
2225م..
الفصل الأول
(لقاء مؤجل!..)..
شحب ضوء الشمس عنكلمة مناسبةا حجبته غيوم السماء، فلفحت الرياح المهداج المباني المشيدة بقوةٍ، كأنها تعلن عن زخات المطر العاتية، مزق الرعد صفحات السماء بقسوةٍ صاحبه المطر كالشلالٍ، فغطى معظم باسادينا (كاليفورنيا)، أخترقت رائحة البرغر شوارعها كواجبات خفيفة استقبالاً للطقس البارد، يقال أنه طقس العشاق حيث التقارب لمنح الدفء، خفق المطر تباعاً حتى أصبح كقطرات الكلمة مناسبةع، فهدأت ثورة الرياح المتمردة، وكأن عدسة الكاميرا تلتقط مشاهد متفرقة من ولاية كاليفورنيا لتنتطلق لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «California Institute of Technology»، ركضت تلك الفتاة ذات الجدائل، القصيرة الصفراء، مسرعةٍ لتختبئ من المياه التي كادت بأن تغرق ما تحمله بين يدها من أوراقٍ وكتب هامة ، فوقفت تترقب خفوته حتى تتمكن من العودةٍ للمنزل، استدارت برأسها للخلف سريعاً حينما استمعت لصوت صديقتها يدنو منها:
_ للحظة ظننت أن السماء تسقط النيران حينما رأيتك تركضين هكذا!.
أجابتها “إريكا” وقد بدأت تستعيد رباطة جأشها:
_أخشى أن تبتل ملابس.
منحتها صديقتها نظرة تحمل الشك بطياتها، حينما رأتها تحاول تجفيف فستانها الوردي، فقالت بخبثٍ:
_على ما يبدو بأن اليوم هو أخر الأيام الدراسية، حسناً ستذهبين برحلة جديدة لخالتك أليس كذلك؟.
ابتسامة صغيرة تشكلت على وجهها الأبيض، لتداعب شفتيها الوردية بتناغمٍ، تلك الربكة التي تستحوذ على جسدها حينما تتذكر رحلتها المحببة بنهاية فترتها الدراسية، تطرق السعادة بابها، وتنتظر بفارغ الصبر حتى تراه، تنحنحت بثباتٍ حاولت قدر المستطاع التمسك بها لتشير لها دون اهتمام:
_أجل، تعلمين بشأن زيارتي لها بنهاية كل عام دراسي، فهي تترقب العطلة لرؤيتي كما أتوق أنا لرؤياها.
تنهدت بدلالٍ، وهي تستطرد بمكرٍ:
_وماذا عن ابن خالتك، هل سيحزن أيضاً إذا لم تسافري بنهاية كل عطلة!..
تجاهلت “إريكا” ما ترميه عليها رفيقتها من تصريح مبطن بعشقها الواضح بعينيها تجاه ابن خالتها، لترد عليها:
_لا أعلم؛ لا يعنيني أمره كثيراً.
نظرت لوجهها الذي تكسوه حمرة غريبة كلما تحدثت عنه، فدققت النظر لعينيها الهائمة قبل أن تضيف:
_ولكنه ليس كذلك، يهتم كل مرة بأن يأتي بنفسه ليكون رفيقاً لكِ برحلة السفر لكندا.
أخفت شبح البسمة الساخرة، فصديقتها كغيرها ممن يظنوا بأنها تسافر ل”كندا”حقاً، أبعدت عينيها الزرقاوتيين عنها وهي تتفحص السماء التي عادت الشمس لتبدد ظلمة غيومها من جديدٍ، فرفعت أصابع يدها بالهواء، فما أن تأكدت من توقف المطر، حتى لوحت بيدها مودعة رفيقتها وهي تهرول للطريق مرددة بسعادةٍ:
_لقد توقف المطر، أراكِ لاحقاً..
ثم عبرت للطريق الأخر، لتصعد على متن سيارة الأجرة، اسندت “إريكا” رأسها على نافذة السيارة التي تشمعها مياه المطر، شردت رغماً عنها به، قلبها يخفق بشراسةٍ حتى كاد بأن يمزق قفصها الصدري، ليغني طرباً برؤياه التي ستتحقق بعد عام كامل من الانتظارٍ والترقب، ارتفع صوتها قليلاً وهي تتحدث مع نفسها:
_كم اشتاقت لرؤياك!..
