
جزت على أسنانها بغيظ قائلة :- قومي يا رحيق قومي قدامي بدل ما أضربك .
ضحكت بصخب قائلة :- أهو دة نفس البوقين اللي كانت بتقولهوملي .
ثم لاحت سحابة حزن على عينيها قائلة :- الله يرحمها راحت و راحت معاها كل حاجة حلوة .
أردفت الأخرى بمرح حينما رأت حزنها ذاك :- وأنا روحت فين يا رحيق ، أخص عليكي هان عليكي طبق الجبنة اللي نسفتيه دة ؟
ضحكت بخفة قائلة :- لا طبعاً ، إنتي ربنا بعتك ليا نجدة ، لو قعدت طول عمري أشكرك مش هيوفي .
أردفت بوجه ممتعض :- أهو دة بقى اللي مش عاوزينه ، أرجعي رحيق الفرفوشة اللي كانت من شوية لو سمحتي .
جففت تلك الدمعة الهاربة و أردفت بابتسامة باهتة :- هرجعها بس مليش دعوة لو أكلت راسك أهو أديني بحذرك .
خرتا سوياً، و صعدن للسيارة، و ما إن همت سندس بتشغيل المحرك ، شهقت رحيق بصوت عالٍ أصاب الأخرى بالقلق فقالت بخوف :- مالك في إيه؟
زمت شفتيها بعبوس قائلة :- نسيت ساندوتش الجبنة بالطماطم وأنا بحط الأكل في التلاجة .
عضت على شفتيها بغيظ قائلة :- صبرني يا رب ..
قالت ذلك ثم أدارت السيارة وانطلقت بها كالريح ، بينما كتمت الأخرى ضحكاتها بصعوبة على منظرها .
________بقلم / زكية محمد________________”’
ولج للغرفة التي يمكث فيها عمه طريح الفراش بعد أن طلب رؤيته . جلس قبالته قائلاً بهدوء :- أخبارك إيه يا عمي دلوقتي ؟
هتف بوهن :- كويس يا ابني الحمد لله ، ها طمني عملت اللي قولتلك عليه ؟
أردف بثبات :- متقلقش يا عمي قريب هتسمع أخبار كويسة .
أردف بتساءول :- طيب و أخبار شادي معاك إيه ؟ عاوزك تقرصلي عليه شوية و يخف استهتار .
هز رأسه بموافقة ، بينما أردف الآخر بقلق :- و شيري عاملة إيه ؟ هي في وصايتك ، و تحت عينك أنا زي ما أنت شايف مشلول و قاعد مش قادر أتحرك ، و أخوها مش شديد زيك كدة أنا وكلتك المهمة دي .
أردف بهدوء خطر :- ما تقلقش يا عمي هي تحت عيني ، و عارف بكل تصرفاتها فمتقلقش ، أنا همشي دلوقتي هتأخر على الشغل .
قال ذلك ثم نهض وانصرف على عجالة لتقابله زوجة عمه ، والتي رأته يخرج من الغرفة فهتفت بخفوت و تعجب :- يا ترى بينهم إيه مخلي مراد كل يوم و التاني عنده بالشكل دة ؟!!…..
ذئب يوسف
الفصل السابع
خرجت من معقلها بعد أن قضت الليل تبكي على الأطلال ، و كأن شيئاً لم يكن ، دلفت للمطبخ و قامت بإعداد وجبة الإفطار ، و رصتها على الطاولة بعناية ، وجلست تعبث في حجابها قائلة بحيرة :- أروح أصحيه يفطر ولا لا ؟! وأنا مالي إن شاء الله عنه ما أكل الغتت دة ، ولا أصحيه علشان ما يقولش عليا واحدة مستهترة ؟! يوووه و بعدين في الحيرة دي ! ، ما كنت مرتاحة يا ربي ، أصحى على بوسة أحمد و ضحكته اللي ترد الروح ، بدل أخينا اللي شايف نفسه دة ، اه لو أطول رقبته أخنقها نفسي أفش غيظي فيه يا ناس .
– أديني أهو قدامك و وريني هتخنقيني إزاي !
