
الفصل الأول (1)
رواية لم تكن خطـ,,ــيئتي.
دفعت كل منهن ثمنًا لذ،،نب لم ترتكبه ، كما دفعوا هم سنوات عمرهم يُصارعون الماضي بظلامه.. مروا بحياة بعضهم كالصدفة العابرة والصدفة لم تكن إلا بداية جديدة
بداية لطريق جديد والمحظوظ هو من تكون بدايته نحو النور .
……..
مشاعر باردة تغللت داخل روحها حتى أصبحت لا تعرف متى وأين فقدت مشاعرها نحوه
ذبلت روحها وانطفئت عيناها اللامعه وللسخرية انه يوماً أخبرها انها مميزة بهم وأنها بهما ملكت قلبه دون غيرها .
اشعار واشعار كان يُغنيها لها ولكن مع أول محطات الحياه.. انتهى كل شئ ولم يعد هناك لمعان او بريق يميزها .
ابتعد عنها بعدما انتهى من اشباع غريزته وهو يلهث ليسقط بعدها غارقً في سبات عميق..، تنظر إليه بأعين دامعه وجسدها يصرخ من الآلم ، فمنذ ان أصبحت باردة المشاعر رغما عنها بسبب قهرها من صمته الدائم امام والدته بات العنف والآلم في علاقتهما، ولم تعد الا واجباً عليها تقضيته لارضاءه
ببطئ تحركت من فوق الفراش تلتقط مئزرها تُلملمه فوق جسدها
انسابت المياه بغزاره فوق جسدها لتختلط دموع آلامها مع الماء الدافئ الذي يغمرها بالكامل وكأن بدفئه يغمر قلبها .
……………
وضعت أكواب الشاي فوق صينية الضيافة ترتبهم بفتور ثم حملتها مُتجها نحو الغرفه الجالسات بها ضيوف حماتها الأعزاء
رحبت بهم بأبتسامة صافيه لتتعلق انظارهم عليها بهمساتهم ونظراتهم المتفحصه
– اوعي تنسى ياام كريم سبوع مرات ابني
قالتها احداهن وهي تنهض من جلستها واتبعت حديثها بأبتسامه مصطنعه
– وانتي ياقدر ياحببتي لازم تيجي وعقبالك كده لما بطنك تشيل… ده العيال نعمه وفرحه للبيت
رمت السيده “مديحه” بجمر كلماتها الملتهبه لتتعلق عيني قدر بأعين حماتها المتجمده والتي سريعا دارتها عن أعين جيرانها ناهضه تتبع تلك الجاره التي ترى شماتتها في عينيها
– رايحه فين بس ياام عبدالله ده انتي حتى لسا مشربتيش الشاي والله كده ازعل منك… ده انا محدش يدخل بيتي الا وياخد ضيافته كامله
تمتمت بها السيده سميحه بلطافه مصطنعه ف فالنهاية لا يضعها تحت ألسنة الجيران والأقارب الا زوجه ابنها تلك الأرض البور كما تنعتها
انسحبت قدر بصمت كعادتها فجلسات الأقارب والجيران لا تنصب ف النهايه الا عليها وما عليها الا الصمت
نصف ساعه مرت قضتها في ترتيب أغراض المطبخ لتهب مفزوعه من صوت غلق باب المنزل بعد انصراف الجارات
– عجبك كده مشمته الناس فيا … كل واحده قاعده تتباهي قدامي بمرات ابنها اللي حـ,,ــامل واللي خلفت وانا قاعده مش عارفه ارد
– ياماما انا ذنبي ايه… ده امر الله
احتدت نظرات سميحه وهي تستمع لكلماتها
– وربنا قال مثنى وثلاث ورباع ياحببتي… مش هتقعدي ابني جانبك تظلميه… من بكره هدورله على عروسه
– قصدك ايه
حدقت بها سميحه بمقت تلوي شفتيها ممتعضة
– قصدي قولته .. وكفايه اوي على ابني لحد كده.. خمس سنين وهو عمال يصرف علاج ودكاتره واخرهم العمليه اللي طلعتيها في دماغه وقعدت جانبك اخدمك شهر.. كده عدانا اوي العيب
ارتجفت شفتي “قدر” وانسابت دموعها تنظر لظهر حماتها تكتم صوت شهقاتها ، خمس سنوات زواج ولم تهنئ فيهم سوى عام واحد وبعدها بدأت مُعاناتها مع الأطباء حالتها لم تكن الا مجرد وقتً وصبراً حتى تأتي مشيئه الله ولكن هذا لم يكن مُعترف به بعقل حماتها الي ان نقلت العدوه لزوجها فأصبح يراها هي المذنبه في حرمانه من أبوته
………..
التمعت عيناها بحب وهي تراه يتقدم منها بخطوات مُحترسه يلتفت حوله يميناً ويساراً
تنهد بأبتسامه محبه فأتسعت ابتسامتها له بشوق
– وحشتني اوي ياعمر
– لبنى مش قولنا بلاش نتقابل الفتره ديه
امتقع وجهها من عتابه
– هي ديه كلمه وحشتيني اللي كنت مستنياها منك
اردفت عبارتها وهي تلتقط حقيبتها من فوق الطاوله حتى تُغادر ليلتقط يدها سريعاً مُتمتماً بآسف عن حديثه
– يالبني انا خايف عليكي… اخوكي بدء يشك فينا
– انت مش خايف عليا يادكتور انت خايف على نفسك
قالتها دون حساب رغم علمها بصدق حديثه وبطش أخيها ، وعندما رأت تصلب ملامحه المرهقه تمتمت
– انا اسفه ياعمر… بس انا تعبت خلاص
تعب “كلمه” كانت بين قوسين كلمه لخصت حبهم.. حب وضع امامه قانون العائله وخاصة شقيقها ” عائله العزيزي لا تُزوج بناتها لأغراب ”
اطرق رأسه وهو يرى حسرتها وعجزها فهى لا تعرف كم الصراعات التي يُعانيها مع عاصم وكرهه له
– مبقتش عارف افكر يالبني.. اخوكي بقى بيهددني بشغلي
سقطت دموعها وهي تلتقط كلماته.. وكأنه يُخبرها ان حبها له لم يكن الا خرابً حط عليه وليته لم يحبها يوماً
تعلقت عيناها نحو دبلتها الذهبيه التي ترتديها كلما التقت به بعيداً عن الأعين وكأنها ميثاق حبهم
– لبنى
هتف بها وهو يراها تزيلها عن اصبعها وقبل ان تُخرجها من بنصرها تمتم دون ادراك
– لو بتحبيني نهرب يالبني… مبقاش قدامنا حل غير ده… اخوكي قفل كل الطرق لينا
والماضي كان عالق بين حبهم والسر كان في كتاب مغلق لم يأتي آوانه
………….
– يا أمي انتي بتقولي إيه ؟
اعتدلت سميحه في جلستها ترمقه بمقت
– بقول اللي سمعته ياابن بطني… كفايه لحد كده… ده حتى ربنا شرعلك الجواز نخالف امر الله يعني
– الدكاتره قالوا ان الحمل ممكن يحصل في اي وقت… يعني مجرد وقت مش اكتر
واردف وهو يمسح فوق وجهه المرهق
– وممكن نعمل العمليه تاني… قدر طيبه وبتحبني وبصراحه مقدرش استغني عنها
احتدت نظرات سميحه وهتفت ساخطه
– هتستني اكتر من كده ليه… مش كفايه خمس سنين من عمرك
واقتربت منه تبث سمومها المُقنعه
– منفسكش تبقى اب ياحبيبي
التمعت عيني كريم لتضغط على نقاط ضعفه كلما بدء يقنع نفسه بالصبر
– وكمان مش قدر ديه اللي اقنعتك بيها بالعافيه وصممت انك تخطبها… زمان كانت وحشه ودلوقتي احلوت
اغمض عيناه بقوه وهو يتذكر رفضها لزميلته بالعمل واصرارها على خطبته من اختارتها له… وهاهو يُحب اختيار والدته ولكن هي ترى اختياره الان خطأ يجب إصلاحه
– أنتي اللي جايه تقولي ده دلوقتي ياأمي
ربتت فوق كتفيه آسفه
– اللي حصل حصل ياحبيبي.. انا نفسي اشوف ولادك قبل ما اموت ياكريم
بكت وهي تعلم مدى تأثير بكائها عليه وبعد أن كان عائد من عمله لديه رغبه في ملاطفة زوجته واظاهر حبه لها واخبارها بتمسكه بها تلاشي كل شئ ليعود كما كان وانه من حقه ان يُنجب
ملامحه كانت تظهر صراعه بوضوح فربتت سميحه فوق يديه تقنعه بهدوء
– مطلقهاش.. بس اتجوز وجبلي حتت عيل وريح قلبي
اطرق رأسه وهو يُصارع أفكاره… اصوات كثيره كانت تقتحم عقله.. نصائح صديقه الرافض لتلك الفكره.. اصرار والدته
فكر في الجميع ونسي من كان منذ لحظات يخبر والدته عن طيبتها وحبه لها
وتلاشي كل شئ وهو يصعد نحو شقته بعدما ودع والدته واخبرها كالعاده انه سيُفكر
دلف لشقته ليشم رائحة الطعام الذكيه
– قدر… يا قدر
انتبهت على صوته فأسرعت تُجفف دموعها تخرج اليه بأبتسامه هادئه كعادتها
– حمدلله على السلامه ياكريم…الحمام متحضر ودقايق والغدا يكون جاهز
اماء لها برأسه دون كلمه ودون ان يُلاحظ ملامحها الشاحبه…كان عقله مُنشغلاً بحديث والدته المعتاد وبعد أن كان يتوق للقاء زوجته عاد البرود يحيط علاقتهما
تنهدت بوجع وهي تنظر لخطواته نحو غرفه نومهما..ثم عادت نحو المطبخ تُكمل تحضير الطعام
………..
– طول عمرك ياخوي مشرفنا… مبروك عليك منصب الحزب.. ولاد العزيزي ديما اسمهم فوق
ابتسم شهاب بأعتزاز من مدح شقيقه الاكبر الذي اتي من البلده علي الفور عند سماعه الخبر
تلقى حضنه بحبور وهو يُعاتبه
– تعبت نفسك ليه ياحج
لمعت اعين الحج محمود بفخر وعيناه تفحصه بمحبه
– فرحان بيك ياابن امي وابوي
– وابنك كمان ياحج مش تربيتك برضوه
كانت السعاده تملئ فؤاد الحج محمود وهو يرى أخيه الأصغر فخر عيلة العزيزي وفخرهم جميعاً
قاده شهاب نحو مقعده ليتوقف الحج محمود واضعاً يده أمامه مُعترضاً
– ده مكانك انت
– ومكاني هو مكانك ياحج
ومع اصرار شهاب كان يجلس الحج محمود خلف مكتبه وفخره يزداد بشقيقه وتربيته
– ابعتيلي البشمهندس أدهم يا أميره ..والقهوة بتاعتي وبتاعت الحج
تلقت سكرتيرته اوامره لتنصرف بعدها حتي تفعل ما أمرها به
دقائق وكان أدهم يدلف صائحاً دون تصديق
– الحج بجلاله قدره هنا.. يامرحب يامرحب
جمع عائلي كان لا يحصل الا في فترات متفرقه ولكن دوماً كان فخرهم أمتداد اسم العائله بعراقه وترابطهم مهما ابتعدوا
……….
مسحت على يده الموضوعه فوق الطاوله تسأله
– مالك ياكريم
رفع عيناه نحوها يشعر بالتشتت… يملك زوجه يحسده الجميع عليها ولكن سعادته معها لا تكتمل وضغط والدته كل يوم يزداد ويزداد التباعد بينهم
– تعبت ياقدر… تعبت حقيقي
تجمدت عيناها وقد سمعت ماخشت سماعه منذ دلوفه للمنزل بملامح مجهمه
– دكاتره وعمليات وأمل كل يوم بنصبر بي امي.. ومافيش حاجه بتحصل
ابتلعت لعابها وهي تطرق عيناها نحو طبقها
– انا ذنبي ايه…
وسقطت دموعها وهي تسأله عما اذنبت فعجز لسانه فماذا سيقول… ايعترض على مشيئه الله
– غيري الدكتوره شوفي حل , مش هفضل كل يوم بصبر امي… المرادي مصره علي العروسه
شحبت ملامح وجهها وهي تسمعه لا يمر اياماً على تحسن علاقتهما الا وينقلب كل شئ بعدها
– ده عاشر دكتور مغيرينه ياكريم
– يتغير لحد ما نلاقي نتيجه
هتف بها وهو يلتقط مفاتيح سيارته.. سيارته التي قضت أربع سنوات تدخر معه المال ليدفعوا اقساطها
اغمضت عيناها بقوه وصوت الباب يفزع جسدها ودموعها تنساب منكسرة الخاطر
وقفت والده كريم أمام باب شقتها بعدما سمعت غلق الباب وهبوط ولدها مُجهم الوجه
– مالك ياحبيب امك… هي نكدت عليك برضوه
أمسكت ذراعه ليدفع ذراعها عنه وهو لا يرى أمام عينيه الا الصراع الذي أصبح يعيشه
– سبيني في حالي ياأمي
وانصرف خارج المنزل وهو لا يعلم الي اي مكان سيذهب حتى يُريح رأسه
………..
ضحكاتهم كانت تعلو وسط جمع عائلي هادئ لا يتكرر الا كلما جمعتهم الفرص
– لبنى كبرت ياحج وبقت عروسه خلاص
هتف بها شهاب وهو يغمز لابنة شقيقه التي تعيش في منزله الي ان تنهي دراستها الجامعيه بكلية العلوم
لم تكن لبنى في مزاج يسمح لها بالمزاح ولكن جاهدت على رسم ابتسامه هادئه فوق شفتيها
لمعت أعين الحج محمود بسعاده منطفئة لتذكره وردة البيت الأخرى وقد أخذها الموت في عز شبابها
– متحرجش البت ياشهاب..شوف اتكسفت ازاي
وبعد أن كان الحديث يدور عن أحوال عاصم وادارته لاراضي العائله ومزارعها انقلب الحديث نحو لبنى ولم يكن شهاب غافل عن نظرات ابن شقيقه الآخر
” أدهم” وحبه الكبير ل لبنى التي لا تراه الا في مقام شقيقها عاصم
لم تشعر لبنى بحالها الا وهي تنسحب من فوق مقعدها متمتمه
– انا شبعت عن اذنكم
انصرفت بهدوء لتتعلق أعينهم بها.. وتلاقت نظرات شهاب بشقيقه الحج محمود وهو يخشى ان تكون لبنى مازالت تهوي ذلك الطبيب فالقصه قد مر عليها خمس سنوات ولم تكن لبنى الا فتاه مراهقه ظنوا ان هذا لم يكن الا افتناناً وانتهى كل شئ بعد أن رحل هذا الطبيب عن بلدتهم
……….
اطفئ كريم عقب سيجارته الثالثه لتمتد يده لجلب أخرى من علبة سجائره
– يعنى انت بشرب السجاير الكتير هتحل مشكلتك ياكريم
تأفف كريم يزفر دخان سيجارته
– سيبني في حالي والنبي يارائف
لطم رائف كفوفه ببعضهم يتسأل عن حال صديقه الذي في أتم نعمه من الله ولا ينقصه شئ
– وانت مال حالك ياكريم.. ما الحمدلله حالك تمام وعندك ست متتعوضش وشغل كويس
– اه ما انت عشان متجوزتش مش حاسس
– تاني موضوع الخلفه ياكريم
زفر كريم أنفاسه وهو يفرك جبينه من شده الصداع
– كل ما اشحن عزيمتي واقول هكمل الطريق للنهايه مع قدر.. امي تشتغل زن… ديه مقرره تخلي الجيران يشوفولي عروسه
احتدت نظرات رائف وهو يستمع لحديث صديقه
– وهي مراتك فيها عيب ياكريم… ما انت عارف انها مسأله وقت
– امي مش شايفه كده ياسيدي
ضجر رائف من سلبية صديقه
– هو كل حاجه امي ياكريم… حرام عليك بنت الناس
– هو انا ظلمتها يارائف.. ما انا صابر اه ومش مقصر معاها في حاجه
تنهد رائف بفتور وهو يُجاهد في تهذيب شخصيه صديقه
– وكلامك اللي زي السم
– غيري كان زمانه اتجوز
لم يتمالك رائف ضحكاته وهو ينظر لصديقه
– ده كلام خالتي سميحه ولا انا بيتهيألي
…………
– تاني ياعمر…انت عايز توصل لايه
اطرق عمر عيناه وهو يسمع توبيخ صديقه المقرب وزميله بالمشفى التي يعملان بها
– بحبها ياحاتم…بحبها يااخي
– بتحب ايه… بتحب اللي هتضيع مستقبلك
اغمض عيناه بقوه وقد اصبح لا يحتمل ذلك الحب المحكم عليه بالفشل منذ البدايه
– ياصاحبي انا خايف عليك… زمان أهلها طردوك من بلدهم.. عوايدهم كده مبيجوزوش بناتهم للغرب.. وانت حاولت على اد ما قدرت وعملت كل حاجه لكن مافيش فايده.. تضيع بقى نفسك ومستقبلك…طب فكر في أمك واختك
واردف وهو يزيد من تأنيبه رغم علمه ان صديقه يصبح اخر ويضـ,ـرب بكل قراراته التي يتخذها بعد نصح يدوم لأيام بعرض الحائط فور لقاءه بتلك المعشوقه التي لا يعرف ايكرهها ام يتعاطف معها
– انت عمرك ما كنت ضعيف ياعمر… ايه اللي جرالك
والضعف لم يكن الا امام الحب… حب فتاه ترتدي ثيابها المدرسيه تتباطئ أمام عينيه كلما مر بالطريق نحو المشفى التي يعمل بها
الصغيره القت لعنتها عليه قديماً والآن هو من عليه فك القيود.
تعلقت عينيها بباقة الازهار التي يضعها أمامها تعبيراً عن اسفه لما حدث ويحدث من والدته ، ابتسمت بسعاده وهي تلتقط الباقه تضمها اليها
– ديه عشاني انا
وارتمت بين ذراعيه تُخبره بسعادتها
– ربنا يخليك ليا ياكريم
ضحك وهو يضمها نحوه يتذكر اصرار رائف وضغطه عليه لمصالحتها
ابعدها عنه قليلا يتأمل ملامح وجهها الجميله… وفي لحظات معدوده كان يجذب يدها نحو غرفتهما
تسطحت فوق الفراش ليتسطح جانبها مائلاً عليها يُداعب عنقها بأنامله
– كريم انا سألت عمر اخويا عن دكتور جديد.. وهو…
وضع كفه فوق شفتيها قبل أن تُتابع حديثها
– بكره نشوف ده ياحببتي..
وما من ثواني كان يميل نحوها بمشاعر عاصفه وتلك المره لم تكن معه كما اعتاد عليها جسد بلا روح… أعطته دفئها وحبها ، باقه ازهار غيرت مشاعر كثيره داخلها… غيرت تفكير عقلها من سلبيه زوجها وتحطيم حماتها الدائم لها حتى فكره تزويج زوجها قد مُحت..
انتهت رحلة مشاعرهم الجميله ليجذبها اليه
– الواد رائف طلع بيفهم… ده انا اجبلك كل يوم ورد
تصلب جسدها وهي تستمع اليه ف كالعاده لا يُغير مزاجه نحوها الا رائف ولولا هذا الصديق لكانت حياتهم انتهت منذ زمن
………
استجمعت شجاعتها أخيراً وهي تقف أمام حجرة مكتب عمها.. فلا احد يستطيع ردع شقيقها الا هو
طرقات خافته طرقتها فوق الباب ليهتف سامحاً لها بالدلوف وفور ان رأها ابتسم
– تعالي يالبني
شعرت بالتوتر وهي تُطالع نظراته الحنونه نحوها وقبل ان تسأله عن امكانيه الحديث معه إذ لم يكن مشغولا
– كنت لسا هبعتلك..
وتسأل
– بس قوليلي الاول انتي كنتي عايزانى في ايه
ابتلعت لعابها وهي تنظر اليه لينهض من فوق مقعده متجهاً إليها
– تعالي ياحببتي اقعدي واحكيلي انتي عايزه ايه
– هو حضرتك كنت عايزني في حاجه مهمه
ضحك وهو يراها تقلب الأدوار فبعد ان كان هو من ينتظر حديثها أصبحت هي من تسأله
– يعنى افهم من كده انك عايزانى اتكلم الأول … ماشي ياستي
اماءت برأسها وهي تنتظر سماع ما سيسرده عليها… وكلمه وراء كلمه حتى انتهى الحديث وبهتت ملامحها
– ها يالبني.. اظن مافيش حجه خلاص جامعه وكلها شهرين وتخلصي… وادهم ابن عمك وعايزك من زمان وبيحبك وانتي عارفه انك ليه من ساعه ما اتولدتي
– لاء انا مش عايزه اتجوز… ارجوك ياعمي
تجمدت عيناه وهو يرمقها كيف هبت واقفه
– اوعي تكوني لسا بتحبي الدكتور اياه
ازدردت لعابها وعندما شعرت ان صمتها سيأكد له الأمر.. نفت برأسها سريعاً
– لا انا مافيش حد في حياتي … بس انا مش عايزه اتجوز دلوقتي عايزه اشوف مستقبلي.
جذبها لصدره بحنان يربت فوق ظهرها
– ياحببتي أدهم عمره ما هيقف قدام طريقك ومستقبلك بالعكس ديما هيكون معاكي … أدهم بيحبك يا لبني وبلاش تخسري حبه ليكي.
لم يدع لها قراراً الا الصمت فعمها كما شقيقها كما والدها كلهم لا يرون الا أدهم ولا رجلا غير أدهم
وضاع كل ما رتبت اليه لتنزوي في غرفتها باكية حظها
……….
تنهدت بأسي وهي تستمع عما يُخبرها به زوجها
– طب وسوسن أخبارها ايه دلوقتي
– تعبانه اوي ياقدر ادعيلها
تمتمت بدعاء صادق لشقيقه زوجها
– ان شاء الله ربنا هيعوض عليها وتقوم بالسلامة
– ان شاء الله.. اقفلي باب البيت عليكي كويس وبكره على بليل كده بأذن الله هكون راجع
انتهى الحديث بينهم لتغلق الهاتف بقلب حزين.. تتذكر كل مادار امس
حماتها كانت ترتدي ثيابها بأبهي حله وتضع الأساور الذهبيه فوق معصميها وتُلمع حذائها بسعاده
أمرت كريم ان يفعل بالمثل فهم ذاهبان لحفل زفاف… ساعدته في ارتداء ملابسه وعطرته وهي تتذمر لرفض حماتها في الذهاب معهم
الخطه كانت تسير مُحكمه لا هي تعلم ولا حتى زوجها بمخطط حماتها ولكن كل شئ انكشف عندما هبطوا من شقتهم متجهين لشقة حماتها ثم مجئ إحدى الجارات التي ستذهب معهم لخطبة عروس زوجها تستعجلهم.. تسمرت السيده سميحه واحتدت نظراتها نحو الجاره البلهاء فلم يكن هذا وفق خطتهم
المشهد مازال مطبوع أمام عينيها من صدمتها وصدمه زوجها ووقوف حماتها بينهم تُبرر غايتها ثم نحيبها…ولم يستمر الوقت الا لحظات ليأتيهم خبر موت جنين شقيقة زوجها بعد أن أتمت شهرها الثامن
اتجهت نحو غرفتها تجلس فوق فراشها تعود لقراءة وردها مستغفره
……………
عقد عمل وحياه كريمه بالخارج كان هذا ما يُخبره به صديقه عبر الهاتف لاقناعه..
تنهد عمر وهو يغلق الخط معه مُفكراً في والدته اولا وحبيبته التي كلما اقنع حاله بالتخلي عنها شعر انه يفقد جزءً من روحه
أربعة أشهر ولا بد أن يكون في لندن يستلم عقد عمله
اغلق عينيه بأرهاق يسترخي فوق مقعده وقبل ان يترك عقله يرتاح قليلاً وجد لبنى أمامه مُنهاره
نهض مفزوعاً مُقترباً منها يسألها
– لبنى.. مالك فيكي ايه
– هتجوز أدهم ياعمر
تجمدت ملامحه وهو يُطالعها
– اتصرف روحلهم واتقدملي ولا انت حبك ليا مجرد كلام
لو كان الحل هكذا لكان فعله منذ زمن ولكنهم قالوها له صراحة ابنتهم لن تتزوج الا من ابن عمومتها… وضع ذلك برأسه واقنع قلبه ان حبها فتره وسيزول حتى قبل عام كان يظن ذلك ولكن عندما رأها عاد قلبه يخفق بجنون وهي لم ترحمه.. أعطته كل سبل الحب من جديد وتاها مُجددا بكل مافيها ولا يعلم لما هي وحدها
– اروح لأهلك اللي طردوني من بلدكم يالبني….
– انت مبتحبنيش ياعمر… انا اللي دورت عليك وجتلك من تاني.. أما انت كملت حياتك عادي ونستني… ياريتني كنت نسيتك ومدورتش عليك
بكت وعاتبت وهو كرجل مُحب مُخلص لم يتسطع سماع المزيد
احتضنها بقوه يستمد منها طاقته
– حاضر يالبني ..حاضر
………
وقف مصدوماً وهو يُطالع الموظفه الجديده التي تم نقلها للبنك الذي يعمل به… شمس تلك الحبيبه التي احبها يوماً وباعدت بينهم الايام بل السنين وكل منهما مضى بطريقه
اقتربت منه وهي تسير بغنج اعاد الحنين لقلبه
– ازيك ياكريم
– شمس !
