
ذئب يوسف
الفصل التاسع.
هزت رأسها بعدم فهم ، و كاد الج..نون يعصف بها ، فهتفت بعصبية شديدة :- قصدك إيه بإني السبب ها قصدك إيه ؟
هتفت بخفوت لكي لا يصل الحديث لوالدتها ، كما أنها شكرت القدر لعدم وجود والدها في تلك اللحظة :- أنتِ اللي كلمتي الولد و خلتيه يقرب مني و يستغلني علشان ألجألك ، و روحتي معايا علشان تظهري في دور البطلة اللي أنقذتني ، بس طبعاً بعد ما تخلي إسلام يشوفني هناك علشان يصرف نظر عن الموضوع ، وبجد هايل أديكي أتجوزتيه زي ما أنتِ عاوزة بالظبط.
هزت رأسها بعنف وهي لا تصدق أن أسماء الضعيفة التي أتت لها تترجاها أن تخلصها من تلك المحنة هي نفسها من تقف أمامها و تلقي عليها بتلك الاتهامات! فأردفت بدموع مكبوتة :- أسماء قوليلي أنك بتهزري صح ؟ قوليلي الله يخليكي .
أردفت بتهكم :- و دي حاجة يتهزر فيها ! إيه عاوزة تبرأي نفسك من عملتك دي ؟!
أردفت بذهول و الصدمات تتلاحق عليها :- حرام عليكي ، إزاي أنا هعمل كدة فيكِ وأنا مكنتش أعرف حاجة غير لما جيتي قولتيلي ، إزاي تتهميني بالقرف دة ؟ دي آخرتها !
أردفت بجمود :- مش دة جزء من خطتك ولا متهيألي ؟! هو قالي على كل حاجة و عرفني الإتفاق اللي بينكم وقالي كمان أنه هيشوف شغله معاكي استلقي وعدك يا حلوة ، شوفتي بقى الكفة كلها اتقلبت ضدك ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها ..
صاحت بدفاع عن نفسها :- أنا معملتش أي حاجة من اللي بتقولي عليها دي يا أسماء ، أنتِ زي أختي هعمل فيكِ كدة ! صدقيني .
دلفت والدتها في تلك اللحظة قائلة بضيق :- جرا إيه يا دلعدي جاية تتهجمي على البت في بيتنا ، عمالة تتلوني عليها علشان تسامحك بعد اللي عملتيه ! على العموم بنتي قمر وألف مين يتمناها روحي أشبعي بيه إسلام ..
أردفت بصراخ :- و سمعتي اللي حطتوها في الأرض أنتِ وبنتك مين هيرجعهالي ها ؟ ردوا عليا .
رفعت حاجبها قائلة بقسوة :- دة بس علشان تحرمي و تعرفي أنتِ بتلعبي مع مين يا حلوة .
طالعتهن بقهر ، و زمت شفتيها بأسى قائلة :- لأول مرة في حياتي هكره نفسي و هكره شوية مبادئ وصلتني للي أنا فيه دة ، و لأول مرة أستاهل اللي يجرالي طالما ماشية ورا شوية قواعد ملهمش تلاتين لازمة في الزمن دة ، و بجد ندمانة إني ساعدتك ، بس أنا أحسن منك مش هفضحك ، حسبي الله ونعم الوكيل هسيب حقي لربنا وهو اللي هياخدهولي منكم ومن كل اللي ظلمني ..
أنهت كلماتها و غادرت بسرعة المكان ، و قلبها ينزف بجروحه الغائرة ، و تمنت في تلك اللحظة أن تُوارى تحت الثرى ، بينما هتفت نسمة بحدة :- تفضحك إزاي يا بت ؟
أردفت بتلجلج :- أاا…دي بتكدب يا أما و بتقول أي كلام ، دي مش ساهلة ..
أردفت بتأكيد :- أيوة ربنا يرحمنا من شرها بت توحيدة دي ..
تلقتها على السلم فهتفت بذعر :- مريم …مريم حبيبتي أنتِ سمعتي باللي حصل ؟
ألقت بنفسها بين ذراعيها قائلة ببكاء :- هموت يا بثينة قلبي وجعني و حساه بينزف .
أخذت بيدها إلى الأعلى، و دلفتا لشقتها ، ثم جلستا على الأريكة فأردفت بعتاب و ضيق :- شوفتي ! شوفتي أخرتها أهي طلعت من الليلة و لبستيها لوحدك .
أردفت ببكاء :- مكنتش فاكرة أنها هتعمل كدة ، و بعدين أنا معرفش مين دة اللي بتقول أن أنا اللي خططت معاه ، و الله ما استاهل أبداً اللي عملته .
زمت شفتيها بعبوس قائلة :- علشان طيبة و الطيبة في الزمن دة ما بتوكلش عيش يا مريم ، كله بيدوس على كله علشان مصلحته ، دة أنتِ حتى مرضتيش تقوليلي عن سبب مرواحك معاها ، و أعرف زيي زي الغريب ، أنا مش بلومك بس مش عاوزاكي تتعاملي مع الكل بصفو نية .
أردفت بوجع :- مقدرش أشوف حد محتاج مساعدتي و أقوله لا .
أردفت بانفعال :- و أديكي أهو مدتيلها إيدك لكن هي عملت إيه ؟! عضتها يا مريم و رمتها ونكرت الجميل.
أومأت بخفوت قائلة :- عندك حق يا بثينة أنا اللي غلطانة و أستاهل ضرب الجزمة ، أنا كل اللي بيحصلي لحد دلوقتي بسبب غبائي .
أردفت بهدوء :- لا متقوليش كدة العيب مش عندك ، و بعدين ما أتعودتش عليكي كدة أنا فين مريم القوية اللي ما بتستسلمش بسهولة كدة .
أردفت بتهكم :- خلاص ماعدتش تتحمل أكتر من كدة ، جبت آخري يا بثينة ، يا رب أموت و أرتاح و أريحهم مني ..
أردفت بعتاب :- بعد الشر عنك متقوليش كدة يا مريم متنسيش أحمد اللي محتجالك .
ابتسمت بحب على ذكر هذا البرئ الصغير قائلة :- صدقيني هو الحاجة الوحيدة اللي مصبراني على مر الأيام.
أردفت بحنو :- يبقى متقوليش الهبل دة تاني ، سامعة ؟
احتضنتها بحب قائلة :- ربنا يخليكي ليا يا بوسبوس ، أنتِ الوحيدة اللي بتستحملي قرفي .
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- مش هرد عليكي ، قومي يا بت قومي فرفشي كدة ، ألا بالحق إيه أخبارك مع اللي ما يتسمى؟
قوست شفتيها بعبوس قائلة :- متقوليش عليه كدة .
رفعت حاجبها باستنكار قائلة :- من امتى؟! ولا السنارة غمزت ولا إيه العبارة ؟
تنهدت بحزن قائلة :- لا غمزت ولا نيلة دة بني آدم رزل أصلاً و ما بيحسش .
ضحكت بصخب قائلة :- لا دة أنتِ شكلك معبية منه على قلبك قد كدة ! قوليلي عمل فيكي إيه المزغود ؟
_____________________________________
أمام قصر فخم مصمم على الطريقة الحديثة ، توقفت سيارة سوداء ، و نزل منها ذلك المتعجرف، وتوقف للحظات قبل أن يلمح سيارة ابن عمه .
قطب جبينه بتعجب، و وقف يشاهد ارتجال شادي السريع ، و إلتفافه يميناً و يساراً بشكل يثير الريبة ، فوقف يراقبه بفضول .
اتسعت عيناه بصدمة حينما رآه يفتح الباب الخلفي ، و يميل قليلاً ليحمل ذلك الجسد والذي لم يكن سوى لرحيق ، ثم غلق الباب بقدمه ، واستدار ليدلف بهدوء .
ما إن سار للداخل بحديقة القصر ، أوقفه صوته الجامد قائلاً بدهشة :- بتعمل إيه يا حيوان ؟!
اعتصر عينيه و زفر بغيظ ، ثم استدار ناحيته قائلاً :- زي ما أنت شايف .
رفع حاجبه بشك قائلاً :- هي نايمة ولا أنت مخدرها ؟!
ابتسم ببلاهة قائلاً :- إزاي عرفت ؟ أيوة أنا مخدرها .
أردف بتهكم :- و ملقتش طريقة غير دي تجيبها بيها هنا !
أردف بضجر :- أهو كان على إيدك ، دماغها الحجر دي اللي عاوزة تتكسر مش نافع معاها اللين يبقى نتعامل بالقوة ، أنا هوديها لبابا اللي هيموت و يشوفها .
أردف بجمود :- و الباقي يعرف باللي يحصل ؟ مهدتلهم يعني ولا اتصرفت بغباء كالعادة من غير ما تدرس أبعاد الموضوع !
رفع شفته العليا قائلاً بتهكم :- أبعاد ! ليه هرسم مجسم !
هز رأسه بيأس قائلاً ببرود وهو يهم بالدلوف :- براحتك اعمل اللي أنت عاوز تعمله .
دلف للداخل بسرعة ، بينما توقف هو يستوعب كلماته قائلاً بخفوت :- هو قصده إيه بكلامه دة ؟ ما هما مسيرهم هيعرفوا ، أنا هدخل بيها وخلاص ما هو الموضوع لازم يتعرف هنفضل نخبي فيه لحد إمتى ؟
ثم ألقى نظرة على تلك الغافية قائلاً بضحك خافت :- مين يصدق القطة الشرسة هي نفسها الملاك اللي نايم دة ! اه لو تفضلي كدة من غير ما تنشفي راسك .
دلف للداخل وهو في حالة تأهب ما إن يراها أحد معه ، حبس أنفاسه و خطى بخطا رزينة ووجد ما توقعه .
كانت والدته تجلس برفقة زوجة عمه و جدته اللاتي طالعنه بذهول ، عندما وجدوه يحمل جسد فتاة غائبة عن الوعي .
نهضت ناريمان بسرعة البرق و هتف بحدة :- مين دي يا شادي ؟ وازاي تجيبها هنا بالشكل دة ؟
هتف بحذر :- دي …دي رحيق يا ماما ..
تصلب جسدها بذهول ، و حاولت تكذيب القادم حينما سألته بحذر :- أيوة يعني رحيق دي جايبها من أي مصيبة ؟
أردف بضيق :- رحيق أختي يا ماما ..
صاحت بغضب عارم :- أختك مين أنت اتجننت ! شيري بس اللي أختك، أمشي أرمي الزبالة اللي معاك دي برة و كفاية تخاريف .
أردف بضيق :- يا ماما دي أختي مش زبالة ، بابا عاوز يشوفها .
صاحت بجنون :- أيوة قول كدة باباك ! بقى هو اللي باعتك بيها ، مش كنا خلصنا منها ومن أمها .
ضيق عينيه بانتباه قائلاً :- قصدك إيه ؟
انتبهت لما تفوهت به قائلة :- ما اقصدش ، تعالي شوفي يا سلوى هانم حفيدك و عمايله !
نهضت هي بدورها صائحة بقسوة :- بنت الخدامين دي استحالة تقعد هنا ثانية واحدة ، أطلع وديها مطرح ما جبتها يا شادي .
أردف بجمود :- والله بابا هو اللي هيقرر….
تخطاهن ، و صعد للأعلى بها ضارباً بكلامهم عرض الحائط ، بينما صاحت ناريمان بجنون :- إلحقي يا سلوى هانم مصيبة ! إيه اللي جابها تاني مش ماتت خلاص …مش ..
نهرتها بغضب كي تكف عن الثرثرة قبل ان يفتضح أمرهما قائلة بصرامة وهي تتطلع إلى لميس :- أخرسي هتفضحينا ! أهدي و اعقلي لحد ما نشوف الموضوع إيه ..
اشتعلت النيران بصدرها ، فهي تمقتها لأنها ابنة غريمتها التي فضلها عليها ، و ظنت أنها قد تخلصت منهما ولكن للقدر رأي آخر .
صعدت للأعلى وهي تزفر بغيظ وغضب لو تجسد لحرق الأخضر و اليابس ، بينما نظرت سلوى أمامها بذهول ، فقد ظهرت تلك المرة ابنتها ، ابنة تلك التي أخذت منها ابنها و جعلته يتخلى عن ثراءه و ينزل لمستواها المتدني ليرتبط بابنة السائق خاصتهم رغم أنف الجميع ، فلم يعبأ باعتراضهم ولا بأي شئ آخر و تزوجها.
جزت على أسنانها بغضب ، فيبدو الماضي لم تغلق أبوابه بعد ، وأن عليها أن تتوخى الحذر في الآتي و توابعه ، و أخذت تتوعد لها بداخلها .
طرق الباب و فتحه بصعوبة ، و دلف وعلى وجهه ابتسامة مشرقة و حماس لرؤية رد فعل والده ما إن يراها .
كان يقرأ في أحد الكتب عندما دلف هو لتنسحب أنفاسه ، و يتوقف العالم من حوله ، و أخذ يرمش بسرعة لعله يحلم .
ابتسامة عريضة توسطت وجهه قائلاً بتلعثم و فرحة تغزو أوصاله :- ه…هه…هي بنتي …بنتي رحيق ..
أومأ له بتأكيد قائلاً بحنو :- أيوة يا بابا هي رحيق بنتك .
أردف بقلق بالغ حينما لاحظ سكونها :- طيب هي ليه كدة ساكتة ؟! هو حصلها حاجة ؟
قاطعه قائلاً بهدوء :- متقلقش يا بابا هي كويسة ، أنا هنيمها جنبك علشان لما تصحى تشوفك .
أردف بلهفة و فرحة طفل ليلة عيد بملابسه وهو يعدل من وضعية الوسادة :- هاتها هنا يا شادي ، حطها جنبي خليني أشوفها و أشبع منها .
ممدها برفق وخلع حذائها برفق ، و دثرها جيداً بالغطاء ، بينما تجمعت الدموع سريعاً في مقلتي مجدي وهو في حالة عدم تصديق أنه أخيراً رأى ابنته بعد عملية بحث عنها دامت لسنوات في الخفاء .
مد يده المرتجفة يلمس وجهها بحنان أبوي ، و ابتسم بحب فهي نسخة من زوجته الراحلة .
نظر لشادي قائلاً بلهفة :- هي مالها يا شادي نايمة في الوقت دة ، مش غريبة ؟!
تنحنح بحرج قائلاً بحذر :- أصل يا بابا … أنا.. أنا خدرتها علشان أعرف أجيبها هنا .
حدق به بذهول قائلاً :- عملت إيه ؟! أنت متخلف ولا جرا لعقلك حاجة !
أردف بضيق و تذمر :- يا بابا يعني رضيت تيجي معايا بهدوء و أنا قولت لا !
هز رأسه بيأس قائلاً :- هتفضل كدة مجنون لحد إمتى دة حتى أنت الكبير .
أردف بمرح :- جرا إيه يا حج هي رحيق هتكوش على قلبك و تاخدك مننا ولا إيه .
ابتسم لابنه قائلاً :- أنتوا التلاتة غلاوتكم واحدة عندي ، أنتوا اللي طلعت بيكم ، بس مشتاقلها شوف كام سنة وأنا بدور عليها لحد ما يئست .
هندم ملابسه بغرور مصطنع قائلاً :- علشان تعرف بس العبد لله قدها و قدود .
ضحك بخفوت قائلاً :- اه لو ناريمان هانم تسمعك .
أردف بذعر وهو يطالع الباب :- لا أبوس إيدك بلاش مش عاوز اسمع محاضرة مطولة أنا ، طيب أنا هسيبك مع الجو شوية و راجعلك..
بعد خروجه ، بينما أخذ هو يمسد على حجابها بحنان ، و مال على جبينها و قبله بقوة ، ثم سند رأسه على خاصتها ، و نزلت دموعها بغزارة قائلاً بندم :- سامحيني يا بنتي ، عشتي عمرك دة كله لوحدك من غير ما أعرف عنك حاجة ، و الله يا بنتي يشهد ربنا إني مبطلتش أدور عنكم لحظة بعد ما اختفيتوا من غير ما أعرف حتى أختفيتوا ليه ، ويوم ما أعرف أخبار عنكم أتفاجئ بأن فاطمة ماتت وإنتي الله أعلم فين ، بس أنا مش هسيبك أبداً بعد كدة ، يلا فوقي و فتحي عيونك الحلوة دي ، و بعدين هاخدلك حقك من شادي الحمار دة .
____________________________________
يجلس على مقعد خارج الوكالة خاصتهم ، ينظر أمامه بشرود ، حتى أتى صديقه محمد ، و جلس قبالته ، و لوح بيده أمام وجهه قائلاً بضحك :- مالك يا عم ؟ اللي واخد عقلك !
نظر له قائلاً بتهكم :- يتهنى بيه ، مفيش يا محمد ، أخبارك إيه ؟
أردف بود :- الحمد لله يا صاحبي ، طمني أنت عليك يا عريس ، بقى هو في واحد لسة متجوز يدوب كمل أسبوع ينزل الشغل !
كشر بضيق قائلاً :- أومال عاوزني أعمل إيه ؟
أردف بعبث :- أقعد كل عسل يا عم ، يعني أنا اللي هقولك !
أردف بضيق :- محمد نقطنا بسكاتك الله يخليك .
ضحك بصخب قائلاً :- ياض الله يخرب بيتك وأنت عامل زي الست النكدية كدة ، مالك يا أبو الصحاب بجد ؟
زفر بضيق قائلاً :- مش عارف تايه !
أردف بمرح:- أبسط يا عم لاقيتلك بيتكم تاني عمارة على……
قاطعه قائلاً بضجر :- محمد !
وضع يده على ثغره قائلاً :- خلاص مش هتكلم هسمعك و بس .
صمت قليلاً قبل أن يردف بشرود :- مش مستوعب لحد دلوقتي إني اتجوزت لا ومش كدة وبس دي مرات أخويا اللي مات ، ساعات بحس إني ندل و ساعات بحس إني مظلوم مش عارف ، أنا مش عارف أعيش طبيعي معاها و خصوصاً بعد ما ……..
صمت قليلاً بما سيخبره ، فذلك السر الذي لا يعلمه سوى أفراد العائلة من وجهة نظره ولا يريد أن يعلم به أحد حتى وإن كان أقرب الأقربين ، فغير الموضوع قائلاً :- متلخبط مش عارف أعمل إيه يا محمد .
هز رأسه بتفهم قائلاً :- فاهمك يا صاحبي فاهمك ، بس أنت أتجوزتها ليه لطالما أنت شايف إن دة خيانة لأخوك ؟
أردف بكذب :- علشان دي رغبة بابا أنه مش عاوز ابن ابنه يتربى بعيد عنه فعلشان يضمن دة أتجوزتها ، أنت عارف كويس أوي أن موضوع الجواز دة برة حساباتي دلوقتي .
مط شفتيه بسخرية قائلاً :- إيه لسة بتحن لست الحسن بعد ما أتجوزت ؟!
أردف بضيق :- لا طبعاً إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ دة أنا مبقتش بكره حد قدها .
أردف بشك :- مش واضح يا إسلام إنك نسيتها وإلا كنت عشت مع مراتك بشكل طبيعي .
أردف بحدة طفيفة :- يا بني آدم أفهم بقولك دي مرات أخويا .
قاطعه قائلاً بتوضيح :- كانت مرات أخوك إنما دلوقتي مراتك أنت ، أتغلب على نفسك يا إسلام و حارب مينفعش تبقى في الحتة دي أبداً ، ولا تخلي ماضي يتحكم فيك .
زفر بضيق قائلاً :- ربك يسهل يا محمد .
قاطع حديثهم مجئ الصغير قائلاً بطفولية :- إثلام عاوز أروح عند ماما ..
ضحك محمد قائلاً بمرح :- لا واضح إن أحمد بيحترمك أوي! إزيك يا أبو حميد مش هتسلم على عمك محمد
مد أحمد يده نحوه مصافحاً إياه قائلاً :- إزيك يا عمو محمد .
بعثر خصلات شعره قائلاً :- إزيك أنت يا أبو حميد ..
أردف بتذمر :- مش تلعب في شعري بوظته .
ضحك محمد عالياً وقدم له عبارات الاعتذار بينما أردف الصغير بإلحاح :- يلا يا إثلام وديني فوق عند ماما .
نهض قائلاً بحنو وهو يحمله :- ماشي يا لمض تعال أوديك .
بعد أن انتهت وصلة بكائها الحار ، غادرت بثينة بعد أن اطمأنت عليها ، فنهضت هي بتثاقل لتعد للصغير وجبه طعامه .
تقف أمام الموقد ، تشعر بثقل كبير برأسها ولم لا وهي أرهقت نفسها كثيراً منذ الصباح وحتى تلك اللحظة .
أنت بخفوت فالجرح جديد و لم يلتأم بعد لينضم في القائمة التي تعلن عن زيادة الجروح مولوداً جديداً آخر ، و قد فاض بالقائمة معلنة أنه هناك إنفجار سكاني ، وهي غير قادرة على إيجاد أية حلول .
أطفأت الموقد بعد أن تأكدت من استواء طعام الصغير ، و توجهت بصعوبة لغرفتها ، تشعر بتصاعد ألسنة اللهب بداخلها فتزيدها حرارة .
ألقت بنفسها على الفراش ولم تشعر بعدها بأي شئ آخر ، و لا بدلوف إسلام وأحمد .
بالخارج هتف إسلام بحنو وهو ينزله أرضاً :- يلا يا بطل روح شوف مامتك علشان أنزل الشغل.
دلف الصغير لغرفة والدته ، فوجدها تغفو على الفراش أو هذا ما ظنه . تقدم ناحيتها ، و بصعوبة صعد على الفراش وجلس إلى جوارها ، و هزها برفق قائلاً :- ماما إثحي أنا جعان ….ماما …ماما …
وما إن وضع يده على وجهها أبعدها على الفور قائلاً بطفولية :- وثك ثخن يا ماما ، هو أنتِ عيانة ..ماما إثحي ..
ثم قوس شفتيه استعداداً للبكاء و بالفعل انفجر الصغير في البكاء بصوت عال سمعه إسلام فأسرع للداخل و القلق حليفه.
هتف بقلق حينما رأى جسدها الساكن ، و الصغير يبكي بجوارها :- ميدو حبيبي في إيه ؟
أردف الصغير ببكاء :- ماما مش راضية تثحى و كمان ثخنة ، حط إيدك يا إثلام كدة .
أذعن لطلبه ، وما إن لمس وجنتها أردف بذعر :- دي مولعة خالص !
قال ذلك ثم حملها فجأة ، و لم يفكر كثيراً، إذ خرج و توجه بها ناحية المرحاض، و قام بوضعها في المغطس و فتح المياه الباردة عليها ، فأخذت ترتجف و أسنانها تصطك ببعضها بقوة ، بينما أخذ يبحث في رف الأدوية ولحسن حظه وجد ما يبحث عنه .
حملها مجدداً، و دلف بها لغرفتها وهنا أصابته الحيرة ، ماذا سيفعل بملابسها المبتلة ! أيذهب ليجلب أخته و تقوم بتلك المهمة أم يقوم هو بتلك المهمة ؟!
نظر للصغير و هتف بحرج :- ميدو حبيبي روح اتفرج على التلفزيون على ما أجي .
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا أنا هقعد مع ماما لما تثحى .
أردف بروية :- هتحصى إن شاء الله ، بس ماما هتغير هدومها و مينفعش تقعد .
أردف ببراءة :- طيب ما أنت هتقعد !
جز على أسنانه بعنف فهذا ليس وقت يستخدم فيه الذكاء فهتف بهدوء مصطنع :- لا أنا هطفي النور يلا يا ميدو ماما تعبانة .
و بالفعل خرج الصغير ، بينما وضعها على الأريكة برفق ، و توجه للخزانة ليخرج لها ملابس اختارها بعشوائية والتي كانت عبارة عن بنطال يصل لما بعد الركبة و بلوزة بنصف كم .
بدل ملابسها بحرص شديد وهو يتحاشى النظر إليها ، و بعد أن انتهى مددها برفق على الفراش ، ثم التقط الحقنة وقام بإعدادها ، وهو يراقبها بتمعن ولأول مرة يراها دون حجاب و بملابس بيتية لطالما كانت متحفظة أمامه .
سمع همهمات تصدر منها ، فمال برأسه ناحيتها ليسمع ما تقول و لكنه لم يتبين شئ . مد ذراعها برفق ثم غرز فيه الإبرة ، فأصدرت شهقة متألمة ، و كأن حواسها انتبهت فهي تخشى الحقن ولا تمقت سواها .
أخذ يدلك مكان الإبرة برفق حتى عاد وجهها لطبيعته بعد أن كانت تقطب جبينها بألم . دثرها جيداً ، و ازدرد ريقه بتوتر حينما اقترب بوجهه ناحيتها وهو يدثرها ، فلم يشعر بذاته وهو يحدق بتفاصيل وجهها ، ولا بدقات قلبه الذي كاد أن يقفز من مكانه ، و كأنه يخبره أنه سيتمرد عليه .
ما إن وقع بصره للأسفل قليلاً شعر برغبة قوية في التقاط كرزيتها في رحلة طويلة ، و عند تلك النقطة دقت أجراس الخطر بعقله ، ليبتعد عنها فوراً ، يشد شعره بقوة مزمجراً بغضب مكبوت :- إيه اللي كنت هتهببه دة بس ؟ فوق بقى فوق ..
خرج مسرعاً بعد أن شعر بثقل أنفاسه بالداخل ، فأخذ يتنفس بسرعة و كأنه حُرم من الهواء في محرابها بالداخل ، توجه للغرفة المجاورة ليسحب أحد قمصانه و يرتديها بدلاً من ذاك الذي أبتل و خرج ليرى الصغير الذي هتف بسرعة :- ماما ثحيت ؟
تنهد بعمق قائلاً :- لا لسة يا ميدو ، أدتها حقنة تخفف السخونية و هتبقى كويسة بإذن الله .
شهق بخفوت قائلاً :- بث ماما بتخاف من الحقنة هروح أجبلها شكولاتة من عندي علشان مش تعيط .
أردف بدهشة :- بتخاف من الحقن ! أومال دكتورة صيدلانية إزاي ! طيب يا بطل معاك شيكولاتة ولا أنزل أشتري ؟
أردف بتأكيد :- لا معايا كتير ماما بتحطهم جوة في الدولاب بث أنا مش هلحق تعال أنت جيب أنت من جوة .
دلفا للداخل مجدداً عندها ، و توجه إسلام ناحيتها يتحسس جبينها ، تنهد براحة عندما وجد حرارتها انخفضت كثيراً عن ذي قبل .
هتف أحمد بطفولية :- الثخونية راحت ؟
ابتسم له بخفوت قائلاً :- اه راحت الحمد لله و بقت كويسة .
قفز الصغير على الفراش ، ومن ثم جلس على بطنها وأخذ يضرب وجنتيها برفق قائلاً :- ماما إثحي ..ماما .
ثم أخذ يقبل وجنتيها بحنان مثلما تفعل وهو مريض قائلاً :- أهو بوثتك علشان تخفي يلا قومي ..
وبعد عدة محاولات بدأت تحرك جفنيها و فتحت مقلتيها بضعف ، وهي تتأوه بخفوت ، فهتف الصغير بفرح :- ماما ثحيت ..
قطبت جبينها قائلة بتعجب :- ميدو أنت جيت ! أكيد جعان يا قلبي أنا محقوقالك ثانية و أكلك يبقى جاهز .
– مفيش داعي أنا غديته إرتاحي أنتِ.
انتفضت على إثر صوته فإلتفت ناحيته قائلة بفزع :- إسلام !
ثم اعتدلت في جلستها قائلة بتلعثم :- هو …هو إيه اللي حصل ؟ وأنت إيه اللي دخلك هنا ؟ قصدي …يعني ….
أردف الصغير بتقرير :- ماما أنتِ ثخنة وعمو إثلام شالك و وداكي تحت الدش ..
شهقت بصوت مسموع وهي تتطلع له بذهول ، بينما عض هو على شفتيه قائلاً بخفوت :- الله يحرقك يا أحمد ما بتسترش أبداً ..
مهلاً مهلاً ، نظرت لهيئتها ، وهنا تذكرت أنها عندما دلفت لهنا كانت ترتدي ملابس غير تلك ، ازدادت ضربات قلبها بعنف ، فجذبت الغطاء لتداري ما يمكن مداراته قائلة بحدة رغم وهنها :- أنت عملت إيه يا قليل الأدب ؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- نعم قليل الأدب! أنتِ ناسية إنك مراتي ، وإني يحقلي أعمل أكتر من كدة !
تحولت وجنتيها للون النبيذي و قاطعته قائلة بصراخ :- إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ الولد قاعد احترم نفسك ، و بعدين بأي حق تعمل كدة ؟
رفع حاجبه قائلاً بتهكم :- الحق عليا يعني ، كنتي سخنة و بتفرفري أسيبك يعني ؟ !
تحاشت النظر إليه قائلة :- كنت بعت سامية ولا ماما .
أردف بتهكم :- ولما يجوا و يشوفوا وضعنا دة هيقولوا إيه يا أم مخ تخين ! الحق عليا كنت سبتك تفرفري كدة علشان تعرفي إن الله حق .
ذمت شفتيها قائلة بضيق :- أنت هتزلني ! متشكرين يا سيدي نردهالك لما تمرض .
حدق بها بذهول قائلاً :- بتتمنيلي المرض يا مريم ، يعني دي أخرتها ! اه من لسانك دة اللي عاوز يتقطع .
أردفت بغيظ :- لو سمحت ما تغلطش فيا ، فاهم ؟ و بعدين ماتوهش إزاي تغيرلي هدومي يا قليل الادب ؟
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- والله العظيم يا جدع !
ثم نظر لها قائلاً بجرأة و وقاحة :- أيوة غيرت هدومك وشوفت كل حاجة يا رب ترتاحي بس !
ثم أردف بخبث كاذب :- وكمان إيه كنتي وحش ، هو أنتِ مش فاكرة حاجة ؟ يا خسارة ! على العموم هبقى أفكرك بس وقت تاني ..
أنهى كلماته وهو يغمز لها بعينه ، بينما تراجعت للخلف بصدمة ، و تراخت أعصابها ، وهتفت بخوف :- عععع……عملت إيه ؟ أرجوك قولي ..
نظر لها بتسلية وهو يتابع شحوب وجهها فمال على أذنها يهمس لها بكلمات ما إن نهاها ، تراخى جسدها و فقدت الوعي على الفور …….بقلم زكية محمد
ذئب يوسف
الفصل العاشر
صلوا على طه خير الخلق وأحلاها ❤️
___________________ قراءة ممتعة
ظل طيلة الوقت الغافية فيه يراقب كل تفصيلة فيها دون كلل ، تلك الغائبة التي ستعوضه رحيل الأخرى و ستدخل الفرح لجدران قلبه المعتمة .
شعر بها تتململ دليل على استيقاظها فأخذ يطالعها بحماس ، وهو يرتب كلماته التي سيخبرها إياها .
فتحت عينيها بضعف ، و أخذت تجول بأنظارها في المكان ، فوجدت نفسها بغرفة عصرية حديثة ، أخذت تطالعها بإنبهار شديد ، فجلست نصف جلسة ، تدرس كل تفصيلة بها ، غافلة تماماً عن ذلك الذي يود زرعها بين أضلعه ولا يتركها أبداً .
بدأت تتساءل بداخلها عن هوية ذلك المكان ، ومن قام باحضارها إلى هنا ؟!
وقع بصرها على والدها الممدد بجوارها ، فأطلقت صرخة عالية ، و قفزت من مكانها بذعر قائلة بخوف و تلعثم :- أنت…. أنت مين ؟
ابتسم لها بوجع قائلاً :- مش عرفاني يا حبيبتي !مش فكراني ؟!
هزت رأسها بنفي قائلة بذعر :- لا أنا مش عرفاك …. أنا… أنا عاوزة أروح ..روحوني.. أنتوا عاوزين مني إيه ؟
أردف بحنو و دموع علقت بعينيه :- أنا باباكي يا رحيق ، باباكي يا حبيبتي ، تعالي قربي مني نفسي أحضنك و أشبع منك .
نظرت له بصدمة قائلة :- أنت …. أنت أبويا ؟
أومأ بتأكيد قائلاً بلهفة :- أيوة يا قلبي أنا أبوكي يا رحيق ، أبوكي اللي هيموت عليكي كل السنين اللي فاتت كلها و يشوفك .
نظرت له بتهكم قائلة :- والله ! كنت فين السنين دي كلها و أمي بتموت ، وأنا اللي الدنيا بتلطش فيا ، دلوقتي جاي تقولي أبوكي ! أنا عاوزة أمشي، مش هقعد هنا أبداً ، أنت فاهم ؟
وما إن همت لتغادر الغرفة ، أردف بوجع و توسل :- يا بنتي تعالي بس كلميني ربنا يهديكي أنا مش قادر أقوم .
أردفت بتهكم قاس :- ليه مش قادر تقوم ؟! رجليك منملة !
هز رأسه قائلاً بوجع :- لا علشان مشلول يا بنتي ، أنا لو بقدر أمشي كنت قومت حضنتك و مخلتكيش تفارقيني أبداً .
أردفت بتلعثم :- ممشلول!
هز رأسه قائلاً بابتسامة عريضة :- أيوة يا بنتي مشلول ، قربي مني بلاش تتعبيني .
رق قلبها له حينما رأت نظراته المتوسلة لها ، و سارت بخطوات مرتجفة ناحيته ، و جلست على استحياء بالقرب منه ، فابتسم لها بحب قائلاً :- بتبصي للأرض ليه ، مش عاوزة تشوفيني ولا تحضنيني ؟! تعرفي أنا بقالي ثلاث ساعات ببص عليكي وأنتِ نايمة بحفظ ملامحك جوة قلبي ، و أنا طاير من السعادة إني أخيراً لقيتك .
ثم فتح ذراعيه لها قائلاً برجاء :- ممكن أحضنك يا بنتي ؟
شعرت بالذنب ينهش أعماقها من ترجي والدها لها بهذه الطريقة ، فأومأت برأسها بسرعة ، و اندفعت نحوه كالقذيفة لتستقر بين ذراعيه ، احتضنته بقوة وكم شعرت بالدفئ ، وكأنها تملك العالم وحدها ، و سرعان ما شقت دموعها مجراها .
أخذ يقبل رأسها بلهفة و ندم قائلاً :- سامحيني يا بنتي، سامحيني . ليكي حق تكرهيني بس والله دورت عليكم كتير ملقتكمش ..
قاطعته قائلة بلهفة :- أنا… أنا مش بكرهك يا بابا .
ابتسم لها بحب قائلاً بحنين :- يااااه من زمان ما سمعتهاش منك يا نور عيني ، آخر مرة شوفتك فيها كنتي عيلة بضفاير أربع سنين قبل ما تختفوا أنتِ و مامتك .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- نختفي ! أنا مش فاهمة حاجة خالص .
أردف بحيرة هو الآخر :- ولا أنا يا بنتي ! في حلقة ضايعة في النص ، بس مش مهم أهم حاجة إنك معايا و جنبي من تاني ، أنا مش هسيبك أبداً و هعوضك عن كل حاجة ، بس أنتِ سامحيني و أديني فرصة .
أردفت بابتسامة عريضة :- بس أنا مسمحاك يا بابا ! بس متضايقة منك إزاي تنسى ماما و تتجوز عليها و تخلف ، أنا افتكر إنها كانت بتحبك أوي و فاكرة كلامها ليا ، هي ما تستاهلش أبداً كدة !
سحب نفساً طويلاً قائلاً :- دة موضوع طويل مش وقته ، خليني أشبع منك الأول .
أردفت برجاء :- لا قولي دلوقتي .
تنهد بعمق قائلاً :- ماشي يا ستي ، أولاً أنا اتجوزت أم شادي الأول مش العكس .
شهقت بصدمة قائلة :- ها ! يعني ماما مراتك التانية ؟
أومأ بتأكيد :- أيوة ، بس لولا الظروف كانت هتبقى هي الأولى و الأخيرة . زمان يا بنتي أتحديت أبويا و أمي والكل علشان أتجوزها بس هما وقفوا في طريقي ، أمي طبعاً كانت مختارة ليا عروسة من الوسط المخملي تشرفها قدام الهوانم بتوعها ، ولما عارضتهم مش قادر أوصفلك عملوا إيه علشان يمنعوني .
نظرت له بفضول قائلة :- عملوا إيه ؟
ابتسم بخفوت عليها قائلاً بوجع :- بلاش أقولك أنتِ أبرأ من إني أقولك حاجة زي دي ، المهم اضطريت أتجوزها و بعدها بمدة خلفت شادي ، كنت عايش من غيرها جسم من غيرها روح ، مقدرتش أعيش من غيرها روحت أتجوزتها وسكنت معاها في شقة لوحدنا بعدما أترجيت أبوها يوافق ، عشت معاها أجمل خمس سنين في عمري كله ، راحت ومش هلاقي زيها تاني لحد ما في مرة روحت لقيتها اختفت بيكي من غير ما أعرف ليه !
ومن وقتها وأنا بدور عليكم زي المجنون ، و مرت سنة ورا سنة وأنا ما اعرفش عنكم حاجة ، لحد ما في مرة كنت سايق ومش واخد بالي فعملت حادثة و اتشليت بسببها زي ما أنتِ شايفة .
أدمعت عيناها بحزن عليه قائلة :- أنا آسفة يا بابا والله ما كنت أعرف .
مسح عبراتها بحنان قائلاً :- ما تتأسفيش يا حبيبة بابا ، أنتِ مش عارفة دلوقتي أنا فرحان قد إيه ، حاسس بجزء من روحي رجعتلي تاني ، و دة كفاية عليا أعيش بيه اللي باقيلي .
قبلت يده بحب قائلة :- بعد الش.ر يا بابا ، دة أنا ما صدقت بقالي أب ، بس يا بابا هو مين جابني هنا ؟! أنا آخر حاجة فكراها إني كنت ماشية في الشارع وفجأة حسيت بحد بيكممني بمنديل و أغمى عليا بعدها .
ضحك بصخب على ذلك الأبله قائلاً :- دة واحد مجنون أعذريه ، شادي أخوكي ..
جعدت أنفها بضيق قائلة :- البارد قليل الأدب ! ثم أردفت بتدارك :- قصدي يعني في الأول مكنتش فاكرة أنه أخويا وكدة .
ابتسم بحنو قائلاً :- دة بيحبك أوي وكان بيجي معايا ساعات ويشوفك ويلعب معاكي ، بش شكلك كدة فقدتي الذاكرة .
أردفت بحرج :- شكله كدة لأن مش فاكرة ، يمكن علشان كنت صغيرة وقتها ، بس دة ما يمنعش أنه مجنون في حد يعمل كدة !
ضحك بخفوت قائلاً :- لا دة طاقة منه ، بس وقت الجد بيبقى راجل و يعتمد عليه ، دة لما عرف إنك لسة عايشة كان هيموت من الفرحة ، أحلى حاجة فيه أنه واخد مني مش من والدته .
أردفت بود :- طيب و أختي ؟ هو قالي أن عندي أخت برده .
ربت على يدها بحنان قائلاً :- أيوة أختك شيري هي أصغر منك بسنة لسة في الجامعة بتدرس ..
صمت قليلاً ليردف بحذر :- رحيق ! في شوية حجات عاوزك تعرفيها هنا ، و مش عاوزك تقلقي أنا هقف معاكي وفي ضهرك .
أردفت بقلق :- حجات إيه دي يا بابا ؟
ضيق عينيه قائلاً بحذر شديد :- بصي هنا هتلاقي البلد مقسومة نصين ، بمعنى أوضح في ناس هتتقبلك وناس لا ، الناس اللي هتتقبلك هما عمك ومراته و مراد عادي الأمر سيان بالنسباله و ضيفي عليهم شادي كمان أما بالنسبة للباقي ..
قاطعته قائلة :- مش مرحبين بوجودي ومش طايقني ، مش كدة ؟
هز رأسه بأسف ، بينما استرسلت هي بهدوء :- بس أنا أقدر أعيش مع مدام سندس ، و هبقى أجي أشوفك كل يوم ، مش عاوزة أسبب لحضرتك مشاكل ، ولا حتى للموجودين هنا .
أردف بعتاب :- تعيشي في مكان تاني و أبوكي لسة على وش الدنيا ! اسمعي يا رحيق مش بعد ما لقيتك تقوليلي إيه ومش عارف إيه ، أنتِ هتقعدي هنا غصب عن الكل ، و لو حد ضايقك أنا اللي هقفله .
أردفت باعتراض :- بس يا بابا …
قاطعها بصرامة قائلاً :- مفيش بس ، كلامي بس اللي يتسمع ، مفهوم ؟
هزت كتفيها باستسلام قائلة :- حاضر يا بابا ..ثم تابعت بشراسة :- بس مش هسكت لحد يهيني هنا علشان تبقى عارف .
ضحك بصخب قائلاً :- أيوة هو دة اللي عاوزه منك ، عاوزك قوية علشان تقدري تواجهيهم كلهم ، تعالي بقى أحكيلي عنك طول السنين دي بالتفصيل الممل ، مش عاوزك تفوتي حاجة مهما كانت تافهة .
_______\\\\\\\\\\\ بقلم زكية محمد//////////////____
بعد أسبوع كانت تضع الأطباق على الطاولة بعنف و غيظ شديدين ، بينما أخذ هو يتابعها بابتسامة مكبوتة ، و يتمعن بدقة لوجنتيها اللتان اصطبغتا بلون الدماء ، و شرد في ما حدث منذ أسبوع .
عودة للزمن للخلف ، أصابته الصدمة حينما رأى جسدها متراخي بين يديه فأردف بتذمر وهو يتطلع للصغير الذي يتابعهم ببراءة :- علي النعمة أمك دي ما تنفع ياض يا ميدو طبت من أول كلمة وهبلة ما شاء الله بتصدق كل حاجة ! ثم أخذ يضربها برفق على وجنتيها قائلاً :- مريم …مريم فوقي الله يخربيت اللي يهزر معاكي .
وبعد عدة محاولات فتحت عينيها ، وما إن وجدته قريب منها بهذا الشكل زجته بخجل شديد ، و سرعان ما أدمعت عيناها قائلة بخفوت :- أنت بتضحك عليا صح ؟ قولي اه بالله عليك ، أنا…. أنا معملتش كدة ..
أردف بضحك :- طبعاً مش صح ، أنا بس بشتغلك .
اتسعت عيناها بذهول ، و سرعان ما فارت الدماء بعروقها ، و انهالت عليه تضربه في صدره بكل ما أوتيت من قوة متناسبة لكل شئ ، وهي تردف ببكاء :- يا بارد ..يا تنح…. أنت معندكش دم ..
احكم قبضتيها بقبضتيه القوية قائلاً بضحك :- بس يا هبلة ..بس يا بابا .
صرخت بتذمر :- أنا مش هبلة وسيب أيدي يا بارد .
هتف الصغير بعدائية مدافعاً عن والدته :- ثيب ماما يا إثلام ، أنت وحش و هقول لجدي موثى .
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- ابن أمك بصحيح ! كدة يا ميدو تبيع عمك بردو ! أنا بلعب مع ماما يا حبيبي زي ما بلعب معاك ، يلا روح استخبى علشان الدور الجاي عليك .
ركض الصغير ينفذ طلب عمه ، بينما هتفت هي بتذمر وهي تحاول الفكاك من حصاره :- سيبني بقى الله !
تركها و رفع يديه باستسلام:- خلاص أهو بس أهدي .
أردفت بانفعال :- يا برودك هو بعد كلامك دة عاوزني أهدى !
ضيق عينيه قائلاً بخبث :- أنتِ اللي ساذجة و بتصدقي أي حاجة ، و بعدين رد فعلك كانت بتدل على حاجة واحدة بس …
صمت قليلاً ليغمز لها بعينه قائلاً بعبث :- إنك خايفة لتفضحي اللي جواكي قدامي .
دق قلبها بعنف قائلة بتلعثم :-أاا…. أنت بتقول إيه ؟ لا طبعاً دة متهيألك ..
ثم استرسلت بغضب لتخفي ذلك الاضطراب بداخلها :- وبعدين يا ريت تلتزم بإتفاقك وتطلع برة .
أردف بفحيح :؛ مش معنى إني ساكتلك من الصبح تقومي تعلي صوتك عليا ، للمرة الأخيرة هحذرك ، وهطلع برة قال يعني طالع من الجنة !
ثم أردف بتهكم قصداً منه أن يضع حداً بينهم ، حتى لا تأخذه جوارحه إلى منعطف لا يريد أن يصل إليه بتاتاً :- أوعي تفكري إني نسيت اللي حصل وهتعامل معاكي عادي ، فياريت أنتِ اللي متتخطيش حدودك و تخلي عقلك يصورلك حجات مش هتحصل أصلاً.
ألقى بكلماته و غادر ، ولم يعبأ بالشرخ الذي أحدثه بداخلها . لمعت دموعها سريعاً بعينيها سرعان ما محتهم بعنف قائلة بغضب وقهر :- لا …لا مش هعيط تاني كفاية …كفاية .. أنا و الوجع بقينا صحاب يعني لا جديد علينا يزود جرح ولا ينقصه ، أيوة مش هعيط
ثم أردفت بوعيد :- ماشي يا إسلام أنا هوريك و هندمك على اللي قلته دة كويس أوي
عودة للوقت الحالي و منذ ذلك الوقت وهي تحاول أن تتجنب الحديث معه ، و تتعامل معه في أضيق الحدود ، و هذا ما زاده غيظاً، ولكن هي محقة في ذلك بالأخير .
هتف بمرح وهو يرى ألسنة اللهب تتصاعد منها :- يا ساتر يارب على النار اللي طالعة دي ! عاوزين خرطوم يا ميدو ونطفي الحريقة .
هتف الصغير ببراءة :- فينها يا إثلام ؟
أردف بعبث :- طالعة من ماما حتى شوف .
ضيقت عينيها وهي تصوب له سهاماً حارقة تكاد تفتك به ، بينما أردف الصغير بتعجب :- فين النار يا إثلام ؟ أنت مش بتشوف !
انفلتت منها ضحكة صاخبة على كلمات الصغير وهتفت بتأكيد :- أيوة يا ميدو ما بيشوفش نبقى نوديه للدكتور و نكسب فيه ثواب .
أردف بغيظ :- اتفقتوا عليا يعني ! طيب هاتي العيش دة خليني أكل لقمة و أقوم أنزل الشغل .
أردف أحمد بلهفة :- وأنا يا عمو إثلام عاوز أروح معاك .
ضحك بصخب قائلاً :- بتبقى مؤدب أوي عند مصلحتك ، ماشي يا حبيب عمو ، يلا خلص فطارك الأول.
بعد تناولهم لوجبة الإفطار ، نهض إسلام قائلاً بهدوء :- يلا يا ميدو ، بس استنى الأول عاوزين نصالح ماما أصلها زعلانة مني .
فكر قليلاً ثم أردف ببراءة :- جبلها حلاوة كتير و بوثة هنا .
قال جملته الأخيرة وهو يشير لوجنته ، بينما اتسعت عينا مريم بصدمة ، فأردف إسلام بخبث :- ماشي يا ميدو دلوقتي مفيش حلاوة نجيب لما ننزل ، بس البوسة مقدور عليها .
قالها وهو يغمز لها بعبث ، بينما أخذت تطالعه بذهول وكأن على رأسها الطير ، و تحول وجهها لمحصول فراولة شهي يذهب بالعقول .
شهقت بقوة ، و تراجعت للخلف عندما وجدته يميل ناحيتها فأردف بعبث :- إيه أثبتي أنا بنفذ نصيحة ابنك .
خرجت حروفها المتقطعة بصعوبة :- أااا… أنت هتعمل ايه ؟ أبعد يا قليل الأدب !
طبع قبلة سريعة على وجنتها ، خطفت أنفاسها، و شعرت بدوار عنيف أجتاحها بضراوة ، وبدأت تتنفس بثقل .
أردف بقلق :- إيه ؟ هتفيصي تاني ولا إيه ؟ لا أهدي كدة واتنفسي واحدة واحدة …
بدأت تنفذ تعليماته حتى عادت أنفاسها لطبيعتها ، وانصرفت للداخل تختبئ من تلك المشاعر حتى لا تظهر أمامه و يفتضح أمرها ..
_____________________________________
ليلاً تجلس على إحدى الأرائك بالحديقة الشاسعة المساحة الخاصة بالقصر ، متخذة مكان بمفردها بعيداً عن هؤلاء الذين تشعر بالغربة معهم ، على الرغم من أنهم جزء منها وهي كذلك .
أتذرف الدموع و تنعي حظها العثر ؟ لا لا هذا ليس خياراً متواجداً في قاموسها .
زفرت بضيق بسبب كومة الأوراق التي أمامها ، و التي تخطط فيها ببعض الكلمات . أخذت تبعثر في الأوراق بشكل عشوائي قائلة بتذمر :- و بعدين بقى هتصرف مع شوية الحوش دول لوحدي إزاي ؟
ثم امسكت ورقة لتقرأ ما بداخلها قائلة :- الحرباية ناريمان هتصرف معاها إزاي ! والحجة اللي مش عاوزة تكبر دي بردو ؟ البت شيري مقدور عليها ، إنما دول عاوزين تكتيك عالي نحطهم على جنب و ناجي للي اسمه جدي دة اللي كل ما يشوفني ضغطه بيعلى .
ضحكت بخفة قائلة بإطراء لذاتها :- بس كويس من يومك حرقاهم يا بت يا رحيق . ثم صرخت بحماس قائلة :- اه لقيتها أنا عرفت هعمل إيه ، أنا هطفشهم هخليهم يقولوا حقي برقبتي ، ماشي استنوا عليا بس .
ثم أردفت بتذمر :- مطلعتوش للست السكرة مرات عمي دي ليه ، ولا عمي ربنا يباركلهم ، اللي غايظني البارد عليه برود يطفش قارة بحالها ، اه يا عيلة بنت تيت بصحيح .
ثم راحت تتأمل ذلك الفناء الواسع قائلة بغل :- و قاعدين في الهلمة دي كلها يا كفرة والناس قاعدة فوق بعض في الحارة ، هتروحوا من ربنا فين يا ظلمة ؟!
– الله يحرقك ! وأنا أقول ليه من الصبح كل حاجة مش مظبوطة أتاري سيادتك بتنقي علينا !
صرخت بفزع قائلة بحدة :- إيه الهمجية دي ؟! مش تكح ولا تقول احم ولا دستور !
قطب جبينه قائلاً بعدم فهم :- يعني إيه اللي قولتيه دة ؟
مطت شفتيها بسخرية قائلة :- دي حجات صعب عليكم يا بتوع دادي و مامي تفهموها .
ضربها برفق على مؤخرة رأسها قائلاً بضحك :- يا بت لمي لسانك و احترمي أخوكي اللي أكبر منك .
أردفت بتذمر :- إيدك تقيلة يا شادي الله !
أردف بضحك :- حقك عليا يا ستي ، ها بتعملي إيه وقاعدة تقري ليه ؟ بتحسدينا يا رورو !
أردفت بحرج :- أنت سمعت !
ضحك بصخب قائلاً :- كله …كله ..
شهقت بصدمة قائلة :- ها ! طيب استر عليا ربنا يستر عليك .
جعد أنفه بتعجب قائلاً :- أستر عليكي ! هو أنا قافشك في شقة مفروشة ! أنتِ هبلة يا بت !
زمت شفتيها بضيق قائلة :- يا عم يعني داري عليا و متقولش لحد .
غمز بمكر قائلاً :- متقلقيش سرك في بير يا كبيرة ، وايه الورق دة ؟
أخذ ينظر فيه بدقة قائلاً بدهشة :- يا شيطانة بتخططي لإيه ، لا أنا كدة هخاف منك .
أردفت بابتسامة بلهاء :- لا متقلقش أنت برة القايمة .
تنهد براحة قائلاً :- الحمد لله، يعني أنا براها !
أطلق ضحكاته العالية حينما قرأ ما تلقب به كل شخصية قائلاً :- حرباية ، أم قويق ، الحجة سلوى ، أبو شنب مترين ، الفريزر ! هههههه اه لو سمعك الفريزر يبقى أقري على روحك الفاتحة ، الأحسن تولعي في الورق دة كله .
أردفت باعتراض :- لا دة تعبي من اول ما قعدت ، أنت عاوز تضيع تعبي على فشوش ، أنا هطلع بيه فوق و أحطه في أوضتي ولا من شاف ولا من دري.
ابتسم لها بحب قائلاً :- قاعدة لوحدك ليه ؟
تنهدت بثقل قائلة :- كدة مرتاحة أكتر ، مش عاوزة اسمع حاجة منهم توجعني ، أنا قاعدة هنا علشان بابا و علشان ما اكسرش بخاطره .
عارف يا شادي ! أنا لو أبويا كان واحد عادي ساكن في حارة و في حب و دفى في البيت صدقني أحسن بكتير من هنا ، هنا في مظاهر و استعراض مين الأحسن ، بس الدفى و الرضا مكانهم مش هنا ، مكانهم وسط قلوب ناس طيبة مش جواها شر ولا غل وعلى إيه ما إحنا كلنا هنمشي في الآخر ، فقير غني كله هيدخل بورة ضيقة ومش هياخد حاجة معاه ، لازمتها إيه أكره ، أخطط علشان أذي غيري ، والله مش مستاهلة أبداً .
نظر لها قائلاً بإعجاب من طريقة تفكيرها ، و بشئ من المرح لكي يخفف عنها :- إيه دة أنتِ طلع عندك مخ و بتقولي كلام حكم أهو .
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- تقصد إيه إن مش عندي عقل ؟
هز رأسه قائلاً بمرح :- أيوة مفيش عقل خالص .
ضيقت عينيها بوعيد وهي تشمر ساعديها قائلة بغل :- ماشي يبقى أنا مجنونة ، أنت اللي جبته لنفسك ..
قالت كلماتها الأخيرة ، ثم انقضت عليه تضربه بغضب ، و حينما وجدته يضحك وأن قبضتها لم تؤثر فيه ، قامت بدفعه فسقط أرضاً بعدما اختل توازنه ، ولم تعطيه الفرصة حينما غرست أسنانها الحادة بذراعه ، فأطلق صيحة متألمة قائلاً :- بس خلاص يا زفتة ، أبو اللي يهزر معاكي يا شيخة ، يا بت كفاية مش عاوز أزعلك .
تركت ذراعه قائلة بشراسة :- لا زعلني أنا عاوزاك تزعلني !
هز رأسه بوعيد قائلاً :- كدة ! يبقى أنتِ اللي جبتيه لنفسك . لم تستوعب كلماته ، إذ قام بقلب الوضع لتصبح هي مطروحة أرضاً ، ثم انهال عليها يدغدغ بطنها ، و هي تتلوى وتطلق ضحكاتها الرنانة وبعض الصرخات الحادة تنهره فيها بأن يتوقف .
– إيه اللي بيحصل هنا دة ؟!
توقف الإثنان فوراً عند سماعهم لهذا الصوت الجامد ، فاعتدلت هي على الفور بحرج ، و هتفت بغيظ بداخلها :- وايه اللي جاب الفريزر دة عندنا ؟!
نهض شادي قائلاً بمرح :- زي ما أنت شايف أخ وأخت بيهزروا مع بعض .
رفع حاجبه قائلاً بجمود :- أظن البيت دة محترم وانتوا مش صغيرين على حركات الأطفال دي !
هتفت باندفاع :- تقصد إيه يا جدع أنت؟ يعني ايه البيت محترم ، هو أنت شايفنا بنشرب منكر !
لم يعطيها اهتمام ، و أردف ببرود :- يا ريت يا شادي تعلم أختك قواعد البيت و أصوله ، و ياريت إن أمكن تجبلها خبيرة أتيكيت تعلمها الكلام كويس .
قال ذلك ثم انصرف للداخل ، بينما صاحت هي بصوت مسموع :- مين دي يا عمر اللي تعلمها الكلام كويس ؟ كلمني هنا أما إنك فريزر بصحيح ، خد ياض….اممممممم
لم تكمل حديثها عندما كمم شادي ثغرها قائلاً بضحك خافت :- خلاص الله يحرقك بدل ما يورينا الوش التاني .
أبعدت يده قائلة بضيق وحنق :- هو فاكر نفسه مين يعني ؟ دة أنا رحيق اللي علمت على شباب الحارة هيجي دة يستقل بيا ! لا وألف لا .
أردف بمهاودة :- بقولك إيه ما تيجي ندخل جوة وتروحي أوضتك و تخططي في الورق بتاعك !
هزت رأسها بتذكر قائلة :- اه صح فكرتني ، ماشي هروح علشان أقعد أمخمخ مع نفسي .
لملمت أوراقها ودلفت للداخل ، بينما ضحك هو عليها قائلاً :- والله مجنونة ! بقلم زكية محمد
_____________________________________
في صبيحة اليوم التالي نزل لمحل عمله كعادته ، بينما شعرت هي بالضجر ، فمنذ تلك الواقعة وهي حبيسة المنزل ولو خرجت للخارج سيتم قتلها هذه المرة .
عبست ملامحها الجميلة بحزن لمقاطعة والدها و شقيقها إياها، وعلام ؟ على من لا يستحق ! .
ابتسمت بوجع على سذاجتها ، وأنها أوقعت نفسها في مشكلة عويصة ، يا ليتها ما ذهبت ، ولكن مهما ندمت فلن ينفع الندم بعد زلة القدم .
تنهدت بوجع و قررت أن تصعد لوالدتها في الأعلى، نعم ستتعرض للحديث اللاذع الذي سمعته بالأمس ، ولكنها لن تعطي للأمر أهمية .
نزلت درجات السلم بحذر ، وهي تخشى أن تقابل أحداً يقوم بمضايقتها ، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، إذ قابلت تلك المدعوة أسماء التي أظهرت لها وجهاً آخر لم تتوقع يوماً رؤيته ، جزت على أسنانها بغضب تلك المرة فهي لا تضمن نفسها وما ستفعله إن تحدثت عنها بالسوء .
كانت برفقة أحدى السيدات التي كانت تواسيها عندما هتفت :- معلش يا حبيبتي بكرة يجيلك سيد سيده هي الرجالة خلصت ولا أنتِ وحشة ! دة أنتِ قمر وألف مين يتمناكي ..
ثم عبست ملامحها فجأة حينما ظهرت مريم أمامها لتردف بضيق :- يلا ربنا على المفتري و الستات الكهنة اللي تتمسكن لحد ما تتمكن ، و أردفت بتأكيد وهي تطالعها بخبث :- أيوة يا خالتي ، بنات مش ساهلة أبداً و بتطعن في الضهر من غير خشا ولا حيا ، ربنا يبعدهم عننا و يكفينا شرهم .
نفخت بضيق ، ولم تعيرهن أي اهتمام و أكملت طريقها ، مما أثار غيظ أسماء التي تُلقى عليها بالكلمات السامة حتى تثير غضبها ، ولكن ما تراه يعكس توقعاتها لتردف مجدداً :- أنا مش عارفة ليها عين تمشي وسط الخلق إزاي بعد عملتها دي ! ضحكت عليه و خلته زي الطرطور ماشي وراها.
إلى هنا وكفى ، فلكل شخص طاقة تحمل ، وهي تحملت ما فاق الجبال ، إذ التفت لها فجأة، وقامت بسحبها بقوة صارخة بوجهها بحدة :- سكتالك من الصبح وأنتِ بكل بجاحة عمالة تغلطي فيا ، وأنتِ الغلط راكبك من ساسك لراسك ، حطي في بوقك جزمة قديمة و اسكتي أحسنلك ، سامعة ؟
أردفت الأخرى بغضب وهي تحاول التملص منها :- ابعدي إيديكي دي عني ، واه بتكلم عليكي يا خطافة الرجالة .