صرخت بفزع ، و استدارت لتجده يقف بطالته التي تخطف أنفاسها و تأسرها ، و تزجها لسجنه فتعيش أسيرة لعشقه الذي لا تعرف له مخرج .
أردف بسخرية :- إيه أتخرستي دلوقتي يعني ! أومال فين البابور اللي هب من شوية دة !
أردفت بتلعثم :- أااا…..مش …مش بقول حاجة .. أنا بكلم نفسي .
رفع حاجبه بتهكم قائلاً :- وكمان هبلة ! قد إيه محظوظ يا أنا !
احتقن وجهها و تحول للون القرمزي ، و أردفت بانفعال :- أهو انت الأهبل و ستين أهبل كمان ، أنت ما صدقت لقيتها و هتعملني ملطشة !
أردف بهدوء خطير جعل البرودة تسري بأوصالها :- مين الأهبل دة ما سمعتش كويس ؟
هزت رأسها بنفي قائلة ببلاهة :- لا دة الواد أحمد هو الأهبل .
أزاحها برفق قائلاً بدون اكتراث :- طيب عديني كدة وأنتِ شكلك ضاربة إصطباحة على الصبح ، و بعدين نفسي أعرف لما أنتِ شجاعة كدة ما تثبتي على موقفك !
طالعته بغيظ قائلة :- لو سمحت طول الفترة دي اللي هنقعدها مع بعض يا ريت تحترمني ، و تكلمني بأسلوب أحسن من كدة ، أنا مش هسمحلك .
لوح بيده في الهواء قائلاً بالا مبالاة وهو يجلس على المقعد :- بلا تسمحي بلا متسمحيش بطلي زن وجعتيلي راسي ..
اشتعلت النيران بداخلها ، لا تصدق أن إسلام الهادئ الرزين الذي تعرفه عن ظهر قلب هو نفسه الماثل أمامها الآن ، و فجأة و بدون مقدمات توجهت ناحيته و التقطت طبق البيض بالزبدة الذي كان على وشك أن يغمس قطعة الخبز فيه ، و أردفت بحدة :- ما تفطرش من الأكل بتاعي روح أعمل لنفسك.
حدجها بنظرات أرعبتها قائلاً :- قدامك عشر ثواني لو ملقتش الطبق مكانه هقوم و ساعتها هيصدر مني تصرف متلوميش غير نفسك بعديه .
خافت من تهديده الصريح ، فوضعته ببعض القوة ، ثم جلست على الجانب الآخر و شرعت في تناول طعامها ، و كلما وضعت قطعة خبز تحت أسنانها تدهسها بغل ، و كأنها ترسل له بأنه يا ليته لو كان موضع ذلك الخبز لألتهمته بقوة ، تقطع أحشائه بأسنانها،وعلى ذكر ذلك شردت بمخيلتها تتخيل كيف تقطعه إلى قطع صغيرة ، عند تلك النقطة أخذت تضحك بانتصار ، بينما طالعها الآخر بذهول ، و هو يجزم بأنها مجنونة و بحاجة لمشفى المجانين لتُعالج .
أخذ يتساءل بداخله عن السبب الذي أوصلها لتلك الحالة ، أم هي مجنونة بالفعل ولم يلحظ ذلك منذ البداية؟!
ابتسم بخبث وهو يلتقط كوب الماء المجاور له، و نثره على حين غرة عليها ، لتصرخ هي بفزع لتنتبه حواسها ، و تعود للواقع بعد أن أغدقت عليه بخيالها الأحمق ، فأردفت بانفعال :- إيه الغباء دة !
ضحك بصخب عليها قائلاً :- العيب عليا يعني بفوقك بدل ما أنتِ عمالة تضحكي زي الهطلة !
إلى هنا و كفى فقد بلغ غيظها الحلقوم ، و بتهور منها قامت بنثر دورق المياه بأكمله عليه ، ثم نهضت قائلة بتشفي :- أحسن ! علشان تتريق عليا براحتك .
و بلمح البصر احتضنت طبق البيض و الخبز و فرت من أمامه كالعاصفة لتدلف لغرفتها ، و تغلق الباب بإحكام وهي تصيح بنشوة الانتصار :- أيوة كدة يا مريم أوعي تخليه ينتصر عليكي أبداً .