شعرت بسكون حركة السيارة، فنظرت حولها بتعجبٍ حينما وجدت ذاتها أمام البناية الخاصة بها، مدت يدها بجيب حقيبتها، لتلقط مبلغ من المال ثم قكلمة مناسبةتها للسائق، لتهبط على الفورٍ، رفعت رأسها عالياً وهي تراقب شرفة غرفتها بنظراتٍ مشتاقة، فأسرعت بخطواتها تجاه المصعد، فما أن توقف بطابقها الصحيح، حتى هرولت للباب، تطرق تارة وتدق الجَرَسَ مرة خلف الأخرى، وكأن هناك وحشاً مخيف يلاحقها، فُتح الباب لتستمع لصوت أبيها الغاضب:
_هل هاجم الزومبي العالم!..
ولجت للداخل ثم وضعت الكتب على أقرب طاولة، لتجيبه بابتسامةٍ مشرقة:
_ليس بعد..
ثم هرولت لغرفتها لتتفحص الشرفة بخيبةٍ أمل حينما لم تجده بانتظارها كعادته، ولج خلفها، فأستند بجسده على باب الغرفة، ليرفع حاجبيه بسخريةٍ:
_أتعبتي نفسك ركضاً ولم يصل بعد!.
جلست على المقعد القريب منها بحزنٍ سيطر على معالم وجهها بتمكنٍ، فأكمل تناول ثمرة التفاح الأحمر وهو يسترسل بمشاكسةٍ:
_لا عليكِ، ربما يأتي غداً..
دخلت “لينا” حاملة بعض الشطائر، لتضعه أمامها قائلة لزوجها بضيقٍ:
_ما بك “كيفن”، لماذا تضايق ابنتك!.
رفع كتفيه ببراءةٍ مصطنعة:
_ماذا فعلت؟، أضع أمامها خيار جديد حتى لا تبتئس..
حدجته بنظرةٍ غيظ، ثم انحنت بجسدها تجاه ابنتها، فمررت أصابعها على خصلات شعرها الصفراء، لتهمس لها ببسمةٍ هادئة:
_لا عليكِ حبيبتي، سيأتي بموعده كما يفعل كل مرة..
*********
هاجت السماء وماجت، وكأنها تواجه عاصفة فريدة من نوعها، رغم سكون الأجواء بعد الأمطار، كلمة مناسبةها الرعد والبرق معاً لتضيء بشكلٍ مخيف، إهتزت الأشجار والأعمدة بكلمة مناسبةٍ، وكأن هناك زلزال يكلمة مناسبة العالم بأكمله بقوةٍ تفوق الخامسة عشر ريختر، أُظلمت لتضيء من جديدٍ بعد أقل من الخمسة عشر ثانية، انخطف لون البشر كلمة مناسبةاً مما يحدث بالخارج، الا هي ركضت بسعادةٍ لشرفتها وعينيها تبحث عنه بعكلمة مناسبةا استمعت لاشارة قدومه، عبثت بملامحها مجدداً، قائلة بحزنٍ:
_أين أنت؟..
_خلفك .
استدارت بلهفةٍ، فوجدته يحلق من أمامها، فدنت منه”إريكا” بابتسامةٍ واسعة:
_لقد تأخرت كثيراً، فظننت بأنك لن تأتي!.
لامست قكلمة مناسبةيه أرضية شرفتها فأهتزت بقوةٍ، أصبح مقابلها وكلتا عينيه البنيتين مسلطة عليها، ليجيبها بصلابةٍ عهدت أن تكون رفيقته:
_هل حدث وخالفت بوعدي معكِ؟.
هزت رأسها بالنفي، فأشار لها ناطقاً:
_حسناً، لننطلق..
أسرعت لغرفتها، ثم جذبت حقيبتها الصغيرة لتعود إليه، أغلق “كيفن” باب الغرفة جيداً،ثم اقترب منهما ليشير بلائحة يديه لمن يقف أمامه بترحابٍ:
_فليحيا القائد “ديكسون” العظيم..
راق له تحيته، فأجابه بابتسامة صغيرة وهو يتأمله باهتمامٍ:
_مرحباً “كيفن”، أرى الشيب يغزو شعرك عاماً تلو الأخر.
ضحك بصوته كله، ثم قال:
_تلك السمات تنطبق على البشر، وبالطبع أنا منهم، لعلي لست محظوظ كوالدتك.
فتحت” لينا” الباب، ثم ولجت للداخل لتغلقه وهي تخبرهم بأنفاسها اللاهثة:
_لم يشعر أحداً بما حدث نظراً للطقس السييء..
سُلطت نظرات عينيه ذات اللون البني الداكن تجاهها، فمازال العهد بعكلمة مناسبة أخبار أحداً بمملكته محفوظ بينهما، أخرج “ديكسون” هدية والدته لرفيقتها، ثم قكلمة مناسبةها لها:
_أرسلتها لكِ مولاتي الملكة.
التقطتها منه “لينا” بفرحةٍ، ثم قالت:
_حبيبتي “روكسانا” لم تنساني أبداً..
فتح “ديكسون” ذراعيه ل”إريكا” التي تطالعه بهيامٍ، ليشير لها بالاقتراب:
_هيا، فالملكة تنتظر بالأعلى.
وزعت “إريكا” نظراتها بين والدتها وابيها، فأشار لها الأخر بأن لا تضيع الوقت، حتى “لينا” أخبرتها بابتسامةٍ عذباء:
_هيا “إريكا”، استمتعي بوقتك.
أمسكت بيديه، فقربها لصدره، ليلف يديه حول خصرها بقوةٍ، ليختفي من أمامهم بسرعة الرياح، تشبثت به بتمسكٍ وجسده يعلو ليخترق السماء، ليتخفوا سوياً خلف الغيمات، تلك اللحظة بالتحديد تمنحها فرصة عظيمة بتأمله عن قربٍ، وهي بداخل أحضانه، لقائها المتكرر به يزيد من العشق النابض بداخل قلبها البشري، نعم تعلم بأنه كائن مختلف عن كوكبها رغم تشابهه الكبير مع البشر، ف” ديكسون” ولد بشكلٍ بشري ولكن يمتلك قوة يخشاها الجميع، قوة تفوق أبيه أضعاف مضاعفة، أغلقت “إريكا” عينيها على كتفيه باستمتاعٍ للهواء الذي يلامس صدغها، شعره الطويل الذي يصل إلى ما بعد رقبته كان يلامس وجهها، لون بشرته بيضاء كبتلات الزهور البيضاء، ردائه الأسود الذي يرتديه فوق زيه الحربي يمنحه مظهر جذاباً، جسده ممتد بعضلاتٍ تنم عن قوة بنيته، يديه أفاقت من عالمها الوردي حينما لامست قكلمة مناسبةيها سطح كوكب “كيبلر”، ابتعد عنها” ديكسون” ليشير لها بعينيه تجاه القصر:
_مولاتي الملكة بانتظارك “إريكا”.
ثم تحرك بضعة خطوات بعيداً عنها، فأسرعت خلفه وهي تتساءل باستغرابٍ:
_مهلاً، ألن تدخل معي!..
استدار مقابلها ليرتفع بجسده عالياً، وهو يجيبها:
_سألحق بكِ لاحقاً، علي الذهاب لرؤية أبي..
أومأت برأسها بتفهمٍ فركضت باشتياقٍ للداخل، كانت تعرف الطريق جيداً لجناح” روكسانا”، فهذة لم تكن أول زيارتها للقصر الملكي والكوكب بأكمله، كادت بالوصول للأعلى فوقفت حينما استمعت لصوتٍ مألوف تشتاق لسماعه:
_”إريكا”، هل أراكِ حقاً أم أني أتوهم ذلك!..
استدارت للخلف بابتسامةٍ كبيرة، لتهبط الصخور المنحوتة على شكل درج عملاق، ولسانها يردد في سعادةٍ:
_”إيمون”!..
هرولت اليه، فتراجع للخلف وهو يشير لها بكلمة مناسبةٍ:
_تمهلي “إريكا”، ستسقطين أرضاً.
إلتوى كاحلها، فصرخت بألمٍ، كادت بأن تسقط على الصخر الأصفر القاسي، فأغلقت عينيها في فزعٍ، شعرت بجسدها يطفو، ففتحتهما على مهلٍ، لتجد رفيقها المقرب يرفعها عالياً باستخدام قوته، يتحكم بجسدها الهزيل مقارنة بأجسادهم بلائحة يديه البنية، أطبق أصابعه وهو يتحكم بجسدها، فتمكن من جذبها إليه، تمسك بها جيداً ليعاونها على الاسترخاء على المقاعد الحجرية المصفوفة بالأسفل، ثم إنحنى ليتفحص حجم إصابتها وهو يعاتبها بضيقٍ:
_أخبرتك مراراً أن تكوني حذرة بالتحرك بالمملكة، وكل مرة أجدك تتعرضين للسقوط وكأنها مرتك الأولى هنا!..
ابتسمت وهي تشير له بتباهي:
_وكيف سأسقط وأنا أعلم بأنك لجواري، ستساعدني كلما تعرضت للسوء.
ثم إقتربت برأسها منه، لتسترسل حديثها:
_واجب الصداقة يحتمك على حمايتي سيد”إيمون”..
منحها نظرة سريعة بعينيه المائلة للون الزمرد، فرفع يديه ثم مررها على قكلمة مناسبةيها لتتشكل هالة خضراء على مكان اصابتها، فتفتت الخلايا لتعود لأنسجتها سابقاً، والأخرى تراقبه بهدوءٍ حتى أنتهى فوقفت تحرك قكلمة مناسبةيها:
_كم مرة سأشكرك!..
نهض ليقف مقابلها، فبدى فرق الطول بينهما كبيراً، تركزت نظراته تجاهها فتعمق بصمته عله يتمكن من سد الشرخ الذي يحدث بداخله لمجرد رؤياها، عليه الثبات لتظل رابطة الصداقة التي جمعته بها وب”ديكسون” صلبة تحتمل هذا الوجع القابع بداخل صدره، قطعهم دخول التابع الذي انحنى ليقكلمة مناسبة التحية لسيده:
_فليحيا الأمير “إيمون” العظيم..
انتصب بوقفته المهيبة بصلابة، وهو يشير بأصابعه للتابع بالتحدث عما قطعه لأجله:
_وكلت لأخبرك بأن الملك “لوكاس” العظيم، إنتصر بمعركته على ملك الغورة فأصبحت مملكته تابعة لمملكة السراج الأحمر..
أمره بالإنصراف وهو يهمس بفخرٍ:
_وما المتوقع غير الانتصار بمعركةٍ يخوضها الملك بذاته!..
إنصرف التابع، فألتقط “إيمون” سيفه الموضوع أرضاً، ثم تطلع نحوها ليستطرد بابتسامةٍ هادئة:
_سأنضم لكِ لاحقاً “إريكا”، علي الذهاب لأنقل لأمي هذا الخبر السار..
رفعت رأسها كأداء تحية اليه وهي تخبره بترحابٍ:
_حسناً، أراك لاحقاً.
تخفى” إيمون” سريعاً، فبحث عنها حتى وجدها بمختبرها، المكان المفضل لها، فبعد الهدنة التي أختبرتها المملكة تجاه البشر بفضل “روكسانا”، كرست” ضي”حياتها لصنع العقاقير الطبية لمساعدة الجرحي والمصابين خاصة إن كانت المملكة تواجه حرباً كهذة، أنتهت أخيراً من صنع الدواء اللازم لشفاء جروح الخناجر والسيوف، فرفعت الوعاء مقابل عينيها، فقالت ببسمةٍ إعجاب:
_أعتقد بأنه تلك المرة فعال عن الذي يسبقه..
أحنى “إيمون” رأسه ليحياها بوقارٍ:
_الرحاب والمحبة لملكة السراج الأحمر، الأميرة”ضي”..
التفتت تجاه صوت ابنها ، قائلة بفرحةٍ:
_الرحاب على أمير “البتيراء”،” إيمون” المعظم..
ابتسم على تحيتها المبجلة اليه، ثم قال بحماسٍ:
_جئت لأخبرك أن أبي “لوثر”، والملك أنتصروا على ملك الغورة وحتما بطريق عودتهم للمملكة..
اتسعت ضحكتها فرحاً:
_كنت أعلم بأن الفوز سيكون من حلفنا.
أكد لها ذلك:
_وكيف لن يكون لنا و”ديكسون” يصاحب الملك بتلك المعركة، أتعلمي أمي لقد أخبرني قائد الحرس الملكي “أركون” بأن العدو يفكر مرتين قبل أن يخوض حرباً يترأسها “ديكسون” والملك..
ضمت حاجبيها ونظرت نحوه بعينيها البنية اللامعة، قائلة:
_الرابط الذي يجمع الملك بابنه “ديكسون”، يعجز العقل عن فهمه، فحينما كان طفل صغير كان يستمد الطاقة من أبيه وحينما اشتد عوده أصبح القوة الكامنة لابيه، ” لوكاس” يستمد قوته منه.
ذم فمه باستياءٍ:
_ورغم ما حققه من إنتصارات عريقة الا أن شعب المملكة مازال أغلبهم لا يتقبلوه لأنه يشبه البشر كثيراً، أخشى أن تشن حروب التمرد حينما يستلم عرش المملكة.
سكن الحزن معالم وجه “ضي”، فردت عليه:
_سيتقبلوه بنهاية الأمر، فلا يوجد من أحق بالعرش بعد” لوكاس” سواه.
أومأ برأسه بإقتناعٍ، ثم إنصرف سريعاً..
**********
بالأعلى، وبالأخص بجناح الملكة..
ولجت لجناحها وهي تبحث عنها باشتياقٍ، فما أن رأتها تجلس على الأريكة التي تكسوها زهرات الورد العتيقة لتزينها بحرافيةٍ حتى رفعت طرف فستانها الوردي لتنحني بمرحٍ: