بسم الله ولا قوة إلا بالله
لا إله إلاّ أَنْـتَ سبحانك إني كنت من الظالمين
نوفيلا
«يا كُل كُلي»
بقلمي روز أمين
الفصل الثاني
ظل العا،،شقان معًا ومع كل يوم يمر عليهما تزداد فيه متانة علاقتهما إلى أن وصلا إلى ترابط روحيهما وكأنهما أصبحا روحًا واحدة بجسدين، عاشا حياةً هادئة حتى جاء اليوم الذي تخرج به محمود من كلية الشرطة، كان يحادثها ليلاً عبر الهاتف الجوال،وهي تحدثهُ من فوق سطح منزل أبيها،همست إليه بنبرة مبتهجة تدل على مدى حبورها:
-ألف مبروك يا حضرة الظابط
نطق سريعًا بنبرة صوت تهيمُ عِشـ,,ــقًا بغرام متيمتهُ:
-الله يبارك فيكِ يا قلب وروح وعقل حضرة الظابط،كان نفسي تبقي معايا النهاردة وأنا بتكرم
تنهدت وبدأ صدرها يعلوا ويهبط من شِدة السعادة ليهتف هو بنبرة رجل عا,,شق أذابهُ الإشتيـ,,ــاق وماعاد فيه تحمل البُعاد بَعد:
-أنا لازم أفاتح بابا في موضوع خطوبتنا يا جنتي
بلاش الوقت يا محمود،إستني شوية…نطقتها بتلهُف وارتعاب جعلهُ يسخط علي حظيهما ليهتف بصياحٍ حاد أحزنها علي حالهما:
-عاوزاني أستني لحد أمتي يا جنة،لحد ما أبوكي يوافق علي عريس من اللي بيتقدموا لك وتضيعي مني؟
ثم صاح بقلب عا,,شق ملتاع:
-إنتِ مش عارفة أنا بحس بإيه كل ما أسمع إن جالك عريس جديد،جسمي كله بيقيد نا,,ر وأنا بتخيل إن عيون راجل غيري شافتك وعجبتيه لدرجة إنه إتمناكي تكوني ليه وجه علشان يطلبك للجواز
أجابتهُ بهدوء معللةً:
-اديني برفض بأي حجة أقولها لبابا
نطق باستفهام:
-ولحد إمتي هتفضلي تتحججي يا جنة؟ إنتِ في تانية جامعة يعني ما بقتيش صُغيرة، وحججك مسيرها هتخلص
تنهدت بحيرة فتحدث بإصرارٍ عنيد:
-مفيش تأجيل تاني يا جنة خلاص،أنا حسمت قراري وهنزل أكلم أبويا الوقت حالاً
ربنا يستر يا محمود…نطقتها بنبرة يملؤها التوتر فأراد إخراجها وطمأنة قلبها قائلاً بصوتٍ حنون:
-هيستر إن شاء الله يا نن عين محمود
تنهد براحة ليسترسل بنبرة تفيضُ هيامًا:
-هنتجوز ونعيش مع بعض زي ما اتمنينا،هنعيش حياتنا لينا وبس،هتبقي كل دنيتي وهبقي ليكي كل الناس
إبتسمت بسعادة فاسترسل بنبرة حماسية لعاشقٍ ولهان:
-قولي لي بحبك وعوزاك يا محمود،قوليها علشان أكون مستعد أحارب وأهد الدنيا علشان عنيكِ
بنبرة حنون نطقت خجلاً:
-بحبك وعُمري ما أتمنيت ولا اتخيلت نفسي مرات حد غيرك يا محمود
تنفس بعُمقٍ كمن كان ينتظر الترياق لإنقاذ حياته ثم تحدث بنبرة حماسية:
-وأنا عمري ما هخليكِ تندمي علي إختيارك ليا يا حبيبتي،هخليكِ أسعد واحدة في الدنيا كلها وده وعدي ليكِ
ردت بملاطفة:
-أما أشوف يا حضرة الظابط
واستطردت بانسحاب:
-أنا لازم أقفل وأنزل تحت قبل ما بابا أو حد من أخواتي ياخد باله من غيابي
تحدث بموائمة:
-تمام يا حبيبتي،وانا هنزل أكلم بابا وهبعت لك رسالة علي الواتس ابلغك فيها باللي حصل
ليسترسل بصوتٍ يفيضُ حنانًا:
-تصبحي على خير يا قلبي
أنهت معه الإتصال وتحرك هو إلي أبيه حيث كان يقطن بدخل غرفتهُ الخاصة، ولج للداخل وألقى عليه التحية ثم قام بإخباره بما انتواه،جحظت عيناي عبدالله ليهتف بذهولٍ وغضب حاد:
-إنتَ إتجننت،عاوز تقلب البلد حريقة يا حضرة الظابط؟
بعيني مُستعطفة نظر إلي والدهُ ليتحدث بترجي:
-أرجوك يا بابا حاول تفهمني،أنا بحبها بجد ومش قادر أتخيل حياتي من غيرها، حط نفسك مكاني
هتف عبدالله بجمودٍ:
-أنا لو مكانك هخلع قلبي وأحطه تحت جزمتي وأفعصه تحتها يا حضرة الظابط ولا إني أولع البلد كلها في بعضها
بعبرات ظهرت بعيناه نطق بصوتٍ مُختنق:
-وأنا لو قادر أعمل كدة هاجي لك وأطلب مساعدتك ليه؟!
واستطرد شارحاً:
-أنا مش صغير يا بابا،أنا عارف وفاهم كويس المشاكل اللي بين العيلتين،بس مش بإيدي
هتف الأب معنفاً نجله:
-بكلامك ده يبقي مش عارف حاجة يا بيه،إحنا بينا تار ودم، فاهم يعني إيه دم يا محمود؟
واستطرد بعيناي مرتجفة وقلبٍ حزين:
-اللي بينا دم ما صدقنا ردمنا عليه وقفلنا على الموضوع، وإنتِ بعملتك السودة دي جاي وعاوز تفتحه من جديد،إنسي يا ابني، الطريق ده مش هيجيب خير لحد، ده بحر دم مقفول وإنتَ بإيدك عاوز تفتحه وتغرق بيه البلد كلها
واستطرد مؤكداً:
-ده غير إن ابوها مستحيل يوافق
بأملٍ ظهر بَيِنّ داخل مقلتاه هتف بنبرة حماسية:
-أنا هقنعه،هروح له وأقنعه إن أنا وجنة بنحب بعض، واكيد قلبه هيحن على بنته وهيوافق
إنتَ باين عليك مش هتسكت إلا لما تجيب لنا مُصيبة لحد عندنا…كلماتٍ نطق بها بصوتٍ غاضب ليسترسل بصياحٍ مُتهكم سَمع به جميع مَن بالمنزل:
-عاوز تروح للراجل اللي جدك الكبير متهم بقتل جده وتقول له أنا مستغفلك وماشي مع بنتك من وراك وعاوزك تجوزها لي؟!
بعينين مستسلمة أجابهُ:
-يا بابا حاول تفهمني، أنا حبيتها، والحب ملوش كبير
إقتحمت “عفاف” باب الغُرفة عندما إستمعت لصياح زوجها وتوبيخهُ لنجلها ليلحق بها شقيقهُ الأكبر والأصغر،لتتساءل هي بنبرة مرتجفة:
-مالك يا عبدالله كفانا الشر،صوتك عالي ليه يا اخويا؟!
إسألي إبنك اللي هيموتني ناقص عُمر من عمايله…نطقها بصياحٍ جعلها تتنقل بنظرها بين كلاهما بعدم استيعاب
إقترب الابن الأكبر من أبيه ويُدعي صلاح متزوج ولهُ ولدان،ليتحدث بهدوء في محاولة منه لتهدأة والدهُ:
-إهدى يا حاج علشان صحتك وفهمنا بالراحة إيه اللي عمله محمود وزعلك منه قوي كدة؟
إقتربت عفاف من ولدها وربتت علي ظهرهِ بحنان مما جعل داخل عبدالله يستشيطُ ويهتف بإبانة:
-أهدى إزاي وحضرة الظابط العاقل عاوزني أروح أخطب له بنت محمد الانصاري.
شهقة عالية خرجت من فمِ عفاف لتجحظ عينيها وهي تتطلع على نجلها بذهولٍ ، أما الشقيقان فباتا يتبادلان النظرات فيما بينهما باستهجان في حين تحدثت الأم بعدم تصديقٍ ونفي:
-أكيد إنتَ فهمت الكلام غلط يا حاج،محمود أعقل من إنه يورطنا معاه التوريطة السودة دي
واستطردت وهي تنظر إلى نجلها لتسألهُ بهزة من رأسها مستنكرة:
-ولا إيه يا محمود،رد عليا وقول لي إن الكلام اللي أبوك قاله ده مش صحيح
نظر لهُ عبدالله بتمعن منتظرًا ردهُ على والدته فأخذ الأخر نفسًا عميقًا لاستعادة هدوئه وتحدث شارحًا:
-كلام الحاج مظبوط يا ماما
تبقى اتجننت وعاوز اللي يرجعك لعقلك يا ابن الحاج عبدالله…هكذا صاحت عفاف بنظراتٍ لائمة بجانب كلماتها اللازعة ليهتف هو بنبرة جادة:
-اتجننت علشان عاوز اتجوز البنت اللي قلبي مال لها؟
هتف شقيقهُ الأكبر معاتبًا إياه:
-وانتَ من وسط كل بنات البلد والدنيا بحالها محليش في عينيك غير بنت محمد الأنصاري ورايح تحبها يا محمود؟!
بات يتنقل النظر بين جميعهم متعجبًا ليتحدث باستهجان:
-هو أنتوا ليه محسسني إن القلوب دي بادينا وإن باشارة مني أقدر أخلي قلبي يحب ويكره ويبعد على كيفه !
هتف عبدالله بصوتٍ غاضب بعدما فاض به من أفعال نجله الغير مسؤلة:
-قلبك ده إيه اللي بتتكلم عنه يا أبو قلب،ما تفوق من وهمك يا حضرة الظابط وتبص حواليك،قلبك اللي بتتكلم عنه ده وخايف عليه هيكون السبب في خراب البلد كلها،النار اللي الحكومة وكُبرات المركز طفوها من زمان جاي حتة عيل زيك ينفخ فيها من جديد علشان يولع في الكُل
شمل والدهُ بنظراتٍ لائمة وسكن قلبهُ ألمٌ عميق جراء عدم شعور والدهُ بقلبه العاشق والذي لا يضع لكل ما قيل قيمة ولا حُسبان،في حين صاحت عفاف بنبرة مرتعبة على نجلها:
-الموضوع مش بالسهولة زي ما أنتَ فاكر يا ابني،لو خايف على أبوك وأخواتك تقفل الموضوع ده وتردم عليه،علشان خاطري يا ابني تسمع كلام أبوك
بنبرة مرتبكة تحدث شقيقهُ الأوسط ماجد خشيةً غضبة والده عليه:
-طب ما نحاول علشان خاطر محمود يا بابا،أبعت للحاج محمد واطلب منه إيد بنته لمحمود وشوف
واسترسل متفائلاً:
-مش يمكن الراجل يكون حابب يقفل صفحة الماضي ويوافق علشان يفتح صفحة جديدة بين العيلتين.
رمق عبدالله نجله بنظراتٍ تقليلية ليتحدث ساخراً:
-يا خيبتك القوية في كل ولادك يا عبدالله، طب حضرة الظابط عنده عذره في إنه يلغي مخه وميفكرش بيه، لكن إنتَ إيه عُذرك يا حضرة المحاسب ياللي المفروض بتحسبها بالورقة والقلم؟
ارتبك ماجد من حِدة والده حيث وصلت حد التوبيخ ليستكمل الوالد بنبرة حازمة قاصدًا بحديثه محمود:
-وإنتَ يا حضرة الظابط، موضوع بنت محمد الأنصاري ده تنساه وتشيله من راسك
واسترسل بنبرة تحذيرية صارمة بعدما رأي بوادر خروج كلمات إعتراضية يستعد نجله التفوه بها:
-وإلا قسمًا بالله هتشوف مني وش عمرك ما شفته وهتتعامل معاملة ما اتعاملتش بيها حتى وإنت عيل مفعص بالمريلة
فرق نظراتهُ البائسة على الجميع قبل أن ينصرف إلى الخارج كالإعصار،أخرجت عفاف تنهيدة حارة تنم عن مدى ألمها لاجل حُزن صغيرها،جلس عبدالله فوق طرف الفراش ثم زفر بضيق لينطق موجهًا حديثهُ لولدهُ الأكبر:
-روح ورا أخوك يا صلاح وحاول تهديه وتنصحه بالمعروف،وقول له يسيبه من البت دي خالص
ليسترسل بنبرة إنهزامية تدل على مدى ارتيابه على فلذات أكباده الثلاث:
-أنا راجل كبرت ومش حمل وجع القلب ده يا ابني
تحدث صلاح بطاعة وهو يستعد للخروج من الغرفة:
-حاضر يا حاج، أنا هتكلم معاه ومش هسيبه إلا وهو شايل الموضوع ده من تفكيره نهائي، بس إنتَ حاول تهدى علشان صحتك
انتهى من كلماته ليتحرك سريعًا خلف شقيقه ليُشير عبدالله لنجله الأصغر بأن يتبع شقيقاه وبالفعل خرج فتنهدت عفاف وتحركت لتجاور زوجها الجلوس ثم وضعت كفها فوق خاصته وتحدثت وهي تربت عليه:
-هدي نفسك علشان السُكر ما يعلاش عليك يا عبدالله
واستطردت بطمأنة:
-إخواته مش هيسبوه إلا لما يقتنع ويسيبه من بنت محمد الأنصاري خالص
هز رأسهُ باستسلام لتنهض هي من جواره متحدثه:
-هروح أعمل لك كباية ليمون تروق لك دمك
نطقتها وانصرفت للخارج تاركة إياه داخل دوامة رعبه على نجله المتهور والذي أثبت له عدم مسؤليته وتفكيره الغير مسؤل
*******
خرج صلاح من غرفة والداه وجد زوجته وزوجة شقيقه جالستان في البهو فسأل زوجته سريعًا:
-فين محمود يا منى؟
أشارت بكف يدها للأعلى:
-كنت شيفاه طالع فوق السطوح وأنا نازلة من شقتي
ثم وقفت لتلحق بزوجها الذي اتجه نحو الدرج سريعًا وتحدثت وهي تجذبهُ من ذراعه:
-هو فيه إيه يا صلاح، خالي كان بيزعق ليه؟
التف لينظر لإبنة عمته وعشق طفولته ليتحدث على عُجالة:
-بعدين،بعدين هحكي لك يا منى
صعد للأعلى وتبعهُ ماجد إلى أن وصلا إلى السطوح ليجدا شقيقهما يجوب المكان ذهابًا وإيابًا بعصبية مُفرطة،اقترب عليه ماجد ليحاوط كتفه باحتواء ثم تحدث:
-إهدى يا محمود وحاول تفكر بعقلك في الموضوع
ليكمل حديثهُ صلاح قائلاً بتوجيه:
-اسمع كلام أبوك وشيل البنت دي من دماغك واقصر الشَر يا حضرة الظابط
بنبرة شديدة الحِدة هتف مأنبًا كلاهما:
-انتوا ليه محدش فيكم قادر يفهمني،أنا بحبها يا ناس،بحبها وبنيت عليها كل أحلامي ومش هقدر أكمل حياتي من غيرها
تنهد صلاح قبل أن ينطق بنبرة هادئة:
-محدش بيموت من الحب يا محمود، بكرة تنساها وتكمل حياتك من غيرها
رمق شقيقهُ بنظرة متعجبة ليهف مستنكرًا:
-إيه يا اخي الأنانية اللي إنتَ فيها دي، ولما انتَ جامد وعاقل أوي كدة، ليه مانسيتش منى وحاربت ماما وقتها لما كانت رافضة جوازك منها وعوزاك تتجوز عزة بنت خالك؟!
استاء صلاح من حِدة شقيقه الأصغر معه لكنه تمالك حاله وتحدث بابانة:
-الوضع كان يختلف وقتها يا حضرة الظابط، فيه فرق كبير بين قصتي أنا ومنى وبين حكايتك مع بنت محمد الأنصاري
واستطرد شارحًا:
-أنا حاربت علشان اتجوز بنت عمتي اللى كانت العقبة الوحيدة لجوازنا هي إن أمي وعمتي مبيحبوش بعض
ليكمل موضحًا الفرق:
-لكن سيادتك رايح تختار واحدة بينا وبينهم تار،يعني لو اخواتها الرجالة عرفوا بالموضوع هتبقى مصيبة ومش بعيد واحد منهم يتجنن ويقتلك
كان يستمع لحديث شقيقه وكل ذرة بجسده تنتفضُ غضبًا ليتحدث ماجد بنبرة هادئة مؤكدًا على كلام شقيقه:
-أخوك عنده حق يا محمود، إحنا خايفين عليك
نفض يد شقيقه عنه ليهتف بنبرة حادة وهو يرفع كفاه بصرامة:
-ممكن تسيبوني لوحدي وتتفضلوا تنزلوا، أظن كدة عملتوا اللي عليكم واللي أمركم بيه الحج عبدالله.
نظرا الشقيقان كلاهما للأخر وتنهدا بيأسٍ وتحركا لينسحبا للأسفل تاركين ذاك الذي كاد أن يصرخ بأعلى صوتٍ له لكي يخرج ما بصدرهِ من غيظ وألم وحزنٍ أصابوه،استمع لرنين هاتفهُ الخلوي فمد يده بجيب بنطاله واخرجه لينظر بشاشته التي وما أن رأي نقش اسم حبيبته به حتي شعر بالاختناق وقلة حيلته،بما سيُجيبها الأن، هل سيعترف لها بالحقيقة ويصيب قلبها بالألم، أم سيحتفظ بما حدث بقلبه لكي لا يؤلم قلبها ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
هذا ما سنتعرف إليه في الفصل القادم
يتبع.