منه ثم قالت بحماسٍ:
-سبك منها وأجهز عشان تيجي معايا بعد بكرة نجيب ندى من المطار.
اتسعت عين أسر بسعادة يردف:
– ندى هي أخيرًا هتنزل.
حركت رأسها في ايجابية تؤكد حديثه :
– آه يا سيدي أخيرًا
شرد أسر يتخيل ملامح ندى يردد ببسمة بلهاء على ثغره :
– ياه أكيد بقت موزة..
شهقت ياسمين فجأة متمتمة وهي تضع يدها على فمها:
– إيه ده سها!
استدار أسر سريعًا مردد بخوفٍ:
– فين؟!
ضحكت ياسمين على خوفه، تردد بسخرية:
– جبان.
************
بمكتب عصام…
– إيه يا خالد أتخلصت من البنى آدم ده إزاي؟!
قالها عصام بدهشة، فشقيقه ليس بسهلٍ أن يترك المكان، في حين اجابه خالد وهو يجلس على مقعده:
– زي الناس يا خويا يالا عشان الإجتماع وربنا يستر.
تسأل عصام بتعجب:
– ليه في إيه؟!
نظر له بجانب عينيه يردد بنبرة ساخرة:
– كالعادة في بنتين هيحضروا الاجتماع وهيعجبوا بسيادتك وسيادتك هتطردهم
وهنرجع القصر كالعادة يعني مفيش جديد.
حرك رأسه بايجابية، يردد وهو ينهض من مكان يحمل سترته:
– أنا أصلًا مش فاضي عشان أحضر الإجتماع أنت اللي هتحضره
تسأل خالد بدهشة:
– ليه؟!
تحرك عصام نحو الباب يردد في تعجل:
– ورايا مشوار مهم، سلام.
عوج خالد مرددًا بسخطٍ:
– مشوار مهم ربنا يستر.
وبالفعل جلس خالد بالاجتماع مع والده ” محمد الدالي” الذي شعر بفخرٍ على دهاء ابنه في العمل.
فقد انهى الاجتماع بوقتٍ قياسي، مما جعل أحمد الدالي يردف بفخرٍ:
-أنا فخور بيك يا ابني ربنا يحميك.
ابتسم خالد بهدوءٍ، مرددًا بتهذب:
-أنت معمالتش حاجة يا عمي ده كله بفضل ربنا ثم علامك لينا.
ضحك أحمد على حديثه الذي راق له، مرددًا من بين ضحكه :
-يا واد يا بكاش.
لا تزال البسمة عالقة بثغر خالد، الذي ردد بامتنان :
– ولا بكاش ولا حاجة أنا بقول الحقيقة.
تسأل محمد بتعجبٍ:
– عصام فين يابني؟!
حرك رأسه في عدم علم يردد بنبرة جادة:
-هو قال إن عنده مشوار مهم.
– ربنا يستر.
قالها محمد وأحمد بذات الوقت يحشى كلاهما ما سوف يفعله عصام الدالي!!
*************
بمكانٍ مخيف للغاية، كان شبه مهجور، تملؤه الأوساخ، يجلس عصام الدالي واضعًا قدم فوق الأخر، ينظر بغموضٍ يحمل بعض الشراسة للملقى أرضًا في اهمال، يردد ببرودٍ له:
– ها هتنطق ولا لاء؟!
حرك أحمد رأسه في نفيٍ، يجيب وهو يلهث بشدة :
– والله يا عصام بيه معرف حاجة صدقني.
حرك عصام رأسه في نفي يقتربه منه بشكلٍ مخيف :
– كدا هزعل وصدقني يا أحمد زعلي وحش جدًا.
لم يجيب أحمد في حين أردف عصام ببرودٍ وكأن ما يقوله عادي :
-عثمان أقتله وأدفنه هنا.
نهض من مكانه كي يغادر ولكن اوقفه أحمد يمسك قدمه مرددًا برجاءٍ:
-هقول هقول كل حاجة.. خلاص!
زحفت بسمة سوداء على شفتي عصام، يزمجره بعنفٍ:
– أنطق أنا مش فاضيلك يا روح ***.
نطق أحمد أخيرًا يجيبه على ما أرد:
– أيوب البحيري هو اللي كان بياخد مني المعلومات عن الصفقة الجديدة يافندم سامحني.
أظلمت عينيا عصام بشدة، يردد من بين اسنانه:
– آه يا كلب حسابك تقل معايا.
نظر أحمد نحو عصام برجاءٍ، يحدثه بخوفٍ:
– أنا قولت كل حاجة… خليني أمشي يا بيه.
نظر عصام بشراسة، يجيبه بصوتٍ مخيف:
– للأسف أنت لعبت مع الشخص الغلط يا أحمد مش عصام الدالي اللي عيل لا راح ولا جه بيلعب بيه ما عاش ولا كان ولا لسه ولدته أمه حتى أنا لازم أخليك عِبرة للي يفكر بس مجرد تفكير أنه يخوني أما بقا أيوب ده حسابه تقل معايا فاللعب معه هيبقى على تقيل… عثمان.
تقدم عثمان كي يتلقى امره يجيبه:
– نعم يا عصام بيه.
:- نفذ اللي قولتلك عليه!
قالها عصام وهو يغادر المكان في حيم اجابه عثمان بهدوءٍ:
– حاضر يا افندم.
**************
عاد عصام إلى القصر، يترجل من السيارة تاركًا أحد الحرس أن يصفها بنظامٍ أكثر، انطلق عصام نحو غرفته يبدل ملابسه بأخرى مريحة رجع عصام إلى القصر وصف سيارته باهمال فأتي فكانت سروال من اللون الرمادي وتي- شيرت من اللون الأبيض، انتهى من تبديل ملابسه وانطلق نحو غرفة شقيقته، يطرق بالباب بخفة وما أن سمحت له بالدلوف حتى أردف ببسمة حنونة:
– مساء الخير، الجميل نايم ولا صاحي؟!
ابتسمت ياسمين بحبٍ لشقيقها، تردد بسعادة لرؤيته:
– لا لسه صاحية يا حبيبي تعالى.
دلف عصام للداخل يمد يده بورقةٍ صغيرة، يردد ببسمة حنونة:
– خدي يا حبيبتي دا شيك بالمبلغ و روحي بكرة اسحبي المبلغ.
نهضت ياسمين تقفز بسعادة داخل أحضان شقيقها تردد بصوتٍ ممتن :
– حبيبي انا بموت فيك أنت أحلي أخ في الدينا في كدا يا ناس حلوة بالشكل ده بس يا خسارة بقا ماليش نصيب.
قطب جبينه تعجب، يتسأل بدهشة:
– ملكيش نصيب في إيه؟
اجابته ياسمين بسؤالٍ:
– عمرك شوفت حد بيتجوز أخوه؟!
حرك رأسه نافيًا يجيب:
– لا مشفتش الصراحة.
اجابته ياسمين وهي تتأمله بانبهار:
– أنا عايزة واحد في جنتلتك وجمالك وعينك الزرقة
دي بس أكيد مش هلاقي.
ضحك عصام على حديثها المرح، يردد بنبرة ضاحكة :
-بطلي بكش بقا أنتِ فكراني عيل غبي زي أسر وهتضحكي عليا.
عقدت حاجبيها بعدم فهم تحدثه ببلاهة:
– مش فاهمه قصدك إيه؟!
رفع عصام حاجبه، يردد بمكرٍ:
– قصدي أنتِ فهماه كويس.
ردت ياسمين بسؤالٍ لم يتغير:
– اللي هو إيه يا عصام؟!
اجابه بمكرٍ يوضح مقصده:
-خالد.. فكراني عبيط يابت.
تطلعت له بتوترٍ، ثم قالت بإرتباك:
– خالد إيه! بس أنا بتكلم على عينيك وأنت بتتكلم على خالد.
ردد عصام بمكرٍ:
– وماله خالد دا البنات هتموت عليه على وسامته وجماله ولا عينيه العسلي.
نفت ياسمين حديثه دون وعي:
– لا عينيه خضرة مش عسلي.
ابتسم عصام بعدما نجاح في الايقاع بشقيقته، يهمس بصوتٍ يحمل مكر الذئاب:
– وأنتِ إيه اللي عرفك إنه عينيه خضرة دا أنتِ متابعة بقا.
تلون وجهها بخجلٍ شديد، تجيبه بحرجٍ:
– ها لا أبدًا بس هو عينيه نفس لون عينين ندى فأكيد عرفت اللون.
تأمل عصام خجل شقيقته يبتسم بحنو أن شقيقته وصغيرته أصبحت عروس الآن، لم يرغب بزيادة حُمرة وجهها، فاردفت بكلماتٍ كي يغير موضوع:
– أبسطي يا ستي أختك اللي دوشيتنا بيها راجعلك دا احنا حاسين إنها عايشة معانا بسبب كلامك طول الوقت عليها.
ضحكت ياسمين بسعادة، تردف بنبرة متلهفة:
– دي روحي وأختي وحبيبتي…
ثم استرسلت حديثها دون أن تعي ما تفوهت به:
– ونفسي أنها تبقى في يوم من الأيام مراتك.
تبدلت ملامح عصام بشدة وشعر بألم يعتصر صدره، فأردف بصوتٍ حاد.. جامد:
– ياسمين أقفلي على الموضوع ده أنتِ فاهمة!
نظرت له ياسمين بحزنٍ ثم قالت وقد ادمعت عينيها:
– أنا آسفة يا عصام مش قصدي والله.
تأمل ملامحها التي ذبلت بلحظةٍ، ثم فحاول السيطرة على غضبه يردف محاولًا الابتسام:
– مفيش حاجة يا حبيبتي متزعليش مني.
منحته ياسمين بسمة هادئة، في حين قبل عصام جبينها بحبٍ يردف بحنو:
-أنا راجع مضايق شوية يالا تصبحي على خير يا قلبي.
منحته ياسمين بسمة سعيدة مرددة:
– وأنت من أهله.
غادر عصام الغرفة سريعًا، يشعر بألم يعتصر قلبه، يتذكر زوجته وحبيبته من جديد يغرق بمستنقع ذكرياته معاها، ولكن مستنقع أسود يضمر فؤاده بقسوةٍ، فاق على صوتٍ ينتشله من قاع هذا المستنقع، تطلع للمتصل ثم أجاب بكلماتٍ لم تظهر ما يشعر به:
– ألو.. أيوة يا خالد.. إيه لحقت أوحشك دا أنا لسه سيبك في الشركة.
ردد خالد بصوتٍ جاد:
– أنزل أنا تحت في المكتب في حاجة مهمة لازمًا تعرفها.
أغلق عصام الهاتف وهبط للمكتب كي يرى ما هو الشيء المهم الذي استدعاه خالد له، وما أن دلف للمكتب حتى أردف بتعجب:
– هاه يابني في أيه قلقتني؟!
أسرع خالد بدفع كلمات من فمه وكأنه سيفجر قنبلة:
– عصام في حد بينقل أخبار الصفقة الجديدة للحيو** اللي اسمه أيوب.
ابتسم عصام بسخرية يردد:
– وحضرتك أكتشفت الموضوع ده أمته؟!
شعر خالد بريبة واجابه ببعض الدهشة:
– حالًا.
صفق عصام بيده يردد بسخرية واضحة:
– لا برافو علي ذكائك الشديد.
عبست ملامح خالد، وأردف بضيقٍ:
– حضرتك بتتريق عليا الصفقة دي مهمة لعمي ولو ضاعت هبيقى يومي أنا وأنت أسود.
رمقه بنظرة ساخطة، ثم قال ببرودٍ:
– عارف.
دهش خالد بشدة منه، ثم تسأل بحيرة:
– عارف إيه بالضبط فهمني أصل أنا بعيد عنك غبي.
تجابه عصام موضحًا له وقت معرفته:
– يا أستاذ خالد الموضوع ده مش النهاردة بس دا من شهر تقريبًا.
جحظت عين خالد بشدة، يردد بصدمةٍ تملكته:
– وأنت عارف وسكت يعني الصفقة ضاعت خلاص!
ابتسم عصام بمكرٍ يردد:
– ومين قالك إنها ضعت؟!
قطب خالد جبينه بحيرة، ثم قال باختناق من طريقة عصام:
– أنت هتكلمني بالألغاز ما تنطق نشفت دمي.
تنهد عصام بهدوءٍ، ثم تجابه بنبرة جادة:
– يعني أنا عرفت من أول لحظة أن الزفت ده هيعمل كدا عشان كدا أخدت بالي من كل خطوة بعملها.
– يعني إيه؟!
تسأل بها خالد ببعض الحيرة تضرب رأسه، في حين أجابه عصام بعملية:
– يعني أنا مكشفتش ورقي كله أنا وصلت اللي لازم يوصل لأيوب البحيري عن طريق الخاين اللي زرعه ومش كدا وبس دا أما خليته يصرف كل اللي وراه واللي قدمه يبقى على الحديدة وموسختش ايدي بدم الخاين ده خلته هو اللي يقتله كأنه مفكر أنه بعاه ليا عشان أنا أوصله المعلومات اللي أنا عايزه يعني خلص عليه.
اختتم حديثه يضع قدمه فوق الأخر، في حين شعر خالد بالانبهار من ابن عمه فأردف بفخرٍ:
– يابن الإيه دا الشيطان نفسه يعملك حساب ويعلنك قائد عليه دا زمان أيوب بيغني صعبة عليا نفسي.
منحه نظرة شرسة يردد بصوتٍ غامض:
– ده عقاب أي حد يفكر يقف قدام عيلة الدالي.
حرك خالد رأسه بايجابية يؤكد حديثه ثم ردد:
– دماغك دي تتقل بدهب.
نهض عصام من مكانه يتجه نحو غرفته يردد ببعض النعاس:
– طب تصبح على خير بقا عايز أنام جعان نوم.
تحرك معه خالد يؤكد حديثه قائلًا:
– وأنا والله هموت وأنام.
كاد أن يتحرك ولكنه تذكر شيئًا فعاد يردد بصوتٍ هادئ، يعلو ثغره بسمة صغيرة:
– آه نسيت مبروك على المشروع يا صاحبي سمعت إنك لفيت الناس بذكائك.
ابتسم خالد بجاذبية يجيبه بدهاء:
– هو أنت مفكر إنك لوحدك اللي ذكي… يالا تصبح على خير بقا.
****************
بغرفة خالد..
ألقى خالد بجسده على الفراش، يغمض عينيه من فرطة التعب، ثم غفى سريعًا في سبات عميق، ولكن بعد مرور وقت ليس كبير استمع لصوت شخير عالي بغرفته، فتح عينيه فجأة ينظر إلى جواره فوجد أسر يستلقي نائمًا، انتفض من أعلى الفراش يردد بصدمة:
– يا نهارك مش فايت إيه اللي جابك هنا يا زفت؟!
لم يستجب له أسر، فمد خالد يده يحركه بعنفٍ يردد بغيظٍ:
– أصحي يا حيوان أنت.
تحدث أسر بصوتٍ ناعس:
– عايز أنام واطي صوتك.
رمقه بنظرة مغتاظة، ثم قال بغضبٍ:
– أوطي صوتي دا أنا هنفخك قوم يالاه.
جلس أسر مغمضًا عينيه، يضع يده فوق الأخر مرددًا بنعاسٍ لا يزال بصوته:
– أهو عايز إيه؟
– إيه اللي جابك هنا مش ليك زفت أوضة!
قالها خالد بغيظٍ منه، في حين اجابه أسر بتوترٍ :
– ماهو يا عم أصل الصراحة يعني…
زمجره خالد بعنفٍ:
– أخلص.
أكمل أسر بتوتر:
– أتفرجت عل فيلم رعب وخايف أنام في أوضتي.
بقى خالد يحدق به في ذهزل، ثم قال بسخطٍ منه:
– مش مكسوف من نفسك وأنت شحط خايف من فيلم.
