منوعات

بقلم روز آمين

تنهدت تلك التي تتوجع لاجلها ثم تحدثت للتخفيف عنها:
-معلش ياقلبى،قومى اتوضى وصلى الظهر وسبيها على ربنا

ونعم بالله…جُملة مهمومة نطقت بها جنة قبل أن تنصاع لرأي شقيقتها وتذهب إلى الحمام لتتوضأ إستعدادًا للصلاة

*****
فى الجهة الأخرى من نفس القرية،كان محمود البالغ من العمر الخامسة والعشرون،يجلس مع اسرتهُ يتبادلون فيما بينهم التهانى والمباركات فرحاً بخطبة غاليهم وذلك بعدما عادوا من منزل والد العروس بعد إتمام الخُطبة وقراءة الفاتحة

إقتربت عليه الأم وتحدثت بوجهٍ سعيد:
-مبروك يا حودة،ألف مبروك يا حضرة الظابط

تطلع عليها بنظرة حزينة مُنكسرة كحال قلبه البالي ليتحدث ساخراً بإلتياع:
-مبروك عليكِ إنتِ يا ماما،مش اخترتى العروسة اللي علي مزاجك

هتفت”عفاف” بنبرة حماسية:
-عروسه زي القمر وأبوها عميد في الشُرطة قد الدُنيا وهينفعك فى شغلك،هعوز لإبني إيه أكثر من كدة

واستطردت بعتابٍ حادّ:
-وبعدين إنتَ زعلان ليه؟! ما أنت عملت اللي عليك واتقدمت للبنت اللي كنت عايزها ورفضوك حتى قبل ماتروح ولا يسمعوك،وقلوا مننا قدام البلد كُلها واخوها كان هيضربك

عبست ملامحها لتستطرد بنبرة تحمل الكثير من الاستياء:
-هو أبوك قليل في البلد علشان إبنه يترفض بالطريقة دي يا محمود؟
ده أنتَ ابن الحاج”عبدالله التهامي”على سِن ورُمح

هز رأسه مقتنعًا بكلام والدته ثم تحرك صوب غرفته،ولج إليها ثم إرتمي بجسده فوق تختهُ باهمال ونفخ بقوة ليخرج لهيب صدرهُ المُحترق،بات يتذكر أول لقاء جمعهُ بها قبل سبعة أعوام من الأن، عندما كان طالبًا بالصف الثالث الثانوي

فلااااااش باك
قبل سبعة أعوام من حاضرنا الأن

داخل المدرسة الثانوية المُشتركة بالبِلدة المجاورة وفي أول يومًا دراسياً بالعام الجديد، يقف محمود الطالب بالصف الثالث الثانوي ومجموعة من أصدقائه،سامح صديقهُ المُقرب والاخر يُدعي ذكريا المسيري،والذي كان يغار بشدة من محمود لكونهِ محبوباً من أصدقائه والمدرسين ولانهُ وسيماً للغاية ولذا تُعجب به كل من تراهُ من الفتيات المُثيرات
وأثناء حديثهم وضحكاتهم لفت إنتباه جميعهم ولوج فتاة جميلة للغاية وجمالها يكمن في جمال روحها التي طغت فوق ملامحها فجعلت منها جميلة حد الفتنة،كانت تمتلك عينين عسليتين ذات رموش كثيفة جذبت بها معظم الحضور،أما عن شفتاها فكانت كنزة باللون الوردي المُشهي لناظرهُ،متوسطة الطول
إرتبك بوقفته حين رأها تهلُ عليه كاقمراً منيراً بليلة إكتماله،هتف ذكريا بعيناي منبهرة:
-أوباااا،إيه الصاروخ الأرض جو اللي إقتحم المدرسة ده

نظر عليها وتحدث هو الاخر بانبهارٍ ظهر بَيِنّ داخل زرقاويتاه:
-مين البنت دي يا شباب،أنا اول مرة أشوفها

أردف سامح وهو يتطلع عليها بتمعن:
-شكلها مُستجدة لأن أنا كمان أول مرة أشوفها في المدرسة.