وضعت أذنها على الباب لتستمع بإصغاء تام لحركته التالية .
أخذ يتطلع لذاته بصدمة ، كيف تجرأت على فعل ذلك ؟! ، تلك البلهاء التي ستقوده للجنون يوماً . نهض و الغضب حليفه ، و طوى الأرض بخطوتين واصلاً لغرفتها ، ثم أخذ يطرق على الباب بعنف قائلاً :- أنتِ يا زفتة افتحي الباب ، نهارك مش فايت النهاردة ، بقى أنا تعملي فيا كدة !
أردفت بحدة وهي تلوك الطعام بغيظ :- لا مش هفتح ، هبلة أنا ولا هبلة علشان أفتحلك !
أردف بانفعال وهو يركل الباب بقدمه :- ما أنتِ فعلاً هبلة ما جبتش حاجة من عندي أنا ، ماشي يا مريم أنا هوريكي .
أردفت بخوف و تهديد :- والله لأقول لعمي موسى عليك ها ..
ضحك بغلب قائلاً بسخرية :- ليه قالولك عيل صغير هتشتكي لأبويا ، أعلى ما في خيلك أركبيه ، و أبقي النهاردة في جحرك دة ..
قال ذلك ثم توجه ناحية الصالة وهو يسير جيئة و ذهاباً ، يكور يديه بغضب ، و كم ود لو كانت أمامه الآن لفصل رأسها عن جسدها . نظر لملابسه المبتلة بغيظ شديد قائلاً بتبرم :- بقى حتة عيلة تعمل فيا كدة ! ماشي يا مريم ..
أنهى كلماته ليتوجه بعدها و يبدل ملابسه حتى لا يصيبه الإعياء.
بقلم زكية محمد
استدعت رحيق لتدلف لها على الفور ، جلست قبالتها انتظاراً لما ستمليه عليها .
هتفت سندس بهدوء :- يلا قدامك عشر دقايق بالظبط تلمي ورق الصفقة و تجهزيه علشان ناخد التصاميم و نروح شركة Master East نوديلهم التصاميم.
هزت رأسها بخفوت، ومن ثم انصرفت لتنفذ المطلوب ، و بعد دقائق وصلت أمام هذا الصرح الشامخ ، وما إن ارتجلت من السيارة فرِغ ثغرها بدهشة و انبهار وهي تتأمل المبنى العملاق قائلة :- ما شاء الله إيه دة يا مدام سندس ؟! يا حلاوة يا ولاد تعالوا يا حارة و شوفوا بنتكم واقفة فين ، دة أنا هوصيهم لما أموت يدفنوني هنا ..
أردفت بحزم :- قولنا إيه ؟ انسي الحارة دي وناسها لأنهم باعوكي في أول مطب ، ويلا يا مجنونة ندخل بدل ما نتأخر ، المدير ما بيحبش التأخير .
هزت رأسها بموافقة، و سحبت نفساً عميقاً، ثم زفرته بتمهل، و ولجتا سوياً ليبتلعهم هذا المبنى الشاهق الإرتفاع.
وقفت أمام المصعد ، فهتفت رحيق بحذر :- حضرتك واقفة ليه هنا يلا نطلع !
رفعت حاجبها بذهول قائلة :- عاوزانا نطلع خمسطاشر دور على السلم !
جعدت أنفها بضيق قائلة :- نعم ! خمسطاشر دور ! طيب ما تقوليله هو ينزل .
أردفت بتعجب :- وماله إحنا كدة كدة هنطلع بالأسانسير …
قاطعتها قائلة بابتسامة بلهاء :- قصدك هتطلعي بيه ، أنا استحالة، مش هقدر ، أنا هطلع قدامك يدوب ألحق أوصل .
حدجتها بذهول قائلة :- هتطلعي 15 دور يا مجنونة ! رحيق أهدي كدة أومال.
هزت رأسها برفض قائلة بجدية :- لا يا مدام سندس أنا اللي آسفة ، أنا بترعب من الاسانسير ، عندي فوبيا استحالة أطلع فيه نهائي ، فهمتيني ؟ طيب ما إحنا شركتنا الصغنتوتة في الدور التالت ليه الإفترى دة !