ابتسم ببلاهة له، ثم تمتم بنبرة بسيطة كادت أن تقضي على خالد:
– بص يا خالد أنا هنام هنا يعني هنام هنا عايز تروح تنام في اوضة أنت حر.
مسح خالد على وجهه محاولًا السيطرة على ذاته يردد:
– ياض متخالنيش أفقد أعصابي قوم من هنا.
منحه أسر نظرة متذمرة، يردد بخبثٍ:
– حرام عليك يا جدع الله… إن ما خلتني أنام جنبك النهاردة لأروح أجيب أدوات الرسم بتاعتي وأجي أرسم خلقتك دي وأنا نفي الصراحة بس ربنا يستر وأهو أبقى لقيت حد أتعلم فيه.
حدج خالد بنظراتٍ شرسة، يردد بغيظٍ:
– أنت بتلوي درعي يا أسر ماشي اتخمد دا خمدة تخدك.
************
في غرفة عصام…
دلف خالد إلى غرفة عصام، يحركه كي يستيقظ، يؤدف ببضع كلماتًا:
– أنت يا بني فوق.
انتفض عصام من مكانه يردد بنبرة تحمل الفزع:
– إيه يا خالد في إيه وايه اللي في إيدك ده؟!
نظر خالد لما بيده، ثم قال بضيقٍ:
– هيكون إيه يا خويا زي ما أنت شايف مخده ولحاف.
سخط عصام منه، مردفًا:
– هو حد قالك إني أعمي أقصد ليه يعني؟!
اجابه خالد ببساطة :
– عشان هبات مع سيادتك النهاردة.
حدق به عصام بصدمة، ثم ألقى سؤاله سريعًا:
– ليه خير؟!
اجابه خالد بغضبٍ ممزوج بحسرة:
– الزفت اللي اسمه أسر ده جالي الأوضة قال إيه شايف فيلم رعب وبعد اما تكرمت وتنزلت وفقت طول الليل بيشخر ومش عارف أنام وجناح الضيوف مقفول فمفيش قدامي غيرك
اردف عصام بغيظٍ منه:
– تمام هو يغلس عليك وانت تطلعه عليا تعالى يا خويا بس لحظة سؤال أنت جايب اللحاف بتاعك والمخدة ليه من قلة الغطا والمخدات عندي!!
ابتسم خالد ببرود، يجيبه بحنقٍ:
– لا يا خفيف بس مبعرفش أنام إلا وأنا متغطي بلحافي.
أشاح عصام بيده، يردف بصوتٍ ساخر:
– ماشي براحة ياعم إيه كان فين طولة لسانك وأنت بتطرد من أوضتك.
بعد مرور ساعة تفاجأ كلًا من صام وخالد بصوتٍ شخير قوي فنظروا لبعضهما ثم لمصدر الصوت فما كان سوى صوت أسر الذي ينام بالمنتصف بينهما!
حرك عصام رأسه في نفيٍ، يردد بصدمة:
– كدا كتير.
نظر خالد نحو عصام، يردف بجدية:
– عصام حبيبي أنت مش كنت عايز تقتله خلص عليه وأنا هعمل نفسي مش شايفك.
نظر عصام له، ثم قال بغموضٍ:
_ كتف الواد دا!
انتهى كلاهما من تكتيف أسر، فأردف خالد بحيرة:
– وبعدين يا عصام الصوت لسه طالع؟
:- استنى على رزقك.
قالها عصام وهو يكمم فم أسر باللصق، ثم حمله على ظهره واتجه به نحو غرفته ووضعه بها ثم أغلق الباب!
************
قد قالها عز وجل :”وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس “. ها قد بدد نوره ظلمة الليل ليملأ ضياؤه الأرجاء ، شهيق يسحب من خلاله الأحلام السيئة وكل الأمنيات المرجوة ، يتبعه زفير ينثر الأمل والتفاؤل.
استيقط آسر يشعر بتنميلٍ في أطرافه، اتسعت عيناه عندما وجدها مقيدة ، سعى بفك قدميه ويديه، حاول طلب المساعدة ليتفاجأ باللاصق على فمه ، فبدا كقربان هيأ لذبحه.
*********
انتهى عصام من ارتداء ملابسه، ولكنه وجد خالد لا يزال غافلًا في سبات عميق، تقدم منه عصام يحركه بعنفٍ قائلًا بجدية:
– خالد أنت يابني قوم هتنأخر على الشركة.
همس خالد بصوتٍ ناعس:
– نفسي أموت عشان أرتاح منك أنت وأخوك حسبي الله ونعم الوكيل.
حدق به عصام في برودٍ ثم ضربه بخفةٍ على كتفه كي يفيق:
– طب قوم يا خويا قوم.
نهض خالد ينفث بغضب يتمتم باستياء:
– أديني قمت أهو.
توجه عصام نحو سترته ليرتديها في خفةٍ، ثم قال قبل أن يغادر:
– أنا هستناك تحت متتأخرش.
ثم استرسل حديثه بتحذيرٍ قبل أن يغلق الباب خلفه:
– أوعى تنام تاني وغير هدومك وألبس أي حاجة من الدولاب بدل ما لسه هتطلع فوق انجز.
نهض خالد من أعلى الفراش بعدما احتقن وجهه بغضبٍ منه، يردد بغيظٍ:
– ماشي ياعم فهمت.
دخل خالد إلى الحمام فوجد آسر ينظر له بغلٍ، وحقد، منحه خالد نظرة ساخطة، يردد بسخرية:
– إيه أخبار الأشباح يا أسوره يا رب تكون مبسوط معانا أحنا في خدمتك يا حبيبي بس بعد أذنك برا عشان أخد شاور أصل اتأخرت جدًا
بدأ آسر بتحريك أطرافه كدعوةٍ لخالد بحلّ وثاقه ، في حين تعالى ضحكة خالد الشامتة ليردف ببرودٍ:
– زي ما أنت متتعبش نفسك أنا هطلعك.
وبالفعل حمل خالد آسر كشوال للقمح فوق ظهره، ثم رماه على الفراش، يردد بتحذير:
– خليك هنا وأوعى تتحرك.
دلف خالد إلى المرحاض كي يأخذ حمامًا دافئًا يساعده على قضاء يومًا شاق من العمل، وخرج يلف جذعه السفلي بالمنشفة فقط ليدخل إلى حجرة الملابس الخاصة بعصام و يختار ما يناسبه ليقع اختياره على بنطالٍ كحلي و قميصٍ أبيض ، ثم صفف شعره وما أن فتح باب الغرفة مغادرًا حتى وجد ياسمين في وجه، في حين فضاعت في سحر عيناه الخضراء كأشجار زيتونٍ في حاكورةٍ فلسطينية وجاذبيته التي زادته جمالاً تفتن من رآه.
لاحظ خالظ نظراتها التي طالت إليه، فحمحم يردد بخشونةٍ:
– هتنحي كدا كتير؟!
تداركت ياسمين الموقف بخجلٍ يعتريه حرج، وتمتمت باستغفارٍ خافت، ثم تعالى صوته بسؤالٍ:
-هو آسر هنا أن بدور عليه في أوضته مش لقياه؟!
كانت ياسمين طوق النجاة ليخلص آسر من حالته المريعة ، حاول مناداتها ليخرج منه على شكل همهمةٍ بفعل اللاصق على فمه:
– أمممم.
قطبت ياسمين جبينها بتعجبٍ من تلك الهمهمات لتردف بحيرةٍ:
– إيه ده؟ ده صوت آسر، وسّع كده.
دفعت خالد برفق من أمام الباب، لتتفاجأ بآسر على السرير مقيد اليدين والقدمين وعلى فمه لاصقٌ يعيق كلامه، كسا وجهها الصدمة ، لتسأله متعجبة:
-مين اللي عمل فيك كدا؟!
حاول أسر أن يخبرها أن تزيح اللاصق ليتكلم:
– أمممممم.
نظرت له ياسمين بعدم فهم، ثم قالت ببلاهةٍ :
– إيه؟
تحرك آسر في غضبٍ، وما هي إلا دقائق حتى ادركت ياسمين قيوده وفمه المغلق:
– آه لحظة.
نزعت الشريط من فمه، لينفجر آسر بها صارخًا بعنفٍ:
– آآآآه غبية هقولك مين اللي عمل كدا إزاي وأنا بوقي مقفول!
تعالى صوت ياسمين بغضبٍ:
– كدا؟! طب شوف مين هيفكك!
تصنع آسر البراءة يردد باستعطاف:
– ياسمين حبيبتي مقصدش، فكني يا ماما، فكني الله يرضى عليكِ، فكيني وأنا أبوسك من بين عينيكِ.
مطت ياسمين شفتيها إلى الأمام باستياء ممزوجة بسخريةٍ:
– لا شوف مين هيفكك بقى!
نظراته المستاءة تتربص بظهرها الذي ولته له ، فما كان إلا أن فك أسر نفسه بأسنانه، فهتفت ساخطة:
-عيل قليل الأدب وأنا اللي جاية أساعده…
_بتقولي حاجة يا ياسمين!
قاطعها وهو يلف ذراعه حول رقبتها يضغط عليها بغيظٍ في حين تأوهت ياسمين تصرخ به:
– آآآه.
غمغم آسر بنبرة أرعبتها وهو يتركه يبحث عن شيءٍ كي يكيلها بالضرب:
– دا أنتِ هتاكلي علقة.
حاولت ياسمين استعطافه لتردف بابتسامةٍ مصطنعة:
– لا يا آسر دا أنا أختك حبيبتك.
رفع آسر حاجبه باستنكارٍ يردد بغيظٍ:
-وأنا مكنتش حبيبك نهارك مش معدي النهاردة لحظة واحدة. قال جملته ثم نهض من مكانه، في حين صرخت ياسمين بذعر:
– بتعمل إيه يا مجنون؟!
أجابها آسر بالغضب:
– ولا حاجة بفك الحزام عشان ءأدبك.
نهضت ياسمين بذعرٍ لتركض هاربة من أمامه في حين ركض آسر خلفها، لتصرخ قائلة:
– هنادي عصام وأنت حر هيعلقك زي كل مرة.
ابتسم آسر بشماتة، ثم اجابها بتشفي:
-مشي من بدري يا حلوة… شوفي مين هيقفلك مفيش حد تحت… تعالي.
ركض آسر خلفها يتمنى أن تقع أسفل يديه، في حين نظرت ياسمين خلفها لتتأكد من بُعد المسافة بينهما، ولكنها لم تلاحظ وجود خالد لتصطدم به في عنفٍ، نظرت له بذعرٍ تردد وهي تختبئ خلفه وكأنه ساتر سيحميها:
_ ألحقني يا خالد… خبيني وراك.
تعجب خالد من خوف ياسمين وركضها الغريب ليتسأل بعدم فهمٍ:
-إيه؟ في إيه بتجري زي المجانين كدا ليه؟!
انكمشت ياسمين بخوفٍ تجيب:
– خبيني بس.
رفع حاجبه باستنكار مرددًا:
– نعم… هو أي حد يشوفني يقولي خبنيي أنا المخباتي بتاع العيلة ولا إيه؟!!
قاطع حديث خالد صوت آسر الآتي نحو ياسمين:
– هتروحي مني فين يا جزمة!
صرخت ياسمين برعبٍ، تردف بنبرة ملتاعة:
– أوعى تتحرك.. هيضربني!
شعورٌ به لذة داعب قلبه، يرى معشوقته تختبئ خلفه تحتمي به، ولكنه فاق على صوت آسر الذي يغمغم بحدة :
– أنتِ بتداري في خالد دا أنتِ وقعتك سودة.
وما أن رفع الحزام حتى صرخت ياسمين بشدة، جعلت خالد يسرع بإمسك الحزام الملوّح بالأعلى، ليهدر خالد بعنفٍ:
– أنت اتجننت عايز تضربها يا حيوان.
رمقه آسر بنظرة مغتاظة، يردد بحنقٍ :
– أنت حاشر نفسك ليه؟ أخ وأخته مع بعض بتتدخل ليه؟!
جذب خالد الحزام من آسر ليلفه حول قبضته يهمس بوعيدٍ:
– أنا هقولك ليه ؟
هوى بالحزام في الهواء ليعلو صوت ضربه، صرخ أسر بقوة ثم ركض بعيدًا عنهما، في حين صفقت ياسمين بيديها وتضحك كطفلةٍ تحقق مبتغاها من قِبل أهلها:
– هييي عسل يا خالد أدبه يستاهل.
استدار خالد باتجاه ياسمين، وأخذت خطواته تقرب منها وهي تبعد.
شعرت ياسمين بتوجس تخشى أن يكون دورها هو التالي:
– إيه يا خالد في إيه؟!
ضيق عينيه، يردد بصوتٍ هامس:
-بتقولي على مين اللي عسل؟
اجابته ياسمين بتلعثم:
– مقصدتش والله.
أخفى خالد مكره وأردف متصنعًا الحزن:
– إيه ده يعني أنا وحش؟
نفت ياسمين سريعًا، تجيبه دون أن تعي:
– لا طبعاً ده أنت قمر.
ابتسم خالد لاعترافها البريء له، لتبسط ياسمين كفها على فمها فقد أدركت ما قالت، لتردف بارتباكٍ:
– أنا همشي أصل لازم أفطر إيـــــــه آه لأني جعانة.. أنا ماشية… ماشي… أنا مشيت… باي.
تأمل خالد اختفاؤها مبتسمًا، يحدث نفسه:
– مجنونة بس بموت فيكِ.
**************
بغرفة ياسمين…
أغلق الباب بقوة واضعة يدها على صدرها تحاول التقاط انفاسها الضائعة، ثم شدرت في جماله ، وسامته، وعيناه التي تشبه الزيتون في خضرته، تشعر بدقات قلبها التي تزداد لمجرد ذكره أمامها.
بسطت ياسمين كفها تضعه على موضع قلبها قائلة بتمني:
– أمتى هتيجي يا ندى ؟ أنتِ اللي فاهمة مشاعري من ناحية خالد وبتفهميني من نظرة عيني، يلّا بكرة قريب مش بعيد لازم أنزل أجيب الطقم اللي قولت عليه.
************
في مقر شركة الدالي…
جلس عصام يصب كل تركيزه واهتمامه لعمله على الحاسب وبعض الملفات، ليدخل إليه خالد بعد استئذانه.
رفع عصام بصره برهةً، ثم أخفضه مجددًا:
– كويس إنك جيت يا خالد، هاتلي ملف الصفقة.
ردد خالد متذمرًا:
– آه يا أخويا ما أنا السكرتيرة بتاعت معاليك.
حدثه عصام بمكرٍ:
– لحد ما ألاقي حد مناسب بس.
لوّح خالد بيده يتمتم بحنقٍ:
– يبقى عمرك ما هتلاقي يا أخويا أنا راجع مكتبي معتّش تتصل بيا تاني.
منحه عصام ابتسامةٍ صفراء مرددًا:
– مظنش.
ترك خالد المكتب وهو غاضبًا، حتى فوجئ بما أمامه
فقد كان شاب غريب يطلق صفيرًا:
– إيه ده يا بني هو في حلاوة بالشكل ده!؟
أجابه شاب أخر زميله غامزًا:
– مكنة مكنة دي موزّة جامدة أوي.
ضحك الشاب الأخر بخبثٍ يرد بوقاحةٍ :
-الله ولّا عينيها يا خرابي.
نظر خالد إلى ما ينظران إليه ليجدها ياسمينته، زهرته التي كتبها القدر أن تزهر مجددًا في قلبه، تلونت عينيه بحُمرة الغضب واتجه نحوهما يسدد لهما لكماتٍ وضربات بشرسةٍ، كيف تجرأت عينهما على التبجح واستباح النظر لفتاة وبالأخص لمحبوبته دفع الاثنان أرضًا وطلب الأمن لكي يلقيهما أمام الشركة، ثم توجه نحوها ساحبًا إياها بعنفٍ، وفتح غرفة مكتب عصام وقذفها بشدة حتى سقطت أرضًا!
