
الفصل الأول…
#سند_الكبير
#الفراشة_شيماء_سعيد
بكفر عتمان الكبير..
_ كله زي ما أمرت يا كبير..
قالها أحد الرجال ذوي القامة الفارعة و البشرة السمراء، بجسـ,ـد ضخـ,ـم و صـ,ـدر عريـ,ـض، تطلع إليه سـ,ـيده ليخفض رأسه سريعا، بنظرات ثاقبة و أنفاس هادئة قام السيد من علـ,ـى مقعد المـ,ـلوك الذي يرثه أبا عن جـ,ـد..
مشهد يقشعر له الأبدان فقط من طلته الخاطفة للأنفاس، كـ,ـبير ابن كبير إسم على مسمى سند الكبير، بطـ,ـول يقترب من المتران و ضخامة جسـ,ـد تسقط أمامه القلوب رعبا..
بشرة خمرية تميل إلى اللون الأسود اللذيذ، عيون بها سواد الليل برموش تظلل عليها بحـ,ـماية مزيـ,ـن إياهـ,ـا بكحل صحن على يد جدته خصيصاً لسند العائلة و الكفر بالكامل..
اقترب من رجله الأمين فاخر واضعا يده على كتفه قائلا بنبرة صوته الخشن بزيادة عن الطبـ,ـيعي و إبتسامة :
_ قولي عملت ايه بالتفصيل يا فاخر..
أومأ إليه الآخر متعجبا من إبتسامة سيده التي لا تظهر إلا وقت الكوارث ثم أردف بإحترام :
_ كل المستشفيات و الأماكن في إسكندرية رفضوا شغلها، نزلت تدور في المحلات حتى العـ,ـطارة بس اترفضت و دلوقتي أدامها ساعة بالكتير و توصل الكفر مع سناء، عملت زي ما جنابك أمرت ظهرت لها و عـ,ـرضت عليها الشغل في الكفر حكيمة لبيت الكبير و هي ما صدقت…
زادت ابتسامته اتساعا، بدأ شعور كبير بالراحة يغمره لاقتراب المراد، عاد ليـ,ـسأل من جـ,ـديد بذكائه :
_ في حاجة عايز تقولها و خايف قول أنا سامع…
ابتلع الآخر لعابه قائلا :
_ مش هتيجي لوحدها يا كبير معاها الراجل اللي كاتب كتابه عليها من شهر…
لم يتعجب أو يظهر عليه أي رد فعل عنيف كما تخيل فاخر، بل ابتسامته الشيطانية جعلته يتأكد أن زوجها المسكين نهايته قريبة جداً، أبتعد سند خطوة للخلف سامحا للآخر بالخروج من المكان…
أخرج تنهيدة قوية.. ها هي تعود إلى نفس المكان الذي فرت منه بليلة ممطرة و ستعود بنفس الليلة بعد عام كما أمرها، حبة الفراولة خاصته.. لعبته الأكثر من ممتعة يفصل بين اللقاء ساعات قليلة…
جلس على مقعده و عينيه على نور الصباح النابع من الشرفة مردفا بهدوء :
_ والله زمان يا وعد…
____________
على الصعيد الآخر بالإسكندرية…
في تمام الساعة العاشرة صباحا…
أغلقت باب منزلها خلفها بعدما ألقت عليه نظرة أخيرة، حمـ,ـلت حقيبتها و هي على يقين من اقترابها إلى الهاوية، تتطلع لباب المنزل لا تريد الذهاب إلى مكان يجمعها به، كل ما حدث و يحدث و سيحدث من تدبيره…
تستمر القصة أدناه
أخرجت أنفاسها بقلة حيلة أغلقت كل الأبواب بوجهها و لم يبقى أمامها إلا بابه، سند الكبير حلم حياة تحول بليلة واحدة إلى كابوس مرعب، انتبهت إلى تلك اليد التي تحمل عنها الحقيبة لتنظر إليه بابتسامة مردفة :
_ مكنش في داعي يا محمد تيجي معايا و تسيب شغلك و حياتك..
ضربها الأخر على مقدمة عنقها، بابتسامة مرحة تليق ببشرته البيضاء و عيونه الخضراء كأنه أحد ممثلي أوروبا، وسيم، محب، ودود، بكل شيء مميز يأخذ من اسمه الكثير، قائلا :
_ مجنونة أنتي عايزاني أسيبك أنتي مراتي يا بت يلا ادامي أنا متحمس أوي للرحلة دي…
مطت شفتيها إلى الأمام بتهكم مردفة :
_ متحمس لإيه بلا نيلة.. تعرف يا محـ,ـمد من موقـ,ـعي هـ,ـذا بقولك أيامـ,ـنا اللـ,ـي جـ,ـاية كلها هتـ,ـكون بالشكولاته من كم السواد اللي هنكون فيه يلا شيل الشنطة و تعالى ورايا لسناء تحت…
بخطوات بطيئة تقدم ساق و تعود عشرة للخلف بدأت تقترب من السيارة الفخمة التي تنتظرها أسفل منـ,ـزلها، هذه الرحلة لن تكون سوي الجحيم على الأرض…
ابتسمت تلك السيدة الأربعينة لسناء بشفقة كبيرة حاولت اخفائها قدر المستطاع، هذه الصغيرة تخطو بنفـ,ـسها إلى كفر الكبير و يا عالم ماذا سيحدث هناك، أشارت الي جوارها قائلة :
_ تعالي يا وعد اقعدي جانبي هنا و أستاذ محمد يبقى يقعد جنب السواق، نفسي أشوف اللي خطف قلـ,ـبك يا بنتي…
ضحكت وعد بمرح مردفة :
_ بيجيب الشنط أصلها كتير شوية، المهم دلوقتي يا ست سناء إن الكبير مش في الكفر مسـ,ـافر زي ما قـ,ـولتي كام شهر أدبر فيهم أموري و أمشي…
ارتبكت ملامح الأخرى إلا أنها أردفت بهدوء :
_ طبعاً يا وعد، فين بقى جوزك عايزين نمشي…
أشارت وعد إلى محمد القادم على بعد مسافة قليلة منهما قائلة :
_ أهو هو ده محمد يا ست سناء…
ها هي سناء تأخذ أكبر صدمة بحياتها بعدما وقعت عيناها على محمد، أغلقت عينيها عدة مرات تحاول استيعاب و فهم ما تراه من هذا محمد؟!…
____________
عودة مرة أخرى إلى الكفر…
الساعة الثانية إلا ربع ظهرا..
بمنزل الكبير دلفت إمرأة تخطت السبـ,ـعين عاما إلا أنها مازالت تتحلى بالجمال و الصحة، السيدة حكمت جدة سند و سيدة الكفر، ضربت بعصاها الأرض لينـ,ـتفض من بالمـ,ـكان، وقـ,ـف الجـ,ـميع انتـ,ـباه لتـ,ـقول هي بقوتها المعتادة :
_ باقي ربع ساعة على وكل السيد سند الكبير، مش عايزة غلطة واحدة تمنها رقبة حد فيـ,ـكم، يلا همي منك ليها خلينا نشوف ورانا إيه…
تستمر القصة أدناه
الساعة الثانية ظهرا بالدقيقة كان يجلس على طاولة الطعام بالمقعد الكبير و بالمقابل له جـ,ـدته، يأكلان وحدهما كما اعتادا و باقي العائلة يفضلوا الغذاء بوقت متأخر…
نظر إلى جدته بهدوء قبل أن يبدأ طعامه بصمت، يقرأها مثلما اعتاد على قراءة الجميع تراقبه و تعلم بخطته و ربما تريد إيقافها، ساد الصمت لدقائق حتى قطعته السيدة حكمت مردفة :
_ رايد إيه من بنت إسكندرية تاني يا سند الكفر كله عشان تحوم حواليها و تغصبها ترجع؟!..
ترك قطعة فخذ الدجاجة من يده قبل أن ينظفها بالمنديل الموضوع بجواره قائلا ببرود :
_ كيفي كدة يا حاجة وعد لازم تبقى تحت عيني و أمري كمان، والا المراقب بتاعك مقالش ليكي أنا رجعتها غصب زي ما بتقولي ليه…
تركت الأخرى طعامها، وعد فتاة بريئة بينها و بين حفـ,ـيدها فرق مثل الفرق بين السماء و الأرض، الماء و النار، تغيرت ملامحها باعتراض قائلة :
_ مين قالك إني براقبك أنا هنا الكبيرة زي ما أنت الكـ,ـبير يا ولد الغالي، ابعد عنها و طلعها من دماغك أنا مش هسمح إنها تتحط وسط حريمك اللي كل ما واحدة تغلـ,ـط تطـ,ـلق و يبقى عقاـ,ـبها تعيـ,ـش باقـ,ـي عـ,ـمرها في زنزانة تحت الأرض، كفاية ظلم بقى…
1
تغيرت معالم وجهه بشكل مخيف لدرجة برزت بها عروق عنقه، إلا أنه عاد إلى طبيعته باللحظة الثانية، وضع المنديل على الطاولة قبل أن يقوم من مكانه مقبلا رأس جدته بهدوء قائلا بنبرة صادقة :
_ مش سند الكبير اللي يبقى ظالم يا حاجة بالعكس أنا بجيب حق المظلوم، و لو في واحدة من الحريم دي مظلومة مكنش هيبقى مكانها تحت الأرض زي ما قولتي، عن إذنك…
تمسكت حكمت بيده تمنعه من الذهاب، عاد بعينه إليها ليجدها تبتسم إليه بحنان و ثقة مردفة :
_ انا عارفك يا غالي يا ولد الغالي بس وعد لا، دي فيها روح كل اللي بنحبهم اوعـ,ـدني تبـ,ـقى سند ليها زي ما أنت كدة مع الكل…
وضع كفه على رأس جدته قائلا :
_ القرار ده في ايدها هي يا حاجة حكمت…
1
________________
ترك جدته ذاهبا إلى قطعة من قلبه جعلتها الأيام جسد بلا روح، دق على بابها مـ,ـرتيـ,ـن قبـ,ـل أن يـ,ـدلف للغرفة، نهـ,ـضت من على فراشـ,ـها ليظـ,ـهر جماـ,ـلها الخاطـ,ـف للأنفاس…
بشرتها الخمرية التي يزينها أنف صغيرة و شفتين ممتلئة بشـ,ـكل ملفت و ما يزيد جمالها جمال عينيها الزيتونية الساحرة..
هناك مقولة شهيرة نعرفها جيدا أن القمر لا يكتمل أبداً ، و هـ,ـذا هو حالها اقـ,ـتربت مـ,ـن شقيـ,ـقها تضـ,ـمه إليها بحماس طفلة صغيرة تبحث عن الحنان و الأمان و لا تجدهم إلا معه…
بدالها العناق برحابة صدر قائلا :
_ كنتي فين الصبح، كدة أمشي من غير ما اشـ,ـوفك يا هـ,ـمت إنتـ,ـي عارفة إن يومـ,ـي مـ,ـن غـ,ـيرك ولا حاجة صح؟!
أومأت إليه بابتسامة مشرقة تضيء حياته، هامسة له بعتاب :
_ همت زعلانة من سند…
اتسعت عيناه بذهول مردفا :
_ لالا همت زعلانة من سند ليه عمل ايه الوحش ده؟!..
ابتعدت عنه قليلا مشيرة إلى دميتها الصغيرة و الدموع تكاد تسـ,ـقط منـ,ـها قائلة بنبرة متقـ,ـطعة :
_ همت الصغيرة عينيها طلعت النهاردة يا سند حاولت أعالجها معرفتـ,ـش.. قعـ,ـدت أعيط و استنى فيك عشان أنت تعالج عينيها بس برضو أنت مجتش…
أزال دموعها ثم قبل رأسها عدة مرات متتالية اخذا منها الدمية هامسا :
_ حقك عليا كان عندي شغل هاتي همت الصغيرة أعالج عينيها على ما همت الكبيرة تأكل و تنام شوية…
___________
عصرا… على الباب الرئيسي لمنزل الكبير كانت تقف السـ,ـيارة التي تحـ,ـمل وعـ,ـد مع محـ,ـمد و السيدة سناء التي تنظر إليهم طوال الطريق بلا كلمة واحدة فقط مذهولة، خائفة من القادم و ها هم على بعد خطوة واحدة من سند الكبير…
1
حملت حقيبتها إلا أن يد محمد سبقتها بحملها قائلا :
_ عيب في حقي لما أبقى شحط كدة و مراتي تشيل شنطتها، قوليـ,ـلي أدخـ,ـل الشنـ,ـط دي فين يا ست سناء…
أنتبهت سناء على نفسها أخيرا و استجمعت قوتها مـ,ـردفة :
_ أنت هتقعد في بيت الضيوف اللي في الجنينة أما وعد هتدخل البيت الكبير و لما تعمـ,ـلوا فرح تبقى معاك…
أوما إليها بترحاب قبل أن يأخذ حقيبته تاركا حقيبة وعد مع الحارس متجها إلى شقته الصـ,ـغيرة…
عند وعد…
بعد عشرة دقائق دلفت وعد إلى غرفة الضيوف الموضوعة بالدور الأرضي، أغلقت الباب خلـ,ـفها تحـ,ـاول أخذ أنفاسها، خائفة إلى درجة الرعب، تشعر به قريبا منها بطريقة غريبة…
ألقت الحقيبة على الفراش مستخرجة منها ملابس بيتية ثقيلة و هي تقول بضياع :
_ فى ايه يا وعد اهدي سند مش هنا مسافر يمكن حاسة بيه لأنك في بيته بس هو في الحقـ,ـيقة مش هنا، خدي نفس عميق و كوني قوية…
دلفت للمرحاض رغم برودة الجو قررت الاستحمام بماء بارد حتى تعود إلى قوتها و رشدها من جديد، بعد دقائق وضعت روب الاستحمام على جسدها الذي يكاد يطلب النجدة من الثلج ثم خرجت…
وقفت أمام المرايا تزيل المنشفة عن خصلاتها البنية المموجة مجففة إياها قائلة :
_ و بعدين بقى في اليوم ده معقول أكون خايفة منه لدرجة إني بتخيل أنه واقف ورايا…
سقط المشط من كفها مع شعورها بأنفاس ساخنة تلفح عنقها و رنين صوته الخشن يأكل أذنيها بابتسامة أقل ما يقال عنها قاتلة :
_ مش تخيل يا وعد ده حقيقة إنتي مش بس جوا بيتي أنتي كمان جوا أوضة نومي و لابسة روب الحمام بتاعي..
___________
الفصل الثاني…
أصابها الهلع.. تشعر بلمسته، يعانق جسده الصلب جسدها الطري، أنفاسه تتجول على خصلاتها ترعبها و تزيد رغبتها فى البكاء، يا ليتها كانت حبة من الملح لتذوب بتلك اللحظة بلا عودة مرة أخرى…
+
ارتجفت شفتيها ليغمز إليها قبل أن يضع أصابعه على شفتيها يمنعها من الحركة هامسا بفحيح :
_ كنتي فاكرة إنك ممكن تهربي العمر كله عن سند الكبير يا وعد…
لطالما عشقت إسمها من بين شفتيه و لكن الآن يطوف بداخلها نفور كبير منه، حركت وجهها ليبعد كفه عنها قائلة من بين أنفاسها المتهدجة :
_ ابعد ايدك دي عني، مش من حقك تقرب مني يا كبير أنا ست متجوزة..
لو كانت ظلت على الوضع الصامت كان أفضل بكثير لها، لما ذكرته بكارثة فعلتها بعد كارثتها الأولى بالهروب منه، بالفعل تركها و ذهب إلى خزانة ملابسه يخرج منها طقم مريح للنوم ثم ألقى به على الفراش…
رفعت حاجبها بذهول من هذه الوقاحة صارخة :
_ أنت بتعمل ايه اطلع برة…
نظر إليها بسخرية مجيبا :
_ الأوضة دي بتاعتي أنا أطلع أروح فين…
تخافه هذه حقيقة لا يوجد جدال بها إلا أن غضبها تخطي هذا الخوف لتقترب منه بغضب :
_ و لما هي أوضتك أنا بعمل فيها إيه؟!.. أخرج برة بدل ما أصرخ و محمد ييجي…
قهقه بمرح قائلا :
_ محمد يعرف عموماً مش محمد بس اللي هيعرف ده البيت الكبير كله و الخـ,ـدام اللي أكيـ,ـد هيـ,ـقولوا إنك دخلتي هنا بمزاجك تحت عنيهم… و الفضيحة هتبقى صعبة خصوصاً بروب الحمام بتاعي اللي ملـ,ـفوف على جسمك…
إنتبهت للتو فقط أنها شبه عارية أمام عينيه التي تأكلها و تبتلع تفاصيـ,ـلها، شهقت بقوة و هـ,ـي تضع كفها على صدرها تحاول الفرار إلى المرحاض إلا أنه كان الأسبق على الباب :
_ على فين من امتا حد يمشي و سند الكبير واقف…
على يقين من جنون فعلتها، أخفضت وجهها لعدة لحظات قبل أن تردف بضعف :
_ أنت جبتني هنا ليه؟!.. عايز تقتـ,ــ,ـلني صح…
رفع يده ليزيل باقي منشفة الرأس المتعلقة بخصلاتها البـ,ـنية يتأمل ملامحها عن قـ,ـرب كـ,ـأنه لأول مرة يراهـ,ـا، منبهر بوجهها الأبيض المستدير و ملامح وجهـ,ـها البسـ,ـيطة، كأنهـ,ـا إحـ,ـدى أميـ,ـرات العصر القديم، ضرب مقدمة أنفـ,ـها بأحد أصابعه قائلا :
_ الموت هيكون رحمة كبيرة ليكي و ليا و أنا لا عايز أرحمك و لا حتى أرحم نفسي…
مثل الفأر دلفت الي المصيدة بقدميها و لا تشعر أنها بأول خطوات النهاية، لا تعلم من أين أتت لها تلك القوة التي تجعلها صامدة، أردفت بأنفاس متلاحقة :
_ من أول مرة شوفتك فيها قولت عليك مريض و لازم تتعالج عند دكتور نفسي، بس دلوقتي بقولك إن حالتك محتاجة إقامة الباقي من عمرك في مستشفى الأمراض العقلية..
أومأ إليها مؤكدا بهدوءه المعتاد :
_ وقتها هتكوني في الاوضة اللي جانبي مش أنا وعدتك إنك هتفضلي جنبي على طول قبل كدة…
نظرت إليه بغل قائلة :
_ الموت عندي أهون بكتير من إني أبقى جانبك يا كبير…
عاد الي قرص أنفها مرة أخرى هامسا :
_ دخلتي كفر عتمان بمزاجك يا دكتورة و هربتي منه برضو بمزاجك يا دكتورة، بس دلوقتي النفس اللي بين صدرك خروجه بإذن مني أنا…
_ أنت قاتل و أنا و أنت عمر ما كان طريقنا واحد أبداً…
أبتعد عن باب المرحاض قائلا بقوة :
_ مين قالك إني بس اللي قاتل، و الغفير مات على أيد مين يا دكتورة مش على إيدك؟!…
يكذب هي على يقين من كذبه، ليلة ضربها للغفير يوم هروبها كانت تعرف بأي مكان تضربه فقط أرادت أن يفقد الوعي ليس أكثر، حركت رأسها عدة مرات تنفي ما يقوله إلا أنه ثبت وجهها بضغط كفه على عنقها مردفا :
_ عايزك تخافي يا دكتورة وعد، عشان اللي جاي نار لازم تنطفي بحرق حد، خافي…
تركها ثم اتجه الي باب الغرفة ملقيا عليها نظرة أخيرة قبل أن يخرج من الغرفة قائلا :
_ بعد ساعة هييجي المأذون يطلقك من حبيب القلب و في نفس اللحظة هنتجوز… البكر مالهاش عدة يا دكتورة… ممنوع تخرجي من الأوضة إلا بأمر من سند الكبير لو عايزة التاني يخرج من هنا فيه نفس….
_______________
على الصعيد الآخر بالشقة القائم بها محمد…
انتهى من ترتيب ملابسه و أخذ بعدها حمام دافيء يريح به أعصابه، منذ أول خطوة له بتلك الشقة و رأسه تكاد تنفجر، صداع حاد لا يعرف له سبب…
بدل ملابسه ثم قرر بها التجول بالحديقة بهذا الجو الهادئ لعل الهواء النقي يريح أعصابه، المكان رائع و السماء صافية جلس بجوار أحد الزهور متأملا ما حوله..
تعجب من جلوس أحد بجواره، نظر بطرف عينه ليري فتاة يا سبحان من خلقها بتلك الصورة، عينيه تعلقت بها و كأنه لأول مرة يرى فتاة جميلة…
اتسعت عيناه بذهول من تعلق يدها بذراعه بطفولية و عينيها غارقة بالدموع، ابتلع ريقه متوترا من حركة كفها الصغير على ذراعه هامسة بنبرة لعبت على أوتار روحه :
_ عروستي راحت مني و أنا مش عارفة هي فين عايزاها و بدور عليها من كتير أوي… همت الصغيرة راحت مني…
تستمر القصة أدناه
حاول الإبتعاد عنها يبدو أنها فاقدة للأهلية مـ,ـن طريقـ,ـتها بالحـ,ـديث، دار بالمكـ,ـان حـ,ـوله يبحـ,ـث عن أحد يأخذها منه إلا أنه لم يجد، زاد بكائها و ألقت بجسدها بيـ,ـن أحضانه…
رحب بهذا الاندماج الجسدي، يشعر بحاجتـ,ـه هو الآخر لأخذها بين حنايا صدره، حرك يده على ظـ,ـهرها هامسا :
_ اهدي يا آنسة و قوليلي أنت تبقى بنـ,ـت مين هنا أو أقدر أساعدك بإيه…
زاد تعلقها به أكثر رغم محاولته في الإبتـ,ـعاد عنها مردفة من بين شهقاتها :
_ عايزة عروستي همت الصـ,ـغننة…
وضع يديه على يديها يفك تلك العقدة التي تزين عنقه بأصابعها قائلا بنبرة متهدجة :
_ طيب أهدى و بطلي عياط يا صغيرة أنتي، إيه رأيك تمسحي دموعك الحلوة زيك دي عشان تبـ,ـقى بنت شاطرة و تقومي معايا ندور على همت الصغيرة…
ابتعدت عنه تنظر إليه ببراءة شديدة، ظلت صامتة مترددة لعدة ثواني تفكر بحديثه ثم ابتسمت باتسـ,ـاع متحمسة قبل أن ترفع يديها تزيل بهما بقايا دموعها قائلة :
_ عندك حق، ماشي يلا بقى قوم معايا ندور على همت الصغيرة قبل ما حد من الوحشين ياخـ,ـدها مني…
قام معها بقلة حيلة، انبهاره بها تحول إلى حالة كبيرة من الشفقة، يسأل لماذا فتاة مثل الوردة الجـ,ـوري تبقى هكذا؟!.. تعلقت بيده مرة أخرى و يا ليتها لم تفعل انتفض من تلك الرجفة التي أصابت جسدها و جسده…
ساعة و نصف يبحث معها على تلك الدمية بلا فائدة، بدأت تفقد الأمل و عادت للبكاء قائلة :
_ عروستي ضاعت الأشرار أخدوا العروسة مني…
بالفعل هو عاجز على التعامل معها، حرك يده على رأسها مردفا بهدوء :
_ اهدي ممكن أجبلك واحدة جديدة خالص…
حركت رأسها نافية بقوة و بدأت تدلف بحالة من الانهيار الكلي صارخة :
_ لا لا لا أنا مش عايزة غيرها أنا عايزة همت الصغيرة بس…
علا صريخها، أتى الحرس الذي وجد نفسه في دقيقة واحدة محصور بينهم و اسود العالم من حوله و آخر ما وصل إلى أذنيه صوتها فقط….
هل قـ,ــ,ـتلت روح؟!… سبب هروبها أنها رأته يقـ,ــ,ـتل هل أصبحت مثله؟! جلست على الفراش و جميع أنحاء جسدها منهارة أزرق من الثلج المحيط به، أغلقت عينيها تلعن تلك اللحظة التي جعلها الحظ تسقط بين يديه…
فلاش باااااااك….
بأحد الأماكن البسيطة علـ,ـى الـ,ـنيل نظرت وعـ,ـد إلى صديقـ,ـتها صافية بعدم استيعاب قائلة :
_ يعني ايه يا صافيـ,ـة كـ,ـلامك ده، عايزاني أروح أشتغل في كفر عند واحد رافض شغل الستات ده كلام؟!…
تستمر القصة أدناه
حدقت بها صافية لعدة لحظات لا تعرف كيف تقنعها و هي نفسها غير مقتنعة و لكن ما باليد حيلة، أخذت نفس عميق قبل أن تجيبها بهدوء :
_ و أنا أعمل فيكي ايه يعني روحتي ضربتي الدكتور خالد زميلنا و اترفدتي من المستشفى، و مفيش مستشفى راضية بيكي دلوقتي كله منك و من لسانك و أيدك، وعد أنتي مش بس هتروحي كفر عتمان الكبير أنتي كمان تنسى خالص موضوع إنك ست ده…
حركت رأسها بفهم مفتوح تريد منها الفهم بشكل أكبر لتكمل الأخرى حديثها بتوتر :
_ هتروحي على إنك راجل زي فيلم للرجال فقط، كل حاجة هتكون جاهزة تعملي نفسك راجل و تشتغلي دكتورة للرجالة اللي شغالة معاه زي الطوارق كدة لحد ما….
قاطعتها وعد بسخرية :
_ لحد ما إيه؟!.. يعرف و أروح أنا في داهية مش كدة… أنا مستحيل أقبل بالجنان ده….
بعد مرور أسبوع واحد كانت تنظر إلى هيئتها في المرايا اليوم أول يوم لها تحت مسمى الطبيب شاكر، ابتسمت على حالها بسخرية بالفعل مظهرها كوميدي و ربما مكشوف أمام الأحمق، شارب كبير، خصلات رجولية مستعارة واضحة مثل الشمس و فوق كل هذا و ذاك حواجب مثل فرشة الأسنان بالإضافة إلى ذقن تصل إلى مقدمة صدرها…
خرجت من الغرفة لتجد صديقتها تكاد تنفجر من الضـ,ـحك قائلـ,ـة بصـ,ـعوبة من بين ضحكاتها :
_ بجد يا وعد شكلك مسخرة أنا مش قادرة أخد نفسي من شكلك، بـ,ـس كدة زي الفل يا بت مش باين أي حاجة من ملامحك باقي بس صوتك حاولي يبقى خشن بلاش سهوكة بـ,ـدل ما تشـ,ـرفي علـ,ـى الأسـ,ـفلت…
رفعت حاجبها ساخرة قبل أن تحمل حقيبتها مردفة و هي تتجه إلى باب المنزل :
_ دمك زي الزفت مش خفيف خالص على فكرة، يلا قدامي خليني ألحق القطر و اغور في ستين داهية من وشك…
أربع ساعات مروا عليها مثل الأعوام قلبها يحثها على العودة إلى بيتها تنعم هناك بالأمان و الدفيء، و عقلها يأمرها بتكملة هذا الطريق الذي بدأته؛ لتأتي بالمال فحتى بيتها الدافيء لا تستطع العيش به دون مال…
نظرت إلى المكان حولها بتوتر من أول خطوة لها بهذا الكفر، سـ,ـؤال واحـ,ـد يدور برأسها أين نساء هذا المكان؟!.. اقتربت من أحد الرجال قائلة بنبرة حاولت أن تجعلها رجولية بقدر المسـ,ـتطاع :
_ فين بيت سند الكبير لو سمحت؟!…
انتفض الرجل من مكانه قائلا :
_ بيت سي سند عايزه ليه يا أخ…
_ أنا الدكتور الجديد و محتاج العنوان مش أكتر اهدى حضرتك متوتر ليه؟!…
سار الرجل أمامها مردفا برعب :
_ أنت الحكيم الجديد الله يكون في عونك، يلا أوصلك على أول شارع البيت الكبير و كمل أنت ممنوع حد من أهل الكفر يدخل شارع البيت الكبير…
بعد هذا الحديث تمنت لو بقدرتها العودة و كأن شيئا لم يحدث، تركها الرجل على أول هذا الشارع الطويل لتبدا رحلتها لهذا المنزل، شعرت ببعض الأمان مع سماعها إلى أذان العشاء تؤكد لنفسها أن الله معها، أردفت بداخلها بذهول من هذا المنظر الخاطف للأنظار :
_ يا الله على الجمال معقول ده بيت عادي جوا قرية في الريف؟!…
سمعت صوت كلاب خلفها لتدور بجسدها صارخة بفزع قبل أن تلقي بنفسها بأحضان هذا الغريب صارخة :
_ يا مامي كلاب….
__________