
أردفت بحاجب مرفوع:- دي هتبقى أوضتك اللي هتعيشي فيها الكام شهر اللي جايين دول على ما الموضوع يخلص.
اعترض علي قائلاً :- بس يا بسمة..
قاطعته قائلة بإصرار:- اللي قولته هيتسمع يا علي، و دلوقتي أختار يا أنا يا هي.
جعد أنفه بضيق قائلاً :- إيه اللي أنتِ بتقوليه دة ؟ أنتِ عاوزاني أتخلى عن بنت عمي في الغربة؟!
أردفت ببراءة مصطنعة :- لا يا حبيبي أنا مقصدش كدة، أنا أقصد أختار مين اللي هتبقى مراتك فعلياً واظن أنت فاهمني كويس.
جز على أسنانه بغيظ و جذبها من ذراعها بعيداً قائلاً بضيق :- إيه اللي أنتِ بتقوليه قدامها دة؟ دي عيلة!
أردفت بشهقة معترضة :- ولو يا عمري أنا ما أضمنش الظروف ولا أضمن الرجالة، مش يمكن تحلى في عينك بكرة ولا بعده؟
أردف بمهاودة :- يا بت أنتِ اللي في القلب هو في بعدك برده!
مصمصت شفتيها بعدم رضا قائلة :- كل بعقلي حلاوة كل، و أوعى كدة أنا زعلانة منك هي دي وحشتني بتاعتك!
غمز بعينيه لها بعبث قائلاً :- أظبط الأمور بس وأنا هوريكي وحشاني قد إيه؟
أردفت بوقاحة :- لا الدنيا متظبطة تعال أنت بس. ثم أردفت بصوت عال :- البيت بيتك يا مريومة طبعاً خدي راحتك، بعد أذنك هندخل جوة نريح شوية أصل لولو وحشني أوي.
قالت ذلك ثم سحبته من ياقة قميصه لإحدى الغرف، بينما وقفت هي كالجماد لا تعلم ما تفعل و كأنها في حلم توجهت للغرفة التي أشارت لها بسمة سابقاً، و وضعت حقيبتها أرضاً لتجلس بشرود على الفراش وهي تفكر بحالها الذي يشبه الكابوس الذي تتمنى أن ينتشلها أحد منه عما قريب.
زفرت بضيق قائلة :- أنا هتصل بالبت عزة تقولي النتيجة طلعت ولا لسة .
و بالفعل اتصلت بها لتجيبها الأخرى بفرحة :- مريم حبيبتي؟ أنتِ وصلتي؟
هتفت بخفوت :- أيوة يا عزة وصلنا من شوية.
ابتسمت بود قائلة :- حمداً لله على سلامتك، بس في عروسة تسيب عريسها و تقعد تتكلم مع صحبتها بالشكل دة!
ابتسمت بوجع قائلة :- لا عادي هو معندوش مشكلة، طمنيني على النتيجة.
ابتسمت بحماس قائلة :- ألف مبروك يا عروسة جبتي %98 .
ابتسمت بسعادة غامرة قائلة :- بجد! أنا جبت كدة؟
أومأت بتأكيد قائلة :- أيوة يا روحي ألف مبروك وأنا جبت %95 .
أردفت بحب :- ألف مبروك يا زوزو .
أجابتها بفرح :- الله يبارك فيكِ ها هتدخلي صيدلة زي ما قلتي؟
هزت رأسها بنفي قائلة بحزن :- لا يا عزة ما أنتِ عارفة بابا مش راضي يخليني أكمل تعليم بيقولي كفاية عليكي الثانوي، أنتِ بقى هتدخلي إيه؟
أردفت بحماس :- أنا هدخل كلية علوم بإذن الله أنا و البت سهام.
ابتسمت بمرار و أردفت بدموع مكبوتة :- ربنا معاكم و يوفقكم، سلميلي على سهام لما تشوفيها سلام.
أنهت معها المكالمة لتسقط على الفراش تنتحب بصوت مكتوم وهي ترثي حلمها الضائع قائلة بخفوت :- حرام عليك يا بابا تحرمني من كل حاجة حلوة.
بعد مرور أسبوع استمرت فيه بسمة بالحيطة و الحذر تجاه مريم كي لا ينفرد علي بها، فهي تقف بينهما كالحاجز و تقريباً تضعه كالخاتم في إصبعها فلا يعصي لها أمراً.
كانوا يجلسون على الطاولة يتناولون الطعام بهدوء حتى قطعته هي حينما أردفت بخفوت :- علي ممكن أطلب منك طلب؟
نظر لها بانتباه قائلاً :- اتفضلي يا مريم.
فركت أصابعها بتوتر و أردفت برجاء :- أنا جبت %98 في الثانوية العامة و يعني ….يعني كنت عاوزة أدخل صيدلة ممكن تخليني أكمل و أروح الكلية، وحياة بسمة عندك.
ثم طالعت بسمة قائلة برجاء :- بالله عليكي قوليله يوافق أكمل ، وأنا والله مش هضايقكم خالص، و هعمل شغل البيت كله كمان علشان حضرتك حامل يعني وكدة.. بقلم زكية محمد
لاحت ابتسامة انتصار على ثغرها فهي فرصة مناسبة فستغيب كثيراً عن المنزل و ستشغل ذاتها بالاستذكار لذا هزت رأسها قائلة بحنو زائف :- متقلقيش يا حبيبتي أكيد علي معندهوش مانع، الكلية قريبة هنا و مفيش مشكلة، إيه رأيك يا علي؟
هز رأسه بتفكير قائلاً :- أنا ممكن أوافق بس بشرط.
أردفت بلهفة :- قول بسرعة وأنا هنفذ ..
أردف بهدوء :- ما تحكيش أي حاجة بالموضوع دة لا لأهلي ولا لأهلك ولا أي مخلوق برة.
هزت رأسها بفرح قائلة :- حاضر حاضر والله ما قُلت ولا هقول، اطمن.
و بالفعل التحقت بالجامعة و اهتمت بدروسها جيداً، أما علي كان همه يزداد يوماً بعد يوم وهو لا يعلم كيف سيتصرف في الجنين القادم، و كيف سيقدمها لهم على أساس أنها زوجته فوالده لم يبت في موضوع كتابة الأرض التي هنا بالإسكندرية له فهو في أمس الحاجة لها لكي يسدد ديونه التي تغرقه منذما تعرف على تلك المدعوة زوجته و رفاق السوء خاصته الذين سحبوه نحو قاع مظلم لا مجال للعودة منه بسهولة، منذ أن تعرف عليهم في إحدى صالات الرقص عندما ذهب مع رفاقه و منذ تلك اللحظة وهو انخرط في عالمهم و تتبع شيطانه ورغباته و سلم ذاته لهم، فتوسطت له ليحصل على مركز مرموق في الشركة وهو مستمر في أفعاله الغير أخلاقية معها إلى أن تزوجها .وها هو يجني ثمار ذلك فقد أصبح مدمناً للمخدرات التي جعلت الديون تتكاثر عليه من قبل هؤلاء اللذين يطالبون بنقودهم، ولذا هو في أمس الحاجة لبيع قطعة الأرض تلك.