هتف اسمها ومازال غير مصدقاً ان العمل سيجمعهم ثانية
– أنتي الموظفه الجديده
اماءت برأسها وهي تنظر نحو يدها الممدوده اليه ثم نظراته العالقه بها… وعندما طال الأمر أعادت يدها لموضعها
– شكل وجودي معجبكش
لم ينفي ولم يؤكد عبارتها إنما ظلت نظراته عالقة بها لا يُصدق وجودها الان أمام عينيه
………..
استمعت لشقيقها وهو يفيض إليها بما يعتليه من هموم..وتنهد بتعاسه يسألها
– قوليلي اعمل ايه ياقدر
صمتت للحظات وهي لا تعرف اتشجعه ان يواصل ويُحارب من أجل حبه ام يتخلى عنها وينظر لمستقبله
– مش عارفه ياعمر.. حقيقي مش عارفه اساعدك ازاي.. بس مدام بتحبها اوي كده حاول تاني
– يعنى رأيك اروح لعمها اكلمه
ابتسمت داخلها عن عشق أخيها لتلك الفتاه التي لم ترى الا صورتها
– روح ياعمر
واردفت بتمنى
– كنت اتمنى اكون معاك وجانبك
ولكي تجعله يشعر بالسعاده والأمل
– بس ان شاء الله هكون جانبك يوم خطوبتك
ابتسم رغماً عنه فشقيقته دائما تريحه في الحديث وتعطيه املاً حتى لو كان كاذباً
…………
طالعت انعكاسه من المرآه وهي تُمشط خصلات شعرها..زفرت أنفاسها حانقه من ردوده المقتضبه وتركيزه نحو شاشة هاتفه
– كريم
انتفض مفزوعاً ولكن أدرك فداحة فعلته فعاد لرقدته مُتذمراً
– مالك ياقدر في ايه
اقتربت منه وهي تحل عقدة مئزرها الحريري
– مالي ياقدر… ده انا بقالي ساعه بكلمك وانت مش مركز معايا خالص
واردفت متسأله تجلس جانبه فوق الفراش
– مقولتليش ايه رأيك في قرار كريم
حمد ربه انه كان يُركز معها في بعض حديثها الذي القته علي مسمعه
– اخوكي ده بيحلم… انتي عارفه اسم عيله العزيزي ووضعهم في البلد
وحك رأسه وهو يتذكر بعض المعلومات عنهم
– ده مشاريعهم ماليه البلد.. افتكر ان واحد من العيله ديه كان مناسب وزير… تقوليلي اخوكي هيناسبهم ويوفقوا عليه
امتعضت ملامحها من حديثه المحبط
– اخويا ماشاء الله دكتور اد الدنيا هما يطولوا يناسبونا.
– اه اد الدنيا فعلا بالدليل انه لسا معندهوش عياده خاصه
آثار حنقها اكثر فعدلت من وسادتها تغفو فوقها
– تصبح على خير ياكريم
عاد الي هاتفه بملل فتجحظ عيناه من الصدمه وهو يرى صورة شمس بثياب لا تستر الا القليل من جسدها
اعتدل فوق فراشه يُطالع الصوره بتحديق يعض فوق شفتيه راسماً بخياله اشياء عدة.
الفصل الثاني (2)
رواية لم تكن خطيئتي.
تعجب من سماع اسمه عبر الهاتف ، الاسم مازال يتذكره وكيف يُنسي وهو من اعاده للعاصمه وأسرع في اقصاءه عن بلدتهم من محافظه سوهاج.. طبيب ذو سمعه طيبه ولكنه أخطأ حينا وضع عيناه على ابنتهم واغواها كما ظنوا
قطب عاصم حاجبيه وهو ينظر لملامح عمه
– دخلي الدكتور
امر سكرتيرته بأدخاله وعيناه نحو عاصم وقبل ان يهتف بشئ او يتسأل عاصم عن هوية الدالف إليهم جحظت عيناه وهو ينهض من فوق مقعده
– انت بتعمل ايه هنا
– عاصم خلينا نشوف الدكتور عايز ايه
احتدت ملامح عاصم وهو يُمعن النظر في عمر الذي جاهد على سيطره اعصابه حتي لا يخسر محبوبته
– انا عارف عايز ايه
– شهاب بيه انا جاي اتكلم مع حضرتك
تمتم عمر دافعاً ايد عاصم عنه
صاح عاصم به تحت نظرات شهاب
– طلبك مرفوض يادكتور
– واختي وانا هعرف اربيها كويس عشان مبتسمعش الكلام
– عاصم اسكت شويه وابعد ايدك عن الدكتور
لم يتحمل عمر الاهانه اكثر من ذلك ولكنه عاهد نفسه هنا سينتهي كل شئ اما إكمال حبهم او نهايته
– انا جاي اطلب ايد الانسه لبنى على سنه الله ورسوله
– اه ياكلب واتجرأت وقولتها… انت مش محوق فيك تهديد
وكانت ايد عاصم هي الأسبق دوماً… دفعه نحو الجدار الصلب
– عاصم قولت اسكت
ابتعد عاصم عنه يقبض على كفه بقوه يُطالع شهاب الواقف بينهم
– سيبني ياعاصم مع الدكتور
احتدت نظرات عاصم وهو ينظر نحو عمر بوعيد.. خاطبه شهاب برفق
– اتفضل يادكتور
كان دوماً يُقدر ذلك الرجل ورغم جحود تلك العائله ولكنه يعلم أن تفكيره ليس مثلهم
انصرف عاصم حانقاً عندما أشار اليه شهاب بالخروج… تعلقت عيني شهاب بعمر الواقف يتحسس أنفه ليقترب منه رابتاً فوق كتفيه
– متزعلش يادكتور انت عارف عاصم طول عمره ايده سابقه تفكيره
اماء عمر رأسه بتفهم فهو اليوم لم يأتي لصنع مشاحانات بينه وبين عاصم إنما اتي لاقناعهم
– بكرر طلبي تاني ياشهاب بيه… انا طالب ايد الانسه لبنى..زمان احترمت رغبتكم فأني انساها وقولت بلاش اضيع مستقبلها.. لكن لبنى دلوقتي كبرت وبقي ليها حق تختار
طالعه شهاب بصمت وعاد نحو مقعده يجلس عليه بهدوء
– اظن انك سمعت رأي اخوها
– ورأيك انت ياشهاب بيه
التقط شهاب قلمه من فوق الأوراق الموضوعه فوق مكتبه
– لبنى مخطوبه لابن عمها…المقابله انتهت يادكتور
**********
تعلقت عيناها بالهاتف وكل جسدها يرتجف ونحيبها اخذ يعلو شيئاً فشئ.. عائلتها وقفت أمام حبهم وهو قد ضجر من حبها كما قال لها منذ دقائق.. صدى كلماته مازالت تتردد بأذنيها
” انتهت كل حاجه بينا يالبني… اهلك حطوا نهايه حبنا.. انسى عمر لان خلاص مبقاش موجود… انا عملت كل حاجه عشان حبنا اما انتي معملتيش اي حاجه… انا اتهانت كرامتي من أهلك واداست”
صرخت بقهر وهي تقذف بهاتفها بعيداً.. ليشحب وجهها وهي ترى أخيها يفتح باب غرفتها في منزل عمها وشهاب خلفه يلهث
– بتتحديني يالبني
وفي لحظات كان يجذبها من خصلات شعرها يدفعها للأمام وشهاب يقف كالحائل بينهم يبعدها عنه
– قولت هتبقى عاقله وتسمعي الكلام… لكن الهانم من ساعه ماجات القاهره مدورها ولا عامله حساب لحد
جمله واحده كانت تصف عاصم ” قلبه ليس إلا حجراً ” اليوم تأكدت ان السواد ملئ قلب شقيقها بعد موت خديجه زوجته وابنة عمهما
– عاصم سيب اختك خلاص… انت مش شايف منظرها
هتف بها شهاب بحده وهو يُخلص لبنى من ايديه
– ذنبي ايه تحرموني من الإنسان اللي حبيته وهفضل طول عمري احبه
لم يتحمل عاصم سماع المزيد من شقيقته فلو كان رجلاً غير عمر كان رضخ وانتهي الأمر بل سيكون اكثر من سعيداً وهو يراها عروساً تُزف مع من اختاره قلبها ولكن ذلك الطبيب لا والف لا
– ده انتي قللت الربايه وليكي عين تتكلمي
واردف وهو ينقض عليها يجذبها نحوه
– اعملي حسابك خطوبتك على أدهم الاسبوع الجاي… واللي عندي قولته يالبني وحبيب القلب ده لو مبعدتيش عنه هقتـ,ــ,ـله يالبني هقتـ,ــ,ـله
– عاصم قولت كفايه كده خلاص اسكت
صرخ به شهاب يدفعه بعيداً وعاد يضمها اليه من جديد
– أدهم بيحبك يالبني.. ادي لنفسك وليه فرصه
**********
التف حوله وهو يسير بخطوات متوتره خلفها خوفاً ان يراه احد زملائهم بالعمل.. جذب ذراعها يدفعها نحو الممر الخالي ضارباً قبضه يده فوق الحائط
– بتحولي تعصبيني مش كده ياشمس
– انا ياكريم
هتفت ببراءه تجيدها فالتمعت عيناه غضباً وهو يتذكر نظرات احد زملائهم
– مش قولتلك بلاش كلام مع طارق… انتي مش شايفه بيبصلك ازاي
– مالك ياكريم في ايه… انا حره اتكلم مع أي حد.. احنا كل اللي بينا صداقه وزملاء عمل مش اكتر
واردفت تلعب دورها بأتقان
– مش انت اللي قولت كده
رمقها بنظرات مضطربه فمنذ ان عادت لحياته وكل شئ انقلب معه وهي لا ترحمه إنما تزيد قلبه رغبة ولوعاً
– متغيريش الكلام ياشمس.. كلامك مع طارق في حدود الشغل مش اكتر ولبس ضيق تاني لاء
ضحكت وهي تدفعه بعيداً عنها
– قولتلك انا حره ياكريم
قبض علي كفه بقوه حانقاً من برودها معه منذ أن أخبرها انه يُحب زوجته وان ما بينهم انتهى ولن تجمعهم الا صداقتهم القديمه والعمل
– شمس متعنديش معايا
– انا مبعندش ياكريم… هقولهالك تاني انت اختارت نكون اصدقاء وبس…
لم يُعجبه ما يسمعه منها… فجذبها نحوه ودون كلمة أخرى كانت شفتيه تضع اول خطوط البدايه…
ابتعد عنها يلهث أنفاسه ينظر اليها فلم تمهله لحظه يستعب ما فعله لتبادله قبلته.
***********
شهراً مر ومازالت السيده سميحه لدي ابنتها في مدينة الشرقيه تخدمها وكل شئ أصبح يمر بحياة قدر بهدوء الا حزنها على شقيقها وسفره الذي سيتم بعد أشهر قليله وتركه لوالدتهم وهي هنا في محافظه أخرى بعيده عن والدتها
نظرت إليها جارتها التي تُماثلها بالعمر وكانت نعمه الصديقه والشقيقه
– شوفتي الدكتور قالك ايه ياقدر… قالك اهم حاجه النفسيه
طالعتها قدر بوجه مبتسم ومازال حديث الطبيب عالق بأذنيها
” تلتزم العلاج والراحه النفسيه واقل من عام ان شاء الله ستحمل طفلاً ”
السعاده كانت تغمرها وهي تتمتم داعيه الله
– يارب يايسرا
*********
التقط كريم منها المنشفه يمسح يديه بعد أن انتهى من تصليح ذلك الصنبور
– معلش ياكريم معنديش حد اطلب منه مساعدته غيرك… اخواتي وقطعوني من ساعه ما صممت وأطلقت وبابا من ساعه ما اتجوز بعد ماما الله يرحمها ونسي ان عنده بنت
– انا موجود ياشمس لو احتاجتي اي حاجه اطلبيني من غير ما تترددي مفهوم
هتف بها بمروءة هيئها له الشيطان بجداره ونسي انها امرأه تعيش بمفردها… كل شئ كان يسير بهدوء في علاقتهما والمباحات بينهم يضعوها لانفسهم تحت مسمى الصداقه ، وحينا تدفعهم شهوتهم لفعل شئ يضعوه تحت مبرر انه خطأ يجب تفاديه والخطأ يقع ثانية ساهين عنه والمبرر كالعاده لا يتغير
– اقعد ارتاح لحد ما اعملك فنجان قهوه
نظر لساعته يُدلك عنقه مُتنهداً
– لا لازم اروح عشان قدر
– اشرب بس قهوتك… دقيقه واحده بس
اتجهت نحو المطبخ دون أن تترك له ثانيه واحده للاعتراض مجدداً…
زفر أنفاسه وهو ينظر لهاتفه يضغط على رقم قدر منتظراً ردها وقبل ان يسألها عما أخبرها به الطبيب… كانت تخبره بكل شئ بسعاده
– طب الحمدلله ياحببتي… اتصلي ب ماما بقى وفرحيها
انتهت المكالمه لتتعلق عيناه بشمس التي أقتربت منه بالقهوة تسأله
– كنت بتكلم قدر
التقط منها فنجان القهوه مُرتبكاً يُحرك رأسه مُجيباً عليها
– الدكتور المرادي طمنا ان خلال السنه ديه قدر ممكن تحمل
انقلبت ملامح شمس ولكن سريعا أدركت خطأها
– ان شاء الله ربنا يرزقكم
– أنتي مخلفتيش ليه من جوزك
تنهدت شمس وهي تتذكر عدم رغبه زوجها للانجاب والمره التي حملت بها انهال عليها ضـ,ـرباً حتى نزفـ,ـت وـ,ـمات جنينها ذو الاربعة أشهر
– هو مكنش عايز…
واردفت تنفض رأسها عن تلك الذكريات المريرة
– القهوه عجبتك
تلذذ كريم من آخر رشفه بقهوته وأدرك عدم رغبتها في الخوض عن حياتها السابقه
– تسلم ايدك
وضع الفنجان وكاد ان ينهض فأسرعت نحوه ، مُقتربه منه تعدل له من هندام قميصه… وتعمدت ان تجعل أنفاسها قريبه من عنقه…
كانت تجيد تلك الاشياء فزوجها المحب علمها كل شئ ولم يبخل عنها من مواقع اباحيه ولا من علاقات ساديه ولا من رؤيه النساء اللاتي يقيم معهن علاقه تحت انظارها
كل ذكرياتها معه كانت تثير غثيانها ولكن الآن هي أمام هدف اخر يجب أن تفوز به
– تمام كده
ابتعدت عنه بعدما هندمت له قميصه لتنظر اليه وهو يبتلع لعابه بصعوبه من شده اثارته
التمعت عيناها وهي ترى مدى تأثيرها عليه ومدت يدها نحو لحيته تداعبه بأبتسامه مغوية
– الدقن فيك جميله اوي ياكريم
زفر أنفاسه دفعة واحده فلم يعد لديه طاقه لتحمل المزيد ولكن شيطانه جعله يتراجع يُزين له كل شئ بمتعه خالصه… شفتيها اثارته بطلائها ورائحتها أصبحت تطبق فوق أنفاسه تُثير غرائزه ويدها الناعمه وابتسامتها زادت كل شئ سوءً
– شمس انتي بتعملي فيا ايه… انا راجل متجوز
انقلبت ملامحها وهي من ظنت انها اوصلته للحد الذي لن يتراجع فيه… ابتعدت عنه تنظر اليه حانقة
– شكرا ياكريم على خدماتك… والمره الجايه هبقي افكر مليون مره قبل ما اطلب خدمه من راجل متجوز
– أنتي بتقولي ايه… طب اعمليها كده
كانت خبيره بطباعه المُتقلبه.. ابتسمت وهي تعطيه ظهرها اجابه عن سؤاله
– اتفضل ياكريم مينفعش تفضل عندي اكتر من كده… روح لمراتك اللي مستنياك
أثارت حنقه ببراعه ليدفعها فوق الاريكه يعتليها وقد كانت كريمه في إعطاءه كل ما أراد ولم تُبخل
*********
جلس بسيارته يلتقط أنفاسه المسلوبه لا يُصدق ما كان سيفعله
لولا رنين هاتفه بالنغمه التي خصصها لقدر لأصبح الان في حضن شمس
حرك رأسه ينظر يميناً ويساراً يفحص عنقه في مرآه سيارته ليلتقط منديلاً يمسح احمر الشفاه المطبوع
تنهد براحه وهو يخفى جريمة خيانته مبرراً لحاله انه لم يخن قدر وانما كانت مجرد قبلات ولمسات لا أكثر وان الخيانه تنصب فقط نحو علاقه كامله
هكذا اقنع نفسه وهو يدلف من باب الشقه لتسرع قدر نحوه تضم نفسها اليه
– اتأخرت عليا ياكريم… كل ده بتزور صاحبك في المستشفى
ربت فوق خدها يتحاشا النظر إليها
– معلش ياقدر قبلت ناس صحابي فالقعده طولت
كانت غائبه بعقلها في تلك الرائحه التي تشمها فوق قميصه
– كريم ايه الريحه اللي علي هدومك ديه
ارتبك وهو يسحب لياقه قميصه يشتم رائحه شمس
– مش شامم حاجه ياقدر
واردف وهو يصطنع كذبه
– اه الريحه ، فريد صاحبي ياستي طلب مني اروح معاه اشتري ليه ازازه ريحه لخطبته من عند محل رائف… تعالي بقى احكيلي عملتي ايه عند الدكتور
واستطاع جذبها بحديثه وهي تقص له عن كل شئ وعن اتصالها بوالدته التي لأول مره تُعاملها بحسنه متمنيه ان يصدق ذلك الطبيب وترى أحفادها
***********
هوي شهاب بجسده فوق الفراش بعد رحله عمل لأسبوع قضاها ب روما وقعت عيناه على إطار الصوره التي تجمعه بصغيره ذو الخمسة أعوام ليتنهد بحزن وهو يتذكر اخر لحظه حمله فيها بين ذراعيه يُخبره انه أصبح رجلا.. انحدرت دمعه من عينيه مسحها سريعاً
– ملحقتش افرح بيك.. اسف ياحبيبي
شعر بالاختناق من تدفق الذكريات لينهض مسرعاً نحو المرحاض يستجدي من رطوبه المياه ان تطفي نيران قلبه المُشتعله
*********************************************
عيناها كانت عالقه بدبلة خطبتها وتنهيده بائسه تخرج من بين شفتيها وآه محبوسه تود ان تصرخ بها ولكن ما باليد حيله هي وافقت وانتهى الأمر
فاقت من شرودها على رنين هاتفها تنظر لرقم المتصل ولم يكن الا أدهم ابن عمها وخطيبها وقريبا زوجها
الحسره ملئت فؤادها بعدما انطفئ الهاتف فهى لا تظلم نفسها وحدها إنما تظلم طرفاً اخر معها
وعاد رنين الهاتف ثانيه لتلتقطه
– ايوه ياادهم
– مبترديش ليه يالبني
والحجة كانت موجوده على طرفي شفتيها كالمعتاد
– كنت بره الاوضه
– اه تمام…مستعده للامتحانات
زفرت أنفاسها تغمض عينيها
– يعنى
– ربنا معاكي ياحببتي انتي قدها
كلماته كانت تحرقها أدهم يُعاملها بكل حب ورقي وهي لاتُريد كل هذا إلا من آخر لا تستطيع لومه فقد فعل كل شئ مع أهلها وهم وحدهم من حكموا عليها بالتعاسه
اخذ أدهم يُخبرها عن حياته التي قضاها بأمريكا ودراسته هناك وحزنه علي شقيقته فمازال لا يصدق انها رحلت وتركتهم ..فلا حديث يستطيع الكلام به الا هذا ف لبنى خجوله ولا تحب الكلام عن المشاعر وكان هذا ما يظنه.
*************
تحرك من جانبها بهدوء يُطالع ملامحها المستكينه وبخطوات هادئه خرج من الغرفه مُتجها الي غرفه أخرى
ضغط على زر الاتصال بأنفاس مُتهدجه يمسح فوق عنقه مُنتطراً ردها
– الفستان اللي بعتيلي صورته ميتلبسش ياشمس.. مفهوم
اتسعت ابتسامتها بأنتصار فخطتها تسير نحو المطلوب
– على فكره انا كنت باخد رأيك بس في شكله..وهو عجبني وهلبسه
صرخ بصوت مُحتد ولكن أدرك فداحة خطئه يلتفت حوله بخوف من استيقاظ قدر
– شمس هي كلمه.. الفستان ده ميتلبسش
تمتمت بنبره ناعمه بعدما وصلت لمبتغاها
– اوك ياكريم هسمع كلمتك عشان تعرف اد ايه انت غالي عليا.. رغم اني لسا زعلانه منك
تسارعت ضـ,ـربات قلبه وهو يتذكر تلك الليله بأحداثها وانتهت في صبيحة اليوم التالي بأشعاره لها بالذنب وانه خان زوجته
– تصبحي على خير ياشمس
أغلق الهاتف لتنظر الي هاتفها بتصميم
– بكره هتكون في حضني وعلى سريري ياكريم
***********
رمقها وهي تقف أمام المرآه تنظر لملامحها الهادئه الجميله
– حلو الفستان ياكريم
ابتسم لها يفحصها بعينيه
– أنتي اللي بتحلي اللبس ياقدر
اتسعت ابتسامة قدر تستمع لاطراءه المحبب لقلبها… كريم أصبح حنون معها تلك الفتره بشده.. ظنت ان وصايا الطبيب هي السبب في المقام الأول لم تشعر بالحزن فهى كأي زوجه بسيطه عاديه لا تطلب الا حياه هادئه
تعلقت بذراعه بعدها لتذهب معه لحفل خطوبه احد أصدقاءه
ركبت السياره جواره الي ان وصلوا للمكان المنشود وكان اول ما وقعت عليه عين كريم هي شمس التي ترجلت من سيارة طارق زميلهم والابتسامه تشق شفتي كلاهما
غضب ساحق كان يُرسم فوق ملامحه ولم يُخفي عن أعين شمس فهذا ما ارادته أبتسمت بنصر ولكن ابتسامتها تلاشت سريعاً عندما رأت قدر تمسك يده فيبتسم اليها وقد تجاوز حنقه
سارت بجوار طارق بحنق ولكن داخلها كانت مُصره ان تنتصر في معركه لا شرف فيها فهى ليست الا سارقه تبني سعادتها على حياة أخرى
كانت الموسيقى تتعالا حولهم وقدر تمسك يد كريم الموضوعه علي الطاوله مبتسمه… اصرفت ذهن كريم عن شمس ولكن مجرد ان سارت أمامه تتباطئ بغنج بفستانها الملاصق لجسدها واعين الرجال تلتهمها
– مين ديه ياكريم
تعلقت أعين قدر بها تسأله عنها وقد لفتت نظرها… تنحنح كريم بخفوت كي تخرج نبرة صوته طبيعيه
– ديه زميله معانا في البنك
– اشمعنا ديه اللي سألتي عنها
طالعتها قدر ثانية
– لانها الوحيده عماله تلفت الانظار حواليها…
وأردفت بسعاده تتذكر ما اخبرها به
– سيبك من سؤالي ده كان مجرد فضول.. هنتعشا بره زي موعدتني
كان بالفعل ينوي تنفيذ وعده ولكن عيناه تعلقت بضحكات شمس ليعتصر قبضته
– معلش ياقدر عندي مشوار مع رائف
ونظر الي ساعه يده وقد اشاح عيناه بعيداً عن ملامح قدر التي تبدلت للحزن فقد علقت امالاً كثيره بتلك العزيمه فهى لا تخرج الا قليلا واغلب ذهابها اما للسوق او الأطباء سواء لها او لرفقة والدته
– انا بقول كفايه كده ويلا بينا
حاول تجاوز شعور الذنب الذي اقتحم فؤاده ولكن وجود شمس وحركاتها كانت المسيطره عليه
ذهبوا نحو سيارتهم ليخرج هاتفه باعثاً رساله لشمس بأن تذهب لشقتها وتنتظره
***********
تنهد شهاب وهو ينظر لابن شقيقه وأغلق الملف الذي أمامه لتتعلق أعين أدهم به
– احنا لسا مخلصناش مراجعه الملف
– مالك ياادهم مش حاسس انك مبسوط من ساعه خطوبتك انت ولبنى
واقترب منه يجلس فوق المقعد المقابل له
– انا صحيح عمك بس في الأول احنا صحاب
ابتسم أدهم على كلمه ” عم” فشهاب مازال لم يتجاوز التاسع والثلاثون من عمره
– بلاش عم ديه… انت اللي يشوفك يقول عليك أصغر مننا
ضحك كلاهما وقد ظن أدهم ان شهاب سينسي اجابه سؤاله
– متحاولش تهرب من كلامي
– لبنى في حد كان في حياتها ياشهاب… لبنى مبتحبنيش
كان يعلم أن ابن شقيقه سيكتشف الأمر بشعوره
– مش ديه لبنى اللي كانت متعلقه بيا قبل ما سافر أمريكا
اسئله كثيره كان يطرحها أدهم مع صراعه الداخلي ولكن لا اجابه كان يتلقاها
– اتكلمت انت ولبني
تعلقت عيني أدهم نحو الباب المغلق عليهم
– مستني تخلص امتحاناتها وقبل ما ترجع البلد هتكلم معاها يمكن نلاقي حل
– عين العقل.. لبنى فضلها اسبوع وتخلص امتحاناتها ساعتها اقعدوا مع بعض وتكلموا…انا اكتر حد نفسي تتجوزه ياادهم انتوا الاتنين الأقرب لقلبي
اقترب منه أدهم يحتضنه
– وانت احن عم…
ثم نطق اسمها مجرداً كالمعتاد
– ياشهاب
لتعود ضحكاتهم ثانيه وعادوا لعملهم وقلب أدهم مشغولاً بتلك التي في الأعلى تُذاكر دروسها
**********
ازاحت كتابها جانباً تلتقط هاتفها تُسجل دخولها لحسابها الجديد الذي انشأته حتى تتابع اخباره… تعلم انها ليست فكره جيده وانما تسمى خيانه ولكن الشوق كان هو من يقودها… عمر نفذ ما أخبرها به وحذف اي رابط بينهم وابتعد بشرف ولكن هي لا تستطيع
فتحت صفحته التي لا يخفى فيها منشوراته انما يستطيع دون الأصدقاء الاطلاع على اخر اخباره… لم يكن ينشر شيئاً ولكن اصدقاءه كانوا يُشيرون اليه بالمنشورات وخاصه الصور التي يتم التقاطها لهم بالمشفى او مؤتمر طبي
وقعت عيناها على اخر صوره وهي نفسها التي رأتها امس وقبل امس ولكن كلما نظرت اليه تنهدت بحزن.. فقد استطالت لحيته وملئ الحزن ملامحه كما ملئ قلبه
سقطت دموعها وهي تعترف لحالها
– محبتش غيرك ولا هحب ياعمر
*********
انتظر قدومها داخل سيارته…علي بعداً مناسب من البنايه التي تقطن بها.. ترجلت من سياره طارق تشيح له بيدها وتبتسم وسارت نحو البنايه لينظر لها حارس ممتعضاً مُخاطباً حاله
– مالناش دعوه ياحسنين
لم يتمهل كريم كثيراً وصعد البنايه خلفها ومن حظه كان حسنين قد انصرف نحو غرفته الجانبيه لجلب كوب الشاي من زوجته
دقائق وكان جرس الباب يدق لتبتسم لنفسها في المرآه تُلقى قبلة لحالها في الهواء وتلتقط مئزرها تضعه فوق جسدها
فتحت باب الشقه فيدلف كريم بوجه جامد غالقاً الباب خلفه يلتقط أنفاسه
– كريم انا جايه تعبانه نأجل كلامنا بعدين وانت روح لمراتك زمانها مستنياك ياكيمو
أرادت استفزازه بحديثها وقد أصابت هدفها
– مش قولتلك ابعدي عن طارق
صدحت ضحكاتها تصفق يديها ببعضهم
– كريم انت جايلي البيت عشان تحاسبني.. كريم روح لمراتك
– ماشي ياشمس هروح لمراتي
تجمدت ملامح وجهها وهي تسمعه غير مصدقه ان خطتها ضاعت هباءً
– طارق طلب يتجوزني
وقف مكانه يُحدق بظهرها.. ف للحظه كان سيخرج بعد استفزازها له
– أنتي بتقولي ايه.. طارق ده بيضحك عليكي… انا اكتر واحد عارفه
– مش مهم.. ما زمان واحد ضحك عليا واول ما امه جبتله العروسه اللي على مزاجها باعني
والتفت نحوه ترمقه بمقت وقد ارتخي مئزرها من فوق جسدها
– شرفت ياكريم
صراعاً قوياً كان يقتحمه.. العقل يحثه على الهرب ويذكره بزوجته الجميله الطيبه اما شهوته كانت تجذبه لشمس الفاتنه والحبيبه القديمه التي لم ينالها
– يلا روح لمراتك زمانها…
لم يمهلها حديثاً اخر واندفع نحوها يجذبها اليه
– أنتي ليا انا وبس.. فاهمه
ولم تكن شمس الا مرحبه بكل هذا ففي ثواني معدوده كانت تزيل عنه سترته وقميصه تقوده نحو الهاويه
ساعه مرات واخرى وهم غائبين عن العالم واخرى تمسك هاتفها تُهاتفه قلقه عليه تسأل حالها
– ده قالي بالكتير ساعتين وراجع… ياريت كان معايا رقم رائف
وارتجف جسدها فجأه والهاتف يدق بين يديها لتنظر لرقم شقيقها والقلق يملئ فؤادها
– ايوه ياعمر.. مالها ماما
*********
طالعته وهو غافي جانبها وابتسامتها تتسع شيئاً ف شئ وهي تنظر حولها تتذكر عاصفه مشاعرهم المحرمه..تنفست بعمق تُمرر يدها فوق صدره العاري ليفتح عيناه ينهض مفزوعاً
– قدر… انا نمت كل ده وسيبت قدر
تجمدت ملامح شمس ترمقه حانقه ولكنها اخفت حنقها سريعاً تلتصق به
– متعرفش اد ايه حلمت باللحظة ديه ياكريم.. حلمت اني في حضنك وانت صاحي تسأل عن مراتك
– شمس خليني اقوم.. زمان قدر قلقانه عليا
ازداد حنقها وهي تسمع اسم غريمتها.. فدفعته عنها
– روح لمراتك ياكريم وياريت تنسى كل حاجه بينا
وفي لحظه كان يضعف ثانيه وانتهى الأمر إلى ما أرادت ان تصل اليه… وهاتفه يدق للمره الخمسون واخرى دموعها تنساب على خديها منها خوفاً على والدتها وقلقاً على زوجها
الفصل الثالث (3)
لم تكن خطيئتي.
