
ذئب يوسف
الفصل الثالث
اتسعت عيناها بذعر وهي تراقب هيئتها الشاحبة ، بدأت دقات قلبها تزداد، فامسكت يدها تضغط عليها برفق قائلة :- أهدي يا أسماء و كلميني براحة في إيه ؟
أرتجف بدنها قائلة بصوت مذبذب :- أنا …. أنا واقعة في مصيبة يا مريم ، ساعديني أبوس إيدك .
زادت ضربات قلبها بصخب ، و تتوقع الأسوأ فهتفت بقلق بالغ :- مصيبة إيه دي يا أسماء اتكلمي ما تخافيش .
سقطت دموعها برعب قائلة :- في واحد زميلي في الجامعة …. بب..بيهددني بصور ليا في أوضاع قذرة ، و بيهددني لو مجيتش ليه الشقة هيودي الصور دي لأهلي .
ضربت بيدها على صدرها بعنف قائلة بفزع :- يادي المصيبة ، إيه اللي إنتي هببتيه دة ؟! طب إزاي و علاقتك بالواد دة واصلة لحد فين ؟
أردفت بخزي :- كنا بنخرج مع بعض و لما عرفت اللي في دماغه بعدت عنه والله ، ومن يومها بيوقفلي في الراحة و الجاية يهددني ، أنا مش عارفة أعمل إيه ؟ ساعديني يا مريم إنتي عمرك ما بتقولي لا لحد في خدمة يطلبها منك .
أردفت بتوتر :- بس ….بس …..
قاطعتها قائلة برجاء و دموع :- ساعديني الله يخليكي دول لو أهلي عرفوا هتبقى مصيبة .
هزت رأسها قائلة بتأثر :- خلاص يا أسماء أهدي علشان نلاقي صرفة للمصيبة دي .
ثم أضافت بعتاب :- و بعدين هي دي تربية أهلك ! دة جزاتهم تعملي كدة ! تخوني ثقتهم فيكي .
نكست رأسها بخزي قائلة :- كنت معمية يا مريم ، كنت بشوف البنات عادي بتقعد مع الولاد و تصاحبهم قلت ليه ما اعملش زيهم ، كنت بقابله في الجامعة و ساعات برة ، بس والله ما كنتش بتعدى حدودي معاه ولا كنت بخليه هو كمان يتعدى حدوده معايا .
أردفت بضيق :- بردو مكانش يصح اللي عملتيه دة يا أسماء من امتى و بناتنا بتعمل كدة ها ؟ إحنا ملناش دعوة بحد ، ربنا يهدينا و يهدي الجميع ، البنت المفروض تمشي زي الألف طالما طلعت من البيت و متتعاملش مع الولاد إلا في حدود الاحترام .
أردفت بتذمر :- طب ما في بنات كتير بيرتبطوا و بيتجوزوا كمان ..
زفرت بضجر قائلة :- بردو هتقولي بنات ! يا حبيبتي لو كل واحد قال اشمعنا و اشمعنا كانت الدنيا خربت ، مش كل الشباب وحشين بردو في اللي بيقدر البنت اللي بيرتبط بيها ، ما يوعدهاش و يخلى بيها من الآخر يكون راجل بجد و شاري ..
ثم أضافت بتهكم :- تقدري تقوليلي أخينا دة اللي مورطك دلوقتي لو كان راجل بصحيح مكانش أبداً عمل كدة ، الواطي الدون دة لو قدامي كنت قطعته بسناني ، شباب طايش مش لاقي اللي يوجهه ، أسماء مش كل صوابعك زي بعضها اه في شباب كويس بس بردو في زبالة زي اللي بيهددك دة .
هزت رأسها بموافقة قائلة بخزي :- عندك حق يا مريم ، بس دلوقتي هعمل إيه هو طلع حقير خد صور لينا و إحنا بنطلع مع بعض و صور لعب فيها ، أنا خايفة أرجوكي ساعديني بابا لو عرف هيموتني .
ابتسمت بخفوت قائلة :- حاضر يا أسماء هساعدك.
أردفت بلهفة :- ربنا يخليكي يا مريومة عارفة إنك هتوافقي .
أردفت بابتسامة مطمئنة :- متقلقيش إنتي زي أختي . و دلوقتي أديني رقم الزفت دة حالاً وأنا هشوف شغلي معاه .
أردفت بلهفة :- لا بلاش يا مريم لأحسن يعمل حاجة لو عرف إني قلت لحد ، أنا عاوزاكي تيجي معايا هناخد الصور و نمشي .
أردفت بحذر :- بس بردو مينفعش لازم نقول لحد نثق فيه و ……
هزت رأسها بنفي قائلة بدموع :- لا وحياتك لا علشان خاطر أحمد ابنك متقوليش لحد ساعديني في أنك تيجي معايا ، هو لما يلاقي حد معايا مش هيعمل حاجة .
نظرت لها بشفقة على حالها و زفرت بحزن قائلة:- حاضر يا أسماء بس يا ريت تكوني أتعلمتي من غلطك و متكررهوش .
هتفت بندم :- لا ما أنا اتعلمت الدرس خلاص ومش هعمل كدة تاني أبداً ..و…كمان أصل خالتي عواطف فاتحت أمي في موضوع أنها هتيجي تتقدملي لابنها إسلام ، و بصراحة إسلام شاب محترم و ما يتعوضش .
هربت الدماء من عروقها ، و شحب وجهها على تلك الذكرى ، و كأنها تؤكد لها بأنه من المستحيل أن يكون لها لذا عليها الاستسلام للأمر الواقع .