ولم ينتهي الأمر عند ذلك ليفاجئ أن والده قد حدد موعد زواجه من ابنة عمه التي لا يعرف عنها سوى اسمها و بعض الملامح لها لعدم رؤيته لها لسنوات طويلة، فما كان منه سوى الموافقة لكي لا يصغر والده أمام عمه، و ها هو في نيران ألقى بنفسه بها ولا يعرف ما يفعله للنجاة، فلا منفعة من الندم الآن.
أخذت تلح عليه بأن يخبر أهله و لكنه أخذ يتهرب منها فبأي وجه سيواجه والده فيجب أن يقف على أرض صلبة .
بعد مرور شهرين دلف لغرفتها كالعاصفة حينما سمعها تتحدث مع أحدهم و علامات الغضب على محياه.
ازداد خفقان مضغتها بين ضلعيها قائلة بتلعثم :- أااا، خير يا علي في إيه؟
هتف بغضب :- مين اللي بتحبيه دة إن شاء الله؟ طرطور أنا! هو أنا علشان سايبك بمزاجي هتاخديني على قفايا؟
هزت رأسها بنفي قائلة :- أااا، مبحبش حد، أنت، أنت سمعت غلط.
جذبها من خصلات شعرها بغضب قائلاً :- هو مين انطقي بدل ما أشرب من دمك.
أخذت تصرخ و تتلوى بين يديه قائلة :- اه سيب شعري حرام عليك.
صفتها بقوة قائلاً بعصبية شديدة :- دة أنا ه ك النهاردة لو ما نطقتيش .
قال ذلك ثم انهال عليها بوابل من الصفعات حتى هتفت أخيراً بضعف :- إسلام، إسلام..
توقفت يده في الهواء وهو يحدجها ب ة قائلاً:- إسلام! إسلام مين؟ أخويا؟
هزت رأسها بخفوت بنعم، بينما صاح هو بغضب :- ولما أنتِ بتحبيه كدة قبلتي تتجوزيني ليه؟
أردفت بوجع :- أنا مليش دعوة هما اللي قالوا وعملوا كل حاجة، كفاية حرام عليك ما ت نيش تاني.
كور يده بغضب و لوهلة شعر بمدى حقارته أمامها، فيبدو أنه ليس هو الوحيد الذي أُجبر على تلك الزيجة. زفر بضيق قائلاً :- خلاص بطلي عياط.
ثم أردف بابتسامة مطمئنة :- بتحبيه أوي كدة؟
نظرت له ببلاهة، بينما كرر هو سؤاله قائلاً :- مجاوبتيش يعني؟
نكست راسها. أرضاً ولا تعلم لما تجيبه، أتخبره أنها تعشقه منذ نعومة أظافرها منذ أن تعلمت كيف تمشي برفقته حينما يصطحبها للوكالة الخاصة بهم، كيف تخبره بكل ذلك وهو زوجها الآن، و ليس الآخر الذي طعنها بخنجر حينما علمت أنه يحب جارتهم التي كانت معه بالجامعة.
ربت على كتفها فانتفضت بدورها فأردف مسرعاً :- متخافيش مش هعملك حاجة، أنا عاوزك تذاكري دلوقتي و بعدين ربنا يسهل.
قال ذلك ثم خرج قائلاً بندم خافت:- أنتِ لسة صغيرة لدرجة أنك متستاهليش واحد زيي.
خرج للصالة ليجد بسمة تصوبه بسهام حارقة و هتفت بتبرم :- خير يا أخويا إيه اللي دخلك عند السنيورة ؟
هتف بحنق :- دي مراتي يا بسمة زيها زيك.
شهقت باستنكار قائلة :- نعم! من إمتى دة يا أخويا ؟ لا يا حبيبي أنا براوية و لحمي مر، أنا زي الفريك محبش شريك، كفاية راضية أنها على ذمتك لحد دلوقتي و مطلقتهاش. بقلم زكية محمد
أردف بخزي من نفسه :- هطلقها يا بسمة مش علشانك لا علشان بس أنا مستهلهاش…..
ذئب يوسف
الفصل الثامن عشر.
وضعت يدها في خصرها قائلة بحنق :- و مستني إيه يا أخويا ما تطلقها دلوقتي، بدل ما أنت عمال تدينا حكم و مواعظ، من إمتى؟
أردف بغضب :- لأني فوقت من الدوامة اللي غرقتوني فيها، فقت بس متأخر.
مصمصت شفتيها قائلة :- هو حد ك على إيدك؟
هز رأسه بنفي قائلاً بحزن :- في دي عندك حق، بس في إيدي أصلح كل حاجة.
أردفت بسخرية :- إزاي ومنين يا حسرة؟ أنت ناسي الفلوس اللي عليك اللي صرفتها على مزاجك للناس اللي مستعجلة على فلوسها، لولايا أنا كان زمانك مفضوح دلوقتي و مشرف في السجون.
زفر بضيق قائلاً :- بسمة مش كل شوية هتقعدي تزني بأم الكلمتين دول .
أردفت بحاجب مرفوع :- لا يا حبيبي أنا ما بزنش بس بعرفك إنك زيك زينا يعني متطلعش نفسك برئ و لا مظلوم.
ثم تابعت بدموع زائفة :- وبعدين أنت معاملتك أتغيرت ليا من ساعة ما حملت هو أنا يعني كنت جبته من الشارع ولا جبته من الشارع، أوعى تقول بتشك في إنه مش ابنك؟
جعد أنفه قائلاً بضيق :- لا طبعاً، هو أنا لو مش متأكد من دة كنت خليتك واقفة دلوقت تكلميني؟
لفت ذراعيها حول رقبته قائلة بدلال :- و أهون عليك دة أنا أم ابنك، بقولك إيه ما تيجي أرقصلك شوية؟
رفع حاجبه قائلاً باستنكار :- ترقصي! و اللي في بطنك دة إن شاء الله؟
أردفت بتذمر :- حاسة إني نسيت الرقص من وقت ما اتجوزتك.
أردف بضيق :- إيه بتحني للقديم ولا إيه؟
اقتربت منه بإغواء قائلة :- لا قديم ولا جديد أنا بحن بس للي قدامي دة.
و بدهاء أنثى استطاعت أن تؤثر عليه ليخضع لها في كل مرة، أما بالداخل كانت تضع يدها على ثغرها ب ة مما سمعت.
بعد مرور ثلاثة أشهر ألحت عليه بسمة في أن يخبر أهله، فأخبرها بأن تعطيه مزيداً من الوقت، فوالده لم يبت في الأمر بعد، فالوضع مزري فهو يخشى أن يذهب بها لعائلته حينئذ لن يقبلوا ولن يقبلوه هو بالمرة، لطالما رسم لهم صورة الشاب المثالي المكافح الذي يعمل بجد و نشاط و ترقى لحسن خلقه في العمل، زادت حيرته في أمر ابنه القادم، فماذا سيفعل ؟
بدرت على ذهنه فكرة لجأ لها كحل مؤقت لذا لا مفر من التحدث معها في هذا الأمر، تحدث مع مريم بأن تتصل بالعائلة و تخبرهم بأنها حامل في ثلاثة أشهر، فتفاجئت الأخرى و ألجمتها ال ة، ليلجأ بدناءة لمساومتها بين تعليمها وأن تفعل ذلك، و بالطبع رجحت الكفة الأولى فنفذت له كل شيء وكم سعدوا هم بذلك الخبر و أخبروها بأن تأتي تقضي شهور الحمل فارتبكت و لكنها أخبرتهم بهدوء، ليس الآن ما زال هناك كثيراً وأنها بصحة جيدة وما إن علمت الأخرى استشاطت غضباً قائلة :- لا والله! و جاي على نفسك ليه؟ أنت إزاي تنسب ابني للسنيورة دي، مش بقولك مستعر مني، ومش راضي تقول لأهلك، بس لا عليا و على أعدائي .
أردف بغضب :- بسمة أهدي و خلي ليلتك تعدي، بعدين هفهمك. بقلم زكية محمد
أصابها الحرج فهتفت بخفوت :- أنا هدخل أوضتي.
تركتهم ليجذبها بقوة قائلاً بغيظ :- و بعدين معاكي ما تهمدي!
أردفت بسخط :- بقولك إيه أنت هتلعب بديلك من ورايا ولا إيه؟
جز على أسنانه بعنف قائلاً :- أنا لا بلعب من وراكي ولا من قدامك، أنا بهيأ بس الظروف لأني مش عارف بابا هيكتب الأرض ليا إمتى و خايف أكلمه تاني في حاجة.
أردفت باستنكار :- أومال قولتلها ليه تقولهم أنها حامل؟
أردف بروية :- علشان لسة ما قولتلهمش إني متجوز واحدة تانية غير اللي جوزوهالي.
قطبت جبينها بضيق قائلة :- و ناوي إمتى يا عنيا تقولهم ولا هي هتاخد الواد على الجاهز .
أردف بغيظ مكبوت :- ما هتخدش حد أنا بس بظبط الأمور، و يا ستي دة كلام لا راح ولا جه،كل حاجة تهون علشان الأرض دلوقتي يا بوسبوس.
لمعت عينيها بمكر قائلة :- بجد يا لولو يعني مش بتضحك عليا زي كل مرة؟
هز رأسه قائلاً بصدق :- لا مش بضحك عليكي، كلها شوية وقت بس علشان خاطري.
هزت رأسها باستسلام قائلة :- ماشي يا لولو. ثم أضافت بغيرة :- طيب و بنت عمك دي؟
ابتسم بخفوت على غيرتها فهي ترفض تسميتها بزوجته و أردف بهدوء :- زي ما قولتلك إني هطلقها بس الصبر يا بوسبوس.
أردفت بحنق :- ماشي لما نشوف أخرتها يا علي!
بعد أيام كانت تتصل بأحدهم، بعد أن انتهزت فرصة غيابه في العمل قائلة بضيق :- أهو يا أخويا قعدتني قباله و خلتني أحمل منه، و أبوه لسة ما كتبش الأرض باسمه.
أتاها رد الطرف الآخر قائلاً بروية :- الصبر حلو يا بوسبوس، فات الكتير ما بقى إلا القليل .
أردفت بحنق :- مش باين يا أخويا أنا طهقت نفسي أرجع للصالة تاني و الرقص بدل الحمل و الخلفة و القرف اللي أنت ورطتني فيه دة، أنا مش عارفة إزاي سمعت كلامك.
أردف بغيظ :- إيه يا بسمة ما تهدي كدة، إحنا هنكمل اللعبة لآخرها ، و هو زي ما قالك خلينا وراه لحد ما أبوه يكتبله الأرض وأنتِ و شطارتك بقى تخليه يتنازل عنها و بعدها نخلع سوا.
أردفت بحنق :- واللي في بطني دة أوديه فين؟ ما كنت باخد برشام الأول!
أردف بتهكم :- علشان يا حلوة يبقى باقي عليكي ما يخلعش و يسيبك يا فالحة، استحملي بس أنتِ كدة على ما تبقى كل حاجة في إيدنا .
تأففت بضيق قائلة :- ماشي يا أخويا لما نشوف، يلا سلام لأحسن يجي. بقلم زكية محمد
بعد مرور شهر آخر استمرت فيه العائلة بالاطمئنان عليهم وعلى سير حمل مريم المزعوم، استمرت مريم تتابع محاضراتها و انشغلت بها حتى أصبحت بالكاد تراهم فباتت لا تعبأ من الأساس لا بهم. و لا بمشاكلهم.
ذات يوم توجهت لرؤية ذاك الذي تحدثه مراراً من خلف زوجها واتفقت معه مسبقاً على ذلك المخطط الدنيء للإيقاع بعلي، فأتت لتتحدث معه و تعرف ما هي الخطوة التالية بعد أن نفذت المطلوب، و ما إن كادت أن تضع يدها على مقبض الباب لتفتحه، وقفت محلها واحتلت ال ة محياها وهي تسمع حديثه بالداخل.
هتف فريد بتساؤل :- وهتعمل ايه دلوقتي يا نديم؟
أجابه بضحك خافت :- ولا حاجة هستنى الهانم تبصمهولي على الأرض و اخدها وابني الكابريه اللي نفسي فيه .
ضيق عينيه قائلاً :- طيب وهي هتعمل معاها ايه؟
أردف بتهكم :- هرميها في الشارع يا حبيبي بعد ما تمضيلي العقد بيع وشرا، دة أنا مستحملها بالعافية.
أردف بحذر :- يعني أنت مش هتكمل معاها؟
ضحك بصخب قائلاً :- أكمل مع مين يا ابني دي أنا اللي عاملها، و زي ما عملتها قادر في لحظة أمحيها.
لم تتحمل المزيد من ذلك الحديث، إذ دلفت للغرفة بدون استئذان، فطالعها بتوتر خشية أن تكون قد سمعت أي شيء فهتف بشبح ابتسامة :- إزيك يا بوسبوس، عاملة إيه وحشتيني يا بيبي؟
رفعت شفتها العليا باستنكار قائلة :- والله! لا واضح فعلاً.
نظرا لبعضهما بشك و تساورت المخاوف بداخل نديم خشية أن تكون قد سمعت أي شيء، إلا أنه تأكد من ظنونه حينما أردفت بحدة :- بقى عاوز تضحك عليا و تقرطسني؟ أخص عليك يا نديم دة إحنا عشرة والعشرة مش بتهون غير على ولاد الحرام.
أردف بتلعثم :- أااا…في إيه بس يا بسمة كلام إيه اللي أنتِ بتقوليه دة؟ أكيد سمعتي غلط ..
قاطعته قائلة بغضب :- لا يا أخويا الكلام سمعته كله و خرم ودني كويس أوي، أيوة كدة أظهر وبان على حقيقتك يا راجل يا دون يا واطي..
أردف بغلظة :- الله ! ما تلمي لسانك يا بسمة و أقعدي نتفاهم.
هزت رأسها بسخرية قائلة :- نقعد و نتفاهم هو بعد اللي سمعته عاوزني اقعد و نتفاهم ! لا يا عمر شيل دة من دة يرتاح دة عن دة .
ضيق عينيه قائلاً بريبة :- قصدك إيه يا بسمة ؟
أردفت بحاجب مرفوع :- قصدي إنك تنسى الإتفاق يا روح طنط يبقى بتحلم لو بس شميت ريحة الأرض دي.
نهض من مكانه قائلاً بخشونة :- أهدي بس كدة يا بسمة و أقعدي نتفق.
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- هنتفق على إيه يا عنيا إزاي هتألف كدبة جديدة و تلعب بيها عليا؟ اسمع أما اقولك من اللحظة دي ملكش دعوة بيا ولا بعلي، أنت فاهم؟. بقلم زكية محمد
أردف باستنكار :- لا يا حلوة أنتِ اللي ملكيش دعوة بعلي من هنا و رايح أنتِ ناسية إن أنا اللي عرفتك عليه؟ يعني أنتِ اللي تطلعي منها.
ابتسمت بسخرية قائلة :- لا يا عمر دة أنا هروح و أقول لعلي على كل حاجة و ههد المعبد على الكل.
جذبها من ذراعها بقسوة قائلاً :- لا يا حلوة مش بعد دة كله أسيبك تبوظي كل حاجة دة أنا أ ك.
سحبت ذراعها منه بعنف قائلة :- أوعى إيدك جات قطعها، والله لأندمك يا نديم..
ما إن استدارت لترحل، فوجئت بشئ صلب ي رأسها فالتفت لتجده ممسكاً بماسورة معدنية إلتقطها بعشوائية وبلحظة تهور ها بها.
استندت على الجدار ووقعت وهي تشعر بتراخي جسدها، بينما هتف فريد بخوف :- إيه اللي أنت عملته دة يا مجنون دي مصيبة!
أردف بجمود وهو يشاهد حالتها المزرية :- دة اللي كان لازم يحصل، يلا بينا نهرب ولا من شاف ولا من دري لحد ما تتصفى وتطلع روحها.
وبالفعل تركاها تأن بألم، فمدت يدها بصعوبة لتتصل بعلي و ما إن أتاها الرد هتفت بوهن :- علي ألحقني.
أتاها رده قائلاً بقلق :- بسمة مالك؟
أردفت بتعب :- اسمعني مفيش وقت سامحني أرجوك أنا…. أنا كنت بضحك عليك علشان…. علشان ناخد الأرض بتاعتك…..نديم ضحك عليا…. و دلوقتي ني بماسورة وهودع أمانة عليك لتسامحني و خلي بالك من نفسك منه.
أردف بضياع :- طيب أنتِ فين ؟ فين قوليلي..
أملته العنوان بسرعة لينهي المكالمة و يسرع نحوها ، لتشعر بألم شديد ببطنها فتضع يدها عليها قائلة :- سامحني مقدرتش أحافظ عليك..
قالت ذلك قبل أن تغيب عن الوعي، وبعد ساعات خرج الطبيب من الغرفة وعلى وجهه إمارات الأسى فهتف على بلهفة :- مراتي عاملة إيه يا دكتور ؟
هز رأسه بأسف قائلاً :- الحالة جات متدهورة جداً و مقدرناش ننقذها البقاء لله شد حيلك، ابنك هيتنقل للحضانة و هيقعد فيها يومين و لا تلاتة كدة.
هز رأسه بضياع قائلاً :- ابني!
أومأ بتأكيد قائلاً :- أيوة ابنك الحمد لله قدرنا ننقذه، لو إتأخرت كمان دقايق كنت هتترحم عليهم هما الاتنين، خليك جاهز للمحضر اللي هيتفتح دلوقتي لأنهم هياخدوا أقوالك.
جلس بإهمال وعلى وجهه علامات ال ة وهو يسترجع حديثها في أنها كانت تخدعه، كيف لها أن تفعل مثل هذا الشيء؟ أبعد ما فعله معها يلاقي الخيانة والغدر منها؟
بعد وقت قام بالاتصال بمريم التي أتت على الفور وعلى وجهها إمارات الهلع، وهتفت بخوف :- علي هو هو بسمة فين وايه الكلام اللي أنت قولته؟
هتف بتيه:- بسمة ماتت، و ضحكت عليا…و كلهم ضحكوا عليا..
قطبت جبينها بتعجب قائلة :- ضحكوا عليك إزاي؟
هز رأسه بضياع ثم هتف :- أنا لازم أتأكد من حاجة .
قال ذلك ثم توجه للداخل لإجراء فحص حمض نووي ليتبين له ما إن كان هو اب هذا الطفل أم هو أيضاً جزء من مخططهم الدنيء .
وبعد ساعات خرجت نتيجة التحاليل لتثبت نسب الطفل له، فحمد الله على ذلك و تساقطت دموعه ندماً على ما أقترفت يداه.
بعد مرور أسبوع بعد أن سُجلت القضية ضد مجهول، أخذ الصغير الذي ما إن وضعه بين ذراعيه شعر بالأسى قائلاً بأسف :- أنا آسف يا ابني آسف حقك عليا معرفتش أختار أمك صح، مشيت ورا شيطاني لحد ما وصلت للي أنا فيه..
دلف به للداخل فوجد مريم التي كانت تطالعه بحزن منذ أن علمت ما حدث، و نظرت للصغير باشفاق و حزن، فولِد ولم يرى أمه نصب عينيه و ما أصعب الفقد منذ الصغر.
تقدم ناحيتها قائلاً بصوت أجش :- مريم من النهاردة أحمد هيبقى مسؤوليتك و كمان هتصل على الجماعة وأقولهم أنك ولدتي بدري على 8 شهور عادي بتحصل.
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- بس، بس إزاي تقول إني أمه ؟
أردف بإصرار :- بقولك إيه مش ناقص خوتة أنتِ هتنفذي اللي قولتلك عليه من غير نقاش و كلمة كمان هقعدك من الكلية اللي أنتِ فرحانة بيها، و هتمم جوازي منك غصب عنك و أنسي أي حاجة قولتها..
هزت رأسها بخوف من هيئته تلك و ما كان منها سوى الإذعان، وهي تطالعه بذعر خائفة منه فما سمعته عنه ليس بقليل..
سافرت العائلتين للإسكندرية ما إن علموا بولادة مريم المزعومة، و مكثوا معهم لأيام أمتدت لشهر، وبعدها طلب من مريم أن تتوجه بالصغير معهم للقاهرة حتى يسوي أموره هنا فهو خائف عليها وعلى الصغير من هؤلاء الذين تسببوا في م زوجته والتي أتفقت معهم مسبقاً للتخلص منه.
مرت الشهور بعد ذلك عليهم فعلي قرر أن يغير كل شيء و يتغير، إذ ترك منصبه لمن يستحقه وعمل بجد وكد لجمع الأموال لإعطائها لهؤلاء المدنسين ليتخلص من شرهم نهائياً دون الحاجة لبيع تلك القطعة وكم هو ممتن للظروف التي أظهرت له حقيقتهم فهم خدعوه من أجل أن ينصبوا عليه و يأخذوا النقود و يتخلصوا منه، ابتسم بمرار على ما فعله بنفسه و للحظة أقر بأنه يستحق أكثر من ذلك فما فعله ليس بهين، كما أنه خطا في تلك الطريق طواعية دون أن يجبره أحد على ذلك.
استمر في الإتصال بمريم للاطمئنان على الصغير الذي اعتبرته الأخرى ابنا حقيقياً لها فكانت تعامله بحنان نابع من عاطفة الأمومة عندها، و وازنت بينه و بين دراستها .
غاب عاماً كاملاً، استطاع فيه أن يتخلص من ذلك الثقل الذي وقع على عاتقه، حارب نفسه و جاهدها جهاداً فولاذياً حتى استطاع أن يتلغب على مشكلة الإدمان لديه ليعود لابنه و زوجته كي يبدأ معهما حياة جديدة دون أية خطوط سوداء بالطريق، استطاع أن يسدد النقود لأصحابها الذين ما كره مثلهم. رُسمت ابتسامة عريضة على ثغره منذ زمن وهو يستنشق نفحات الهواء باستمتاع و كأنه كان في قاع البحر و تم إنقاذه.
على الجانب الآخر كان فريد و نديم يغليان كالمرجل فهم شعروا بالخسارة الفادحة منذ أن فشل مخططهم فصاح فريد بغيظ :- هتعمل ايه أدي كل حاجة راحت علينا يا نديم!
نظر أمامه بشر قائلاً :- البيه دفع الفلوس مفكر أنه خلاص كدة هيفلت مني..
أردف الآخر بكره :- و هتعمل ايه دي كل حاجة باظت!
لمع الشر بعينيه قائلاً :- مش هسيبه يتهنى بيها أبداً و هتشوف هعمل إيه؟
ضيق عينيه بحذر قائلاً :- هتعمل ايه؟
أردف بخبث :- هسجنه هو فاكر أنه كدة ناصح، دة أنا زورت وصولات الأمانة اللي أدتهاله و بكدة هقدر أقدم الأصلية للمحكمة و بعدين يبقوا يتصافوا.
ضحك بمكر قائلاً :- يا ابن اللعيبة يعني هتاخد المبلغ مضاعف؟
أومأ بتأكيد قائلاً بشر :- أيوة نديم ميطلعش بلوشي من ورا أي مصلحة.
و بالفعل تفاجئ علي في اليوم التالي بوجود رجال الشرطة الذين أخذوه دون أن يعرف ما السبب وما إن وصل للقسم وعلم السبب صاح بانفعال :- والله سددتهم إمبارح و الوصولات معايا في البيت.
أردف رجل الشرطة بغلظة :- وطي صوتك يا روح امك مش قاعد في سوق التلات هنا، ثم إن الوصولات أهي قدامنا وأنت مسددتهاش في المعاد يبقى تتحبس..
أخذ يعارض معهم و يؤكد لهم بأنه دفع المبلغ البارحة لهم، و عندما أحضروا الوصولات التي أخبرهم إياها وجدوها مزورة، و عندما لم يستطع دفع المبلغ تم الحكم عليه بعامين ( معلش يا جماعة مش عارفة الحكم إيه بالظبط فعدوها 😂)
قضى تلك المدة في السجن ولم يخبر أحد، و كان يتصل بهم خلسة من داخل السجن و أخبرهم أنه اضطر للسفر إلى إحدى دول الخليج و سيمكث هناك مدة و بعدها سيعود.
استغل فترة السجن في أن يعود لله و يستغفره عما اقترف من ذنب في حق خالقه، ندم أشد الندم على كل معصية أبعدته عن طريق الله .
ما إن خرج و أنهى مدته أسرع يهندم مظهره لينطلق كالريح لرؤية ابنه و أهله، وقد ابتاع لعبة زهيدة الثمن للصغير الذي بلغ العامين و نص ولم يراه إلا في الصور. بقلم زكية محمد
أثناء الطريق وعلى مقربة من القاهرة انقلبت الأجواء فجأة و أصبح هناك شبورة بالكاد رأى منها السائق، و انتهى الأمر بانقلاب الأتوبيس و اصتدامه بشاحنة كبيرة على الطريق السريع.
