
شعر بألمه، فأسبل جفنيه بأسى:
_ستتفهم ذلك يا صاح!
كاد بأن يجيبهم؛ ولكن قاطعهم وصول الصديق الثالث لهما، ارتمى “أركون” على الرمال مردداً بإنهاكٍ شديد:
_اليوم كان شاق للغاية.
ثم استطرد باستغرابٍ:
_أتيت مبكراً “إيمون” على غير عادتك!
تمدد لجواره بهدوءٍ، فانضم لهما”ديكسون”، حال الصمت بينهما إلى أن قطعه “ديكسون” بسؤاله الغامض:
_هل تؤمن بالحب من النظرة الأولى”أركون”؟
بمجرد ذكره للحب أتت “زمرد” على ذكراه، فحاول جاهداً إخفاء بسمته وهو يجيبه:
_لا أعلم، ولكني أؤمن بأن كل شيء يبدأ بنظرة.. ومن ثم يصل الأمر لحجم أكبر حينما يخفق قلبك بجنون ولربما لقاء ثانٍ يتطور الأمر لحب ملموس!
غامت أعين “إيمون” وهو يتابع سطح الكهف البلوري، يتأمل بشرودٍ أسماك الميغالودون التي تمر بحريةٍ من فوقهما دون أن تراهما أو تلاحظ بوجودهما، كلمات “أركون” لم تنال أعجابه فنظرته تجاه هذا المرض المؤلم مختلفة، لذا قال بتريثٍ:
_نظريتك تجاه الحب بسيطة”أركون”. ليت الأمر يبدأ بالنظرات بل بالاعتياد!
ثم تنهد وهو يكمل:
_نظرة واحدة لا تكفي، الاعتياد على رؤيتها، رؤية ابتسمتها التي تخترق قلبك، سماع صوتها المحبب إليك، اعترافها الدائم أنك أمانها دون وعي منها..
هام “ديكسون” بمفهومٍ كلاً منهما عن الحب، رُسمت أمامه صورة تذكارية لها، عينيها الفيروزية التي تكن له عداء لا يعلم بدايته، خصلات شعرها الرمادية التي تمكن من كلمة مناسبةا بأصابعه، شجاعتها بمجابهته جعلته ضعيف لأول مرة، يعجز عن كلمة مناسبةها بعد أن تعاهد أكثر من مرة بأنه سيكلمة مناسبة بنفسه من زرع تلك الفتنة بين شعبه، وكأن “أركون” قرأ ما يدور بعقله، فقال:
_لا تقلق “ديكسون” أبذل قصارى جهدي لمعرفة من خلف هذا التمرد.
تدخل “إيمون” قائلاً:
_أشعر وكأن الملك “سامول” هو خلف ما يحدث، وربما الصداقة الغريبة بين “إيرلا” واحدة من مكائده.
قطع “أركون” شكوكه:
_لا أعتقد ذلك “سامول” ليس بتلك الدناءة.. حينما يهاجم عدو يحاربه بساحة المعركة.
استدار “ديكسون” تجاههم، ليخبرهم بهدوءٍ:
_أتعجب ما الذي فعلته لأكتسب هذة العداوة التي لا تنتهي!
رد “إيمون” عليه:
_ الجميع يطمعون بالسلطة والمكانة التي يتمتعون بها بعهد الملك الأكبر فتصبح مكانته بخطر إن تولى ابنه العرش عله يبدل عصبة حكامه.
ابتسم في سخطٍ:
_الملك لا علاقة تربطه بأحداً سوى العداء، ليتني كنت شخص عادي أحظى بحياة طبيعية كغيري.
ثم نهض ليترك المحيط بأكمله، مغادراً للمملكة مجدداً.
*******
ربما تستطيع أن تخدع من حولها بصلابتها المصطنعة؛ ولكن وحدتها تضعفها كثيراً، تشتاق إليها حتى وإن كانت تقسو عليها، تشتاق لعناقٍ طويل تشعر به بأمانٍ فقدته منذ سنوات البلوغ، تجعدت معالم وجه” إيرلا”حزناً كلما تذكرت كيف كانت علاقتها القوية بروكسانا، كانت تحبها كثيراً وتجعلها ركناً هام بمذكرات حياتها، لينتهي هذا الركن بذكرى هذا اليوم الصاكلمة مناسبة
##
كعادتها حينما تخرج كل صباح للتنزه برفقة “تارا” تذهب لجناح والدتها سريعاً لتخبرها عن مغامراتها التي لا تنتهي، كادت “إيرلا” بأن تدلف للداخل؛ ولكنها توقفت حينما استمعت بأذنيها “روكسانا” وهي تخبر “لوكاس”:
_” ديكسون” هو الأجدر بالحكم، لا أريد “إيرلا” أن تتدخل بمثل تلك الأمور، إجعلها بعيدة عن السلطة والعرش “لوكاس”.
تراجعت خطوتان للخلف وهي تحاول أن تستوعب ما استمعت اليه لتو، كيف تطلب من أبيها أن يجعلها بعيدة عن العرش والسلطة وهي الأحق كونها تشبهه كثيراً، حتى الشعب مازال لا يتقبل “ديكسون” كملك جدير بعرش السراج الأحمر كونه يشبه البشر كثيراً، فكانت هي الخيار الأمثل، ليست لأنها تشبههم ولكن لأن عصبية “ديكسون” وتهوره المعتاد جعله منبوذاً من الجميع لذا كانت هي الخيار الأمثل، عادت لجناحها منكسة الرأس تعيسة، فكأن الكلمات كالعدو القاسي تتردد بداخلها دون توقف، كبتت بداخلها ما استمعت إليه بتلك الليلة وليتها ما فعلت علها إن تحدثت معها كانت لتعلم المخبئ خلف تلك الكلمات المقتضبة..
*******
بمملكة “الشارق”.
امتلأت القاعة المخصصة للإجتماعات الطارقة بكبار مسؤول المملكة، ليكون على مقكلمة مناسبةتها” سامول”، انطلقت الهمسات الجانبية فيما بينهما، فثقب “أمادي” (قائد حرس “سامول”) عينيه بنظرةٍ تشي بالكثير من القلق وهو ينطق:
_زيارة “ديكسون” لهذا المكان المحظور، وكلمة مناسبةه للرجل جعل الشعب يتمرد كلمة مناسبةاً، علينا أن نستغل تلك النقطة لصالحنا فإن هاجمنا المملكة سيتقبل شعبها “سامول” العظيم ملكاً وسيعارض حكم “ديكسون”..
أجابه واحداً منهما قائلاً بتأييد:
_أرى أنه الوقت المناسب لمهاجمة المملكة.
قُطع الحديث فيما بينهما حينما نهض”سامول” بهيبته المخيفة، ليمر بين الصفوف المستديرة بين بركة من المياه بلونها الأبيض الساحر، ليردد بحزمٍ:
_أرى أن البعض تناسوا مكانتهم هنا.
كاد بأن يتحدث أحداهما ليبرر فعلته، فبترت الكلمات على لسانه حينما كلمة مناسبة “سامول” الأرض بقكلمة مناسبةيه، فقال:
_تلك المعركة تخصني وحدي، لا يهمني العرش بل الكلمة مناسبة هو هدفي..
وأستكمل بصوته الأجش:
_انصرفوا..
غادروا جميعاً بعد سماع أوامره الصريحة بالإنصراف، فبقى بالقاعة بمفرده يتأمل مقعد العرش بشرودٍ قاتل..
*******
بجناح “روكسانا”
زيارتها المعدودة لكوكبها بصحبة ابنها”ديكسون” منحتها الفرصة لشراء ما رغبت به من أقمشة نسجتها مع بتلات الزهور الرائعة، فصنعت أكتر من فستان ساحر، جعلها مميزة للغاية لتليق بمنصب كمنصبها، إختارت فستان أحمر اللون مصنوع من الأعلى بالستان الأحمر لينتهي بدنتيل مزين ببتلات الزهور الحمراء المتناثرة على أطرافها الطويلة، ثم أختارت لشعرها تاجاً أحمر اللون زادها جمالاً فوق جمالها، اقتربت لتقف على حافة الصخور الصلدة المتدلية من جناحها، تترقب لحظة صعوده للجناح بشوقٍ يجعل جسدها يرتجف بخفةٍ، داعبت الابتسامة شفتيها حينما شعرت بوجوده جوارها، فهمست بصوتها العذب:
_كنت أعلم بأنك ستستمع لقلبي الملتاع إليك..
إقترب ليحتضنها من الخلف، فدفن رأسه بين خصلات شعرها الطويل، يشم عبيره المميز ليردد جوار أذنها:
_ليتك تشعرين بما يحدث إليّ حينما أقترب منك.
وبأنفاسٍ حارقة لفحت بشرتها فأججت رغباتها بنجاحٍ:
_أشتاق لكِ في كل دقيقة تكونين بها بعيدة عني، أشعر بالغيرة من الهواء الذي يصل لرئتيك وأنا بعيداً عنك.
أغلقت عينيها بقوةٍ تأثراً بقربه الشديد منها، استدارت لتكون مقابل عينيه لتختطف ما بقي بداخله، طوفها بنظراته التي تعمقت بها، فرفع أصابع يدها ليطبع قبلات متفرقة على أطرافها:
_أجمل ملكة رأتها عيني، ملكتي البشرية.
أطبقت بأصابعها على يديه المحتضنة لها، وهي تردد ببسمةٍ مشرقة:
_أتعلم “لوكاس”.
_أخبريني يا ملكتي.
_كثيراً ما كنت أتساءل ماذا لو كنت صعدت على متن المركبة مع”كيفن”و”لينا”ذاك اليوم؟ كيف كنت سأعيش بدونك؟
كلمة مناسبةا لصدره بحنانٍ وهو يخبرها بمشاعرٍ صادقة:
_كانت أسوء لحظات إختبرتها “روكسانا”، كنت بين إختيارين كلاهما أصعب من الأخر، خشيت أن يكون حبي سبيل المعاناة لكِ بعالم غير عالمك، خشيت أن يحاوطك الملل بموطن لا تعرفين فيه أحداً غيري.
_وهل هذا لا يكفي؟ أنت موطني “لوكاس”..
قالتها وعينيها تتعمق بالتطلع لعينيه الساحرة، فحملها بين ذراعيه ليطوف بها عالياً، لتتخفى معه بمكانهما المفضل المنعزل عن الأعين، يقتبس هو من رحيق عشقها اللامنتهي ويريها كيف يمتلك عالمه الخاص، المباح لبشريته فقط.
********
بمملكة” الميغالودون”..
تمكن “أمادي” من التنكر جيداً ليصبح بمظهر مقارب لأهل “ميغالودون”، كان يخطو بينهما بحذرٍ شديد حتى وصل لداخل قصر الملك، سمح له الحرس بأن يمر وكأنه ضيف معتاد زيارته لتلك المملكة الشيطانية، أنحنى أحد الحرس الذي يتدلى من فكيه أنياب حادة كأنياب “وحش بلوخستان” ومن ثم زحزح ذاك المعدن القاسي بالإضافة إلى السليكا، تقكلمة مناسبة “أمادي” للداخل لينحني سريعاً قبل أن تطول عينيه من يجلس أمامه:
_فليحيا ملك “ميغالودون”..” بيلين” العظيم..
أشار الأخير بيديه قائلاً:
_ما الأمر الهام الذي جازفت لأجله بقدومك إلى هنا؟
استقام بوقفته ومن ثم رفع عينيه تجاه عرشه، ازدرد ريقه الجاف بصعوبةٍ وهو يراه متحولاً من أمامه فكان يشبه “الموروكلمة مناسبة” (يعد أغرب وحوش البرية غرابة في العصر الجليدي، ولم يستطع العلماء تفسير تكوينه بذلك الشكل الذي كان عليه، حيث انه يتبع أحد فصائل الخيل، والتأبير، والخراتيت، فقد كان يشبه تكوين رأسه نفس تكوين رأس الحصان، وظهره كان مقوس والأرداف منحدرة، والأرجل والأقدام تشبه مثيلاتها في الخرتيت)، تحول “بيلين” لشكلٍ مناسب لحداً ما، فكان جلده أسود كجلباب الليل المعتم، وعينيه يكسوها اللون النحاسي الباهت، شكله مخيف؛ ولكنه ليس كما كان من قبل، زلزل جسده كلمة مناسبةاً حينما صرخ به الأخير غاضباً:
_هل أتيت لتتأملني!
بلل شفتيه بلعابه وهو يحاول استجماع كلماته المتنفرة:
_مولاي الملك جئت لأخبرك بأني أبذل جهدي لإضرام النيران بين “سامول” و”لوكاس” وابنه.. ولكنه يرفض خوض الحرب الآن.
كلمة مناسبة بحافة يديه الممتلئة بالأظافر الحادة البلور المتكور من جواره:
_إفعل ما كلمة مناسبةعك لشن الحرب بينهما، لن يتمكن جيشي بالصمود أمام قوة “لوكاس” وابنه المعتوه الذي يمده بالقوة، أريد أن أستغل الحرب التي ستحدث بينهما لأحتل مملكة “السراج الأحمر”..
أجنى رأسه رعباً من أن يكون رأسه تمن هذا الكلمة مناسبة المخيف:
_لا عليك سيدي سأفعل ما أمرتني به..
ثم تراجع للخلف ومازال رأسه منحني حتى خرج من القاعة بأكملها، فهرول للخارج بخطواتٍ سريعة وكأنه ينجو من هلاك موته، ولكنه يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة ومهام أصعب وليس هناك مخرج لنجاته، عليه أن يؤدها على أكمل وجه والا سيكون الثمن رقبته!
******
البقاء بمفردك هو أمراً قاسي، ولكن ماذا لو لم يكن بالإختيار! العزلة أبشع ما بستحوذ على قلب المرء كالقبر المظلم الذي يبتلع جثمانه، وكيف له الا يشعر بذلك ومحبوبته قد غادرت تلك الحياة، أغلق الملك” شون” المجلدات من أمامه وهو يخطو أخر سطر به ليقص رحلته الطويلة بصحبة محبوبته “بُوران”، مازال يتذكر لمسة يدها الباردة على جلد يده، مازال يتذكر كلماتها الأخيرة قبل أن تغلق عينيها للأبد، احتضن المجلد وهو يتمنى بداخله أن يلحق بها سريعاً، فنيران الشوق تكاد تحرقه لتحوله لفتاتٍ، يعلم بأنه أصبح كَهْلُ على مشارف الموت وبعد خطوات من اللقاء بها، يود ذلك وبشدةٍ عله يتمكن من مسك يدها مجدداً!
شعر بحركةٍ من خلفه، عاونته للخروج من ذكرياته المؤلمة، فابتسم وهو يشير على المقعد المقابل له دون أن يستدير للخلف:
_اجلس” ديكسون”.
تشكلت بسمة صغيرة على جنبي شفتيه، فكلما حاول إخافته يشعر به، فجلس مقابله وهو يسأله بذهولٍ:
_أمازلت مستيقظ بعد!
غامت عينيه بجناحه المعتم، وكأنها سحبت الضوء برحيلها منذ سنوات، ليجيبه بفتورٍ:
_ليت العقل يغفل عن ذكراها فيتمكن النوم من الاستحوذ على جسد زهد الحياة..
رد عليه “ديكسون” بمشاكسةٍ:
_أراك تتوق للموت بدلاً من أن تضع خطة لقضاء ليالي وردية بصحبة أحدى الحوريات!
ضحك الملك حتى برزت أسنانه بوضوحٍ، فقال بصعوبةٍ بالحديث:
_القلب لا يهوى الا إمرأة واحدة “ديكسون”.
ثم إستكمل بجديةٍ تامة:
_منحتني الحياة فرصة لخوض قصة حب خالدة، حتى وإن كانت قاسية بنهاية الأمر ولكن يكفيني ذكرياتها لعيش ما تبقى بحياتي..
وتنهد بوجعٍ وهو يضيف:
_لا أستطيع أن أرى سواها،أشعر وكأنها المرأة الوحيدة بالكوكب بأكمله.
كان يستمع إليه بحرصٍ شديد، لا يعلم ما الذي أصابه منذ رؤياها، أصبح مولع للإستماع لقصص الحب، بعكلمة مناسبةا كان يعشق سماع كل ما هو متعلق بالصراعات والحروب، انتبه لصوته جيداً وهو يخبره بنظرةٍ شك:
_هل تمكنت أحداهن من غزو قلب حفيدي المشاكس؟
تغيرت معالمه، فحاول قدر الإمكان أن يكون بملامحٍ ثابتة:
_لا أعتقد ذلك..
قال وهو يضغط على كتفيه برفقٍ:
_سيحدث ذات يوم بني.
ثم أشار له بحزمٍ مصطنع:
_تأخر الوقت كثيراً، هيا إذهب للنوم..
نهض ليردد قبل أن ينصرف:
_حسناً، نوماً هنيئاً مولاي الملك..
أجابه بابتسامةٍ عذباء:
_نوماً هنيئاً”ديكسون”.
تخفى سريعاً ليظهر بجناحه، فتمدد على الفراش ومازالت كلمات الملك” شون” تدور بخلده حتى الصباح!
****_______****