رسمت إبتسامة مرتجفة على محياها ، و أردفت بمرار و قلب ذبيح :- اه ما هي قالتلي ، ربنا يسعدك يا أسماء و يكتبلك الخير كله .
ابتسمت لها بود قائلة :- و يخليلك أحمد و تفرحي بيه ، بكرة بعد الجامعة هنروحله بس أنتي هتخرجي إزاي من غير ما حد يعرف ؟
هزت رأسها بحيرة قائلة :- والله مش عارفة يا أسماء ، سيبيني أفكر لحد بكرة و ربنا يسهل .
مسكت كلتا يديها قائلة بترجي :- بس بالله عليكي ما تسبيني لوحدي في المشكلة دي .
أردفت بحنو :- خلاص يا أسماء ما تعيطيش كفاية عياط هاجي معاكي بإذن الله ، هسيب أحمد مع ماما و أبقى اتحجج بأي حاجة متقلقيش.
احتضنتها بقوة قائلة :- أنا متشكرة أوي يا مريم لو عندي أخوات بنات مش هيعملوا كدة معايا .
ضربتها بخفة على رأسها قائلة باستنكار :- وأنا مش أختك ولا إيه يا ست أسماء ؟!
أردفت بابتسامة عريضة :-طبعاً أختي و أحلى أخت كمان .
ربتت على ظهرها بحنو و منحتها ابتسامة دافئة ، و قالت بمرح :- يلا يا بت امسحي دموعك دي ماما تقول عليكي إيه بضربك هنا !
ضحكت بخفوت قائلة وهي تمسح عبراتها :- لا ودي تيجي بردو إنتي بتكهربيني بس ..
قالت جملتها الأخيرة و تعالت ضحكاتهن في الغرفة و بعد وقت انتهوا من ثرثرتهن ، و انصرفت أسماء لشقتهم وهي تدعو الله برجاء شديد أن يمر الأمر بسلام ، بينما خرجت مريم لترى ابنها الذي تركته مع والدتها فهتفت بفضول :- كانت عاوزة إيه أسماء ؟
هتفت بكذب :- أبداً يا ماما كانت عاوزة طقم من عندي علشان معاها مناسبة و عاوزة تحضر بحاجة جديدة مع صحابها.
هزت رأسها بتفهم قائلة :- طيب تعالي شوفي أحمد عاوز إيه بعد ما أكلته وهو لاوي بوزه مش عارفة ليه !
تقدمت من صغيرها و حملته ، و قبلته في وجنته قائلة بحنان :- مالك يا ميدو يا حبيب ماما ، عاوز إيه ؟
هتف الصغير بتذمر :- عاوز أروح عند جدو موثى و هي مش راضية تخليني أروح .
ضحكت بخفة قائلة :- وأنت يا بطل عاوز تروح لوحدك تحت في الشارع ؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :- أيوة بعرف أروح لوحدي أنا كبير و راجل .
قبلته بقوة من وجنته قائلة :- يا سلام ! دة أنت راجل و سيد الرجالة كمان ، بس يا حبيبي ماينفعش تنزل لوحدك الوكالة ، أنت صحيت متأخر النهاردة و مشيوا قبلك ، لما يرجع هاخدك تحت و تشوفه .
أردف بموافقة :- ماشي يا ماما ، طيب يلا نروح عند خالو فوق عاوز ألعب مع طه .
أومأت بموافقة قائلة :- ماشي يا سيدي طلباتك أوامر ، ماما أنا طالعة عند سامية فوق .
أردفت بحذر :- ماشي بس ما تعوقيش لأحسن أبوكي ياجي من برة و يتكلم و أنتي عارفة كلامه .
هزت رأسها بحزن قائلة:- ماشي يا ماما مش هتأخر.
فتحت عينيها الذابلة من أثر البكاء ، و نهضت من مكانها ، و خرجت من غرفتها لتجد سميحة أمامها ترص الأطباق على الطاولة ، و التي هتفت بشبح ابتسامة فور رؤيتها :- صباح الخير تعالي يا حبيبتي أنا حضرت الفطار أهو قبل ما أمشي يلا أقعدي كوليلك لقمة .
هتفت بخفوت :- ملوش داعي يا خالتي تعبتي نفسك ليه بس ؟
أردفت بتوبيخ :- بس يا بت أنتوا زي عيالي ، يلا أنا همشي و أبقي صحي حاتم علشان يفطر .
هزت رأسها بخفوت ، و غادرت الأخرى ، فوقفت هي تطالع غرفته ببعض الخوف ، و لكنها شجعت نفسها و توجهت ناحية غرفته ، و طرقت الباب ، و ما هي إلا لحظات حتى فتح هو الباب لتتراجع هي للخلف بخطوات سريعة قائلة بصوت يكاد يكون مسموع :- الفطار جاهز ..
هتف بصوت أجش :- ماشي جاي أهو .
بعد وقت كان يجلس أمامها ، يتناول طعامه بشرود ، و كذلك هي تبتلعه بصعوبة . هتف بهدوء شديد وهو يصب اهتمامه على الطعام :- إحنا دلوقتي مش هينفع نقعد مع بعض في بيت واحد ، كلام الناس هيكتر و هيقولوا حجات فارغة .
هزت رأسها توافقه الرأي قائلة :- فعلاً عندك حق علشان كدة أنا كنت ناوية أفاتحك في موضوع الشقة التانية بتاعة أمي الله يرحمها هنضفها و أقعد فيها .
ضرب بيده بعنف على الطاولة قائلاً بغضب :- شقة أمك مين لا مؤاخذة ! إنتي ملكيش شقق دي شقة جدي .
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- يعني إيه ؟! أومال هقعد فين ؟ أنت إيه يا أخي حرام عليك ..