بعد وقت وصلت الفاجعة لعائلته الذين انطلقوا بسرعة البرق نحو المشفى المتواجد به، و تعالت الصرخات و النحيب حينما أخبرهم بوفاته منذ لحظات حيث تعرض لإصابة خطيرة في الرأس و الصدر، و صعدت الروح لخالقها.
حزنت عليه كثيراً و نظرت للصغير الذي بين ذراعيها و دموعها لم تتوقف عن الجريان، و ضمته بحنان لصدرها وهي تهتف بداخلها :- بقيت يتيم الأم والاب يا أحمد.
ثم هزت رأسها قائلة بتصميم :- لا لا أنت مش يتيم يا حبيبي مش يتيم أنا هكون ماما و هكون بابا هعوضك ومش هحرمك من أى حاجة، ربنا يرحمهم و يغفرلهم ذنوبهم.
أقيم العزاء و خيم الحزن على المنزل لابنهم الفقيد، لتمر الأيام بعدها بحلوها و مرها على الجميع، تابعت مريم دراستها في القاهرة بعد تحويل أوراقها من الإسكندرية تحت ضغط كبير على والدها لإتمام مرحلتها الجامعية، واعتنت بالصغير الذي كان شمسها المشرقة والذي أعاد البسمة لوجهها و للجميع فهو العوض عن فقيدهم و ذكرى منه.
دفنت مريم ذلك السر في أعماقها و أقامت جداراً صلباً صعب اختراقه، لتظل صورته أمام أهله كما زينها هو لهم، فماذا إن علموا سيصابوا بالخذلان، كما أنها خافت على مستقبل الصغير لذا التزمت الصمت، و تابعت دور كونها والدته الحقيقة و بالفعل لم تبخل عنه بشيء فأغدقته بحنانها و عطفها فبات الصغير متعلقاً بها وكم غمرتها السعادة للفظه إياها ب” ماما”.
عادت لمحطة الواقع بعد أن استقلت رحلة إلى الماضي الأليم، الذي كان نتيجته أحمد ذلك البرئ الذي تشفق عليه حتى الآن كلما تذكرت والديه، و لكنها بات عندها شيئاً رئيسياً بحياتها فهو ابنها الروحي بالفعل.
مسحت عبراتها التي أغرقت وجهها حتى أصبحت عينيها بلون الدماء، و صوت شهقاتها يعلو ويعم الغرفة.
ظل محدقاً بها و هو أشبه بأبو الهول لم يتحرك قيد أنملة، و لولا أنفاسه البطيئة لقلنا أنه بالفعل تمثالاً حجرياً. و كيف له أن ينطق بعد سماعه لكل ذلك، أهذا شقيقه الذي كان يدعي الأخلاق الحميدة و الشخصية المثالية يفعل ذلك؟!
يا الله لقد كاد يصيبه الجنون وهو يستمع للحقائق التي تسردها عليه. حرك مقلتيه لتقع على وجهها الدامي و تساءل بداخله كيف تحملت كل ذلك دون أن تشتكي أو تمل، فهي ليست مجبرة على أن تتحمل مسؤولية طفل ليس ابنها، كما أنها ليست مضطرة لأن تخفي ذلك السر عنهم، ذلك السر العظيم الذي قلب كافة الموازين.
ما هذا الجبل الذي تحمل كل تلك الصعاب؟! فهو لن يقول عليها غير ذلك فهذا اللقب مناسباً لها، فمن يمر بتلك الظروف منذ البداية حتى الآن بالفعل جبل و منحه الله قوة تحمل غير موجودة في أي مخلوق آخر.
ألهذا السبب عندما كان يقترب منها ترتجف و كأنها تعيش ذلك لأول مرة، و هو كالأبله لا يعلم أنها بالفعل المرة الأولى أن تجرب هذه المشاعر إلى جواره، شعر بنغزة قوية حينما تذكر اعترافها بأنها تحبه لا بل ومن الصغر، أي غفران سيطلبه منها الآن بعدما ارتكبه في حقها، فهو أصبح مثلهم الجلاد الذي أدمى روحها النقية و هي أبعد ما يكون عن ذلك.
أراد التحدث ولكن ما أثقل الحروف على لسانه فماذا سيقول، فلن يجدي أي شيء لإصلاح الأمر الآن.
نهض من مكانه و توجه ناحيتها بخطا متعثرة كطفل يتعلم المشي حديثاً، جلس على مقربة منها، و رفع ذراعه ليضعه على منكبها، إلا أنها انتفضت مبتعدة عنه قائلة بصراخ ينبع من قلب ذبيح ذُبح على يد الجميع و أولهم هو:- ما تقربليش أنت فاهم؟
نهضت قائلة بدموع و حدة :- مش محتاجة لا عطفك ولا شفقتك، و يا ريت تكون عند كلمتك و تطلقني.
هتف بمهاودة :- اسمعي يا مريم…
قاطعته قائلة بوجع :- أسمع إيه؟ مفيش حاجة تتقال أصلاً يا أستاذ إسلام بعد اللي عملته…
قالت ذلك ثم هرولت لغرفتها لتلقي بنفسها على الفراش تبكي على تلك الجروح و الندبات التي فُتحت من جديد، مع زيادة الجروح لوجع آخر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وضع رأسه بين راحتي يده و الندم حليفه على ما أقترف بحقها.
انقضى الليل ما بين بكاء و عض على أنامل اليد لينسدل الستار على الليل و تشرق شمس يوم جديد تحمل الكثير في طياته.
فتح عينيه و اعتدل يبعثر خصلات شعره وهو يتطلع حوله، فقد غفي البارحة دون أن يشعر بعد أن ظل طيلة الليل يسير بالصالة ذهاباً و إياباً، يشعر بالعجز وهو يسمع صوت بكائها الذي يقطع نياط القلوب غير قادر على الدلوف و ترميم ما يمكن إصلاحه قدر المستطاع . بقلم زكية محمد
لاحظ الهدوء المريب بالشقة فنهض بفزع خشية أن يصيبها مكروه، و فتح الباب كالعاصفة، و لكنه لم يجدها فخرج ليبحث عنها في باقي الغرف، و انتهى المطاف بعدم وجودها في المكان بأكمله، انتابه القلق الحاد و صرخ باسمها بلوعة قائلاً :- مرررررررريم..