جزت على أسنانها بغيظ قائلة :- ساعات بتوصليلي إني بتعامل مع بنت أختي ، مالك يا رحيق ما تجمدي كدة !
أردفت بإصرار :- بصي يا مدام سندس إحنا كدة كدة جينا بدري ، أنا هطلع على السلم و هسبقك ، أو انتي اسبقيني و استنيني هناك ، سلام ..
أنهت حديثها و أطلقت العنان لساقيها ، و الأخرى تنظر لطيفها بفيه يكاد يصل إلى الأرض ، و هزت رأسها بنفاذ صبر ، و استقلت بعدها المصعد لتنتظر تلك البلهاء بالأعلى ، أي جنون هذا ؟!
و بالفعل وصلت قبلها بكثير و وقفت قبالة السلم تنتظرها ، و بداخلها قدح يغلي ، و تمنت لو تظهر أمامها الآن فتفتك بها ..
انتظرت كثيراً حتى راودها القلق و الخوف عليها ، و خشت أن يكون حدث لها شيئاً ، زفرت براحة عندما ظهرت ، ولكن حالتها مذرية حيث تعرق وجهها ، و أصبح مثل اللون القرمزي من فرط الجهد الذي بذلته.
ما إن وصلت للسلمة الأخيرة ألقت نفسها على أقرب مقعد ، تلتقط أنفاسها بصعوبة .
هتفت سندس بخوف و حدة :- يا مجنونة يا مجنونة ! أنا غلطانة إني سبتك و سمعت كلامك ، شوفتي اخرة تنشيف دماغك !
هتفت بتقطع :- مممياه …..عععاوزة…مياه ..
ركضت لتجلب لها الماء ، و عادت تحمل زجاجة مياه ، فإلتقطتها الأخرى منها بسرعة ، و قامت بإرتشافها بأكملها ، ثم أردفت بتذمر :- روح إلهي تتشك يا بعيد ، إلهي عشرين دور تاخدهم في طرة ، اه يا رجليا يا أمي اه ..
ثم نظرت للتي كانت تكاد تنفجر كالقنبلة الموقوتة و أردفت بحذر :- أتأخرت عليكي ؟!
مسكت رأسها قائلة بغيظ :- هتشليني يا رحيق هتشليني بعمايلك دي !
نهضت قائلة بسرعة :- بعد الشر يا مدام سندس إن شاء الله صاحب الهلومة دي ..
جحظت عيناها بصدمة وهي تتطلع للشخص القابع خلف تلك البلهاء والذي ظهر من العدم .
لم تكتفي رحيق بهذا القدر حينما أردفت بحنق :- و يجيله شلل أطفال كدة ، كان لازم يعني يترزع في الدور العشرين !
أخذت تحدجها بقوة كي تكف عن الحديث ، و لكنها هتفت ببلاهة :- في إيه ؟! بتبصيلي كدة ليه ؟
أردفت بغيظ مكبوت وهي تصطنع الابتسامة :- إزيك يا باشمهندس مراد؟
هتف بجمود ، وهو يطالع الأخرى بنظرات لو كانت رصاصاً لقتلتها :- أهلاً يا مدام سندس..
أردفت بعملية :- إحنا جيبنا التصاميم اللي انتوا طلبتوها و …….
قاطعها مشيراً لها بيده قائلاً بهدوء جليدي :- طيب ..طيب أعتقد الكلام دة مش هنا في المكتب .
استدارت لترى ذلك المتعجرف ، و حدجته بحنق ، بينما مالت على سندس تهمس بجوار أذنها :- مين الأخ ؟
وكزتها في ذراعها قائلة بهمس مماثل :- دة صاحب الهلومة دي يا أختي ، الله يحرقك يا شيخة .
انتفضتا معاً على أثر صوته الجامد قائلاً :- مش هفضل واقف لسيادتكم كتير ، ورايا شغل مهم ..
حمحمت بحرج قائلة وهي تهم بالسير :- تمام يا باشمهندس مراد ..
سار قبلهم متوجهاً للمكتب الخاص به ، بينما رفعت رحيق يدها في الهواء وكأنها تضربه ، وهي تهتف بحنق خافت :- مين اللي دلّك على التلاجة دي يا مدام ! من قلة العملا يعني ؟!