اتسعت عيناها بذهول فأردفت بصدمة :- خطافة مين يا عيون طنط ؟ أنتِ ملكيش دعوة عيلة في بعضينا أنتِ مالك ، إيه اللي حشرك بينا ، واه خطفته أرتحتي ؟
أردفت بصوت عال تجمهر عليه بعض السيدات و الفتيات بالعمارة :- شوفوا يا ناس أهو بتعترف بغلطها أهو ، صحيح بجحة و أهلك معرفوش يربوكي .
أحمرت عيناها بغضب حارق قائلة بوعيد :- طيب و ربنا لأوديكي علقة مخدهاش حرامي غسيل علشان تحرمي تقفي تاني في طريقي .
أنهت كلماتها ، و انهالت عليها بالضرب ، و تشد شعرها ، و سقطتا أرضاً سوياً ، وكانت الأخرى تدافع عن نفسها ، و تضربها و تشدها من شعرها الذي سقط عنه الوشاح بفعل الشد و الجذب بينهما ، كأي عراك بين إثنتين .
خرجت سامية والبقية ، لتهتف بصدمة ما إن تبينت وجهها :- يا نهار مش فايت ! دي البت مريم ، طول عمرها عاقلة ايه اللي خلاها تعمل كدة بس !
هتفت توحيدة بضيق :- أكيد اللي ما تتسمى لقحت عليها كلام ، بالله عليكي لتتصلي بإسلام ولا أخوها يجوا يحوشوا الخناقة دي على ما أشوفها .
أومأت بموافقة و توجهت للداخل ، بينما هتفت عواطف بضيق :- ولسة يا ابن بطني ولسة ، أنا مش عارفة إيه الشبكة السودة دى !
بعد دقائق طوى درجات السلم سريعاً للوصول للأعلى ، ثم عبر بصعوبة وسط هذا التجمهر من النسوة ، وهتف بصدمة حينما رأى ما يحدث :- إيه دة ؟! بقلم زكية محمد
ثم صاح بصوته الجهوري :- مرررررررررررررريم …
الفصل الحادي عشر
ذئب يوسف
توجهت لغرفة والدها،وطرقت الباب،ودلفت بعد أن تأكدت من عدم تواجد زوجة أبيها بالداخل.
رسمت ابتسامة عريضة حنونة قائلة :- صباح الخير على أحلى بابا في الدنيا .
بادلها الابتسامة قائلاً بحب :- صباح الورد على أحلى بنت في الكون كله .
مسكت الكرسي المتحرك الجالس عليه من الخلف قائلة بمرح :- طيب يلا يا بابا علشان تفطر و تاخد دواك .
أردف بحنو :- حاضر يا قلب بابا .
سارت به للخارج بحذر،فوجدت شادي مقدماً عليهم قائلاً :- يا صباح الفل على الحلوين،إيه النشاط دة يا ست رحيق! تعالي بقى أما أساعدك علشان ننزل بابا تحت .
بالأسفل كان الجميع يجلس على مائدة الطعام،منهم من يجلس ببرود،ومنهم من يجلس بأريحية،و آخرون الغيظ يأكلهما بداخلهما.
هتفت ناريمان بغل واضح :- و بعدين في المصيبة دي يا سلوى هانم ؟ وجود البنت دي هنا بيخنقني !
هتفت لميس بحسن نية :- لا ملكيش حق يا ناريمان البنت قمراية خالص و……
قاطعتها قائلة بحدة طفيفة :- لميس please محدش طلب رأيك،أظن الموضوع ما يخصكيش.
حكت طرف أنفها بحرج من ردها اللاذع،بينما حدجها مراد بنظرات غاضبة،فعند والدته يُذاب الجليد الذي يحيط نفسه به،إذ هتف بجمود :- و الموضوع بردو أظن ما يخصكيش،اللي يقرر دة هو عمي وهو عاوز بنته هنا،فأظن رأيك ملهوش لازمة،بعد أذنكم شبعت .
نهض وتوجه للخارج بسرعة،بينما أخذت تطالعه بغل تارة،و لأمه تارة قائلة بحقد دفين بداخلها :- لسة زي ما أنتِ يا لميس بتدافعي عن بنتها زي ما كنتِ تعملي زمان مع أمها،ماشي أنا هوريكم هعمل إيه ويا أنا يا هي في المكان دة .
أردفت سلوى بغل وهي توجه حديثها للمرشدي :- أنت لازم تتصرف بسرعة بنت الخدامين دي استحالة تقعد هنا أكتر من كدة .
إلا أنه فاجئها حينما هتف بصرامة :- إحنا مضطرين نتقبل وجود البنت دي في حياتنا فعلشان كدة أنا مع قرار وجودها .
نظرن له بصدمة،فهتفت شيري بكره :- إيه اللي بتقوله دة يا جدو ؟! أنا استحالة أعيش مع الrags دي في مكان واحد،أقول إيه لصحابي البنات لما يشوفوها ؟no,no,it can’t be .
أردف بصرامة :- مش عاوز كلام في الموضوع دة تاتي،انا ما صدقت ابني رجع يبتسم تاني،و حالته إتحسنت كتير خليها جنبه لو دة هيخليه كويس بالشكل دة .
نهضت ناريمان قائلة بسخرية :- أنت اللي بتقول كدة يا مرشدي بيه ! بجد مش قادرة أصدق .
أردف بمبالاة :- والله دي حاجة ترجعلك .
انصرفت مسرعة،و بداخلها يزداد حقدها عليها،و تتوعد لها بالمزيد والمزيد .
وصلوا لطاولة الطعام،فسحبت هي أحد المقاعد وجلست إلى جوار والدها قائلة بضيق مكتوم :- صباح الخير عليكم جميعاً .
ردوا التحية مابين اقتضاب و ود،و آخرون تمنوا لو يقتلوها في الحال . شعرت بالتوتر حيال النظرات المصوبة نحوها،فهتفت بابتسامة حنونة وهي تضع بعض الزبد بالمربى على الخبز،ومن ثم مدته لوالدها قائلة :- إتفضل يا بابا أفطر،ومش عاوزة اعتراض،فاهم؟ أنا هزغطك النهاردة .
ضحك بخفوت قائلاً بخوف مصطنع :- علم و ينفذ يا أفندم.
لم تتحمل المكوث أكثر من ذلك،إذ قامت بمسح ثغرها بالمحرمة،بضيق قائلة قبل أن تغادر :- oh,god . it’s unbearable!
أخذت تنظر لأصناف الطعام بعدم رضا،و تنهدت بضيق،فمالت على شادي،و أردفت بهمس :- هو أنتوا معندكمش أكل تاني غير دة ؟
قطب جبينه قائلاً بتعجب :- قصدك إيه؟ عاوزة أصناف غير دي ؟ قولي عاوزة إيه وأنا هبعت الخدم يعملوه .
هزت رأسها بيأس قائلة :- لا مش عاوزة أنا ليا أكتر من شهر باكل أكلكم دة من ساعة ما سبت الحارة،نفسي في طعمية وفول و بتنجان مخلل و طبق بثارة .
فتح عينيه على اخرهما قائلاً بدهشة :- ها ! قولتي إيه معلش ؟
أردفت بضجر :- بقولك عاوزة فول و طعمية و بتنجان مخلل و بثارة .
ابتسم ببلاهة قائلاً بخفوت :- كلي من اللي قدامك أحسنلك،دول لو شافوا الأكل اللي بتقوليه دة يمكن يرموكي بالنار .
ضربت على صدرها بقوة و شهقت قائلة بصوت مسموع :- يا نهار مش فايت ! هو أنتوا بتقتلوا اللي بياكل فول و طعمية ! اه يا كفرة يا …….
نهرها من بين أسنانه حينما رأى البقية يتابعونها :- بس يا رحيق إيه اللي أنتِ بتقوليه دة،دة وقت هزار بردو !
عندما كادت أن تتحدث،حدجها بنظرات صارمة،ثم همس بين أسنانه :- أخرسي ومشيها هزار .
هزت رأسها بنعم،ثم امسكت خبز التوست المطلي بالزبدة والمربى تأكله،و أخذت تتناول الأومليت قائلة بتلذذ :- الله على الأكل جميل بشكل ! فول إيه و طعمية إيه اللي أنت عاوز تاكلهم يا شادي أنت أتجننت !
طالعها بذهول،و غيظ شديد،فأشار لها بوعيد أنه سيلقنها درساً لن تنساه،بينما هتفت سلوى بغلظة،و تعالي :- إيه القرف اللي أنت عاوز تاكله دة يا شادي،انت بتهزر !
جعدت رحيق أنفها قائلة بضيق :- نعمة ربنا يتقال عليها قرف يا جدتي !
كتم الجميع ضحكه على كلمتها الأخيرة،فهي لا تسمح لأحد بأن ينعتها بالجدة،فهي سيدة الطبقة العالية،و تفضل لقب “سلوى هانم ” وعندما سمعت كلمتها أردفت بحدة :- لا البيت بقى مهزلة،و مفيش قواعد ولا قوانين يتمشي عليها دي بقت حاجة تقرف !
أردفت رحيق بخبث :- ليه يا جدتي دة كله ملتزم بكل حاجة،كله ماشي بالمسطرة زي الإنسان الآلي بالظبط .
صكت أسنانها بعنف،ومن ثم غادرت المكان دون أن تنبت بحرف،بينما تابعت رحيق إطعام والدها .
بعد أن انتهت،و أعطت والدها الدواء،قبلته بوجنته قائلة بحنان :- استناني على ما أرجع من الشغل وخليك هنا في الجنينة تريح نفسيتك بدل ما تحبس نفسك فوق .
أومأ لها بموافقة قائلاً :- حاضر يا قلبي متتأخريش عليا،وصلها يا شادي .
أردف بوعيد :- حاضر يا بابا أنت تؤمر .
اذدردت ريقها بتوتر،وسارت خلفه بحذر،وما إن غابوا عن الأعين،أطلقت لساقيها العنان لتركض بأسرع ما لديها،و انطلق الأخير بدوره يركض خلفها قائلاً بوعيد :- استني عندك دة أنا هوريكي،بتجري دلوقتي !
أطلقت ضحكاتها الرنانة عليه،وهي تركض قائلة :- بهزر معاك يا شيدو يا حبيبي .
أردف بإصرار :- ولو، مش هتثبتيني بكلمتين حلوين من بتوعك دول .
وعندما لم تجد مخرج،أخذت تفكر في حيلة،فسقطت أرضاً فجأة،وهي تصيح بألم مصطنع :- اه رجلي ..
ثم أتقنت الدور حينما تساقطت دموعها الغير بريئة بالمرة قائلة :- رجلي يا شادي ..
اعتراه الخوف ما إن رأى حالتها،فجلس بجوارها قائلاً بقلق جلي :- مالك حصلك إيه؟
نظرت أرضاً تهرب من عينيه قائلة بألم مصطنع :- رجلي أتلوت أنا و بجري .
أسندها بقلق قائلاً وهو يقف :- طيب تعالي نروح للدكتور يشوف رجلك .
اتسعت عيناها بتوتر قائلة بتلعثم :- لا.. أنا كويسة خالص،قصدي وديني عند مدام سندس وهبقى تمام .
ضيق عينيه ليستوعب أخيراً أنها تخدعه،فتنهد براحة كونها بخير،ونظر لها بخبث وهو يبتعد عنها،فوقفت دون أن تلاحظ أنها تقف بشكل طبيعي :- ماشي يبقى أوديكي لمدام سندس،بس يا ريت ما تكدبيش تاني علشان قلقت عليكي،و بردو مفيش مفر من العقاب،مردودلك قريب يا مُزة يلا بينا .
جعّدت جبينها بضيق قائلة :- بطل تقولي الكلمة دي ! و بعدين إزاي واحد زيك يقول الألفاظ دي ؟!
ضحك بصخب قائلاً :- لا أنتِ معايا هتشوفي العجب . بقلم زكية محمد
_____________________________________
انتبهت حواسها لصوته،فتراخت أطرافها،ونظرت له بتعجب من سبب مجيئه هنا،ولوهلة شعرت بالخجل من فعلتها،ولكنها لم تتحمل الإهانة دون أن ترد اعتبارها .
تقدم متخطياً ذلك الحشد،يطالع هيئتها المزرية قائلاً بصرامة :- غطي شعرك وعلى فوق دلوقتي حالاً .
هتفت باعتراض :- بس…
قاطعها بصرامة قائلاً بصوت جهوري سرى الخوف بداخلها :- لما أقول فوق يبقى فوق .
طالعته بغيظ،و امتثلت لأوامره،فسحبت الوشاح و وضعته على شعرها،وطالعت أسماء بغل،ومن ثم صعدت للأعلى بخطوات سريعة،بينما أردف هو بصوت عالٍ صارم :- يلا المولد خلص ! كل واحد يروح لحاله ..
طالعته أسماء بغيظ،ثم هتفت بكره :- بص مراتك عملت فيا إيه ؟ دة بدل ما تغلطها ! لكن نقول إيه ما هي سحباك وراها ..
صك على أسنانه بغيظ،و ود لو يقتلع عنقها على حديثها ذاك،ولكنه تحلى بالجمود قائلاً :- لولا أنك بنت كنت حاسبتك على كلامك دة كويس،وملكيش دعوة بمراتي،أنتِ سامعة ؟
أردفت بحقد :- بعد كل اللي عملته دة و بتقول مراتي ! ولا سيرتك اللي بقت على كل لسان في العمارة .
فجرت كلماتها و انصرفت من أمامه مسرعة،بينما احتلت جهنم عينيه،و برزت عروقه قائلاً بهدوء مغاير للخراب الذي يحدث بداخله وهو يوجه حديثه للماثلات أمامه :- عاوز توضيح للي بيحصل من ورا ضهري دة .
هتفت عواطف بامتعاض :- يعني مش عارف بيقولوا إيه ! من ساعة اللي حصل و سرتنا بقت على كل لسان،أوعى كدة أنا مش ناقصة .
نزلت لتدلف لشقتها،وهي تتمتم بكلمات غير مسموعة،ولكن تعبيرات وجهها توحي بالكثير،وجه أنظاره لزوجة عمه قائلاً بتساؤل :- في إيه يا مرات عمي ؟
هتفت توحيدة بتلعثم :- والله يا ابني مش عارفة أقولك إيه ! بس أنت عارف كلام ستات كلها يومين تلاتة و يروح لحاله…
قاطعها قائلاً بصرامة :- أيوة يعني بيقولوا ايه ؟
لم تجد مفراً منه لذا أردفت باستسلام :- بعدما أمك أتفقت مع أم أسماء على كل حاجة وأنت اتجوزت مريم الستات طلعوا كلام إن مريم ضحكت عليك و خلتك تتجوزها ، وأنها عملت دة علشان تشوه سمعة أسماء.
أردف بصدمة :- بتقولي إيه؟
هزت رأسها بحزن قائلة :- هما عارفين أنها شوهت سمعتها بس ميعرفوش كل التفاصيل أسماء اللي قالت و…….
لم ينتظر سماع كلماتها إذ نزل على الفور ليستفسر من حقيقة الأمر عند تلك الأسماء .
طرق الباب بحدة ففتحت أسماء التي هتفت بضيق :- إيه هي الهانم عبتك وجاي تفضيهم فيا ؟!
أردف بغيظ :- أخرسي خالص وقوليلي حقيقة الموضوع والكلام اللي سمعته دة ؟
ابتسمت بخبث وقد وجدتها خطة مناسبة للانتقام منها :- هو أنت ما تعرفش ! أش حال مكنتوش جايبينها من شقة عزاب و ضحكت عليا و أخدتني معاها،قال إيه هتزور صحبتها أتاريها كانت بتخطط ليا علشان توقعني ولما رفضت هددتني بصور ليا مش كويسة هتوريها لأهلي لو اتكلمت ، مريم دي واحدة شيطانة بتتلون ورا طيبتها و برائتها اللي بتظهرهم للكل .
وكأنها أصابته بمقتل،حينما سمع جملتها الأخيرة التي عانى بسببها لسنوات مع واحدة أخرى .
طالعها بصدمة لتؤكد حديثها حينما تابعت :- وكمان صوري معاها في شقة أبوها تقدر تروح تدور عليها هناك . و بدل ما تلومني أنا الضحية روح شوفها هي عملت إيه الأول،بعد أذنك هقفل الباب أصل أمي مش موجودة .
أنهت كلماتها ثم أوصدت الباب وهي تبتسم بمكر حينما رأت تعبيرات وجهه المصدومة والتي توحي بتأثره بحديثها،بينما شعر هو بصدمة شديدة ضربته كالفيضان المدمر،ولم يهيئ له الشيطان في تلك اللحظة سوى إنها محقة،فيتذكر جيداً أن والدها أتاه إتصال يخبره بوجود ابنته في مكان ما جعله ينتفض في مكانه كالملسوع من هول الصدمة،و أسرع للخارج كالمجنون،فما كان منهم سوى أن يتبعوه هو و والده .
أخذ يتنفس بعمق،وهو لا يصدق أنها خدعتهم جميعهم، نهر نفسه بشدة عندما قرر أن يسمع لحديث صديقه و يبدأ معها من جديد،أي بداية وهي تكرر المثل الخداع والخيانة،وهذا أكثر ما يمقته .
صعد لشقة عمه،وبعدها لغرفتها وهو يبحث عن تلك الصور بجنون،وهو يتمنى أن لا يجدها،ولكن خاب ظنه حينما وجد ذلك المظروف أعلى خزانة الملابس.فتحه وهو يحبس أنفاسه،وما إن وقعت عيناه على الصور،وضعها بمحلها بسرعة البرق من هول ما رأى .
صعد لشقته و بركان الغضب يتصاعد بداخله . اغلق الباب بعنف محدثاً دوياً عالياً،وجال بعينيه في المكان،فلم يجدها،فعرف أنها بغرفتها،فدلف للداخل كالإعصار .
كانت تتأوه بألم إثر الدفعة العنيفة التي تلقتها من تلك الماكرة عندما دفعتها على الحائط فاصتدم ذراعها به بقوة،فهتفت بغيظ :- طيب والله لأوريكي،خلاص مريم اللي انتوا تعرفوها ماتت،دلوقتي هتشوفوا مني واحدة تانية.
لم تكمل جملتها،إذ انتفضت بمكانها حينما وجدت إسلام يقتحم الغرفة بهذا الشكل لطالما احترم خصوصيتها سابقاً.
هتفت بامتعاض :- أنت داخل زريبة و……..
بلعت باقي حروفها،و انتابها الخوف عندما رأت هيئته تلك،فكادت عروقه تنفر للخارج . تقدم نحوها،وبلحظة قبض على ذراعها،حتى كاد أن يهشمه تحت قبضته.
أنّت بخفوت قائلة :- سيب دراعي،انت عاوز مني ايه؟!
هتف بغضب مكتوم :- أعمل فيكِ إيه ها أعمل فيكِ إيه؟
أخذت تتململ بعنف للفكاك من قبضته قائلة :- أوعى بقولك أنت أتجننت..
أردف بغضب وحدة :- أنا اللي أتجننت ولا أنتِ اللي ما تربتيش!
قطبت جبينها بذهول قائلة :- إيه ؟
أردف بانفعال :- شيليه…شيليه مش لايق عليكِ أصلاً ولا على عمايلك.
أردفت بضياع :- أشيل إيه؟ إسلام أرجوك فهمني في إيه بالظبط ؟!
دفعها بعنف،و رمي المظروف ناحيتها قائلاً باذدراء :- خدي شوفي أقصد ايه يا هانم ..
التقطت المظروف الذي ما إن طالعته،دق قلبها بعنف،فهي تعرفه تمام المعرف،فنظرت له قائلة بتلعثم :- أنت… أنت إيه اللي جاب دة عندك ؟
أردف بتهكم :- يعني عارفاه! ما شاء الله على البجاحة ..ثم أردف بحدة :- أنتِ صنفك إيه بالظبط ؟ بجد غلبت فيكِ ! بتستدرجي واحدة لشقة واحد غريب !
هزت رأسها بعدم فهم قائلة بتقطع،وهي على وشك الإنهيار :- حرام عليك فهمني أنا مش فاهمة حاجة ..
صفق لها بإعجاب قائلاً :- كات هايل يا فنانة،إبدااااع ! ماشي هفهمك أنا بتكلم على أسماء اللي ضحكتي عليها و بتبتزيها بالصور دي علشان تسكت،فهمتي دلوقتي ولا لسة ؟
شعرت بدوامة عنيفة تجرفها نحو الأعماق حيث المزيد من الآلام والجراح،وكانت ردة فعلها غريبة،إذ هزت رأسها بموافقة قائلة بجنون :- أيوة..أيوة أنا اللي وديتها وأنا اللي عملت الصور دي علشان أبتزها زي ما بتقول،وأنا اللي عملت كل حاجة،إرتحت ؟ بص أي إتهام موجه ليا اعتبرني عملته ..
ثم أخذت تصرخ بجنون وهي تدفعه للخارج :- أطلع برة ….أطلع برة … أنا بكرهك و بكرهكم كلكم … أطلع برة و سيبوني في حالي ..
وما إن خرج،صكت الباب بالمفتاح،و وقعت أرضاً إلى جواره،و انطلقت في موجة بكاء حارة،وهي تشعر بجروح العالم أجمع تجمعت بداخلها،وكم شعرت بالقهر الشديد لتحالف و تكاتف الجميع عليها .
هتفت بحدة وهي تعنف نفسها :- تستاهلي يا مريم اشربي أنتِ اللي جبتيه لنفسك،حد قالك أمشي ورا مبادئك المثالية ! أهي نفعتك بأيه ؟ لبستك تاني في أجدعها حيطة،اشربي المر زي كل مرة ….
وقف بالخارج كالتمثال في محاولة منه لاستيعاب ما حدث للتو،و سمع بكاءها،و حديثها الذي لم يفهم معظمه،ولكنه لم يسمح لذاته بالتأثر،بل قرر أن يضع النقاط على الحروف،وأنه لن يمرر الأمر مرور الكرام هذه المرة .
شعر بتأنيب الضمير لسماعه بكائها الذي يفطر القلوب،فركل المقعد الذي قبالته بعنف،ونزل مسرعاً للأسفل وهو يشعر بالنيران تحرقه بصدره وغير قادر على إخماده . بقلم زكية محمد
______________________________________
في مكان آخر تضغط على يديها بغيظ،ويدها الأخرى تمسك بالهاتف تنتظر الطرف الآخر،و ما إن رد هتفت بغيظ :- إيه يا أخويا فينك كدة بعد ما أخدت القرشين خلعت و مورتناش وشك !
أتاها صوته قائلاً بغلظة :- مش عملت المطلوب ! عاوزة إيه تاني ؟
جزت على أسنانها بغيظ قائلة بغضب مكتوم :- وأحنا دافعين دم قلبنا علشان الخطة تنجح بس أنت منفزتش اللي قولتلك عليه يا منيل !
أردف بضجر :- الله ! أنتِ هتشتمي ! لا دة أنا صايع اتقي شري أحسنلك ، وبعدين هو في حد إداني فرصة أنفذ،أنا يدوب كنت هاخدها جوة لحد ما ييجوا و يشوفونا متلبسين،إلا إنك اتصلتي بدري عليهم،بتغلطيني ليه أنا دلوقتي؟
أردفت بتأفف :- خلاص على العموم الخطة يعني ما بظتش خالص،بس اللي قاهرني أنه أتجوزها،و الطربيزة أتقلبت بينا لكن أنا لحقت أتصرف ودلوقتي عاوزاك في خطة كدة تنفذها بالحرف ولو نجحت المرة دي هديك قد المرة اللي فاتت و أكتر .
لمعت عيناه بجشع قائلاً :- أؤمري وأنا أنفذ ..
ابتسمت بخبث قائلة :- بص هو طلب صعب حبتين،بس متخافش هتاخد اللي تستحقه،فتح عنيك شوية و اسمعني كويس أنت هتعمل………
______________________________________
في إحدى النوادي المرموقة،وعلى إحدى الطاولات تجلس مع مجموعة من الشباب بمختلف الجنسين.
هتفت إحداهن بتعجرف :- ياي،ازاي مستحملة البنت دي ؟! ما تطردوها و ترتاحوا .
غرزت أصابعها في خصلات شعرها تعبث بهم بدلال قائلة بضيق :- ما أعرفش يا رودي بابا عاوزها معانا،بس محدش طايقها في البيت غير عمو و مراته وبابا وشادي بس.
أردفت بلهفة،و عيناها تلمع ببريق إعجاب :- و مراد موقفه إيه ؟أوعي يكون في صفها ؟
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا طبعاً أنتِ عارفاه يدوب مستحمل روحه،وما أظنش أبداً أنه مهتم بالبنت البيئة دي .
تنهدت بإرتياح قائلة :- طيب كويس ريحتيني،أمتى بقى يحن ؟
رفعت حاجبها قائلة باستنكار :- يحن ! أنتِ بتحلمي يا رودي،مراد البنات ما بتأثرش فيه نهائي يا ما كتير حاولوا قبلك،نصيحة مني بتضيعي وقتك على الفاضي .
غمز أحد الشباب بعبث قائلاً :- طيب ما تخليكي معايا أنا مش هتندمي .
تأففت بضيق قائلة :- ماجد ! أنت ما بتزهقش أبداً،البنات كتير حل عن دماغي بقى !
تدخل لؤي قائلاً :- خلاص يا جماعة مش كل مرة هتتخانقوا،ها البارتي هتبقى عند مين النهاردة ؟
أردفت سما بضحك :- عندي أنا طبعاً،دي هتبقى بارتي هايلة كله معزوم مفيش كلام،هتيجي أكيد يا شيري؟
أومأت بتأكيد قائلة:- sure يا سيمو جاية هزوغ من الزفت مراد وأجي.
نهرتها رودي قائلة :- متشتميش مراد كدة تاني يا شيري !
أردفت بتهكم :- ok..ok بس المهم ما يكونش موجود،بابي معينه جارد عليا،دي بجد حاجة تخنق.
لمحت شاباً وسيماً يسير بعنجهية،يرتدي ملابس رياضية من ماركة عالمية،و نظارة سوداء ذادته جاذبية.
هندمت ملابسها،وهبت واقفة قائلة بعيون لامعة :- قوليلي يا رودي شكلي حلو ؟ باسم جاي علينا.
أردفت بضحك :- أهدي.. أهدي أنتِ perfect يا بيبي .
أرسلت لها قبلة بالهواء،وهي تهم بالرحيل :- باي بقى دلوقتي،أشوفكم بعدين .
نهضت بسرعة لتقفز بين ذراعي الآخر قائلة بهيام :- باسم وحشتني .
حاوط خصرها قائلاً بعبث :- وأنتِ أكتر يا روحي، يلا نروح نقعد مع الشلة.
زمت شفتيها المصبوغة باللون الأحمر الناري :- لا،خلينا نقعد لوحدنا أحسن،أنت وحشتني أوي .
غمز لها بمرح قائلاً :- وماله يا بيبي نقعد لوحدنا .
سحب يدها،و توجها إلى إحدى المقاعد،و جلسوا عليها يكملون حديثهم. بقلم زكية محمد
____________________________________
يجلس على المقعد بخارج الوكالة و صدره يعلو و يهبط بعنف،فالنيران لم تنطفأ بعد .
سحب محمد المقعد المجاور والذي يعمل بمحل لبيع المفروشات وهتف بتعجب :- مالك يا شِق ؟ أنت لسة في طريقك المسدود دة ؟
أردف بكذب :- مفيش يا محمد .
أردف بعبث :- لا واضح أوي أنه مفيش !
تأفف بضجر قائلاً :- محمد ! نقطني بسكاتك ..
نهض من مكانه قائلاً قبل أن يدلف للداخل مجدداً :- براحتك يا صاحبي .
أخذ يهز قدمه بعصبية شديدة،وانتصب في وقفته فجأة،بينما كان يحلل بعض الأمور بعقله،فصعد للبناية التي يقطن بها،ومن ثم دلف شقته،وأخذ يبحث عنها بعينيه فوجدها تجلس على الأريكة بشرود وحزن مسيطر على وجهها،جلس إلى جوارها دون أن ينبت بكلمة،بينما لم تعيره أي إهتمام،فما بداخلها يكفي.
فاقت على صوته قائلاً بهدوء :- سامعك .
تطلعت له بتعجب،وهتفت :- مش فاهمة !
زفر بضيق قائلاً :- سامعك أحكي قولي اللي عندك بخصوص موضوع إتهامك اللي كان من شوية .
أردفت بسخرية :- إيه هتسمعني دلوقتي ! مش خلاص حكمت من شوية ! جاي تقول إيه تاني؟ لسة في إتهام عاوز تضيفه ؟
تنهد بضيق قائلاً :- استغفر الله العظيم،يا بنت الناس ما تهمدي كدة و خلينا نتكلم بهدوء.
وضعت يدها في خصرها،و اعتلت الأريكة قائلة بغيظ :- شوف مين اللي بيتكلم ! أهدى أنت يا شبح وقول يا مسا .
رفع حاجبه بذهول قائلاً :- نعم ! بتقولي إيه ؟! ثم صاح ببعض الحدة :- أنتِ هتجننيني يا بت ! مش كنتي بتولولي من شوية و قلباها دراما ؟!
أردفت بضيق :- ملكش دعوة أهو كيفي كدة وقوم يلا من هنا عاوزة أقعد لوحدي .
هدر بعنف :- بت أنتِ أخرسي و اتعدلي بدل ما أعدلك، بلاش وقفة الرقصات دي !
أتسعت عيناها بصدمة قائلة بغيرة :- رقصات ! و شوفتهم فين دول الرقصات ها ؟ عاملي فيها محترم وأنت بتلف على الكابريهات و…..إممممممم
لم تكمل حديثها حيث جذبها نحوه فجأة،فالتصقت بصدره،و وضع يده على ثغرها قائلاً بغيظ :- بس أهمدي الله يخربيتك عاوزة تلبسيلي مصيبة ؟
توردت وجنتيها من قربه الزائد،و تواجدها بالقرب منه هكذا يزيد من دقات قلبها،حتى كادت تجزم أنه يسمع خفقانه.