إبتسم محمود وتحدث بمداعبة لاصدقائه:
-شكلها كدة هتبقي سنة فُل علينا إن شاء الله

ضحك الشباب باستهزاء في حين تحركت وهي تحتضن حقيبة كتبها وتقربها من صدرها،باتت تتجولُ بعينيها باحثةً عن أحداً تعرفهُ،إقترب منها ذكريا ووقف يقابلها ليتحدث بوقاحة:
-القمر أول سنة ليه في مدرستنا،صح؟

رمقته بنظرة محتقرة قبل أن تنطلق بطريقها مما جعل محمود وأمجد يطلقان ضحكاتهم الساخرة حتي بات كلاهما أن يقع أرضاً من شدة قهقهاتهما المتهكمة عليه مما جعل داخلهُ يستشيطُ غضبًا

دارت بعينيها مستكملة في البحث إلى أن استقرت بمقلتيها على مجموعة من صديقاتها بالصف الثالث الإعدادي يقتربن عليها مُرحبين بتهليل،إبتسمت بشدة وكأنها وجدت ضالتها وباتت الفتيات يتبادلن السلامات والترحاب ببعضهن البعض
نظر عليها بإعجاب ومُنذُ ذاك الحين وهو يراقب تحركاتها بالمدرسة،وبيومٍ من الأيام وبعد مرور حوالي ثلاثة اسابيع علي بداية الدراسة،خرج من بوابة المدرسة ووقف ينتظر قدوم سيارة أجرة جماعية كي توصلهُ إلي قريته حيثُ تبتعد عن القرية المتواجد بها المدرسة بثلاث قُري،إشتدت سعادتهُ حين وجدها تقف بجواره تُشير إلي إحدي السيارات وبعدما توقفت نطقت باسم قريتهُ لتُعلم السائق إذا كان باستطاعته إصطحابها أم لا

أعلمها السائق بموافقته فاستقلت بالمقعد المجاور للشباك ليجاورها هو الجلوس وتلاهُ بعض الطلبة حتى اكتمل عدد العربة،إبتعدت عنه لتلتصق بالشباك وقامت بوضع حقيبتها كفاصلٍ بينهما تجنبًا للتلامس،أعجبهُ تصرفها للغاية ليتحمحم متحدثًا إليها باستفسار:
-هو إنتِ من كفر هلال؟

تطلعت عليه بجبينٍ مُقطب ولم ترد فاسترسل مفسراً بهدوء:
-أنا مش قصدي أعاكس والله،أنا بس إستغربت لما لقيتك بتقولي للسواق علي بلدي وانا أول مرة أشوفك
واستطرد بإبانة:
-على فكرة،أنا معاكي في المدرسة،في تالتة ثانوي السنة دي

وأخيرًا قررت الخروج عن صمتها لتنطق بنبرة تهكمية دون النظر إليه:
-طب مش تذاكر علشان تجيب مجموع بدل ما أنتَ مقضيها فُرجة علي البنات إنتَ والأتنين أصحابك الرخمين اللي دايماً واقف معاهم

إتسعت عينيه بعدم استيعاب لحديثها الذي جعلهُ يطير فرحاً،ليهتف بضحكة سعيدة اظهرت كم إبتهاجه:
-ده أنتِ عارفاني ومركزة معايا بقي

إشتدت وجنتها توهجاً من شدة خجلها الذي إعتراها جراء حديثه الجرئ والذي جعلها تخجل من حالها وتسخط من سذاجتها،إبتلعت لُعابها وتحدثت بصعوبة بعد أن إستجمعت حالها:
-وهو فيه حد في المدرسة كُلها مايعرفش محمود عبدالله التهامي وشلته اللي ما سابتش بنت في المدرسة إلا وعاكسوها وضايقوها

قهقه بشدة جعلتها ترتبك ليتحدث إليها بدُعابة:
-طب والله أنا مظلوم في وسط الشِلة دي وبفكر أسيبهم بسبب السُمعة اللي مطلعينها عليا

رمقته بنظرة عدم تصديق لحديثه ثم أشاحت بنظرها عنه لتتابع الطريق عبر النافذة، تحمحم ثم من جديد تحدث بملاطفة بعدما تفاجئ بتجاهلها له:
-طب مش هتقولي لي إنتِ بنت مين ومن أي عيلة عندنا في البلد؟

