روايات

ورد

كانت ورد قد انتهت من استذكارها واطمئنت أن نوارة تنام بعمق شديد ، وكانت تشعر باضطراب بداخلها لا تعلم سببه ، فدلفت إلى الشرفة لعلها تستطيع أن تبدد حالة القلق التى استبد بها ، ولكنها بعد قليل وجدت سيارة أجرة تقف أمام بنايتها ويهبط منها شخص ما جعل قلبها كالعصفور الذى يرفرف بجناحيه فى صدرها ، وماهى إلا لحظات وسمعت صوت الاستدعاء من جهاز الانتركوم لتجد أن نور قد سبقتها للإجابة

نور : هاللو

حكيم : السلام عليكم

نور : وعليكم السلام …مين

حكيم : انا حكيم ..جوز …احممم ..والد نوارة

لتلتفت نور الى ورد التى تقف كألتمثال لا يتحرك منها سوى عينيها لتقول لها نور : انتى واقفة كده ليه ، اتحركى غيرى هدومك على مايطلع

لتهرع ورد إلى غرفتها فى حين اتجهت نور إلى الباب بعد أن أرتدت اسدالها وقامت باستقبال حكيم واجلسته بغرفة المعيشة ، حيث كانت الشقة عبارة عن غرفتين للنوم فقط وغرفة معيشة متوسطة الحال ، ليشكرها حكيم ويجلس فى انتظار رؤية ورد وابنته

بعد مضى خمسة عشر دقيقة تعود إليه نور حاملة إليه قدحا من القهوة وتعتذر عن تأخر ورد فى الخروج إليه وأخذت تتجاذب معه أطراف الحديث

نور : حمدالله على السلامه وصلت امتى

حكيم : من حوالى ساعتين ، يادوب حطيت شنطتى فى اوتيل قريب وجيت على طول

نور : معلش اعذرنى على السؤال ..ليه مابلغتش ورد بوصولك على الأقل كانت تبقى مستعده

حكيم : احممم الحقيقة كنت عاوز اعملها لها ، بس هى اتأخرت ليه كده …هى مش عاوزة تقابلنى

نور : لا ابدا …هى جاية على طول

لينفتح باب الحجرة وتطل منها ورد بوجل شديد وما أن رآها حكيم حتى وقف مكانه وهو يلتهمها بعينيه مرددا بينه وبين نفسه : ياااه ياورد …وحشتينى اوى ، ليه حاسس انك انطفيتى كده ، ياترى من بعدى واللا بسبب الولادة واللا ايه ، لينتبه على ورد وهى تقف أمامه بصمت وهو مازال يلتهمها بعينيه وهى تبادله نهم بنهم فى صمت شديد إلى أن تكلم حكيم بصوت هامس أجش : وحشتينى …. وحشتينى ياورد ….وحشتينى اوى …اوى

لتتجمع الدموع بعينى ورد وارتعشت شفتاها لتمتد ذراعى حكيم فى محاولة ضمها إلى صدره ولكنها تراجعت للخلف قائلة بصوت مرتعش: للاسف ياحكيم … مابقاش من حقك

ليعيد حكيم ذراعيه إلى جانبه قائلا بندم : لأول مرة فى عمرك كله مايبقاش من حقى

ورد : زمان كنت صغيرة ، ولما كبرت كنت حلالك …لكن دلوقتى

ليغلبها نشيجها مرة أخرى وتزداد دموعها فى حين يعجز حكيم أن يتحرك خطوة واحدة تجاهها ولكنه ظل يردد وهو فى مكانه : خلاص ياورد ..كفاية ..ارجوكى ..عشان خاطرى ده لو لسه ليا خاطر عندك

إلى أن استطاعت ورد اخيرا أن تتمالك نفسها فقالت : حمدالله على السلامه

حكيم بدعاية : اخيرا افتكرتى ، ده انا قلت خلاص مش هسمعها ابدا منك

ورد : جيت امتى

حكيم : خرجت من المطار على الاوتيل حجزت وسيبتلهم شنطتى يطلعوها وجيتلك على طول

ورد : ليه

حكيم : ماكنتيش عاوزانى ااجى

ورد ،: مش دى إجابة سؤالى

حكيم بتنهيدة كبيرة : عشان وحشتينى ياورد

ورد وهى تنظر بعيدا عن عينيه : وايه كمان ياحكيم

حكيم : انا عارف ان دماغك هتوديكى فى حتت كتير ، لكن صدقينى ياورد ، جيت عشان وحشتينى بزيادة

ورد : انا سايبة مصر من سبع شهور دلوقت ، ماوحشتكش غير بعد ماعرفت انى بقيت ام بنتك ، غير بعد ماحصل اللى عمرك ماتخيلت أنه يحصل ، بعد ما اتورطت معايا تانى .. مش كده ، مش هو ده اللى جابك دلوقتى ياحكيم

حكيم بغضب : انتى عارفة كويس انى عمر مابعمل حاجة انا مش عاوزها ، وكمان عارفة انى مابكذبش ياورد

ثم اكمل وكأنه يناشدها : طول عمرك كنتى بتفهمينى من غير مااتكلم ، ليه المرة دى مش عاوزة تفهمينى حتى وانا بتكلم ياورد

ورد : ماشى ياحكيم هحاول افهمك ، بس برضة عاوزة اعرف جاى ليه

حكيم : عاوزك

ورد وهى تنظر له بغضب : نعم

حكيم : عاوزك ترجعيلى

ورد بسخرية : ارجعلك بأنهى صورة بالظبط ، بنتك …اختك …بنت عمك واللا عاوزنى…

حكيم بغضب : كفاية ياورد ، انا عارف انى لو اعتذرتلك ألف سنة عن اللى عملته مش كفاية ، بس عاوزك تفهمى حاجة مهمة جدا

ورد بندية: وايه بقى الحاجة المهمة دى

حكيم : انى لو كنت اعتذرت ولسه بعتذر فاعتذارى كان عن الطريقة وبس

ورد : انا مش فاهمة انت عاوز تقول ايه

لينتفض حكيم من مكانه جاذبا إياها لتقف أمامه وقال ببعض الألم : يعنى مش اسف على اللى حصل بينا ياورد ولو رجعت بينا الايام من تانى هكرره مرة واتنين ومليون بس مش واحنا زعلانين ولا بنتخانق ، مش وانتى بتهددينى تبقى لغيرى ياورد

ورد بألم : تقصد عشان تثبت رجولتك مش كده

حكيم : ده اللى قلته لك وفهمتهولك وقتها ، لكن مش هى دى الحقيقة

ورد بفضول : اومال ايه هى الحقيقة

حكيم : انى ما قدرتش اتخيل انك تبقى لراجل غيرى

ورد : لكن كان عادى تتخيل انى أفضل شايلة اسمك كده لمجرد أن أبقى قدامك مش كده

حكيم : ماكنتش فاهم ، تخيلى انى بعد العمر ده كله ..اكتشفت انى ماكنتش فاهم

ورد بفضول وحيرة : وايه اللى ماكنتش فاهمه

حكيم : انى غرقان لشوشتى من زمان ، طول عمرى وانا محاوط عليكى بكل كيانى ، وانتى بتكبرى قدامى وبين ايديا يوم بعد التانى ، انا اول حد علمك تكتبى اسمك ، اول حد خلاكى تقدرى تعدى الشارع لوحدك ، اول حد كنتى بتبشريه بنتيجة امتحاناتك ، واول حد بيعرف نتيجتى برضة كنتى انتى ، حتى لما سيبتكم وسافرت القاهرة كان لازم اكلمك كل يوم ، ابويا وامى كانوا بيتطمنوا عليا منك ، كنتى وردتى اللى مزروعة جوة قلبى ، بس ماكنتش فاهم ، صدقينى ماكنتش فاهم ، طول عمرى ماعنديش تجارب عاطفية ولا علاقات لدرجة أن أصحابى كانوا بيتتريقوا عليا ، واتارينى كنت مستكفى بيكى

ورد بوجع : ومها

ليعود حكيم إلى جلسته مرة أخرى وهو يسحبها لتجلس بجواره وهو يقول : تصدقينى لو قلتلك أن من ساعة ماحصل بيننا اللى حصل وانا تقريبا ماباقيتش حاسس بأى رغبة فى التعامل معاها ، انبهارى بيها انطفى ، كل لحظة بقيت اقارن بينها وبينك وكنتى دايما بتحسمى المقارنة لمصلحتك ، لحد يوم سفرك

ورد بفضول : ماله يوم سفرى ، ايه اللى حصل

حكيم : لما جيتلك المطار ماعرفش ليه كان عندى امل انك ترجعى معايا ، كان نفسى اقوللك ماتسافريش ، بس ماكانش من حقى ، وحتى لو كان من حقى كنت هبقى انانى بجد زى مانتى قلتيلى الليلة اياها

لما طلعتى الطيارة ، فضلت واقف مراقب الطيارة لحد ماطلعت وبعدت وغابت بين السحاب ، وقتها حسيت ان دقات قلبى اتغيرت ، وعددها نقص ، حسيت أن دقات قلبى رفضت تفضل معايا وصممت أنها ماتفارقكيش وراحت معاكى ، يومها اول مارجعت المكتب لقيت نفسى بحاسب مها على حاجات ماتخيلتش ابدا انى احاسبها عليها وسيبتها فى نفس اليوم

ورجعت على البيت قعدت فى أوضتك اسبوع بحاله مابخرجش منها غير للحمام ، حتى أما كنت بجوع ، كنت أقوم بسرعة اعمل سندوتش وارجع اكله جواها

كنت عاوز اشبع من ريحتك قبل ماتروح

حتى فرش السرير ماغيرتوش لحد النهاردة ،بس ماقدرتش اجيلك وقتها

كنت حاسس انك مجروحة بسبب الليلة إياها رغم أنها كانت اسعد ليلة فى عمرى كله لانك كنتى فى حضنى ، بس دموعك وجعتنى ، حسستنى انى خنتك ، خنت ثقتك ، ووجعت قلبك

سامحيني ياورد ، وتعالى نطلع مع بعض سلمة جديدة تبتدى منها كل حاجة من جديد

ورد بتنهيدة : ياريتها بالسهولة دى ياحكيم

حكيم بلهفة : وليه لا ، انا بعشقك واعتقد أن انتى كمان بتحبينى لو ماكانش قلبى بيكدب عليا

ورد : الحب لوحده مش كفاية ياحكيم ، مش هنكر انك كنت سندى وامانى طول عمرى ، لكن اللى حصل خلانى اخاف منك ، انت ماشفتش انت كنت عامل ازاى ، لأول مرة فى حياتى اخاف ..خفت منك انت ، انت اللى كنت دايما تقوينى خفت منك، كنت دايما بتفضلنى على نفسك ..لكن يومها حسستنى انك بتقولى كفاية عليكى كده ، انزلى بقى محطتك جت ..حسستنى انك زهقت وجبت اخرك

حكيم : تعرفى لما عمك كلمنى وفاتحنى فى موضوع جوازنا قاللى ايه

ورد بفضول : تصدق عمرى ماسألتك

حكيم بابتسامة : لقيته كلمنى وقاللى انك طبعا لازم تكملى تعليمك ، لكن مش هيآمن عليكى تسكنى فى دار المغتربات لوحدك ….. لقيتنى بقوله وايه اللى ينزلها فى المغتربات واللا حتى المدينة الجامعية …ماتقعدش معايا ليه ، فقال يابنى ماينفعش البنت كبرت وانت مش صغير ، فلقيتنى بقوله خلاص اكتبلى عليها وخلي اللى ماينفعش ينفع

لتنظر له ورد بدهشة قائلة : يعنى انت اللى اقترحت عليه الجواز مش هو اللى طلب ده منك

حكيم بابتسامة : أيوة وساعتها قعد يضحك ويقول لى ، وفرت عليا الكلام يابنى انا كنت عاوز اقولك كده ومش عارف اجيبها ازاى

بس اتفاجئت بالفرح والهيصة والناس وكانوا عاوزين دخلتنا تبقى هناك ، خفت عليكى من عوايدنا واقنعتهم أننا ننزل على القاهرة على طول

كنت فاكر انى كده بهرب ، لكن اكتشفت انى كنت بحميكى وخايف عليكى عشان كنتى لسه صغيرة

ليسود الصمت لبرهة يقطعه صوت بكاء الصغيرة لتنهض ورد مسرعة إلى حجرتها لتجد نور تحاول هدهدة الصغيرة ولكنها فشلت

نور : صحيت من بدرى على صوتكم وانا بحاول انيمها تانى بس شكلها جعانة ، اكليها وارجعيله

لتاخذها ورد إلى صدرها وتخرج مرة أخرى إلى حكيم وما أن رآهم معا حتى اتجه إليهم ومد يده وهو يبتسم بحنان وقام بحمل الصغيرة وتقبيلها وقام بالتكبير وإقامة الصلاة باذنيها ثم ابتسم قائلا : سامحيني يابنتى ، كنت المفروض اعمل الكلام ده من يوم ما اتولدتى ..حقك عليا

والغريبة أن الصغيرة سكنت فى أحضانه بهدوء بجوار دقات قلبه لتبتسم ورد قائلة : طالما سكتت خليها معاك على مااحضرلها رضعة الاعشاب بتاعتها

وتركتهم واتجهت إلى المطبخ ليجلس حكيم وهو يتأمل ملامحها ويهمس إليها قائلا : اهلا بدقات قلب ابوكى الناقصة ، من يوم سفر امك وبعدها عنى ودقات قلبى نقصت ، ياترى دقاتى دى كانت مع ورد واللا معاكى ياحتة من قلب ابوكى

انا مش هقدر ارجع مصر من غيركم ابدا ، المرة اللى فاتت دقات قلبى نقصت ..المرة دى عمرى اللى هينقص

بعد الشر …ماتقولش كده مرة تانية

ليبتسم حكيم وهو يستدير بعينيه لورد التى كانت تقف تتابع حديثه مع الصغيرة وقال : طب قلنا ايه

ورد : فى ايه

حكيم : انا مش هقدر استغنى عنك ولا عنها تانى ياورد ….ارجعيلى ارجوكى …ارجعيلى ياورد الجناين

الفصل الثالث

بعد ثلاثة أيام

خرج حكيم من السفارة المصرية بلندن وهو يحمل نوارة بين أحضانه وبصحبته ورد بعد أن أعادها إلى عصمته..وبصحبتهم نور وبعض أصدقائهم وهم يهنئونهم ويحتفلون بهم

نور : انا هاخد نوارة معايا النهاردة ..وانتو روحوا انبسطوا واشوفكم بكرة أن شاء الله

ورد : هتعبك يانور

نور : انتى عارفة أن انا ونوارة أصحاب ، ياللا انتو بالسلامة

حكيم : طب على الأقل هنوصلكم الاول عشان نتطمن عليكم

نور : خلاص ماشى ..ياللا

ليوصلاها إلى المنزل لتهبط نور من السيارة ونوارة باحضانها وتقوم بتقبيل ورد قائلة : الف مبروك ياورد ..يارب تتهنى، ثم وجهت حديثها لحكيم قائلة : الف مبروك يا استاذ حكيم ..خد بالك منها

حكيم بابتسامة واسعة : دى فى قلبى قبل عنيا

ليودعاها وينطلقوا سويا إلى الفندق الذى يقيم به حكيم

فى غرفتهم

حكيم وهو يضم ورد إلى صدره بعد أن أغلق الباب : حبيبتى …عاوزين نعيش كل اللى ماعيشناهوش …واوعدك انى هعمللك كل اللى بتتمنيه

ورد : اول حاجة عاوزة اكلم عمى وماما

حكيم : طبعا ، بس نغير هدومنا الأول ونصلى سوا ونكلمهم على طول

انت في الصفحة 11 من 23 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
20

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل