
بدأت قشرة بروده تذوب وحراراة انفاعله تتسرب رويدا مع قوله المنفعل: لو ماما هنا ماكنش حريتي هتتأيد في بيتي وكنت هقعد برحتي.. ولو ماما هنا كانت هتفضل وقت بسيط وتمشي زي ما عملت مع اختي اللي ولدت قيصري زيك، اسبوعان وراحت بيتها وسابت اختي لحياتها.. لو ماما هنا وطولت كده كنت هلمحلها برضو وهي كانت هتقدر وتفهم.
_ تقدر؟؟؟ يعني لو طردتها زي امي كانت هتقدر يا اسماعيل؟
_ أنا ما طردش حد.
قالها بصياح هادر بعد أن فقد زمام سيطرته على شحنة غضبه المخزونة داخله وهو يكمل هادرا: والدتك بتعدل عليا وتقولي اتعامل مع ابني ازاي؟ هي هتخاف عليه أكتر مني؟ وانتي عارفة أكتر حاجة بكرهها ان حد يدخل في شئوني بأي صورة.
_ ماما كانت خايفة على الولد.
_ تخاف عليه من الغريب مش من أبوة يا هانم.
_ برضو كان لازم تكون ذوق معاها
_ ذوق أكتر من اني اتحملت أكتر من شهرين حبستي في أوضتي وبعدي عنك انتي والولد؟
_ وهو حد منعك عننا؟ أنت اللي كنت عازل نفسك واحنا سبناك براحتك..
اقترب منها وناطحها بنظرة ساخطة ثم همس بصوت حانق وشى بغضبه: انتي واحدة مابتحسش يا تاج.
اغرورقت عيناها وبدون حديث زائد، رحلت بطفلها تاركة له البيت لتلحق بوالدتها..
____________
صفقت كفيها بعجب: لا حول ولا قوة إلا بالله، ده كلام برضو؟ تغضب مراتك وتخليها تمشي بابنها ؟
_ ماما أنا ما غضبتش حد هي اللي مدلعة وكويس اوي انها مشيت عشان اقدر اهدي، اقسم بالله لو فضلت قصادي ماكنت هعرف اتحكم في نفسي.
_ يابني أنا عارفة انك اضايقت من وجود حماتك فترة طويلة، بس انت كنت ممكن تلمح بطريقة افضل وماتزعلش حد.
_ ولو اللي قصادك غبي تعملي ايه؟ هو في أكتر من اني مش بظهر ليها غير بلبس رسمي طول الوقت؟ نفسي انام جنب ابني وافرح بيه زي أي أب واراقبه وهو نايم ولما يعيط احضنه واسكته والاعبه، كل ده اتحرمت منه لأن ببساطة حماتي بتعمل كل ده ولغيتني تماما.. أخري ادخل ابوسه زي الغريب وامشي، واذا اخدته أوضتي وعيط تجري تخبط على بابي وتاخده مني تاني.. طب قوليلي ياماما أعمل ايه؟
نكست رأسها بعجز عن مجادلته مدركه حقه فيما قال، فهتفت: خلاص يا ابني اهدى يومين وروح هاتها عشان الموضوع مايكبرش بينكم أكتر من كده، وربنا يصلح مابينكم.
أطبق شفتيه دون رد قاطبا بعبوس يحترق شوقا لطفله.. ولها.
____________
لم يبدو على والدها ” سعيد” رد فعل وهي تبكي وتشكوا له ما فعل زوجها لتختم شكوتها قائلة: ده كل اللي حصل يا بابا، وانا ما اتحملتش اشوف ماما بتتهان في بيتي واسكت، قمت سبتله البيت انا كمان
ربتت والدتها على ظهرها بدعم وفخر لأنها نصرتها بينما ظل والدها على جموده الغريب.
_ بابا حضرتك ساكت ليه؟ قول رأيك لو سمحت.
نظر لها مليا قبل أن بقول بنبرة مريبة:
عايزة تعرفي رأيي يا تاج؟ رأيي انك غلطانة من ساسك لراسك.
_ أنا غلطانة يا بابا؟!
قالتها بذهول مشيرة لصدرها، ليستطرد والدها:
طبعا غلطانة بس مش لوحدك.
وحاد بصره نحو زوجته وغمغم: أمك غلطانة اكتر، كام مرة حذرتها من قعدتها اللي طالت عندك.. أكتر من شهرين كاتمة على نفس الراجل ولا عارف يقعد في بيته اللي مضطر يفضل فيه بسبب كورونا والحبسة اللي الكل فيها، وانتم عارفين انه خجول شوية في موضوع اللبس وبيتعامل مع امك انها غريبة ومش بيحب حتي تقعد قصاده بشعرها.
_ بس أنا مش غريبة عنه ياسعيد وزي أمه ومحرم، وبعدين ده جزاتي اني قلت اراعي بنتي؟
_ والله الراجل حر وده طبعه انه ملتزم زيادة.. وبعدين تراعيها أسبوعين ولا تلاتة انما اكتر من شهرين؟ بنتك مش اول ست تولد، وكمان امتى تاج هتعتمد على نفسها وتشيل مسؤلية؟ طول ما انتي موجودة ده مش هيحصل.. واسماعيل جوزها من حقه ياخد راحته زي اي راجل له احتياجات غير الأكل والشرب؟.. عايز يلاعب ابنه ولا يناغش مراته ولا ينام معاهم ولا ولا… مليون حاجة هيحتاج يعملها ووجودك وسطيهم هيمنعه..
_ يا بابا اسماعيل ماكنش ناقصه حاجة، وانا كنت محتاجة ماما معايا.
_ لأنك ست فاشلة لسه مش قادرة تفهمي انك بقيتي زوجة ولازم تكوني مسؤلة وتحسي بجوزك ياهانم.. ماسألتيش نفسك ابدا انك وحشتيه مثلا؟ عايز ياخدك في حضنه وينام؟ عايز يلاعب ابنه بفرحة زي اي أب فرحان انه بقي له طفل؟ كل ده ماجاش على بالك خالص؟؟؟ جوزك كان زي القنبلة وانتم اللي شحنتوها لحد ما انفجرت فيكم.
نكست رأسها وهي تتذكر دعوته الراغبة لها تلك الليلة حين التقاها بمفردها وهي تجاهلت بحجة وجود والدتها معهم في نفس المنزل وبكاء الصغير..لم يحدث بينهما لقاء حميمي واحد يمنحه الصبر ويروي ظمأه..
قرع جرس الباب، توجه والدها وما أن شرعه حتى اتسعت عينه وهو يبصر زوج ابنته يقف متجهم الوجه مع غمغمة: السلام عليكم ياعمي.
استقبله بابتسامة مرحبة: وعليكم السلام. ورحمة الله وبركاته، اتفضل يا اسماعيل، بيتك ومطرحك يا ابني.
ولج فأشاحت زوجته وجهها عنه بينما مكثت والدتها بجلستها بمعالم غير راضية .. حملت تاج طفلهما وخطت نحو غرفته لتُرقده بفراشه تجنبا لصخب النقاش فهدر عليها أبيها بغضب جعل عروقه تنفر بعد أن ظنها ترفض محاولة زوجها لإصلاح ما حدث: سايبة جوزك ورايحة فين يابنت؟ مش كفاية قلة عقلك وتهورك؟ شكلك اتمرعتي وادلعتي زيادة ومحدش بقي مالي عينك وعايزة قلمين عشان تفوقي..
وهم بصفعها ليتصدي له سريعا زوجها بجسده فتحتمي هي خلفه بعفوية، واسماعيل يصيح بحزم: مع احترامي لحضرتك ياعمي بس ما اقبلش حد يمد ايده على مراتي مهما كان هو مين.
برقت عين سعيد مع ابتسامة غامضة وابنته تنظر لظهر زوجها بذهول لدفاعه عنها رغم غضبه عليها.. وتفاقم ذهولها وهو يبتعد عنها ويجثوا على ركبتيه أمام والدتها ويقول: أنا أسف لو زعلت حضرتك وكنت قليل الذوق معاكي، انتي عارفة انك غالية عندي بس غصب عني.. ماقصدتش ابدا تمشي زعلانة كل الحكاية اني….
أشارت له بكفها ليصمت ثم ربتت علي كتفه هاتفة بتفهم: ماتقولش حاجة يا اسماعيل، عمك فهمني اللي غفلت عنه، بس والله يا ابني ما كنت واخدة بالي اني كاتمة علي نفسك، أنا كنت فرحانة بحفيدي وكل همي اني أراعيها، اعذرني يا اسماعيل دي بنتي الوحيدة وبخاف عليها أوي ونفسي اريحها قد ما اقدر. بس انا فعلا غلطانة كان لازم اراعي ان ظروف حياتها اتغيرت.
لم ينكر قولها ويدعي العكس، لذا دعم ما فاضت به بصمته التام لتعود وتربت على كتفيه: يلا ياحبيبي خد مراتك وروح بيتك وربنا ما يعكر مابينكم تاني.
ابتسم اسماعيل أخيرا وهو يقول: وهترجعي تدعيلي؟
افترش وجهها ابتسامة حانية: ربنا يرزقك ويحفظك وينجيك من المهالك قادر يا كريم.
منحها نظرة شكر وانتصب على ساقيه رامقا زوجته التي تبكي ليدنو لها ويكفكف دموعها ويضمها إليه فعلى نحيبها أكثر..ليجذبها والدها منه وقال برفق: شوفتي من شوية لما مثلت اني هضربك جوزك عمل ايه؟ مقدرش يتحمل تتضربي قصاده ودافع عنك، يارب تكوني اتعلمتي الدرس وتعرفي ان انتي وهو مالكمش غير بعض.. حاجي علي بيتك يابنتي وخليكي عاقلة وصبورة وعالجي دايما مشاكلك جواه، اوعي تسيبي شقتك تاني وتجري تشكي وتدخلي طرف تالت بينكم.. حلي مشاكلك بذكاء ودوبي أي زوبعة تحصل في حياتكم.. اسماعيل طيب وابن حلال وبيحبك ياهبلة.