وقفت قدر أمام الحائط المُعلق عليه صور احبابها والدها واخيها الشهيد الذي توفي منذ اربع سنوات في خدمته العسكريه شمال سيناء والآن والدتها الحبيبه
سقطت دموعها وقلبها يحرقها على احبابها ، اسبوع مر علي وفاتها ومازالت لا تُصدق انها لن تسمع صوتها فيكفي انها لم تكن تراها إلا كل سته أشهر والزياره لا تتعدى الخمسه ايام.. كانت تتمنى ان تتزوج بجانب والدتها ولكن نصيبها اتي في بلده أخرى
اقترب منها عمر يهتف بصوت حنون
– جوزك مستني بره… روحي بيتك ياحببتي
– مش قادره أصدق انها خلاص راحت
انهارت في بكاء مرير ليضمها عمر اليه بثبات مصطنع
– ادعيلها ياقدر… انتي عارفه من يوم مامات أمجد وهي ديما بتدعي تروحله
لم يشعر عمر انه أصبح يُشارك شقيقته بالبكاء الا عندما ابتعدت عن حضنه تضم وجهه بين كفيها تمسح دموعه
– سافر ياعمر.. سافر وشوف مستقبلك… بلاش تفكر كتير
– وانتي ياقدر.. انا لما اسافر هسيبك لمين
ابتسمت تنظر في عينيه
– ربنا معايا وكمان كريم ولا انت ناسي
رغم ثقتها الواهيه في زوجها وأنها واثقه إذ لم تحمل في احشائها طفلا هذا العام سينتهي صبر حماتها
– لسا فاضل شهر ياقدر متخليناش نسبق الايام واللي عايزه ربنا هيكون
واردف وهو يحثها على الذهاب مع زوجها
– جهزي نفسك ويلا روحي مع جوزك الراجل عمل معانا الواجب وسايب مشاغله وقاعد معانا من اسبوع
******
اسبوعان مروا على عودتها لمنزلها ومازالت في احزانها.. عادت حماتها من عند ابنتها قبل عودتها ولكنها لم تعد كما كانت تُسمعها حديثها اللاذع
– انا خلصت الغدا ياماما
امتدت يد سميحه جانبها نحو الاريكه
– تعالي ياقدر اقعدي جانبي
اقتربت منها قدر بهدوء تتمنى داخلها ان تظل معامله والده زوجها دوماً هكذا
– خير ياماما في حاجه
ابتسمت سميحه وهي تتذكر حلمها الجميل والذي كان من احد اسباب انها صرفت فكرة تزويج كريم عن ذهنها
– حلمت بكريم شايل عيل وجيه ادهوني وخدته على حجري وبوسته
واردفت متحمسه
– قلبي حاسس ان السنه ديه مش هتعدي غير وانا شايله ابن كريم
رغم الآلم الذي نغز قلبها وهي ترى حماس حماتها الا انها تمنت ان يتحقق الحلم
– ان شاء الله ياماما
– شربتي الأعشاب اللي ادتهالك
اماءت برأسها
– وكريم بيقرب منك بعدها ولا لاء
اشتعلت وجنتاها خجلا لتربت سميحه فوق يدها
– ان شاء الله الحج منذر يصدق في كلامه والاعشاب تعمل مفعول
وحياتها هذه الأيام كانت تدور بتلك الوتيره… لم تمهلها حماتها وقتً للحداد على والدتها وانما صارت تطبق الأوامر حتى يأتي الحفيد المنتظر فكل شئ ينصحها به النسوه تُجربه ولا بأس من التجربه عليها
*********
سقطت دموع لبنى وهي تنظر لملامح أدهم الخاويه بعد تلك الجلسه التي أتت اخيراً فرغم انتهاء لبنى من امتحاناتها منذ فتره وعودتها للبلد لا ان حديثهم كان يتأجل وكأن أدهم كان يخشى سماع الحقيقه
– حبي ليك وانا طفله كان حب اخت لاخوها…انا اسفه ياادهم
لطم كفه فوق الجدار… كان كالغبي ظن لسنوات ان لبنى الصغيره تحبه كحب الحبيب ولم يعرف انها كانت تراه بصورة اخري
اقتربت منه تمسك كفه كي تقبله
– ابوس ايدك ياادهم متحكيش حاجه لعاصم… ده ممكن يموتني فيها.
ازاح يده عنها بعنف
– ده الدكتور اللي كان في البلد هنا وحكتيلي عنه
تذكر انها يوماً عندما كان يُراسلها عبر الإنترنت قصت له عن ذلك الطبيب وكم تمنت ان تصبح مثله
اماءت برأسها ليزفر أنفاسه بقوه صائحاً بغضب
– ليه مقولتليش انك بتحبي غيرك
– محدش شايف لبنى غير ل أدهم… انا بحبك ياادهم بس زي عاصم مش بأيدي صدقني
طالعها ساخراً يستنكر حديثها
– كنتي هتستمري في خطوبتنا لحد امتى وانتي بتحبي راجل غيري
اطرقت رأسها بخزي فكلما اردات مواجهه أدهم تراجعت وهي تتذكر وعيد عاصم لها ان يدمر ذلك الطبيب
رمق صمتها مُستهزءً يشملها بنظراته وانسحب منصرفً ليُقابله عاصم في طريقه رابتً فوق كتفه
– ايه ياعريس… اتفقتوا على ميعاد كتب الكتاب
واردف ضاحكاً ولم يلمح نظرات أدهم الجامده
– عايز احضر كتب الكتاب قبل ما اسافر
دلف عاصم لغرفة شقيقته بعدما انتهت زياره أدهم يرمقها بنظرة متوعده ينظر لدموعها دون رحمه
– قولتي لادهم ايه خلتيه عايز يطول خطوبتكم
– مقولتش ليه حاجه
نطقتها برعب
– فكري للحظه تكلمي حبيب القلب وانا بأشاره مني اضيع مستقبله وحياته… سامعه
ارتجفت اوصالها وهي تنظر إليه متمتمه بقهر
– حاضر هعمل كل اللي انت عايزه ياعاصم
طالعت طيفه وهو يُغادر تبكي بحرقه
*********
داعبت شمس عنقه وهي تميل نحوه بثوب الرقص التي يظهر جسدها بسخاء
– استرخي كده ياحبيبي… واتفرج
التهمها بعينيه وهي تُحرك خصرها يميناً ويساراً على اصوات الموسيقى…
كانت نظراته مثبته نحوها لا يشعر الا بفقد صوابه امام فتنة شمس القويه
– كفايه كده ياشمس
ضحكت بمتعه وهي تُكمل رقصتها وعندما اقتربت منه تميل بجزعها العلوي نحوه فقد المتبقي من عقله ولم يشعر بنفسه كالعاده الا وهم فوق الفراش يلهثون
– كريم احنا هنفضل كده
هتفت عباراتها وهي تضم الغطاء لجسدها
– كريم انت مبحبنيش
وعندما طال صمته لفت الغطاء بأحكام حول جسدها …تنهض من جانبه ليجذبها اليه
– شمس انا مبقتش قادر استغني عنك… بس قدر مامتها لسا مايته اقولها ايه… اقولها هتجوز عليكي خلينا نصبر شويه
دفعت ذراعها عنها
– كل حاجه قدر قدر… خلاص ياكريم لحد هنا وكفايه انا اديتك كل حاجه وانت مبتفكرش غير في نفسك… طول عمرك اناني
**********
– يعنى بتحب الدكتور ومش من دلوقتي من زمان كمان
تنهد شهاب ينظر لابن شقيقها وهو يتحرك أمام عينيه كالجريح
– انا كنت فاكر انه مجرد افتنان بشخصيته.. قولنا تاخدوا فرصه مع بعض
– شهاب بلاش تضحك عليا وعلى نفسك… انت عملت كده عشان مكنتش عايز لبنى تكرر نفس تجربتك وتخرج عن إطار زيجات العيله الكريمه
ولطم صدره بقهر
– ظلمنا خديجه اختي مع عاصم
وتنهد حزيناً على شباب شقيقته
– أيامها القليله في الدنيا ضاعت مع زوج مش شيفاه غي ابن عم وبس… وانا ولبنى هنعيد نفس التجربه من تاني
بهتت ملامح شهاب وهو يتذكر ابنة شقيقه التي اكمل تربيتها .. موتها قهره كما كسره فمشهد عريها مع رجلاً اخر ما زال مطبوعاً امام عينيه فعاصم لم يرحمه بأن يريه ابنة شقيقه وتربيته زانية
ابتلع غصته يمسح فوق وجهه ينفض الذكريات من عقله
– انا اد وعدي القرار اللي هتاخدوا انتوا الاتنين انا معاكم فيه …مش هعمل من لبنى خديجه تانيه
واردف وهو يُطالع ادهم
– كنت عايزكم تاخدوا فرصه مش اكتر…يمكن كنتوا لقيتوا سعادتكم سوا
*********
سقطت دموعها بقهر قتـ,ــ,ـل فؤادها وهي لا تُصدق انها بعد لحظات ستكون زوجة أدهم… تذكرت اخر لقاء بينهم لم يكن الا ذلك اليوم الذي اعترفت له فيه بحبها ل عمر ومن لحظتها لما تراه ثانيه
دلف شهاب بصحبه والدها الذي وقف ينظر اليها بحب خالص
– الشيخ عايز يسمع موافقتك بنفسه..قومي يلا يابنتي
هتف بها الحاج محمود فرفعت عيناها نحوه تسترجي عاطفة ابوته ولكنه خرج قبل أن يضعف أمام نظراتها عائداً الي أبناء عمومته وابنائهم
*****
مشاعر كثيره كانت لا تعرف وصفها وهي تمضي أسمها بجانب اسمه وحده ، سقطت دموعها ولكن تلك المره كانت دموع السعاده
تعلقت عيناها بأعين عمر الذي وقف ينظر إليها وكأنه لا يُصدق ان لبنى أصبحت له وملكه بموافقة والدها وأهلها ولكن واحداً كان خارج تلك الموافقه ولم يكن الا عاصم الذي سافر منذ ليلتان ولا يعلم ما ينتظره حينا عودته
اتجهت نحو والدها الحبيب الذي رغم صمته امام شقيقها فيما يخصها وخاصة منذ موت خديجه الا انها تعلم انه يحبها وهاهو اثبت حبه لها ولم يظلمها
– اهم حاجه عندي تعيشي مبسوطه ومرتاحه يالبني
ونظر نحو عمر الواقف بجوار شهاب وقد انصرف الضيوف والأقارب وبعض زملاء عمر الذين أرادوا مشاركته بهذا اليوم
– انا اديتك حتا من قلبي ياولدي اوعاك تفرط فيها..
واردف بعباره لن ينساها عمر يوماً
– انا واثق فيك وفي رجولتك وانك هتحافظ على بنتي
ابتسم عمر وقد محي داخله اي شعور قد اساءوا به يوماً اليه وداخلها اقسم انه سيظل يخفي سر عاصم الا الابد
– امانتك متصانه ياعمي
بادله الحج محمود ابتسامه ودوده وتقدم منه يربت فوق كتفيه
– مبرووك يادكتور
اتسعت ابتسامه شهاب وهو يرى السعاده التي غلفت الجميع لتقترب لبنى منه تحتضنه
– شكراً ياعمي.. كنت عارفه انك هتقف جانبي
ضمها شهاب اليه بحنان يتذكر كل مافعله أدهم من أجلها
– صاحب البطوله ديه هو أدهم يا لبنى
اتسعت عيناها ذهولاً وهي تبتعد عنه غير مصدقه ان أدهم هو من جمع شملها مع عمر
لتنتقل عيناها نحو عمر الواقف جانب والدها يتسأل عن موعد رحلتهم ل لندن ويوصيه عليها بحرقه ولكن سعاده ابنته التي رأها اليوم أدرك انه فعل الصواب
*********
قاد سيارته خارجاً من حدود محافظه سوهاج لا يرى شئ أمامه الا نظرة لبنى اليه عندما ظنت انه ستكتب اليوم على اسمه.. نظرتها التي تبدلت سريعاً عندما رأت ذلك الطبيب أدرك لحظتها انها عاشقه لهذا الرجل
زاد من سرعه سيارته بجنون وهو لا يُصدق انه كان سيتزوج امرأه لا تحبه بل انها غارقه في حب رجلاً اخر.. تفاديه للسياره المقابله اتجاه جعلته يلتقط أنفاسه ويُهدء من سرعته
زفر أنفاسه وعيناه مُتحجره على الطريق وهو يتذكر سرد الطبيب له قصه حبهما دون ترتيب وانه سيظل عمره كله يحبها كما يعلم انها ستظل هي مثله
ابتسامه ساخره ارتسمت فوق شفتيه وهو يتذكر ثقة ذلك الطبيب في حب لبنى له ولم يُخطئ في ثقته… لولا رجولته ما كان اقنع الجميع بصدر رحب من زواج لبني بذلك الطبيب ذو الشأن وساعده شهاب على ذلك كما ساعده حب عمه لابنته الغاليه .
**********
منذ وفاه والدتها والبسمه لم تُنير ملامحها ولكن اليوم ارتسمت كل معالم البهجة على وجهها… لقد تزوج أخيها ممن يُحبها قلبه ونال مباركة أهلها ورغم حزنها انها لم تشاركه فرحته ولم تراه ببذله العرس وبجانب عروسه كما حلمت هي ووالدتها الحبيبه الا ان سعادته تكفيها
عادت دموعها تتساقط وهي تتذكر والدتها
– عمر اتجوز ياماما… الله يرحمك ياحببتي كان نفسك تشوفيه عريس
انتبهت لقدوم كريم يفتح باب الشقه فمسحت دموعها سريعاً واقتربت منه تضم جسدها اليه
– عمر اتجوز البنت اللي بيحبها
ابتعد عنها كريم مدهوشاً مما يسمعه
– اتجوز بنت العزيزي
ابتسمت وهي تُحرك رأسها بتفاخر
– عملها عمر لا طلع ناصح بجد… دول من أعيان البلد
واردف وهو يمسح فوق وجنتيها
– مبروك ياستي… هبقي اتصل بي اباركله
– اخويا اي حد يتشرف يناسبه
اماء برأسه سعيدا وهو يراها بدأت تعود لطبيعتها وتخرج من طور حزنها حتى لو قليلاً
– طبعا.. طبعا.. حضريلي الغدا بقى عشان واقع من الجوع ولا انزل اكل تحت
لطمت صدرها بطريقه مضحكه
– تنزل تاكل تحت.. وحماتي تاكل وشي
وانصرفت من أمامه ليتنهد بحزن عما فعله بها.. فمنذ زواجه من شمس واصبح لا يشعر الا بالخواء نادماً أشد الندم علي فعلته
– اه ياقدر مش عارف اقولك ازاي اني اتجوزت… سامحيني
*********
تعلقت عيناه بها وهي تقف حائره في غرفته القديمه.. اقترب منها بخطي هادئه يزيل عن كتفيه سترته
– كلها ايام ونسافر لندن
التفت اليه تظن انه مجرد حلم وستستيقظ منه
– عمر هو ده حقيقه ولا حلم
ابتسم عمر وهو يتأمل ملامحها الهادئه ودون حديث اخر كانت تلقى نفسها بين ذراعيه
– انا كده اتأكدت انه حقيقه ياعمر
وابتعدت عنه تعاتبه كطفله متذمره من والديها
– كنت عايز تسافر وتسبني… لولا أدهم كنت مشيت مش كده
تمتمت عبارتها الاخيره وهي تدفعه عنه ليضحك رغماً عنه
– يعنى نسيتي كل حاجه عملتها عشانك… ديه غلطت اللي يحب طفله صحيح
شاكسها بعبث لتقطب حاجبيها غاضبه
– انا طفله
اماء برأسه وهو يسبح في النظر بعينيها الصافيه
– خليني ننسى اللي فات ومنفتكرش غير اننا خلاص بقينا لبعض
سقطت دموعها وهي تتذكر مامضى
– لما عاصم رجعني البلد وبقي كل حاجه بحساب قولت خلاص الأمل ضاع
وعادت تلقى نفسها بين ذراعيه
– مش مصدقه ان أدهم عمل كده
ليضمها إليه بشده وهو يتذكر حديث أدهم معه حينا اتي اليه بالمشفى ومازالت أحداث ذلك اليوم عالقه بذهنه كما ستظل دوماً
رفعت عيناها نحوه تتأمل لحيته
– اوضتك حلوه اوي
ابتسم وهو يطوقها بذراعيه
– وصاحب الاوضه
اطرقت عيناها أرضاً ليرفع يديها نحو شفتيه يقبلهما
– انا عارف انك تستاهلي أغلى شبكه واحسن فرح يالبني… بس انتي عارفه..
