قلوب ضا,,ئعة
الفصل الثامن
نتأرجح دائما في معرفة ما يهواهُ القلب، رغم يقينًا الثابت بما نُريد، ولكن مع خفقان القلب يُصاب العقل بذ,,بذبات في باطنها الدوران والوصول لما يؤيد القلب، وفي ظاهرها البحث عن سبب لنوم الضمير… مر الأسبوع سريعًا وكُلٌ في فلكهُ يحيا، فالروتين اليومي شبه ثابت عدا من بعض المد والجزر لإضافة طعم للحياة، أغلقت “رحمة” ساح,,بة حقيبتها، وتناولت الهاتف من مقبس التغذية، وقبلها ألقت نظره راضية عن حالها، وهي تضع بعض الأعذار لنظرها الدائم المراءة قبل الخروج، أو على وجه الصحة التأكد من حُسن هيئتها في محاولة فاشلة لإقناع الذات أنها تُريد أن تظهر في مظهر رجولي حازم يليق بجلوسها في منزل غريب، ذاك الغريب الذي يُسقط جميع جيو,,شها أرضًا مع بسمتهُ السا..خرة، وردوده المُتهكمة لما تُريد، لتتسرب
بسمة ناعمة كالعسل على ش,,فتيها سارعت بها وهي تجمع خصلات شعرها في ضفيرة تُناسب ذاك العبو,,س، ولكن هيهات فقد كانت تلك الحيلة ما هي الا وسيلة لإبراز حُسنها أكثر مع اراحتها فوق كتفها وهي تلمع بنعومة.. وضعت كُل هذا الجنون جانبًا وهي تلتقط هاتفها بعدما صدع برنين موعد الخروج.. لتُدير مقبض الباب وتخرج باحثة عن والدتها، فبعدما جلبت “صابرين” الكُرسي لها، وهي صارت تتجول بأريحية في البيت ونارًا ما تدخل غرفتها.. ألقت نظرة سريعة في الردهة لتجدها فارغها والتلفاز مُغلق، وقبل أن تتحرك خطوة واحدة لاتجاه الغُرفة صدع صوت ضحكات من المطبخ، لتُسرع نحوهم، وترسم ملامح المُشاكسة…
رائحة طعام الأم لا يُمكن الحصول عليه سوى منها، أو بالأحرى عندما تضع أصابعها في ذاك المكون فإنها تُضيف خلطتها السرية فيُصبح بمذاق ونكهة لا تُعوض، وعلى الرغم من عدم قدرتها على تحريك سوى يد واحدة، لم تتوارى عن تجهيز طعام الإفطار بمساعدة ابنتها الأخرى، لتعقد العزم على تجهيز بعض المخبوزات الطازجة المضاف إليه قليل من الحشوات المُختلفة تُناسب الصباح، وها هي تنفرج شفتي “نعيمة” بلهجة حانية يشوبها حزم فطري في ذاك الموقف من انتظار نُضج الطعام، وكأنها لم تعرف أنه سيكُن أفضل من ذي قبل، ولكن ذاك القلق الذي يستوطن قلوب الأمهات في تلك الدقائق وكأنهم ينتظرون قدوم مولد جديد من ذاك الطعام..
حركت “صابرين” رأسها بقلة حيلة وهي تُعيد نفس الجملة : يا ماما هيبقى كويس الصينية الي قبلوا كانت حلوة..
-اسكتي أنتِ، وشوفي الفرن يلا ليكون اتحرق الصاج..
تحركت با,,ستسلام، وانحنت قليلًا لتكُن بمُحاذة فرن الموقد، وسارعت برسم ملامح الذُعر والخوف، وشهقة خافتة قبل أن تُضيف بتوتر مُفتعل : ماما الصاج اتحر,,ق..