انسحبت أنفاسها،وشعرت بالتخدر هكذا حالها كلما اقترب منها .
تطلع لعينيها،و لوهلة شرد بهما هاتان البندقيتان الواسعتان اللتان تحيطهم رموش كثيفة طويلة،شعر بقشعريرة انتابته،ليبتعد عنها قائلاً بصوت جاهد أن يخرج طبيعي :- يا ريت تهدي و تقوليلي دلوقتي اللي حصل،أنا مش هحكم من غير ما أسمع للطرفين .
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- شوف سبحان الله يا جدع ! إيه ضميرك نقح عليك فجأة ؟
أردف بغيظ وهو يكور قبضته :- ما تخلنيش أتغابى عليكي،ويا ستي محقوقلك كنت متعصب ولما هديت عرفت غلطي،و دلوقتي يلا اتكلمي قولي كل حاجة من غير ما تخبي .
أردفت بحزن :- هي كدابة،و الصور دي بتاعتها،وأنا ما أعرفش عنها أي حاجة صدقني،انا مش زي ما قالت،ولا زي ما هما بيقولوا،حرام عليكم والله تعبت منكم،أنا بني آدمو بحس زيكم و بتوجع زيكم،وبموت ألف مرة من كلامكم،سيبوني في حالي أنا أتعذبت كتير،حتى الحاجة الوحيدة اللي حبيت……..
بترت كلماتها،و نظرت له بحب تكنه له منذ نعومة أظافرها،ودت لو تخبره أنه الشئ الوحيد الذي أحبته،والذي بعيد عنها كل البعد وصعب المنال،ودت لو تحتضنه و تبكي و تشكو له كل ما يجول بخاطرها،و بالفعل فقد تغلبت العاطفة على العقل،إذ بلحظة تهور منها احتضنته بقوة،بكل معاني العشق الذي يوجد له بداخلها،و انفجرت في نوبة بكاء مرير ………. بقلم زكية محمد
دئب يوسف
الفصل الثاني عشر
عادت من العمل برفقة شادي الذي أتى و اصطحبها معه، ولكنها لاحظت الأجواء على غير العادة فهتفت بتعجب :- واد يا شادي هو في إيه ؟ الحركة مش طبيعية في البيت النهاردة!
هتف بصرامة مصطنعة وهو يمسكها من ملابسها كالأرنب :- واد ! بلعب معاكي أنا ! اسمها أبيه أي نيلة على عينك، يا بت أنا أكبر منك .
أردفت بتذمر وهي تحاول الفكاك منه :- يا عم مش لما تحترمني أنت الأول، بدل ما أنت عمال تمطوح فيا كدة .
تركها بغيظ قائلاً :- أديني سيبتك، يارب بس تلمي لسانك اللي زي المبرد دة .
أردفت بتساؤل وهي تتطلع للعمال الذين يعملون بهمة ونشاط :- بس مقولتليش ياض في إيه عندكم ؟ ولا دي أسرار عليا !
هز رأسه بيأس قائلاً :- اه منك اه، لا يا ستي مش أسرار ولا حاجة كل الحكاية أن ابن عمك عاصم راجع هو بنته النهاردة .
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- مش اسمه مراد ولا متهيألي ! و بنت مين هو أتجوز ؟
ضربها على رأسها برفق قائلاً :- لا يا أم الغباء، دة أخوه وهو مسافر لندن وجاي النهاردة .
أومأت بتفهم قائلة :- مش تقول كدة يا عم بدل ما الواحد تايه كدة ! بس قولي في حد تاني ما أعرفهوش ولا خلاص على كدة أتعشت ؟
ضرب كتفها بمزاح قائلاً بتهكم :- لا يا شبح مفيش حد تاني، أمشي يا بت مش ناقصة جنان .
ضيقت عينيها بوعيد، وعلى حين غرة دفعته بقوة، و ركضت للداخل قائلة :- اللي يعرف أبويا يجي يقوله .
انتصب في وقفته بعد أن أختل توازنه ضارباً يد بأخرى قائلاً :- عليه العوض ومنه العوض، ماشي يا مجنونة .
ولجت للداخل فوجدتهم جميعهم بالأسفل حتى والدها، فابتسمت له بحنو، و ردت عليهم التحية، ثم توجهت لوالدها، و قبلت يده قائلة بمزاح :- شطور يا بابا هبقى أجبلك شكولاتة علشان سمعت الكلام . أخدت الدوا ولا لسة ؟
ضربها بخفة على رأسها قائلاً بضحك :- يا بكاشة عيل صغير أنا ! اه يا ستي أخدت الدوا وكله تمام .
ربتت على كتفه بإرتياح قائلة :- ربنا يكمل شفاك على خير يا بابا .
تدخل عمها قائلاً بابتسامة :- سيدي يا سيدي كل الحب دة واخده لوحدك يا مجدي.
وجهت أنظارها نحوه قائلة بمرح :- حاضر يا عمي هجبلك شيكولاتة.
ضحك بصخب قائلاً بمزاح :- لا أنا عاوز حبة من الحنان دة .
أردفت بضحك :- ماشي، بس متكونش لميس موجودة علشان ناخد راحتنا .
قطبت جبينها بضيق مصطنع قائلة :- إيه يا ست رورو عاوزة تاخدي جوزي مني ؟
رفعت كتفيها قائلة ببراءة واهية :- مش عمي ! يعني ما أدلعش الراجل !
ضحكت بخفوت قائلة :- وماله يا رورو دلعيه بس مش أوي …
أردفت بتذكر :- ألا صحيح يا مرات عمي أنتوا ليكم ابن عايش برة و متقوليش .
ابتسمت بود قائلة :- مجاتش مناسبة يا حبيبتي، الحمد لله ربنا هداه وهيرجع بعد 3 سنين غربة .
شهقت بصدمة قائلة :- 3 سنين ! يلا ربنا يرجعه بالسلامة، بس قوليلي هو فريزر بردو ولا لا ؟
هزت رأسها بعدم فهم، فأسرعت الأخرى تسب نفسها بداخلها على تسرعها، و أردفت بابتسامة :- قصدي يعني هو طويل ولا قصير ؟ بقلم زكية محمد
أردفت بهدوء :- لا هو طويل زي مراد .
تمتمت بداخلها :- ربنا يستر و ميكونش فريزر زي أخوه . ثم تابعت بصوت مسموع :- شادي قالي أنه معاه بنت ؟
هزت رأسها بحزن قائلة :- اه عندها ست سنين، مامتها ماتت بعد ولادتها بسنتين في حادثة .
قطبت جبينها بأسى قائلة :- يا حبيبتي ! ربنا يرحمها، شوقتيني أشوفها أوي، هما هيجوا إمتى ؟
– يعني ساعتين تلاتة كدة .
رفعت بصرها بمكر قائلة :- إزيك يا جدي، إزيك يا جدتي، عاملة إيه يا مرات أبويا؟ ما بتردوش ليه ؟! سنانكم وجعاكم ! طيب أنا طالعة فوق .
قالت ذلك ثم توجهت للأعلى، بينما أردفت ناريمان بكره :- يا رب ما تلحقي تنزلي و تموتي ونرتاح منك .
______________________________________
الجمته الصدمة عندما وجدها تتشبث به كالغريق، وعلى الفور ازدادت ضربات قلبه بعنف، و ازدرد ريقه بصعوبة، ولا يعلم ما عليه فعله، إذ ظل كالجماد لا حركة له.
أخذت تنتحب بمرار لعلها تفرغ بعضاً من الثقل الذي تحمله، بكت كما لم تبكي من قبل، تركها هو تفرغ شحنة حزنها لعلها ترتاح بعد ذلك، بينما ظلت ذراعيه معلقة بالهواء، لا يعرف أيحاوطها و يبعث لها الأمان، أم يظل هكذا حتى تبتعد هي ؟!
بدأت وتيرة أنفاسه تزداد، و شعر بنقص الهواء بالمكان، ربما نقلت له عدوتها، أو هو على مشارفها .
ما إن أدركت فعلتها و وضعها، شعرت و كأنها تذوب كالزبد من فرط الخجل، لاحظ هو تيبسها، فأسرعت تجلس بعيداً عنه، و أحنت رأسها للأسفل كي تتحاشى النظر إليه، و بدأت تضغط على أصابعها حتى كادت أن تدميها .
خرج صوتها بتلعثم تبرر فعلتها قائلة :- أنا،أنا،مممم، ما أقصدش،أنا مش عارفة عملت كدة إزاي !
هز رأسه بهدوء قائلاً كي يرفع عنها الحرج :- مفيش مشكلة، يلا أتكلمي و قولي اللي حصل .
رفعت عينيها الدامية نحوه قائلة بقهر :- و هتصدق ؟
أومأ بتأكيد قائلاً :- أيوة هصدق ..
أخذت نفساً عميقاً، ثم بدأت تقص عليه كل شئ من بداية مجيئها لطلب المساعدة منها حتى تلك اللحظة، وسط تعبيراته التي كانت ما بين الذهول والصدمة والتعجب و الغيظ والغضب تجمعت بداخله، وما إن انتهت أردفت بدموع حبيسة :- والله العظيم هو دة اللي حصل، أنا معرفهمش، روحت معاها من باب الإنسانية، ولو أعرف إن كل دة هيحصل كنت رفضت، بضرب نفسي مية جزمة إني ساعدتها .
طالعها بفاه يصل للأرض، وهتف بعدم تصديق :- يعني أنتِ استحملتي ضرب أبوكي، و كلامنا اللي زي السم علشان بس ما تفضحيهاش ؟
أومأت بضعف قائلة :- أيوة استحملت كل دة علشان الحديث بيقول :- عن مسلمة بن مخلد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فك عن مكروب كربة فك الله عز وجل عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”
بس هي مسبتش حاجة عدلة، قلبت الطربيزة عليا، و دلوقتي يا إسلام يا ريت متقولش لحد، أنا بس so قولتلك علشان مش قادرة استحمل نظرات الإتهام دي منك واسكت .
أردف بانفعال :- نعم ! مقولش لحد ! أنتِ هبلة ؟ إزاي مقولش لحد ؟ و سيرتك اللي بقت على كل لسان في العمارة، وعلاقتك بأبوكي و أخوكي اللي تقريباً باظت ؟ بقلم زكية محمد
أردفت بحزن :- الناس هتنسى، أما بابا مش أول مرة علاقتنا تبوظ بالشكل دة، أنا أكتر حاجة وجعاني أنه موثقش فيا في بنته اللي عايشة تحت عينه .
أردف بنفي :- بس أنا هقول للكل ومش هسكت .
قال ذلك ثم خرج مسرعاً، بينما جلست و وضعت يديها على وجهها قائلة برجاء :- ربنا يستر و تعدي على خير، سامحني يا رب غصب عني .
_____________________________________
نزل لشقة أسماء، وطرق الباب، ففتحت والدتها الباب، وهتفت بضيق :- يا أهلاً إيه جاي تكمل على البت مكفاكش اللي عملته مراتك ؟
هتف بهدوء مصطنع :- أنا جاي أعتذر يا خالتي لأسماء يا ريت تناديها.
أردفت بضيق :- و متجيش ليه هي الهانم ولا على رجلها نقش الحنة !
زفر بضيق قائلاً بضجر :- بعدين هجبها تعتزر .
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- لما نشوف ! إتفضل يا إسلام على ما أناديها .
دلف للداخل وهو يحمحم بصوت عال قائلاً :- يا ساتر .
بعد دقائق، جلست قبالته قائلة بضيق :- خير يا أستاذ إسلام !
حمحم قائلاً :- ما تعملينا كوبايتين شاي يا خالتي، وحشني الشاي بتاعك .
ابتسمت بانشراح قائلة :- من عنيا يا إسلام ..
تابعها بعينيه حتى اختفت، فنظر لأسماء قائلاً بغيظ :- بقى مراتي هي اللي صورتك، وهي اللي ودتك هناك ؟
زاغت عيناها بتوتر قائلة :- أيوة .
أردف بوعيد :- اممممم طيب حيث كدة بقى إيه رأيك يا حلوة الصور دي هوديها لأبوكي تحت دلوقتي ..
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- لا لا أبويا لا الله يخليك بلاش .
أردف بمكر :- ليه ؟ دة علشان يجبلك حقك !
هزت رأسها بعنف قائلة بتلعثم :- أنا، أنا مسمحاها خلاص.
ضيق عينيه بغل قائلاً :- مش عيب عليكي يا أسماء تكدبي ؟ أنا هنزل لأبوكي و هقوله إنك كنتي مصاحبة الواد دة اللي في الصور و شوفي بقى الحج هيعمل إيه ؟
ارتجفت أوصالها، و أردفت برعب وهي تهم بتقبيل يده قائلة :- أبوس إيدك بلاش أبويا يعرف، دة هيموتني و هيرجعني الصعيد ومش هيخليني أكمل علامي .
أبعد يده سريعاً قائلاً بغيظ :- ومش حرام عليكي تتهمي غيرك في ذنب أنتِ عملتيه ؟ إيه يا شيخة دة إبليس يتعلم منك ! عملتي كدة ليه دة جزاتها أنها ساعدتك .
جزت على أسنانها بغضب،فلم تتوقع أبداً أن تخبره، لطالما هي كاتمة الأسرار ولا تخبرها لأحد مهما كلفها الأمر، إلا أنها أخبرته تلك المرة، فأردفت بغل :- هي كدابة على فكرة بتحاول تبرأ نفسها قدامك.
زم شفتيه باستنكار قائلاً :- برده هتقولي كدابة ! شوفي يا بنت الناس أنا هعمل اعتبار لأبوكي الراجل الكُبرة دة ومش هتكلم، بس قصاد إنك تمسحي الكلام اللي نشرتيه من عقول النسوان بأستيكة، فاهمة يا شاطرة ؟ اتقي شري أحسنلك، و اه الصور هتفضل معايا لحد ما تنفذي .
ثم نهض قائلاً باذدراء :- سلام يا …يا حلوة .
انصرف مسرعاً، وظلت كما هي شاحبة الوجه، و حديثه يتردد في أذنيها، بينما أتت والدتها وهي تحمل الشاي قائلة بتعجب :- أومال الجدع راح فين ؟
لم تجبها، بل ظلت شاردة في ملكوتها، فتابعت والدتها بحدة طفيفة :- بت يا أسماء أنتِ يا بت !
انتفضت في مكانها قائلة :- خير يا أما ؟
– فين إسلام ؟
أردفت بتلعثم :- اااا، معرفش قصدي مشي معاه مشوار مستعجل، أنا داخلة أكمل مذاكرة .
تركتها وانصرفت للداخل و بداخلها خوف من القادم .
______________________________________
صعد لشقة عمه، وجلس معه منفرداً قائلاً بمزاح :- إيه يا عمي مش ناوي تنورنا في الشقة و تتعشى عشوة حلوة كدة من بنتك !
عبس قليلاً قائلاً :- لما أفضى من شغل الوكالة.
تنهد بعمق من عمقه العنيد الذي تشبهه ابنته في الكثير من الصفات، و أردف بهدوء :- لا أنت بكرة إن شاءالله هتاجي تتعشى معانا أنت و العيلة كلها ودة آخر كلام يا عمي هزعل بجد، و مريم هتزعل أكتر .
أردف بغيظ :- بالله عليك ما تجيب سيرتها دة إحنا اتفضحنا من تحت راسها .
أردف بحذر :- عمي مريم ما عملتش حاجة كل دة كدب .
هتف بانفعال :- واللي شوفناه كدب ! دة أنت حتى كنت معانا يا راجل !
زفر بتعب، ثم أخذ يقص عليه ما حدث، ولم تكن صدمته أقل منه، فأردف بغضب عارم عندما انتهى إسلام من سرد الحقيقة عليه :- اه يا بنت ال…….
ثم نهض متابعاً بغل :- طيب وديني لأوريها بت ال…..دي .
مسكه إسلام مانعاً إياه من الخروج قائلاً بروية :- أهدى يا عمي مش كدة، أهدى و فكر بالعقل، أنا بس قولتلك علشان أبرأ مريم قدامك، إنما نعمل مشاكل خلينا إحنا الأصلة .
أردف بانفعال وغضب من نفسه :- والكلام اللي سمعته عن بنتي، هنصلح دة إزاي؟ هنروح نقول لكل واحد وواحدة دة كدب من غير مبرر ؟
هز رأسه بنفي قائلاً بمكر :- أطمن يا عمي أوعدك زي ما قالت عنها الكلام الوحش دة هخليها تصلح كل حاجة.
أردف بحنق :- والأستاذة اللي فوق ساكتة ليه؟ ما نطقتش و برأت نفسها ليه ولا غاوية تعب والسلام !
ثم تابع بندم شديد :- دة أنا ضربتها لأول مرة في حياتي أرفع إيدي عليها .
مط شفتيه بضيق قائلاً :- بنتك ضحت بنفسها علشان واحدة ما تستاهلش، وإن كان على مريم بكرة تيجي بعلبة بسبوسة حلوة كدة و تصالحها بيها، يلا هسيبك أنا بقى تصبحوا على خير .
بعد وقت دلف وهو يحمل الصغير الذي يغفو بسلام على كتفه، أسرعت مريم نحوه لتمسك الصغير و تضعه بالفراش قائلة :- يا حبيبي أنت نمت !
حملته برفق، و رفعت أنظارها نحو الآخر قائلة بهدوء خجل :- غير هدومك علشان تتعشى، هروح أنيم ميدو و أحضر الأكل علطول .
أومأ لها بابتسامة خفيفة، بينما دلفت هي لتضع الصغير برفق على الفراش، و قبلته في وجنته المكتنزة بحنان، ثم دثرته جيداً، لتخرج بعدها و ترص الطعام على الطاولة ريثما ينتهي هو.
جلست تنتظره، فخرج مرتدياً ملابس بيتية مريحة، ومن ثم جلس ليتناول طعامه .
نظرت له بحذر قائلة :- عملت إيه ؟
ابتسم بهدوء قائلاً :- متقلقيش عملت كل خير، ثقِ فيا .
ابتسمت له بامتنان،فظهرت غمازتها التي يلاحظها لأول مرة، قائلة بشكر :- شكراً على اللي عملته معايا، و شكراً إنك صدقتني.
قطب جبينه قائلاً بمرح :- بتشكريني على إيه يا هبلة ؟ أنتِ ناسية إني جوزك، وإن دة واجبي ناحيتك
قرع قلبها كالطبول بين ضلوعها، و اصطبغت وجنتيها باللون القرمزي، وكم دغدغت الكلمة مشاعرها برقة، اقشعر بدنها على إثرها، فهزت رأسها بخفوت، ونظرت للطعام تلهي ذاتها كي تهرب منه، بينما أخذ هو يطالعها بمشاعر جدت عليه لم تكن أبداً في الحسبان، فهو بين عقل ينهره، وقلب يخبره بأن يقترب ولم لا طالما هي زوجته، ولكنه لا يزال حبيس ذكريات مؤلمة له، و بعيداً عن هذا يشعر بأنه يقترف خطأً جسيماً كلما تذكر أنها كانت يوماً زوجة أخيه . تنحنح بخشونة قائلاً :- بكرة إن شاءالله هيكون في عزومة عندنا بابا وعمي ومحمود وكله .
هزت رأسها قائلة برقة :- طيب كويس قولتلي من دلوقتي علشان أعمل حسابي، بس في حجات ناقصة كدة .
– اكتبِ اللي ناقص في ورقة وأنا هجيبه.
إلتزم كلاً منهم الصمت، حتى أنهوا طعامهم، وبعد أن لملمت الأطباق و غسلتها، أردفت بتوتر :- تحب تشرب حاجة ؟
عبث في خصلات شعره قائلاً :- اه يا ريت كوباية نسكافيه .
أومأت له، و ولجت للداخل،بينما امسك ياقة الفانلة الصيفية التي يرتديها، و أخذ يحركها بعشوائية لينبعث الهواء له قائلاً :- و بعدين معاك بقى ؟ هو النفس بيتشفط من المكان كدة ليه ؟ شكلك مش هتجبيها البر معايا .
أدار التلفاز، و أخذ يقلب في القنوات حتى استقر على أحد الأفلام الأجنبية الشهيرة، فأخذ يتابعه بتركيز شديد على الرغم من أنه شاهده العديد من المرات .
أتت وهي تحمل كوبين و وضعتهم على الطاولة الصغيرة، وما إن رأت الفيلم هتفت بصوت حماسي :- الله ! مملكة الخواتم، خليه يا إسلام بالله عليك، أنا بحبه أوي.
أردف بضحك :- أهو قدامك مش هقلب، تعالي نتفرج عليه سوا .
أومأت بابتسامة اخترقت صدره كالرصاصة، ولكنها أحدثت نغماً هادئاً محبباً بداخله . جلست إلى جواره قائلة :- دة الجزء الأول followship of the ring حلو جداً، كدة نسمع على رواقة ..
ظلا يشاهدا الفيلم بانسجام شديد، و بمرور الوقت، شعر بثقل على كتفه، فوجه مقلتيه ناحيتها وجدها تغفو على ذراعه بسلام، وكادت رأسها أن تسقط لولا يده التي حالت دون ذلك، فمال بظهره على الأريكة، و أراح رأسها على صدره و سرعان ما سمع دقات قلبه السريعة مجدداً.
رفع يده التي كانت ترتجف قليلاً، و أزاح خصلات شعرها التي تحجب عنه رؤية وجهها، و أخذ يسير بأصابعه على بشرتها الناعمة يتلمس ملامحها ببطئ،وجدها تجعد أنفها بضيق أثر فعلته، فابتسم بعبث و كرر الفعلة، فهتفت بنعاس :- بس يا ميدو عاوزة أنام.
كتم ضحكته بصعوبة و كرر الفعلة، فصدمته حينما أردفت بنعاس، وهي مغمضة العينين حينما رفعت رأسها قليلاً، ثم جذبت رأسه ناحيتها وقبلته في وجنته بعمق قائلة :- أديني بوستك أهو يلا بقى سيبني عاوزة أنام .
قالت ذلك ثم عادت أدراجها لتتوسد صدره مجدداً، تنام بعمق وهي تشعر بالدفئ يغلفها، فأحتضنته أكثر لتهمهم بسعادة وكأنها تطير فوق السحب، ولا تعي لذلك الذي كاد أن يصل ثغره للأرض بعد فعلتها، لو كان عداءاً بمارثون يركض فيه لما كانت حالته كهذه، أخذ صدره يعلو و يهبط بعنف، و حبات العرق تجمعت فوق جبينه، فهتف بتوتر:- أنا قولت من الأول أنها مش هتجيبها البر .
قال ذلك ثم نهض بحذر من جوارها كالملسوع، و ازدرد ريقه بتوتر، وكاد أن يدلف لغرفته ليهرب من تلك المشاعر اللعينة التي تطارده في الآونة الأخيرة، لا يريد أن يعترف بها، ولكنها ترغمه في كل مرة على الاعتراف، وكأنها تخبره لا مفر من الهروب، نظر لها وجدها تنام بعدم راحة، فتنهد بصعوبة قائلاً بتبرير زائف :- يووه أنا هشيلها و أنيمها مكانها وخلاص .
سحب نفساً طويلاً لعلومه نقص الأكسجين قرابتها، حملها برفق وتوجه لها ناحية غرفتها، ومن ثم مددها برفق، و وجد نفسه يقبلها بوجنتها بخفوت، وفعل المثل مع الصغير ودثرهما جيداً، ومن ثم خرج من الغرفة، وهتف بابتسامة حالمة :- شكلك بتتكلم صح يا محمد لازم أتغلب على كل حاجة و ابدأ معاها من جديد . بقلم زكية محمد
_____________________________________
قبل ذلك بساعات قليلة كانت العائلة تجلس مع الابن الغائب والذي أشتاق إليه الجميع، وكانت الطفلة تجلس على قدم رحيق التي اندمجتا معاً سريعاً و أحبت رحيق الفتاة كثيراً، ولكن ما أثار دهشة عاصم هو معرفته أن لديه ابنة عم أخرى على قيد الحياة فقد ظنها أنها ماتت مع والدتها فهتف بتعجب :- بس إزاي دة لقتوها فين ؟
هتف شادي بعملية :- كانت عند خالتها و بابا لقاها هناك .
هز رأسه بعدم اكتراث للتدخل في تفاصيل أكثر قائلاً :- أها أوك الحمد لله أنها بخير و لقتوها .
عند رحيق كانت تود النهوض للقيام بأمر ضروري، فهتفت بحنو للصغيرة :- جوجو حبيبتي روحي لتيتة يلا، أنا هروح فوق ورايا شغل .
هزت الصغيرة رأسها برفض قائلة :- no,no أروح معاكي يا رحيك .
ابتسمت بحنان قائلة :- بصي خليكي هنا وأنا هجبلك حجات حلوة كتير .
أردف شادي بضحك :- يا سلام يا ست رحيك سحرتي للبنت بسرعة كدة لدرجة أنها مش عاوزة تسيبك، شوفت يا عاصم ؟
هتف بابتسامة ودودة :- جوري تعالي هنا يا حبيبتي.
توجهت لوالدها، بينما صعدت الأخرى للأعلى بخفة حتى لا يشعر بها أحد، و ولجت غرفتها و أبدلت ملابسها بسرعة، و بعد أن انتهت توجهت لغرفة شقيقتها ، و وقفت في جانب غير مرئي بحيث لا تراها عندما تخرج، وما هي إلا ثوان حتى خرجت الأخرى ترتدي ملابس سهرة فاضحة، و تسير ببطئ شديد تنظر يميناً و يساراً كاللص حتى نزلت، فأسرعت الأخرى تسير خلفها بحذر حتى لا تشعر به من في المقدمة .
خرجت من الباب الخلفي من خلال المطبخ، ومن ثم أسرعت في مشيتها ناحية السور الذي وضعت عنده سلم حديدي حتى يتسنى لها الهروب دون أن يراها الحرس وعندها سيخبرون مراد و سيفشل مخططها حين إذ، بعد أن صعدت قفزت من الجانب الآخر بحذر فهي معتادة على ذلك، و نهضت تنفض هندامها قائلة بضجر :- أوف دي بقت حاجة تخنق، بس كله يهون علشان بسومتي.
سارت للأمام لتقفز خلفها رحيق التي تألم قدمها قليلاً فقالت بعبوس :- اه يا قردة عملتيها إزاي دي ؟ !
استقلت الأولى سيارة أجرة، وفعلت الثانية المثل و أخبرت السائق بأن يتبعها وأن لا تغيب عن مرمى بصره.
استرجعت بذاكرتها قبيل ذلك بقليل حينما كانت تسير صدفة، ولكنها وقفت بصدمة حينما سمعتها تتحدث مع شاب، و قد تواعدا بأن يتقابلا بمنزل أحدهم، فمنذ ذلك الحين ساورها القلق حيال الموضوع، ولهذا هي تسير خلفها الآن و تراقبها .
بعد وقت توقفت السيارة أمام فيلا كبيرة، فترجلت منها و دلفت للداخل بعد أن تأكد الحارس من هويتها، فنزلت الأخرى لتفعل مثلها إلا أن الحارس منعها من الدلوف، فرجعت تجر أذيال الخيبة، ولكنها لم تستسلم حيث أخذت تنظر هنا وهناك إلى أن لمحت سيارة تقف بجوار السور، فسارت بسرعة و أعتلت السيارة بصعوبة، ومن ثم تسلقت السور، و نظرت تحتها لتغلق عينيها وتقفز لتطلق صرخة عالية قائلة بألم :- كان مالي بس يا ربِ ما تروح مطرح ما تروح، اه يا رجلي يا عضمك يا رضا ! أما أقوم أشوف المتسهوكة دي راحت فين وهتعمل إيه ؟
سارت للأمام لتسمع صوت موسيقى صاخبة فتوجهت نحو الصوت، لتُفاجئ من وجود مجموعة من الفتية يتراقصون على أنغام الموسيقى، وكذلك الفتيات اللاتي يرتدين ملابس لا تقل فضاحة عن أختها.
شهقت بصدمة قائلة :- إيه قلة الأدب دي ! العيال دي ملهاش أهل يربوهم ؟
استشاطت غضباً عندما وجدت شيري تجلس بجوار شاب، وذلك الشاب يحاوطها من خصرها يقربها منه، فتوجهت نحوهما كالصاروخ و سحبتها من ذراعها بقوة لتقف قبالتها قائلة بحدة :- إيه اللي بتعمليه دة؟
تطلع لها الموجودن بتعجب من تواجد تلك الغريبة بينهم، بينما طالعتها شيري بذهول، ولكنها هتفت بغضب :- وأنتِ مالك و بعدين إيه اللي جابك هنا، أنتِ بتجسسي عليا ؟
أردفت بغضب :- جيت إزاي بنفس الطريقة اللي جيتي بيها هنا، أما بتجسس عليكي دي فأنا مليش دعوة بيكي نهائي بس لما الموضوع يخص بابا و سمعته يبقى لازم أتدخل، قدامي على البيت من سكات .
دفعتها بقوة كادت أن تطرحها أرضاً قائلة بحدة :- أنتِ ملكيش دعوة بيا أنتِ فاهمة ، أنا هخلي الحرس يرموكي برة .
تدخل أحدهم قائلاً بعبث :- مين المزة دي يا شيري، ما تعرفينا ؟
بينما أخذ باسل يطالعها بإعجاب واضح قائلاً بهدوء :- أهدي يا شيري أعصابك يا بيبي، مين دي ؟
أجابته وهي تطالع رحيق بازدراء:- دي اللي قولتلك عليها قبل كدة ..
هز رأسه بتذكر قائلاً :- اه دي أختك ؟
أردفت بانفعال :- متقولش أختي أنت هتعمل زيهم .
هز رأسه بنفي قائلاً بروية :- أوكي أوكي مش أختك بس أهدي وأنا هتصرف .
ربعت يديها قائلة :- لما نشوف يا باسل !
تقدمت رودي منها قائلة بخفوت وهي تمعن النظر في رحيق :- هي دي اللي قولتي عليها ؟
زفرت بضيق قائلة :- أيوة هي، الهانم ماشية ورايا وعرفت مكاني انا خايفة لمراد يجي و تبقى مصيبة .
حدجتها رودي بحقد،فهي تبدو فاتنة على الرغم ما ترتديه من ملابس محتشمة، فشعرت بغل تجاهها خشية أن تؤثر على مراد، فأخذت تفكر في حل للإيقاع بها، وما إن توصلت له، مالت على أذن الأخرى لتخبرها بما يدور بمخيلتها، و سرعان ما ازدادت ابتسامة الأخرى بخبث وهي تهز رأسها بموافقة.
أسرعت شيري تردف بود مزيف :- رحيق بليز ما تقوليش لحد أنا عملت كدة علشان محدش هيرضى يخليني أسهر، هقعد شوية و همشي علطول، روحي وأنا هحصلك.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا رجلي على رجلك هنمشي دلوقتي مع بعض، وبعدين إيه اللي أنتِ لابساه دة يا هانم مبين جسمك، لو مش خايفة من أبوكي وأخوكي خافي ربنا .
جزت على أسنانها بغيظ، ولكنها أظهرت عكس ذلك قائلة بهدوء مغاير :- تعالي بس متخافيش، طيب إيه رأيك تستنيني و نمشي سوا، منها أقعد شوية ومنها أقعد قدامك تحت عينك أهو .
أردفت باستسلام :- ماشي لما نشوف أخرتها إيه معاكي، واه متتلزقيش في الواد الملزق دة .
هزت رأسها قائلة بابتسامة مصطنعة :- حاضر يلا أقعدي بقى دة أنا هجبلك عصير انما إيه صنف جديد مجربتهوش قبل كدة .
أتت رودي وهي تحمل أكواب و قدمتها لهن قائلة بابتسامة مزيفة :- اتفضلوا العصير.
تناولت منها الكوب لتتجرعه بنهم، لشعورها بالعطش الشديد، و بعد أن أفرغت الكوب هتفت بتعجب :- العصير دة بيحرق في الزور أوي !
أردفت شيري بخبث وهي تناولها كوباً آخر :- دة عصير كوكتيل جديد خدي اشربي تاني دة حلو أوي .
و بالفعل تناولت منها الكوب لترتشف منه، بينما أخذتا تطالع كل منهما الأخرى وعلى وجههن ابتسامة انتصار لنجاح مخططهم.
على الجانب الآخر ما إن وصلت له الأخبار، نهض يلملم أغراضه بغضب شديد، و يتوعد لهن، وغادر المكان بسرعة قصوى ، وانطلق بسيارته ونيران الغضب تلاحقه . بقلم زكية محمد.
ذئب يوسف
الفصل الثالث عشر
نظرت للشراب بتردد، ولكن ما إن رأت البقية يرتشفون منه طمأنها ومن ثم شربته على الفور، لتعطي لها شيري كوباً آخر وشربته لشدة شعورها بالعطش من الجهد الذي بذلته، وكأسان كانا كافيين لجعلها في حالة سكر تامة .
أخذت تضحك بهستيرية، فهتفت بترنح :- شيري أنتِ واقفة مقلوب ليه؟
أجابتها بتشفي :- أبداً يا روحي، خدي اشربي كمان.
التقطت منها الكوب قائلة بسُكر :- العصير اللي بيحرق في الزور !
أنهت جملتها و تجرعته بأكمله، ثم أخذت تضحك بصوتها العالي وقالت بتفكير :- شيري أنا عاوزة أرقص .
رفعت حاجبها بدهشة قائلة :- ترقصي ! وماله يلا تعالي أرقصي، دي شكلها هتحلو أوي .
أخذت تتمايل على أنغام الموسيقى قائلة بدون وعي :- يلا يا بسمة هاتي الطرحة .
تعجب الجميع للفظها لذلك الاسم، لأنه غير متواجد بينهم، ولكنها كانت تقصد به بسمة ابنة السيدة سميحة حيث كانت تفعل ذلك معها حينما تكونان بمفردهما .
ابتسمت رودي بخبث و ناولتها الوشاح الخاص بها والذي يلتف حول جيدها قائلة :- أدي ال scarf اللي أنتِ عاوزاه .
أردفت رحيق وهي تنظر لشيري :- هاتي أغنية حسن شاكوش يا بسمة .
أومأت بمكر قائلة :- حاضر يا روح بسمة . بينما غمزت لأحدهم بأن يصور ما يحدث .
لفت الوشاح حول خصرها، وأخذت تتمايل باحترافية، و ضحكاتها تملأ المكان، و نظرات الشباب تكاد تأكلها، اجتمع من بالمكان حولها و أخذوا يصفقون و يطلقون صافرات الإعجاب بتلك الجميلة الغائبة عما تفعل .
توقفت السيارة الخاصة به ونزل منها و خلفه الحرس، كانت النيران متجسمة بعينيه، و دمائه غلت بعروقه حتى كادت أن ت.نفجر.
دلف للداخل لتتوقف قدماه عن الحركة، لتلجمه الصدمة مما رأى، لطالما كان جامداً لا يظهر ما يشعر به على وجهه، إلا أنها نجحت في ذلك، حيث اتسعت عيناه على آخرهما، و كاد ثغره أن يصل للأرض من هول الصدمة.
بدأت أنفاسه تتثاقل، والبركان الذي بداخله يثور معلناً عن انفجاره . تقدم منها بخطوات سريعة، و جذبها بعنف من ذراعها قائلاً بصوت عال، صمت كل شيء على أثره، جعلت جدرانه الجليدية تتآكلها تلك النيران التي تصاعدت وهو يراها بتلك الهيئة :- إيه اللي أنتِ بتهببيه دة ؟
نظرت له بتذمر قائلة وهي تبعد يده عنها :- أنت مين ؟ اه اه عرفتك أنت مراد الفريزر البارد .
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- أخرسي خالص قدامي، وفين الهانم التانية؟
كانت ترتعش حرفياً فور رؤيتها له يدلف كالأعصار و ازدردت ريقها بصعوبة خوفاً من القادم. ما إن أبصرها، شعرت بهروب الدماء من وجهها، فصاح بغضب :- قدامي على العربية.
هزت رأسها بخوف، و ركضت من أمامه تنفذ ما طلبه، بينما أخذ يهز التي تترنح أمامه قائلاً :- وأنتِ حسابك بعدين .
شدت ذراعها الذي كان تحت قبضة يده قائلة بحنق :- يووه أنت مالك أنا عاوزة أرقص، أنت بارد كدة ليه ؟ ثم ضحكت قائلة بتكرار وهي تصفق بيديها :- مراد البارد ….مراد الفريزر….يا فريزر يا فريزر..
جذبها خلفه وهو يكاد يحطم أسنانه، وأخذ يسير بسرعة بها، ركضت هي خلفه لتلحق به قائلة بصراخ :- سيبني يا بارد ..سيبني، يا بسمة ليه جيبتي الفريزر دة عندكم ؟ مشيه مشيه ..
رفع حاجبه قائلاً بتهكم واضح:- وكمان سكرانة !
تعثرت قدمها فسقطت قائلة بوجع :- رجلي..رجلي يا فريزر استنى الله يخربيتك، قطر ماشي !
عض على شفته بغيظ، يود لو يفصل رأسها عن باقي جسدها فهتف بحدة :- أنتِ هتستهبلي! اخلصي قومي .
أردفت بدموع :- رجلي وجعاني يا فريزر !
زفر بضيق، وما جعله يستشيط غضباً هو نعتها له ب”الفريزر”، جلس قبالتها وفك ذلك الوشاح الذي يتوسط خصرها و ألقاه بعنف، وحملها على حين غرة فشهقت قائلة بضحك :- الله ! أنت هتمرجحني ؟ طيب براحة علشان بدوخ .
اصطكت أسنانه ببعضها محدثة صوتاً من شدة غضبه و ضيقه من تلك المعتوهة التي تنجح في كل مرة أن تزيد من غليان دمائه.
سقطت رأسها على صدره فرفعت وجهها نحوه قائلة بسكر :- مراد! أنت بارد . ثم رفعت كفها ومشت بأطراف أصابعها تتلمس بها وجهه قائلة بضحك خافت :- دقنك بتشوك ! احلقها يا فريزر…
ولم تتحدث بعدها حيث سقطت يدها و ارتخى جسدها، فنظر لها بانتباه وجدها سقطت في النوم .
وصل للسيارة فقام أحد الحرس بفتح الباب الخلفي ليضعها ببعض القوة بجوار شيري التي كانت مصدومة من فعلته، أذلك الذي يرفض أن تقترب أي أنثى منه يحمل فتاة بين ذراعيه !
بعد وقت توقفت السيارة بداخل القصر، فنزلت شيري تمشي بخطوات أشبه بالركض للداخل، بينما لم يجد مفراً من أن يحملها مجدداً و دلف بها للداخل .
كان عاصم ما زال متيقظاً برفقة والده و عمه وشادي وجده بالصالة الكبيرة وكانت الصغيرة قد غفت .
ما إن وضعت شيري قدمها على أول سلمة، صرخ مراد باسمها قائلاً :- شيرين أقفي عندك!
التف الجميع نحو مصدر الصوت، فأصابتهم الصاعقة حينما وجدوه يحمل رحيق الغافية. نهض شادي قاطعاً ذلك الصمت قائلاً بذهول :- مراد إيه اللي بيحصل هنا دة ؟ فهمني !
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- أبداً بلم الفضايح اللي بيعملوها أخواتك.
نظر له بضيق مزمجراً بغضب :- احترم نفسك يا مراد، وشوف نفسك بتقول إيه ؟
قال ذلك ثم حمل رحيق عوضاً عنه بحنق، و دلف بها إلى إحدى الغرف القريبة و وضعها بها، ولاحظ ثمة رائحة كريهة تنبعث منها من خلال تنفسها، ولكن لا وقت لذلك، بل عليه معرفة الأمر، إذ خرج سريعاً ليردف بانفعال :- أنت كنت شايل أختي بالطريقة دي ليه؟ وجايبهم منين؟
أردف بسخرية :- أبداً جبتهم من فيلا واحد وكانوا هناك….
صمت غير قادر على نطق تلك الكلمات، لطالما رأى فيها الفتاة الملتزمة، فزفر بغيظ قائلاً وهو يشير لشيري :- الهانم و الليدي التانية كانوا في حفلة مع شباب و بيشربوا خمرة، و الأستاذة التانية بترقص ولامة حوليها الشباب .
هتف مجدي بصدمة :- بتقول إيه ؟
أردف بأسف وهو يمط شفتيه بضيق :- للأسف يا عمي دي الحقيقة .
التف شادي نحو شقيقته وطالع هيئتها التي جعلته يغلي كالمرجل، و بلحظة قبض على شعرها قائلاً بحدة :- كام مرة أنبه عليكي اللبس دة ما يتلبسش يا هانم ها كام مرة ؟
أخذ صدرها يعلو و يهبط بعنف وهتفت بتلعثم :- اااا.. أنا أنا..
لطمها بقوة قائلاً :- الظاهر الحنية مش جايبة معاكي بفايدة، و أنا أتساهلت معاكي بما فيه الكفاية .
صرخت بوجهه قائلة :- أنت بتضربني ليه ؟ بدل ما تروح تضربها هي، اه ما هي من أول ما جات وأنت عمال تدلع فيها وناسي إني أختك طبعاً مش هتغلطها.
طالعها بصدمة قائلاً :- إيه الهبل اللي بتقوليه دة ؟ أنتوا الاتتين أخواتي، وكوني إني بضربك و بحاسبك دلوقتي يبقى يهمني أمرك زيك زيها يا ريت بس تطلعي الأفكار اللي مش تمام دي من دماغك، ومين قالك إني مش هعاقبها؟
ثم وجه مقلتيه نحو مراد قائلاً بعدم تصديق :- مراد فهمني اللي حصل أنا هتجنن، و رحيق إزاي تعمل كدة دي متعرفش حد، مش ممكن!
أردفت بحقد :- مش ممكن ليه ؟ على العموم لو مش مصدق مراد شاف كل حاجة .
أردف بثقة :- رحيق متعرفش حد هنا علشان تروح عنده، ورحيق اللي رفضت إني أحضنها وكانت هتضربني على الرغم من أني أخوها استحالة تعمل كدة .
أردفت بانفعال :- قصدك إيه؟ بتلمح لايه ها ؟
أردف بغيظ :- وكمان ليكي عين تقاوحي!
هتف عمران بصرامة :- بس يا ولد أنت وهي، إيه مش محترمين اللي أكبر منكم ! وأنت يا مراد اتكلم مش هنشحت الكلام كمان.
أردف بجمود :- ما أنا قولت يا بابا اللي شوفته، ويا ريت تتصرفوا معاهم بدل ما اسم العيلة يتلطخ بسبب بنتين، بعد أذنكم.
صعد للأعلى، بينما أردف مجدي بعدم تصديق :- بناتي بيعملوا كدة! مش ممكن لا أكيد في حاجة غلط في الموضوع، روح صحيها يا شادي أنا لازم أعرف كل حاجة دلوقتي.
أردف شادي بروية خوفاً على والده :- بابا أهدى. هي صعب تفوق دلوقتي أوعدك أول ما تفوق هعرف منها كل حاجة.
نظر مجدي لابنته الأخرى بأسى قائلاً :- وأنتِ يا شيري؟ دي جزاتي ! مديلك حريتك و واثق فيكِ شباب وخمرة يا شيري ! علشان اتشليت يعني قولتي بابا مش هيشوفني؟
أردفت بسخط :- وفيها إيه يا بابي دول صحابي وأنا معملتش حاجة غلط، إحنا في القرن 21 بلاش الدقة القديمة بتاعتك دي على رأى مامي.
كاد أن يتقدم منها ليلقنها درساً على حديثها الغير أخلاقي مع والدها، إلا أن مجدي أردف بسخرية :- سيبها يا شادي. مامي! اممممم قولتيلي مامي، العيب مش عليكي، اسمعي أما أقولك الكريدت كارد هتتسحب منك و مفاتيح العربية ومن النهاردة هتمشي بحرس وكل نفس هتتنفسيه هيكون بعلمي، حطي كل حاجة و اطلعي على أوضتك.
نظرت له باعتراض شديد، ولكن ما إن رأت الإصرار بعينيه التقطت المفاتيح و البطاقة و ألقتهم بحدة على الطاولة، و هرولت لغرفتها بسرعة، و بداخلها كره يتصاعد للأخرى.
قطب عاصم جبينه بعبوس قائلاً :- إزاي طلعوا ؟ مش قالوا إنهم طالعين فوق! وازاي الحرس يسيبهم يعدوا كدة ؟
أردف شادي بغيظ مكبوت :- أنا هروحلهم و أشوف شغلي معاهم وهحاسبهم على الاستهتار دة .
أنهى حديثه ليغيب في الخارج لدقائق معدودة، ليدلف بعدها بوجه مكفهر فتسألهم أعينهم بما فعل وإلام وصل، فيهتف بسخرية :- الهوانم طلعوا من على السور و استخدموا السلم، بجد برافو !
هتف المرشدي بغلظة :- شيري ما تعملش حاجة زي كدة أبداً، دي تصرفات ناس جاية من الشارع، و أظن أنتوا عارفين مين اللي عمل كده كويس !
تطلع له ابنه قائلاً بحزن :- بابا اللي بتغلط فيها دي تبقى بنتي و حفيدتك فبلاش كلام من دة إذا سمحت.
زفر بضيق قائلاً :- أياً كان! اللي اتعمل دة أكبر غلط، ونقطة سودة لعيلة المرشدي، لما بكرة تلاقي صورهم منورة الجرايد، وزي ما عاقبت شيري يا ريت تعاقب اللي أنت مش شايف غيرها من أول ما جات.
أردف بانفعال :- أقتلها يعني و أريحكم؟ دي بنتي ! بنتي يعني ليها زي ولادي الباقيين بالظبط و حاضر يا بابا هعاقبها ، بس اسمعها الأول.
أردف بغيظ :- و اشمعنا دي بالذات اللي هتسمعلها؟
تنهد بعمق قائلاً :- لأني متأكد أنها استحالة تعمل كدة، أكيد في حاجة دفعتها أو حاجة خلتها توصل للحالة دي، و قبل ما تتكلم وتقول واثق فيها و شيري لا، أنا واثق في تربية فاطمة بس مش واثق في تربية ناريمان، أنا من زمان وأنا حاطط حراسة عليها يراقبوا تصرفاتها، يعني مش دلوقتي لما ظهرت رحيق، من زمان يا بابا . بقلم زكية محمد
تدخل عمران قائلاً بروية :- دلوقتي لازم نتابع السوشيال ميديا و نتصل بمعارفنا في الصحافة علشان لو حد جاب ليهم صور يلحقوا يتصرفوا.
______________________________________
فتحت مقلتيها لتستقبل يوماً جديداً، مررت ذراعها على الفراش ناحية الصغير، إلا أنها لم تجده، فجلست نصف جلسة و بعثرت خصلات شعرها بعشوائية قائلة :- راح فين الشقي دة بس ؟
لتندرج الحمرة لوجنتيها قائلة بخجل و حب :- وإسلام هوريه وشي إزاي بعد اللي حصل ؟ دة شالني لحد هنا و نمت على دراعه و محستش بنفسي يا رب ميكونش لبخت في حاجة تانية مش فكراها .
ثم تابعت بشرود و عينيها تلمع ببريق عشقه :- هو أتغير أوي و مبسوطة أنه صدقني، ياااه لو تعرف يا إسلام بحبك قد إيه ومن إمتى؟ أكيد هياجي اليوم اللي هقولك فيه كدة .
صمتت قليلاً لتردف بخوف مبهم :- بس يا ترى هتتقبل حقيقتي و لا هتسبني من أول ما تعرف! يلا أنا مش هفكر في بكرة هخلي بكرة لبكرة…
بعد دقائق خرجت لتجدهم على طاولة الطعام يعدون المائدة، فنظرت لهم بدهشة قائلة :- إيه دة ؟ انتوا بتعملوا إيه؟
هتف إسلام بمرح :- صباح الخير الأول.
أردفت بحرج :- صباح النور، بس انتوا مصحتونيش ليه أحضر الفطار ؟
أردف بمرح و مزاح :- يا ستي إحنا شايلينك للتقيلة، أنتِ ناسية إن عندنا عزومة النهاردة ولا إيه ؟ هبقى أناديلك سامية تساعدك لأحسن تتعبي لوحدك.
هزت رأسها بنفي قائلة بعند :- لا ولا تعب ولا حاجة أنا أقدر أعمل كل حاجة لوحدي، كتبتلك الحجات اللي ناقصة.
أومأ بتفهم قائلاً :- ماشي تمام أبقي فكريني بيها قبل ما أنزل، يلا أقعدي أفطري .
جلست بجوار أحمد و قبلته من وجنته بعمق قائلة :- صحيت من غير ما أخد بوسة الصبح يا ميدو !
أردف إسلام بمكر :- لا خدها من زمان أوي.
قطبت جبينها بتعجب، فأسرع يقول :- قصدي يعني أنا بوسته الصبح.
هزت رأسها بتفهم، بينما هتف الصغير :- ماما إثلام ب…مممم
لم يكمل حديثه، حيث كمم إسلام ثغره بيده، وحمله واضعاً إياه على فخذه قائلاً بهمس وحنق شديد :- إحنا اتفقنا على إيه يا أبو حميد؟ هو دة إتفاق الرجالة برده!
نظر له الصغير بتذكر قائلاً بهمس بعد أن أزاح يده :- اه ثح نثيت يا إثلام، تمام أنا مش هقول وعد .
أردف بحنو :- كدة تبقى راجل وأنا هجبلك اللي أنت عاوزه لما ننزل .
أردف بحماس :- ماشي يا عمو إثلام، أنا عاوز اللعبة اللي قولتلك عليها امبارح.
ضحك بغيظ قائلاً :- محترم أنت أوي يا ميدو عند مصلحتك، ماشي يا بطل هجبلك اللي أنت عاوزه.
نظرت لهم بتعجب قائلة :- هو أنتوا بتقولوا ايه؟
ابتسم إسلام بتكلف قائلاً :- لا أبداً ما تخديش في بالك إحنا بس بنتفق على اللعبة اللي هنجبها لميدو .
هزت كتفيها بتعجب، و شرعت في تناول الطعام، بينما أخذ إسلام يطالع الصغير بغيظ وهو يسترجع بذاكرته ما حدث منذ ساعتين، حينما استيقظ بنشاط وابتسامة أعتلت ثغره، و تلقائياً لامس وجنته موضع قبلتها بالأمس، بعد أن أغتسل و أدى فرضه، توجه ناحية غرفتها و فتح الباب بهدوء حذر، فوجدها تغفو بسلام وإلى جوارها الصغير الذي ينام بطريقة مضحكة، فتوجه ناحيتهم وجلس بخفة إلى جوارها تاركاً جوارحه هي من تتولى زمام الأمور، تحركه وهو ينقاد خلفها بطواعية .
رفع يده ليبعد تلك الخصلات عن وجهها التي تحجب عنه رؤيتها، لا يعلم كم مر من الوقت وهو يراقبها دون كلل منه أو ضجر، بل وجد استمتاعاً في مراقبتها على ذلك النحو.
شعر بمغناطيس هي الشحنة السالبة وهو الموجبة فالتصق بها بجرأة منه، ليرد لها فعلتها بالأمس بكرم وسخاء . شعر ببركان انفجر بداخله، ولا يريد الابتعاد بل يريد أن يروي ظمأه وأن ينهل المزيد والمزيد من ذلك النعيم .
انتفض في مكانه حينما أتاه صوت الصغير الناس :- إثلام أنت بتبوث مامي عيب !
سب نفسه بداخله وعلى انجرافه على ذلك النحو . نظر للصغير بحرج بالغ، وقد تبدلت الأدوار ليشعر بأنه طفل أذنب أمام معلمه، وفجأة أخذ الصغير وحمله وخرج به كي لا تستيقظ و تتساءل عن سبب مجيئه إلى هنا. وضع الصغير على الأريكة وجلس قبالته، بينما أردف أحمد ببراءة :- عمو إثلام أنت بوثت مامي، عيب يا عمو .
مسح على وجهه بضيق قائلاً :- ميدو حبيبي أنا كنت…..كنت بشوفها سخنة ولا لا علشان لو عيانة أديها حقنة.
هز رأسه قائلاً بتفكير :- لا هي بتشوف الحرارة لما بتبوثني هنا وهنا.
قالها الصغير وهو يشير لوجنته و جبينه، فعض إسلام على شفته السفلى بغل من تفكير هذا الصغير، فأردف بكذب :- ما الصغيرين بس اللي بيتباسوا هنا لكن الكبار …..ولا ..ولا أنت هترغي كتير أنا مش محتاج أبررلك على فكرة .
أردف الصغير وهو يهز رأسه :- يعني الكبار مش زي الثغيرين .
أومأ له بتأكيد، فأردف بحذر :- بس بقولك إيه متقولش لحد .
هز رأسه بموافقة قائلاً :- ماشي يا إثلام، و دلوقتي أنا جعان .
أردف بحنو :- بس كدة ! يلا بينا على المطبخ و أنا هعملك أحلى فطار .
دلفا معاً و أعدوا الطعام، ولكنه غَفِل تماماً عن نقطة أنه طفل و بإمكانه اخبارها ذلك بسذاجة منه، لذا قام بمنعه عن مواصلة الحديث، وهو يشعر بتوقف دقات قلبه خشية أن يخبرها مجدداً، لذا عليه الخروج به من المنزل ليتحدث معه بالأمر.
بعد وقت نزلا للأسفل في طريقهم للوكالة، فأخذه على جانب وهتف بحذر :- شوف يا ميدو عاوز أقولك على حاجة كدة .
هتف بانتباه :- إيه يا عمو؟
أردف بحنو :- مش أنت راجل كبير دلوقتي، ولا لسة عيل صغير بيعملها على روحه؟
امتعضت ملامحه قائلاً بتذمر :- لا أنا راجل مش عيل .
أومأ بانتصار قائلاً :- تمام، شوف بقى الرجالة ما بتفتنش ولا بتروح تقول لحد على حاجة لما بتحصل، علشان بيبقى سر كبير .
أردف بطفولية :- أنا مش بقول ثر لحد .
أردف بغيظ :- وأحنا مش اتفقنا متقولش لماما على اللي حصل الصبح ؟
أردف بضيق :- بث أنت مقولتش ثر !
ضغط على فكه بقوة قائلاً :- يعني لازم أقول سر ؟ ماشي يا سيدي دة سر و متقولش لأي حد أياً كان، تمام؟
هز رأسه قائلاً بموافقة :- ماشي يا إثلام، يلا بقى هاتلي اللعبة .
عض على شفتيه قائلاً بغيظ:- ماشي يا مصلحجي لما نشوف أخرتها معاك..
صمت قليلاً ليردف بخفوت :- ومع أمك ..
ثم ابتسم بعبث قائلاً بتوبيخ لنفسه :- بس مكانش المفروض تعمل كدة، تستغلها هي ونايمة! لو عاوز تعمل دة أعمله في النور بدل ما أنت بتسرق زي الحرامية.
مر على صديقه محمد، و ألقى عليه التحية فهتف محمد بمرح :- إيه يا برنس شكل الغزالة رايقة، و الضحكة من الودن للودن، هي السنارة غمزت ولا إيه؟
هتف بغيظ :- قُر يا أخويا قُر، هو أنا إيه اللي جايبني ورا غير قرك دة !
ضحك بصخب قائلاً :- هو أنا هكرهلك الخير يا عبيط! ها طمني رفعت راسنا ولا؟
ضحك بغلب قائلاً :- والله أنت فايق و رايق، و بتقول كلام والسلام، أنا مش فاضيلك .
أومأ برأسه بتفهم قائلاً بعبث :- وماله يا كبير ، أهرب أهرب، بس مسيري هعرف.
ضحك الآخر مقرراً تجاهل أسئلته حتى يضع النقاط فوق الحروف، و يقف على أرض صلبة و ليتأكد هل هي تريد أن تُكمل في تلك الزيجة .
يا لك من أحمق لو تعلم مدى العشق الذي تكنه لك لأصابك الجنون و الصدمة. بقلم زكية محمد
_____________________________________
فتحت عينيها بتثاقل، و وضعت يدها على رأسها قائلة بتذمر :- اه يا راسي،صداع رهيب!
نهضت من مكانها وجلست نصف جلسة، و أخذت تحدق بالمكان قائلة بتعجب :- إيه دة ؟ أنا إيه اللي جابني هنا وأنا فين ؟
وما إن تذكرت البارحة ضمت نفسها بحماية قائلة برعب :- يا لهوي! أنا… أنا مش فاكرة حاجة..
– صباح الخير يا ….يا هانم!
انتفضت في مكانها على صوته، فالتفت ناحية صوت قائلة :- شادي!
أردف بتهكم :- أيوة شادي، أومال أنتِ كنتي متوقعة حد تاني ؟
مطت شفتيها بتعجب من حديثه قائلة :- حد تاني مين يعني؟ أنا مش فاهمة حاجة، هو مين جابني هنا، و شيري فين؟
أردف بغضب مكبوت :- سيبك من شيري و اللي جابك هنا، أنا عاوز توضيح منك فوراً للي حصل امبارح.
هزت رأسها بعدم فهم قائلة :- حصل إيه امبارح ؟ أنا مش فاكرة حاجة .
ضحك بتهكم قائلاً:- اه طبعاً هتفتكري إزاي وأنتِ سكرانة؟!
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- إيه؟ بتقول إيه؟ إيه سكرانة دي كمان!
أردف بانفعال :- هنستعبط دلوقتي مش كدة! رحيق ما تعصبنيش.
ارتعشت يديها تزامناً مع شفتيها بتوتر قائلة بصوت يوشك على البكاء :- لا لا والله ما فاهمة. أنا مش فاكرة حاجة، غير إني روحت ورا شيري خفت تكون بتعمل حاجة غلط، و خصوصاً لما لقيتها بتنط من فوق السور.
رفع حاجبه قائلاً باستنكار :- سور! ما شاء الله. اه و بعدين .
أردفت بدموع :- و بعدين روحت وراها المكان اللي راحتوا، و فعلاً كان في شباب وهي كانت قاعدة مع ولد، و لما زعقتلها قالتلي أنها مش بتعمل حاجة غلط، أنا مكانش قدامي غير أن استناها، وبس جابتلي عصير و شربته و مش فاكرة حاجة تاني.
هز رأسه بتهكم قائلاً :- يعني مشربتيش خمرة ؟
هزت رأسها بفزع قائلة :- لا والله أنا شربت عصير بيحرق في الزور بس، شيري قالتلي أنه عصير فخم كدة من بتوع الزوات .
رفع حاجبه بذهول قائلاً :- لا والله! فرقت هي يعني، العصير بيختلف بالمستوى!
أومأت بتأكيد قائلة :- أيوة زي ما في حجات هنا أول مرة أشوفها فأكيد العصير دة واحد منهم .
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- طيب شوفي يا غبية اللي شربتيه دة مكانش عصير، دة كان خمرة ايه رأيك بقى ؟
شهقت بصوت عال قائلة بخوف و دموع :- خمرة! أنا شربت خمرة؟! لا لا لا أنا كدة عصيت ربنا، دي كبيرة من الكبائر. يا لهوي يا مصيبتي، لا لا سامحني يا رب مكنتش أعرف مكنتش أعرف..
أخذت تردد تلك الكلمات، و انهارت في موجة بكاء حارة والندم حليفها على ما أقترفته من ذنب.
نظر لها بشفقة، وقد تأكدت شكوكه الآن، فهي بعيدة كل البعد عن أن تقترف مثل ذلك الجرم، فاقترب منها قائلاً بحنو :- رحيق أهدي خلاص أنتِ مكنتيش تقصدي .
نظرت له بوجه دامي، و الدموع تغرق وجنتيها قائلة ببكاء و شهقات متقطعة :- والله ما أعرف لو كنت أعرف أكيد مكنتش هقرب ناحيتها منك لله يا شيري أنتِ و صحبتك. كان مالي ما كنتي غورتي في ستين داهية .
ربت على ظهرها بحنو قائلاً :- خلاص أهدي وقومي كدة علشان نشوف هنعمل ايه في الباقي .
نظرت له بحذر قائلة:- ليه هو أنا عملت حاجة تاني؟ يا مصيبتي يا مصيبتي!
هتف بحدة :- ممكن تسكتي و تبطلي صويت؟
هزت رأسها بموافقة، بينما زفر هو بضيق قائلاً :- للأسف في حد صورك امبارح أنتِ و بترقصي .
شعرت وكأنها تسقط من فوق ناطحة سحاب، فسقطت أرضاً و تهشمت إلى فتات قائلة بذعر :- رقصت ! كمان رقصت ! يا لهوي يا لهوي، أعمل إيه أوري وشي للناس إزاي؟
هتف بحدة :- قولتلك بطلي صويت، الفيديو الحمد لله ما اتسربش و لحقنا الموضوع.
تنهدت براحة، ولكن زادت ضربات قلبها مجدداً حينما تابع :- بس في مشكلة تانية!
أردفت بنحيب :- في إيه تاني؟
نظر لها بحذر قائلاً :- في صور أتسربت للصحافة و السوشيال ميديا ليكِ و لمراد وهو يعني… أااا شايلك، وفي أوضاع أخدوها بذكاء علشان تبين حاجة تاني .
اتسعت عيناها بذعر قائلة :- حاجة إيه؟ وايه دخل مراد في الموضوع؟
أردف بتوضيح :- ما هو مراد اللي جابكم امبارح و لما كنتي سكرانة و وقعتي من طولك اضطر أنه يشيلك..اللي صور كان ذكي و قدر يصوركم في أوضاع توحي أنه يعني…..يعني… احم…
قاطعته قائلة بخجل :- بس بس خلاص فهمت . يا مصيبتي كان مستخبيلي فين دة ؟ يا فضيحتك يا رحيق ، يا شماتة أبلة طاظا فيا .
قطب جبينه بتعجب قائلاً :- أبلة طاظا مين؟
صرخت بحدة قائلة :- أخرس!
رفع حاجبه يطالعها بغرابة، بينما هتفت بحرج :- سوري اندمجت شوية في المشهد .
ضيق عينيه قائلاً بغيظ :- يا بت أتعدلي إحنا في إيه ولا في إيه! هنعمل ايه في المصيبة دي، أحسنلك تخليكي هنا و متطلعيش مراد على آخره برة ومش عارف يبرر للصحافة باللي عندهم دة بإيه ؟
وضعت يدها في خصرها قائلة بوجه ممتعض :- نعم يا عمر! ليه كنت خايفة منه ولا خايفة منه؟
أردف بسخرية :- أيوة روحي زي الشاطرة كدة و قوليله البوقين دول، دة مش بعيد يدفنك مكانك، كان فين عقلك كان فين؟
أردفت بتذمر :- أنا كنت خايفة عليها لا تكون بتعمل حاجة غلط، و بعدين هي فين دة أنا هشرب من دمها، أوعى كدة .
خرجت من الغرفة بسرعة البرق، وعيناها تجوب المكان بحثاً عنها، وما إن وجدتها تجلس إلى جوار والدتها، ضيقت عينيها بغيظ و وعيد، و انطلقت نحوها كالقذيفة، صرخت الأخرى حينما رأت نفسها ممدة على الأريكة، و الأخرى فوقها تشد خصلات شعرها قائلة بغضب :- والله لأربيكي يا كلبة بتشربيني خمرة؟!
أنهت كلماتها وغرزت أسنانها الحادة في ذراعها، بينما أطلقت العنان لصراخها الذي ملأ المكان .
أخذت ناريمان تدفع رحيق بغضب قائلة بكره :- ابعدي يا متوحشة عن بنتي. بقلم زكية محمد
أتى من بالقصر على صراخهم، فأسرع شادي يحمل رحيق قائلاً بحدة :- بس خلاص كفاية .
هتفت بوجه دامي من فرط الجهد وهي تطالعها بشراسة :- سيبني يا شادي لازم أعلم عليها، هي فاكراني مش هعرف أجيب حقي!
– بس أخرسي خالص!
ذئب يوسف
الفصل الرابع عشر
خيم الصمت للحظات، و ألجمتها الصدمة من وجوده أمامها و تدرجت الحمرة القانية لوجنتيها عندما تذكرت ما أخبره إياه شقيقها .
هتف المرشدي بحدة و غطرسة :- البيت بقى فوضى من ساعة ما دخلت البنت دي فيه و المصايب عمالة تنزل فوقينا.
أومأت سلوى قائلة بكره :- أيوة فعلاً، دي هتشوه اسم العيلة اللي لينا سنين محافظين عليه وجات هي عملت مشكلة لحفيدي مش عارف يطلع منها إزاي ؟
على الرغم من ألمها الداخلي جراء حديثهم، لم تعبأ بهم، و إنما توجهت لوالدها الذي يبدو على وجهه الأسى، وجلست لتكون في مقابلته قائلة بدموع :- أنا آسفة يا بابا والله غصب عني، سامحني يا بابا أنا استاهل منك أي عقاب، ولو عاوزني أمشي همشي و أريحكم مني، نار حاتم ولا إني أقعد مع ناس مش طايقين وجودي.
أردف بوجع :- ليه يا بنتي مُصرة توجعي قلبي
قبلت يده قائلة بلهفة :- بعد الشر عنك يا بابا من أي وجع .
مد يده ليمسح عبراتها بحنان قائلاً :- يبقى تخليكي جنبي، أنا مش هستحمل تبعدي تاني و أقعد أدور عليكي، أنا عارف إنك عملتي كدة غصب عنك.
أومأت بتأكيد قائلة :- اه والله يا بابا، آسفة كنت غبية بس أنا معرفش شكلها و للأسف صدقتها .
هز رأسه بتفهم قائلاً :- حصل خير علشان تاخدي بالك بس المرة اللي جاية .
أردفت سلوى بغطرسة :- بدل ما أنت عمال تدافع عنها كدة شوفلنا حل في المصيبة دي .
نظر الجميع لمراد الجامد والذي لم يتبين عليه أي تعبير بعد و أخذوا يراقبوا ردة فعله بحذر، بينما تقدمت الصغيرة من رحيق و ربتت على ذراعها قائلة :- ?what’s going on، أنت ليه تبكي؟
ابتسمت لها بخفوت قائلة :- أبداً يا حبيبتي أنا مش بعيط، دة التراب دخل في عيني.
قطبت جبينها بضيق قائلة :- في دوشة كتير وأنا مش عارفة أنام!
ربتت على شعرها قائلة :- معلش يا حبيبتي في مشكلة صغيرة، يلا روحي خلي الدادة تحضرلك الفطار و بعدين نبقى نلعب سوى .
أومأت بموافقة، و انصرفت لتنفذ ما طلبته منها، بينما هتف عمران بحذر:- مراد أتكلم أنت ساكت ليه؟! الصحافة برة القصر و الميديا كمان هنفضل محبوسين هنا ؟
رفع بصره تجاه تلك البلهاء التي تسببت في كل تلك المشاكل، هو الذي لم تقترب منه أنثى ولم يعرهن أي إهتمام رغم توددهن له حتى أن الصحافة و وسائل الإعلام لقبته ” قاهر السيدات”، أتت تلك لتهدم كل ذلك في لمح البصر، بعد أن تناولت الصحف صوراً تجمعه بها أُلتقطت بحرفية شديدة لتثير البلبلة و تؤكد أنهما على علاقة وطيدة ببعضهما.
لأول مرة يشعر بنيران تحرقه بداخله لطالما كان الجليد مخيم في أوردته.
حالة من الذهول شُكِّلت علي وجوههم، حينما قبض على ذراعها على حين غرة، ثم سار بها ناحية الخارج، بينما ظلت هي تحت تأثير الصدمة، حاولت أن تتحرر من قبضته إلا أنها كفت عن المقاومة حينما خرج صوته الأشبه بفحيح الأفعى :- بطلي حركة و أمشي من سكات، ومش عاوز أسمع منك نفس و يا ويلك لو عملتي حركة تافهة من بتوعك دول .
سرى الخوف بدمائها وهي ترى الغضب متجسد في عينيه، ازدردت ريقها بصعوبة و سارت معه مسلوبة الإرادة تنتظر القادم وما سيفعله.
أمر الحرس بأن يفتحوا بوابة القصر، فشهقت بصدمة حينما رأت هذا الجمع الغفير من الصحفيين و لمراسلين القنوات الإخبارية، دق قلبها بعنف فهي لأول مرة تقف في مثل هذا الموقف، بينما وقف هو جامداً ثابتاً يطالعهم بعدم اكتراث.
تقدم الحشد منه و أمطروه بوابل من الأسئلة التي تعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الشخصية وحياته بوجه خاص.
حك طرف أنفه و هتف بثبات :- أنا مش محتاج أبرر لحد اللي حصل ولا حتى يهمني، بس علشان أرضي فضولكم السخيف و المتطفل دة، دي بنت عمي جت من لندن من كام يوم و اتخطبنا و هنتجوز آخر الشهر . أظن دي خصوصيات محدش ليه دعوة بيها بس منعاً للغلط والكلام التافه اللي أنتوا كتبتوه امبارح اضطريت اقابلكم و تاخدوا من وقتي دقايق راحت على الفاضي.
أردف أحدهم بضيق من ردوده :- بنت عمك إزاي ؟ إحنا نعرف كويس أوي أن دي مش بنت عمك؟
أردف بجمود :- والله أنا مش هسيب شغلي و اللي ورايا و أقعد أقول معايا بنات عم و بنات خال، أظن كدة أرضيت فضولكم.
قال ذلك ثم دلف بها مجدداً للداخل، بينما منع الحراس الحشد من الولوج والذي بدأ في الرحيل تدريجياً.
ظلت على صدمتها لم تفق بعد، بينما وقف قبالتها قائلاً بغيظ شديد :- يا ريت تكوني مبسوطة بالمشاكل اللي عملتيهالي!
نظرت له أخيراً قائلة بتقطع :- أنت… أنت إيه اللي قولته من شوية دة؟
أردف بجمود وهو يضع كلتا يديه في جيوبه :- اللي سمعتيه!
أردفت بانفعال :- بأنهي حق تقرر عني حاجة زي كدة ها؟ الهبل اللي قولته من شوية دة تنساه خالص.
أردف بغيظ وحدة :- صوتك دة ميعلاش عليا، وأنتِ ملكيش الحرية أنك تتكلمي بعد اللي حصل لو أنتِ مش هامك صورتك فأنا يهمني .
ثم أضاف بسخرية :- يعني معملتش كدة علشان سواد عيونك.
أردفت بشراسة :- حوش ياض أنا اللي واقعة في دباديبك! دة أنت فريزر متنقل.
ضم قبضته بقوة قائلاً بفحيح :- لسانك دة أنا هعرف أوقفه عند حده كويس والكلام اللي قولته هو اللي هيتنفذ، شكلك مشوفتيش الكلام ولا الصور علشان كدة فاردة جنحاتك أوي كدة! اتفضلي يا هانم شوفي !
أنهى حديثه وهو يوجه ناحيتها الهاتف الخاص به، لتتسع أعين الأخرى بفزع، و وضعت يدها على ثغرها لا تصدق ما ترى .
ابتسم بتهكم قائلاً:- إيه شايفك خرستي يعني!
هزت رأسها بعدم تصديق قائلة بتلعثم :- اااا.. أنت إزاي تشيلني يا قليل الأدب ما هو كله من عمايلك مكانش دة حصل.
ابتسم لأول مرة قائلاً :- كمان! يعني أنتِ دلوقتي بتغلطيني؟ تصدقي أنا غلطان و المفروض كنت سبتك لحد ما الآداب جو خدوكم.
شهقت باستنكار قائلة :- إيه الكلام اللي بتقوله دة ؟ ما تحسن ملافظك.
لوح بيديه بعدم اكتراث قائلاً ببرود :- الكلام معاكي مضيعة للوقت وأنا مش فاضي .
أنهى حديثه ليدلف للداخل، بينما وقفت تنظر في أثره بغل واضح .
بالداخل هتف شادي بصدمة عندما علموا بما فعله :- أنت ازاى تعمل حاجة زي كدة؟ بتقرر من نفسك، ملهاش أهل ؟
أردف بهدوء :- عندك حل تاني؟
أردف بانفعال :- بطل برودك دة و كلمني زي البني آدمين، ملهاش اب أخ ترجعلهم؟ و لا أنت طبعاً أهم حاجة مظهرك قدام الناس !
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- لاحظ إنك عمال تغلط فيا، ولولا احترامي للموجودين كنت رديت عليك ردي المناسب و أظن أنت عارفه كويس، أما بقى لمظهري قدام الناس فأنا متهمنيش حاجة و أقدر عادي أطلع من الموضوع بسهولة، بس اللي هيتضر أختك و سمعتها.
ثم توجه ناحية عمه قائلاً بهدوء :- عمي أنا متأسف بس صدقني أنا عملت كدة علشان أنقذ سمعتنا و صورتنا كلنا، وهي كانت أكتر حد هيتضرر .
هز رأسه بهدوء قائلاً :- أنا عارف و مقدر دة كويس، وأنا لو قعدت اشكرك مية سنة لقدام مش هوفي حقك واللي عملته مع بناتي و متزعلش من شادي هو بس مندفع حبتين.
هز رأسه بتفهم قائلاً :- مفيش حاجة يا عمي، و بالنسبة للطريقة كل حاجة هتمشي زي ما أنت عاوز يا شادي بعد أذنكم دلوقتي أنا ورايا شغل .
قال ذلك ثم انصرف بهدوء، بينما هتف شادي بغيظ :- شايف بروده شايف؟
أردف عمران بروية :- خلاص يا شادي أنت عارف مراد هتوه عنه يعني! و يا سيدي بكرة بالليل لينا قاعدة مع بعض و نبقى نتفق و نمشي الأمور بالعرف اللي بينا.
انفردت ناريمان بسلوى قائلة بحقد :- شوفتي يا سلوى هانم أهو الهانم بدل ما توقع في مصيبة هتتجوز مراد حلم كل بنت .
هتفت بغطرسة :- زمان ابني اتجوز أمها و دلوقتي هي جاية تتجوز حفيدي، حفيدي أنا يرتبط بالبنت دي!
أردفت بغل :- طيب وهنعمل إيه هتسكتي يعني، احنا لازم نتصرف و بأسرع وقت..
هزت رأسها بموافقة، وبداخلها يفكر و يدبر لخطة لابعادها عن مرماهم تماماً.
صعد لسيارته و صدره و يعلو و يهبط بعنف قائلاً بغيظ :- الغبية الغبية مكانتش كدة هي و صغيرة! بس ماشي يا رحيق مبقاش مراد إلا لو علمتك الأدب من أول وجديد .. بقلم زكية محمد
______________________________________
جاء الليل سريعاً، فهتفت بثينة قبل أن تغادر :- يلا هسيبك بقى أنا يا مريومة دلوقتي قبل ما حد يجي من الجماعة .
ابتسمت بود قائلة :- تسلميلي يا بوسبوس ساعدتيني و خلصت بسرعة، إسلام لو عرف هيشمت فيا و يقولي تستاهلي مش قولتلك نادي سامية تساعدك.
ضحكت بخفة قائلة :- لا يا ستي أنا همشي أهو و محدش هيعرف حاجة، سلام.
انصرفت بثينة لتنظر مريم لهيئتها قائلة بتذمر :- أما ألحق أستحمى و اظبط نفسي قبل ما يجوا.
بعد وقت بدأ الوفد في القدوم، حيث دلف محمود برفقة سامية و ابنهما فاستقبلتهم بحفاوة، و تلي ذلك قدوم عمها و زوجته التي تعاملها بجمود منذ أن تزوجها إسلام، وتلاهم والدها و والدتها برفقة إسلام و أحمد.
وقفت قبالة والدها وهي تطالعه تارة، و تحدق بالأرض تارة أخرى، فهتف هو بندم :- إزيك يا مريم يا بنتي؟
هتفت بخفوت وتوتر :- الحمد لله يا بابا، أخبار حضرتك أنت إيه؟
ربت على رأسها بحنان قائلاً :- بخير الحمد لله يا بنتي.
نظرت له بدهشة من تحوله المفاجئ معها، فدلف للداخل ليلحق بالبقية، بينما مال إسلام على أذنها قائلاً بهمس ومزاح :- إيه رأيك في المفاجأة الحلوة دي؟ أنا اللي عملتها.
ابتسمت له بخفوت قائلة :- اه حلوة فعلاً، شكراً يا إسلام.
قطب جبينه بتذمر قائلاً :- شكراً! هو دة رد المعروف!
رفعت حاجبها بتعجب قائلة :- أومال إيه؟
أردف بمرح وهو يشير لوجنته قائلاً :- بوسة صغنتوتة كدة هنا..
شهقت بصدمة من تغيره المفاجئ، و تراجعت للخلف قليلاً، و تحول وجهها إلى شعلة نار، راقبها هو بتسلية قائلاً بخبث :- طيب خلاص هاخد أنا..
مال مقبلاً وجنتيها برقة، و انصرف مسرعاً للداخل وهو يكتم ضحكه على منظرها بصعوبة، بينما ظلت هي محلها كالجماد، شعرت بتوقف العالم من حولها و بهروب أنفاسها منها، و شعرت بتخدر في أطرافها، وصارت قدميها كالهلام فكادت أن تسقط لولا ذراعيه التي حاوطت خصرها قائلاً بضحك خافت :- كنت عارف والله إنك هتعملي كدة علشان كدة جيت.
حدجته بنظرات زائغة، و دقات قلبها تفضحها فخرجت حروفها المتقطعة بصعوبة :- أااا… أنا.. أنا مش قادرة أتنفس .
قالت ذلك ثم سقطت فاقدة الوعي، فحملها قائلاً بقلق :- يخربيتك ! هو أنا كل ما هاجي جنبك تفيصي مني بالشكل دة! يا فضيحتك يا إسلام هتعمل ايه و هتقولهم إيه؟
ولج للداخل فشهقن النسوة بقلق، و أسرعت والدتها تقول بذعر :- مالها مريم يا إسلام؟
حمحم بحرج قائلاً بكذب :- لا أبداً أصلها ضعيفة اليومين دول و بتوقع كتير، أكيد من المجهود اللي عملته النهاردة لوحدها، متقلقوش هفوقها حالاً.
دلف بها لغرفتها، و مددها برفق على الفراش، فأسرعت سامية وأتت له بقنينة عطر، فرش القليل على يده و قربه من أنفها، و بعد عدة محاولات استجابت و فتحت عينيها ببطء، وما إن رآها أردف بقلق :- أنتِ كويسة ؟
هزت رأسها بصمت، وهي على حالتها فأردف بخفوت بالقرب من أذنها:- أتعدلي بدل ما أرزعك واحدة تانية في حتة تانية قدام أختي.
سعلت بقوة في محاولة منها لاستيعاب حديثه الذي سيقودها للجنون، منذ متى وهو بتلك الوقاحة ؟!
اقتربت سامية منها قائلة :- ألف سلامة عليكِ يا مريومة، مش كنتي تناديني طالما تعبانة !
ما إن همت لتخبرها أنها ليست مريضة، كان إسلام الأسرع حينما ضمها بخبث قائلاً :- لا هي بقت كويسة دلوقتي يا سوسو، هي بس عاوزة تعرف غلاوتها عندنا.
ختم جملته مودعاً قبلة عميقة على رأسها كادت أن تطيح على ما تبقى منها، بينما أردفت سامية بمرح :- سيدي يا سيدي على الحب، طيب يلا يا أختي نحضر الأكل بدل ما محمود ياكلني.
ضحكت مريم على مزحتها، ولم تعي لذلك الذي يراقبها بشغف عندما اخترق صوت ضحكتها قلبه الذي يتعطش للمزيد والمزيد من قربها.
بعد وقت كان الجميع على طاولة الطعام و شرعوا فيه، أما هي كانت في عالم آخر منفصلة تماماً عنهم وكل ما يدور بمخيلتها الآن ما فعله معذبها للتو، وهي تكاد تصاب بالهذيان .
هتف موسى يثني على طعامها :- الأكل جميل كالعادة تسلم ايدك يا بنتي.
وكزها إسلام برفق بقدمه أسفل الطاولة لتنتبه، فتنحنحت بحرج قائلة :- ربنا يبارك في حضرتك يا عمي بالهنا والشفا.
هتف أيوب بهدوء في محاولة منه لتصليح الجدار المنهدم بينهما :- مريم نفسها حلو أوي في الأكل، ما بتكليش ليه يا بنتي؟
أردفت بخفوت :- باكل أهو يا بابا .
هتفت توحيدة بعتاب :- مش تاخدي بالك من صحتك يا مريم،بدل وشك اللي أصفر كدة و مخطوفة.
هتفت عواطف بسخرية مبطنة :- تلاقيها حامل ولا حاجة يا توحيدة..
وقف الطعام في حلقها مانعاً عنها التنفس وهي تفتح مقلتيها على وسعهما، و بدأت تسعل بشدة حتى تحول وجهها إلى اللون القرمزي.
اقترب منها إسلام بقلق بالغ و أخذ يضرب على ظهرها بخفة و ناولها كوب الماء قائلاً :- خدي اشربي ..اشربي..
ارتشفت القليل من المياه حتى عادت وتيرة أنفاسها لطبيعتها، ولكن لا زالت على صدمتها بعد، بينما هتف إسلام بخفوت مبطن بالسخرية :- حامل! حامل إيه يا أما دة أنا بوستها أغمى عليها، اسكتي الله يخليكي، قال حامل قال!
انقضت الأمسية بخير وسط الجو الأسري الدافئ، و بعد أن انصرفوا وقفت هي بالمطبخ تنظف الأطباق و ما خلفته تلك الدعوة، تهرب منه وعقلها لا يزال مصعوقاً و دقات قلبها أعلنت الحرب لخوض معركة طاحنة، جففت نثرات العرق على جبينها بيد مرتجفة، بينما صرخت فجأة حينما سمعت صوته قائلاً :- أساعدك في حاجة؟
ضحك بصخب قائلاً :- إيه يا مريم، إيه يا ماما ما تجمدي قلبك شوية كدة! مش معقول كل حاجة كدة على أعصابك .
هتفت بضيق :- ما أنت داخل من غير احم ولا دستور!
أردف باستنكار:- حاضر هبقى أرن الجرس المرة الجاية، المهم مش عاوزة مساعدة ؟
جعدت أنفها قائلة بتعجب :- تساعدني ! غريبة!
قطب جبينه بتساؤل، فأردفت بتعجب :- أصل يعني أنت راجل وكدة..
قاطعها قائلاً :- اه و شغل سي سيد دة! لا أنا مش كدة، وخصوصاً انك وقعتي من طولك و وقفتي اليوم كله تحضري الأكل لوحدك، فأكيد مش هروح أحط رجل على رجل وأقول تتفلق عادي، عادي جداً أساعدك دي حاجة مش هتنقص من رجولتي.
رفعت حاجبها بذهول قائلة :- يعني أنت هتغسل المواعين ؟
ثم أضافت بابتسامة بلهاء :- طيب تمام مفيش مشكلة، روح يا شيخ اللهي يخليك للغلابة اللي زيي، أهو كل حاجة عندك أنا هروح أريح عند التلفزيون شوية.
اتسعت عيناه بصدمة وهو يشاهد انسحابها من المطبخ قائلاً :- خدي يا بت تعالي هنا دي عزومة مراكبية الله يحرقك!
إلا أنها تركته بالفعل وتوجهت لتشاهد مسلسلها المفضل، بينما ضغط على يديه بقوة قائلاً بسخط :- ما بتصدقي الكلمة !
ثم أضاف بغيظ من نفسه :- وأنت كان لازم يعني تقول كدة، طيب ألبس أهو يا بطل.
بعد وقت من الصراع بينه وبين تلك الأطباق انتهت بفوزه بصعوبة، خرج ليجدها تشاهد التلفاز باستمتاع، فعض على شفتيه بغيظ قائلاً :- الله الله على الهانم اللي سايبة جوزها يغسل الصحون وهي قاعدة تتفرج قدام التلفزيون!
شهقت بخفوت قائلة ببراءة :- مش أنت قولت أنك هتساعدني!
أردف بغيظ :- اه قولت أساعدك مش تلبسيلي الليلة كلها!
ابتسمت بمكر قائلة :- بس إيه طلعتي ست بيت شاطرة أهو.
رفع حاجبه باستهجان قائلاً :- والله!
ضحكت بصخب قائلة:- منظرك وأنت بتغسل المواعين تحفة.
هز رأسه قائلاً بوعيد :- أيوة إيه تاني، تقلي من العقاب تقلي.
صمتت فوراً حيال سماعها كلمته الأخيرة، فأردفت بابتسامة بلهاء :- و جدع وحلو روح يا شيخ إلهي ما يوقعك في ضيقة أبداً، تاكل كيك؟ هجبلك كيك..
أنهت كلماتها و فرت للداخل خوفاً من العقاب الذي يتحدث عنه، بينما هز رأسه بضحك مكتوم قائلاً:- مجنونة!
عادت بعد دقائق وهي تحمل الأطباق المرصوص عليها قطع الكيك، و كوبين من النسكافيه و وضعتهم على الطاولة قائلة :- أهو المكافأة بتاعتك أهو.
أردف باستنكار:- عيل صغير أنا! أحمد هتضحكي عليه بحتة كيكة!
أردفت بتوتر :- أنا مش بضحك عليك، أنا عارفة إنك بتحبها و شلت حتة كبيرة عشانك.
أردف بعبث :- اه بحبها وأنتِ عرفتي منين إني بحبها؟
زاغ بصرها في المكان، و بدأت تفرك أصابعها بقوة قائلة بتوتر :- أاا..عرفت من مرات عمي قالتلي.
هز رأسه بتفهم قائلاً :- طيب يلا تعالي كلي معايا..
أردفت بسرعة :- لا لا أنا هروح أنام، تصبح على خير.
انصرفت من أمامه في طرفة عين، لتختبئ بغرفتها وما إن دلفت أخذ قلبها يتراقص فرحاً على أنغام العشق، و ابتسامة عريضة أشرقت وجهها بعد ليال عجاف أرقتها في مضجعها.
تمددت جوار الصغير و احتضنته بحب، ثم أوصدت عينيها لتسافر إلى رحلة نوم هانئة منذ زمن، بعد أن كانت تستقل رحلات الوجع والآلام في دروب عشقه.
______________________________________
تسير جيئة و ذهاباً بغيظ شديد بغرفتها بعد أن رفض والدها و شادي أن تخرج لتباشر عملها في تلك الأيام، أخذت تقطم أظافرها بغل و هي تتذكر حديثه الذي ما زادها إلا حقداً عليه فهتفت بانفعال وهي تركل الفراش بقدمها :- بقى يقولي كدة وأنا أقعد ساكتة من غير ما أنطق ولا أتكلم! اه يا ناري، تسيبيه يعلم عليكي يا رحيق!
ثم صرخت فجأة بصوتها العالي كي تنفث عن غضبها.
صدح رنين هاتفها بالغرفة فالتقطته وما إن رأت المتصل أجابت على الفور قائلة بحذر :- أنا آسفة يا مدام سندس مش هعرف أجي النهاردة، بابا مش راضي يخليني أخرج بعد الفضايح اللي حصلت امبارح.
أتاها صوت الأخرى قائلة بدهشة :- بصراحة أنا لما شفت الخبر ما صدقتش، بس الكلام اللي مكتوب تحت الصور و……حجات يعني أكيد أنتِ شوفتي.
عضت على شفتيها بغيظ قائلة :- ولاد الهرمة مش يشوفوا الأول قبل ما يتكلموا عالم فاضية بصحيح، بس متقلقيش المشكلة اتحلت.
أردفت بتعجب :- إزاي مش فاهمة ؟!
أردفت بحنق :- الفريزر قال إننا هنتجوز .
أردفت بحدة :- نعم ! دة اللي هو إزاي؟
إجابتها بهدوء :- زي ما سمعتي هي الأخبار لسة ما نزلتش ولا مش فاضيين بس غير للفضايح!
ثم أضافت بشكوى :- اسكتي يا سندس يا أختي، مش الفريزر يقرر بالنيابة عني وأنا قاعدة مصدومة، بس دلوقتي فوقت ومش هسكت و هطربق الدنيا فوق دماغه .
أردفت بضحك :- يا مجنونة اعقلي ! أكيد هو عمل كدة للصالح العام و لمصلحتك.
أردفت بتذمر :- يقوم جاررني وراه زي الجاموسة ولا كأن ليا لازمة! دة أنا هوريه .
هزت رأسها بيأس قائلة بروية:- خلاص يا رحيق أعمل إللي أنتِ عاوزاه، بس يا ريت تفكري كويس علشان المشكلة ما تتوسعش، و أخبار مرات باباكي إيه؟
ضيقت عينيها بغل قائلة :- اسكتي يا أختي جيبي سيرة عدلة، بس متقلقيش عليا دة أنا مورياها الويل هي و جدتي و بنتها إلهي تتشك في صباعها الصغير هي أصل المصيبة دي كلها، دي عيلة ما يعلم بيها إلا ربنا.
قطبت جبينها بتساؤل قائلة :- ليه هي عملت إيه؟
يجلس ينظر أمامه بشرود فانتبه للذي يسحب المقعد و يجلس إلى جواره قائلاً بضجر :- صباحك فل يا عمنا.
هتف بهدوء :- صباحك فل يا مدحت.
أردف بتساؤل :- مالك شايل طاجن ستك ليه؟
زفر بغيظ وغل قائلاً :- يعني أنت مش عارف ليه!
ضيق عينيه بمكر قائلاً :- طيب والعمل؟ هتسيبها كدة بعد ما توتوها و اكلتوها و علمتوها، ما يطولكش من الحب جانب؟ صحيح ناكرة للجميل ما صدقت مشيت لا بصت على أهل حارتها ولا أفتكرتهم.
أردف بحنق :- و هتيجي إزاي يا فالح بعد اللي عملته، إزاي تعمل كدة من غير ما ترجعلي؟ دي حتى أم بسمة غلطت فيها هتيجي لمين يا حدق؟
أردف بخبث :- طيب ما تتصرف أعمل أي حاجة بدل ما هي متنغنغة في العز وأنت طافح الكوتة هنا .
نظر أمامه قائلاً بتصميم :- أنا لا يمكن أسيبها تتهنى لوحدها بالعز دة، سيبني اقلبها في دماغي وبعدين هشوف هعمل إيه؟
أومأ له بهدوء وهو يبتسم بخبث لنجاح كلماته و تأثره بها، فهو لن يهنأ باله أبداً طالما ابتعدت عن مرمى بصره، و سيفعل أي شيء لتكون ملكه..
في مكان آخر، تغلي كبرميل البارود غضباً وهي تتطلع للشاشة أمامها والتي تعرض صورة لمراد مع تلك الفتاة الدخيلة عليهم.
كانت بجوارها صديقتها التي تراقبها بحذر خشية حدوث أي عواقب و هتفت بتوتر :- أهدي يا سالي دي اكيد أخبار
أنتِ عارفة الصحافة بتحب الحجات دي وكدة .
هتفت بغضب حارق :- واللي قاله من شوية برده كلام صحافة؟ بقى يسيبني أنا علشان دي !
أردفت الأخرى بروية :- ما أنتِ عارفاه لا عمره شوفناه مع واحدة ست ولا أي حاجة بس غريبة فعلاً أول مرة أشوفه في الوضع دة مع بنت.
أردفت بحدة :- بيري ! أنتِ بتفوري دمي زيادة بكلامك دة .
أردفت بحذر و توتر :- لا أنا ما أقصدش، إيه رأيك تكلمي ناريمان هانم و تستفسري منها عن الموضوع؟
هزت رأسها بموافقة وهي تنظر أمامها بغل قائلة :- أوك هعمل كدة، أنا استحالة أسمح للمهزلة دي تحصل . بقلم زكية محمد
______________________________________
بعد أسبوع ليلاً تجلس بضجر و ملامح الضيق مرسومة على وجهها، فقد سافر معشوقها لبورسعيد من أجل توريد البضائع التي بحاجة لها الوكالة ونفذت منها، وها هو غائب عنها لمدة ثلاثة أيام وقد اشتاقت إليه حد الهوس، وسرعان ما صبرت نفسها بأنه سيصل غداً بأمر الله، و ستروي قلبها أخيراً برؤيته سالماً أمامها فقد أدمنته و انتهى الأمر.
فاقت من شرودها على صوت الصغير قائلاً بتذمر:- يلا يا ماما علشان نقول happy birthday و نطفي الشمعة.
جثت على ركبتيها لتكون في مستواه و احتضنته بحب قائلة :- يا روح مامي أنت كبرت سنة و بقى عندك أربعة يا روحي، عقبال ما أشوفك أحلى عريس، كل سنة وأنت طيب ومعايا يا قلب ماما .
قبلها في وجنتها قائلاً:- وأنتِ طيبة ماما.
مسكت يده و خرجا معاً للصالة بعد أن ارتدت ملابس بيتية مريحة .
حملت الصغير ليجلس على المقعد و قامت بإشعال الشمعة التي تحمل العدد أربعة، و بدأوا يغنون معاً و يتراقصون، حتى أطفأ الصغير الشمعة بحماس و فرح .
التقطت الهاتف و بدأت تلتقط لهما الصور سوياً، وهم يمرحون بسعادة.
بالأسفل وصل باكراً عن معاده لتيسر الظروف، بعد أن تمم على البضاعة مع عمه و والده هتف بهدوء :- طيب عاوزين حاجة تاني أنا طالع أدي أحمد الهدية بتاعته قبل ما ينام.
هز موسى رأسه بنفي :- لا يا ابني أطلع ارتاح وبكرة بإذن الله نبقى نتمم على الحسابات .
أومأ بهدوء وصعد للأعلى وهو يطالع تلك العلبة المغلفة والتي أحضرها ليهادي بها الصغير فلم ينسى أن اليوم هو عيد ميلاده الرابع .
صعد بسرعة وما إن توقف أمام الشقة، سمع بعض أصوات الموسيقى فابتسم بمكر فهو لم يخبرهم بعودته ليصنع لهم مفاجأة.
فتح الباب بحذر و هدوء كي لا يشعران بوجوده، واغلقه بنفس الهدوء ليمشي على أطراف أصابعه نحو مصدر الصوت فكاد أن يتحدث بصوته العالي ليخبرهم بقدومه، إلا أنه وقف مصعوقاً يشاهد تلك الجنية تتمايل على أنغام الموسيقى و تضحك للصغير الذي يحاول تقليدها. بقلم زكية محمد
أخذ يتفرسها بنظرات تكاد تلتهمها من رأسها لقدميها.
خرج صوته قائلاً بإعجاب صارخ وهو يتأمل ما ترتديه فيبدو أنها انتهزت غيابه لتبدو بتلك الفتنة وكم هو ممتن للظروف التي لو أخرته ما كان سيقف هنا و يرى تلك المتمردة، خرج صوته العابث قائلاً :- ألعب! يا هوت شورتاتك يا عتبة !
ذئب يوسف
الفصل الخامس عشر
يجلس الجميع في البهو الكبير، وفي المنتصف يجلس المأذون وعلى يمينه مراد و على يساره مجدي لبدأ مراسم كتب الكتاب، و على مقربة منهم كانتا تجلسان و الحقد يتصاعد منهن كألسنة اللهب فهن ظنوه أنه يقول هكذا ليخرس ألسنة الصحافة و الإعلام، و لكنه مستمر في تلك اللعبة .
بالأعلى تزفر بضيق بينما تقف زوجة عمها إلى جوارها و صديقتها آلاء التي هتفت :- بسم الله ما شاء الله على عروستنا القمر.
امتعض وجهها بضيق قائلة :- دي جوازة الندامة يا أختي!
هتفت زوجة عمها بهدوء :- ليه يا حبيبتي ألف بعد الشر، ربنا يجعلها جوازة العمر و يسعدك العمر كله.
عضت على شفتيها بغيظ قائلة :- يعني أنتِ مش عارفة يا مرات عمي ! دي لعبة و مسيرها تنتهي وأنا اللي هطلع خسرانة في الليلة دي لما أطلق و سيرتي تبقى على كل لسان.
ربتت على ظهرها بحنو قائلة :- لا يا حبيبتي خير بإذن الله، مين عارف مش يمكن الجوازة دي تستمر علطول!
رفعت حاجبها قائلة باستنكار :- علطول! ومع الفريزر دة! سوري يا مرات عمي ما اعتقدش.
ضحكت بخفة قائلة :- لا صدقيني مراد كويس جداً و بصراحة أنا أكتر واحدة فرحانة أنه خلاص أخيراً أتجوز بعد ما كنت شوية كمان و هفقد الأمل فيه.
أردفت بتبرم :- اه وكل واحد هيحقق أمنيته على قفايا! ما أنا اللي استاهل ضرب الجزمة من الاول، كان لازم أعمل فيها سبع رجالة في بعض و أروح ورا الهانم .
تدخلت آلاء قائلة بروية و مرح :- يا بت ما تبقيش كئيبة كدة افردي وشك دة ويلا علشان ننزل الناس مستنية تحت.
زمت شفتيها بعبوس قائلة:- ماشي يا أختي أدينا نازلين.
بعد وقت تم كل شيء و ارتبط اسمها إلى جوار اسمه تحت ميثاق الزواج، أما هي كانت في موقف لا تحسد عليه فكانت تشعر بالضياع وسط كل ما مرت به وتمر، و لوهلة تساءلت ما الذنب الذي أقترفته لتُعاقب عليه؟ سرعان ما استغفرت ربها وأنه القدر لا مفر منه.
نظرت لوالدها لتجد في عينيه دموع ولكنها دموع فرح، ربما لثقته بابن أخيه الذي لا تعرفه جيداً، و حولت مقلتيها لتلك الأفاعي المتجسدة في جسد إنسان، و رأت الغضب و الحقد مرسوم بأعينهن، فابتسمت بخبث فما أسعدها عندما ترى الحنق مرسوم على وجوههن، فأخذت تبتسم باصطناع لترسل لهن أن ما يحدث يروق لها.
على الجانب الآخر كان والدها ينظر لها بحب، وعاد بذاكرته للخلف و بالتحديد في الصباح حينما أخبر مراد بأن يعجل في الزواج كي يخرس ألسنة الجميع، و أيضاً لسبب آخر خوفه عليها فهو لن يكون قادراً على أن يحميها وهو قعيد كرسي متحرك، فلتكن إلى جواره هو و مسؤوليته التي وكله إياها فهكذا سيكون مطمئناً عليها أكثر، لأنه يعلم مراد جيداً إن عبث أحد مع شيء يخصه ينسفه و يمحوه تماماً.
توالت المباركات و التهاني عليهم عدا المذكورين في السابق، تحدث عمران لتلطيف الأجواء المشحونة :- إيه يا مراد، ما تاخد مراتك و تقعدوا مع بعض شوية في أي حتة برة.
هتفت رحيق بتسرع :- لا! أنا قصدي ….مش عاوزة أطلع يعني و كدة..
أردف بتفهم :- طيب خلاص على الأقل اقعدوا مع بعض شوية أهو تتعرفوا على بعض أكتر ولو برة جنينة القصر.
كان يبدو من الخارج جامداً، ولكن بداخله كان يود الإعتراض، خاب أمله حينما هتفت لميس بحماس:- اه كويس جداً يلا يا مراد يا حبيبي..
جز على أسنانه بقوة، و أومأ لهم بموافقة، ومن ثم خرجا معاً تحت ضغطهم، وتحت نظرات الغل الأخرى التي كانت تتابعهم.
ما إن وصلا للمسبح جلس هو على المقعد المجاور له و أخرج هاتفه وأخذ يتصفحه، غير مبالي بالتي تقف و تغلي كالمرجل و تهز ساقيها بعصبية وهي تراقب بروده قائلة بخفوت :- فريزر فريزر مغلطتش يعني!
سارت بعض الخطوات لتجلس على المقعد بجواره تارة تنظر للماء اللامعة على الاضواء و تارة تنظر أمامها حتى أصابها الضجر، فتأففت بضيق قائلة :- أظن كدة كفاية حرقة دم!
وما إن نهضت هتف بصوت صارم :- أقعدي!
هتفت بغيظ :- نعم! لا مش هقعد، هقعد أعمل إيه؟ دة حتى الجو يخنق .
جز على أسنانه بعنف قائلاً بتهديد :- بقولك أقعدي يعني تقعدي..
جلست بعنف قائلة بتذمر :- أنا عارفة أنها جوازة شوم من الأول محدش صدقني! طيب أتكلم معايا أعمل أي حاجة بدل ما أنا قاعدة كدة..
رفع حاجبه بتهكم و رمقها بنظرات سخرية ثم تابع ما يفعله. استشاطت غضباً وخاصة عندما رأته يبتسم للشاشة فعلمت أنه يحدث شخصاً ما ولكنها لا تعلم من بالتحديد، فقامت بسحب الهاتف منه قائلة بحدة :- على فكرة أنا بكلمك بطل برودك دة!
أردف من بين أسنانه:- هاتي الفون.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا مش هدهولك إلا لما تحترمني الأول، الزفت دة مش أهم مني.
أردف بضجر :- هاتي الفون و بلاش دراما و اه الفون لما يكون فيه شغلي يبقى أهم منك.
ازدادت وتيرة أنفاسها، وبلحظة تهور ألقت الهاتف خلفها والذي لم يكن سوى داخل المسبح، فاتسعت عيناها بذعر خاصة عندما رأت نظراته التي يرمقها إياها والتي بمثابة أسهم حارقة، إذ هتفت بتلعثم :- أااا….. أنا ما …ماأقصدش يا مراد والله، أنا كنت قاصدة أرميه على الأرض…. أنا… أنا همشي..
وما إن استدارت لتفر و تلوذ بالنجاة، وجدت من يطبق على ذراعها بقوة حتى كاد أن يهشمه. تبادلا النظرات ما بين خوف و غضب نهاه حينما أردف بفحيح :- انزلي هاتي الفون.
قطبت جبينها بتوتر قائلة :- أنا….مش ..مش بعرف أعوم….
قاطعها قائلاً بعدم اكتراث :- مش مشكلتي يلا هاتي الفون..
أردفت بحنق:- هو أكيد باظ هتعوزه في إيه؟
دفعها بحدة قائلاً بجمود :- يلا.
هزت رأسها بخوف عندما رأت الإصرار بعينيه، فنظرت للمسبح و توجهت ناحيته، و بلحظة رددت الشهادة و قفزت بداخله لتحرك ذراعيها بعشوائية تناضل للعيش، وهي تحاول البحث عن الهاتف، فشعرت بأنها النهاية فاستسلمت للأمر الواقع، وما هي إلا لحظات حتى سكن جسدها في الماء.
ظن أنها تكذب لذلك أصر على أن تحضره، و لكن انتابه القلق حينما وجدها ساكنة هكذا في الماء، فقفز خلفها على الفور وقام بإخراجها و مددها على الأرضية، و أخذ يضغط على قفصها الصدري و لجأ لانعاشها بالتنفس الصناعي، و بعد عدة محاولات شهقت بقوة و أخذت تسعل بشدة و تتنفس بصعوبة، بينما هتف هو بغيظ :- اتنفسي براحة..
فعلت ما املاه عليها، ثم أخذت تضربه بقبضتيها في أماكن متفرقة قائلة بحدة :- كله بسببك يا جلاب المصايب مش هترتاح إلا لما تموتني!
نظر لها باستنكار قائلاً :- شكلك ناسية اللي عملتيه!
نظرت لملابسها بضيق قائلة :- هدومي اتبلت هدخل إزاي قدامهم كدة ؟
أردف بخبث :- زي الطريقة اللي طلعتي بيها من الفيلا المرة اللي فاتت.
اصطكت أسنانها بغضب قائلة :- بطل تلميحاتك الزفت دي، كان يوم أسود.
أردف بجمود وكأنه شيئاً لم يكن :- تعالي ورايا..
قال ذلك ثم سلك طريقاً آخر من الخلف للوصول للأعلى دون أن يراهم أحد، فكورت قبضتها بغل و سارت خلفه، و لكن ما لم يكن في الحسبان شاهدتهم ناريمان التي هتفت باذدراء والتي كانت تشاهد لحظة اقترابه منها عندما كان ينعشها وقد فسرت الأمور بشكل خاطئ :- إيه قوام سحرتيه! مش غريبة عليكي مامتك عملتها قبلك.
غلت الدماء بعروقها فهتفت بحدة :- بقولك إيه يا ست أنتِ كله إلا أمي مش هسمحلك ولا هسمح لأي حد يجيب سيرتها بالوحش.
أردفت بسخرية لاذعة :- و منظرك دة تفسريه بأيه مش قادرين تصبروا لحد الفرح!
صرخت بحدة أفزعت من أمامها :- أخرررسي!
تدخل مراد منهياً ذلك الجدال قائلاً ببروده المعتاد :- أظن أنها مراتي و بعلم الكل يعني أي حاجة تحصل بينا لا هي غلط ولاحرام .
أنهى حديثه و امسك يدها و صعد بها للأعلى، بينما رفعت حاجبها بشر قائلة :- لا بقى دة أنا لازم أتصرف بأسرع وقت مش هستنى كتير.
أردفت بخفوت وغيظ :- سيب أيدي يا جدع أنت.
ولكنه كالأصم لم يتركها إلا عند باب غرفتها قائلاً بجمود قبل أن يغادر :- يا ريت بعد كدة متتصرفيش بغباء تاني.
اختفى بلمح البصر، لتلكم الجدار بيدها بقوة قائلة بغل :- اه يا ابن الناس الطيبين! و حياة مقاصيصي لأوريك يا فريزر.. بقلم زكية محمد
______________________________________
شعرت بدلو ثلج سُكب عليها في شهر يناير، فاصطكت أسنانها ببعضهما بقوة، و سرعان ما تحول الفصل لتشعر بالحرارة تغزو وجنتيها و سائر جسدها.
اتسعت عيناها بذهول وهي تراه ماثلاً أمامها يبادلها ابتسامة عابثة، و لوهلة شعرت بالخوف حيال نظراته المصوبة نحوها والتي لا تبشر بالخير.
أطلقت صرخة عالية فجأة وهي تدور حول نفسها كالمجنونة قائلة :- غمض عنيك، غمض عنيك يا قليل الأدب.
ضحك بخبث قائلاً :- و ربنا ما أنا سايبك النهاردة، كدة يا مريومة يا بخيلة أول ما أغيب تلعلعي كدة!
راقبت تقدمه منها بأنفاس تكاد تجمعها من الهواء الذي هرب من حولها، بينما أخذ يتفحصها قائلاً بمكر :- ما شاء الله، من أين لكي هذا؟
أردفت بخجل زائد :- إسلام بطل الولد قاعد .
نظر للصغير الذي يطالعه ببراءة قائلاً :- إزيك يا أبو حميد كل سنة وأنت طيب يا بطل، بص شوف جبتلك إيه؟
أنهى حديثه وهو يمد له تلك اللعبة، فركض الصغير نحوه و التقطها منه و فتحها بحماس وما إن رآها فرغ فاهه بدهشة قائلاً بفرح :- الله حلوة أوي يا إثلام.
مال عليه مقبلاً إياه بوجنته بحب قائلاً :- قلب إسلام أنت يا أبو حميد، يلا يا بطل روح أوضتك عاوز أقول لماما كلمة سر.
أومأ بتفهم قائلاً :- ماشي، بث بعدين نلعب مع بعض؟
هز رأسه بموافقة قائلاً :-حاضر يا أبو حميد.
ركض الصغير للداخل، بينما انتصب هو في وقفته و نظر لمريم التي كادت أن تنصهر كالجليد من فرط الخجل، والتي سحبت غطاء الطاولة و لفته حولها، فانفجر ضاحكاً عليها قائلاً :- لا يا مريومة مفناش من كدة ما تبقيش بخيلة أومال، ولا أحمد بس اللي ليه كل حاجة ! طيب اعتبريني ابنك يا شيخة والله الواد أحمد دة محظوظ حظ، أوعدني يا رب نص حظه.
اقترب منها قائلاً بخبث :- شيلي المفرش شيلي خلينا نتفرج كويس، قصدي يعني نتكلم مع بعض كويس.
أردفت بتقطع :- أنا….. أنا دايخة.
أردف بفزع :- لا أبوس إيدك ما تفيصيش دلوقتي، بصي اتنفسي واحدة واحدة و هتبقي زي الفل.
اقترب منها ليتخلص من ذلك الغطاء بخبث، ثم أخذ بيدها و جلسا معاً على الأريكة قائلاً بحنو :- أهدي و اتنفسي براحة كدة ..
أطاعته و بدأت تتنفس بتمهل حتى هدأت، فأردف بحذر وهو يناولها كوب الماء :- خدي اشربي المياه هتهدي أكتر.
تناولت منه الكوب، و ارتشفت منه القليل وهتفت بتوتر وخجل :- أنا… أنا هروح أشوف أحمد.
امسك يديها قائلاً بعبث :- أحمد جوة بيلعب، خلينا في عم أحمد و ام أحمد.
شهقت فجأة قائلة بضياع :- ها ؟
ابتسم بهدوء و أعاد خصلات شعرها خلف أذنها قائلاً بهمس وجرأة :- إيه القمر دة!
اتسعت حدقتيها بمزيد من الصدمة، و فجأة أخفت وجهها بصدره قائلة بتوسل و خفوت :- ما تبصليش كدة، أنا خايفة !
اهتز قلبه بعنف بين اضلعه و اذدرد ريقه بتوتر من قربها الزائد، إلا أنه لم يحرم ذاته من التقرب منها، إذ دفن وجه بجوف عنقها قائلاً وهو يطبع قبلة هادئة على شريانها النابض، انتفض سائر جسدها على أثر ذلك، وهتف بصوت مبحوح :- خايفة ليه؟
شهقت بصوت مسموع، وما إن همت لتغادر حاوط خصرها قائلاً بمكر :- رايحة فين بس! عاوز أقولك حاجة.
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- حاجة إيه؟!
لم يستطع مقاومتها أكثر من ذلك، فاقترب منها كالمغيب يروي ظمأ ليال عجاف . بعد وقت ابتعد عنها ليسند رأسه على خاصتها قائلاً بعاطفة جياشة :- وحشتيني وكنت عاوز أسلم عليكي.
لا لن يتحمل قلبها الصغير هذا الكم من الصدمات على دفعة واحدة، شعرت بدوار عنيف يعصف بها و استسلمت لتلك الظلمة فأغلقت عينيها و استكانت بين ذراعيه، بينما زفر هو بضيق قائلاً :- لا وربنا كدة كتير! مريم مريم فوقي الله يحرقك مكانتش بوسة دي!
بعد محاولات عدة منه لافاقتها استجابت أخيراً له، و فتحت مقلتيها قائلة بضعف و كأن عقلها يرفض تصديق ما حدث للتو :- هو في إيه؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- ما شاء الله يعني من أول ما أقرب يغمى عليكي و تصحي فاقدة الذاكرة! يا فرحة أمي بيا.
قطبت جبينها قائلة بدهشة :- أنت تقصد إيه؟
أردف بغيظ :- لا صحصحي معايا كدة، أنتِ مش فاكرة اللي حصل خالص ؟!
عادت للخلف بذاكرتها لتسترجع تلك اللحظات لتستوعب أنها حقيقة و ليس حلم كما تخيلته، لتغزو الحمرة وجنتيها بخجل زائد.
ابتسم بمكر وهو يسير بأطراف أصابعه على وجنتيها قائلاً :- شكلك أفتكرتي يا خلبوصة!
نهرته بخجل :- إسلام!
أردف بعبث :- الله! هو اسمي حلو كدة وأنا ما أعرفش!
صرخت بحدة قائلة:- أنت بقيت قليل الأدب كدة ليه؟ أوعى سيبني.
ضحك بخبث قائلاً :- هو حد يشوف القمر دة و ميبقاش قليل أدب!
وضعت يدها على جبينه قائلة بتعجب :- أنت سخن؟!
أردف بإعياء مصطنع :- اه سخن أوي حتى شوفي كدة.
ضيقت عيناها بغيظ، حينما كُشِفت لعبته فوكزته بذراعه قائلة :- بطل كدب.
ضحك عالياً وهو يقول :- اعملك إيه طيب؟! مش أنتِ اللي بتسألي أسألة غير منطقية وملهاش أي دخل بالموضوع!
طالعته بحذر قائلة :- إسلام أنت بتعمل كدة ليه؟ أنا مش فهماك!
تنهد بعمق قائلاً بحيرة :- ولا أنا فاهم نفسي يا مريم، بس أنا ببقى مبسوط وأنا جنبك، اليومين اللي غبتهم حسيت بفراغ كبير أنتِ كنتي ملياه وأنا مش واخد بالي، مريم أنا مش عاوز نبقى كدة عاوز نبقى زي أي اتنين متجوزين من غير مشاكل.
أردفت بضياع :- ها أنت قولت إيه؟
أردف بتأكيد:- اللي أنتِ سمعتيه يا مريم، ها موافقة نكمل ولا نفضل على اتفاقنا اللي أول مرة ؟
لم ترد عليه وكيف ترد و أخرستها الصدمة تماماً، أيسألها إن كانت موافقة أن تكمل حياتها معه! وهي التي تتمنى البقاء بجواره إلى أن يأذن الله؟
لمع الدمع بعينيها بعدم تصديق لما تسمع، بينما أردف هو بحذر :- مالك يا مريم، هو كلامي دايقك؟
اعتصر عينيه بعنف وهو يحلل سبب الدموع بشكل خاطئ ليردف بهدوء مصطنع :- اعتبري إنك مسمعتيش حاجة و آسف لو ضايقتك و فرضت نفسي عليكي.
وما إن هم ليقف، وجدها تتشبث بيده فنظر لها وجدها تهز رأسها بنفي و دموعها تهطل بغزارة، فتراجع فوراً وجلس إلى جوارها قائلاً بقلق :- طيب أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي؟
لم تجب وانما ازدادت في البكاء، وهي تخشى أن تخبره بحبها له حينها سيتهمها بالخيانة لأخيه و هذا ما لن ترضى به أبداً.
مد يده ليمسح عبراتها بحنان قائلاً:- طيب ممكن تبطلي عياط؟
هزت رأسها بموافقة لتحاول كبت دموعها التي نزلت رغماً عنها، لطالما تظاهرت بالقوة أمام أعينهم، فأردف هو بروية :- ها سامعك عاوزة تقولي إيه؟
نظرت أرضاً قائلة بخفوت :- ممكن تديني شوية وقت؟
هز رأسه بتأكيد قائلاً:- طبعاً خدي الوقت اللي أنتِ عاوزاه بس يا ترى فيه أمل و لو حتى بسيط؟
هزت رأسها بخفوت وخجل بنعم، فابتسم قائلاً :- تمام، يبقى خدي وقتك براحتك و أهو فرصة نتعرف على بعض أكتر من غير ما نتخانق مع بعض.
ثم أضاف بعبث وهو يشير لها :- بس بشرط ما تقطعيش بعادتك دي.
لم تفهم ما يرمي إليه إلا عندما نظرت إلى ما يرمي إليه بصره، فشهقت بخجل و سرعان ما نهضت وهي تركض للداخل صارخة بتذمر :- قليل الأدب.
هز رأسه بضحك قائلاً بصوت عال :- يا ميدو تعال يا حبيب عمو تعال ..ثم تابع بصوت خافت يملئه الغيظ :- تعال على ما أمك تحن علينا .
بالداخل وضعت يدها على ثغرها بعدم تصديق وابتسامة واسعة أفتقدتها منذ زمن بعيد و قلبها يقيم حفل غناء راقص يحتفل بما سمعه منذ قليل، تمددت على الفراش وهي تتطلع للسقف و عينيها الحب منها يفيض ومن ثم أخذت تقفز بسعادة و ودت لو تصرخ بجنون الآن فلن يلومها أحد على ما هي فيه فيالها من سعادة غمرت روحها التي كاد أن يتآكلها الحزن.
______________________________________
في الصباح الباكر تقف بركن بعيده بالقصر تضع على أذنها تنتظر رد الطرف الآخر الذي ما إن أجاب هتفت بحذر :- ها عملت اللي قولتلك عليه؟
– أيوة يا ناريمان هانم.
أردفت بنشوة انتصار :- طيب هستنى اللي طلبته منك في رسالة فوراً دلوقتي .
أنهت المكالمة لتأتي لها رسالة بعد ذلك، ما إن قرأت ما بداخلها نظرت أمامها قائلة بشر :- مش هستنى لما سلوى هانم تقول هعمل إيه و مهعملش ليه، أنا لازم أتصرف و أخلص الموضوع دة بنفسي.
____________________________________
استيقظت صباحاً بنشاط و أعدت الطعام، و وقفت تعض على إصبعها بخجل وهي تتطلع لباب الغرفة التي يقبع بها، و بالأخير حسمت الأمر إذ دلفت بخطا حذرة لتراه مازال غافياً.
تقدمت نحو الفراش و أخذت تتطلع إليه بحب تتأمله بعشقها المكنون له منذ زمن. مدت يدها لتوكزه بخفة بذراعه قائلة بخفوت :- إسلام.. إسلام أصحى.
صرخت بفزع حينما وجدت نفسها مكبلة بين ذراعيه و قريبة منه حد الهلاك حينما جذبها نحوه فجأة فهتفت بعتاب :- إسلام خضتني!
ابتسم لها بحب قائلاً :- سلامتك من الخضة يا قمر، طيب بزمتك في حد يصحي حد كدة! بالرقة دي مش هيصحى خالص.
أردفت بخجل وهي تحاول أن تبتعد عنه لتستطيع التنفس :- طيب قوم علشان تفطر.
قطب جبينه بتذمر قائلاً :- كدة من غير ما تصبحي عليا يا مريومة !
عضت على شفتيها بخجل قائلاً :- صباح الخير.
لم يستطع الصمود أكثر من ذلك إذ جذبها نحوه و روى ظمأه. ابتعد عنها بعد وقت قائلاً بخبث :- أحلى صباح دة ولا إيه!
و حينما رأى جسدها المتخشب أردف بحذر :- أوعي تقولي هيغمى عليكي!
دفعته بعشوائية لتفر من أمامه، بينما هتف هو بضحك :- الحمد لله المرة دي مفيصتش مني شكلها كدة خدت مناعة.
بعد وقت جلست بجوار أحمد الذي هتف بطفولية :- إثلام صحي ولا لسة أنا جعان.
أتاه صوته المرح قائلاً :- لا يا ميدو إثلام صحي أهو.
جلس هو بدوره و شرعوا في تناول الطعام، و وسط ذلك صدح هاتفه برنين معلناً عن وصول رسالة فقام بفتحها قائلاً بضجر :- يا دي العروض و الباقات اللي مش هتخلص.
وما إن فتح الرسالة و قرأ محتواها تجمد كالجليد، و تجهم وجهه و غلت الدماء بعروقه و تعالت وتيرة أنفاسه و سلط وجهه على الرسالة تارة و على مريم تارة أخرى، و دقق في محتوى الرسالة و أخذ يقرأ كلماتها مراراً و تكراراً ” مراتك بتخونك و بتستغفلك”
نظرت له بتعجب من تغيره المفاجئ فسألته بقلق :- مالك يا إسلام؟ خير إن شاء الله.
أردف باقتضاب :- مفيش! ثم نهض قائلاً بجمود :- أنا نازل الشغل خليك أنت يا أحمد النهاردة.
أنهي كلماته ثم غادر مسرعاً، بينما أخذت تطالع أثره بتعجب شديد قائلة :- يا ترى إيه اللي غيَّرك كدة؟!
فاقت من شرودها على صوت الصغير قائلاً:- ماله إثلام يا ماما زعلان ليه ومش خدني الكوالة؟
ربتت على شعره قائلة بحنو :- مش عارفة يا ميدو لما يجي نبقى نسأله، يلا كل فطارك علشان هنروح لسامية. بقلم زكية محمد
_____________________________________
بعد مرور أسبوع لم يحدث به شيء سوى عودة رحيق للعمل مع سندس بعد محاولات عدة في ترجي والدها و أخيها حتى وافقا على ذلك، و تتعامل بتحفظ مع مراد منذ آخر موقف.
استمر هذا الرقم المجهول في إرسال الرسائل التي تخبره في كل مرة أنها خائنة، تخونه وأنها على علاقة بآخر وهو يكاد يجن حتى بات يراقبها و يتصرف معها بجمود أثار دهشتها و حزنها في ذات الوقت فقد عاد لما كان عليه بعد أن أخبرها بأنه يريد أن تستمر حياتهم الزوجية بشكل طبيعي و لكنه لم يجد أي شيء يثبت صدق الكلمات و فكر أخيراً أنها مجرد كلمات لزرع الشك بينهما لذا عليه تجاهلها و الاستمرار قدماً.
في الشركة الخاصة بالدعاية والإعلان شعرت بالجوع فنظرت لآلاء قائلة:- أنا جعانة و عاوزة أكل هنزل أجيب أجبلك معايا؟
هزت رأسها بنفي قائلة :- لا متشكرة يا رورو مش جعانة .
نهضت بدورها و نزلت للأسفل، و ما إن تخطت الجانب الآخر و سارت وهي تنظر أرضاً، شعرت بشخص خلفها و سرعان ما جذبها و وضع يده على ثغرها و سار بها قليلاً ليختفي عن الأعين بأحد الجوانب، ومن ثم فتح باب السيارة وقذفها فيه وجلس هو بجانبها، و سرعان ما انطلقت بهم السيارة إلى وجهتها .
أخذت تتلوى بعنف لتتحرر من قبضته و تصرخ بصوت مكتوم، إلا أنه هتف بتهديد :- أخرسي خالص بدل ما أخلص عليكي.
أخذت تطالعه بنظرات مذعورة و توقفت عن المقاومة، بينما أردف هو بفحيح :- مفكرة نفسك هتروحي مني فين؟ لو فكرتي إنك اتخلصتي مني يا رحيق تبقي غلطانة، أنا بس كنت سايبك بمزاجي وجه الوقت اللي هاخد فيه حقي منك.
تساقطت دموعها بقهر وهي تشعر بالذعر و دقات قلبها تطرق بعنف كالطبول وهي تدعو الله بداخلها بأن ينجيها من براثن ذلك الذئب.
______________________________________
جلست بحيرة على الأريكة وهي تفكر في سبب تغيره نحوها بهذا الشكل، زمت شفتيها بعبوس قائلة :- يكون حد قاله حاجة تانية؟ بس هيقوله إيه؟ما هو عارف كل حاجة، أنا هتجنن! مش راضي يتكلم و مش عارفة ماله.
سمعت صوت الجرس فسحبت حجابها و وضعته على رأسها و توجهت لترى من الطارق؟
شهقت بصدمة حينما رأت الماثل أمامها، و سرعان ما دلف للداخل واغلق الباب خلفه قائلاً بخبث :- إزيك يا حلوة ! فاكرة إني مش هوصلك؟!
بدأ صدرها يعلو و يهبط بعنف، و خرج صوتها المتقطع قائلة :- أنت… أنت بتعمل ايه هنا؟ أطلع برة.. أطلع بدل ما أصوت و ألم الناس عليك .
أردف بمبالاة :- وماله صوتي ساعتها هقول إني جايلك بمزاجك وأنتِ اللي طلبتي دة.
هزت رأسها برعب قائلة :- حرام عليك عاوزين مني إيه تاني؟ بعد ما خربتوا حياتي، عاوزين إيه؟
أردف بخبث :- جاي نكمل اللي بدأناه هناك عندي في الشقة .
جحظت عيناها بصدمة قائلة :- بدأنا إيه يا حقير؟ طيب والله لأصوت وشوف بقى هيحصلك إيه؟
وما إن همت لتصرخ، كمم ثغرها بيده و أحكم حركتها رغم مقاومتها الضارية، ثم جذبها نحوه لإحدى الغرف والتي لم تكن سوى خاصتها، ثم قذفها على الفراش وعلى وجهه ابتسامة ماكرة.
قبل ذلك بدقائق معدودة وصلت له رسالة على أن ” أطلع شوف مراتك جايبة عشيقها لحد البيت ” .
جن جنونه و هب واقفاً و انصرف مسرعاً للأعلى وصل بوقت قياسي وكأنه في مضمار مع الزمن .
دلف للداخل ليسمع صوت صراخ مكتوم ليدلف للداخل، ليُصعق وهو يرى رجلاً يحضنها وهي تأن بضعف، حيث كان يكمم فاهها و يثبتها جيداً لتبدو الأمور للآخر طبيعية.
نزعه بقوة من فوقها لتصيبه الصدمة مرة أخرى عندما تعرف عليه، اندلعت بداخله حرائق غابات الأمازون ليضربه بكل قوته قائلاً بوعيد و غضب يحرق الأخضر و اليابس :- النهاردة محدش هيخلصك من إيدي.
أخذ يضرب فيه بعنف، و الآخر يسدد و يتلقى ولكن قوة إسلام كانت الكفة الراجحة، لذا ليهرب من براثنه أخرج المُدية التي كانت بحوزته و قام بتصويبها بشكل عشوائي لتصيب ذراعه بقوة ليتركه إسلام و ينتهز الآخر الفرصة و يلوذ بالفرار بعد أن حقق ما أتى لأجله. بقلم زكية محمد
صرخت هي بفزع وهي ترى الدماء تجري على طول ذراعه، و ما إن همت لترى ما به، حدجها بنظرات لو كانت رصاصاً لأردتها صريعة في الحال، و رفع يده بأن لا تقترب منه، بينما أخذت تهز رأسها بعنف، وهي تخبره بعينيها بأنه لم يحدث شيء كما يظن، وأن عناية الله التي تمثلت فيه هي من أنقذتها .
تقلصت ملامحه بألم وهو يضغط على ذراعه بقوة حتى يمنع نزيف الدماء، بينما كاد قلبها أن يتوقف مكانه من قلقها عليه، وهي في موقف يحسد عليه وكم ألمها نظرات الإتهام التي يمطرها إياها……..
ذئب يوسف
الفصل السادس عشر
غرق وجهها بالدموع و اقتربت منه قائلة بخوف :- علشان خاطري خليني أشوف الجرح بتاعك و بعدين أعمل إللي أنت عاوزه، الله يخليك..
صرخ بعنف قائلاً :- أخرسي! مش عاوز أسمع نفسك.
إلا أنها لم تصغي له و أردفت ببكاء :- و حياة أغلى حاجة عندك خليني بس أعالجك، أقعد هروح أجيب علبة الاسعاف حالاً .
أنهت كلماتها و ركضت مسرعة للخارج وهي تشهق بعنف، بينما جلس هو بإهمال وقد داهمته عاصفة هوجاء فاجتثت جذوره فخر على قدميه فما عادت له قوة بعد ذلك.
لا يصدق أنه وقع ضحية للمرة الثانية في فخ الأنثى بكل غباء منه، وتلك المرة غير سابقتها فالضربة أقوى و أصابته بمقتل .
دلفت في تلك اللحظة و وضعت العلبة بجوارها، و بدأت تطهر له الجرح الذي يتطلب غرزتين فقطبتها له، أما هو كان يشعر بأن لمساتها لذراعه بجمر يحرقه، فما إن انتهت ابتعد عنها و كأنها شيء معدي تألم قلبها لأجل ذلك و بدأ ينزف من جديد بعد أن ضُمدت جراحه قليلاً.
أخذ يسير بالصالة كالمجنون لا يعلم ما يفعل؟ أيذهب و يفصل رأسها عن جسدها، أم يذهب و يخبر والدها و يتخلص منها؟
لو أتوا له بمياه المحيطات والبحار والأنهار وكل ما يوجد على سطح الأرض من مياه لن تطفئ تلك النيران المشتعلة بداخله، أمغفل هو لهذه الدرجة لتتلاعب به وهو كالأبله صدقها و صدق ذلك الوجه الذي يشع براءة ؟
ركل المقعد بقدمه بعنف قائلاً بتوبيخ لنفسه :- قولتلك، قولتلك يا حمار!
بداخل غرفتها سمعت صراخه، فانتفضت بخوف ولكنها يجب أن تخرج لتبرئ نفسها، إذ خرجت بخطا أشبه بالسلحفاة ازدردت ريقها بتوتر و هتفت بخفوت :- إسلام!
زفر بغل وهو يحدجها بنظرات لو كانت سهاماً لأخترقت صدرها في الحال، و سرعان ما جذبها بعنف بذراعه السليم قائلاً :- عاوزة إيه من زفت إسلام ها؟ المرة دي هتبرري عملتك دي بإيه بحجة إيه؟ أنتِ إيه يا شيخة !
أردفت بدموع و ألم :- والله مظلومة يا إسلام و….
صرخ بغضب :- اسمي ما يتنطقش على لسانك، أنتِ سامعة؟
هزت رأسها بخوف، بينما دفعها بقسوة وهو على حالته، وما إن همت لتتحدث، وجدت صفعة قوية نزلت على وجنتيها صرخت على إثرها، بينما أردف هو بغل :- القلم دة كان لازم أدهولك من أول ما جيتي هنا، بتوسخي بيتي يا……..
أردفت ببكاء :- لو سمحت كفاية أنا سكتلك كتير وأنت سايق فيها .
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- دة أنا! بجيبه من عند أمي أظن ولا بتبلى عليكي! واللي شوفته من شوية دة؟ اه فعلاً بهينك لدرجة إني المفروض أقتلك، بس واقف متكتف هقول إيه لعمي و محمود ؟ ما يستاهلوش أبداً..
صرخت بقهر تدافع عن نفسها قائلة :- والله مظلومة، أنا فتحت الباب لقيته في وشي و بعدين ….و بعدين دخل و قفل الباب، هددني هيقولكم إني جايباه بمزاجي هنا لو صوت، و بعدين سحبني لجوه و……
نهرها بغضب قائلاً :- أخرسي متكمليش.
أردفت بوجع :- لا هكمل أنت لازم تسمعني أنا معملتش حاجة غلط و ربنا يشهد .
حدجها بغضب قائلاً :- اللي زيك ما ينطقش اسم ربنا على لسانه، يا بجاحتك ما أنا شوفته وهو…..
صمت زافراً بغضب، بينما هتفت هي بصدق :- والله كان قافل بقي بأيده و مكتفني، كان أقوى مني صدقني.
أردف بغيظ :- أنتِ عارفة كام مرة يتبعتلي رسالة بيتقالي فيها إنك خاينة و بتستغفليني، انا ما صدقتش كل دة في كل مرة، بس لما أجي ألاقي راجل غريب في بيتي وعلى سريري عاوزاني أعمل إيه أشجعكم؟
صرخت بقهر قائلة :- قولتلك محصلش بينا حاجة .
أردف بتهكم :- اه سوري لو جيت في وقت مش مناسب و قطعت لحظاتكم الزبالة .
أردفت بحدة وهي تهم لصفعه :- أخرس!
امسك يدها قبل أن تلطم وجنته قائلاً بفحيح :- متخلنيش واحد تاني أنا مش عاوز أكونه، ما تطلعنيش عن شعوري وإلا ساعتها هتكرهي اليوم اللي أتولدتي فيه.
نفض يدها بعيداً عنه قائلاً بازدراء:- مش عاوز أشوف وشك قدامي، بس أجيب أمه ابن ال…..و أنا هطلقك، استحالة أعيش مع واحدة زيك.
أردفت بحدة وقد فاض بها الكيل :- أنا اللي مش عاوزة أعيش معاك و أول ما أثبت برائتي تطلقني علطول، أنا اللي استحالة أعيش مع واحد شكاك زيك.
ركل الطاولة بعنف قائلاً :- أمشي من وشي أمشي.
بلحظة كانت بداخل غرفتها و سقطت أرضاً في إحدى زواياها، و أخذت تنتحب بمرار وهي تبتسم بسخرية وتهتف بداخلها :- متى ابتسمت الأيام لكِ؟
______________________________________
بعد عدة ساعات هتفت سندس بقلق :- أنتِ متأكدة أنها قالتلك أنها رايحة تجيب أكل؟
هزت رأسها بموافقة قائلة بدموع :- اه والله يا مدام أنا خايفة عليها أوي هتكون راحت فين؟
أردفت بقلق مماثل :- أنا هتصل بأخوها أشوفها لو كانت معاه ولا لا .
وبالفعل قامت بالاتصال به، وما إن رد عليها هتفت بحذر :- إزيك يا شادي ؟
أردف بهدوء و مرح :- أهلاً يا مدام سندس، البت رحيق عملت حاجة ولا إيه؟ قوليلي هشدهالك من ودانها.
أردفت بقلق أكبر :- يعني هي مش معاك ولا مع مراد
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا مش هنا، تلاقيها زمانها روحت.
اغلقت عينيها قائلة بسرعة :- أصل حاجتها هنا، وهي نزلت من ساعتين تقريباً وقالت إنها هتجيب أكل و مجاتش لحد دلوقتي.
اتسعت عيناه بصدمة قائلاً :- بتقولي إيه؟ طيب اقفلي وأنا هتصرف.
أنهى المكالمة و اتصل على زوجة عمه بالقصر لتخبره بأنها لم تعد بعد، فأسرع يهرول لمكتب مراد حيث فتحه بعنف، فهتف الأخير بسخط :- أنت إزاي تدخل بالشكل دة يا …….
قاطعه قائلاً بخوف :- رحيق مش موجودة مختفية!
قطب جبينه بتعجب قائلاً :- مختفية! إمتى دة حصل؟
أردف بسرعة :- سندس اتصلت عليا و بتسأل لو كانت يعني جات هنا، هتكون راحت فين بس؟
نهض من مكانه قائلاً بهدوء:- أنا هتصرف
أردف الآخر وهو يركض للخارج :- وأنا هروح مكان شغلها و هشوف. بقلم زكية محمد
______________________________________
توقفت السيارة بعد مدة قضتها في السير، ثم ترجل هو منها و سحب الأخرى قائلاً بتهديد وهو يكمم ثغرها :- لو طلعلك نفس اتشاهدي على روحك .
صعد بها للبناية و دلف بها لإحدى الشقق الفارغة، ثم زجها بداخلها بعنف و أوصد الباب خلفه .
هتفت بصراخ :- أنت جايبني هنا ليه؟ أنا عاوزة أمشي أفتح الزفت الباب دة.
ضحك بشر قائلاً :- أنتِ بتحلمي ! أنتِ مش هتعتبي عتبة الباب دة .
أردفت برجاء :- أرجوك يا حاتم خليني أمشي بابا هيقلق عليا.
أردف باستهجان :- أنسي أبوكي دة خالص، من النهاردة في حاتم وبس .
هزت رأسها بذعر قائلة :- أرجوك يا حاتم خليني أمشي، بالله عليك يا حاتم أنا بنت خالتك بردو!
أردف بحدة :- و بنت خالتي تروح تتمرمغ في العز لوحدها و ناسية ابن خالتها! شوفي مين اللي غلطان.
أردفت بحذر :- خلاص أنا… أنا هخلي بابا يدفعلك اللي أنت عاوزه بس سيبني بالله عليك أمشي.
أردف بمكر :- لا يا حلوة بعد إيه! ما أنا خلاص هطلع من وراكي بمصلحة إنما إيه لوز اللوز..
ركضت بسرعة نحو الباب لتلوذ بالفرار، ولكنه كان الأسرع حينما جذبها عنوة فأخذت تصرخ بصوت عال :- إلحقوني يا ناس، حد يلحقني..اااااه.
تلقت صفعة قوية طرحتها أرضاً، بينما مال عليها ليجذبها من حجابها بقسوة قائلاً:- أخرسي يا بنت ال….، صوتك ما اسمعهوش.
هزت رأسها بنفي قائلة بإصرار :- لا مش هسكت و هفضحك في المكان دة .
ضحك بصوته العالي قائلاً :- هو أنا مقولتلكيش! العمارة فاضية و المكان فاضي و لو صوتي لبعد بكرة محدش هيسمعك.
تعالت وتيرة أنفاسها وهي تطالعه بذعر، و عقلها يصور أسوأ السيناريوهات التي بإمكانه أن يفعلها. ازدردت ريقها بصعوبة قائلة :- أنت بتعمل كدة ليه؟
أردف بغل :- ملكيش دعوة و دلوقتي يا حلوة هطلع القديم والجديد، أنتِ تحت رحمتي دلوقتي و مبقاش حاتم إن مخليتك تبوسي رجلي علشان أرضى بيكي و وقتها هقولك شطبنا.
تراجعت للخلف بخوف وهي تكاد تقع مغشياً عليها من كلماته تلك فأردفت بدموع :- أنا… أنا متجوزة حرام عليك، طيب أعمل حساب لخالتي الله يرحمها مش دايما كانت تقولك راعيها؟ هتنهش في لحمي علشان شوية فلوس يا حاتم! هي دي الرجولة؟
طالعها بمكر قائلاً :- لا الرجولة دي هوريهالك جوة.
صرخت بفزع حينما اقترب منها فجأة ثم جذبها خلفه بقوة، بينما هي تقاتل بكل ما أوتيت من قوة وهي تغرز أظافرها بوجهه، وحينما رأت إصراره وأنه لن يتراجع عما ينويه وأنها هالكة لا محالة، تصنعت الإغماء لعل ذلك ينجيها منه، و بالفعل خارت قواها ولم تتحرك.
تفقدها هو بحذر قائلاً بغلظة :- أوعي يكون شغل التمثيل دة هياكل معايا لا فوقي يا بت ..
وحينما لم يجد منها رد حملها للداخل، بينما كاد قلبها أن يقف مكانه، وضعها على الفراش و نظر لها برغبة قائلاً :- هتروحي مني فين أدينا قاعدين و اليوم طويل يا مزة.
أنهى كلماته و ترك الغرفة لتلتقط أنفاسها براحة وهي تحمد الله و ترجوه بأن ينجيها منه، ضربت على رأسها بعنف حينما تذكرت أنها نست الهاتف بالشركة فهتفت بهمس :- لو معايا دلوقتي كنت عرفت أتصرف! يا رب نجيني منه يا رب، يا ترى يا بابا عامل إيه دلوقتي؟
بالأسفل ترجل من سيارته و تبعه بعض الحراس الخاصين بحراسته، و دلف لتلك البناية ومن ثم للشقة التي بداخلها.
طرق الباب بغضب عاصف ففتحه حاتم الذي تلقى لكمة قوية أطاحت به أرضاً، فنهض ليحاسب من قام بتلك الفعلة و لكنه تسمر مكانه وهو يجده واقفاً يطلق سهاماً نارية نحوه، و ما لبث أن لكمه مجدداً و مسكه من تلباب ملابسه قائلاً بفحيح :- هي فين؟
هتف بتلعثم :- مم ..مفيش حد هنا غيري.
لكمه مجدداً وهو يقول :- أكتر حاجة بكرهها في حياتي هي الكدب.
نظر لرجاله قائلاً بأمر :- امسكوه و أوعى يهرب منكم.
حدجه بوعيد قائلاً :- لو بس لمست شعرة منها صدقني الموت هيكون أرحملك بكتير.
قال ذلك ثم ولج للداخل ليبحث عنها من بين الغرف، و ما إن فتح الأخيرة تم ضربه بقوة على رأسه ومن قوة الضربة وقع على الأرض فاقداً الوعي في الحال.
سمعت هي أصوات قريبة من الغرفة فأخذت تبحث عن أي شيء تحتمي به فوقع بصرها على إحدى المزهريات فمسكتها و وقفت خلف الباب، وما إن فتحه هو حتى قامت بضربه بكل قوتها وهي تهتف بشراسة :- والله لأقتلك يا حاتم الكل……
هربت الحروف من على لسانها و تجمدت أطرافها، حينما تحققت من هويته، إذ ضربت بيديها على قدميها بقسوة قائلة بذعر :- يا مصيبتي! دة الفريزر! يا لهوتي يا خرابي، إيه اللي أنتِ هببتيه دة يا رحيق الجزمة؟ هترملي نفسك بدري بدري، قتلتي الراجل يا أختي..
جلست أرضاً بجواره ثم أخذت تهزه برفق قائلة بخوف :- مراد فوق والله ما أقصد، أنا كنت فكراك الزفت حاتم .
وعندما وضعت يدها على رأسه وجدت أنها ملطخة بالدماء، فشهقت برعب و أخذت تصرخ بصوتها كله تترجاه بأن يستيقظ.
اهتدت أخيراً لهاتفه عندما عبثت في جيوبه و مسكت يده لتضع إصبعه على البصمة لُيفتح الهاتف فوراً، لتتصل بعدها على شادي الذي ما إن أتاها صوته هتفت ببكاء :- إلحقني يا شادي مراد مات!
توقف بالسيارة بصدمة بعد أن كاد أن يفتعل حادث قائلاً بعدم فهم وهو تحت تأثير الصدمة :- رحيق! مش دة تليفون مراد؟!
أتاه ردها قائلة ببكاء :- أيوة ..أيوة تعال بسرعة بالله عليك، أنا ضربته أنا مكنتش أقصد والله… أنا آسفة..
أردف بخوف :- رحيق رحيق ركزي معايا كدة، أنتوا فين؟
أردفت بضياع وهي تتطلع حولها بانهيار :- مش عارفة …مش عارفة
أردف بقلق :- طيب بصي أكيد مراد معاه الحرس بتوعه هو مش بيمشي من غيرهم، أدي التليفون لأي حد منهم..
نهضت بدون تفكير لتخرج، و عندما رأت الحرس ممسكين بحاتم تراجعت للخلف بحذر، بينما أردف هو بحدة :- مفكرة نفسك هتهربي مني! ماشي يا رحيق ماشي.
نظرت لأحدهم قائلة بلهفة :- لو …لو سمحت خد كلم شادي. بقلم زكية محمد
أذعن لطلبها و التقط منها الهاتف ليتحدث معه ببضع الكلمات في إحدى الجوانب، و بعدها ينهي المكالمة ليتوجه للداخل بعد أن أملى على البقية بأن يحتفظوا بحاتم ، بينما ركضت هي خلفه بخوف و بداخلها يدعو أن يكون على قيد الحياة.
______________________________________
بعد وقت كان ممدداً على الفراش بإحدي المستشفيات الكبرى، و يحاوطه عائلته الذين يتابعوه بقلق، بينما كانت رحيق منهارة في أحضان شقيقها و الآخر يمسد على ظهرها بحنو، و يلقي عليها ببعض الكلمات المطمئنة لها ليهدأ من روعها و ما عانته في تلك الساعات القليلة .
على الجانب الآخر كانت ناريمان تطالعها بحقد دفين، وهي تجز على أسنانها بغضب من فشل مخططها وهي تتعجب من كيفية وصوله لها بتلك السهولة!
لما حدث قبل ذلك، عودة للزمن بساعات للخلف حيث وقفت سيارة ضخمة في حي شعبي، و ترجلت منها سيدة من الطبقة العليا ولم تكن سوى هي.
أخذت تطالع المكان باذدراء واضح، و لكن عليها فعل ذلك لكي تتخلص منها . صعدت للأعلى حيث شقته و طرقت الباب و انتظرت قليلاً حتى فتحه حاتم الذي هتف بتعجب :- أفندم؟!
هتفت بكبرياء :- عاوزة أتكلم معاك شوية.
أشار لذاته قائلاً بدهشة :- أنا!
أردفت بتأفف :- أيوة انت أومال هيكون مين يعني .
نظر لها بريبة قائلاً :- اتفضلي قولي اللي عندك.
مطت شفتيها بسخرية قائلة :- إيه هنتكلم على الباب كدة !
كشر بحاجبيه قائلاً وهو يفسح لها الطريق :- اتفضلي.
دلفت للداخل وهي تنظر لما حولها بتعالي، و جلست على المقعد قائلة :- أنت ابن خالة اللي ما تتسمى رحيق مش كدة؟
هز رأسه قائلاً:- أيوة ابن خالتها، ليه، هي عملت حاجة؟
زفرت بغل قائلة :- بص أنا هعرض عليك عرض كدة أنا عرفت أنك طمعان فيها من زمان و عاوزها لنفسك، إيه رأيك تاخدها و تبعدها عن القصر و تعمل فيها اللي أنت عاوزه و هديك مبلغ مش بطال، أهم حاجة مترجعش القصر نهائي، ها إيه رأيك؟
حك مؤخرة رأسه بتفكير قائلاً بتساؤل :- لا مؤاخذة أنتِ مين، و إيه مصلحتك من كدة؟
أردفت بغلظة :- دة شيء ما يخصكش، ها هتعمل اللي قولتلك عليه ولا أشوف حد غيرك؟
هز رأسه مسرعاً وهو يقول :- لا موافق طبعاً بس هطلع بكام من المصلحة دي؟
أردفت بجمود :- 400 ألف جنيه.
قطب جبينه برفض قائلاً:- لا يا هانم أنتِ فاكرة العملية سهلة ولا إيه؟ دي مصاريف و قعاد و بيات ، لا شخللي جيوبك شوية.
جعدت أنفها بعدم فهم قائلة :- إيه؟
زفر بضجر قائلاً :- يعني زوديهم شوية عاوز الضعف وإلا كدة يفتح الله.
أردفت بغيظ :- أوك موافقة بس تعمل دة بأسرع وقت و يا ريت النهاردة.
أردف بثقة :- أضمن أن الفلوس في جيبي أعملك اللي أنتِ عاوزاه.
و بالفعل بعد أن تأكد من وصول النقود على حسابه أسرع بتنفيذ الخطة التي باءت بالفشل، وها هي تجني منها ثمار الحسرة على مجهودها الذي بذلته سدى.
عادت للوقت الحالي وهي لا زالت على حالتها، لم تستطع أن تمكث بمكان واحد هي فيه، فخرجت مسرعة للخارج ريثما يستيقظ هو.
فتح عينيه أخيراً لينتبه له الموجودون و أولهم والدته، التي اقتربت منه و تساءلت بلهفة :- أنت كويس يا حبيبي؟
ابتسم لها بحنو كي لا يقلقها قائلاً :- أنا كويس يا أمي متقلقيش.
أردفت بحنو وهي تمسد على شعره :- حمدا لله على سلامتك يا حبيبي.
توالت عليه العبارات التي تحمل السلامة و العافية له، بينما خرجت رحيق بسرعة ما إن علمت أنه بخير فهي تشعر بالذنب الشديد يأكلها كما تأكل النيران الحطب. أبعد أن خاطر بنفسه و أتى لإنقاذها يُلاقي منها ذلك؟
رفعت عينيها المغرورقة بالدموع لتجد سندس و آلاء، فأسرعت فوراً لتلقي ذاتها بين ذراعيها قائلة ببكاء :- أنا السبب، أنا السبب!
احتضنتها بحب قائلة :- هششش بس خلاص أهدي، دة قدره و الحمد لله هو كويس دلوقتي يلا بقى متبقيش كئيبة كدة، يلا علشان ندخل نطمن عليه.
ابتعدت عنها و نظرت أرضاً قائلة بخجل من نفسها :- لا، روحوا أنتوا أنا هقعد هنا، أنا مش قادرة أبص في وشه بعد اللي حصله بسببي، أنا غبية أوي.
أردفت بمرح :- يا روحي أول مرة تعرفي إنك غبية!
جعدت أنفها بحنق قائلة :- أنا بس اللي أقول على نفسي كدة.
ضحكت بخفة قائلة :- ماشي يا رورو، يلا بقى تعالي دة جوزك مش حد غريب!
هزت رأسها باستسلام و دلفت معهم، إذ ألقوا التحية و تمنوا له الشفاء العاجل .
ما إن وقع بصرها عليه صدفة شعرت بمن ينزع روحها منها ببطيء، و سكين حادة تمزقها بداخلها، بينما أخذ هو يطالعها بسخرية و اتهام و تشفي. لم تستطع أن تمكث بالغرفة أكثر من ذلك، فرسمت شبح ابتسامة على صفحة وجهها الباهت و تعللت بالخروج لعمل مكالمة هاتفية ضرورية.
هتف شادي بمرح :- طيب يلا بينا يا جدعان نطلع إحنا و نسيبهم لوحدهم شوية.
تطلعت له برجاء، فأخبرها بعينيه بأن لا بد من تلك المواجهة .
انصرف الجميع لتظل هي واقفة أمامه كالتلميذ الذي ينتظر العقاب من مدرسه.
تطلع لها هو بغيظ من تهورها و غبائها الغير منتهي. رفعت عينيها نحوه بحذر و هتفت بتوتر :- حمدا لله على سلامتك.
هتف بجمود :- الله يسلمك.
تابعت برقة :- أنا مكنتش أقصدك أنا كنت فكراك هو علشان كدة ضربتك، أنا متشكرة أوي على أنك أنقذتني.
أردف بهدوء :- أنا عملت كدة علشان عمي اللي مش هيستحمل يسمع عنك حاجة وحشة.
أردفت بغيظ :- بس؟
هز رأسه قائلاً ببرود :- أيوة بس أومال هيكون في إيه تاني؟
أردف و بانفعال :- مفيش يا أخويا مفيش. ثم تمتمت بصوت خافت :- قال وأنا اللي كنت خايفة عليه ليجراله حاجة، ما هو زي القرد أهو !
و فجأة دلفت سالي كالإعصار وهي تقترب منه و تتفحصه بعينيها قائلة بقلق :- مراد أنت كويس؟ حصلك حاجة؟ ألف سلامة عليك، أنا كنت هموت من الخوف عليك.
طالعتها الأخرى بحاجب مرفوع يصيبها الذهول مما تراه أمام عينيها قائلة بتهكم و خفوت :- و دي مين دي كمان؟ بقلم زكية محمد