وقبل ان يُكمل حديثه وضعت يدها فوق شفتيه
– كل ده ميفرقش معايا ياعمر… انت سعادتي
خفق قلبه وهو يرى صدق عبارتها… لتتعلق عيناه نحو شفتيها
والحديث كان له باقية
**********
سقطت دموعها وهي تنظر لهاتفها بعدما اغلقت مكالمتها مع شقيقها لم تستطع توديعه رغم اتفاقها مع كريم على الذهاب للمطار لرؤية شقيقها قبل أن يُغادر البلاد بعروسه
– حضرتي صنيه الكيكه اللي قولتلك عليها
التفت قدر نحو حماتها تومئ برأسها
– طب اعملي الشاي وحطي قطع الكيكه في الأطباق وتعالى ورايا
تنهدت بقله حيله فما عساها ان تفعل… نفذت ما امرتها به لتغادر المطبخ تحمل صنية الضيافه لاقارب حماتها
جلست معهم تخشي السؤال الذي لا تخلو جلسه الا وسمعته
– لسا مافيش حاجه جايه في السكه
تجمدت ملامح قدر نحو نظرات حماتها عليها… لتنظر سميحه لقريبتها بتفاخر
– قريب ياحببتي.. الدكتور قال السنه مش هتعدي الا وبطنها هتكون شالت
تعالت الدهشه فوق ملامح قدر.. ولكن سريعا أدركت سبب هذا الرضى الزائد عندما سألتها قريبة حماتها الأخرى
– هو صحيح بقى في نسب بينكم وبين عيله العزيزي اللي اعلاناتها ماليه التلفزيون
واردف أخرى غير مصدقه
– وانتوا ايه اللي وصلكم للناس الكبار ديه ياام كريم
ارتفع حاجب سميحه ممتعضه من استهانه تلك القريبه… وبدأت الاسئله تنصب حول قدر حتى استطاعت ان تنسحب بهدوء من جلستهم وهي لا تُصدق ان حماتها ذاعت خبر زيحة شقيقها وسط الأقارب والجيران وجعلتها في أفواهم
**********
تنهد الحاج محمود وهو يجلس بجوار شهاب في سيارته بعدما فتح لهم السائق أبوابها
– تفتكر اللي عملته ده صح ياشهاب
واردف وهو يخشى اليوم الذي سيعود فيه عاصم من سفرته ويعرف بالخبر
– عاصم مش هيسكت.. انت عارف طبع عاصم
– اطمن ياحج ومدام لبنى سعيده وانت موافق يبقى عاصم لازم يتقبل جواز لبنى
– اتوحشتها ياشهاب.. وكأن قطعه من قلبي راحت مني
رغم تأثر شهاب بحديث شقيقه الأكبر الا انه تمتم ملطفاً الأجواء
– ايه ياحج اومال فين وصايك والست ملهاش غير جوزها
ارتسم الحنان فوق قسمات ملامح الحج محمود داعياً الله ان يحفظ ابنته مع زوجها
***********
تأملات شمس الغرفه التي حجزتها لهم مسبقاً في احد الفنادق التي تقدم عروضً دوما للبنك الذي يعملان به
– عجبتك القريه ياكريم
تنهد كريم ساخطاً من اصرارها لقضاء يومان في احدى القرى السياحيه لمدينه “مرسي مطروح”
– يعنى خلتيني اخلف وعدي مع قدر انها تشوف اخوها قبل ما يسافر عشان السفريه ديه
الذنب كان يآكله كلما تذكر دنائته… لتحتد ملامح شمس وهي تدفع بحقيبتها نحو الفراش
– كل حاجه قدر.. قدر وكأنك كنت بتحبها اوووي ومخنتهاش معايا
لم تشعر الا بصفعه كريم فوق وجنتها لم تستعب الأمر في البدايه لتتسع عيناها مصدومه من فعلته… وكان هو أشد صدمه منها عندما اقتربت منه تعتذر له
– مكنش قصدي ياكريم ما انا مراتك برضوه وليا حق اتبسط معاك.. مش كفايه لحد دلوقتي جوازنا في السر
وكانت كالعاده تُحقق ما تُريد بطرقها التي تتقنها… قليلاً من الخضوع يصحبه دلالاً واغراءً وفي النهايه ستحصل على ما تريد
تعالا رنين هاتفه في جيب سترته الملقاه فوق الاريكه ليبتعد عن ذراعي شمس متمتما بأنفاس لاهثه
– ديه قدر
جذبته شمس إليها بعدما امتعض وجهها من محاوله ابتعاده عنها
– كريم بعدين تكلمها
وفي ثواني لم يحسبها كان غارق مجدداً بين ذراعيها… والجوله تنتهي بأنتصار شمس بأسلحتها
**********
وقف شهاب بشموخه وثقته المعتاده وسط بعض الحضور لتلك المناسبه الخاصه… ارتسمت ابتسامه مجامله وهو يسمع المديح عن اعماله ومشاريعه… تجمدت عيناه نحو القادم بقتامه ليقترب منه الآخر وعلى وجهه ابتسامه صفراء
– لا مش مصدق نفسي شهاب العزيزي هنا
ارتسمت السخريه فوق شفتي شهاب يرمقه بضيق
– لا صدق يااشرف
ضحك اشرف بسماجه وهو يتلقى عبارته ببرود
– مسمعتش اخر الاخبار
قطب حاجبيه وجسد اشرف يميل نحوه
– مراتك راجعه من سويسرا
احتدت ملامح شهاب وقد تجمدت عيناه نحو كأس الماء الذي التقطه للتو
– قصدك طليقتي يااشرف
– ما الميه ممكن ترجع لمجاريها ياسيدي
هتف اشرف عبارته سعيداً بتبدل ملامح شهاب… ولم تمر دقائق الا وكان يُغادر الحفل
ارتسم الزهو فوق شفتي اشرف وهو يرمق جسد شهاب المغادر يزفر أنفاسه بأسترخاء
**********
طالع صديقه مذهولاً مما يسمعه لينتفض من فوق مقعده صائحاً
– جاي تقولي بعد ما خربتها ياكريم.. اشرب بقى
اطرق كريم رأسه ولم يعد يعرف كيف يُفكر
– انا تعبت خلاص يارائف.. الله يخليك كفايه تقطيم بقى مش كفايه الذنب اللي عايش فيه
ارتسمت السخريه فوق شفتي رائف يعود لجلوسه
– وهتفضل عايش طول عمرك بالذنب ياكريم…ذنبها ايه قدر… قولي ذنبها ايه
– انا عارف اني غلطت يارائف كفايه بقى.. زن امي عشان موضوع الخلفه وظهور شمس في حياتي مبقتش عارف انا عايز ايه
لم تتغير ملامح رائف الساخره وهو يستمع اليه
– مشكلتك طول عمرك ياكريم انك مبتعرفش قيمه النعمه اللي ف ايدك غير بعد ما بتروح منك
– مراتك مفيهاش اي عيب وحتى الخلفه كلنا عرفين انها امر الله.. لكن انت اتعودت تفكر في نفسك وبس… واه خربتها
– كفايه يارائف كفايه يااخي انا خلاص مش عارف افكر
– طلق شمس وارجع لمراتك وشيلها فوق راسك
تعلقت عيني كريم به بضياع زافراً أنفاسه بثقل
– مقدرش.. شمس حامل يارائف
*********
طالعتها بنظرات مرتقبة تستمع الي ما تسرده عليها بوداعه ونبرة متألمه عن تفاصيل زواجهم ورفضه لإعلان زواجهم خشية على زوجته الأخرى
– يرضيكي كده يا طنط …
استخدمت اسلحتها في جذب تعاطف سميحه لها تلك السيده التي رفضتها زوجة لابنها يوماً.. رمقتها سميحه بنظرات جامده وهي لا تُصدق ان كريم فعلها وتزوج.. عضت شمس شفتيها تطرق عيناها ارضاً وتابعت باقي عباراتها التي تعمدت ان تلقيها ببطئ
– ابقى ام حفيدك وجوازنا في السر
اتسعت عيني سميحه ذهولاً وهي تثب منتصبة على قدميها
– أنتي حامل
اماءت شمس برأسها لتجذبها سميحه لاحضانها
– أخص عليك ياكريم… كده متقوليش وتفرح قلبي
لمعت أعين شمس بزهو وهي ترى حماس سميحه
– قوليلي ياحببتي حامل في الشهر الكام
– من شهر ياطنط
ارتسمت السعاده فوق شفتي سميحه وهي تحسب فتره زيجه ابنها وحمل زوجته
– يعنى دخلتي بقيتي حامل علطول
واردفت ببؤس تلوك شفتيها وتلطم فخذيها
– أخص عليك ياكريم سايب امك خمس سنين تحلم انها شايله عيالك وحرمها من الفرحه ديه ياابني
– أنتي من النهارده مكانك في بيت جوزك يابنتي… ده انتي مرات وأم الغالي
– ماما انا جبت كل الخضار اللي طلبتي مني واللحمه
تجمد جسد كلتاهما على صوت قدر التي وقفت تتسأل وهي تلتقط انفاسها وتمسح العرق فوق جبينها
– احنا عندنا ضيوف
تعلقت نظرات سميحه بها وبدون رحمه كانت الحقيقه تُلقي فوق اذنيها وقلبها كالسوط
****
وقفت تتأمل كل ركن من أركان شقتها التي دخلتها لأول مره عروساً بفستانها الأبيض مُحملة بين ذراعي زوجها والسعاده تملئ فؤادها… أحلامها كانت دوماً بسيطه كل ما كانت تتمناه ان تعيش حياه هادئه وزوج يُبحها وتنجب اطفالا تعتني بهم..
دموعها لم تكد تتوقف الا وعادت تنساب من جديد فوق وجنتيها… القهر والآلم كانوا يملئوا ثنايا روحها وهي تتذكر صوت حماتها تُخبرها عن هوية الضيفه التي رأتها من قبل
– قدر انا مش عايز اطلقك… شمس هتفضل في شقتها وانتي ف شقتك
صوته كان يُعذبها.. اغمضت عيناها تتذكر تأخيره وبياته بالخارج متعللاً بأمر عمله او صديقه رائف وهي التي تجلس تحت أقدام والدته تخدمها دون كلل تتحمل إهانتها وتقلب مزاجها حتى تدخلها في ابسط الاشياء بحياتها مُعلله لنفسها انها ام
– حياتنا انتهت خلاص ياكريم انت دورت على سعادتك واه لقيتها…وانا معدش ليا لازمه خلاص
الفصل الرابع (4)
لم تكن خطيئتي.
هتفت عبارتها الاخيره بآلم ينهش روحها تلتف نحوه بعدما مسحت دموعها بقوه واهيه
– لا ياقدر حياتنا مع بعض منتهتش… احنا نقدر نكمل سوا… وهيبقى عندنا ولد وانتي كمان هتكوني امه
” امه” كلمه لم تزدها الا آلماً.. لم تشعر بأقتراب كريم منها ولا بذراعيه وهو يطوقها اليه بتملك
– عمر وسافر وطنط الله يرحمها وخالك كل شهر بيكون متجوز واحده… قوليلي هتعيشي ازاي لوحدك
واردف وهو يضم وجهها بين قبضتيه ينظر إلى عينيها الشارده
– عذابنا وزن امي انتهى خلاص…
وبقوه استمدتها من كلماته التي كان يغرزها بقلبها دون رحمه دفعته عنها والآلم يُمزق روحها
– طلقني ياكريم… قولتلك حياتنا مع بعض انتهت..
– مش هطلقك ياقدر… مش هطلقك سامعه… وهتعيشي معايا برضاكي او غصب عنك
صاح بعلو صوته مما جعل والدته تصعد لأعلى تنصدم بمظهر كريم
– أنتي السبب… انتي السبب شوفتي زنك وصلنا لايه… اه دلوقتي انا مش فرحان ان هيبقى عندي عيل
****
القت هاتفها بغضب وهي تراه يتجاهل رنينها… دارت حول نفسها كالمجنونه تزفر أنفاسها حانقه.. لتتبدل ملامح وجهها وترتسم فوق شفتيها ابتسامه واسعه تُذكر حالها انها الان هي الفائزه وقد انتصرت على زوجته وحصلت على مرادها
جلست جانب خالها في السياره المحمله ب اثاثها تنظر إلى من كان زوجها بدموع صامته ليُدير خالها رأسها نحوه يضمها اليه متحسراً على حال ابنه شقيقته
وقف كريم يُتابعها بعينيه يضغط فوق شفتيه بقوه متماسكاً بصلابه واهيه
اقترب منه رائف يربت فوق كتفيه
– عين العقل اللي عملته ياصاحبي..
– كان عندك حق يارائف طول عمري مبعرفش اقدر النعمه غير بعد ضايعها
وابتسم ساخرا وهو يلتف نحو والدته التي تقف على أعتاب المنزل تبكي حسرة على اثاث ولدها في عتمة الليل
– كلها شهور وهبقي اب مش هو ده اللي كانت عايزه
وكانت هي تلك الجمله التي أصبح يُرددها كما كانت تُرددها والدته كل يوم فوق رأسه الي ان اصبح لا يرى الا ان زوجته امرأه ناقصه لا تعطيه السعاده كامله
******
وضع منير أمامها المال بعدما تم بيع أثاث زيجتها بأكمله
– اخدوا عرسان جداد على قد حلهم… وديه الفلوس
نظرت لخالها ودموعها عالقة بأهدابها تأبى السقوط.. فيقترب منها منير يضمها بين ذراعيه
– مدام متعلقه بالعفش اوي كده ياقدر بعتيه ليه يابنتي
– قلبي وجعني اوي ياخالي… حاسه بنار جوايا… هو انا استحق اللي حصل ده
بكت بمراره وآلم لم يفارقها منذ طلاقها
– لا ياحبيبت خالك انتي ست البنات… هو اللي واطي ميستهلكيش.. بكره ربنا يعوضك بواحد ابن ناس انتي لسا صغيره يابت
أبتعدت عنه تُلملم شتات نفسها تنظر اليه بحسرة
– مافيش واحد هيرضي يتجوز واحده مبتخلفش
– مين قال انك مبتخلفيش
ضحكت بمراره وهي تتذكر حديث حماتها فلو كان ابنها به عيبً ماكانت زوجته حملت بتلك السرعه
– كريم كلها كام شهر ويبقى اب ياخالي..
صمت منير واطرق رأسه حزناً عليها لا يعرف بما يُجيبها
– بقولك ايه انا عامل صنيه بطاطس بالفراخ تستاهل بؤك… اقفلي الشقه وتعالى يلا ناكل سوا
لم يترك لها منير فرصه تعترض ليسحبها خلفها نحو شقته بالأسفل
وهكذا كان “منير” رجل صاحب مزاج عالي محب للنساء والسلطنه الكل ينظر اليه انه بلا نفع ولكنه يحمل داخل قلبه حناناً كبيراً
******
مسح حبات العرق عن جبينه بعدما أنهى رياضته المفضله ..فأبتسم أدهم وهو يضـ,ـرب كفه بمضـ,ـرب التنس
– مبتقبلش الهزيمه ابدا ياكبير
دفعه شهاب برفق فوق كتفه مبتسماً
– شهاب العزيزي مبيسبش حقه
ضحك أدهم مما جعل قلب شهاب يرتاح وهو يرى ابن شقيقه قد عاد لمزاحه وحياته القديمه
– يبقى التحدي المره الجايه
اكملوا سيرهم بضحكاتهم التي جذبت أعين الكثير…لتتجمد ملامح شهاب وهو يرى القادمه نحوه… لم يُغيرها الزمن بل ظلت جميله وانيقه تخطف الانظار حولها ولكن تلك الهاله لم تكن الا إطار يحوي لوحة فارغه
تعلقت أعين أدهم بنظرات شهاب…فلم تكن القادمه الا ” شيرين ” زوجة عمه السابقه
تعلقت نظرت شيرين نحو أدهم الذي رمقها ببغض وهو يُغادر لتطرق عيناها حزناً.. فعائلة العزيزي لا تراها الا صفحة سوداء بحياتهم
– شهاب
خرج اسمه من شفتيها بتوتر وهي تري نظراته الجامده نحوها
– رجعتي ليه ياشيرين
– مش هفضل طول عمري بعيده ياشهاب
وتعلقت عيناها به بشوق
– طول السنين اللي فاتت كنت بتابع كل حاجه عنك… شهاب انا لسا بحبك
– بتحبيني ؟
استنكر عبارتها يرمقها بكرهه وذكريات الماضي تمر امام عينيه
– وانا منستش انك السبب في موت ابني
فتسقط دموعها تقبض فوق ذراعيه
– قولتلك ماليش ذنب..ماليش ذنب صدقتي
– ذنبك انك كنتي ام مهمله
دفعها عنه بعدما وجد أعين البعض تُحدق بهم بفضول
– اتمنى مشوفكيش تاني ياشيرين
أصابة كلماته قلبها فأطبقت جفنيها علي دمعة تنحدر من بينهما تتحسر علي ما اضاعته .
******
طالعها خالها وهو يدلف من الباب الشقه يحمل بعض أكياس الطعام
– وادي ياستي الخضار والفاكهه… خالك اه ليه نفع مش زي ما انتوا فاكرين
تأملته بحب فلن ولم تنظر اليه يوماً بتلك النظره التي وسمه بها الكثير حتى أصبح لا يهتم بشئ الا راحته
– ربنا يخليك ليا ياخالي
والتقطت منه الأكياس تضعها فوق الطاوله الصغيره التي كانت يوماً تضم أفراد العائله بدفئ
– خالي انا محكتش ل عمر عن طلاقي… وانت كمان متحكيش ليه
– ليه يا قدر.. المفروض نعرفه يابنتي… انا هكلمه واحكيله
اقتربت منه تمسك يديه راجيه
– عمر عنده لسا مشاكل هناك… انت عارف لو عرف هيرجع وانا مش عايزه اشيله همي.. ارجوك ياخالي خلينا منقولهوش لفتره بس لحد ما أموره تستقر
اصرت بشده ولم يجد منير الا ان يوافقها….
وضعت وجبة طعام الإفطار فوق الطاوله أمام منير الذي شرع في تناول الطعام بنهم يتلذذ من مذاق الفلافل والباذنجان المخلل.. أنهى طعامه ببطن منتفخ يربت فوق معدته
– الحمدلله
انتبه اخيراً علي ملامحها الشارده تُمضغ طعامها بمراره
*********
جلست شارده بعدما تصفحت الجريده التي أمامها وقد يأست من إيجاد وظيفه طرقات خالها المرحه فوق باب شقتها جعلتها تبتسم رغما عنها
– افتحي ياقدر… جبتلك شغل خلاص
التقط أنفاسه وهو يُطالعها كيف وقفت تنظر اليه بأبتسامه واسعه يدب فيها الأمل
– بجد ياخالي
– طب دخليني الأول اخد نفسي واقولك…
واردف وهو يزيحها من أمامه
– اعمليلي كوبايه عصير ليمون من ايديكي الحلوين قبل ما اقولك
– شوف البت سرحت تاني… فين الليمون
اتسعت ابتسامتها بعدما نفضت تعاستها تنطلق نحو المطبخ هاتفه بحماس
– احلى كوبايه عصير ليمون ليك ياسيدي
أمتلئ قلبه سعادة وهو يري ابتسامتها تُشرق وجهها من جديد
جلس فوق المقعد الخشبي متنهداً ينتظر كأس العصير الذي يعشقه من يديها
******
رفعت عيناها نحو اسم اللافته الموضوعه كوجهة لمكتب الإستشارات الهندسية الذي ستعمل به موظفة استقبال تستقبل العملاء… تجربه كانت جديده عليها مما جعلها تشعر برهبة الفشل… تقدمت نحو البناية تزفر أنفاسها تدعو داخلها ان يوفقها الله في حياتها الجديده
******
شهران مضوا على لقائها به.. اندمجت فيهم علي حياه سيدات الأعمال والمرأة العامله… من ندوة لأخرى ومن اجتماع لآخر هكذا أرادت ان تبدء حياتها الجديده التي كانت مؤهله لها فيما مضى ولكنها لم تكن ترى الا حياه اللهو والعبث
بدأت تتغير من أجله… لم تشعر بحبها له إلا عندما فقدته وانتهت رحلت حياتهم
وقفت امام مرآتها تعدل من هندام ملابسها العمليه تنظر بتعمق لملامحها
– هتغير عشانك ياشهاب… هكون شيرين جديده
*******
اندفع صائحاً لا يرى أمامه فمنذ ان علم خبر زواج شقيقته الذي تم منذ ثلاثه أشهر وهو كالمغفل في أعين الجميع لا يُصدق انهم خدعوه هكذا واستغلوا سفرته
– انا تعملوا معايا كده ياشهاب… تستغفلوني
تعلقت نظرات الجالسين في غرفة الاجتماعات التي يترأسها شهاب ويجلس على يمينه أدهم… اشاره من شهاب جعلت الجميع يجمع أوراقه وينصرف
– اقعد زي الرجاله نتكلم
صاح به شهاب بعدما نفذ صبره من صياحه ودفعاته لكل ماهو أمامه
– انا تطلعوني عيل… وانت يابيه ازاي تسمح بكده.. مش ديه برضوه خطيبتك ولا عيشتك في أمريكا نستك النخوه والرجوله
لم يشعر أدهم بنفسه الا وهو يمسك تلابيب قميصه
– النخوه والرجولة ديه اتعلمهم انت مش انا
– بس كفايه اخرسوا انتوا الاتنين… اظاهر ان اخواتي معرفوش يربوكم
– عرفت منين ان لبنى اتجوزت
التوت شفتي عاصم ساخرا وهو يتذكر كيف تلقى الخبر
– من السواق بتاعك … شوف الزمن اعرف ان اختي اتجوزت من واحد شغال عندنا
– لبنى اتجوزت الإنسان اللي بيحبها
هتف بها أدهم يرمق عاصم بنظرات ساخطه.. فتعلقت عيني عاصم به شزراً
– مش قولت قعدتك ف امريكا علمتك قله الرجوله
– عاصم… الكلام معايا انا
احتدت ملامح عاصم وهو يشعر بأستصغارهم له ولم يدرك معنى حديثه الا عندما وقع على رؤسهم
– ايه ياشهاب بيه ولا قولك ياعمي ياكبير العيله يلي الكل بيشهد بعقلك..هنعيد تاني تجربتك.. ما انت اتحديت الكل واتجوزت بنت الوزير وايه اللي حصل بعد كده
الصمت كبل افواههم.. فأرتسم الآلم فوق ملامح شهاب
صرخ به ادهم يدفعه بقوة نحو الجدار
– تصدق انك وقح وعايز تتربى
انتبه عاصم لفداحه ما نطق يقبض فوق كفوفه
– أدهم خلاص… مش هنقعد نجرح في بعض
واقترب من عاصم الذي لم تخمد ثورته رغم صمته
– اختك اتجوزت خلاص.. جوازها بقى امر واقع
تلاقت نظرات عاصم بنظرات شهاب الجامده وكأنه يُنهي حديثهم.. تحرك مندفعاً لخارج الغرفه يتوعد لذلك الطبيب
*******
مسحت دموعها بعدما شعرت بأستصغار مديرها لامكانيتها في التعامل مع الحاسوب بعد أن طلب منها تقريراً عن العملاء وطباعته… لم يكن هذا مجال تخصصها حتى عقلها تشعر وكأنه لم يعد يستعب شيئاً..اقتربت منها هناء زميلتها بالعمل
– متزعليش ياقدر…استاذ فهمي عايز كل واحد فينا يبقي اتنين في واحد ويشتغل اي حاجه
– انا عارفه اني مش مؤهله ياهناء… بس والله بتعلم بسرعه
– طب تعالي اوريكي تعملي ايه ونخلص التقرير سوا
انتهت هناء من كتابة بيانات العملاء وطباعه التقرير تهتف بحماس
– كده خلصنا… عشان نسكت بوز الأخص اللي جوه
******
زمجر بوحشيه وهو يدفع ما أمامه
– انا مشغل بهايم… ازاي متعرفوش سافر فين
اطرق رجله رأسه يستمع لتوبيخه
– عملتها ياشهاب .. انا عارف محدش هيعمل كده غيرك
– هو الدكتور ده مالهوش اهل
رفع الرجل رأسه متمتماً بخوف
– ليه اخت كانت متجوزه وأطلقت من جوزها ودلوقتي عايشه لوحدها وخاله راجل بتاع مزاج…
تجمدت نظرات عاصم وابتسامه شر شقت ملامحه.. اشاره واحده منه جعلت رجله يفهم ان وجوده انتهى
زفر أنفاسه وهو يشعل سيجارته
– اختك قصاد اختي يادكتور
********
صعدت الدرجات بأرهاق ظاهر فوق ملامحها ورغم ذلك كانت السعاده متوهجه في عينيها اليوم بدأت اول حصه لها في دورة الحاسوب وحينا تنتهي من تلك الدوره ستتقدم لدورة اللغه الانجليزيه.. خطط كثيره اردات فعلها ومع حماسها كان الأمل يغمرها
وقفت أمام باب شقة خالها تطرق الباب تنظر إلى الأكياس التي تحملها ورائحة الطعام تفوح منها..
دقائق مرت ولم تسمع صوت خالها لتقطب حاجبيها متعجبه.. فخالها دائماً موجود بالشقه بتلك الساعه
كادت ان تتحرك تصعد نحو شقتها الا ان الباب انفتح فتوقفت تنظر للمرأة الواقفه أمامها تلوك العلكه
– مين انتي ياحببتي
ارتفع حاجبي قدر تنظر لنظراتها التي تفحصها
– أنتي اللي مين
– نعم ياحلوه يعني احنا صحاب البيت وتسأليني انا مين… عجب
ارتدت قدر للخلف بملامح مصدومه بعدما أغلق الباب بوجهها تنظر حولها لتعيد طرق الباب ثانيه فتفتح المرأة الباب صارخه
– في ايه ماقولنا الشقه غلط
– فين خالي منير
– هو انتي قدر..
جذبتها لاحضانها تُقبلها
– ياختي قولي كده من بدري
ابتعدت عنها قدر تلتقط أنفاسها الهادره لتتعلق أعين ” سميرة” بالاكياس التي تحملها
– كلك ذوق والله ياحببتي وبتفهمي
والتقطت منها الأكياس فوقفت قدر مذهوله تبحث داخل الشقه عن خالها
– هو خالي فين
– بيريح ياحببتي شويه.. أصله تعبان
هتفت بها سميره تغمز لها بعينها لتتراجع بخطواتها للخلف
– اه.. طب انا طالعه شقتي
طالعتها سميره وهي تركض فوق درجات الدرج تمصمص شفتيها
– مالها وشها اتخطف كده… هو انا قولت حاجه مش ولا بد
*******
اتكأت بظهرها على باب شقتها بعدما اغلقته تضحك على زوجة خالها الجديدة… لا تعلم كم هو رقمها في زيجات خالها الكثيره
ازاحت حجابها من فوق خصلاتها لتُلقي متعلقاتها فوق الاريكة وهي تبتسم
– مش هتتغير ابداً ياخالي.. ياترى ديه العروسه رقم كام
قطبت ما بين حاجبيها وهي تعد زيجاته السابقه لتزفر أنفاسها من عدم تذكرهم
نفضت رأسها بأرهاق بعدما يأست من عدهم واتجهت نحو المطبخ
– وانا اللي كنت معشمه نفسي على الفراخ المشويه… الجبنه والبيض طلعوا من نصيبي
*******
وقفت كالتائهه تنظر حولها وشعوراً واحداً كان يملئ قلبها… وحيده في بيت والدها ويالها من كلمه ومعنى… والد عاشت سنين عمرها يُحملها غلطة ارتكبها هو وليست هي
– أنتي بقى بنت الرقاصه
ابتلعت غصتها تنظر في أعين المرأة التي أمامها
– انا مش بنت رقاصه انا بنت إبراهيم العزيزي
صفعة قويه هبطت فوق خدها لترفع عيناها نحو الواقفه
– وليكي عين تردي عليا
اتسعت عيني لطيفة ذهولاً وهي ترى عهد ترفع يدها لترد صفعتها
– وكمان بترفعي ايدك عليا
قبضت فوق معصمها ترفع صوتها عالياً
– أنتي هنا زيك.. زي الكرسي ديه أوامر اخوكي محدش طايقك ولا طايق نجستك… صبحه بت ياصبحه تعالي خديها من وشي
صوت واحد كان يتردد صداه في أذنيها يُخبرها بالحقيقه التي ستعيشها
” اهل ابوكي هيجوا ياخدوكي… خالتك وماتت خلاص معدش ليكي مكان هنا ”
********
تناول كأس الماء بأيد مرتعشه… المرض أرهق جسده واصبح يلزم فراشه… ابراهيم العزيزي بقوته انهكه المرض… يالها من حياه لا يُدرك المرء نعمه صحته وقوته الا بعد فوات الآوان
هكذا كان الحج ابراهيم شارداً وهو يبتلع حبة الدواء لتهتف المرأة المسنه التي قضت سنوات عمرها في خدمه هذا البيت
– بالشفا ياحج
– حامد جاب عهد
اماءت السيدة ” رسمية” برأسها فأتسعت ابتسامه الحج ابراهيم
– مدخلتيهاش على اوضتي ليه يارسمية زي ما قولتلك
– الست لطيفه ياحج هي…
ابتلعت باقي حديثها وهي ترى لطيفة تدلف للغرفه تتباطئ في خطواتها تضم بطنها بكفيها وكيف لا تضمها وهاهي ستنجب الولد الذي سيثبت اقدامها بالبيت وأمام عائله زوجها
– عامل ايه النهارده ياعمي
– الحمدلله
واردف بلهفة يتسأل
– فين عهد يالطيفه
وقفت قبالة رسمية تنظر إليها بتوعد
– اول ما جات دخلت اوضتها وقفلت على نفسها… اظاهر ياعمي كرها عيشتنا
سعل ابراهيم بشده وقد تبدلت ملامحه للحزن.. فماذا كان سينتظر حبها له بعد أن رماها لخالتها… ملئت الحسرة فؤاده يغمض عيناه شارداً في الماضي
انسحبت رسمية من الغرفه بعدما حملت صنية الطعام وداخلها يتآلم على تلك الفتاه التي لن ترى خيراً على يدي زوجة أخيها الحاقده
*********
كتمت ضحكتها بصعوبه وهي ترى خالها يُخلص ذراعه من زوجته يضـ,ـرب كفـ,ـوفه ببعضهم حانقاً
– ياساتر عليكي ست… متبته فيا ولا كأني ههرب منك
– صباح الخير
تعلقت نظرات منير بها مبتسماً
– عامله ايه ياقدر…معلش الوليه مكلبشه فيا بقالها يومين معرفتش اطلع اسأل عليكي
اماءت برأسها له متفهمه
– ايه رأيك في سميره
مال منير برأسه عليها يسألها عن ذوقه في اختيار زوجته لتبتسم مُتذكره لقائهم
– شكلها طيبه وبتحبك
تنحنح منير خجلاً يحك فروة رأسه التي غزاها الشيب
– هي فعلا بنت حلال وطيبه… اهي تاخد بحسي في الأيام اللي بقيالي
نفس العباره التي كان يقولها لهم دوماً وبعد شهراً يتم الطلاق ويتزوج من أخرى
– انت رايح فين على الصبح كده
– رايح اقابل فتحي صاحبي.. عقبال عندك شبكته النهارده
صباحاً كان جميلاً بنكهة خالها..مع حياة خالها التي لا تعرف منطق كانت تجد سعادتها التي تنتهي فور دلوفها من باب الشركه التي تعمل بها
*******
عيناه افاضت بحنان تمنت ان تراه منه منذ زمن… تمنت ان تكبر بين احضانه ترفع رأسها بأسمه ولكن كانت دوماً تعلم انه تخلي عنها لأنها جاءت غلطه من راقصه تزوجها على زوجته وأم أولاده
– قربي مني يابنتي… ولا بتكرهيني اوي كده
تساقطت دموعها وهي ترى ذراعيه الممدوده لها
– عندك حق تكرهيني… سامحيني
” تكرهه” كلمه كلما كانت تخرج من قلبها تموت قبلها… احبته بفطرتها احبته رغم تركه لها ونبذها عن حياته.. عاشت كاليتيمه في منزل خالتها ولم تلقي منه إلا المال وزيارات عابره كي يرضى بها ضميره
– كان غصب عني ابعدك عني…
ابتلعت غصتها وهي تغمض عيناها… هي أم اشقائها المجروحين على وفاه والدتهم وفي النهايه كانت هي بره الحسبه فالندم وظلمه لام أولاده جعله ينبذها فأبنة الراقصه كانت لا تستحق الا النبذ عقابً عن والدتها
نهض من فوق فراشه حتى يُقربها منه… تحرك بصعوبه نحوها يمد ذراعيه إليها.. أرادت ان تشعر بحضنه… ولكن قلبها ابي.. ركضت من أمامه تختلي بغرفتها لتجد زوجة شقيقها تفتح باب غرفتها
– تعالي اخوكي عايزك
نهضت من فوق فراشها تمسح دموعها… فالاخ الأكبر اليوم تذكرها ولكن بقية الاخوه لم تسمع عنهم الا حديث لطيفه بمدى بغضهم لها
صفعة قويه كانت أول ما تلقته من يد حامد الغليظه وهو يرمقها بوعيد
– اوعي تكوني فكره ان رجوعك هنا هيخليكي تاكلي بعقل ابوكي .. ولا قرش هتاخديه طول ما انا عايش
********
غادرت المركز الذي تدرس فيه دورة الحاسوب بعد مواعيد عملها لأيام محدده بالأسبوع.. كان الشارع المؤدي للطريق العمومي هادئ فلم تنتبه من اقتراب احدي السيارات منها وفي ثواني كانت حركتها مقيده بأيد أحدهم لم تستطع المقاومه فأعصابها بدأت ترتخي من أثر المخدر لتغلق عيناها ودموعها تتساقط من الخوف
فتحت عينيها بصعوبة بعد وقت لا تعلمه تنظر حولها بهلع ويديها تدور حول جسدها ، ثيابها كانت كما هي فوق جسدها مما جعلها تلتقط أنفاسها براحه ولم تكد تفوق من ثقل المخدر حتى هبت مفزوعة تنظر نحو الباب الذي فتح ثم دلوف أحدهم يفحصها بنظرات قاسية
– انت مين وجبتني هنا ليه
صرخت بهلع متسائلة ، فتعالت ضحكاته مستمتعاً بفزعها
– صوتي على كيف كيفك محدش هنا هينجدك
– عايزه تعرفي أنا مين… وماله اعرفك يا اخت الدكتور
– عمر أخويا حصله حاجه , أرجوك أتكلم
– شوفي انتي خايفه عليه إزاي وهو للأسف مفكرش فيكي
واحتدت نظراته وهو يقترب منها ونظراته توحي بالشر
– مع اني حذرته لو لمس اختي
– لبنى اختك..
نطقتها مصدومه مما سمعته ومع أقتراب خطواته منها جحظت عيناها من الفزع ، تراجعت للخلف تلصق جسدها بالجدار
– انا عاصم العزيزي ياريت تحفظي الاسم كويس عشان تبلغي اخوكي, إن عاصم العزيزي مبيتخدش منه حاجه غصب عنه
– لبنى مراته…
ابتلعت ريقها بخوف من نظراته بعدما نطقت بزواج شقيقها من شقيقته ، ومع أستمراره في الأقتراب منها تمالكت قوتها لتدفعه بقوه راكضه نحو الباب المغلق
تمزق ذراع ثوبها من جذبه ، فعلقت عيناه بذراعها العاري
– رجوعك لأخوكي قصاد طلاق اختي.. وزي الحلوه هتسجلي كل كلمه هقولها ليكي لا إلا
وتأملها كيف تُداري ذراعها المكشوف عن عينيه المتربصة
– هخلي واحد من رجلتي يبسطك اووي…
– ابعد عني ، يا ناس حد سامعني
تركها تدور حول نفسها يتمتع بهيئتها وصراخها ..، هكذا كان يشفي غليله من النساء.. فأكثر ما يكرهه بحياته بكائهن المزيف نحو الشرف والعفة
– قولتلك محدش هنا هيسمعك ولا يعرف ينجدك مني… ها اختاري
صمت اذنيها بأيديها تستجمع قوتها تندفع نحو الباب تطرقه لعلا أحداً يسمعها… الخوف كان يملئ قلبها تعلم أن لا أحد سيشعر بغيابها
– هنفضل كده كتير
واندفع نحوها بعد أن ضجر من صراخها
– هتسجلي لاخوكي وتقولي كل كلمه هقولهالك ولا نصورك كام صوره حلوه ف حضن واحد وأنتي عارفه الباقي
لم تتحمل جنونه ف “عاصم ” لم يكن أمامها الا رجلا افسده المال والسلطه.. بصقت بوجهه تدفعه عنها بكل قوتها
– انت مريض
لم تكن تعلم أن تلك الكلمه ستثير جنونه ، أنتفخت أوداجه من شدة الغضب فالحقيقه قالتها كما قالتها له أخرى من قبل
ارتفع كفه لأعلى ينوي صفعها ومشهد اخر كان يتجسد امامه ولا يعلم لما اليوم يتذكر تفاصيل تلك الليله
اجفله فتح الباب وصوت عمه ” شهاب ” يصدح بالمكان يلتقط أنفاسه بلهاث
– عاصم
الفصل الخامس (5)
لم تكن خطيئتي.
وسرعان ما كانت تتوقف عيناه نحو تلك المرتجفة أمامه
– أنت بتعمل إيه ؟ أنت مش هتبطل أفعالك ديه
– كنت لازم افهم من الاول ان رجالتي الخونه اتباعك ياشهاب باشا… ياكبير عيلة العزيزي
– نقول تاني.. رجوع اخته قصاد اختي
– انت اتجننت… اختك خلاص بقت ست متجوزه
اشتعلت عيناه غضباً
– اتجوزته من ورايا… وانا محدش يعصي أمري
– احب افكرك ان اخويا عايش ووافق يجوزهاله… عاصم بلاش الماضي يخليك تهدم حياه ناس تانيه
كانت واقفه بينهم ترتعش تتمنى ان تغمض عيناها لتجد كل ما مرت به اليوم مجرد كابوساً لا أكثر… اتجهت نحو الحائط تسند جسدها عليه تبكي بقهر على حالها… لقد تركها عمر لهؤلاء الناس وهانت عليه
أظلمت عيني عاصم وهو يتذكر الماضي الذي لا يعرفه الا اثنان ومنهم ذلك الطبيب … خطيئه لم تُغفر ولم ينساها يوماً بل حفرت داخله
انسحب عاصم دون كلمه فالمشهد عاد أمامه وهو يرى زوجته بأحضان ذلك الطبيب الذي لم يكن الا رفيق “عمر”
التقط أنفاسه وكأنه كان في صراعاً.. مازالت آهاتها تصم اذنيه رغم السنين وموتهم
نيران التهمت احشائه ليُسرع نحو سيارته مغادراً المكان تحت انظار رجاله
****
اشاح عيناه بعيداً عن حرمة جسدها يخلع سترته عنه ليُعطيها إليها
التقطت سترته بضعف ترتديها حتى تخفي ذلك التمزق.. ضمت الستره نحو جسدها تستمد منها الدفئ بعد مامرت به
رمقها خلسه يشير إليها ان تتقدم أمامه.. سارت ببطئ تبكي وصوت آنينها يخترق أذنيه
تنهد شهاب بسأم بعدما خرجوا من فيلا المزرعه الخاصه بالعائلة
– تعالي اركبي متخافيش
تعلقت عيناه بها وهي تنظر اليه… لم يرى الا نظرات الخوف والهلع
– متخافيش صدقيني هوصلك لبيتك
اطمئنت له ولم تعرف لما.. صعدت السياره بضعف.. لتجده يصعد جانب سائقه يأمره بالانطلاق… مرت ساعه وأكثر إلى أن وصلوا أمام البنايه التي تعيش بها
– بعتذر منك على اللي عمله عاصم… اتمنى تقبلي اعتذاري
لم تتحدث بكلمه فكل ما كانت تشعر به هو الضياع… تتمنى ان تركض لغرفتها تحتمي بها…
ترجلت من السياره دون التفاف مره اخرى نحو السياره ونظرات شهاب عالقه بها يزفر أنفاسه بقله حيله من تهور عاصم الذي كان سيضع نقطه لن تغتفر بحياته
– اتحرك ياسعيد… شكل اليوم ده مش راضي يخلص
انطلق سائقه دون كلمه أخرى يتمني هو أيضاً ان ينتهي هذا اليوم على خير.
***
ارتمت فوق فراشها تبكي بحرقه تهمس بأسم اخر شخص ارادت ان تتذكره
” كريم”..
اتي الصباح وشهاب جالساً في مكتبه ينتظر عودة عاصم خائفاً عليه… يشعر وكأنه يدور بساقية لا يعرف لها نهايه
تحمل عبئ لم يكن يتمناه كل ماكان يتمناه ان يُصبح فخر لعائلته ورجلاً ناجحاً يُشير الناس نحوه.. حقق امنيته بجداره ولكنه دفع المقابل من سنوات عمره التي ضاعت وهو يعلو بأسمه دون راحه
انتبه علي صوت سياره عاصم… ليخرج من مكتبه متجهاً اليه بلهفه
رمقه عاصم مُتجاهلا له صاعداً لأعلى
– انا راجع على سوهاج… بس مش هسيب اختي ف ايد الدكتور وهجيبها ومش معنى انك خفيت سافر فين اني هسكت.. مبقاش عاصم العزيزي لو معرفتش ياحضرت النائب
اكمل صعوده بعدما القى على مسمعه ما ينتويه… تنهد بيأس فعاصم وكأنه بحربً يُريد ان يخرج منها منتصراً
اتبعه يصعد الدرج بخطوات سريعه هاتفاً
– عمر ميعرفش حاجه عن علاقه خديجه ب هاني… بلاش الأوهام اللي في راسك… بلاش نفتح الدفاتر القديمه ونكشف المستور
– انا متفرقش معايا الفضيحه… لكن خاف على نفسك منها مش بنت اخوك برضوه
– انت ايه يااخي اللامُبالاه اللي فيها … انت من ساعه اللي حصل وشايفنا كلنا اعداءك وصوتك من راسك… عاصم ارجع زي زمان بلاش القسوه اللي بقت مغلفه قلبك
زمجر بوحشيه وقد سيطر عليه الماضي مجدداً
– البركه ف بنت اخوك اللي ربتها ياسيادة النائب
اطرق شهاب رأسه ارضاً… كلما حاول تجاوز الماضي عاد عاصم يفتح اقفاله من جديد
– خديجه كانت صغيره واضحك عليها
– اضحك عليها ولا انت اللي فشلت ف تربيتك
واردف بقسوة وكأنه يُعاقبه
– اخ جري على أمريكا عشان يشوف مستقبله وعم كل اللي همه نجاحه ويوصل لاهدافه.. ده انت حتى فشلت ف جوازك
ارتفع كف شهاب نحوه يصك فوق أسنانه
– لو كنت حبتها بجد وعوضتها مكنش ده حصل
– بنت اخوك كانت خاينه… خاينه… خانتني مع الدكتور… كانت في حضنه اقـ,ــ,ـتلتهم ولو رجع الزمن بيا تاني هموتهم ميت مره
ارتجف جسد شهاب بعدما غادر ليسقط فوق الفراش واضعاً وجهه بين كفيه لا يعرف على ماذا يندم على تربيه ابنه شقيقه الراحل ولم يُقصر بأعطاءها حبه ودلاله ام علي زواجه ام علي ضغطه على جرح عاصم وزواج لبنى من عمر وهو يعلم ان عاصم يكره عمر بشده لظنه انه كان يعلم بالحقيقه
******
تعلقت عيناها بالستره التي تُذكرها بصحابها… رائحة عطره مازالت عالقه بأنفها وتفاصيل تلك الليله لم تُغادر أحلامها
اغلقت خزانة ملابسها لتُغادر بعدها لعملها الذي أصبح ملاذ وحدتها رغم ما تجده به… انتهى دوام العمل لتنظر للمستندات المطلوب منها تدوينها على احد برامج الحاسوب… غادر جميع الموظفون حتى هناء زميلتها قد غادرت.. لتزفر أنفاسها براحه وهي تطبع المستندات
– عم عبده اوعي تمشي وتسبني استناني
كانت المره العاشره التي تهتف بها قدر لساعي الشركه مطمئنه لوجوده معها
– حاضر يااستاذه.. هنزل بس اجيب حاجه من عربيه البشمهندس وراجع تاني
اماءت له برأسها تنظر حولها.. ف الشركه فارغه تماماً.. عادت تنجز الجزء المتبقي منها ، فمجرد طباعه ورق لا اكثر وستنصرف على الفور
– قدر
انتفضت مفزوعه من سماع صوت السيد فهمي وهو يقف قبالتها
– بقالي ساعه بنادي عليكي
– اسفه يابشمهندس مأخدتش بالي
– هاتي اللي طبعتيه وتعالى ورايا على المكتب
أسرعت في جمع الأوراق مُتجها لمكتبه.. تتمنى ان ينتهي هذا اليوم الثقيل على قلبها
دلفت غرفه مكتبه تبحث عنه بعينيها.. تقدمت خطوتان للداخل مُتعجبه من عدم وجوده تهتف بأسمه
– بشمهندس فهمي
******
كمم فمها بكفه ويده الأخرى اخذت تعبث بأطراف ثوبها ينفخ أنفاسه الحاره فوق وجهها
– مش عارف جوزك كان معمي لما طلقك
حاولت تخليص نفسها من آسره بكل قوتها والخوف يدب بقلبها
– وتفتكري لو سيبتك وصرختي مين الخسران فينا
تسارعت أنفاسها تتلوي تحت ذراعيه… تُحاول مراراً إخراج صوتها
– اه يابنت العضاضه
التهمت كفه بعدما دفعته بعيداً عنها
– ابعد عني ياعم عبده الحقني
صرخت بعلو صوتها فدفعها بقوه نحو الجدار يُكمم فمها مُجدداً يُطالعها بوعيد
– عمك عبده مش هيطلع غير لما يلاقي اللي طلبته منه..
واردف وهو يضحك بشر
– ده لو لقيه
ابتلعت لعابها بخوف تتمايل بجسدها لعلها تتخلص من ذراعيه… رفسته بساقها ولكنه تفادي فعلتها بمهاره يرمقها ساخراً
– لا طلعتي شرسه
– امممم
صوت آنينها خرج بصعوبه تكاد أنفاسها تُزهق تحت كفه
– عارفه لولا أن متوصي عليكي اخوفك بس… لكنت
عض شفتيه بخبث يلتهمها بعينيه… دفعته عنها بكل قوتها مجدداً ولكن كالعاده باتت محاولتها بالفشل… قوة جسده كانت فائقة عنها… هبطت دموعها تفقد قوة جسدها من كثرة ما اصبحت تعيشه حتي رفع فهمي هاتفه يضغط عليه منتظراً اجابه من يُهاتفه
الجمتها الصدمه وهي تستمع للطرف الآخر.. فقد نفذ وعيده وهي التي ظنت ان الامر قد انتهى ليلتها
– ها يااخت الدكتور.. هتكلمي اخوكي تحكيله على اللي بيحصل معاكي عشان ينزل ينجدك وتوصليله الرساله ولا نعمل فيديو حصري ليكي والبشمهندس هيقوم بالواجب
سقطت دموعها بعجز وفهمي يرمقها بنظرات تعرفها
– كفايه عليها كده يابشمهندس… الرساله اكيد وصلت ومدام قدر بتفهم كويس
– اللي تأمر بي ياعاصم بيه
ابتعد عنها فهمي يُحررها.. ركضت بكل سرعتها خارج الغرفه تلتقط حقيبتها
– يااستاذه قدر… مالك بتجري كده ليه
والحقيقه كانت واضحه امام عبده وهو يرى السيد فهمي يعدل من هندام قميصه
– الخبر ده بكره يتذاع في الشركه.. لا الا تعتبر نفسك بره الشركه فاهم
******
جثت فوق ركبتيها أمام فراشه تتذكر حديث تلك السيده الطيبه التي تُدعي رسمية
” الحج ابراهيم في آخر أيامه يابنتي… ده بيحبك اوي بس كان مغلوب على أمره… اهل الست هدى الله يرحمها هددوه انهم يخدوا اخواتك ويحرموه منهم… الست هدى كانت طيبه اوي مكنتش تستحق منه انه يتجوز عليها… سامحيني يابنتي انتي كنتي ضحيه لكن خلاص معدش في وقت للحساب ”
– متسبنيش تاني
سقطت دموعها وهي تلتقط كفه ليفتح عيناه يُطالعها بحب
– عهد
– انا بحبك اوي يابابا
تحررت دموعه من مقلتيه بحسره يجذبها لاحضانه
– انا كنت اناني يابنتي وظلمتك بس كان غصب عني وانتي اللي دفعتي التمن
– انا مسمحاك يابابا بس خليك جانبي
هتفت بها وقلبها يؤلمها عاجزاً عن التفكير من فكرة فقده… ستفقد اخر فرد تبقى لها..