ذرات الهواء التي ساعدت بحمل الجملة كانت كفيلة بجعلها تنوح ، وتبدأ بالتقريع لابنتها على ذاك الخطأ… حينها انفجرت “صابرين” بالضحك حتى أدمعت عينها من التأثُر، وقبل أن تنفرج شفتها عن القول…
رفعت “رحمة” احدي حاجبيها في تعبير صريح للامتعاض السا..خر، مع شهقة : خيا,,نة بتضحكوا من غيري.. وتحركت لتلثم رأس والدتها بح,,ب، ولكن….
لم تهتم “نعيمة” لسخ,,رية بقدر حُزنها على إفساد المخبوزات، لتُكمل بتقريع : والله ما حد فيكم نافع..
ألقت “رحمة” نظرة مُتسائلة لأختها، قبل أن تُكمل : مالك بس يا نونا علي الصبح، لازم الجمع ما أنا كنت نايمه…
-بس يا موكوسة، طب دي بتعرف تسلك حالها، أنتِ خيبة تقيله…
-أنا خيبه تقيله، هو أنا بتهان ولا أنا بيتهيئلي…
عجزت “صابرين” عن أمساك ضحكاتُها أكثر من هذا، وأكملت في قهقتها حتى أن بطنها قد تألم من كثرة الضحك…
أردفت “رحمة” بغي,,ظ : بتضحكي على ايه؟…
ارتفع صوت “نعيمة” بتساؤل :على فين؟..
-الشغل يا ماما..
-طيب، تعالوا نفطر، قبل ما تخرجي على لحم بطنك..
-معلش يا نونا متأخرة، سلام… لتتوقف عن التحرك بفعل…
عندما رأت أعتذار اختها المُعتاد عن الطعام، تحركت لجمع بضع المخبوزات في أحدي الأكياس المنزلية، لترفع صوتها بنداء : “رحمة”..
-ايوة..
تحركت خطوة لتكُن بجوارها، وسارعت بمد الكيس وبهمس خبيث ظهر منذ بضع أيام على وجهها، عندما كانت “رحمة” تُثير غي,,ظها :خدي وابقى سلميلي على البحر..
ت عينها بخبث مُماثل، وبهمس : بحر مين يا حلوة، البحر هناك عند المُرسي أبو الع با,,س، وأضافت بنبرة عالية : أيه رأيك نروح اسكندرية كام يوم يا نونا؟..
أضافت “نعيمة” با,,ستنكار : اسكندرية مين يا بنت عبدالله؟..
-مفيش يا نونا دول كانوا قرشين معايا ، وبما أن “صابرين” نفسها تشوف الموج، قلت نروح يومين…
-سيبي الفلوس لجامعتك…
-جامعة مين؟… أيه رأيكم نغير البيت…
-روحي شغلك الله يسترك…
**
عندما تصفعك الحياة بق,,سوة فأنت أمام خيارين لا ثالث لهُما أما أن تبكي وتنوح أو ترتدي قِناع ال ة وتُكمل دون روح.. أغمضت” صفية” عينها للمرة التي غفت عن عدها، تُحاول جاهدة ح,,بس دمعتها الحارة داخل أسوار حدقتيها؛ فهي تعلم جيدًا أن سقطت فأنها لن تتوقف قبل أن تقضي على ما تبقى لها من طاقة شحذتها بالأمس بعد ليلة حافله من الرِثاء، زفرت بتمهُل، ويدها تنتصب في إنحاء طفيف لوضع زينتها، لتتوقف بفعل…
حمل “خالد” هاتفهُ يتصفح الأخبار دون اهتمام، قبل مروره على غرفتها، ليطرُق بهدوء، وعندها التقطت أذنيه إذن الدخول، فأدار المقبض، ورسم بسمتُه : صباح الخير يا “صافي”..
ببسمة مُماثلة :صباح النور..
بتساؤل صريح : على فين بدري كدة؟..
-النادي، كلمت البواب..
-ايوة، وقال هيشوف حد..
-ياريت تستعجلوا يا “خالد”، وادفعلوا الي هو عايزوا..