
” لا وانتي الصادقة.. اللي مايتعملش انهاردة.. مابيتعملش خالص يا عين امك”
استدارت لوالدتها التي انضمت لمجلسهم لتوها، فتمتم ناصر: وأنا مش هتأخر يا مرات عمي.. هعمل كل اللي في جهدي وأكتر عشان اخلي الشقة تليق بجنة!
برطمت بصوت خافت: أما نشوف!
رحيم: يلا عشان ناكل لقمة ونحبس بشوية شاي.. اتفضل يا ابني! ( سبقه العم بخطوات وتبعته زوجته، فتباطأ هو ليظل بالخلف جوارها، ثم دنى منها هامسًا بأذنيها: وحشتيني يا جنتي!
أحمرت وجنتاها: وانت أكتر يا ناصر!
تشربت عيناه حُمرة وجهها بنهم: مبسوطة موضوع الشقة ده!
هتفت بسعادة تلقائية: هطير من الفرحة يا ناصر.. اخير لقينا اربع حيطان يلمونا.. ربنا يرزقك برزقها وتخلص بسرعة!
غمغم بخبث: مستعجلة على الوصال يابت!
اشتعلت وجنتيها متداركة لهفتها الكاشفة لتنفي على الفور: لا بس يعني نفسي ابقى في بيتي وبراحتي معاك!
_ هانت يا جنتي.. انا هنحت في الصخر لحد ما اختصر الوقت، لأني خلاص مبقيتش قادر على بعدك!
ابتسمت برقة: ربنا يقويك ويعينك”
تمتم: ويخليكي ليا ويقرب البعيد!
ثم لثم وجنتها سريعا فهتفت بتحذير:
جرى إيه يا ناصر حد يشوفنا عيب كده.. ”
_ طب ما يشوفنا احنا بنسرق؟ إنتي نسيتي اني عاقد عليكي ولا إيه..
_ لا بس بردو ماتتمداش..مش كل اما تشوفني ت… .
_ كملي؟
تسائل بمكر، فاستطردت بمراوغة: وبعدين معاك بقى، بطل الخبيث ده!
” الأكل هيبرد، هاتي خطيبك ياجنة وتعالوا”
ارتبكت مرددة وهي تجذب كفه:
طب يلا ابويا استعوئنا.. خليك تاكل لقمة وتشرب شاي وترجع ع الورشة عشان الاسطى مايقلبش عليك ويضايقك!
عكر صفوه ذكر الأخير فتمتم: الله يحرقه.. بيوقفلى على الواحدة وقارفني في عيشتي.. ربنا يتوب علينا من ورشته، انا اصلا بدور على شغل مع حد تاني!
هتفت لتُثنيه عن ما نوى: يا ناصر انت ضامن مكان تاني هيكون ازاي.. كل شغل فيه وفيه.. انت اشتغل بما يرضي الله وهو وقتها مالوش عندك حاجة واحمد ربنا غيرك مش لاقي!
تنهد برضوخ: اديني شغال اما نشوف اخرتها..!
_ اخرتها الخير كله يا اسطى!
أردف بحنان مشاكس: عيون قلب الاسطى!
وواصل: بس زعلان منك.. كلمتك بالليل ماردتيش!
هتفت بضيق: لأن تليفوني باظ يا ناصر.. نجلاء اختي وقعته في المية امبارح.. زعلت عليه أوي ومش هعرف اجيب زيه دلوقت..!
_ ولا يهمك يا حبيبتي.. هاتيه يمكن اعرف اصلحه، وان ما اتصلحش هجيبلك غيره!
اعترضت: تجيب إيه يا ناصر.. التليفونات بقيت غالية اوي خليك في الأهم.. انا هستلف تليفون امشي بيه نفسي من البت سامية صحبتي، ماتشغلش بالك!
_ طب هاتيه بس وربنا يسهل!
في منزل ناصر وصخب صوت التلفاز العالي يملأ الأجواء.. وفتاة صغيرة مندمجة بكل حواسها مع لقطات فيلم كوميدي قديم!
(ازاي حسن هيكتب كتابه على عزيزة من غير ما يئرا فاتحتها؟!
عبد الفتاح القصري: _أنا قلت يكتب كتاب الأتنين يعني يكتب كتاب الأتنين!
_وأنا قلت يا جواز حميدة وبس يا مافيش جواز
عبد الفتاح القصري: يا وليه اسمعي الكلام.. أنا راجل وعمر كلمتي ماتنزل الأرض أبدا..
_ حنفي.
_ خلااااص ..تنزل المرادي.. بس اعملي حسابك المرة الجاية.. كلمتي مش هتنزل الأرض أبداااا..!)
“وطي التليفزيون وقومي ذاكري يابت انتي”
تجاهلت شهد صياح والدتها، وواصلت متابعة الفيلم الكوميدي ” ابن حميدو”..فهدرت بها الأخيرة:
_ بقولك قومي من قدام التليفزيون خلي يومك يعدي.. ياريتك فالحة في مذاكرتك زي الأفلام!
وشوفي مين بيخبط بسرعة يمكن ابوكي ولا ناصر اخوكي.. انجري يابت ماتفرسنيش!
نهضت شهد على مضض تبرطم:
كل حاجة شهد شهد..ما سعيد موجود اهو مش بتنادي عليه ليه ولا عشان أخر العنقود يعني.. امتى اتجوز واسيب البيت ده، يابختك يا نوال، كبيرة وهتتجوزي وتسيبي البيت اللي يخنق ده!
التقطت أذني ” ناصر” أخر تمتمات شقيقته الغاضبة: هو انا سمعت كلمة جواز ولا بيتهيئلي؟
أجابته الصغيرة بضجر: أيوة بدعي اتجوز عشان ارتاح من طلبات امك!
أمسك ياقة بيجامتها: أسمها أمك يا ام لسان؟ وبعدين عايزة تتجوزي وانتي لسة اتناشر سنة؟ أمال انا اعمل إيه؟ أروح انت*حر؟؟؟
_ سيبني طه.. أنا مالي ماتتجوز ..هو انا اللي معطلة جوازك انت وأبلة جنة؟ .. أتجوز ياعم وريحنا!
ناصر وهو يطالعها ببلاهة: عم؟؟؟ الله يخربيت اللماضة بتاعتك.. امشي يابت نادي امك عايزها في كلمتين!
_ أوووف بقى.. حااااضر.
صفق كفيه بذهول وهو بتابع هرولة تلك القزمة شقيقته بزوبعة غضبها الطفولي!
_ خير ياضنايا.. عايزني في إيه؟
_ كل خير يامه.. بصراحة ابنك مزنوق في قرشين، وعايزك تظبطيلي جمعية كبيرة واقبضها الأول!
_ وماله يا قلب امك.. هكلم خالتك ام زكي تعمل حسابك في الجمعية. بتاعة أول السنة.. ما انت عارف، هي اللي بتفك. زنقة الحارة كلها..! بس مزنوق في إيه؟
_ عايز ادفع خلو الشقة قبل ما تطير مني.. ماصدقت لقيت حاجة سعرها مناسب!
مصمصت شفتيها ساخرة: انا عارفة مدلوق ع الجواز كده ليه.. اتقل يا واد وامسك نفسك شوية!
_ يامه عايز اتكن في بيتي واتجوز .. ولا انتي مش عايزة تفرحي بعيالي حواليكي!
غلبها حنان أمومتها: وانا في ديك الساعة. اما اشيل عيالك ياضنايا.. خلاص ولا تشيل هم.. سيب حكاية الجمعية. دي على الله ثم عليا..!
قبل رأسها بحماس بمتزج بامتنانه: أيوة كده يا ام ناصر.. فرحي قلبي، واهو بعد ما ادفع خلو الشقة، هوضبها واحده واحدة.. مرة سباكة.. مرة نجارة ولا كهربة ولا نقاشة وهتتقضي. وتبقى عال!
هتفت تدعوا بإخلاص ومحبة:
إلهي يرزقك ويطعمك ويحول التراب في أيدك دهب يا ناصر يا ابن نادرة!
لثم كفها: ومايحرمنيش منك يا غالية.. حطيلي لقمة بقى احسن ابنك واقع وعلى فطار الصبحية!
_ من عيني يا حبيبي! ثم صاحت مناديا:
بت يا شهد..حطي الطبلية وتعالي خدي مني أكل لاخوكي أوام!
ألتقطا صوت برطمتها المعتادة، فتمتم ناصر:
البت دي سايقة العوج وعايزة تتشد شوية يامه!
هتفت بتوعد: المعوجة نعدلها بفردة شبشب يا ضنايا.
عند الجارة!
أم. جنة: العواف عليكي يا ام سالم، جبتلك البيض اللي وصتيني عليه أهو.. 30 بيضة طازة ويستاهلوا بقك.. بألف هنا..!
الأخيرة: ياختي تسلمي وماتحرمش منك، وغلاوتك مابحبش اشتري بيض من برة، وابو سالم دايما يقولي انك أولى.. حسابك كام بقى؟
_ يووه.. مستعجلة ليه يا وليه.. هي الدنيا هتطير!
_ وربنا ما هنكسر بيضة في طبق إلا اما تاخدي تمنهم على داير مليم..اه الحق مايزعلش ياختي!
تنهدت الأخيرة: خلاص يا ام سالم اللي تشوفيه! بنفس سعرهم القديم!
أنقدتها ثمن ما جلبت، ولاحظت ملامحها العابسة، فتسائلت: مالك يا ام جنة شايلة الهم ليه كده؟اقعدي وقوليلي مالك وفضفضي لاختك!
باحت ما داخلها بأرياحية اعتادها مع الجارة:
_ كلام في سرك يا ام سالم.. الدنيا ضيقة معانا أوي.. مش عارفين نلم جهاز البت.. الحاجة بقيت نار ياختي مافيش حاجة رخيصة!..هما فاكرين الناس بتسرق ولا بتسرق عشان الأسعار دي كلها..!
وجدت شكوتها صداها عند الجارة التي هتفت:
_ ومين سمعك يا ام جنة! يمين بالله لسه عاملة. خناقة انا وابو محمد بسبب طقم “صيني” وطقم ” العشا” اللي جبتهم للبت عشان يتحطوا في النيش.. وهو على قولة لازمته إيه صيني وعشا..كان كفاية واحد منهم يقضي الغرض..!
_ماهو النصيبة دلوقتي كل حاجة لازم. تيجي وإلا الناس تاكل وشنا..اما بقى علينا اقساط وجمعيات تقطم الوسط!