نظرت له وضيقت عيناها متعجبة إصرارة فتحدث بمشاكسة:
-طب ينفع تكوني عارفة عني كل حاجة وأنا معرفش حتي إسمك؟

أشاحت عنه ببصرها مطلة من جديد للخارج عبر النافذة مما جعلهُ يستشيطُ غضباً من تجاهلها المتعمد له ويقرر هو الأخر ان يتجاهل وجودها،وما هي إلا دقائق وتوقفت السيارة، ترجل من السيارة وتلتهُ هي حيثُ نزلا ببداية الطريق بالبلدة،تحرك في طريقه بوجهٍ غاضب فاقتربت عليه وتحدثت بنبرة هادئة:
-إسمي جنة،جنة محمد الأنصاري

نطقتها وتحركت بطريقها بخطواتٍ متعجلة تاركة إياه بفاهٍ منفرج علي مصرعيه من شدة سعادته ومفاجأته ايضاً باهتمامها لزعله،لكن سُرعان ما اختفت إبتسامته عندما تذكر اسم عائلتها وتذكر المشاكل والكُره والحقد المتبادلان بين العائلتان وتوارثهُ الأجيال عبر الزمان،ويرجع هذا لقديم الزمن لحادثة قتل بالخطئ تسبب بها أحد أفراد عائلة التهامي بضرب أحد أفراد عائلة الأنصاري داخل إحدي المناوشات بين الرجال مما أدي إلي مضاعفات جثمانية وبعدها ظهرت بعض الامراض العضوية وتوفي المريض بعد ما يقرب من الشهرين،فألصقت له العائلة تهمة القتل وبرأته النيابة من التهمة بعد الكشف علي المتوفي،لكن عائلة جنة كانت تريد بأخذ الثأر فتدخل رجال الشُرطة والعُقلاء من الطرفان وأيضاً عُقلاء المركز وفضوا تلك القضية، و منذ حينها تم قطع العلاقات بين العائلتين وابتعدا عن كل ما يقربها سواء كان مشاركة بالعمل أو تبادل الزيجات وخلافه

مرت الأيام والسنوات،استطاع خلالهم محمود بأن يحقق أحد أحلامه وهو الإلتحاق بكلية الشرطة وكل هذا وهما سوياً،حيث تعلق قلبي العاشقان بعضهما بالبعض حتي أصبحا لا يستطيع احدهما التنفس دون الآخر،واصبحا لا يغفيان إلا بعد إستماع كُل منهما لهمسات صوت خليلهُ عبر الهاتف،واليوم هو اليوم الأول لجنة حيث التحقت بكلية الأداب،توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة الجامعة لتترجل منها جنة،اتسعت عينيها بمزيجًا من السعادة والذهول عندما فوجئت بوقوفهُ أمام البوابة منتظرًا حضورها بباقة من أروع الزهور الطبيعية،تطلعت عليه بحبورٍ ونظراتها الهائمة جالت بعينيه المتيمة،رعشة قوية سرت بكامل جسدها بفضل هيأته المهلكة لقلبها،فلطالما عشقت مظهرهُ وهيأتهُ الرجولية،اقترب عليها وتحدث وهو يُهديها باقة زهورها:
-مبروك يا قلبي،عقبال ما اجيب لك بوكية ورد خطوبتنا

تبسمت بشدة لتتحدث بحبورٍ ظهر بعينيها وهي تتناول منه زهراتها:
-إيه المفاجأة الحلوة دي
واستطردت متسائلة:
-ما قولتليش ليه إنك هتيجي

ابتسم ليُجيب على تساؤلها:
-طب ولو قُلت لك كانت هتبقى مفاجأة حلوة إزاي
ثم استكمل وهو يجول بعينيها بنظراتٍ هائمة:
-زائد إني كُنت هحرم نفسي من أرق إبتسامة وأجمل طلة عيون وهي مبهورة من المفاجأة

تنهدت بسعادة سُرعان ما اختفت فور رؤئيتها لنظرات الفتيات وهُن يتطلعن بانبهار على ذاك الواقف بمظهره الرجولي وثيابه الميري الخاصة به كطالب بكلية الشُرطة،استشاط داخلها وشعرت بفورانٍ بكامل جسدها ناتج عن شِدة غيرتها عليه،تطلعت إليه بنظراتٍ حادة قبل أن تهتف ساخطة:
-طبعاً إنتَ جاي مخصوص ببدلة الشُرطة علشان تشوف نظرات الإعجاب من عيون البجحين اللي تندب فيهم رصاصة دول

لم يفهم مقصدها إلا بعدما تطلع حولهُ ليندهش من جُرأة بعض الفتيات وهُن يتطلعن عليه بنظراتٍ توحي لشدة إعجابهُن دون حياء،أراد أن يستغل ما حدث ليُشعل صدرها بنار الغيرة أكثر عَل قلبهُ يسعد لرؤية عشقها الجارف له فاعتدل ينظر إليها ليتحدث بتسلي:
-اللي إنتِ شيفاه ومستغرباه ده بقى العادي بتاعي يا حبيبتي
واسترسل لاثارة حِنقتها:
-أنا مش عاوزة أقول لك اللي بشوفه من البنات وجرأتهم طول ما أنا ماشي في الشارع

وده طبعاً شيء مفرح حضرة الظابط وراضي غروره…جُملة غاضبة نطقت بها جنة بعينين تُطلقان شزرًا ليضحك هو بعدما حصل على مبتغاه ليُزيد من اشتعال نيران غيرتها،توقف سريعًا عن اطلاق ضحكاته ليتحدث إليها بنبرة حنون بعدما رأى حزنها الذي ظهر بعينيها:
-مفيش حاجة تفرح قلبي وترضي غروري غير نظرة الحب اللي بشوفها في عيونك وإنتِ راضية عني يا جنة

رُغمًا عنها تبسمت بإشراقة ساحرة جعلتهُ يبتسم ليتحدث بحبورٍ ظهر بَيِنّ بعينيه:
-أيوة كدة إضحكي علشان شمس يومي تطلع وتنور دنيتي

أنزلت بصرها خجلاً فاسترسل ذاك العاشق بما جعل قلبها يتراقصُ فرحًا:
-بحبك يا جنة،والله العظيم بحبك

تنهيدة حارة شقت صدرها وخرجت لتُعلن عن وصولها للمنتهى من الراحة والعِشق ليسترسل هو بنبرة حماسية:
-إعملي حسابك إننا هنتغدى مع بعض النهاردة

رفعت بصرها لتتقابل أعينهم وتحدثت باستنكار:
-غدى إيه اللي بتتكلم عنه يا محمود؟
إنتَ عاوز حد يشوفني معاك ويروح يقول لبابا ولا لحد من إخواتي والدنيا تولع؟!

قطب جبينهُ مستنكرًا لتسترسل هي بإبانة:
-ده غير إن لا يمكن أخون ثقة بابا فيا

تحدث مُلقيًا عليها اللوم:
-براحتك يا جنة، افضلي إنتِ كدة ارفضي أي محاولة ليا وضيعي من ادينا أي فرصة بحاول أخلقها علشان نقرب فيها من بعض ونستمتع بوجودنا بحجج فارغة

بس دي مش حِجج فارغة يا محمود، إنتَ عارف كويس أوي لو موضوعنا اتعرف إيه اللي ممكن يحصل…نطقتها بحُزن لتسترسل بنبرة محبطة:
-أنا أصلاً مش عارفة إزاي طاوعت قلبي ومشيت وراه وحبيتك وأنا عارفة نهاية الحكاية

مش عاوز أشوف نظرة الانكسار واليأس دي في عنيكِ مرة تانية…نطقها بحدة ليسترسل بتأكيدٍ حاد:
-مفهوم يا جنة
نظرت عليه وتنهدت بيأسٍ ليسترسل بنبرة حماسية:
-عاوزك تتأكدي إن مهما كانت الصعاب اللي هتقابلنا ،حبنا في الآخر هو اللي هينتصر،ربنا مش هيتخلى أبداً عننا

ابتسمت له بارتياح بعدما طمأنتها كلماته لتتحدث بنبرة تفاؤلية:
-أنا واثقة فيك يا محمود،وعندي يقين إن بكرة شايل لنا أجمل أيام

ابتسم لها ثم تحدث بعدما أراد مداعبتها ليرى غيرتها العمياء عليه والتي تجعله يصل لمنتهى النشوة:
-طب وبالنسبة للغدى،سيادتك هتتعطفي وتيجي معايا ولا أخدها من قصيرها وأعلق مُزة من اللي هيموتوا على البدلة الميري دول واروح اتغدى معاها ونتسلى؟

اشتعلت عينيها لتنظر إليه شزرًا وهي تتحدث من بين أسنانها:
-إمشي من قدامي يا محمود بدل ما ارتكب فيك جناية على الصُبح

أموت فيك وإنتَ شرس…نطقها بغمزة من إحدى عينيه تحت خجلها ليتحدث بنبرة جادة وهو يعدل من ياقة حلته إستعدادًا للرحيل:
-خلي بالك على نفسك يا حبيبي

نطقت بابتسامة مشرقة:
-وإنتَ كمان

بحبك…نطقها بهمس قبل أن يتحرك ويستقل سيارته لينطلق بها مسرعًا تحت سعادة قلبها العاشق ونظرات الفتيات لها.
يتبع
[٢٥/‏١٠, ٩:٤٤ م] آية محمد: بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين

نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين

الفصل الثاني

ظل العاشقان معًا ومع كل يوم يمر عليهما تزداد فيه متانة علاقتهما إلى أن وصلا إلى ترابط روحيهما وكأنهما أصبحا روحًا واحدة بجسدين، عاشا حياةً هادئة حتى جاء اليوم الذي تخرج به محمود من كلية الشرطة، كان يحادثها ليلاً عبر الهاتف الجوال،وهي تحدثهُ من فوق سطح منزل أبيها،همست إليه بنبرة مبتهجة تدل على مدى حبورها:
-ألف مبروك يا حضرة الظابط

نطق سريعًا بنبرة صوت تهيمُ عِشقًا بغرام متيمتهُ:
-الله يبارك فيكِ يا قلب وروح وعقل حضرة الظابط،كان نفسي تبقي معايا النهاردة وأنا بتكرم

تنهدت وبدأ صدرها يعلوا ويهبط من شِدة السعادة ليهتف هو بنبرة رجل عاشق أذابهُ الإشتياق وماعاد فيه تحمل البُعاد بَعد:
-أنا لازم أفاتح بابا في موضوع خطوبتنا يا جنتي

بلاش الوقت يا محمود،إستني شوية…نطقتها بتلهُف وارتعاب جعلهُ يسخط علي حظيهما ليهتف بصياحٍ حاد أحزنها علي حالهما:
-عاوزاني أستني لحد أمتي يا جنة،لحد ما أبوكي يوافق علي عريس من اللي بيتقدموا لك وتضيعي مني؟

ثم صاح بقلب عاشق ملتاع:
-إنتِ مش عارفة أنا بحس بإيه كل ما أسمع إن جالك عريس جديد،جسمي كله بيقيد نار وأنا بتخيل إن عيون راجل غيري شافتك وعجبتيه لدرجة إنه إتمناكي تكوني ليه وجه علشان يطلبك للجواز

أجابتهُ بهدوء معللةً:
-اديني برفض بأي حجة أقولها لبابا

نطق باستفهام:
-ولحد إمتي هتفضلي تتحججي يا جنة؟ إنتِ في تانية جامعة يعني ما بقتيش صُغيرة، وحججك مسيرها هتخلص

تنهدت بحيرة فتحدث بإصرارٍ عنيد:
-مفيش تأجيل تاني يا جنة خلاص،أنا حسمت قراري وهنزل أكلم أبويا الوقت حالاً

ربنا يستر يا محمود…نطقتها بنبرة يملؤها التوتر فأراد إخراجها وطمأنة قلبها قائلاً بصوتٍ حنون:
-هيستر إن شاء الله يا نن عين محمود
تنهد براحة ليسترسل بنبرة تفيضُ هيامًا:
-هنتجوز ونعيش مع بعض زي ما اتمنينا،هنعيش حياتنا لينا وبس،هتبقي كل دنيتي وهبقي ليكي كل الناس

إبتسمت بسعادة فاسترسل بنبرة حماسية لعاشقٍ ولهان:
-قولي لي بحبك وعوزاك يا محمود،قوليها علشان أكون مستعد أحارب وأهد الدنيا علشان عنيكِ

بنبرة حنون نطقت خجلاً:
-بحبك وعُمري ما أتمنيت ولا اتخيلت نفسي مرات حد غيرك يا محمود

تنفس بعُمقٍ كمن كان ينتظر الترياق لإنقاذ حياته ثم تحدث بنبرة حماسية:
-وأنا عمري ما هخليكِ تندمي علي إختيارك ليا يا حبيبتي،هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا كلها وده وعدي ليكِ

ردت بملاطفة:
-أما أشوف يا حضرة الظابط
واستطردت بانسحاب:
-أنا لازم أقفل وأنزل تحت قبل ما بابا أو حد من أخواتي ياخد باله من غيابي

تحدث بموائمة:
-تمام يا حبيبتي،وانا هنزل أكلم بابا وهبعت لك رسالة علي الواتس ابلغك فيها باللي حصل
ليسترسل بصوتٍ يفيضُ حنانًا:
-تصبحي على خير يا قلبي

أنهت معه الإتصال وتحرك هو إلي أبيه حيث كان يقطن بدخل غرفتهُ الخاصة، ولج للداخل وألقى عليه التحية ثم قام بإخباره بما انتواه،جحظت عيناي عبدالله ليهتف بذهولٍ وغضب حاد:
-إنتَ إتجننت،عاوز تقلب البلد حريقة يا حضرة الظابط؟

بعيني مُستعطفة نظر إلي والدهُ ليتحدث بترجي:
-أرجوك يا بابا حاول تفهمني،أنا بحبها بجد ومش قادر أتخيل حياتي من غيرها، حط نفسك مكاني

هتف عبدالله بجمودٍ:
-أنا لو مكانك هخلع قلبي وأحطه تحت جزمتي وأفعصه تحتها يا حضرة الظابط ولا إني أولع البلد كلها في بعضها

بعبرات ظهرت بعيناه نطق بصوتٍ مُختنق:
-وأنا لو قادر أعمل كدة هاجي لك وأطلب مساعدتك ليه؟!
واستطرد شارحاً:
-أنا مش صغير يا بابا،أنا عارف وفاهم كويس المشاكل اللي بين العيلتين،بس مش بإيدي

هتف الأب معنفاً نجله:
-بكلامك ده يبقي مش عارف حاجة يا بيه،إحنا بينا تار ودم، فاهم يعني إيه دم يا محمود؟
واستطرد بعيناي مرتجفة وقلبٍ حزين:
-اللي بينا دم ما صدقنا ردمنا عليه وقفلنا على الموضوع، وإنتِ بعملتك السودة دي جاي وعاوز تفتحه من جديد،إنسي يا ابني، الطريق ده مش هيجيب خير لحد، ده بحر دم مقفول وإنتَ بإيدك عاوز تفتحه وتغرق بيه البلد كلها
واستطرد مؤكداً:
-ده غير إن ابوها مستحيل يوافق

بأملٍ ظهر بَيِنّ داخل مقلتاه هتف بنبرة حماسية:
-أنا هقنعه،هروح له وأقنعه إن أنا وجنة بنحب بعض، واكيد قلبه هيحن على بنته وهيوافق

إنتَ باين عليك مش هتسكت إلا لما تجيب لنا مُصيبة لحد عندنا…كلماتٍ نطق بها بصوتٍ غاضب ليسترسل بصياحٍ مُتهكم سَمع به جميع مَن بالمنزل:
-عاوز تروح للراجل اللي جدك الكبير متهم بقتل جده وتقول له أنا مستغفلك وماشي مع بنتك من وراك وعاوزك تجوزها لي؟!

بعينين مستسلمة أجابهُ:
-يا بابا حاول تفهمني، أنا حبيتها، والحب ملوش كبير

إقتحمت “عفاف” باب الغُرفة عندما إستمعت لصياح زوجها وتوبيخهُ لنجلها ليلحق بها شقيقهُ الأكبر والأصغر،لتتساءل هي بنبرة مرتجفة:
-مالك يا عبدالله كفانا الشر،صوتك عالي ليه يا اخويا؟!