عصام بريبةٍ، وقد نهض ليلحق بمن تفترش الأرض وتنساب دموعها، دون أن تعلم سبب ما يحدث لها:
– في إيه؟
تحسس عصام وجهها يتأكد من كونها بخير، يرفع حجابها الذي نزل بفعل وقوعها، في حين اجابه خالد بغضبٍ مشتعل:
– في إن الهانم جاية تستعرض نفسها هنا بالفستان الضيق القصير، وكعبها الي يرقع في ودان الكل هنا.
نظر عصام نحو شقيقته محتضنًا إياها، ثم عاد ببصره نحو خالد يردد لهدوءٍ:
– خالد إيه الكلام ده؟!
لم يرد عليه خالد عليه ، فإن ردّ تتأزم المشكلة، وتتفاقم علاقتهما التي لم تبدأ بعد، خرج من المكتب صافعًا الباب خلفه بقوة ، تاركًا وراءه ياسمين تبكي بحرقةٍ لما قاله في حقها ، هل يشكّ بها! ألا يعرف أنها تربية أحد أفراد عائلة الدالي التي لا يمكن الشك بها أبدًا!
شدد عصام من ضمها إليه ويكفكف دموعها ، يهدئها بحديثه:
– معلش يا حبيبتي أنتِ غلطانة ، أنتِ إزاي تلبسي فستان زي ده هنا في الشركة؟!
تحدثت ياسمين من بين شهقات بكائها:
– أنا كنت بشتري الطقم…وكنت جاية أورهولك… هو بيكلمني كدا ليه؟…وأنت سكت له؟!
أجابها عصام بثقةٍ :
– عشان أنا عارف أد إيه هو بيحبك وبيغير عليكي.
نظرت إليه بدهشة، هل هو أيضاً؟…هل يكنّ لها ذاك الحب الذي تكنه إليه في قلبها؟
نظر لها عصام ضاحكًا لصدمتها:
-غبية دا القصر كله عارف حتى آسر الغبي.
مسحت ياسمين آثار الدموع عن وجهها وتعتدل في جلستها لتنظر أمامه، ولكن لا تزال الدهشة سيدة الموقف على ملامحها، تحرك كفها أمامه قائلة بحرجٍ:
– كله كله.
تعالت ضحكت عصام تزداد فيزداد جمالاً:
– أيوه كله كله يا لمضة.
مطت ياسمين شفتيها باستياء طفولي قائلة :
– والحل إيه حضرتك؟!
اعتدل عصام في جلسته يهز رأسه بثقة:
– أنك تروحي تتأسفي.
ازداد الاستياء على ملامحها تردد بضيقٍ:
– بس أنا مغلطش الله ولا حتى فتحت بوقي.
تمتم عصام بحزمٍ:
– أسمعي الكلام بقى.
أزاحت بصرها عنه قائلة بصوتٍ منخفض:
– حاضر … يلا بكرة ندى حبيبتي تجبلي حقي منكم ، حسبي الله ونعم الوكيل.
ضيق عصام حدقتيه، يردد بشكٍ:
– بتقولي حاجة يا ياسمين؟!
يأعادت نظرها إليه تردد مبتسمة بتصنع:
– لا أبدًا.
**************
بمكتب خالد..
كان يجلس بغضبٍ، يحاول جمع شتات نفسه لكنه لا يستطيع، زفر بغضب، ثم فرك وجهه بكفيه، حتى استمع صوت طرقات خافته على الباب، مسح على وجهه بغضبٍ، يردد باختناق:
– ادخل.
اقترب ياسمين بخطوات بطيئة نحو الداخل، تخطو إليه بمشاعرٍ مضطربة، خوف، خجل، حب، استياء…
تهمس بصوتٍ خافت وهي تفرك كفيها ببعضهما البعض ، وهي تجلس أمامه:
– ممكن أدخل؟!
تطلع خالد لها باستنكار دون النظر إليها:
– ما أنتِ دخلتي وقعدتي كمان.
نهضت ياسمين فجأة تمتم بحرجٍ:
– خالد…
لم يأتها جوابه، لم يرفع نظره حتى، هل تحدث نفسها الآن؟
استرسلت ياسمين حديثها يحتل الأسف ملامحها:
– خالد أنا آسفة.
لم تجد أي أستجابة، شعرت بضيقٍ من طريقته، تمتمت باختناقٍ من تجاهله لها:
– طب براحتك بقى.. أنا غلطانة إني جاية أصالحك مش عارفة أنا غلطت في إيه أصلًا عشان أعتذر، سلام.
كادت أن تخطو خطواتها مغادرة، ولكن وقبل أن تخرج من الغرفة كان خالد قد جذبها من يدها إلى الحائط يدفعها إليه ويقبلّها بعنفٍ شديد كأنه يعاقبها على خروجها من المنزل بهذا اللباس المغري قُبلةً تثبت صكّ ملكية له وحده ، وسرعان ما تحولت قبلاته من العنف إلى الرقة ، حب ، شغف، اعتذار ، كانت مستسلمة إليه تماماً تغمض عينيها تستشعرها ، حتى استمعت لطرقات الباب ، فتحت عينيها بصدمة، كان أول ما فعلته بعد ذلك هو أن تهوى بكفها تصفع وجهه وكبرياءه ، نظر إليهاخالد نظرة مشتعلة ، نظرةً دبّت الرعب في قلبها ،أنفاسه الساخنة زادت خوفها، تقدم نحوها وهو يقول بصوتٍ مرعب:
– مفيش حد جتله الجرأة يعمل اللي أنتِ عملتيه ده بس هدفعك التمن غالي اوي…فاهمة؟
ازداد رعبها أثر تهديده الصريح منه، ارتجفت يداها، فلأول مرةٍ ترى خالد بهذه الحالة، تسمع هزيم صوته فتغمض عينيها عندما قال:
– غوري من وشي بدل ما أفقد أعصابي عليكِ وأموتك بإيدي برا.
الدموع الحبيسة تنفجر، تبكي ياسمين بحرقةٍ لما قاله، أخطأ معها وعندما أرادت تصليح خطئه أخطأت هي، تعرف كيف فعلت هذا ، تحبه بشدة ولكن لا تعرف تعبر عن مشاعرها.
************
وفي صباح يوم جديد
في مطار القاهرة الدولي تعلن عن قدوم الرحلة القادمة من أمريكا، تخطو بقدميها على أرض مصر، وأخيرًا عادت بعد سنوات من الغياب، ترتسم البسمة على ثغرها بسعادة، تتقدم نحو الخارج كي ترى ابنة عمها وصديقتها المقربة ياسمين، وما كانت سوى دقائق حتى وجدتها تهتف بحماسة:
– ندى… ندى.
نظرت ندى باتجاه الذي ينبعث منه اسمعا ثم انطلقت راكضة نحوها لتضمها بين ذراعيها:
– ياسمين وحشتني أوي يا حبيبتي مش مصدقة نفسي معقول أنتِ قدامي.
تمتمت ياسمين وقد أدمعت عينيها بسعادة:
– أنتِ اللي وحشتني أوي.
تعجبت ندى من دموع ياسمين فمسحتها بإبهاميها:
– بتعيطي ليه يا حبيبتي؟!
عاودت ياسمين ضمها مجددًا تردد باشتياق:
-مش مصدقة أنك رجعتي.
شددت ندى من عناقها هي الأخرى، تردد بحبٍ:
– لا صدقي ومش هسافر تاني.
حدثتها ياسمين بحزمٍ مصطنع:
– أنتِ تقدري دا أنا كنت موتك.
تصدح ضحكاتهما البريئة، لينظر لهما آسر بنظرةٍ كان يكسوها الفرح، حتى شعر أنه بلا قيمة ليقول:
– كيس جوافة أنا صح… هاي أنا آسر ابن عمك.
عادت ندى لضحكتها، تجيبه بمرحٍ:
– إيه يا بني مكنوش أربع سنين هينسوني إني عندي ابن عم فاكرك يا أخويا.
ردد آسر يغازلها بطبيعته المرحة:
– بس إيه يابت الجمال والحلوة دي ؟ دا الناس هتاكلك بعينيها.
رفعت ندى حاجبه بمكرٍ، ترد بلغةٍ مصرية عادية :
– مين الناس دول عشان أقول لخالد عليهم وبالمرة عليك يا معلم.
جحظت عين أسر بشدة، يتمتم بصدمةٍ:
– معلم أنتِ متاكدة أنك جاية من أمريكا.
حركت كتفيها بلامبالاة، تجيب:
– هم بيقولوا كده .
وضعت ياسمين ذراعها على كتف ندى، متمتمة بسعادة:
– سيبك منه في حاجات كتير عايزة أقولهالك.
صفقت ندى بسعادة، تردف بفرحةٍ:
– وديني الأول الشركة أسلم على بابا وعمي وحبيبي خالد وحشني موت.
أومأت ياسمين بايجابية، تردد متجهة نحو السيارة:
– أوك تعالي.
لم يشعروا بالطريق ، لتبادلهم الحديث والضحكات ، كلٍّ منهم يتحدث عن مغامراته وما يحدث معه من مواقف لطيفة، أو مريبة لما يحدث مع آسر من مصائب، وما هي إلا دقائق حتى وصلوا إلى الشركة.
أشارت ياسمين بسبابتها نحو مكتب خالد، مرددة بهدوءٍ:
– ده مكتب خالد روحي وأنا هستناكي هنا.
تعجبت ندى من طريقته وتسألت بحيرة:
– ليه يا بنتي ماتيجي معايا؟!
ابتسمت بوهنٍ تجيب :
– يا ستي أنا هنا روحي.
رفعت ندى حاجبيها لأعلى بريبةٍ تعلم ابنة عمها عندما تخفي شيئًا:
– أممم شكلك مخبية حاجة يا سوسو، أما نروح نبقى نشوف الموضوع ده.
ركضت ندى حتى ترى شقيقها وأخيرًا ستراه بعد تلك السنوات التي مضت ولكنها اصطدمت بدرع بشري لتقع الأوراق التي كانت بيده، هبطت على الأرض تلملم الأوراق قائلة بحرجٍ:
– I so sorry ماخدتش بالي آسفة.
زمجرها عصام بغضبٍ:
– أنتِ عامية مبتشوفيش.
ألقت ندى الأوراق التي جذبتها عن الأرض خلفها لتهتف بغضب:
– أما أنت قليل الأدب بصحيح ما أنا اعتذرتلك.
فتقابلت عينيهما ، وقفا ينظران لبعض، هل توقف الزمن؟ أم أنهما انجذبا لحديث العيون؟ لحظة اندماج مروجٍ خضراء بسماء عينيه الصافية.
[٣/١٢ ٨:٤٦ ص] نودي: الفصل الرابع
ألتقت عينيه بخاصتها، يتأمل جمال عينيها، في حين ازدادت دقات قلبها، ترى حب طفولتها، لم يسكن قلبها أحد سواه، همست ندى لذاتها بألمٍ ممزوج بحنين:
– أنت زي ما أنت متغيرتش وسيم مفيش حاجة اتغيرت إلا عينيك فيها كمية حزن و أسى.
قاطع هذا الصمت سؤال عصام المقتضب:
– عاملة إيه يا ندى؟!
حاولت ندى السيطرة على مشاعرها ونبرة صوتها:
– الحمد لله يا عصام، أنت أخبارك إيه؟
أجابها عصام بابتسامةٍ مريرة:
– عايش زي ما أنتِ شايفة.
قاطع حديثهم خالد الذي هتف بسعادة:
– ندى حبيبتي وحشتني أوي ياروحي.
تصنعت ندى الحزن مرددة بدلالٍ:
– ماهو باين مجتش حتى تاخدني من المطار!
رمق خالد نظرة مغتاظة لعصام قائلاً:
– أعمل إيه كان عندي اجتماع وكنت هخلصه وأجيلك أهو متزعليش يا قلبي.
حركت رأسها في نفي تردد متبسمة:
– مش هزعل بس بشرط تخرجني وتلففني مصر حتة حتة.
قبل جبين شقيقته مردفًا بحنو:
– أوعدك يا قلبي بكرة هخرجك.
حركت رأسها بايجابية تتمتم بمرحٍ :
– حيث كدا ماشي.
تسأل عصام بتعجب من اختفاء ياسمين:
– هي ياسمين مش كانت معاكي، هي فين؟!
نظرت له وللحزن المختزل في عينيه والذي يعكر صفو زرقتها تجيب بهدوءٍ:
– تحت مرضتش تطلع معايا
دخل آسر إلى من يقفون في رواق الشركة المقابل لمكتب خالد هاتفًا:
_ خالد في مزز موت يلاه حاجة أخر حلاوة.
أصدر صفيرًا عالي في حين حرك خالد رأسه يمنةً ويسرة ، الجميع يفشل في لجم ذلك الطائش، في كل مرةٍ يعود بها ، يجلب لهم مصيبةً من نوعٍ آخر ، والآن نساء، هذا ما ينقصهم حقاً.
ظهر السأم على قسمات وجه خالد مغمغمًا :
– يا بني أتهد… اتهد حرام عليك ، بدل ما عصام ينفخك، أنا ذنبي إيه أعيش وسط ولد طايش وأخوه الجبار ، ده أنا خايف ينولني من المدعكة اللي بتحصل ما بينكم حاجة.
تصنع القوة كعادته ، عقله المرح لا يبالي لما يحدث، يرد باستطراء
– ينفخ مين أنا هصطاد واحدة من دول دا أنا آسر الدالي.
عاد عصام من شروده ، الذي غطّ به في بحر ذكرياته مع مالكة قلبه “لميس” شقيقة سها:
– بيقولك إيه الزفت ده؟
لكز خالد آسر في قدمه ، وينظر إليه محذرًا من أفعاله الطائشة وخاصةً أمام عصام ، يقول بتدارك:
– ها.. ولا حاجة.
ظهر صوت ندى مجددًا بعد أن كانت هي الأخرى تتفرس عصام بحزن يجتاح قلبها:
– خالد، فين عمو وبابا عايزة أسلم عليهم؟!
أعاد عصام ترتيب الأوراق يجيبها بدلًا عن خالد:
– تعالي يا ندي وأنا أخدك المكتب أنا رايح هناك.
أومأت برأسها موافقة، تنسحب معه تخطو معه خطواتٍ متناغمة نحو مكتب والديهما.
**********
في غرفة المكتب، يجلس أحمد ومحمد ، يراجعان بعض الملفات المتعلقة بالعمل ويناقشان أشياء خاصة به، ليسمعا صوت مقبض الباب يُفتح فتظهر من خلفه أميرة الزمان “ندى” التي اندفعت بسعادةٍ نحو كليهما ، وخاصة أحمد الذي انسدت في حضنه تشدد من ضمه، تهمس بخفوت:
– وحشتني عمي.
سمع صدى همسها ليشدد من ضمها، يراها كابنته يسمين ، ليرد همسها بصوته الحنون وهو يقبّل جبينها:
– ندى حبيبتي وحشتني أوي.
تفحصهما محمد بسعادة، ابنته لديها والدين ، ظهر حزنًا مصطنع على وجهه مرددًا:
– أخص عليكي يا ندى يعني دخلة تدوري على عمك وأبوكي لاء!
توجهت نحو والدها الذي يقف قبالتها مباشرة، تردف بمرحٍ:
– دا أنت الكوم الكبير يا بابا يا عسل.
عانقت والدها تشدد من ضمه، تقبل ظاهر يده ورأسه، ليرد قبلتها بأخرى على جبينها قائلاً
– روح قلب بابا.
***********
في غرفة خالد..
نام آسر على ظهره، يتأوه بألمٍ، في حين حمل خالد بين يديه كيسًا من الثلج يضعه موضع الكدمات في وجهه، ليصرخ متأوهًا:
-آآآآه.
ضحك خالد ونبراته يغزوها الشماتة، هتف خالد بين ضحكاته وهو يرفع الثلج قليلًا عن وجهه:
– تستاهل مش عاملي فيها الدنجوان.
أعاد وضع الكيس المثلج بقوةٍ موضع الكدمة ، ليرتفع صراخ آسر وترتفع نبرة هتافه:
– آآآآه براحة ياعم في أيه!
فرك وجهه بكيس الثلج يحدثه بنبرة ساخرة:
– أحمد ربنا أن أنا جيت في الوقت المناسب وانتشلتك من ايدين البودي جارد.
ازداد تألمه وهو يتذكر كيف انقض عليه الرجل ذو العضلات يسدد له لكماتٍ عدة في مواضع مختلفة من جسمه ، ليردف بصوتٍ متعب:
– آآآآه… أديه تقيلة ابن الإيه.
ارتفع ضحكة خالد الشامتة ، يحدثه بنبرةٍ محذرة:
– عشان تحرم تعاكس حد تاني دي لو سها شمت خبر هتقتلك.
نهض آسر في جلسته ببطء وألم ، ينظر لخالد الذي يكتم ضحكاته ، باغته بسؤالٍ مندهش:
– أنت شمتان فيا يا خالد؟!
انفلتت ضحكات خالد لتملأ المكان، يجيبه بضحكٍ لا يزال عالق به:
– بصراحة آه.
أرتفع صوت آسر بفخرٍ مزيف:
– شوفتني وأنا متعلق فوق كتاف العملاق ده.
تعالت ضحكة خالد ليبتسم آسر إليه، حاول خالد السيطرة على ضحكه مرددًا بسخطٍ :
– شكلك كان مسخرة، مستخدمتش نفوذك ليه زي ماقولت!
سقط آسر على ظهره مجددًا، يتأوه قائلاً:
– ما أنا قولتله أنت عارف أنت بتكلم مين أنا آسر الدالي.
حرك خالد الثلج إلى موضع كدمةٍ أخرى وهو يتابع استجوابه:
– أكيد سابك بعد الجملة دي.
نظر إليه آسر نظرة متعبة، ليردف بسخرية قائلاً:
– لا دا أتوصى بالضرب زيادة دا أنا كلت علقة، حتى سيادة الوالد طول حياتي معملهاش معايا ، ولا حتى في مسيرتي التعليمية.
ازدادت ضحكات خالد، ليضع كيس الثلج جانبًا، ثم يأتي بمرهماً ليضعه موضع الكدمات فيخففها ويزيلها.
تمتم خالد بشماتةٍ وهو يضع بعض هذا المرهم:
– تستاهل ، ياريته….
– خالد أنت هنا وأنا بدور عليك! إيه ده مين اللي عمل فيك كدا يازفت؟!
قاطع حديثه دخول عصام الذي تفاجأ بحال أخيه، ليرد آسر على سؤاله بتأوه:
– بعد عنك إلهي ما تشوفها دخلت في هضبة إنما إيه يا واد ياعصام حاجة إيه طول.. بعرض.. بتضاريس السطح كدا آه والله يا عصوص.
انفرغ ثغره لما يسمعه ولما يراه على وجهه الذي اختفت معالمه بفعل الكدمات التي أصابته، يهدر به عصام غيظًا لاستهتاره:
– نزل رجلك يا حيوان واتعدل مش مكسوف من نفسك وأنت مضروب!
مد خالد ذراعه خوفًا من تقدم عصام لآسر فيؤذيه أكثر ، خاصةً و أن حالته الآن لا تسمح بذلك، فيقول مهدئًا:
– خلاص يا عصام حصل خير.
نظر عصام لخالد بغضب ووجه حديثه الصارخ إليه محذرًا:
– أسكت يا خالد… قدامي يا حيلتها وريني مين اللي دشدشك كده.
رد آسر باستياء وألم ، فهو لا يستطيع التحرك:
– بلاش يا عصام ده مش بنى آدم ده دبابة ماشية تدوس على خلق الله.
سحبه عصام نحوه ليسنده على الأرض وقال بحدة:
– ولا أمشي وأنت ساكت.
انسحب عصام مع آسر إلى المكان المنشود، ليلقن “البوص” ذلك الأحمق الذي تجرأ على شقيقه، بالأحرى فردًا من أفراد الدالي وتسبب له بألمٍ بهذا الشكل.
أشار آسر لرجلٍ يبدو كدبابةٍ حربيةٍ ضخمة، تفتك بمن يقترب منها ويمسها بسوء:
– هو اللي هناك ده.
حدثه عصام بنبرةٍ حازمة:
– تعال ورايا.
حرك رأسه بنفيٍ، يردد آسر متصنعًا الحكمة:
– ليه هو أنا غبي عشان أروح للموت برجلي.. روح يا أخويا وأنا وعد مني ليك عشان بس أنت أخويا الكبير أول ما تضبط والرجل يخلص عليك آجي ألم اللي فاضل منك وأوديك المستشفى.
استنشط عصام غضبًا لبلاهة أخيه، دفعه أمامه قائلاً بحدة:
– قدامي يا زفت.
ارتعب آسر من قرره، يردف بفزعٍ:
– حرام عليك يا عصام… أنا قولتك هاتلي حقي… أنا متنازل ياجدع.
شد عصام آسر من قميصه ويتقدم للدبابة من وجهة نظر آسر
تحدث الرجل بعجرفةٍ:
– أنت جيت تاني يا روح أمك تعال ، يا روح ماما تعالي أنتِ جايبة أختك يا بيضة تدفع عنك…
وقبل أن يكمل كلامه كان عصام انقض عليه وأصبح هذا الرجل طريح الأرض.
وضع آسر كفه أمام فمه بوضع الصدمة، ثم هتف بسعادة ممزوجة ببلاهة:
– الله أكبر، الله أكبر الدبابة وقعت يا جدعان.. ومن أول بوكس الله أكبر.
زمجر عصام بصوتٍ غاضب:
– بس يا حيوان فضحتنا إيه رايح تحرر سينا قدامي.
وضع آسر يده على فمه مرددًا بخوفٍ:
– حاضر.
حاول الرجل أن يحرك جسده ، ليركله آسر بقدمه فيعود جثةً على الأرض، يغمغم ساخرًا:
– أوعى تتحرك من مكانك عشان ده كسر في الرقبة يا ضنايا.
سحبه عصام من ياقة قميصه من الخلف، يردف بنفذ صبر:
– يالا يا زفت.
_ثواني بس
قالها آسر وهو يخرج هاتفه من جيبه ليفتح الكاميرا الأمامية ويميل جسده ليظهر هو و “الدبابة البشرية” في الصورة ، يبتسم آسر ويركل الرجل في قدمه قائلًا:
– ابتسم عشان الصورة تطلع حلوة هنزلها على النت… يا سلام أسر الدالي يهزم غوريلا يا حلاوة.
اتسعت عيني عصام بصدمةٍ، فصرخ به قائلًا:
-أنت بتتهبب إيه؟!
ألتقط آسر الصورة وهو يرد بعفوية:
– باخد سلفي بلاش.
مسح عصام على وجهه باختناق من هذا المجنون سوف يسبب له الجلطة بتصرفاته الطائشة، ارتفع صوت عصام مجددًا:
– سلفي هنا قدامي يا آسر ، والله أنيمك جانبه جثة هامدة. وأحطلك الصور معك في القبر. أخفى آسر هاتفه خوفًا يردف وهو يتقدم معه:
– على إيه اتفضل سيادتك.
سارا خلفه، يهمس لنفسه بصوت يكاد يكون مسموع:
– نهار مش فايت دا واقع الرجل من أول ضربة لازم أحذر منه دا خطير جدًا.
***********
داخل شركة الدالي، وبالتحديد في غرفة خالد يجلس وإلى أمامه عادل الذي يلقي أوامر أحمد الدالي إليه:
– خالد الوفد وصل وأحمد بيه بيقول لازم أنت وآسر وعصام تلبسوا نفس اللبس.
أنهى قوله بأن مدّ إلى خالد ثلاثة قمصان بذات اللون وذات التصميم، الذي تناولها خالد منه مدهشًا وسأله:
– ليه يعني؟!
عادل برسميةٍ تامة:
_علمي علمك.
وضع القمصان على الأريكة الموجودة إلى جانب المكتب ، وسمح بانصراف عادل ليحدث نفسه قائلاً:
_ أعرف منين هما فين توم وجيري دول.
غادر مكتبه ليبحث عنهما حتى وجد آسر يمشي كالمغيب، دون وعيٍ لما يحدث حوله.
:_آسر….آسر….
هتف بها خالد دون جواب الآخر فيمسك ذراعه قائلًا:
– آسر.
عاد آسر من شروده فإلتفت إليه كالمفزوع:
– إيـــه فين!
منحه خالد نظرة مستنكرة، يغمغم:
– فين إيه يابني بندهلك من ساعتها.
التفت آسر يمينًا ويسارًا ثم قال بحذر:
– واد يا خالد كويس إنك جيت أنا عايزك في موضوع مهم تعالى مكتبك آمن.
نظر له خالد باستياء ، “مكتبك آمن”، “, موضوع مهم” حتماً أنها مصيبة جديدة، فما كان من خالد أن يتنفس بحنقٍ، يترجم خاطره قولاً:
– مهم وأمان أوعى تكون عملت بلوة تانية.
آسر وهو يسحبه من كفه نحو مكتبه:
– تعالى بس.
**********
في مكتب خالد..
جلس هو وآسر الذي شرع حديثه بصوتٍ خافت:
– اسمع يا خالد أنت أخويا وحبيبي ولازم تفهم.
نظر له خالد بتوجس ، فنبرة صوت الطائش تحمل قدرًا عاليًا من الجدية والحزم:
– في إيه يابني؟!
آسر ينظر يمينه ويساره، وكأنه يخشى ملاقاة أحدٍ ، وخوفًا من أن يسترق أحدٌ السمع فيوصله لل”البوص”.
_أنت عليك حكم يا ابني؟ ما تخلص قلقتني.
قالها خالد بقلقٍ لحالة آسر التي لا تنذر بخيرٍ أبدًا، فيرد عليه الآخر بذات النبرة الخافتة:
-عصام..
تسأل خالد بعدم فهم:
– ماله؟!
أجابه آسر بجدية واضحة:
– مش بني آدم زينا.
اتسع عيني خالد بصدمة لحديثه العقيم سيتسبب بجلطة لأحد أفراد العائلة، فيطبق قول مثلٍ قديم ” خد المجنون لحد باب البيت” ويتابع حديثه مع آسر ، حيث يسأله بصدمة مصطنعة، وصوت علا قليلاً:
– يا رجل إزاي؟!
اجابه آسر وهو يبسط راحته أمامه فمه يحثه على الصمت، ثم تلفت إلى جانبيه مجددًا ليردف:
– زي ما بقولك كدا.
تمالك خالد أعصابه، ليرد بصوتٍ خافت مجددًا:
– ودي اكتشافتها لوحدك ولا حد قالك؟!
أجابه آسر بنبرةٍ يتشحها الفخر:
– لا لوحدي.
تنفس خالد ليريح أعصابه قليلاً ثم سأله مجددًا:
– إزاي؟!
حدثه آسر وقد بدأ يقص لخالد ما حدث معه وعصام عندما ذهبا لرؤية تلك الدبابة البشرية:
– ضرب الرجل ضربة واحدة جابه بالأرض، وأنا واقف منشكح أوي أن عصام هيتربى ، أخيراً هيتضرب، نفسي أشوفه بيتضرب، دخل على الراجل وهو واقف هادي خالص وبحركة واحدة جابه بالأرض، إحنا لازم نهرب يا خالد دا مالوش آمان ممكن يخلص علينا في ثانية فهمت.. دا كان عايز يموتني جنب الجثة.
قطب خالد جابيه بعدم فهم مرددًا:
– إزاي ؟
اكد آسر حديثه بقول:
– آه والله وأنا بخد سلفي المهم نهرب يا صاحبي قبل ما…
نهض سريعًا، يردد بجدية:
– سلام أنا هروح أحضر شنطتي عشان أخلع وكرم أخلاق مني هحجزلك جانبي مكان في الطايرة.
حرك خالد بايجابية، يردد متصنعًا شكره:
– بجد مش عارف أشكرك إزاي يا حبيبي.
عادت نبرة آسر المرحة:
– عادي يا اسطا أنا ماشي سلام عشان ألحق.
خرج آسر من المكتب، ليعود خالد بظهره ليريحه على الأريكة ، يفرك جبينه بكفه، أنفاسه تتسارع، هذه المرة نجح أيضاً في التحكم في أعصابه أمام آسر وغبائه، دخل عصام إليه بعد أن لمح خروج آسر من غرفته ليقول بعد أن جلس :
– خالد، الواد ده كان عندك ليه؟!
لايزال يفرك جبينه، يجيبه بتعبٍ:
– الواد ده اتجنن رسمي يا معلم ولازم نلحقه.
أسند عصام ظهره هو الآخر على الأريكة:
– وإيه الجديد ما هو غبي من يومه.
– لا دا عدّى مرحلة الغباء بكتير ألحقه بسرعة محضر هدومه وهيهرب.
قالها خالد من بين أنفاسه وهو يحاول تنظيمها، ليرد عصام بتعجبٍ:
– هيهرب ليه ومن مين؟!
ابتسم خالد بسخطٍ، يجيبه بتهكم:
– منك بيقول إنك مش بني آدم زينا.
زفر عصام بحنق بالغ:
– هي حالته ساءت أوي كدا؟!
حرك رأسه بايجابية يجيبه بجدية:
– لازم نعالجه الوفد جاي النهاردة ولازم نكون في استقباله النهاردة.
دخل عصام وخالد إلى مكتب آسر، فوجداه يفتح الخزنة المالية، ويدس في جيوبه المال ، زفر عصام غاضبًا يردد بحدة:
– أنت رايح فين يا غبي أنت؟!
اجابه آسر متلعثمًا:
– أبداً، دا أنا، آه بيقولوا في حرامية فـ بأمن على الفلوس يعني.
رفع عصام حاجبه باستنكار، ثم ردد بسخطٍ:
– حرامية هنا في الشركة!
ازداد توتر آسر، لتظهر حبات العرق على جبينه:
– هم اللي بيقولوا مش أنا.
كظم عصام غيظه، يردف من بين أسنانه:
– قدامي يا آسر الله يهديك.
صرخ آسر بخوفٍ:
– عايز تعمل فيا إيه يا عصام؟!
سحبه عصام دون جواب من ياقة قميصه الخلفية مرددًا:
– قدامي يا آسر حفاظًا على سلامتنا احنا الاتنين.
لمح آسر خالد ليظهر له ما حدث فيقول بنبرةٍ آسفة:
– أهلًا ياخالد لحقت توصل الأخبار إني ههرب، كنت بسمع إن الخيانة بتيجي من أقرب الناس لينا بس متوقعتش إنه تكون أنت، أنت يا….
قاطعه عصام بصوتٍ مخيف:
– أسمع يا أسر النهاردة الوفد الألماني هييجي أي غلطة هتحصل هعلقك مكان النجف اللي فوق دا سمعت!
حرك رأسه بايجابية مرددًا:
-حاضر.
ضحك خالد قائلاً:
– يالا نلبس الزي الموحد.
نظر آسر بدهشة، مرددًا بسخطٍ:
-ليه طالعين رحلة؟!
وجه عصام ضربةً إليه عند مؤخرة رأسه “قفاه” قائلاً:
– انجز.
أردف آسر بتحذير:
– ابعد إيدك أنت وهو أنا اللي اختار الأول وأنتم ابقوا خدوا اللي يفيض.
ضحك خالد بسخرية، يردد:
– تختار إيه يا غبي بقولك زي موحد.
نظر عصام محو خالد، يردف بحزم:
– خلاص يا خالد خد يا آسر اللي أنت عايزه.
انطقى آسر إحدى الملابس يردد ببلاهة:
– هاخد ده.
تناول الآخرين ما بقي أمامهما ودلف كلٌّ منهم ليبدل ثيابه، وبعد دقائق ظهر ثلاثتهم ، كلٌ بأناقته عدا آسر الذي بدا وكأنه غارقاً في ثيابه، يكتم خالد ضحكته ، ولكن لم يستطع كتم إطرائه الذي رافقه بغمزة قائلاً:
– شكلك مسخرة أوي يا آسر.
حدثه آسر بغيظٍ:
-اتمسخر يا اخويا اتمسخر ما أبو حميد جايب مقاستكم وناسي أن في غلابة وسطكم.
قال ذلك مشيرًا إلى عضلاتهما الضخمة، والبذلات الثلاث تحمل مقاسهما، في حين تبدو كبيرة جدًا لآسر.
************
وفي صالة الاجتماعات تجلس “مايا اورورا” ابنة صاحب أكبر سلاسل مصانع أورورا للاستيراد والتصدير فهي المالكة الوحيدة لكل تلك المملكة، مما يزيدها غرورًا وتكبر أمام الجميع ، تجلس مع والدها يتناقشان مع أحمد الدالي ومحمد أخيه في مشروع العمل الجديد الذي ينشأ بين الشركتين.
قال جون اورورا ببسمة طفيفة:
– لقد سعدتً بالعمل معك سيد أحمد.
اجابه أحمد بنبرة مماثلة:
– وأنا أيضاً شرفٌ كبيرٌ لي أن يكون هناك عملٌ وتعاونٌ مشترك مع حضرتكَ.
ردد جون بابتسامةٍ عملية:
-أحب أن أعرفك بـ ابنتي الوحيدة مايا.
أومأ برأسه مُرحِباً بها :
-أنرتِ مقرنا ابنتي ، أهلاً بكِ ،تشرفتُ بمعرفتكِ.
اجابته مايا بعنجهية تعدي إحدى خصلات شعرها المتمردة عن وجهها :
– الشرف لي سيد أحمد.
باشر أحمد بتعريف الحضور على السيد جون وابنته قائلاً:
– هذا خالد ابن أخي ومدير إدارة شركات الدالي للاستيراد والتصدير ، وهذا آسر ابني الأصغر.
حرك جون رأسه مبتسمًا يردد بهدوءٍ:
– تشرفت بمعرفتكما… أهذا الذي يزلزل ويرعب الرجال ، من يطلقون عليه “البوص”.؟
اتسعت أحمد ابتسامته، يحرك رأسه بنفيٍ، مرددًا بتوضيح :
– لا، البوص هو ابني الأكبر عصام هو في الخارج يجري مكالمة وسينضم إلينا.
قطع كلامهما دخول عصام بأناقته المعهودة ، أشار أحمد بكل فخر نحو عصام مرددًا:
– ها هو “البوص” .
نهض عن مكانه ويقترب منه ليصافحه قائلًا بعمليةٍ:
– تشرفت بمعرفتك سيد عصام لقد سمعتُ عنك كثيرًا.
لاحظ آسر نظرات مايا تتفرس عصام وتمشط عينيها عليه بنظراتها شديدة الجرأة، فهمس بأذن خالد:
– خالد، البت هتاكل عصام بعينيها.
نظر لها خالد نظرة اشمئزاز فقد كانت تنظر لعصام بجرأةٍ واضحة حتى أن الجميع لاحظ ذلك، عقد الاجتماع، وانتهى بوعد تفكير بالرد بأقرب وقتٍ ممكن ، وعاد الجميع إلى القصر.
***************
اجتمع أفراد إمبراطورية الدالي كعادتهم حول المائدة الكبيرة، والتي يترأسها “أحمد الدالي” وإلى يمينه أخوه محمد، ويساره، تجلس هي زوجته التي احتفظت بجمالها رغم تقدم سنها “أمال” ويتتابع بعد ذلك أفراد العائلة في جوٍّ بهيج.
تناول أحمد لقمةً من طبقه، ثم أردف بعد أن ابتلعها بسعادةٍ:
_ أنا سعيد جدًا أن ندى قررت تستقر هنا أخيرًا.
وجد صدى سعادته في عيني والدتها “سهير” التي هزت رأسها مؤكدةً لما قاله، لتهتف مؤكدة:
_ أيوا يا أحمد ، دا أنا قلبي كان بتقطع عليها، مش عارفة قضت عليها سنين الغربة في وحدتها إزاي ؟
غمزت “سها” بعينها لياسمين التي تجلس قبالتها تردف بمرحٍ:
_ إحنا رجعنا الثلاثي المرح تاني.
ظهرت بسمة العذبة على وجه ياسمين، فتبدو كشمسٍ مشرقة في جوٍّ ربيعيٍّ صافي، تعلق بسعادة:
_ الرباعي …أنتِ نسيتي آسر ولا إيه؟
_آسر راجل.
قالتها سها لياسمين التي اتسعت ابتسامتها فهي على درايةٍ تامة لشجارتهما الدائمة، وبسبب معاملة سها بحدةٍ معه، توجه بصرها لوالدها وعمها، تلقي بطلبلها على مسمعهما:
_ بابا.. عمو بنفع نخرج بكره أنا و ندى نتفسح.
نظرت ندى لأخيها الذي يجلس إلى جانبها وملعقة تدور في الطبق دون أن يتناول شيئًا، يبدو شاردًا، يسبح في أفكاره ، ليعود إلى واقعه بعد لكزة ندى إليه بسنِّ الشوكة، تلك الحركة التي لطالما أثارت غيظه في طفولته، نظى إليها بغيظٍ لتكمل ما قالته لحظة شروده:
_يعني تصرّ عليا أنزل ، وتوعدني في خروجات وفسح وفي الآخر شكلك كده؟ إيه يا دوك سحبنا منك الأضواء برجعتنا ولا عايش دور المضطهد المنبوذ في العيلة دي؟
ابتسم بوهنٍ ، دون فهم مقصدها ولكن جملتها الأولى تظهر أنها تريد أن تخرج معه في نزهة ، فيسمع صوت عمه كحبل نجاة حتى لا يُسأل عما به:
_ خلاص يا ولاد بكرة هنخرج كلنا في فيلا المزرعة نقضي كم يوم هناك.
غمرت السعادة وجوه الجميع ، قد جاءت هذه العطلة في وقتها ليريح الجميع صخب روحه وضجيج عقله، غمز آسر والدته قائلاً في محاولة قلبها على والد:
_ شوفتي يا آمال أبو حميد هيفسحنا في المزرعة عشان خاطر ندى وأنتِ كنت هتموتي وتروحي وهو يقولك مش فاضين، شايفة بيفرق بينك إزاي؟ شكلك بقا وحش أووي يا أمولة، البت ندى واخدة الأضواء من الكل مش بس من خالد.
مصمصت والدته شفتيها، ثم ردد برودٍ تحبط خطة آسر:
_ وإيه يعني دي ندوش دي بنتي حبيبتي ، معزتها من معزة ياسو.
ضحكت الفتيات على محاولته التي باءت بالفشل، فتهتف سها بسخريةٍ شامتة:
_ هدف جديد ولكن في مرمى آسر، شكلك بقى وحش وأنت بتفشل توقع بين طنط وعمو.
ابتسم أحمد لما يدور حوله من مناقشات و مشاغبات بالحديث بينهم ، فيميل بنظره للصامت الذي يركز في طعامه فقط ، آلام قلبه لفقدان ابنه للروح، “عصام” أكثر فردٍ في العائلة يحتاج للترويح عن نفسه، ليفصل نفسه عن ضغط العمل، ويفصل عقله عن التفكير بمعشوقته الفقيدة “لميس”، ولكن ما الذي سيفصل قلبه عنها ، فالقلب ما له من سلطان، خرج اسمه من بين شفتي والده فيرفع رأسه بانتباه يصغي لما يطلبه منه:
_ عصام ظبط أمور الشركة اليوم عشان تقعد معنا يومين تلاتة في بيت المزرعة وكمان عشان ندى تشوف الدنيا.
أومأ برأسه موافقاً لأمر والده ، يجيبه بهدوءٍ:
_ حاضر يا بابا.
اعتلت السعادة محيا الجميع ، وخاصةً ندى التي نهضت من مكانها راكضةً نحو عمها مطوقة رقبته بذراعيها من الخلف، وتطبع قبلةً على إحدى وجنتيه ،وتشكره بسعادة:
_حبيبي يا عمو ربنا يخليك ليا يارب.
انفرج شفتاه بابتسامةٍ ، ليُربت على كفها قائلاً:
_ ويخليكم ويحميكم ليا ، مين ليا غيركم أفضي وقتي عشانه.
ضيق آسر عينيه مصوبًا إياها إلى والده وندى ، ويهتف بحزنٍ مزيف:
_ أخص عليك يا أبو حميد يا وحش كدا أسوره حبيبك يتحايل عليك عشان نص يوم إجازة وتيجي البت دي تأثر عليك.
ضحك من حوله، لتظهر ندى طرف لسانها بسخرية منه، تردف بتشفي:
_ أنت رزل أووي يا آسر.
حمل آسر تفاحةً من طبق الفاكهة الكبير وسط الطاولة، يريد أن يصوبها نحو ندى التي أخفت رأسها خلف عمها، مرددًا بغيظٍ:
_ لمي نفسك يابت بدل…
_ بتهدد مين يالا؟!
زمجر بها خالد يتطلع نحو أسر بحدة، اعاد آسر التفاحة موضعها يجيبه متلعثمًا:
_ إيه يا خالود بهزر.
_لا متهزرش.
هتف بها بصرامةٍ، ليعود الضحك يسيطر على وجوههم، ويبدأون بمناقشة الأمور وإعداد لائحة للفتيات بتجهيز ما يلزم لمرافقتهن في الطريق إلى المزرعة ، غافلين عن الجسد ذو الروح الشارد، يتذكرها في أحد الأيام في بيت المزرعة.
******
في إحدى الغرف في بيت المزرعة، والتي يبدو أنها غرفة لإحدى الفتيات من طلائها الوردي الهادئ ، كانت “لميس” تتوسط الفراش بشعرها المموج ، وتحتضن وسادتها بين يديها، عقلها شارد بمن لبى نداء قلبها العاشق، فولج بخطواتٍ هادئة ليجلس على ركبيته أمام الهيئة الملائكية التي أمامه، أصابعه تتخلل خصلات شعرها ، وصوته الحنون يتسرب إليها عبر أحلامها :
_إحنا جينا نغير جو ولا ننام؟
تململت في فراشها ،وعادت للغط في سباتٍ لكنها أفاقت عندما نهض ليجلس على طرف السرير ، فجذبها لتنهض على ساقيها، فتحت عينيها بانزعاجٍ، لتجد كلماته الباسمة تخبرها:
_ صباح الخير يا روح قلبي، إيه كل ده نوم ، هتجوز غيبوبة؟
ضحكتها الخافتة المشبعة بآثار نومها ، خطفت قلبه مجدداً ، ليعلنها حبيبة قلبه للمرة التي لا يدري عددها ، اعتدلت في وقفتها، وشبكت أصابعها بأصابعه وهي تردد:
_ حاجة زي كدا، عارف هتعمل إيه النهاردة؟!
ضيق عينيه في محاولةٍ صادقة ليتذكر ما عليه فعله:
_ إيه؟!
شهيق دراميٌّ يصدح منها، فترد بنبرة ساخطة:
_ أخص عليك يا عصام أنا زعلانة ، معقول نسيت؟!
نظر إليها ولحزنها الذي لاح على قسمات وجهها وقال مستفهمًا:
_ بجد مش عارف أنتِ بتتكلمي على إيه؟!
دفعته بقبضتها وهمت بالرحيل ، وهي تردد باستياءٍ:
_ ماشي يا سيادة المقدم أروح أنام أحسن ما حزني يبتلعك وأنت واقف!!
طوقها بقوة وسحبها نحوه ،فنظرت لسماء عينيه الصافية، سماء لها وحدها تحلّق فيها كطير حر ، لا قيود ولا حدود ، تسمع صوته الهامس ، وأنفاس وجه الحارة تلفح وجهها:
_ مش لما أفهم انا زعلتك في أيه!
ابتعدت عنه ونظرات الصدمة تكتسح وجهها الممزوج بحمرة خجل،فمطت شفتيها باستياء طفولي قائلة:
_ أنت وعدتني هتعلمني السباحة.
لاح وعده أمامه ، فضرب جبينه بكفه آسفًا:
_ أوبس نسيت.
دفعته بعيدًا عنها وبنفس نبرتها الحزينة قالت:
_ أوعى أنت عمرك ما وفيت بوعدك ليا.
اتسعت عيناه بدهشة لوصفه هكذا ، فما كان منه إلا أن نهض خلفها يحملها بين ذراعيه ، شهقت بصدمة ، وتطلعت بحيرة لعينيه المتوعدتين فقال:
_ انتي شايفاني كده ، أوكي أنا هوريكي هعمل فيكي إيه.
تتوالى قبضاتها الرقيقة على صدره وهي تهتف بصراخ رقيق :
_ نزلني متزعلنيش منك أكتر من كده!
ضحك بمكر وهو يهز رأسه نافيًا ، ليزداد تدافع قبضاتها على صدره ، وهتافها:
_ نزلني بقولك ، نزلني.
تحرك بها تجاه المسبح خارج البيت، وهو لا يبالي لهتافها ولكماتها ، لاحظت توقفه فجأة، فنظرت إليه بتوجس ، ومكره يلوح في عينيه علنًا، فسألها بصوتٍ ماكر فحيح:
_تحبي أنزلك؟!
مطت شفتيها بحزن ، وهزت رأسها بحزن قائلة:
_ أيوا نزلني؟
ضحك بصوته كله ، فتفحصت المكان من حولها، لتتفاجئ بوجودها جوار مسبح السباحة ، وفجأة التقى جسدها بالمياه بعد ان قذفها داخله،وما أن لحق بها حتى طوقت رقبته بذراعيها متشبثةً به ، وعينيها تنظر من حولها بصدمة يتبعها سعادة ، فتصدح ضحكاتها، وترفقها ضحكاته .
_أنا بحبك على فكرة.
قالتلها بنبرتها العاشقة ، فففلت يده عنها، لتبقى فقط متمسكة برقبته ، ويزيح خصلات شعرها التي التصقت بجانب وجهها بفعل المياه.
_أنا عمري ما أسيبك زعلانة مني ، أنتي حبيبتي ومراتي وكل ما أملك .
همسه اليها زداد تشبثها به، حبًا ، أمانًا، وفجأة أشارت له بقلق:
_انا غيرت رأيي مش عايزة أتعلم ، خلاص عايزة أطلع ، حاسة اني هغرق.
_ متبقيش جبانة دا أنتِ هتبقي حرم المقدم عصام الدالي يعني لازم تكوني شجاعة.
رد عليها بثقة وهو يبدد خوفها بأمان كلماته التي بثت في قلبها شجاعة بقربه ، تطمئن به ،عاد خوفها ليسيطر عليها فقالت بخوف وتشبثها يزداد به:
_ أنا جبانة طلعني أنا خايفة.
أحاط خصرها بذراعيه يقربها منه، ويطمئنها بثقة:
_سيبي نفسك للمياه وهي هترفعك.
فعلت ما طلبه منها لتطفو بعدها على سطح الماء معه يحركان قدميهما بتناغم ، فساعدها على الحركة، وبعد ساعات قليلة ، خرج من الماء لتبقى هي على حافة المسبح لتشير اليه بالعودة اليها، فتساءل بدهشة:
_أيه؟
حركت رأسها بتعالي:
_شيلني.
ضيق عصام عينيه بمكر وقال بنبرته الخبيثة:
_ أنتِ خدتي عليا بقا!
حركت رأسها موافقة لكلامه وقالت مقلّدة جملةً شهيرة:
_ شيل يا طويل العمر شيل.
ارتفعت ضحكاتهما، فانحنى بجسده وحملها بين ذراعيه مجدداً ، فمالت على رقبته وهي تهمس:
_بحبك.
**********
:_عصام ،عصام أنت يابني روحت فين؟!
هتف بها والده ينتشله من شروده، فتسقط ملعقته في الطبق ويرد بوهنٍ:
_ نعم يا بابا.
لاحظ أحمد حالته، وعلم أن طيفها يلوح بذكرياته أمامه، منحه نظرة مطولة، ثم قال أحمد بهدوءٍ ينهض نحو المكتب:
_ تعالى جوه في المكتب عايز أنقاشك في شوية حاجات في الشغل أنت وخالد.
حرّك رأسه موافقًا، ثم أشار لفنجان القهوة أمامه قائلًا:
_ حاضر هشرب القهوة وأجي.
همهم أحمد موافقًا، وانسحب نحو مكتبه ليعود الجميع إلى مشاجراتهم الكلامية، تفزع سها عندما وجدت نفسها تقذف بنواة زيتون ، فتنظر لآسر بصدمة، تردد بذهولٍ:
_ إيه يا آسر ، مش هتبطل حركاتك التافهة دي.
تمتم أسر بغيظٍ منها:
_ هما شهرين بالكتير وبعد كده مش هتقدري تفوتي باب القصر من كتر الأكل اللي أنتِ بتاكليه ده، بقيت أخاف منك يا بت لحسن أصحى بعد الزواج ألاقي نفسي ناقص إيد ولا رجل.
نظر عصام إليه بحزم، متمتمًا بحدة:
_ بس يا آسر.
تراقص حاجبي سها لنصرة عصام لها، فتقول مستهينةً به:
_شايف أخوك العسل ده مش عارفة مطلعتش زيه ليه؟
تبادل نظرات الاشمئزاز بينها وبين عصام ، ليرد عليها بكل ثقة:
_ ده هو اللي يتمنى يبقى زييّ.
كظم خالد ضحكته بكفه وهو يتذكر اصابة آسر قبل يومين عندما تعرض للضرب من قبل “بودي جارد” ، ليسكته بكفه الآخر:
_ بس يا آسر يا حبيبي، كلنا عارفين أنت مين؟
اردف عصام بسخرية تغمسها جدية ملامحه:
_ سيبه يا خالد كمل يا أستاذ آسر
توجهت ندى بنظراتها لعصام، فتجذب انتباهه بسؤال:
_ عصام هو أنت هتيجي معانا بكرة؟!
نظر إليها وللمروج الخضراء في عينيها ثم أغمض عينيه يجيب بهدوءٍ:
_ هاجي بعدكم لما أخلص شوية حاجات في الشركة.
نهضت ياسمين عن المائدة بعد حمدت ربها ومسحت فمها بالمنديل المخصص، تودعهم بتحية المساء التي ردها الجميع لها عدا صاحب عيون الزيتون فلايزال غاضبًا منها ولما فعلتها. وبعد مغادرتها بدقائق نهض عصام عن السفرة ويصطحب خالد قائلاً:
_ تعالى يا خالد نشوف بابا.
وانسحبا عن المائدة نحو المكتب الخاص بوالده ، تتابع انسحابهم واحدًا تلو الآخر ، ليذهبوا في نومٍ عميق .
بعد ساعة استيقظ آسر من نومه عطِشًا، نظر إلى دورق الماء الزجاجي إلى جانب رأسه على الكومود ليجده فارغًا، نهض بعينيه الناعستين وشبه مستيقظتين تجاه المطبخ ليشرب من الثلاجة. وما إن تناول الكوب بين يديه يرتشف الماء، حتى لاحظ خيالًا يظهر من نافذة المطبخ المطلة على الحديقة.
_ سلام قولًا من رب رحيم يامـــــا.
علا صراخه بعد محاولاتٍ شديدة في الثبات ولكنه فشل، يراه يتقدم منه ببطءٍ:
_عفريت الحقوني، عفريت الحقوني.
ركض بسرعة البرق تجاه غرفة المعيشة، ليسقط بعدها مغشيًا عليه، تجمع جميع أفراد العائلة حوله بعد سماع هشيم الزجاج وصراخه المتتابع، يقف أحمد إلى جانبه يربت على وجهه ليوقظه من غشيته، تتابع نداؤه دون أي رد، لاحظ خالد تقدم عصام نحوه يحمل دورق الماء قائلاً:
_ لو سمحت يا بابا ابعد كده
يبتعد أحمد ليرش عصام الماء على وجه آسر الذي استيقظ مفزوعًا يتابع الصراخ بآخر ما تفوه به قبل أن يغشى عليه:
_ عفريت الحقوني.
قبض أحمد على كتفه ليُهدئ من روعه قائلاً:
_ أهدى يا ابني وقولنا في ايه؟!
شرع آسر بقص ما حدث معه قبل قليل:
_ أنا نازل أشرب لقيت عفريتة شعرها نازل على عينها وبتقربلي وكأنها عايزة تخنقوني شكلها بشع.
صمت الجميع برهةً ، لينظروا لتلك التي تفرك يديها ببعضهما البعض ووجهها قد سحب لون الدم منه، فما كان منها إلا أن ترد بتلعثم:
_ سلامتك يا حبيبي دي أنا كنت قايمة من النوم جعانة.
ساد الصمت بينهم لينهض آسر وهو ينظر لأبيه مترجيًا إياه:
_ بابا أنا مش عايز أتجوز كتر خيركم يا جماعة أنا خلاص مبسوط كده، لو سمحتِ طلقيني… أقصد خدي دبلتك وابعدي عني.
اقترب سها منه وقد خافت من صدق قوله ، لتقول مدافعة عن حبها له:
_ لا يا آسر مش هسبيك.
نظر إليها برعبٍ، ثم ينظر لوالده يتوسل إليه:
_ لا سيبني أنا اللي بقولك أهو، يا بابا حرام عليك أنت عايز ترميني الرمية السودة دي..أنا مش هتجوز على جثتي.
ظهر اليأس جليًا على ملامح أحمد ، فقال بيأسٍ يعتريه غضب:
_روح يا زفت نام دلوقتي ونتكلم بعدين يالا يا بنات كل واحدة على أوضتها.
انسحبت الفتيات إلى غرفهن ليبقى أحمد مع الشباب، يناظره آسر وعيناه يملؤها التوسل:
_ يا بابا أنا بعد اللي حصلي دا معتش أصلح للجواز خالص ده أنا لو فكيت سوستة الفستان يبقى فضل وعدل من ربنا.
ظهرت ضحكة خالد وسط هذا الجو الجاد، فصدع صوت عام الحازم:
_أسر روح اتخمد بدل ما أخمدك بطريقتي فاهم؟!
رمقه بنظرة متحسرة، ثم قال بقهرٍ:
_ خلاص ياخويا حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم يالا يا خالد عشان هنام جنبك يا حبيبي.
انفعل خالد فجأة لما سمعه من آسر:
_ حيلك حيلك ، لا يا حلو نام جنب أخوك.
نظر آسر لعصام الذي بدا كجلادٍ سيقضي عليه إناقترب منه، لينتهي به الحال، في غرفة والديه يقف أمام الباب ليطرده والده من الباب قائلاً:
_ أمشي يا زفت من هنا…
قاطعه آمال بنبرتها الحنونة وعاطفة أمومتها تغلب عليها قائلة:
_ سبيه يا أحمد الولد اتخض جامد وخايف.
دخل آسر الغرفة بعد سماح والدته بذلك ليندس إلى جانبها، يحتضنها كطفلٍ صغير، وهو يهتف بمرح:
_ جدعة يا أمولة، أبو لهب معندوش دم هو وابنه.
نظر إليه والده بغيظ، ليضربه على قدمه بكفه قائلاً:
_أقوم يالا على أوضتك.
تشبث آسر بذراع أمه بقوة، يردد بسعادةٍ تشع في عينيه:
_ لاء أنا مبسوط كدا وأمولة مبسوطة صح يا أمولة ؟!
طبعت قبلةً على جبين ولدها المدلل وتؤكد قوله بقولها:
_صح يا قلب أمولة.
زفر أحمد بحنق لما يفعله هذا الطائش فرفع يديه موضع دعاء مناجيًا ربه:
_ يارب ارحمني من الولد ده هيموتني ناقص عمر.
نظر إليه آسر بثقةٍ، ثم تمتم ببرودٍ يمزجه بلاهة:
_ مش عاجبك طلقني.
يتبع.
[٣/١٢ ٨:٤٦ ص] نودي: الفصل الخامس
جذب أحمد آسر من تلباب قميص منامته، ثم دفعه بعيدًا عن آمال ليسقط على الأرض، يصرخ به أحمد بغيظٍ:
_ برا… أطلع برا يا حيوان… ما تختبرش صبري سبق وحذرتك قبل كده.
نهض آسر عن الأرض، يردد بحنقٍ:
_ كدا يا أبو حميد… ماشي أنا أحسن حاجة أعملها إني أهرب من هنا قبل ما أدّبس في “ستنا الغولة” دي.
خرج من الغرفة، يجوب رواق القصر في الطابق العلوي ، ليلمح باب غرفة خالد مواربًا ويظهر نورٌ خافت منها.
تسلل خفية إليها، ثم دلف ليرى خالد يشخص بصره في سقف الغرفة، فهمس إليه بخفوت:
_ بسست خالد… يالا يا خالد…خالد
همس بكلمته الأخيرة وهو يلكزه في كتفه، ليعود خالد من شتات عقله بنقزةٍ تبعها فزعة عندما رأى هذا الأحمق في غرفته، ضيق ما بين عينيه يحدثه من بين أسنانه كاظمًا غيظه:
_ أنت تاني؟! عايز إيه يا زفت؟
أنار آسر نور الغرفة ويجلس إلى جانب خالد، يُدلي بقراره الذي توصّل إليه والحزن يكسو قسماته:
_ أنا همشي من هنا وقولت آجي أسلم عليك قبل ما أمشي.
اعتدل خالد بجلسته، ليتأكد مما سمعه، يحاول تدارك حديث الطائش الذي تفوه به فرد عليه خالد بصدمة:
_ هتروح فين يا مجنون؟
ربت آسر على كتفه ويخبره بنواياه، كرجلٍ عاقل ذو حكمة، وقد تنحّى طيشه عنه لبعض الوقت:
_ أنا أخدت كل هدومي وفلوسي وكل حاجة همشي من هنا قبل ما يجوزوني لبنت الهبلة دي.
اتسعت عيني خالد بدهشةٍ أكبر، ثم أعاد النظر في حديثه، هل قال “البنت الهبلة”؟ ابتسم ساخرًا في نفسه وكأن الواصف عاقل، يقبض على كف آسر متبعًا سياسته التي ترافقه دومًا في التعامل معه “خد المجنون لحد باب الدار” أصر على بقائه في القصر قائلًا:
_اعقل يا آسر ، اهدى وصلِّ على النبي، وروح نام يا حبيبي، الصباح رباح.
اندفع إليه آسر فجأة يضمه بين ذراعيه، بعناقٍ أخوي، مودعًا إياه بإصرار ممزوج بنبرته الحزينة:
_ أنا أخدت قرار لا رجعة فيه، أنت هتوحشني أوي يا خالد أنا مبحش إلا أنت، ليك معزه خاصة عندي سلام يا أخويا اللي مش من أمي وأبويا، ابقى افتكرني بكلمة حلوة، تنسي قلبي الآاااه.
يختم وداعه بعبارة من أغنية شهيرة، وخرج من الغرفة عازمًا على رحيله، وقف خالد يحمل على عاتقيه صدمةٍ لا محال لها، يحاول تجميع شتات نفسه بعد هذا الحديث المختل، نهض عن الفراش، ويدور في عقله مهاتفة عصام.
*************
وفي غرفته كان ينام عصام عاري الصدر على سريره ، ليسمع صوت رنين هاتفه ، أجاب بنعاسٍ:
_ ألو.
تحرك خالد ذهابًا وإيابًا في غرفته، يردد بقلق:
_ عصام…
قاطعه عصام وقد أزعجه إيقاظه من نومه:
_ أنت غبي يالا بتكلمني في وقت زي ده ليه؟ زُرت أحلامك وجاي تبشرني؟
قذف خالد القنبلة في وجه عصام، الذي وثب عن فراشه مفزوعًا، ليردف عصام يكزّ على أسنانه:
_ نهاره مش فايت، أنا قولت أقتله أحسن محدش صدقني.
خرج من غرفته بعد أن أغلق الهاتف وهو يحمل قميصه بين يديه يرتديه بإهمال، ليجد خالد في منتصف الرواق في دورهم المخصص.
_إيه لقيته ؟!
قالها عصام وعينيه تجوب المكان باحثةً عنه ، في حين هز خالد رأسه نافيًا.
_ دور عليه.
قالها عصام وهو يفرك مدمعًا عينيه بسبابته وإبهامه ، ليُزيل بقايا آثار النوم، ليفزع مجددًا عندما سمع صوت خالد الذي يشير بإصبعه:
_ اهوه يا عصام..
وجه بصره إليه يجده ، يثبت سُلّماً من إحدى نوافذ القصر، و يهمّ بالنزول لأسفل ، توقف عن خطته عند سماع صوت عصام الذي بدا له كرعدٍ رغم أنه يكتمه :
_ أنا معتش ورايا غيرك يا حيوان.. عايز تهرب عشان أبوك كان هيقتلك.
سحب آسر ذراعه من بين قبضة عصام، يهتف بإصرار:
_ ابعد ..همشي يا عم أمال اتجوز عم عبده اللي فوق دي؟؟
محاولات إقناع ذلك الطائش باتت بالفشل، فأردف عصام الذي حاول أقناعه:
_تقوم تهرب… لا وذكي وواعي طالع من هنا بالسلم العمي جالك طب هتعدي من الأسلاك إزاي ولا الجانب التاني!؟ أنت متعرفش الدور ده يرتفع كام عن الأرص افرض وقعت وحصلك حاجة!
لان عقل ذلك الطائش بكلمات أخيه المعسولة والمقنعة، فقال بعد تفكير برهةً:
_ تصدق صح!
ابتسم عصام بظفر لنجاح طريقته بإقتاعه، وجه بصره لخالد مشيرًا إليه بعينيه:
_خالد دخل الشنط وأنت قدامي هتبات معايا.
اتسعت عينيّ آسر بفزع، هل سينام مع “البوص” ؟ حتمًا سيفتك به وهما لوحدهما ، فقال بنبرة ملتاعة:
_ لا لا لا أنا هبات مع خالد ، أنت لا.
كظم عصام غيظه، ويغمض عينيه مقررًا استخدام أسلوب المراوغة معه، هذا الطائش لن يكف عن تصرفاته المشابهة له دون تأديبه مرةً أخرى، ابتسم ابتسامته الصفراء، وهو يقول مراوغاً:
_ لا يا حبيبي ، مش أنا أخوك الكبير حبيبك برضه؟
ارتفع حاجبا آسر بدهشة ما هذا التحول الذي طرأ على أخيه، أشار إلى نفسه بذهولٍ ليتأكد من حديث أخيه:
_ أنت بتكلمني أنا يا عصام؟!
_ أيوة يا روح عصام.
هتف بها عصام بخبثٍ، لتتسع عيني خالد وقد فهم مغزى حديثه، إذًا تلك الليلة لن تمر مرور الكرام على أحدهم، اندفع نحو آسر يمسك كفه قائلًا:
_ آسر تعالى نام معايا بسرعة.
حاول سحبه ليقف آسر ويترك كف خالد ويضع كفيه على صدغيه بحركة تلائم طيشه، وهو يقول بولولةٍ ساخرة:
_ ياخرابي أنا مهم أوي كدا ، دول هيقطعوا بعض عشاني…
ثم اوقع نظره على عصام يُردف بشكٍ:
– طب بجملة الدلع ده دلعني عشان اتأكد أنك في المود.
لحت ابتسامة صفراء على ثغر عصام، يردد من بين أسنانه:
– يا سلام ، وأنا ليا مين غيرك يا أسورة يا حبيبي يا قلب أخوك.
انفرج شفتاه بسعادة حقيقة لما يسمعه من أخيه حاد الطباع، هل هو يحلم؟ مد كفه ليقرص يده الأخرة ويحدث نفسه بخفوت:
_لا مش بحلم.
ثم قال بصوتٍ مسموع ، وهو يحيد بنظره لخالد، الذي أخرج من جيب بنطاله سدادتي أذن:
_ شايف يا عم خالد الأخوة لما بيجتمعوا بيقى شيء عظيم مش أنت اللي كل ما آجي أتكلم معاك ألاقيك بتشخر.
هز خالد رأسه وهو يضع إحدى السدادتين ليقول:
_حيث كده “اللهم بلغت ، اللهم فاشهد” طلبت منه ينام عندي وأصريت وهو عاجبه جو الأخوة ، تصبحوا على خير يا أعز الأخوة…
ثم غمز لعصام مردفًا:
– تنساش تقفل باب غرفتك كويس علشان محدش يسمع ضحكاتكم بنص الليل.
انسحب خالد نحو غرفته صافعًا الباب خلفه، ليبقى عصام وآسر في الوسط، لف عصام ذراعه حول رقبة آسر قائلًا بتوعد خفي:
_ يلّا يا أسورة الليل طويل، خلينا منفوتش اللحظة.
ضحكة آسر البريئة تؤكد سذاجته، يسهل خداعه من أي أحد، لينساق معه إلى غرفته، ما أن دخلا الغرفة، حتى أغلق عصام بابها بإحكام، ثم نزع حزام جلدي، وهو يسأل:
_ خد يا أسورة، إيه رأيك بالحزام ده؟
ابتسم آسر باتساع، التي زادت من غيظ عصام:
_ الله إيه الحزام الحلو ده شكله جميل! شكلي بقى هستعيره منك.
ازداد ابتسامته الصفراء، وهو يلف طرفه حول قبضته ويهوي به عليه، لتتعالى بعدها صرخات آسر، يردف عصام بغيظٍ:
_ ميغلاش عليك يا حبيبي خد، خد بقا عشان تعرف تهرب أنا هربيك من أول وجديد.
تتوالى الضربات المصوبة على آسر ، ويزداد صراخه مستنجدًا:
_ آآآآآه، خلاص يا عصام والله ما ههرب تاني، آآآآه الحقوني يابشر ياللي في القصر.
ازداد غضب عصام ليهتف بحنق:
_ ولا حد هيعبرك ياحيوان.
ازدادت الضربات لآسر فيمسك بيده مترجيًا:
_ أهدى يا عصام أبوس إيدك لو بابا عرف أنك ضربتني هيزعلك.
ابتعد عصام عنه وهو ينظر إليه بسخرية، يردد:
_ يزعلني؟! هو أنا مقولتكش؟ يابني دا لو أبوك عرف اللي بيحصل ده هيكافئني خد عشان تبقى تفكر تهرب زي النسوان بعد كدا.
***********
تململت ندى في فراشها إلى جانب ياسمين بعد أن بقيا تلك الليلة سويًا، ولكن صوت آسر وصراخه يقتحم نومها ، همست ندى بصوتٍ ناعس:
_ ياسمين بت في صوت جاي من تحت حد بيصرخ.
طبطبت الأخرة عليها وبذات النبرة الناعسة تجيبها:
_ عادي يا ندى ده أكيد آسر نامي نامي.
رفعت الغطاء لتغطي رأسها حتى لا تسمع لصوته، لكن صوته يزداد ارتفاعًا لتزفر بسخط وهي تزيحه عن وجهها مجددًا:
_ قومي يابت نشوف في أيه ، ما أنا كنت في أمريكا لوحدي مفيش ولا صوت بيزعجني معرفش إيه اللي جابني هنا؟!
نهضت الفتاتان عن السرير بمنامتيهما متشابهتي التصميم ولكن بألوانٍ مختلفة الأبيض نصيب ياسمين ، وندى منامتها باللون الوردي ، تتبعان مصدر الصوت، وما إن وصلتا حتى اندفع آسر يحتمي بندى يقف خلف ظهرها، سمع بعدها صوت عصام الصارخ:
_ هتروح مني فين يا آسر، هجيبك لو كنت في أخر الدنيا.
ظهر عصام بعد ما قاله ليجد آسر يقف خلف ندى التي هتفت بنبرةٍ حزينة على ما وصل له أسر:
_ حرام عليك يا عصام سيبه…
دفعتها ياسمين برفقٍ، لتزيد الطين بلة بحديثها المشجع لعصام:
_لا متسيبوش ، اضربه يا عصام دا كان هيضربني امبارح وخالد اللي لحقني.
قرص ذراعها الذي يقرب منه، يهتف بغيظ:
_ ماشي يا زفتة مصيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة.
ثم وجه حديثه لندى بتوسل:
_ندى الحقني أبوس إيدك دا مجنون وهيقتلني.
اندفع عصام تجاه ندى ليتمكن من الوصول إليه، وفي لحظة وجد نفسه أرضًا وندى تسقط فوقه بعد أن دفعها آسر لينجو من براثن الأسد الذي لن يبرح حتى ينال فريسته.
نظرات عينيهما تتقابل مرةً أخرى السماء الصافية والمروج الخضراء في ذات اللوحة ، ونسيم أنفاسهما المتناغم ، زقزقة قلبيهما كترنيمةٍ لن يستطيع تقليدها أمهر عازفٍ في الكون كله ، شفتيها اللتان تهتزا كأرجوحةٍ حبالها متصلة بشجرةٍ من الأعلى ، ترتجفان إثر قربها المهلك منه، لوحة فنيةٌ بديعة ينقصها هو فقط ليكمل الصورة ، تعلم أن قلبه لازال معلقاً ب”لميس” ، لكنها لن تيأس ، ستستغل كل ذرة عشقٍ له في قلبها لتحظى برقعةٍ خضراء في قلبه لتستند عليها وتقول للعالم بأسره:
_أنا هنا ، حيث يجب أن أكون، أنا هنا في قلبه.
_ في اية يا عصام وإيه الدوشة دي الغبي ده بيصرخ ليه؟!.
قالها أحمد مستفسرًا الذي جاء من غرفته، بسبب جلبة ابنه الطائش، والذي نبَّه ندى لوضعها ، فحاولت على عجلة النهوض من فوقه لتسقط مجددًا ، فتغمض عينيها بإحراج ، لتسمعه يقول بعد حمحمةٍ أعادت صوته طبيعياً:
_ استني ، هساعدك.
نهض وساعدها على النهوض يقفان ليجدا والده أمامهما، فيقول عصام مبرراً:
_مفيش حاجة يابابا كنت بضربه.
فرك أحمد جبينه بكفه بقلة حيلة ، ثم سأل بعد نفسٍ طويل:
_ليه هبب إيه تاني؟!
_الغبي بيحاول يهرب.
قالها بسرعة، فيعقد الآخر حاجبيه بدهشة ، تنحلّا بعدما وضح عصام الأمر:
_خد الهدوم بتاعته وفلوس وعايز يهرب.
جلس أحمد على أقرب كرسي ، يفرك موضع قلبه، ويقول لاهثًا:
_ يا خراب بيتك يا أحمد الواد ده هيجنني أنا حاسس أنه إن شاء الله هيتسبب في موتي ، لو مت هو السبب بدون تقرير طب شرعي.
اندفعت ندى إليه بقلق تربت على كفه الذي يفرك به ، تقول بحزن
_ بعد الشر عليك يا عمي ، ربنا يديك طولة العمر.
اقترب عصام منهما ثم امسك ذراعها بشيءٍ من القوة قائلاً:
_ أنتِ جيتي تدافعي عنه ليه أنا بأدبه عشان يحرم.
سحبت ندى ذراعها من بين قبضته ، وهي تدافع عن آسر بحمائية:
_ هو أنت كدا بتأدبه ، تضربه كده أنت مش شايف نفسك دا هو جنبك عصفورة….
قطع حديثها صراخ ياسمين التي هتفت تستنجد بعصام:
_عصام الحقني.
ركض الجميع خلفها متتبعين مصدر الصوت، ليجدوا آسر يزوي ياسمين في أحد أركان الغرفة، ويعيق حركتها ، يسمعون صوته بعدها مهددًا:
_ والله هضربك… بتقوي أخوكي عليّا ، مش كفاية الجبروت اللي هو فيه.. ماشي يدوس علينا ، أنا هضربك محدش هينقذك ولا حتى عصام بتاعك.
رأت الجميع خلفه، فاستجمعت شجاعتها قائلة:
_ يلا يا جبان مش قادر على الوحش هتتشطر على النملة؟
ابتسم الآخر بسخرية ثم فسر ما حدث بكل ثقة:
_ مين ده يا بت؟! قصدك عصام؟ يا غبية ده أنا كنت بعلمه الملاكمة، ده عصام بيترعب مني يشوفني يجري على طول ، طبعًا أنا بشفق بس مش أكتر.
لحظة صمت بينهما والجميع ينتظر ردة فعل عصام الذي لا يزال يتحكم بغضبه ، لتصدح بعدها ضحكة ياسمين الساخرة، ضحكة جلجلت المكان ، تمالكت نفسها وهي تقول:
_ طب بص وراك يا كتكوت.
التف خلفه ليرى ما يثير ضحكاتها الساخرة ليجد الجميع خلفه ومن بينهم عصام، فيقول بتلعثم:
_ عصام أهلًا وحشتني تعالى أسمع ده أنا بحكي عن بطولاتك و أد إيه أنا بحبك ده أنت الحتة اللي في الشمال.
كتمت ندى ضحكتها بكفها ، حتى لا يصيبها نوبة ضحك كما أصابت ياسمين، لتردف بسخرية:
_ ماهو واضح مش محتاج تتكلم إحنا سمعنا كل حاجة!
تقدم محمد منهم ليرى سبب هذا التجمع في هذه الساعة المتأخرة من الليل، ليدفع سؤاله لهم:
_ في ايه يا ولاد إيه اللي بيحصل؟!
اندفع آسر إليه ويحتضنه كأنه طوق النجاة الذي جاء ليخلصه ، ويقول بدموع مزيفة ونبرةٍ باكية:
_ عمو حبيبي اللي دايمًا بيوقف بصفي، وبياخد حقي ويخلصني من الس..فاحين دول.
ربت على ظهره ويوجه نظره لعصام بعدم فهم، فقصّ عليه الآخر ما حدث باختصار ، لتعتليه الدهشة، ما هذا البيت الذي لا يدلفه ساكنة ليلاً ولا نهارًا، لديهم طاقة كافية لا تنطفئ، يستمع صوت آسر الباكي بزيفٍ قائلاً:
_ يعني ينفع اللي بيحصل هنا يا كبير أنا اتبهدلت ومحدش هيجبلي حقي إلا أنت.
سحبه والده عن عمه من الخلف، ويهدده بحزم:
_ اسكت يا زفت بدل ما أخلي عصام يكمل على اللي فاضل منك.
نظر إليه آسر بثقة، ثم اقترب منه يهمس إليه والتي سمعت ندى همسه قائلاً:
_ هسكت بس أنت حر ، ومش مسؤول عن ردة فعل أمولة لما تعرف إنه في بنت أمريكية كانت هتموت وتتجوزك عشان جوز العيون اللي عندك يا أبو زرقة.
اتسعت ابتسامة ندى لما سمعته ، في حين انصدم أحمد من حديث ابنه ليرد بتلعثم:
_ بس أنا فهمتها أنها أد عيالي وموافقتش.
_ وحد يعرف الكلام ده إلا أنا، أنا اللي كنت معك مش أمولة وطبعا لازم أحط التاتش بتاعي وأخليك تنام في الحديقة مع الحرس شكلك هيبقى مسخرة يا معلم.
هتف بها بسخرية وغرور ، هذا الطائش أجاد اللعب على وتر والده الذي صمت قليلاً ثم قال بغضب:
_ خلاص يا عصام سيبه المرادي، يلا كل واحد على أوضته.
نظر عصام إليه ولآسر وندى التي كتمت ابتسامتها، فحتمًا هذا المجنون راوده شيئًا يهدد به والده حتى لا يُعنف من عصام مجددًا.
ذهب الجميع إلى غرفهم في حين توجه آسر إلى غرفة خالد عن طريق شرفة غرفته المتصلة بينهما.
وفي طريقها كانت ندى قد أوشكت الدخول إلى غرفتها ، لتشعر بقبضةٍ تحكم على ذراعها بقوةٍ أفزعتها، التفت لتجد عصام خلفها فتقول بفزعٍ:
_ ياما، بسم الله الرحمن الرحيم ، إيه ده يا عصام خضيتني.
حدثها عصام بعدم مبالاة:
_ مش مهم…
ثم استطرد بجدية:
_قوليلي آسر هدد بابا بإيه عشان وشه يجيب مليون لون.
رفعت كتفيها بعدم معرفتها بالأمر، في حين احتدت نبرته، وضغطه على ذراعها:
_أنتِ هتستعبطي أنا عارف أنك سمعتي.
تحرك رأسها بتلقائية، وتشرع بقص ما حدث بين آسر ووالده،
انفجر عصام ضاحكًا فشردت ندى بجمال ضحكته فكم زادته جمالاً فوق جماله وجدت صدى ضحكاته بابتسامتها التي ظهرت تلقائياً، لتسمع بعدها منه جملةً عفوية خرجت بتلقائيةً منه خاصةً أن طبعه حاد ، صارمٌ في معظم أوقاته:
_ مكنتش أعرف إن أبويا بيخاف من أمي كده.
خرجت جملتها هي الأخرى بذات البسمة العفويةٍ وولهٍ تام:
_ أنت ضحكتك حلوة جدًا.
نظر إليها قليلًا، ثم حمحم بجديته قائلًا:
_ احم…تصبحي على خير.
رحل غرفته، لتشعر الأخرى بما تفوهت به، تنهدت بحرق ، وتتحسس قلبها الذي تسارعت نبضاته إثر ضحكات حبيبة لها، فتغمض عينيها بألم محدثةً نفسها:
_ ليه مش حاسس بيا يا عصام كل السنين دي وأنا بحبك بس مش هيأس أكيد هيجي اليوم اللي تحس بيا، وتحبني، تحبني زي ما بحبك و أكتر.
عاد الجميع إلى غرفته، ليعود الصمت يسود القصر، البعض ينام هنيئًا والبعض الآخر تجتاحه مشاعر وأفكار ، ياسمين التي لازالت حزينة لتصرفات خالد معها وكثرة تفكيرها أهلك عقلها ليجعلها تستسلم للنوم ، وندى التي تشخص بصرها شاردةً بحدثين مع حبها الطفولي ، تتذكر حين سقطت فوقه، قهقهة ضحكته التي أصبحت نادرًا ما تسمع في القصر والتي اشتاقت لها في سنين غربته، تحتضن قلبها، تتمتم بدعاءٍ ترجو من الله حبًا منه يشبه حبها ، وتنسحب بعدها في نومٍ عميق.
أما هو فعاد لزنزانة ذكرياته ، يجلده ضميره بذنبها ظنًا منه أنه السبب، يترقرق الدمع في عينيه ، ليظهر أمامه مشهدًا موجعًا لها.. بكاؤها.. توسلاته.. طمأنته لها…
*********
سماء عينيه تمطر دموعًا خائفة من خسارتها، توسلاته لرجلٍ بصوته الراجف:
_سبيها أرجوك هي مالهاش ذنب، اللي عايز تعمله اعمله معايا أنا.. هي ملهاش ذنب.
صوتها الباكي يشق قلبه، انتفاضة جسدها، همسها المتقطع الممزوج بدموعها وشهقاتها:
_ عصام…ساعدني…أرجوك.
نظر إليها ولانهيارها الذي أوشك أن يغيبها عن وعيها، سيطمئنها، لا أحد يستطيع أن يمسها بسوء ، لقد وعدها بذلك، لن يصيبها شيء، همس مطمئنًا وهو يقترب خطوةً ضئيلة:
_متخافيش ياحبيبتي….متخافيش.
************
سطعت الشمس بأشعتها الذهبية معلنةً يومًا جديد ، يومٌ يحمل في طياته خبايا القدر حلوها ومرها.
دخل خالد غرفة ندى ليوقظها فالجميع في الأسفل على أتم استعداد للذهاب في العطلة، اقترب من التي دثرت رأسها بالغطاء مناديًا عليها:
_ ندى اصحي يابنتي كل دا نوم!
لم يسمع إجابتها ، عاود لكزها من جديد يزفر بحنقٍ:
_ يا بنتي قومي، كلنا جهزنا إلا أنتِ.
تنهد بسخط، وقد قرر رفع الغطاء عنها، وقف مصدومًا أمام تلك الحورية النائمة، التي لم تكن إلّا ياسمينته القاسية، ظلّ يتأملها ويمشط عينيه على جمالها الساكن، كملاكٍ بريء بنظراتٍ عاشقة، حتى قفز أمامه خاطر صفعها له قبل أيام، فتحولت قسمات وجهه إلى غضب، تعمد إصدار جلبةً في الغرفة ففتحت عينيها تراه أمامها ، هل قفز من أحلامها؟ تذكرت منامتها البيضاء ذات الحمّالات الرفيعة التي ترتديها ، فعكست يديها تغطي بها نفسها، لكنه جذب مئزرها وألقاه في وجهها، ثم التفت إلى الجهة الأخرى حتى ترتديه ، لمح خروج ندى من الحمام المرفق للغرفة حاملةً بين يديها منشفةّ تجفف بها أطراف شعرها، والتي تعجبت من وجوده، فسألته:
_ أنت من امتى هنا؟!
احتدت نبرته عند جوابه:
_كنت جاي أصحيكي عشان اتأخرنا، وبعدين الهانم مش ليها أوضتها؟ إيه اللي جابها هنا!
رمت ندى المنشفة من يدها على كرسي سراحتها، واتجهت نحو ياسمين التي أحكمت مئزرها الطويل و وضعت حجابها بإهمال مستعدةً للرحيل، لتحتد نبرتها هي الأخرى قائلة:
_ براحة يا خالد ما إحنا على طول بنام مع بعض أي الجديد؟!
تلألأ الدمع في عينيّ ياسمين ، و نظرت لعينيّ خالد بحزن وحدّثت ندى:
_ خلاص يا ندى معوتش هبات هنا تاني مدام خالد بيه مضايق كده.
نظر إلى عينيها بتحدٍّ ، وغضبٍ دفين، لم يبالِ لدموع عينيها المتحجرة ولتماسكها الذي أوشك على الانهيار، فرد عليها بتحدٍّ:
_ وأنا أضايق ليه أنتِ أصلًا مش في دماغي عشان أضايق… يالا يا ندى ألبسي عشان منتأخرش.
خرج خالد من الغرفة صافعًا الباب خلفه بقوةٍ أفزعت كلتيهما ، وتبع ذلك سقوط دمعات ياسمين المتحجرة بحرقةٍ ، صحب بكاؤها شهقات ورجفة جسدها، شعرت ندى بالأسى تجاهها ، كلتاهما تعاني من ألم الحب ، كلتاهما تتألم بطريقةٍ مختلفة ، احتضنتها ندى بين ذراعيها، تكفكف دموعها وتمسحها لها، رفعت ندى رأس ياسمين تكفكف دمعها، و نظرت لعينيها المليئة بالحزن.
_ شوفتي يا ندى أخوكي بيكلمني إزاي؟
تحدثت بها ياسمين في ألمًا، لتحتضنها ندى ثم سألتها بمكر :
_ عليا يا بت؟! انطقي هببتي إيه عشان الواد يعاملك كدا؟!
هربت بنظراتها بعيدًا، ترد بتوترٍ:
_ ما معملتش حاجة!
جذبتها ندى من ذراعها بقوةٍ، تردد بغيظٍ:
_ أنتِ هببتي مصيبة كبير صح!
عضت شفتها السفلى بخجل، وأجابتها بنبرةٍ خجلة:
_ بصراحة يا ندى آه، عملت مصيبة!
_ اخلصي أنتِ هتنقطيني؟ عملتي إيه؟
قالتها ندى بغيظٍ، في حين تحدثت ياسمين بتلعثم أخيرًا:
_ أنا يعني… احم… ضربته بالقلم.
_ يا خبر أسود…ضربتيه إزاي؟ أنتِ مجنونة؟ وهو سابك كدا عادي؟!
نطقت بها ندى بعدما تلقت كلماتها الصادمة، تنظرت لياسمين التي أومأت برأسها مؤكدة حديثها، بل و مجيبةً على أسئلتها، ضربت ندى كفيها ببعضهما البعض ثم تمتمت قائلة بخفوت :
_عليه العوض ومنه العوض… طب هو عمل إيه عشان تعملي كده؟
طرحت سؤالها عليها بصوتٍ مسموع عكس جملتها الأولى ، لتتذكر الأخرى قبلة خالد لها، تتحسس شفتيها بخجلٍ ووجنتين مستعرتين لشدةِ حمرتهما، فهمت ندى مقصدها وما حدث، لتعتلي وجهها ابتسامةً ماكرة، أردفتها بقولها:
_ بسسس خلاص فهمت حصل إيه.
انطلقت ضحكتها الخافتة التي أيقظت ياسمين من ذكرياتها، وكان أول ما تقابلت نظراتهما ضحكة ندى مجددًا التي صدحت بصوت عالٍ ، وجهت ياسمين ضربات متتالية لندى التي صارت تعدو في أنحاء الغرفة، ثم فتحت الباب وخرجت تضحك والأخرى راكضةً خلفها حتى اصطدمتا بسها، التي ابتسمت بسعادة ، المثلث المرح ينقصها، لذلك هتفت بسعادة:
_ الله!!! أنا هلعب معاكم.
نظرت الفتاتان لبعضهما البعض بمكر، ثم انقضتا فوق سها التي علا صوتها:
_ آآآه سبوني يا جزمة منك ليها ، آآه الحقني يا آسر.
استنجدت بآسر الذي كان يمر من أمامهم يعدل هندامه ويصفر متغنيًا، توقف لمرآة فوقها، ثم ضحك بتشفٍّ قائلاً:
_الحمد لله ربنا خدلي حقي منك تاني يوم عادي ، عسل يا ندوش عسل يا سوسو أنا عايزكم تموتوها أنا نازل سلام واللي كأني شفت حاجة.
تابع سيره نحو الأسفل لتصرخ الضحية ساخطة:
_ماشي يا زفت.
تعالت ضحكات الفتاتان، وهما تبتعدان عنها، ثم رافعة إحداهن إياها عن الأرض، لتقول الأخرى بسخرية:
_ الراجل باعها في ثانية سبيها خلاص أنتِ كنتِ عايزة إيه يا سها؟!
نفضت سها ملابسها وعدّلتها، وأعادت إحكام حجابها قائلة:
_ أنا كنت جاية أقولكم إن البت الباردة اللي اسمها سيرين دي تحت وجاية معانا المزرعة.
_ نعــــم!؟؟
صدحت بها ياسمين بصدمة، فتاةٌ عنجهية توصفها الفتيات بالـ”ملزقة” لأنها ترافقهم في أغلب لحظات العائلة الخاصة ومناسباتهم بحجة عملٍ مشترك بين عائلتها وعائلة الدالي.
_ مالك يابت ومين سيرين دي؟!
نطقت ندى بهذان سؤالين متتاليين في تعجب، فزفرت الأخرى بسخط واصفة إياها:
_ دي بت ساقعة وباردة بنت متكبرة و شايفة نفسها موت كل ما أشوف خلقة أمها، بييجي في بالي أسحب زمارة رقبتها.
دفعت ندى ياسمين بكلتيّ كفيها، وهي ترفع نبرة صوتها عليها:
_إيه… هو أنا بقولك أوصفيهالي بقولك مين دي؟!
_ بنت صاحب بابا وعمي بينهم بزنس عالي وكل شوية تيجي هنا بردو وعينها على خالد.
تحدثت بها ياسمين بنزقٍ، لتبتسم الفتاتان على إظهار غيرتها على خالد، هزّت ندى رأسها بمكر تابعةً ذلك بغمزة لسها:
_ قولي كدا بقى.
_ إيه يا بنات أنتوا لسه ما لبستوش يالا عشان بابا وعمي مشوا وماما وانطي كمان معتش إلا إحنا بس يالا.
هتف بها آسر الذي عاد مجددًا ليستعجلهن فالجميع غادر إلا هن، اعتدلت الفتيات بوقفتهن، ثم قالت ياسمين بعجلة:
_ طب أروح البس أنا.
انسحبت مع ندى لتساعدها في اختيار ملابسها، في حين تمايلت سها بفستانها مبتسمةً بسذاجة وهي تنظر لآسر قائلة:
_إيه رأيك؟
مشطّ عينيه عليها، ثم ابتسم قائلاً:
_ إيه الحلوة دي؟!
_ بجد يا أسر؟
هتفت بها بسعادة ، ليرد ببلاهةٍ:
_ آه والله ، قمر أربعةعشر يا أم السوس.
ثم أكمل جملته سرًا:
_بالستر…قمر بالستر
_حبيبي يا أسوره.
اعتراف بريء خرج من بين شفتيها، ليبتسم لها بصدق.
_إحنا جاهزين يا آسر.
ارتفع بها صوت ياسمين، هزّ آسر رأسه مشيرًا لهن بالتحرك.
****************
في بهو القصر، وقف خالد مع فتاة تشبه دمى الأطفال البلاستيكية، متغنجةً بصوتها وحركاتها المائعة:
_ خالد إزيك عامل إيه؟! وحشتني موت.
زفر الآخر بحنق وأشاح بصره إلى الجهة الأخرى ليرسم ملامحه السعيدة في لقياها، لكن كلمته المقتضبة أفشلت ذلك عندما قال:
_ كويس.
زادت دلالها عليه عندما اقتربت منه، واضعةً كفها على كتفه:
_ أنا مبسوطة إني هجي معك يا خالد…أقصد معكم يعني.
ازداد زفير خالد بالاختناق، هو يعلم ملعوبها، عندما فشلت باقتناص عصام لأنه الأجمل والأوسم، ذهبت إلى غنيمةٍ أصغر، أقل جمالاً ولكن بجاذبية أقل، ودّ لو يجرحها بكلامه لكنه لم يجرؤ على ذلك، نظر للسلم ليلمح ندى وياسمين تنزلان نحوه،
وإلى جانبه حيث المصعد، فُتح الباب ليظهر من ورائه آسر وسها ، نظرت ياسمين لسيرين بغيظ، في حين منحتها سيرين نظرة ماكرة تتمتم بخبثٍ:
_ أنا هركب معك يا خالد .
كان خالد على وشك الاعتراض ولكن نظر إلى ياسمين وكاد أن يقسم أنها تضرم نارًا لشدة غيرتها ط، ابتسم بتحدٍّ ، ونظر إلى سيرين، يردد ببسمة:
_ آه طبعًا دا شرف أن القمر دا يركب معايا.
_ ميرسي يا خالد.
قالتها بدلالٍ واضح، في حين صوب خالد نظره إلى الجميع وحدّثهم بمرحٍ خفي:
_ بابا وعمي وكلهم مشيوا ومفضلش غيرنا، آسر خد سها وياسمين معك وأنا هآخد ندى و سيرين.
هتفت ياسمين بسرعة:
_ لا أنا هاجي معاك… أقصد مع ندى.
_ اوك يالا يا سيرين.
ابتسم وهو يسير إلى جانب سيرين، وحدّث نفسه قائلاً:
_أما خليتك تقولي حقي برقبتي مبقاش أنا خالد الدالي.
*********
صعد الجميع إلى سياراتهم، ففي سيارة آسر جلست سها إلى جانبه في المقعد الأمامي، تعبث بمسجل السيارة بملل ، أطفأته بعد دقائق دون فائدة لتزفر بسأم هاتفة:
_آسر أنا جعانة.
اتسعت عيناه بصدمة فمنذ قليل كانت تأكل، ردد بدهشة:
_ نعم…؟! أمال أنتِ لسه طافحة إيه دلوقتي؟!
_ الله …جعانة أعمل إيه يعني!؟
أجابته بتذمر واضح، ليهتف أسر بغيظٍ:
_ اتكتمي حاضر هجبلك سم اقصد أكل.
أوقف السيارة إلى جانب أقرب دكانٍ يشتري لها بعض الأشياء التي تسكن جوعها لطوال الطريق، عاد ملقيًا الأكياس في حِجرها :
_ اتفضلي.
ابتسمت بسعادة وشكرته قائلة:
_شكرًا يا حبيبي.
**********
في سيارة خالد والتي أسرعت سيرين وجلست إلى جانب خالد، في حين اشتعلت ياسمين غيظًا، مما زادت سعادة خالد وهو يراقبها عبر المرآة الأمامية، قطع الصمت في طريقهم سؤال ندى:
_ خالد هو عصام هيجي امتى؟
مطّ شفتيه مجيبًا:
_ كمان ساعة كدا أو اتنين.
_ الله يا خالد دا موبايلك ذوقك حلو في كل حاجة حتى العربية ممكن أخد نمرتك؟!
قالتها سيرين بنبرتها المغنجة، في حين ضيقت ياسمين عينيها باشمئزاز من حركاتها، نظر خالد لها عبر المرآة لتتسع ابتسامته ويجيب التي بجانبه بمرح مزيف:
_ آه طبعاً، ولو عايزة التلفغون ميغالش عليكي.
_ ميرسي يا خالد.
قالتها سيرين ببسمة انتصار ، التي جعلت ياسمين تهمس بحدة لم يسمعها سوا ندى:
_لا… كدا كتير!
هدأتها ندى :
_ اهدي الله، هياخدوا بالهم منك.
نظرت ياسمين إليها والغيظ يكتسي نبرتها تهمس لها:
_ أعمل إيه… البت دي زودتها أووي، والله أنزل أجيبها من شعرها.
ربتت الأخرى على كفها مهدئة:
_ اهدي..
وبعد ساعة وصلت السيارات إلى المزرعة، استقبلهم أحمد متسائلًا بقلقٍ:
_ إيه يا أولاد تأخرتوا كده ليه؟
دفع آسر باب السيارة بقوة، وأجابه بسخط:
_ كنت بجيب للأبلة طفح أقصد أكل، كل ما نعدي من قدام المحلات عايزة دي يا آسر… دي أكلت أكل!!!
_ معلش، معلش ، صحة وهنا.
قالها أحمد برضًا، ثم أشار لياسمين وندى مردفًا:
_ تعالى يا ياسمين يالا يا ندى افطروا.
اندفعت سها إليهن تهتف بسعادة:
_ وأنا جعانة.
اتسعت عينا آسر وهتف بصدمة:
_ سلامٌ قولًا من رب الرحيم !! دا لسه الأكياس في العربية.
ضيقت عينيها، وهتفت متذمرة:
_يعني ماكلش؟!
حرك رأسه يائسًا و أجابها بسخطٍ:
_ تعالي كُليني أحسن!
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.