ذئب يوسف
الفصل التاسع عشر
صعد للأعلى بجنون بعدما أدرك أنها ليست بالمنزل، و باب الشقة الخاصة بعمه بعنف، حتى فتحته توحيدة التي ما إن رأته و رأت حالته المزرية هتفت بقلق :- خير يا إسلام يا ابني في حاجة؟
هتف بلهفة وعقله يرفض أي إحتمال آخر :- مريم عندك صح؟ هي جوة، صح يا مرات عمي، مش كدة؟
هزت رأسها بنفي قائلة بتوضيح :- لا يا ابني هي اه جات و خدت أحمد من يجي ساعة كدة و نزلت تاني، هي مش في الشقة؟
هز رأسه بضياع قائلاً :- لا لا مش موجودة، مش موجودة.. أنا هنزل أشوفها تحت عند أبويا أكيد عنده.
طوى درجات السلم تحته حتى وصل لشقة والده وطرق الباب بعنف، فانتبها له من بالداخل فهتفت عواطف وهي تضع يدها على قلبها :- يا ساتر يا رب مين اللي بيخبط كدة على الصبح؟
فتح موسى الباب ليجد ابنه الذي ولج يبحث عنها كالمجنون بالداخل، بينما ظل والديه يطالعانه بذهول من تصرفاته الغير طبيعية بالمرة.
هتف موسى بتعجب :- مالك يا إسلام بتدور على إيه يا ابني؟ بقلم زكية محمد
هتف بتيه :-. مريم، مريم يا بابا مريم مجاتش هنا؟
مصمصت عواطف شفتيها بتهكم قائلة :- لا مجاتش يا ابن بطني، و مالك مدلوق عليها أوي كدة؟ دة أنت حتى مقولتش صباح الخير، و لسة هنشوف..
قاطعها موسى قائلاً بصرامة :- عواطف بس اسكتي.
ثم التف لابنه قائلاً بروية :- لا مش موجودة يا ابني تلاقيها عند أمها ولا حاجة؟
نزلت في ذلك التوقيت توحيدة التي هتفت بقلق وهي تدلف للداخل :- لقيتها يا ابني؟ أنا شوفتها عند محمود و ملقتهاش و كمان صحبتها.
شعر بالاختناق و كأنهم سحبوا الأكسجين من المكان، فجلس بإهمال على المقعد قائلاً بضياع :- مريم ضاعت مني خلاص.
تقدم منه والده و أردف بدهشة :- قصدك إيه يا إسلام؟
نهض قائلاً بتذكر :- اكيد عند عمتو هي قريبة من هنا هروح أشوفها.
و بلحظة اختفى من أمامهم، و ال ة ما زالت على وجوه البقية ليردف موسى بانفعال :- فيه إيه؟ أنا مش فاهم حاجة!
أردفت توحيدة بدموع قلقة :- مريم مش موجودة في البيت هي و أحمد.
قطب جبينه بتعجب قائلاً :- مش موجودة! تلاقيها راحت تشتري حاجة ولا راحت مشوار، طيب ما تتصلوا عليها.
هزت رأسها بنفي قائلة :- سألنا و مش موجودة و تليفونها هنا في البيت، هتكون راحت فين بس؟
أردفت عواطف بسخرية :- يعني هتكون اتخطفت ولا اتخطفت زمانها تيجي من الحتة اللي هي فيها، مش عارفة قالبين الدنيا على ليه!
أردفت توحيدة بعتاب :- دي بنتي يا عواطف مش عاوزاني أقلب الدنيا عليها إزاي بس، بالله عليك تتصرف و تعمل حاجة يا حج موسى دي غلبانة و ملهاش حد إلا إحنا.
هز رأسه قائلاً بخفوت :- حاضر يا توحيدة روحي بلغي أيوب و محمود علشان نعرف هنعمل ايه.
في غضون دقائق كان أمام باب شقة عمته التي تسكن في الشارع المجاور لهم، و طرق الباب بلهفة وهو يأمل بداخله أن تكون بالداخل.
فتحت عمته منال الباب بوجه مقبوض فهتف هو بخوف من الإجابة:- إزيك يا عمتو ؟ هي مريم عندك؟
لم ترد عليه وانما أخذت تطالعه بغيظ شديد أربك الذي يقف أمامها، فكرر سؤاله بتلعثم :- عمتي أنتِ ساكتة ليه؟
هتفت بغيظ :- عاوز إيه يا إسلام؟
جعد أنفه بدهشة من طريقة حديثها قائلاً :- عمتو أنتِ بتكلميني كدة ليه؟!
جذبته من أذنه و سحبته للداخل قائلة بحنق :- تعال هنا يا روح أمك و قولي عملت إيه في البت؟
لم يعبأ لألم أذنه و أردف براحة و طمأنينة:- يعني هي عندك؟ مريم عندك! طيب هي فين أنا عاوز أشوفها.
زادت من ضغطها على أذنه قائلة بغيظ :- كلمني هنا و رد عليا الأول يا حمار.
أردف بتذمر و ألم :- حمار! الله يسامحك يا عمتو، طيب سيبي ودني طيب..
تركته قائلة بغل :- و ربنا المعبود لأوريكم واحد واحد يا عيلة الأحمدي، البت جيالي خلصانة لولا الدكتور الله أعلم كان هيحصلها إيه!
أردف بقلق بالغ :- ليه مالها، هي فين؟ أنا هدخل أشوفها .
و ما إن هم ليدلف للداخل و قف بسبب صوتها الحاد الصارم قائلة :- أقف عندك يا إسلام! و يا ريت لو تطلع برة و تورينا عرض اكتافك
جز على أسنانه بغيظ و هتف بهدوء مغاير :- عمتو أنا عاوز أشوف مراتي.
أردفت بجمود :- مش قبل ما نتكلم يا إسلام.
زفر بضيق قائلاً :- حاضر يا عمتي هنتكلم بس طمنيني عليها أرجوكي.
أردفت بتهكم:- غريبة بتسأل عنها يعني و قلقان عليها وأنت السبب في اللي هي فيه.
نظر لها بوجه شاحب قائلاً:- هي حكتلك؟!
أردفت بجمود :- هو سؤال واحد عملت إيه في البت وصلها للي هي فيه دلوقتي، دي كانت هتموت روحها من العياط لولا الحقنة اللي أدهالها الدكتور نجدتنا، و أحمد يا يعيني اللي كمل عياط هو الآخر خايف على أمه.
أردف بانتباه :- أحمد! هو فين طيب؟
أردفت بهدوء :- جوة في الأوضة بيلعب في لعب مازن ابن عادل بعد ما هدي، و دلوقتي مستنية جوابك يا إسلام، حرام عليك دي مريم ضفرها برقابيكم يا ولاد أخويا، دي هي اللي بتسأل عليا لو مجتش يبقى في التليفون.
حك مؤخرة رأسه بحرج قائلاً :- إيه يا عمتي يعني إحنا مش بنسأل عليكي! دة اول الأسبوع كنت عندك.
مصمصت شفتيها بتهكم قائلة :- أنت هتذلني يا واد! قصره قولي عملت إيه في البت؟
نظر للأرض بحرج و حزن قائلاً :- الموضوع كبير أوي يا عمتي، و أنا بدل ما أكحلها عميتها.
أردفت بحنق :- عملت إيه يا منيل أحكي حاكم أنا عارفاك إيدك سابقة لسانك.
تنهد بعمق قائلاً :- صدقيني يا عمتي الحكاية كبيرة أوي، أكبر مما تتخيلي علشان كدة هحكي و الكل يكون موجود لأننا كلنا غلطنا في حقها مش بس أنا.
نظرت له بعدم فهم قائلة :- يعني إيه؟ أنا بدأت أقلق منك يا واد!
مسح وجهه بكف يده قائلاً بتعب :- هتعرفي يا عمتي بس شوية كدة كمان.
– عمو إثلام.
رفع بصره تجاه مصدر الصوت ليطالع كتلة البراءة تلك بحب قائلاً وهو يفرد له ذراعيه :- حبيب عمو تعال يا ميدو، تعالى يا حبيبي.
تقدم الصغير جرياً فضمه بذراعيه و رفعه ليجلسه على فخذه، و من ثم احتضنه بحب و أغلق عينيه يحاول ألا تنزل عبراته تأثراً بذلك الصغير الذي لا ذنب له أن يولد لأم كتلك ولا لأب كهذا، احتضنه بقوة حتى تألم الصغير قائلاً بتذمر :- كفاية يا إثلام خنقتني.
ابتسم له بحنو و قبله من وجنته بقوة قائلاً :- معلش يا ميدو يا حبيبي حقك عليا.
أردف بضيق :- عمو إثلام عاوز أشوف ماما، هي كانت بتعيط و الدكتور جه و أداها حقنة..
ربت على شعره قائلاً بحب :- متخافش يا أبو حميد ماما كويسة، يلا روح كمل لعب على ما أخلص كلام مع تيتة. بقلم زكية محمد
هز رأسه قائلاً :- لا أنا عاوز أقعد معاك و كمان ماما.
ضمه لصدره فاستكان الصغير بين ذراعيه و أخذ يعبث في اللعبة التي بيده، بينما نظر هو أمامه بشرود و خوف مبهم من القادم.
______________________________________
بعد مرور أسبوعين كان العمل على قدم و ساق في حديقة القصر استعداداً لحفل زفاف حفيد العائلة بابنة عمه التي ظهرت من العدم.
تتأمل هيئتها بذلك الفستان الذي صمم خصيصاً لها من أشهر دور الأزياء العالمية، تطالع نفسها بالمرآة و مشاعر جمة تهاجمها ما بين القلق و السعادة و الخوف و الطمأنينة، لا تعلم إن كان استمرارها في تلك الزيجة هو القرار الصائب أم لا، ولكن كل ما تعرفه أنها يجب عليها الإقدام في تلك الخطوة من أجلها و من أجل والدها، زمت شفتيها بعبوس وهي تتذكر كتلة الجليد الذي بات يلعب مؤخراً على وتيرة مشاعرها و ما تشعره بقربه، و مع هذا كله ما زال متحفظاً بقناع الجمود فهي لم تخطئ أبداً حينما أطلقت عليه لقب ” الفريزر” ، ذلك المتبلد الذي باتت تبحر في دروبه دون أن تفهمه.
لاحت سحابة حزن على وجهها وهي تتذكر والدتها التي في أمس الحاجة لها في يوم كهذا، شعرت بها آلاء و سندس اللاتي يقفن بجوارها، فاحتضنتها سندس بحنان قائلة بوجع خفي :- متعيطيش و تبوظي الميكب، أنا حاسة بيكي و عارفة إزاي الإحساس دة صعب، بس أهو ربنا عوضك بينا و بمرات عمك اللي هي زي مامتك دلوقتي، متعيطيش يا روحي.
هتفت بصدق :- أنا مش عارفة عملت إيه حلو علشان ربنا يبعتك ليا، ربنا يخليكي يا مدام سندس.
تدخلت آلاء قائلة بمرح :- أخص عليكي يا رورو من لقى أحبابه ولا إيه!
ابتسمت لها بخفوت قائلة :- و دي تيجي بردو أنتِ صحبة عمري، عقبالك كدة قريب.
بعد وقت دلف شادي بمرحه المعتاد، و نزل بصحبتها و كان بالأسفل يقف مراد بانتظارها برفقة والدها و والده، و ما إن وصلا للأسفل احتضنت رحيق والدها بقوة والذي بادلها عناقاً حاراً و أدمعت عيناه قائلاً:- ألف مبروك يا حبيبة بابا، ربنا يسعدك يا حبيبتي.
تماسكت بقوة حتى لا تنهار، فتدخل شادي بمرحه و استطاع أن يرسم الابتسامة على وجوههم .
وضعت يدها بيده و تأبطا و سارا للخارج لمتابعة مراسم الزفاف. بقلم زكية محمد
انسلت من بين الموجودين لتجلس بمكان خال و تسمح لعبراتها التي كبحتها كثيراً في الهطول، أخذت تبكي بصمت و قد أتتها ذكرى زواجها المشؤوم، اليوم الذي زجها فيه أخيها نحو الجحيم بعد أن حرمها من حق اختيار شريك حياتها من أجل مصالحه، و خبث الآخر الذي خطط كل شئ حتى يفوز بها و كأنها إحدى المقتنيات لتكتشف بعدها أنه خائن يخونها يومياً، و ما إن ملَّ منها و من شكواها الدائم و هذا ما زاده ضجراً ليلقي بها حيث أتت، لتصيبها ال ة عندما لم يرحب شقيقها بوجودها معهم، ليلقي لها بحفنة من النقود من ورثها المستحق، و ما أقسى من أن تأتيك الطعنة من أقرب الأقربين!
وضعت يدها على ثغرها كي لا يصدر منها صوت شهقاتها، لتنتفض في مكانها حينما شعرت بيد تربت على ظهرها قائلة بصوت طفولي:- أنتِ بتعيطي ليه يا طنط؟
ابتسمت لها بوجع حاولت مداراته قائلة وهي تأخذ بيد الصغيرة و تجلسها إلى جوارها على العشب قائلة:- أبداً يا حبيبتي أنا مبعيطتش في تراب دخل في عيني.
أردفت الصغيرة بطفولية:- أنتِ قاعدة لوحدك ليه؟