إسألي إبنك اللي هيموتني ناقص عُمر من عمايله…نطقها بصياحٍ جعلها تتنقل بنظرها بين كلاهما بعدم استيعاب

إقترب الابن الأكبر من أبيه ويُدعي صلاح متزوج ولهُ ولدان،ليتحدث بهدوء في محاولة منه لتهدأة والدهُ:
-إهدى يا حاج علشان صحتك وفهمنا بالراحة إيه اللي عمله محمود وزعلك منه قوي كدة؟

إقتربت عفاف من ولدها وربتت علي ظهرهِ بحنان مما جعل داخل عبدالله يستشيطُ ويهتف بإبانة:
-أهدى إزاي وحضرة الظابط العاقل عاوزني أروح أخطب له بنت محمد الانصاري.

شهقة عالية خرجت من فمِ عفاف لتجحظ عينيها وهي تتطلع على نجلها بذهولٍ  ، أما الشقيقان فباتا يتبادلان النظرات فيما بينهما باستهجان في حين تحدثت الأم بعدم تصديقٍ ونفي:
-أكيد إنتَ فهمت الكلام غلط يا حاج،محمود أعقل من إنه يورطنا معاه التوريطة السودة دي
واستطردت وهي تنظر إلى نجلها لتسألهُ بهزة من رأسها مستنكرة:
-ولا إيه يا محمود،رد عليا وقول لي إن الكلام اللي أبوك قاله ده مش صحيح

نظر لهُ عبدالله بتمعن منتظرًا ردهُ على والدته فأخذ الأخر نفسًا عميقًا لاستعادة هدوئه وتحدث شارحًا:
-كلام الحاج مظبوط يا ماما

تبقى اتجننت وعاوز اللي يرجعك لعقلك يا ابن الحاج عبدالله…هكذا صاحت عفاف بنظراتٍ لائمة بجانب كلماتها اللازعة ليهتف هو بنبرة جادة:
-اتجننت علشان عاوز اتجوز البنت اللي قلبي مال لها؟

هتف شقيقهُ الأكبر معاتبًا إياه:
-وانتَ من وسط كل بنات البلد والدنيا بحالها محليش في عينيك غير بنت محمد الأنصاري ورايح تحبها يا محمود؟!

بات يتنقل النظر بين جميعهم متعجبًا ليتحدث باستهجان:
-هو أنتوا ليه محسسني إن القلوب دي بادينا وإن باشارة مني أقدر أخلي قلبي يحب ويكره ويبعد على كيفه !

هتف عبدالله بصوتٍ غاضب بعدما فاض به من أفعال نجله الغير مسؤلة:
-قلبك ده إيه اللي بتتكلم عنه يا أبو قلب،ما تفوق من وهمك يا حضرة الظابط وتبص حواليك،قلبك اللي بتتكلم عنه ده وخايف عليه هيكون السبب في خراب البلد كلها،النار اللي الحكومة وكُبرات المركز طفوها من زمان جاي حتة عيل زيك ينفخ فيها من جديد علشان يولع في الكُل

شمل والدهُ بنظراتٍ لائمة وسكن قلبهُ ألمٌ عميق جراء عدم شعور والدهُ بقلبه العاشق والذي لا يضع لكل ما قيل قيمة ولا حُسبان،في حين صاحت عفاف بنبرة مرتعبة على نجلها:
-الموضوع مش بالسهولة زي ما أنتَ فاكر يا ابني،لو خايف على أبوك وأخواتك تقفل الموضوع ده وتردم عليه،علشان خاطري يا ابني تسمع كلام أبوك

بنبرة مرتبكة تحدث شقيقهُ الأوسط ماجد خشيةً غضبة والده عليه:
-طب ما نحاول علشان خاطر محمود يا بابا،أبعت للحاج محمد واطلب منه إيد بنته لمحمود وشوف
واسترسل متفائلاً:
-مش يمكن الراجل يكون حابب يقفل صفحة الماضي ويوافق علشان يفتح صفحة جديدة بين العيلتين.

انت في الصفحة 2 من 9 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
136

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل