
” بسم الله الحفيظ”.. أردفت بها” خضرا ” و هي تسحب ياقة ثيابها و تبصق داخلها أكثر من مرة مرددة..
“متچبيش سيرتها العفشة دي مرة تانية لنلقيها فوق راسنا اهنه كمان”..
“لا اطمني عمرها ما هتيجي تزورني هنا”..
قالتها” سلسبيل ” بثقة، و ابتسامة حزينة ظهرت على ملامحها الرقيقة..
مدت” خضرا” يدها و أمسكت ذقنها بين أصابعها جعلتها تنظر لها و تحدثت بتحذير قائلة..
” لع أوعاكِ تزعلي و لا تخافي من أي شيء واصل من اليوم و چاي”..
رفعت رأسها بشموخ، و تابعت بفخر..
” عايزاكي ترفعي رأسك و تشدي عودك، و تصلبي ضهرك.. أنتي الليلة هتبجي مرات عبد الچبار المنياوي، هتبجي في حمي راچل بمعني الكلمة..ياكل جلب اللي يفكر أنه يدوسلك على طرف”..
تراقص قلب” سلسبيل ” الموجوع فرحًا من حديثها الذي أعطاها قوة جعلها تتشبث بالحياة بعدما كانت تبغضها و تتمنى الموت لعلها تجد الراحة التي حُرمت منها..
……………………………..سبحان الله العظيم..
” بارك الله لكما وبارك عليكما و جمع بينكما في الخير” ..
قالها المأذون عقب إنتهاءه من عقد قران “عبد الجبار” على “سلسبيل” أمام نظرات “بخيتة” التي تتوهج كالنيران من شدة غضبها..
يا الله !!!
تعالت نبضات قلبه ،و تلاحقت أنفاسه بسعادة بالغة نجح في إخفاءها ببراعه، فأخيرًا أصبحت تلك الصغيرة زوجته ، تحمل اسمه،
فقد وافق “قناوي” على الفور دون لحظة تردد عندما جدد”عبد الجبار ” طلبه للزواج من ابنته..
حتى أنه زوجها له دون أن يسأل عنها أو عن رأيها مطلقًا معتمد على أنه وكيلها ف “سلسبيل” لم تصل لسن الرشد بعد، لا يعلم أنها محتجزة بالعناية المركزة في قسم جراحة القلب بسبب ما فعله هو بها في المركز الأول،
“مبروك يا عبد الچبار ب!! “..
توقف عن إكمال حديثه، و تأوه بصوتٍ عالِ حين فاجئه “عبد الجبار” بلكمة قوية افقدته توازنه، و سقط أرضًا بعنف..
” مهانش عليك من ساعة ما رچلك خطت اهنه تطمن على بتك ، و تسأل عنِها مش باين لها بالدار لا حس و لا نفس ليه عاد”..
أنهى جملته، و مال عليه سحبه من تلابيبه، أوقفه أمامه مكملاً و هو يلكمة لكمه أقوى، لكنه لم يتركه يسقط هذه المرة..
“مالها بت الفرطو ااااه!”..
“اوعاك تغلط فيها بعد أكده “..
هدر بها بصوتٍ أجش و هو يكيل له اللكمات مكملاً بغصة تعتصر قلبه..
“كفاياك اللي عملته في جلبها.. من اليوم و طالع مبجتش بتك.. و لا ليك علاقة بيها.. بقت سلسبيل عبد الچبار المنياوي.. مَراتي،و اللي يبص نوحيها بعين اقلع له التنين”..
“اللي تؤمرني بيه يا چناب البيه.. مبقاش ليا صالح بيها من انهارده”..
أردف بها “قناوي” بصوت مرتجف متقطع حين رأي
عيناه تتسعان بغضب و تبرز عروقه بخطورة، مشاعره المشحونة تعصف بداخله و تغير بصدره، تطلع له بنظرة لا ريب أصابته بالذعر و الخوف من قسماته العابسة بشدة، ليصيح بحدة و هو يقبض فجأة على عنقه بقبضته الفولاذية..
“و يكون في معلومك لو چرالها حاچة هقتلك بيدي، و أرمي چيتتك للكلاب”..
الفصل ال13..
جبر السلسبيل..
✍️نسمة مالك✍️..
من السهل أخذ القرار و لكن حين نفعله يكون من الصعب تحمل عواقبه، حينها قد نتفاجيء من رد فعلنا الذي يكون غير متوقع على الإطلاق..
وافقت “خضرا” على زواج زوجها من “سلسبيل” و أظهرت ترحابها بهذه الزيجة، و لكن هل ستظل مصطنعة الهدوء هكذا بعدما تري بعينيها امرأة أخري تشاركها في زوجها الذي تهيم به عشقًا؟!.
هذا ما يدور بخاطر “عبد الجبار” الواقف أمام غرفة العناية المتواجد بداخلها زوجاته، يحاول تمالك نفسه حتى يتمكن من إخفاء لهفة قلبه على تلك الصغيرة قدر المستطاع،لا يريد أن يمسّ شعور “خضرا” بالسوء أو إثارة غيرتها عليه..
رسم قناع جليدي على ملامحه الصارمة فهو بارع في التحكم بجميع انفعالاته، أخرج هاتفه من جيب معطفه طلب رقمها، و وضع الهاتف على أذنه ينتظر سماع صوتها الحنون..
داخل الغرفة كانت “خضرا” تجلس على مقعد بجوار “سلسبيل” النائمة تتأمل جمالها الرقيق، و البريء بأنٍ واحد،جسدها الممشوق بمنحنيات فتاكة رغم نحافتها، نعومة بشرتها الحلبية، خصلات شعرها البنية الملساء المنسدلة على وجهها المستدير بهيئة تخطف الأنفاس،عينيها الواسعة التي تشبه غابات الزيتون، أنفها الصغير المنمق، شفتيها المكتنزة المزمومة..
تُقر و تعترف أنها تمتلك جمال مبهر سيكون سبب قوي لنجاحها في الوصل إلى قلب زوجها بكل سهولة، و ربما التربع على عرش قلبه، فالعين تميل لكل ما هو جميل، فإن المولي عز و جل جميل يحب الجمال، فماذا عنا نحن البشر ضعاف النفوس..
لاحظت أيضًا إشراق ملامحها ، و تحسن حالتها الصحية منذ حديثهما عن زواجها من “عبد الجبار”،أطبقت جفنيها بقوة كمحاولة منها لكبح عبراتها حين شعرت بنيران تتآجج بقلبها و هي تتخيل نظرة زوجها لها!!!
أسرعت برفع كف يدها وضعته على فمها تكتم به آهه متألمة كادت أن تصرخ بها من تخيُل نظرتهما فقط، فماذا ستفعل أن تطور الأمر بينهما و أصبحت “سلسبيل” زوجته قولاً و فعلاً!!!!..
انتشالها من دوامة أفكارها صوت رنين هاتفها الذي أيقظ تلك النائمة، رسمت “خضرا” ابتسامة على ملامحها تخفي بها حزنها، و ضغطت زر الفتح ..
“أيوه يا أبو فاطمة.. طمني عليك يا خوي”..
“عبد الجبار” بصوته الرزين.. “أني برة.. واقف قدام العناية”..
“هخرچلك طوالي”.. قالتها و أغلقت الهاتف، و انتصبت واقفة ، و سارت بخطوات مهرولة نحو الخارج و هي تقول..
“هعاود للدار أچهز الوكل، و ارچعلك ، متخفيش مش هعوق عليكِ يا خيتي”..
ليوقفها صوت “سلسبيل” الهامس تقول بلهفة..
“هو عبد الجبار هيرجع معاكي البيت يا أبلة خضرا”..
تسمرت” خضرا” محلها لبرهةً قبل أن تستدير لها، و قد تملكت الغيرة منها حين شعرت بلهفتها عليه، أبتسمت لها ابتسامة مصطنعة لأول مرة مدمدمة..
“كأنك ملهوفة لشوفته و نسيتي وعدك ليا إياك!! “..
عقدت ذراعيها أمام صدرها مكملة..
“و بجي عبد الچبار حاف أكده!!!”..
حديثها كان بمثابة دلو من الماء البارد سقط فوق رأس “سلسبيل ” التي تنحنحت بحرج و تحدثت بابتسامة باهتة قائلة..
“أنا مش ناسية وقفتك جنبي و وعدي ليكي ولا عمري هنسي يا أبلة خضرا اطمني.. أنا كنت عايزه أشكر أستاذ عبد الجبار على وقفته معايا مش أكتر “..
عقدت حاجبيها، و تابعت بمزاح..
“هتغيري عليه من أولها كده!!!”..
تنهدت بحزن حين داهمتها معاملة “عبد الجبار” معاها، كان لا يكترث لوجودها، لا ينظر لها لو نظرة عابرة، و تابعت بغصة يملؤها الآسي..
“ليكي حق تغيري عليه.. بس مش مني.. أنا بقيت بواقي ست زيي ما بيقولوا و مافيش رجل يرضى يبصلي حتي”..
رمقتها” خضرا” بتهكم على وصفها لنفسها الذي ليس له أي أساس من الصحة،
ساد الصمت بينهما قليلاً هدأت خلاله نوبة غضبها، و لكن لم تهدأ غيرتها التي استحوذت على قلبها أبدًا جعلتها تتحدث بحدة دون أرادتها..
” أني رايحة، و يمكن مقدرش اچيكِ الليلة.. هاچيكِ في الصبحية ويه عبد الچبار و أبجي أشكريه وقتها، عشان انهاردة عنِده شغل ياما،قالي أخرچله قوام لأچل ما يروحني و يعاود على وكل عيشه”..
تطلعت لها “سلسبيل” بنظرات منذهلة من طريقتها الحادة معاها التي جعلت العبرات تغزو عينيها، بينما أنهت “خضرا” حديثها و غادرت الغرفة في الحال و هي تنهر نفسها على طريقتها معاها، و كذبها عليها فيما تفوهت به،قالت حديث على لسان زوجها لم يقوله من شدة غيرتها عليه التي تفاجأت بها هي شخصيًا..
خرجت من الغرفة بملامح عابسة بشدة، أول ما وقعت أعين” عبد الجبار” عليها أيقن أن غيرتها عليه التي يخشاها تمكنت منها لا محالة، اقتربت منه بخطوات غاضبة، و عينيها تشمله بنظره مترقبة، تحاول قراءة تعابير وجهه الصلبة..
“سلسبيل بقت مَراتك؟!”..