اغمض ابراهيم عيناه بندم يتمنى لو يعود الزمن للوراء ماكان فعل فعلته الشنعاء وتزوج على زوجته وابنه عمه الراحله ولم يظلم ابنته التي كانت الضحيه من هذه الزيجه
******
طالعت هناء انهيارها بملامح حزينه نادمه انها أتت إليها واخبرتها بما يتحدثون عنها بالشركه
– اهدي ياقدر
ضمتها اليها بقوه بعدما زاد نحيبها
– ليه بيحصل فيا كده ياهناء.. انا طول عمري ف حالي.. انا عمري ما اذيت حد
ارتجف جسدها كلما تذكرت اقتراب فهمي منها وتهديد شقيق لبنى… أخيها تركها تواجه بطش ذلك القاسي
– هو السبب منه لله
– قدر الموضوع في حاجه غلط… احكيلي ياقدر يمكن نلاقي حل
تعلقت نظراتها بعيني هناء التي اخذت تومئ لها برأسها حتى تتكلم
– انا هحكيلك ياهناء يمكن فعلا نلاقي حل
وانهمرت دموعها فوق خديها كلما تذكرت بشاعة الحديث الذي اشاعه فهمي بحقها
لطمت هناء صدرها بعدما استمعت بتركيز لكل كلمه غير مصدقه ان هناك شقيق يقف بوجه سعاده شقيقته ويفعل ذلك من أجل تطليق شقيقته
– ده انتي وقعتي قدام واحد مجنون… في حد يعمل كده هي البلد مافيهاش قانون
– انا مش عارفه اعمل ايه ياهناء.. انا خلاص قررت هفضل قاعده في البيت ومش هخرج تاني
انتفضت هناء من فوق مقعدها غاضبه
– اتصلي بأخوكي احكيله… مش ده اخو مراته يتصرف بقى… مش هتفضلي مخبيه عليه كل حاجه… بقالك تلت شهور مطلقه وهو ميعرفش اللي حصلك ومبسوط بره بحياته
اغمضت عيناها بقوه تُغالب دموعها التي عرفت طريقها فوق خديها
– لبنى حامل يا هناء.. حرام اضيع فرحته
– أنتي يابنتي مبتفكريش ابداً في نفسك… هتفضلي لحد امتى عبيطه وخيبه… مش كفايه اللي اتعمل فيكي من جوزك وأمه
انتبهت هناء لما تقوله دون وعي… فشحوب وجه قدر كان خير دليل على أن حديثها انغرز بقسوه بصميم قلبها
– انا اسفه ياقدر مكنتش اقصد ازودها عليكي
– أنتي عندك حق ياهناء… بس ده اخويا مش عايزه اهدم بيته.. اقوله ايه انا قصاد مراتك وابنك اللي مستنيه
تمتمت بكلماتها وهي تنهار فوق الاريكه بعدما ثقل جسدها مثلما أثقلت الهموم روحها
لمعت عيني هناء وهي تتذكر بعض التفاصيل التي قصتها عليها
– أنتي مش قولتي ان عمه راجل محترم وهو اللي خلصك منه لما خطفك
طالعتها قدر بتوتر لتتعلق نظرات هناء بها بدعم
– متخافيش هيساعدك اسمعي كلامي… ده راجل عضو مجلس شعب ورئيس حزب ليه تقله في البلد غير البزنس يعني سمعته اهم حاجه عنده… الناس ديه مبتحبش الفضايح ممكن يعملوا اي حاجه عشان اسمهم ميتهزش
– وفي الأول والآخر انتوا نسايب ياقدر
*****
وقفت أمام مقر الشركه التابعه له تتأمل هيئتها الخارجيه..تعلقت عيناها بواجهة الشركه تعزم أمرها ان ما تفعله هو الصحيح
دلفت من بوابة الشركه بخطوات متردده تُطالع ما حولها بتوتر ..فركت يديها بخجل وهي تقترب من إحدى موظفات الاستقبال تسألها
– مكتب استاذ شهاب العزيزي انهي دور لو سامحتي
– عايزه مكتب شهاب بيه مره واحده
هتفت بها الواقفة مستنكره ترمقها بنظرات فاحصة.. طالعت قدر نظراتها لهيئتها لتفهم نظراتها
– لو سامحتي هتفضلي بصالي كده كتير
– عندك ميعاد مع حضرته
– لاا بس
– يبقى خلاص يافندم.. اتفضلي عشان اشوف شغلي
قاطعتها بغلاظة مشيرة إليها بالانصراف… تنهدت قدر بضيق تلوم نفسها انها استمعت لنصيحة هناء وأتت
وقفت للحظات تنظر للموظفه لعلها تُخبرها كيف تستطيع مُقابلته
التفت بجسدها حتى تغادر فوقعت عيناها نحو الذي يُغادر المصعد للتو وبجانبه احد الموظفين يُحادثه… أسرعت بخطواتها اليه
– شهاب بيه
قطب شهاب حاجبيه مندهشاً من رؤيتها.. نظراتها المستنجده به جعلته يعلم أن الأمر لابد أن يخص عاصم
******
تعلقت عيناه بتفاصيلها وهو منصت إليها.. نفض رأسه من تفحصه لها وكأنه اليوم احب اكتشاف ملامحها
قبض فوق كفه بقوه وهو يرى ارتجاف جسدها مما فعله معها عاصم وذلك المدير.. ليغمض عيناه بغضب لاعناً ابن شقيقه داخله
– ارجوك ياشهاب بيه خليه يبعد عن طريقي…كفايه خسرني شغلي وبسببه طلعوا عليا سمعه وحشه في الشركه
وسقطت دموعها وهي تتذكر ما قيل عنها وقد اخبرتها به هناء
ليشعر شهاب بالشفقه عليها
– خدي اشربي العصير واهدي… واوعدك انه مش هيقرب منك تاني
التقطت منه كأس العصير وهي ترتجف
– شكراً
– أنتي خريجة ايه يااستاذه قدر
تعلقت عيناها به وهي لا تفهم مغزي سؤاله ليبتسم ناهضاً من خلف مكتبه
– حابب اساعدك تشتغلي بدل شغلك اللي خسرهولك عاصم
اطرقت عيناها مرتبكه
– لا شكرا… انا مش عايزه اتقابل مع الإنسان ده تاني
تفهم شهاب سبب رفضها وقد تعلقت عيناه بملامح وجهها الهادئه يلعن ابن أخيه للمره التي لا يعلمها… فنظراتها الحزينة لا تفسر الا الكسره
– انا مقدر خوفك من عاصم ومتخافيش هشوفلك شغل بعيد عن شركاتنا بحيث متتقلبيش انتي وعاصم
رفعت عيناها نحوه بأمتنان حقيقي تغمرها السعاده تُخبره بمؤهلها الدراسي
– خريجة كليه آداب قسم اعلام
*****
صراخها كان يصم أذنيه بقوه يُخبره انها وحدها من تحصد نتيجة ما ارتكب في الماضي..اغمض عيناه يهتف بضعف اسم ولده
– ياحامد.. ياحامد ياولدي سيب اختك حرام عليك
– بقى انا يابت المحروقه تردي عليا… مش كفايه معيشينك معانا وانتي بنت واحده نجسه
– عامل عليا راجل وبتضـ,ـربني وانت بتسمع كلام مراتك
لتشهق لطيفه مما تسمع تشير نحو حالها بوداعه
– انا… شايف ياحامد بتقول ايه ..ده جوزي سيد الرجالة
– اسكتي انتي يالطيفه مش عايز اسمع حسك والاحسن اخفي من قدامي السعادي
واندفع يجذب عهد من خصلات شعرها يزجرها بقسوه
– وانا هعرفك معني الرجولة يابنت فيروز ..ولو كنت فكرة لحظه تكملي علامك فخلاص بح
ارتعشت شفتيها قهراً تتوسله
– لا الا العلام ابوس ايدك
– الحق يابيه الحج ابراهيم واقع ف اوضته
تجمدت ملامح حامد يركض نحو غرفة والده يصرخ بالخادمه
– اجري خلي صبحي يجيب الدكتور بسرعه
اندفعت الخادمه تُلبي طلبه… فأقتربت منه لطيفه تنظر لجسد ابراهيم المجثي ارضاً فصرخ بها حامد
– غوري من وشي
انتفضت لطيفه من صراخه لتُغادر الغرفه تتمنى داخلها ان لا ينهض ابراهيم من وعكته
******
وقف مُكفر الوجه يُتابع فحص الطبيب لوالده… انتهى الطبيب من فحصه بنظرات اسفه يُجمع حاجته مُغادراً الغرفه
اتبعه حامد ينظر اليه بلهفه
– طمني على الحج يادكتور
– الحاله الصحيه مش تمام مكذبش عليك
– شور عليا يادكتور… انقله المستشفى طيب
وضع الطبيب حقيبته الطبيه فوق المنضده التي أمامه يُدون بعض الادويه
– هنغير الادويه بتاعته وياريت تبعدوه عن أي حاجه تزعله… الحج كان تمام الاسبوع اللي فات لما جيت افحصه، فأن الحاله تدهور كده يبقى اكيد حاجه شديده زعلته
اطرق حامد رأسه للحظات وعاد يرفعها بجمود زائف
– ياصحبي تعالا وصل الدكتور
******
اتكأت بظهرها خلف باب غرفتها تبكي بمرارة وقد أظلمت الدنيا بعينيها بعدما كانت ترى بصيص من الأمل عندما تتذكر حديث جارتها الغاليه
– أنتي فين ياابله رحمه
اقترب حامد من والده يجثي فوق ركبتيه امام فراشه
– انت كويس ياحج
اشاح ابراهيم عيناه بعيداً عنه مقهوراً مما فعله بشقيقته التي أصبح يخشى عليها خاصه منه ومن زوجته الماكره فبقيت أولاده يعلم أن قلوبهم لا تعرف الكره كما ان تعليمهم وتحضرهم قد ازال الغشاوة عن أعينهم ونسوا الماضي الا حامد الذي كان الكبير والقريب جداً من والدته الغاليه التي احبها حبً شديداً ولكن ضعف نفسه وزهوه بعزوته وماله جعله ينسى وفاءها وحبه ويركض وراء شهوته
– قولتلك ياحج بلاش تجيبها هنا
واغمض عيناه بقوه وهي يتذكر “فيروز” تلك الراقصه التي لم ترحم والدته من معرفه زواج زوجها بأخرى بل أتت لتريها من هي التي اخذت زوجها منها محباً لجمالها وجسدها… قهرتها جعلتها تقضي الباقي من أيامها المعدوده مكسورة حزينه لا تعرف ما الذي ينقصها ليتزوج عليها زوجها
سقطت دموع حامد رغماً عنه وهو يتذكر والدته الحبيبه
– مش قادر اشوف عهد غير انها فيروز
ولطم رأسه بالفراش
– قولتلك بلاش نجيبها.. هفضل انتقم منها لحد ما احس ان ناري بردت
سقطت دموع ابراهيم بوهن وهي يلتف نحوه يشعر بالآلم ينهش روحه.. يتسأل داخله عما فعله بعمره ليكون هذا حصاده ف النهايه
– ديه اختك ياولدي… عهد مش فيروز
– بس بنتها من دمها
ونهض كالهائج يدور حول نفسه
– ابعتها لمحمد تقعد عنده… ولا محمود المهم تبعد من وشي
غادر من غرفه والده ليرمقه ابراهيم متحسراً
******
رغم ثقتها والجميع يمتدح فكرتها الجديده في اداره مشروعهم المشترك الا انها كانت تتمني نظرة واحده منه… تجمدت نظرات شهاب فوق الأوراق التي تنتظر توقيعه للدمج مع شركة الحديدي في مشروعهم المُقبل
– ايه شهاب بيه لسا برضوه بتفكر
هتف السيد “نشأت” عبارته مبتسماً بتودد.. فتعلقت نظرات شيرين به وهي تتمنى ان يتم دمج ذلك المشروع فهو فرصتها الوحيده مع شهاب وفي لحظه كانت تزفر أنفاسها فرحه بعدما وضع شهاب توقيعه على الأوراق والسيد نشأت ينهض من مقعده يُبارك له
– متعرفش انا سعيد اد ايه بالشغل معاك ياشهاب
– الشرف لشركتنا نشأت بيه
انتهى الاجتماع اخيراً بعدما غادر السيد نشأت واتبعه البقية..
اقتربت منه شيرين وقد ارتسم فوق ملامحها الأسى لتجاهله لها
– لدرجادي ياشهاب مش طايق وجودي… ده انا في يوم من الايام كنت مراتك وأم ابنك
قاطعها شهاب يضع كفه أمامها قبل ان تستطرد في حديثها
– بشمهندسه الاجتماع خلص
– شهاب انا
تحرك شهاب مغادراَ غرفه الاجتماعات تاركاً لها الغرفة ، قبضة مؤلمة اعتصرت قلبها لتُغادر هي الأخري
******
جلس الحج محمود على الكرسي الذي وضعته له الخادمه بجانب فراش الحج ابراهيم
– كده تقلقنا عليك ياراجل.. بسم الله ماشاء الله ده انت بتصغر تاني اه
ابتسم ابراهيم علي مزاح ابن عمه وصديقه
– معدناش صغيرين خلاص يامحمود
– انت تقوم بس بالسلامه ونروح نحج
انشرح قلب ابراهيم فقد اشتاق بحق لزيارة بيت الله الحرام
– يا مين يعيش لبكره يامحمود
شعر محمود بمشاعر لم يرد اظاهرها فوق ملامحه وتجاوز ما يشعر به
– قولي بقى ياسيدي ايه الموضوع المهم اللي طلبتيني عشانه
ابتلع ابراهيم لعابه بعدما شعر بجفاف حلقه ينظر للفراغ الذي أمامه بحزن
– عهد يامحمود
– مالها عهد
تسأل محمود بتوجس لتتسع عيناه شيئاً ف شئ
******
مرت الايام وكل يوم تنظر إلى هاتفها تنتظر مكالمته كما وعدها ليُخبرها في اي مكان ستعمل… تنهدت بأسي فيبدو انه قد نسيها
زفرت أنفاسها بهم فلم تعد تخرج من منزلها خشية مما ممكن ان يحدث لها من رجال عاصم.. فكل يوم تجد ظرف اسفل بابها يُخبرها انه لن ينتظر كثيراً.. لا تعرف لما هذا الرجل يتحامل على شقيقها هكذا وقد اصبح زوج لشقيقته وأفراد عائلته باركت الزيجه برضى
طرقات الباب وصوت زوجة خالها السيدة سميره جعلتها تفيق من دوامه تخبطها لتسرع نحو الباب تفتحه لها
– اهلا ياخالتي
اندفعت سميرة للداخل بوجه حانق لا ترى أمامها
– خالك بيخوني… لقيته بيكلم واحده على ابصر ايه ده الفس بوك
رغم همومها ضحكت من قلبها وهي تجلس جوارها
– قصدك الفيس بوك
– هو المنيل على عينه اللي نطقتيه
واخذت تنتحب وتلطم فخذيها
– مش كفايه رضيت بيه يخوني انا.. لا انا عايزه اطلق منه الخاين الغدار
لم تتمالك ضحكاتها مُجدداً فقد كانت سميره اكثر نساء منير فكاهة وطيبه ولكن ما الجديد بطبع خالها فهو هكذا دوماً
– أنتي بتضحكي ياقدر…انا الغلطانه عشان طلعت افضفض معاكي بكلمتين
– رايحه فين بس.. تعالي اقعدي هقوم اعملك كوبايه عصير تهديكي
عادت سميره لمكانها تومئ برأسها بعدما هدأت قليلاً …ولكن صوت منير قطع كل شئ
– افتحي الباب ياقدر
– اوعي تفتحيله الباب… انا مش عايزه اشوفه مش طيقاه…
ازدادت طرقات الباب وقد علا صوت منير
– لا كده لازم افتحله هنتفضح قدام الجيران
اتخذت سميره جنباً واشاحت رأسها بعيداً عن رؤياه
– هروح اعملكم كوبايتين عصير لحد ما تتصافوا
انسحبت قدر من بينهم وهي تبتسم وفور ان دلفت المطبخ اقترب منير منها
– ايه ياسمسمه حد يزعل من منير حبيبه
– ياخاين ياكداب…انا استاهل عشان اتجوزتك
ودفعته بعيداً عنها بقوه
– تخنتي ياسميره وايدك تقلت
حدقت به سميره بشراسه تستنكر حديثه مُشيرة لجسدها الممتلئ
– تخنت مين ياخويا.. ده انا عودي عود فرنساوي
وكلمه وراء كلمه انتهى الخصام ليسحبها خلفه هاتفاً
– اشربي انتي العصير ياقدر
فتصدح ضحكات سميره بالمكان بعدما غمز لها منير ببضعة كلمات ورحلوا
خرجت من المطبخ تنظر للباب المُغلق ولاكواب العصير
– هشربكم انا بقى
الفصل السادس (6)
لم تكن خطيئتي.
– مش معقول سيادة المستشار مشرفني
اقترب كامل من صديقه يُصافحه بحبور
– لو مجتش اسأل انا متسألش
ابتسم شهاب وهو يُشير لصديقه بالجلوس وعاد لمكتبه يُهاتف سكرتيرته
– تشرب ايه
– قهوه ياسيدي
– اتنين قهوه يااميره
جلس قبالته يسأله عن حاله وحال زوجته وأولاده
– الحمدلله كلهم كويسين… ومستنين فرد جديد هينضم للعيله
اتسعت ابتسامه شهاب يُهنئه بسعاده
– مبروك ياكامل… فاكر ياكامل لما نهال كانت حامل في مروان اللي يشوف ثورتك ورفضك انك تخلف ميشوفش دلوقتي الرابع اه بيشرف
ضحك كامل وهو يتذكر ما مضى من حياته
– شوفت اهو الدنيا بتغير ونفسي المرادي نهال تجيب بنت
توقف حديثهم بعد دلوف الساعي ب فناجين القهوه ليضعها أمامهم
– قولي اخبارك ايه في السياسه والبيزنس
– اهي السياسه ديه اسوء اختيار عملته
هتف بها شهاب وهو يرتشف من فنجان قهوته
– ليه كده بس.. ده انت حتى ماشاء الله بقيت من رموز الدوله
تجلجلت ضحكات شهاب وهو يستمع لمديح صديقه
– والله هو زمان كان حلم ولم اتحقق ندمت عليه…سيبك مني واقولي ايه اخبارك
التمعت نظرات كامل مكراً يرمق صديق عمره
– ده انت اللي تقولي ايه اخبارك… هو صحيح رجعت لشيرين
احتدت نظرات شهاب وهو يسمع تسأل صديقه
– قصتي انا وشيرين انتهت
– وانتهت ليه ما ترجعوا ياشهاب وفيها ايه.. اللي حصل حصل وده قضاء ربنا… انت محملها ليه موت سيف
تبدلت ملامح شهاب فور تذكره لحادثه طفله
– كامل حياتي مع شيرين صفحه وانتهت وحاليا اللي بينا شغل بس
فحصه كامل بنظراته ونهض خلفه
– طب فكر ياشهاب… انا شايف انها اتغيرت ولسا بتحبك
– طبعا نهال هي اللي بتوصيك توصلي الكلام ده ..ما اصلهم صحاب من زمان
هتف بها شهاب ساخراً فتنهد كامل بقله حيله ولكن سريعاً ما دب الأمل داخله فحديث زوجته عن هيئه شيرين الجديده كان هذا ما يتمناه دوماً شهاب بها
– قلبي حاسس انك هترجعلها وتبدأوا صفحه جديده
*******
انتفض أدهم من مقعده بعد حديث عمه وهو لا يُصدق ما يطلبه منه
– اتجوز مين
تنهد الحج محمود وهو يستصعب اخباره ثانية بطلبه الذي سينقذ حياة تلك المسكينه
– عهد بنت عمك الحج ابراهيم
– انت بتقول ايه ياعمي… انت واعي على اللي بتطلبه
اقترب منه الحج محمود برجاء
– ياادهم ياولدي انت هتنقذ البت من حامد… حامد ميتخيرش عن عاصم الاتنين اديهم سابقه عقلهم وقلوبهم بقت حجر
– تربيتكم ل عاصم وحامد هما اللي عملوا فيهم كده.. خلوهم مش شايفين غير انهم رجاله العزيزي ورجاله العزيزي الجحود مالي قلوبهم
اطرق الحج محمود رأسه بخزي فلم يخطئ ابن شقيقه بشئ…ولكن فات العمر ولم يعد بيديه حل لتقويم سلوك ابنه الذي تغير بشده بعد زواجه
– طب يابني خليك انت الجدع اللي فيهم وانقذها… عمك إبراهيم خايف عليها من بعده.. وانت عارف حامد وسبب كرهه ليها
احتقن وجه أدهم وهو يتذكر تلك القصه القديمه
– انتوا ليه بتحملوا الناس اخطائكم…. هي ذنبها ايه ف اللي حصل زمان
تهاوى محمود فوق المقعد بعدما شعر باليأس من موافقه ابن أخيه
– ربنا يتولاها يابني… روح ارتاح واعتبر انك مسمعتش حاجه مني وربنا يدبرها من عنده
***
شحب وجهها وهي تنظر للصور المبعوثه إليها ، فسقطت دموعها وشئ واحد اصبحت تدرك حقيقته ان عاصم لن يتركها وان الرجل الذي استنجدت به ليحميها من ابن أخيه قد نسيها فمن هي ليتذكرها
فاقت من شرودها على صوت رنين هاتفها وبلهفة أسرعت لتُجيب لعلا هذا الرجل وفيّ بوعده إليها
– الصور عجبتك
تجمدت في وقفتها وهي تستمع لصوت عاصم الذي اتبع سؤاله بأطلاق صوت ضحكاته
– اوعي تفتكري ان شهاب ممكن يحميكي مني… شهاب بيه مش فضيلك ياحلوه
ابتلعت لعابها وقد ارتعش جسدها أثر كلماته
– اعتبريها اخر فرصه ليكي… اختي قصادك
وانغلق الخط لينظر عاصم الي هاتفه بملامح جامده
– حظك الأسود هو اللي وقعك تحت ايدي يااخت الدكتور وحقي هعرف اخده كويس
والماضي كان يعود أمام عينيه ثانيه.. زوجته بين أحضان الطبيب ومقتطفات تجمعت امامه لتشوه حاضره
*****
وقفت تطرق رأسها ارضاً تتلاعب بأطراف ثوبها
– حضرتك طلبتني
تحركت عيني الحج محمود نحو أدهم الذي جلس يتناول فطوره بملامح غير مبالية قبل عودته للقاهره
– تعالي يابنتي افطري معانا متتكسفيش
– الحمدلله فطرت
– أنتي عايزه تكملي علامك ياعهد
رفعت عيناها نحوه لا تُصدق ما سمعته… ورغم ملامح وجهها المكدومه الا ان وجهها أصبح يشع بهجة تتسأل بلهفة
– هو ده ممكن يحصل
تعلقت نظرات محمود ب ابن شقيقه الذي اخيراً أصبح ينصت إليهم
– بس حامد مش هيرضي
غامت عيناها بالحزن وهي تتذكر كلامه لها فهى لا حق لها بأي شئ لا تعليم لا ورث ولا حياه
– ملكيش دعوه ب حامد مدام انتي عايزه يابنتي خلاص
– شكرا ياعم الحج…
وركضت نحوه تقبل كفه بمحبه ودموعها تسبقها
تأملها رغماً عنه بعدما ظلت نظراته ثابته بعيدة عنها حتى لا تقع عيناه عليها ويرضخ لقرار عمه بواجب العطف
عندما تلاقت عيناه بعيني عمه علم ان كل هذا مخطط منه لعلا العروس الصغيره ذو الجسد الهزيل والوجه المكدوم تعجبه
نهض بملامح جامد من فوق الطاوله ينظر لعمه وهو يحمل هاتفه
– يدوبك الحق اسافر ياعمي
توردت وجنتي عهد وهي تسمع صوته فقد نست وجوده من شدة فرحتها
انصرف أدهم دون كلمه أخرى منه ومن الحج محمود الذي فقد اخر ذرة امل فيبدو ان العروس لم تعجب ابن شقيقه ولكنه عزم على أن يجعلها تُكمل تعليمها فالفتاه لا تمت بصلة ل تلك الفيروز التي اغوت ابن عمه قديماً وهدمت بيته.. فهى ابرئ من ان يتخذوها بذنب امها فيكفي حرمانها من كل شئ فيما مضي
*****
لم يكد يُغادر البلده بسيارته الا وطيفها اقتحم عقله… أوقف سيارته جانباً يزفر أنفاسه حانقاً..يطرق بيديه فوق عجلة القياده
– مش هكون احن عليها من أخواتها
ولكن بين الرفض وقدره كان يسلك طريق البلدة ثانية يقنع عقله انها زيجة لإنقاذ حياه فتاة
*****
اينما كان يتحرك كانت عيناها تسير معه بهيام… هياماً وعشقاً لم تعلم بوجودهم الا عندما انغلقت صفحة حياتهم معاً
وكظتها إحدى صديقاتها وهي ترى نظراتها نحوه
– ما تروحي تقربي منه ولا هتفضلي وقفه في مكانك خايبه
تنهيده بائسه خرجت من اعماقها فماذا ستفعل اكثر مما تفعله… عادت من الخارج وتركت والديها بعدما قرروا البقاء بسويسرا وأتت لتعمل بشركة ابن خال والدتها أصبحت سيدة أعمال.. امرأه رياضيه ذو فكر ناضج ولكن شهاب لم يعد يراها وكأنها باتت خارج حساباته
– اعمل ايه اكتر من كده يا شروق… شهاب مش شايفني خالص
التوت شفتي شروق ممتعضة من سلبية صديقتها
– لازم تفضلي حواليه ياشيرين لحد ما ترجعيه ليكي… المعركه مش سهله… اعملي زي ما عملت مع طارق فضلت وراه لحد ما اتجوزنا
قالتها شروق بفخر وهي تُحرك خصلة من شعرها بأنوثه
– شيرين ..شهاب مش لازم يضيع منك من تاني
لتتعلق نظرات شيرين به وهي تزفر أنفاسها تشتاق اليه والي أنفاسه
*****
في لحظة ضعف وجدت نفسها تفكر في كلام خالها ف كريم مازال يتواصل معه يطلب منه عودتها ولم يعد في عدتها الا مجرد ايام… اغمضت عيناها بقوه وهي تتذكر حديث خالها منذ اسبوع
” هتفضلي عايشه لوحدك كده… عمر وخلاص لقي نفسه بره ويعالم هيرجع امتى… ارجعي لجوزك ومش اول ولا اخر راجل يتجوز على مراته والراجل عايزك وشاريكي”
اليأس كان يمتلكها لترفع هاتفها تدون رقمه ولكن للحظه تذكرت كل شئ مرت به معه ومع والدته… نفضت رأسها سريعا تُلقي هاتفها باكية
– لاا ذل تاني لاء
******
اخفي الحج إبراهيم دموعه وهو ينظر لعهد التي اقتربت منه تجثي فوق ركبتيها تخبره عن سعادتها لموافقته على اكمال تعليمها ووقوفه اليوم ضد حامد الذي ثار اليوم عليهم رافضاً ان تتعلم
– هو ليه حامد بيكرهني كده… انا ماليش ذنب في اللي حصل زمان
اغمض الحج ابراهيم عيناه ولحظه وفاه زوجته لا تزال عالقه في قلبه قبل عقله… ليلتها بكى كبكاء الأطفال على محبوبته وابنه عمه
– حامد مش بيكرهك ياعهد… هو بيكره فيروز
فاضت عيناها بالدمع وهي تحمل خطيئة لم ترتكبها ودفعت هي ثمنها
– انا ذنبي ايه… ليه حملتوني الذنب ده
ضم كفها بكفه الذي اخذ يرتعش
– لو هتحملوا الذنب لحد حملوا ليا انا… لاني السبب في كل ده
لم يتحمل ابراهيم كبت دموعه ففاضت عيناه بالدمع
– لما ربنا اداني افتريت على مراتي… هدى مكنش في احن منها
قاطعته بسؤال تعلم اجابته ولكن قلبها كان يود ان يعلم انها ليست وحدها من عانت أنانية والدتها
– ماما كانت وحشه صح
اطرق الحج ابراهيم عيناه بأسي يتذكر اول لقاء بينه وبين فيروز في ذلك الملهي الذي دعاه اليه احد أصدقائه حتى يبسط مزاجه ويري الجمال في أجساد النساء فزوجاتهن اصاحب العباءات المنزليه واللاتي امتلئت اجسادهن رغما عنهم فلم يعدوا يمتوا للنساء بشئ
– امك كانت بتعرف تخلي اعتق راجل يقع تحت رجليها…عجبتني فضلت اجري وراها وانا مش عايز غير نظرة منها… جبتلها الشقه والعربيه اللي شورت عليهم عشان انول الرضا… ويوم ما اتجوزتها اشترط عليها جوازنا يكون في السر وأننا منخلفش لكنها كانت عايزه اكتر من كده كانت عايزانى اطلق هدي… أثرت عليا بجمالها كنت بهين هدى واضـ,ـربها.. واعيرها بشكلها وجسمها ..وهي مكنش عندها غير دمعتها وتكتم وتسكت… اخواتك لحد دلوقتي مغفروش ليا اللي عملته في امهم… محمود ومحمد مصدقوا يكبروا ويتجوزوا وبعدوا عن البلد كلها مبقتش اشوفهم غير في المناسبات ولما اتعب ويفتكروني بودع…
وابتلع لعابه وطالع ما أمامه بشرود مظلم
– حامد معرفش يطلع غضبه عليا… ومقدرش يعمل زي اخواته ويسبني ورغم كل ده بشوف في عينه اللوم لحد دلوقتي واني كنت السبب….
واردف بندم ينهش قلبه
– حامد هيفضل يطلع غضبه عليكي لحد ما ينسى فيروز وللأسف عمره ما هينساها لانها في ملامحك…
اطرقت عيناها حزناً فهذه الحقيقه تعلمها وكدمات وجهها خير دليلاً لها
– عشان كده يابنتي انتي لازم تتجوزي
اتسعت عيناها وهي تنظر اليه فأي زواج يتحدث عنه والدها… وهو من وعدها انها ستُكمل تعليمها
– قبل ما تفكري انتي لازم تعرفي ان بجوازك هتعرفي تكملي علامك
*****
تقلب في فراشه يُجافيه النوم رغم ارهاقه.. تنهد بسخط يمسح فوق وجهه يعدل من وضع رقدته وحديث صديقه عن عودته لشيرين مُجدداً والتي ينتظرها الجميع مُقتنعين انها الوحيده التي تناسبه والأهم حبها له وتغيرها الواضح
شيرين أصبحت أمامه في كل شئ تقتحم حياته ثانية ولكن المره تقتحمها بهيئة المرأة التي تمناها ان تكون عليها يوماً ولكن الأوان قد فات وانتهت المشاعر داخله…
لا يُنكر ان تغيرها يعجبه ولو كان هذا قد حدث في الماضي لكانوا الآن معاً
نفض رأسه بحنق فهو يدور في نفس الحلقة المغلقة لا يعرف اهو يطردها من عقله ام يشغل عقله بتفاصيلها وتغيرها
– اطلعي من دماغي ياشيرين
هكذا خاطب نفسه وهو ينهض من فوق فراشه مُتجهاً لاسفل راغباً بفنجان من القهوة واسترخاءً مع احد الكتب لعلا عقله ينشغل بين السطور
استرخي في مقعده بغرفة مكتبه مندمجاً يتلذذ بقهوته ولكن استرخاءه لم يدم طويلاً ف صورة أخرى لامرأة بأعين حزينة تستجدي منه عوناً وقد نسيها تماماً وسط مشاغله واكتفي بتحذير ابن أخيه بالبعد عنها
*****
دلف لغرفة مكتبه تتبعه سكرتيرته تحمل بين يديها بعض الأوراق التي يجب أن يطلع عليها ويوقعها… ازال سترته يضعها فوق المشبك
– عملتي ايه ف الموضوع اللي قولتلك تهتمي بي
قطبت اميره حاجبيها لا تفهم مقصده
– موضوع ايه يافندم
طرق سطح مكتبه غضباً
– مش قولتلك تتصلي ب مدام قدر تبلغيها تقدم ورقها امتى في شركة الزيني
اتسعت عيني اميره وهي تتذكر ما أمرها به منذ اسبوعين..
اطرقت عيناها ارضاً خوفاً من نظراته الغاضبه
– اسفه يافندم… غصب عني نسيت الشغل كان كتير الفتره اللي فاتت و…
قطع حديثها يرفع سبابته محذراً
– غلطه ومتمناش تتكرر تاني مفهوم
– حاضر يافندم
حركت رأسها تهتف بتعلثم
– هتصل بيها حالا
وضعت الأوراق وفرت من أمامه تفعل ما امرها به
– استنى… هاتي رقمها انا هكلمها
زفرت أنفاسها براحه فقد خشت ان يستمر في توبيخها
– حاضر يافندم
أسرعت نحو مكتبها تجلب رقم تلك الفتاة التي كانت ستكون سبب طردها… حمدت ربها ان الامر انتهى بتحذير لا أكثر
عادت اليه تعطيه رقمها…فرفع شهاب عيناه عن الأوراق ينظر للرقم مُشيراً إليها بالمغادرة
*****
صرخ بها منير غير مُصدقاً ما يسمعه
– اخوكي لازم يعرف… مش اخو مراته ينزل يتصرف معاه
وهوي بجسده فوق الاريكة يلتقط أنفاسه بعد ثورته عليها يرمقها وهي تبكي بضعف
– انا كان قلبي حاسس ان في حاجه حصلتلك… ده انتي كنتي متحمسه للشغلانه وفرحانه… ليه ياقدر مجتيش تحكيلي انه بيهددك وخلي مديرك يتحرش بيكي
تعالت شهقاتها بأنكسار تقبض فوق عباءتها المنزليه بقهر
– عشان خاطر عمر هو مصدق يتجوز لبنى وعايشين مبسوطين
واردفت وهي تطرق رأسها
– احنا مش اد الراجل ده… ده راجل مفتري وشراني
– مافيش حل غير انك تتجوزي ومدام مش عايزه تتجوزي كريم يبقى اتجوزي ابن الحج أيمن جارنا ظروفه مناسبه لظروفك واه تربى عياله وتكسبي فيهم ثواب وانتي خلاص عدتك خلصت وتقدري تتجوزي
رنين هاتفها جعل منير ينهض من فوق مقعده يظن ان المتصل ليس إلا عمر وقد اتي اتصاله بوقته
– ده اكيد عمر
التقط هاتفها تتوسل اليه بنظراتها
– بلاش ياخالي… عمر مستني طفل ولبنى ملهاش ذنب
ولكن منير قطب حاجبيه يرمق الرقم
– ده رقم مش دولي
لتشهق خوفاً ان يكون اتصالاً من عاصم يُهددها على عدم تنفيذ اوامره
– مين معايا
طالع شهاب هاتفه متعجباً
– رد يازباله ياحقير… بقى بتتشطر على الولايا
توقف منير عن سبابه يرفع حاحبيه متعجباً الي ان استخرت ملامحه
– اسف يابني… بس ابن اخوك الله يسامحه
وهنا أدرك شهاب ان عاصم لم ولن يكف عن اذيتها… فالنتيحه واضحه
ليبدء منير ف عتابهم وان الأمر لو استمر سيقدم بلاغاً في ابن شقيقه او يُطلق عمر لبنى وينتهوا من كل هذا.
وتلك المره كان بكاء قدر بأحساسها بالأمان بوجوده خالها معها ورغم انها تعلم انه أضعف من ان يقف في وجه تلك العائله الا ان بضعة كلمات جعلتها تدرك انها ليست وحيدة
*****
لم يترك خالها شيئاً عن حياتها الا وأخبره به… وشهاب يجلس أمامه يستمع اليه
تولي منير تلك الجلسه وأخرج كل مافي جبعته ليتسأل بعدما أنهى كل شئ متعلق بأبنة شقيقته
– بس انت يابني كنت جاي ليه
ابتسم شهاب بهدوء يعتدل في جلسته فتلك الزيارة لم يكن ينتويها فكل ما كان عازم عليه اعتذار دبلوماسي عن نسيانه لامرها واخبارها ان تذهب لإحدى الشركات لتقديم ورقها ولكن ما سمعه عبر الهاتف وما فعله ابن أخيه مجدداً بعقل غائب ولا يمت للرجال بصله جعله يأتي إليهم
انتظر منير ان يسمع منه سبب قدومه… لتدلف قدر بفنجاني القهوه وهي تشعر بالخجل مما قاله خالها عن حياتها وما عانته مع زوجها الأول ومدح أخلاقها وكأن الرجل أتى لخطبتها
قرار لا يعرف كيف اتخذه ونطق به ولكن شيئاً غريباً كان يدفعه
– انا يشرفني اطلب منك ايد قدر يااستاذ منير
****
الصدمه كانت مرتسمة فوق ملامحها لا تُصدق انه أتي لعرض الزواج عليها… لم تشعر بأغلاق خالها لباب الشقة بعدما ودع شهاب يُخبره ان ينتظر رداً منه خلال أيام
– عروستنا سرحانه ف ايه
رفعت عيناها نحوه تستنكر تلك العباره… فأي عروسً يتحدث عنها خالها
– عروسه ايه ياخالي… الراجل شكله عايز يتجوزني عشان ابن اخوه ميروحش في داهيه
– لا عروسه ياقدر… والراجل طلب ايدك وانا مبدئياً موافق ديه فرصه ياعبيطه متتعوضش
– فرصه !
تنهد منير وهو يجلس جوارها
– ايوه فرصه… راجل مقتدر ودوغري ودخل البيت من بابه ويعتبر من العيله.. وانتي جميله والف واحد يتمناكي
– ياخالي انت مش فاهم حاجه
نهضت من جواره تجلب كأس الماء الموضوع فوق الطاوله ترتشف منه القليل
فأتجها منير نحوها يربت فوق كتفيها
– فكري ياقدر كويس في طلبه.. واه تحمي نفسك من شر ابن اخوه
*****
شرد في أفكاره وماهو مقبل عليه.. لا يعرف أكان قرار صائب ام خطأً سيندم عليه فيما بعد… لا ينكر انها جميله وهادئه وانه لم يخطط لهذا الطلب فقد خانه عقله قبل لسانه ليندفع يطلب يدها دون تخطيط..
زفر أنفاسه وهو يشعر بالتخبط فعودة شيرين لمحيطه جعله يتخذ قرار الزواج ثانية وكأنه يهرب من لحظة احتمال رجوعهما…
تشتت وضياع كان يغمره فمسح فوق وجهه ينتبه لصوت سائقه
– تليفونك يابيه بيرن بقاله فتره
اطلق تنهيده قويه من اعماقه وهو يخرج هاتفه من جيب سترته ينظر لرقم المتصل
– ايوه يا أدهم… كتب كتاب مين انت بتقول ايه
*****
كل شئ صار كما تم ترتيبه.. زيجة رغم ان لا مفر منها لباقي العمر الا انها أعطته جميع الصلاحيات ولكن هي لم يكن الا خلاصاً وحمايه لها.. وأدت أحلامها في طي النسيان فلم يبقى لها إلا حلم استكمال دراستها
اقترب منها بملامح لا يظهر بها شئ
– مبروك
قبضت فوق قماش فستانها تخفض عيناها نحو كفوفها المضمومه
– أنتي اكيد فاهمه وعرفه سبب جوازنا
اماءت برأسها دون النظر اليه ليتنهد أدهم بسأم من صمتها
– بكره هنسافر القاهره… وتعليمك وهتكمليه وكده اكون عملت المطلوب مني
القي بكلماته وكأنه يحفظهم بترتيب لينصرف بعدها يتركها في دوامة أفكارها
*******
تفاجئ الحج محمود مما يخبره به شقيقه.. غير مصدقاً انه سيتزوج والاغرب كان بالنسبة له العروس
– عاصم السبب مش كده ياخوي
اقترب شهاب من مكان جلوسه يجلس جواره
– عاصم السبب اني اشوفها لكن اتجوزها اكيد لاء
تبدلت ملامح الحج محمود وهو يستمع لجواب شقيقه الذي استحسنه يدب بعصاه فوق ارضيه الغرفه
– اظاهر ان عيلة الدكتور نسبنا منهم بيكبر… على بركة الله
*******
كان يعرف تماماً أين سيجده ولم يخيب حسه.. طالعه وهو يقف شارداً يداعب فرسه.. اقترب منه يربت فوق كتفه يزفر أنفاسه
– انا عارف انك سمعتنا
رمقة عاصم بنظرات ساخره وعاد يداعب فرسه
– هتتجوزها عشان تحميها مني.. اول مره تعمل خطوه مش مدروسه ياشهاب بيه انا كده كده كنت بدأت ازهق
وتجمدت ملامحه وهو ينظر للمساحه الواسعه من الأراضي التي أمامه وملك للعائلة
– لتاني مره بتكسروني قدام الدكتور… هيفضل العار ديما قدام عيني وشايفه في نظراته
– قولتلك ان عمر ميعرفش حاجه ياعاصم
– قولتلك كان عارف… ليه مش مصدق.. كان خايف مني هددته بكل حاجه ممكن يخاف عليها.. لكن في الآخر انتوا عملتوا ايه كسرتوني
واشتعلت عيناه غصباً وهو ينظر اليه
– انت بالذات كسرتني لأنك عارف.. عارف انا ليه بعمل كده… مفيش مبرر قدمهم غير اني قاسي.. بس القاسي ده عاره كل يوم بيشوفه قدام عينه
– عاصم انا…
دفعه بقوة لم يقصدها مما جعل شهاب ينبطح أرضاً
– الدكتور كان عارف ان مراتي في حضن صحبه.. مراتي اللي مكنتش لقيه معايا احساس بالكمال… مراتي اللي شوفتها في حضنه عريانه… بنت اخوك اللي ربيتها وعلمتها في مدارس اجنبيه ياشهاب بيه.. بنت اخوك اللي استكبرت عليا ازاي خديجه هانم تتجوز عاصم اللي اخد الدبلوم بالعافيه وأيده خشنه من الأرض وعقله عقل الجاموس
انهار دون اراده منه يجثي بركبتيه بجوار شهاب الذي سقطت دموعه رغماً عنه…
كان يعلم تماماً ان عاصم يخبئ الكثيرعن علاقته بخديجه حتى أنه ترك للجميع رؤيته بأنه الزوج الذي اطفئ زهرة شباب زوجته فاراحها الموت من زوجها القاسي
– كنت شايفها انها زهره عمري… الهديه اللي ادتوهاني … لبست البدله وكرهت جهلي عشان اعجبها
وضحك ساخراً وهو يتذكر كيف كان يقف امام المرآة لساعات حتي يُنسق الوان ملابسه ويُغير تسريحة شعره من أجلها
– قدامكم كنت عاصم القاسي اللي بيداري ناقصه … ما انا هكون ايه وسطكم مفلحتش في التعليم قولتوا هو ده اللي هيناسب الأرض ويفضل هنا يراعي مصالحنا
– كفايه ياعاصم… خديجه والدكتور ماتوا وانت اخدت حقك… عايز ايه تاني شرفك وأخدته ومحدش عارف خديجه ماتت ازاي ولا اهل الدكتور
التمعت عيناه لينفجر بعدها ضاحكاً بقوه
– الدكتور عارف… عمر عارف اني اقتـ,ــ,ـلتهم مش قولتلك انت السبب
الفصل السابع (7)
لم تكن خطيئتي.
اغمض شهاب عيناه فلم يشك للحظه ان عمر يعرف بشئ ، ولكن من ماذا سيخافون فالقضيه كانت قضية شرف وانتهى أمرها بالستر دون فضيحه…
– عمر لو كان عايز يفضحك كان فضحك من زمان وبدل ما انت كنت بتهدده وبتدوس عليه فضل ساكت ومفهم الكل ان سبب عدائكم رفضك للنسب وابن عمها طالب ايدها من زمان
نهض شهاب من رقدته ينفض ثيابه وعيناه عالقه بنظراته الساهمه وانفاسه المتسارعة
– فكر ياعاصم بهدوء… انت اللي بتخلق عداوة وبتنبش في الماضي لا أدهم ولا أبوك هيتحملوا يعرفوا الحقيقه ولو كنت انا اتحملتها فكل ده عشانك وعشان ذكراها وسيرتها تفضل طول العمر طيبه
واردف بحسرة وهي يتذكر كيف كانت غالية على قلبه
– اللي ماتت كانت بنت اخويا قبل ما تكون مراتك… انا سلمتها ليك ورده مفتحه كلها حياه لكن انت بقسوتك خليتها تدور على حد تلاقي معاه الحنان
وانصرف بعد كلماته الاخيره يلتقط أنفاسه بصعوبه لا يقوي على السير
وبعزم قوته طرق عاصم فوق التراب يصرخ من قهره ..وقف شهاب يغمض عيناه بقوه يتمنى لو لم يعش كل منهما هذا الآلم
ففاجعة موت طفله جاءت بعد أشهر من موت خديجة ليشعر بالتحطم وهاهي الذكرى السابعه تقترب ولم يتركه الماضي للحظه يهنأ
******
ارتجف جسدها وهي تسمع صراخه على زوجته ليغلق باب غرفته بعنف متجهاً لخارج المنزل… توارت بجسدها خلف الجدار تحمل كأس الماء تغمض عينيها بقوه
ولكن عندما تحركت من مكانها وجدته قد عاد مجدداً لتتقابل عيناهم يسألها بخشونه وهو يتحاشا النظر إليها
– صاحيه ليه لحد دلوقتي
تمسكت بكأس الماء تبتلع لعابها
– انا همشي خلاص من هنا وهريحك من شوفتي
تنهد حامد بغضب يبعد انظاره عنها يخشى النظر إليها فيري فيروز في عينيها
– هيكون احسن لينا كلنا… وجودك من البدايه مكنش مرحب بي يابنت فيروز
– انا بنت إبراهيم العزيزي مش بنت فيروز مش بنت الرقاصه
صرخت دون اراده فقد سأمت من هذا النداء ومن كرهه.. احتدت نظرات حامد وهو يرمقها
– محدش اتظلم في الحكايه غيري انا… اتربيت يتيمة وانا ليا اب
واردفت بحسره ..فالسنوات عاشت تري نفسها انها ابنة راقصه والراقصه لا تنجب الا راقصه
– الكل بقى شايفني اني هكون زيها… شيلتوني ذنب معملتهوش..
واغمضت عينيها تتذكر عبارات زوج خالتها الجارحه
– رمتني لخالتي عشان مقفش قدام مستقبلها… مفتكرتنيش غير قبل ما تموت زي ما هو برضوه افتكرني في مرضه
اهتزت شفتي حامد يلجم لسانه حتى لا يعترف لها بالحقيقه فهو لا يكرهها انما يكره فيرو ولكن كبرياءه وقسوه قلبه اغلقت كل شئ.. ليعطيها ظهره راحلاً من أمامها
******
التقط منير منها الهاتف وقد ملّ من شرحها لشقيقها سبب طلاقها
– مش وقت شرح ولوم اللي حصل حصل وانا هنا موجود معاها
هدأت ثورة عمر اخيراً وداخله شعور قوي بالندم من اهماله لها واتصالاته التي تأتي كل فترات بعيدة
– اسمعني كويس ياعمر
اتسعت عينيها خوفاً مما هو قدم…ونظرت له برجاء وهي تهمس
– اوعي تقوله حاجه ياخالي
تعلقت نظرات منير بها ورغم تصميمه من قبل لابلاغه عما فعله عاصم معها وتهديده لها إلا أنه تراجع بعد عرض الزواج الذي قدمه شهاب وقد نال الرجل استحسانه
– عم مراتك طلب ايدها للجواز… ايوه شهاب بيه متفاجئ ليه
– عرفنا ازاي… الراجل ياسيدي جيه يسأل عننا فشافها وعجبته.. مش بينا قرابه ولا ايه
واردف منير وقد ضاق صدره من كثر تساؤلاته
– اختك مش موافقه على الراجل… فتقنعها لا الا انتوا لا ولاد اختي ولا اعرفكم
جحظت عين قدر وهي تسمع اخر حديث خالها فالأول مره يتهم لأمر شئ يخصهم لتلك الدرجه… القى الهاتف لها بعدما ضجر
– خدي كلمي اخوكي… الواحد زهق من غباوتكم
ورحل صافعاً الباب خلفه تحت نظراتها المصدومه
******
– معقوله ياعمر… عمي شهاب هيتجوز قدر
تسألت لبنى وهي تقترب منه وقد أصبحت شديده النحول وارهقها الحمل بشده
– مش مستوعب اللي بيحصل… وليه شهاب بيه مبلغنيش
قطبت حاجبيها لتضـ,ـرب جبهتها متذكره مشاغلهم بعرس أدهم الذي اتي فجأة
– اكيد فرح أدهم والمشاغل نسته حاليا… بس انت عارف عمي يعرف الأصول اد ايه
اماء برأسه زافراً أنفاسه فهو بالفعل يقدر هذا الرجل ويعرف مدى تقديره للاصول
– شهاب بيه وقف جانبي كتير وعمري ما هنسي انه هو وادهم كانوا سبب جوازنا وانا مش هلاقي حد احسن منه اسلمه اختي وانا مطمن بعد عملت الحقير كريم
واشتغل الغضب داخله
– انا دلوقتي عرفت ليه مبيردش على اتصالاتي
– اهدي ياحبيبي ومتزعلش نفسك واهي قدر ربنا عوضها… وعمي شهاب بكره بالكتير وهتلاقي بيكلمك
ضمها اليه بحب ، ورغم عدم تقبل لبنى البعد عن أهلها إلا انها مازالت تخفي مشاعرها وحزنها…لو كان قديما خشي من زواجهم الا انه اليوم أصبح يحمد الله انها أصبحت من نصيبه
****
انتهى العرس الذي استعجب البعض سرعة إتمامه وتوقيته
اقتربت منها لطيفة بعدما حان وقت خروجها من غرفتها وقد انتهت المزينة من تزينها ، ترمقها بشماته تنظر لفستانها الذي تولت هي احضاره وقد احضرته بكل محبه
– قمر ياعروسه… بس ياريت تعجبي العريس لأحسن ده مكمل علامه بره ومهندس اد الدنيا
تجنبتها عهد قدر استطاعتها فقد حان وقت الرحيل وانتهاء تلك المحطه بحياتها والله اعلم بحالها وكيف ستكون محطتها الجديده
لطمت لطيفه ذراعها بعدما ضجرت من صمتها
– مبترديش عليا ليه… كده ازعل منك وانتي كلها فتره وهتشرفينا تاني فأتعدلي كده
قبضت فوق كتفيها تنظر لعينيها المكحله بحقد
– بنت الرقاصه متنفعش تعيش وسط الاكبار… وبكره البشمهندس يعرف انه ادبس فيكي
ولوت شفتيها وهي تستنكر تلك الزيجة التي لا يعلم خبايها الا الحج محمود وابراهيم
– قال عحبتيه من اول نظره… بقى البشمهندس بعد ما كان هيتجوز لبنى بنت العز يتجوزك انتي
– كفايه بقي
تخلصت من حصارها تدفعها بعيداً عنها لتنظر إليها لطيفة بتهكم
– اقطع دراعي لو مكنش خطه من الحج ابراهيم… راجل زي القطط بسبع ترواح
وانصرفت بشماته تُحرك جسدها بدلال واسوارها الذهبيه تعزف بسنفونية مُحببة لقلبها
اغمضت عهد عينيها تقاوم ذرف دموعها… فالكل يبيع ويشتري فيها وماعليها الا الصمت وسماع الاهانه… ففي نهايه كما يدعونها ابنة الراقصه وابنة الراقصه لا حق لها
هكذا خاطبت نفسها ليُفتح الباب ويدلف الحج ابراهيم وهو يتكأ على عصاه وحامد بجانبه يسنده
فتح لها ذراعيه
– انا عملت كده لمصلحتك يابنتي…ارفعي راسك ديما انتي بنت إبراهيم العزيزي
ارتجف جسد حامد تأثراً بالمشهد ينهر قلبه على ضعفه في تلك اللحظه يخاطب قلبه
” ابنه فيروز ليست من دماءك”
****
انتهى العرس أخيراً الذي بدء في الظهيره لينتهي قبيل المغرب
ربت الحج محمود فوق كتفي شهاب قبل أن يصعد سيارته ويغادر البلده خلف سياره أدهم التي يقودها سائقه
– خد بالك من نفسك وطمني اول ما توصل… انا مش عارف ليه مصمم على السفر ما تريح الليله ديه
ابتسم شهاب وهو يحتضن شقيقه ويقبل رأسه
– ربنا يخليك لينا ياحج… انت عارف المشاغل وبقالي يومين هنا
داعبه الحج محمود بمزاح بعدما فتح باب سيارته
– ولا شكلك مستعجل على العروسه
تصنع في رسم ابتسامته حتى يظهر لشقيقه انه بالفعل سعيد… ولكن الحقيقه التي كان يعيشها ضياع وتخبط من قراره الذي اتخذه بعجلة دون دراسه كما اعتاد دوماً
– انا مسافر هولندا اسبوع كده وعلى ما ارجع هبلغك بالميعاد
– ماشي ياعريس
رمقه شهاب بعينيه ممتعضاً فلم يعد ينقصه الا ان يُذاع خبر زيجته بالبلد
ضحك الحج محمود مودعاً له يتمنى له السلامه
– ربنا يسعدك ياخوي واشوف عوضك
*****
رفعت عيناها نحو ارجاء المكان بعدما تخطاها وأشعل الإضاءة من حولها… الشقه كانت شديده الرقي بأثاثها العصري الانيق
انغلاق الباب وحده ما افاقها من شرودها وانها لم تعد بمدخل الشقه بل أصبحت تقف في البهو الواسع تضم قبضتي يديها نحو فستانها الذي لا يناسبها وتطرق رأسها أرضاً
– ارفعي راسك
صوته الحاد جعلها تغمض عينيها ..ليتقدم منها ولم يعد يفصلها عنه الا خطوة واحده
– بصيلي ياعهد
رفعت عيناها نحوه بعدما لانت نبرة صوته تفرك يديها ببعضهما
– أنتي اكيد عارفه سببب جوازنا
اماءت برأسها تتحاشا النظر إليه
– اللهم طولك ياروح… ما تردي
– ايوه عارفه
هتفت بخوف ليغمض عيناه متمتماً بنفاذ صبر
– لم اكلمك تبصيلي… سامعه
****
عيناها كانت تحمل براءة لم يراها من قبل ورغم نظرات الانكسار داخلهما الا انه نظرتها البريئة جعلته يتراجع للوراء.. كانت تنظر اليه دون فهم ايمازحها ام نفذ صبره منها ولكن نظراته الجامده جعلتها تُدرك ان حديثه بعيداً عن المزاح
– اوضتك اخر الطرقه… ادخلي غيري هدومك وتعالى عشان نتكلم شويه عن نظام حياتي والمطلوب منها
اراد ان يخرج صوته غليظاً حتى يجعلها لا تأمل منه شيئاً
اتجهت نحو ما اشاراليه … تجر فستانها خلفها وتتعثر به
ارتمت فوق الفراش باكيه… كل شئ غريباً وجديداً وكما قال لها والدها ان النجاه من البلده وقسوة حامد وإكمال دراستها لا تحتاج الا طاعة زوجها وكسب وده
نهضت من فوق الفراش بعدما تمالكت حالها ومسحت دموعها لتقف امام المرآة تنظر لفستانها وزينتها البشعة تغمض عينيها قهراً فقد ضاع حلم مقابل اخر
مرت ساعه على مكوثها في الغرفه مما جعله يستشيط غضباً…
يُريد أن يضع حدود وضوابط لعلاقتهما حتى لا يتعدى كل منهما على خصوصيات الآخر… زفر أنفاسه وهو يسمع خطواتها تقترب منه تسأله ببراءه ، تضع بيدها فوق بطنها
– جعانه
ارتفع حاجبيه دهشةً ينظر إليها بنظرة شامله ابتداءً من ضفيرتها الي حذائها ذو الإصبع ومنامتها الطفولية
– المطبخ على ايدك اليمين
واردف حانقاً بعدما اشاحا بنظراته بعيداً عنها
– اتمنى متقعديش ساعه كمان تاكلي
توقفت في مكانها للحظه وعادت تكمل خطواتها نحو المطبخ وقد بدأت معدتها تصدر اصواتً غريبه لشدة جوعها
استرخي فوق مقعده يتصفح هاتفه لعله يلهي نفسه قليلاً ،وبعد مرور نصف ساعه كانت تتقدم منه بخطوات مرتبكه
رفع عيناه نحوها يسألها ممتعضاً
– كلتي
حركت رأسها ليتنهد مشيراً لها أن تجلس على المقعد
جلست منكمشه تخفض عينيها ارضاً.. مما جعله يزفر أنفاسه بقوه
– أنتي عارفه سبب جوازنا
رفعت عينيها نحوه فتابع حديثه يُشيح نظراته عنها
– فكرة الارتباط مكنتش من خططي حاليا.. لكن الضرورة حكمت…متعودتش اشوف حد محتاج مساعدتي وممدش ليه ايدي
وشرد للحظات يتذكر لبنى التي عشقها ولم تكن تبادله حبه.. فمازال جرح رجولته لم يندمل
– تعليمك وهتكمليه لكن قصاد ده اتمنى مندمش للحظه اني قدمت ليكي مساعده… مش هنتعامل كأزواج لكن للأسف حياتنا مستمره كزوج وزوجه انتي مهما كان من دمي ومش بنطلق بناتنا لكن من حقك في يوم تطلبي ده لو شايفه نفسك مش قادرة تكملي حياتك معايا.. زي ما انا يمكن في يوم الاقي الانسانه اللي هحب اكمل حياتي معاها
قبضه مؤلمة اعتصرت قلبها تُطالع كفوفها التي غُرزت بهم اظافرها لتجرحهما
– ومظنش في يوم هيكون بينا مشاعر او تفاهم
*****
غفت وهي سعيده بعد رؤية عمها ورغم ان الزياره لم تكن الا ساعات الا ان رؤيتها له أسعدت قلبها… تأملها وهي نائمة فوق صدره يمسح فوق شعرها متنهداً
” اخوكي فاكرني ان في يوم ممكن اعايرك بيه يالبني..فاكر ان الماضي لسا شغلني… ميعرفش اني أقفلت صفحته”
واغمض عينيه يتذكر علاقه صديقه مع زوجة عاصم رغم تحذيراته له ولكن الاخير كان غارق في حبه المحرم حتى ضاع كلاهما ”
تقلبت بين ذراعيه ليبتسم وهو يراها تفتح عيناها تخبره للمره العاشره عن سعادتها لرؤيه عمها
– انا مبسوطه اوي ياعمر… كنت فاكره انهم نسيوني
تآلم قلبه فالغربه بالفعل قاتله ولكن ما بيده حيله مستقبله هنا.. وهنا سيستطيع ان يثبت نجاحه
– تفتكر عاصم فعلا تقبل جوازنا زي ما عمي قال
آملها في اجابته جعله يضمها اليه بقوه يتمنى ان يشفي عاصم من الماضي ويفهم نواياه فهو لم ولن يفكر يوماً بأفشاء سره
” سره ” الذي يعرف تماما انه لو كان مكانه لفعل كما فعل هو
– عمر انت سرحت ف ايه
فاق على أثر لمستها لينفض رأسه من أفكاره وهو ينظر لعينيها الناعسه
– معاكي ياحببتي
وعادت تسأله ما تتمنى حدوثه
– عاصم هيسامحني مش كده
– بكره لما يشوف عاصم الصغير هينسي كل حاجه
ارتسمت السعاده فوق شفتيها تتحسس بطنها فرغم ما فعله بها عاصم إلا ان قلبها لا يحمل له إلا الحب تلتمس له العذر فشقيقها لم يكن بتلك القسوه قبل زواجه
****
طالع السلاح الذي بين يديه بملامح جامده لم يكن سلاح جريمته وانما شرفه الذي دُهس.. تجمدت يده فوق السلاح كأنه لا يُريد مفارقته… تراجع للخلف ليرفعه بعلو ذراعه يلقيه بقوة بمياة النيل المظلمة… لقد القاه أخيراً وتحرر من سواده…ليغمض عيناه ينفض رأسه من صدى صرختها
” متقتـ,ــ,ـلنيش ياعاصم ”
وفجأة شعر بأن جسده يهتز كما اهتز تلك الليله وهو يراهم بأجسادهم الملطخة بالدماء
فتح عيناه يصرخ حتى ضاع صوته يقبض علي رأسه بكفيه يتمنى نفض الذكريات
سلاح عازل ومالاً دفعه للمرضه التي تعمل بالعيادة ليأخذ نسخة مفتاحها
وهكذا تمت الجريمة واختفي السر واختفي عاره وياليت كوابيسه ترحمه
*****
عبارة واحدة أخبرها بها جعلت مخاوفها تنقضي..، لم يكن لديها خبرة بالبشر رغم سنوات عمرها الثلاثين ورغم زواجها من قبل
ولكن معه كانت تشعر بمشاعر عجيبة ظنتها بسبب معاملته اللطيفه وإنقاذه لها تلك الليله من قبضة عاصم (ابن شقيقه)
بضعة مواقف أعطتها دافع للموافقة على هذه الزيجة ومع إصرار خالها وإقناع شقيقها بأن ترمي حالها في تجربة زواج مرة أخري رغم علمها أن جروحها لم تشفى بعد ولم تعد كما كانت ، إنما أصبحت بقايا أنثى بمشاعر مشوهة وثقة واهية
انتهى كل شئ ولم يعد للحديث بقية… فالآن هي زوجته
زغروطة زوجة خالها جعلتها تفيق من شرودها لتندفع الأخرى نحوها تضمها وتقبلها بقوه
– مبروك ياقدر… مبروك ياعروسه
– ابعدي كده ياسميره خنقتي البت خليني اباركلها
– يووو يامنير ديما كده كابت على نفسي
ضحك الواقفون ومن بينهم كان الحج محمود الذي شعر بالارتياح لهم.. اختيار شقيقه هذه المره كان مختلفاً ولكن لديه شعور ينبئه انها السعاده التي تنتظر شقيقه
قبلة دافئه وضعها فوق جبينها جعلت جسدها يرتجف ثم بعدها لا تعرف كيف انتهى اليوم وكيف أصبحت في سيارته
فركت يديها بتوتر تختلس اليه النظرات.. ركز نظراته نحو الطريق شارداً ساخراً من حاله فاليوم هو عريساً
تعلقت عيناها بالبوابة الضخمة التي فُتحت لدلوف السياره..
ثراء تلك العائله كان واضح لها منذ بدايه معرفتها بأصولهم من حكايات شقيقها عنهم وانه ليس اسمه كطبيب ذو قيمة لهم
تملكها الخوف وهي تهبط من سيارته يهتف بأسمها
– انزلي ياقدر
حدقت به للحظات فأبتسم ..مما جعل خوفها يتلاشى بعض الشئ
هبطت من السياره ترفع عينيها اليه لتشعر بذراعه حول خصرها يقربها منه
ارتعش جسدها برهبة تملكتها تنظر لذراعه ولكن لم يترك لها لحظه لاستعاب تقاربهم
– مبروك يابيه… مبروك ياهانم
هتفت بها احدي الخادمات التي وقفت تستقبلهما بأبتسامه مُحبه
– شكرا يافاطمه
– نحضر العشا يابيه
تعلقت نظراته بها يحرك كفه فوق خدها وكأن لمسته تلك كانت تنقصها… لطف غريب كان يُعاملها به لتتفاجئ بسؤاله
– ها ياقدر تحبي نتعشا
وأخيرا كان يخرج صوت العروس الصامته
– لا شكراً
تحركت بخطوات وئيدة تصعد الدرج جانبه .. فلم تكن معه إلا بذهن غائب تتذكر ليله مثل هذه كانت منذ سنوات كانت بها عروس بثوب زفاف تنظر لرجلها الأول ببرائه..
انتفضت على لمسته لذراعها وقد فاقت من ذكرياتها
– هتفضلي واقفه كتير
ورغم عنه انشقت ابتسامته وهو يراها تلتف حولها ثم تعود بأنظارها نحو الغرفه التي اصبحت داخلها
– لا انتي مش معايا خالص
خفضت عينيها حتى لا يرى خيبتها
– كل حاجه بتفكرني ب ليله جوازي انا وكريم
– قدر
لم تدرك حماقة ماقالته الا عندما سمعت صوت الحاد
رفعت عينيها لتجده يُطالعها بملامح جامده وقد تبدلت ملامحه المسترخيه بأخرى قاتمة
– ياريت سيره جوازك الاولاني متطنتقش تاني… صفحه وانتهت خلاص
وأشار نحو الفراش لتجلس عليه
– خلينا نتكلم في نظام حياتنا الجديده عشان كل واحد فينا يعرف اللي ليه واللي عليه
كان يُخاطبها دون مشاعر وكأنه سيقعد صفقة يضع بنودها..توترت وهي تجلس فوق الفراش تُجاوره
– انا راجل دوغري ياقدر ومبحبش اللعب بالمشاعر… انتي كنتي عايزه تعرفي انا اتجوزتك ليه
– طليقتي من فتره رجعت مصر وكلها امل اننا ممكن نرجع لبعض تاني…
وقبل ان يتابع حديثه انتفضت من فوق الفراش
– يعنى انت متجوزني عشان توجعها
– عشان اقطع كل امل ليها ف اننا نرجع… ياريت تسمعيني للاخر ياقدر
– انا وشيرين حكايتنا انتهت مع موت ابني… ومش هنكر ان في سبب تاني لجوازنا
لم تكن مصدومة مما تسمعه فقد حدّثها قلبها ان هناك سببً خفي وراء زواجه منها
– مش هنكر انك عجبتيني
رمقها بتفحص يتأمل تفاصيل جسدها وملامحها بوقاحة لم تكن تظنها به
تضرجت وجنتاها بحمرة الخجل فتشيح عينيها بعيداً عنه
– انت وعدتني هتديني فرصه نتعود على بعض
اقترب منها دون أن يحيد نظراته عنها…ف ملامحها كانت تشع فتنة وصفاءً انعش قلبه
– وليكي وعدي ياقدر.
وازدادت خطوات اقترابه حتى لم يعد يفصلهما شيئاً
– تصبحي على خير
لتهوي بجسدها فوق الفراش تزفر أنفاسها المحبوسة… فحضوره القوي يسلب أنفاسها
*****
وقفت أمام مكتب السيد نشأت تحمل أوراق المناقصة الجديده تسمع تهنئته للطرف الآخر
– مبروك ياشهاب.. مع اني زعلان منك عشان معزمتنيش على المناسبه ديه
تملكها الفضول بعدما أنهى السيد نشأت محادثته معه لتسأله وهي تضع أوراق المناقصة أمامه
– هو شهاب كسب مناقصه مهمه
التقط السيد نشأت منها الأوراق يبعد عينيه عنها يتمنى ان تنسى ما مضى وتفتح صفحة جديده بحياتها
– شهاب اتجوز ياشيرين
الجمت الصدمة لسانها لتتجمد عينيها كحال جسدها تنظر للسيد نشأت الذي وقف من علي مقعده يهتف اسمها قلقاً
– شيرين انتي كويسه… ردي عليا
ولم تشعر بقدميها الا وهي تُغادر الشركه بأكملها تصعد سيارتها تقودها بجنون ولسانها يردد
” لا شهاب متجوزش… شهاب لسا بيحبني”
*****
التقطت عهد أنفاسها بعدما تأملات الشقه النظيفة بنظرة شامله.. لتذهب نحو المطبخ تلتقط قصاصة الورقه التي اعتادت على مطالعتها يومياً يُخبرها فيها بالطعام الذي يُريد تناوله…
هكذا كانت حياتهم منذ عشرة أيام.. يذهب للعمل ليعود فيجد منزله نظيفاً مُعطراً وطعامه معداً وملابسه مرتبه
لم يفرض عليها شيئاً ولكنها من اول يوم شعرت ان وجودها هنا وثمن إقامتها يجب أن يكون بمقابل فهى ليست عروسً لتتدلل انما هي ضيفة والضيف لابد أن يدفع مقابل إقامته
افاقت من شرودها على سماع صوته متعجبه من قدومه بذلك الوقت فمواعيده بدأت تحفظها حتى لا تزعجه في بيته
أسرعت تُلبي نداءه بقلق فهو لا يهتف بأسمها الا قليلاً..وقعت عيناها على ما يحمله لتسقط دموعها تهرول نحوه
– ديه كُتب… يعني انا هرجع المدرسه
سعادتها كانت لا توصف وهي ترى ما يحمله بين يديه… ورغماً عنه كان يتأثر بدموعها
– امسكي طيب الكتب من ايدي وشوفي لو ناقصك حاجه
التقطت منه الكتب فقد وفي بوعده بعدما ظنت انه أيضاً خذلها
– انا نقلت ورقك لمدرسه قريبه هنا
– بس الترم الاول قرب يخلص خلاص
ابتسم وهو يتأمل سعادتها بشئ بسيط من حقها
– انا واثق فيكي انك قدها ياعهد وبلاش تضيعي سنه كمان من عمرك
كان لطيفاً حنوناً هكذا أصبحت تراه رغم جرحه لها تلك الليله التي ستظل مرسخة داخل قلبها ولكنها لم تكن تنتظر منه شيئاً اخر
– انت طيب اوي
هتفت عبارتها بتلقائيه مما جعله يرفع احد حاحبيه مندهشاً
– شكرا لانك محرمتنيش من الحلم ده… انا مش عايزه حاجه تاني خلاص
آثارت عطفه لينظر اليها قابضاً فوق كفيه لاعناً حامد وسلبية والدها.. فماذا لو كان هو الآخر رجلاً قاسياً
وتحت انظاره حملت كتبها تضمهم بين ذراعيها كأنهم كنزها الدفين… اقسم داخله انه سيساعدها بقدر استطاعته فيكفيها ماعانته في حياتها كما اخبره عمه
*****
تعلقت نظرات عاصم بضيوف والده الذي ابتسم فور رؤيته مشيراً اليه ان يتقدم
– تعالي ياعاصم يابني… شوف مين افتكرنا بعد السنين ديه كلها
مجرد نظرة خاطفه ألقاها ليردف الحج محمود
– عمك صابر
– شكله نسيني يامحمود… وخانه الشيل اللي شلتهوله
ضحك الرجلان لتذكرهم طفوله عاصم الذي وقف يعصر دماغه ليتذكر ذلك الصديق واخيرا قد تذكره بذكريات طفيفة ف سبع وعشرون عاماً وأكثر قد مروا فأي طفولة سيتذكر
– اهلا ياعمي
– كبرت ياعاصم
استنكر عاصم الكلمه وجاهد ليرسم ابتسامه لطيفه فوق شفتيه
– نورت البلد…
– البلد منوره بأهلها وناسها الطيبه
هتف الحج محمود بسعاده
– مش عمك صابر قرر يرجع يعيش هنا من تاني.. شوف نستنى اعرفك على البشمهندسه ايمان بنت عمك صابر
انتقلت عين عاصم نحوها لم يكن يري الا رأسها المغطي بحجاب وردي وتخفض عينيها
– اهلا
ليتولي صابر بتعريف ابنته بأعتزاز
– ايمان بنتي مهندسه زراعيه
ازداد حنقه الذي وصل لأعلى ذروته ف والده جعله يترك عمله ليرحب بصديقه وابنته البشمهندسه
– ابني عاصم هو اللي ماسك شغل الأراضي كلها… وقريب هيفتح مصنع لتصنيع الأسمده
– ايه يابشمهندسه هتفضلي قاعده ساكته كده
تنحنحت ايمان حرجاً لترفع عينيها أخيراً
– ابدا ياعمي
واخيرا سمع صوت تلك المسماة ب ايمان لتنتقل عيناه نحوها مُحدقاً بوجهها بوقاحه مما جعلها تخفض رأسها من نظراته
لم يبدي عاصم اي تعبيراً على وجهه وهو يرى ذلك الحرق الذي يحتل جزء من خدها الأيمن الي جانب عنقها كما يبدو ولكنها ف المجمل كانت فاتنة بعينيها الزرقاء
الفصل الثامن (8)
لم تكن خطيئتي.
صرخت بالخادمه تدفعها بعيداً عنها ، وقد ثقلت أنفاسها لا تُصدق إنه تزوج بأخرى وأصبحت أمرأته
– فين شهاب
– ياهانم كده مينفعش
احتدت نظرات شيرين نحو الخادمه تصيح بأسمه
– شهاب.. شهاب
– أنتي بتعملي ايه هنا ياشيرين
تلاقت عيناهم بعدما خرج من غرفة مكتبه بملامح مجهمه لتقترب منه ترمي جسدها بين ذراعيه تتوسله
– ليه عملت فيا كده… انا بحبك
دفعها عنه يُخلص جسده من ذراعيها
– أنتي ليه مش عايزه تفهمي ان حياتنا انتهت من زمان… فوقي ياشيرين انا وانتي خلاص
– لا انا مراتك
وقفت قدر أعلى درج تنظر لما يحدث بملامح باهته لقد اشفقت على تلك المرأة وشعرت بقهرها
– أنتي طليقتي ياشيرين
جن جنونها وهي تسمع منه الكلمه التي لا تُريد تصديقها
دارت بعينيها بالارجاء لتتعلق بالواقفه وقد ازداد جنونها
– هي ديه اللي اتجوزتها
نظرة الاحتقار التي شملتها بها لم تخفي عن عيني قدر.. أطلقت شيرين قدميها نحوها تجذبها بغل
– اطلعي بره بيتي
لم يكن يستعب شهاب جنون شيرين وثورتها حتي اتسعت عيناه يرى شيرين تجذب قدر من أعلى الدرج والاخري تُطالعها بصدمه ..صرخ بقوة وهو يصعد اليهم
– شيرين
ارتخت ذراعي شيرين تنظر اليه كيف يحتوي غريمتها بين ذراعيه يسألها
– أنتي كويسه ياقدر
لم تتحمل شيرين المشهد لتغمض عينيها تذرف دموعها غير مصدقه انه أصبح لغيرها يضمها بين ذراعيه
***
التقط من الخادمه كأس العصير يمده لها
– أنتي كويسه
اماءت برأسها وهي تلتقطه منه ولكن داخلها كانت مشاعر أخرى تجتاحها تتسأل لما هو بتلك القسوة لقد اشفقت على طليقته رغم الإهانة التي تلقتها منها الا انها تعذرها فهى امرأة مثلها قد عاشت مشاعر مشابهة لمشاعرها
– لو اتجوزتني عشان تجرحها….
ولم تكن تكمل عبارتها حتى احتدت نظراته
– قدر انا وضحتلك سبب جوازي منك وشيرين صفحه وانتهت من حياتي.. اتمنى تفهمي ده كويس
صمتت ممتعضه وقد بدأت تكون نظرتها في شخصيته
أشاح عيناه بعيداً عنها فمجئ شيرين بتلك الحاله اربكه حتى أنه لم يعد يتمالك اعصابه
– فاطمه
هتف بأسم الخادمه التي لبت نداءه
– طلبات الهانم كلها تبقى مجابه مفهوم
وانسحب بعدها دون كلمه أخرى لتنظر لخطاه والبداية بينهم كانت مبشرة وقد بدأت تظهر طباعه
******
ظلت تفكر بالهدية التي ستُقدمها له امتناناً منها عما فعله معها
فلم تجد الا كعكة بسيطه تصنعها تتمنى داخلها ان يُعجبه مذاقها
اقتربت من مكان جلوسه تهمس اسمه بخجل
– أدهم
لم يرفع عيناه نحوها فتركيزه بالكامل كان منصباً نحو الرسومات التي أمامه يُطالعهم بتدقيق
– في حاجه ياعهد
ابتلعت ريقها بتعلثم وعيناها عالقة فوق الكعكة
– ممكن ترفع عينك بس
حدق بما تحمله
– ايه ديه
– ديه كيكه جيلي
– ايوه ما انا عارفه انها كيكة جيلي… بمناسبه ايه
تلاشت ابتسامتها تخفض عينيها
– كنت عايزه اشكرك على اللي عملته معايا
ملامح وجهها كانت مرآة لمشاعرها ..زفر أنفاسه نادماً على صفاقة اسلوبه
– طب تعالي اقعدي ناكلها سوا
بضعة كلمات انارت وجهها لتهتف بحماس وهي تضعها فوق الطاوله
– هجيب الأطباق والشوك واجي
انتهت اخر قطعه من الكعكة ليهتف بأسترخاء بعدما امتلئت بطنه
– انا كده هرجع اكمل شغلي ازاي
رغماً عنها ضحكت بملئ فاها تُمازحه
– انت خلصت على الكيكه كلها
ليقطب حاحبيه مما جعلها تخشي غضبه
– اوعي تكون زعلت… والله ما اقصد
وكادت ان تنهض من مكانها فجذبها نحوه يمسح فوق خديها
– متخافيش ياعهد… خلينا نبقى صحاب واخوات وننسي اننا متجوزين
*****
انغمس في مطالعة الأوراق التي أمامه ليتفاجأ بدلوف كامل بعدما اغلقت سكرتيرته الباب خلفه
– في عريس ينزل شغله بعد يومين جواز ياراجل ايه الجبروت ده
– شكلك ياسيادة المستشار بقيت تفكر فيا جامد الايام ديه.. فين ايام ماكنت بتحايل عليك نتقابل
ضحك كامل يرمقه بتأنيب
– تتجوز من ورايا ياشهاب… واسمع بالصدفه
اقترب منه شهاب يجلس بالمقعد المقابل له متنهداً بسأم
– مصر كلها خلاص بقت عارفه
– شيرين منهاره ياشهاب
هتف بها كامل يؤنبه على فعلته ليمتقع وجهه متأففاً بمقت
– هو في ايه مالكم انت تقولي شيرين وادهم شيرين والسيد نشأت شيرين… انا وشيرين انتهينا خلاص
صاح بحنق رغماً عنه فأطلق كامل أنفاسه مُتنهداً
– كلنا متعاطفين معاها ياشهاب… شيرين اتغيرت
ليهب واقفاً بعدما ضجر من ذلك الحديث الذي كان منذ ساعات يُحادثه به أدهم
– ايه ياكامل مش ديه شيرين برضوه اللي كانت مبيعجبكش تصرفاتها.. مش ديه شيرين اللي كانت سيرتي لبانه في بق الصحافه بسببها.. مش ديه شيرين اللي بأهملها موتت ابني
– اللي حصل حصل ياشهاب وده قضاء الله هنعترض
– عمره ماكان لاقي منها حنان كانت بتستعر منه… الهانم مكنتش متقبله ان بنت الوزير تخلف طفل من متلازمة داون
اطرق كامل رأسه بخزي مجبراً نفسه على الصمت فصديقه يحمل الكثير لها داخله
– كامل ياريت متفتحش معايا تاني موضوع شيرين… انا اتجوزت عشان اقطع الأمل ده وتنسوا ان ممكن ارجعلها
****
تأملها والدها بحسرة وهي تتحسس خدها المشوه بشرود تتذكر ماحل بهم منذ أشهر ليرسم ابتسامته حتى تتلاشى نظرة عيناه المتحسره عليها
– قمر ياحببتي
ابتسمت بآلم وهي تبعد يدها عن خدها
– كان زمان يابابا
– لو كانت الحاله تسمح زي زمان مكنتش استخترت قرش واحد فيكي يابنتي
التمعت عيني السيد صابر بالدموع وهو يشعر بالعجز
– بابا انا قولتلك موضوع عمليه التجميل مش فارق معايا.. انا راضيه بقضاء ربنا
ومحت الحسره من عينيها لتبتسم وهي تسأله
– ريحة الفول والطعمية تجنن..انت مش جعان ولا ايه ؟
واردفت بحماس
– ويلا نفطر عشان متأخرش على الشغل.. ده اول يوم ليا ولازم ياخدوا عني انطباع كويس
ضمها إليه صابر بحنو وقلبه يعتصر آلماً على وضعهم … فلولا طمعه في تكبير تجارته ماكان حدث لهم كل هذا لقد عاد لنقطه الصفر وعاد لاصوله في الصعيد ولولا البيت الذي كان ارثه من والده ما كان وجد مكاناً يعيشون به
رحم الله زوجته فقد كانت دوما تخبره ان طمعه هذا سيُنهي كل ماجناه يوماً
****
شعرت بالضجر من الجلوس في غرفتها فهى ليست معتاده على تلك الحياه…ورغم كل سبل الراحه التي امامها الا انها لم تشعر بأن هذا البيت مملكتها الجديدة
هبطت لاسفل تنظر لبهو الفيلا الفارغ.. لتتحرك صوب المطبخ فتجد السيده فاطمه منهمكه في اعداد وجبه الغداء والخادمه الأخرى تُساعدها
– حضرتك محتاجه حاجه ياهانم
ابتسمت قدر وهي تقترب منهم تنظر إلى ما تعده السيده فاطمه
– بلاش هانم ديه… انتي في مقام ماما الله يرحمها
ابتسامه بشوشه ارتسمت فوق شفتي السيده فاطمه
– الله يرحمها يابنتي… بس العين متعلاش على الحاجب
– قوليلي اي حاجه غير هانم.. كلمه بنتي صدقيني افضل ليا
رمقتها السيده بحنو فلم تكن تتوقع أن تكون سيدتها الجديده بذلك اللطف فقوقعتها على حالها الايام الماضيه جعلتها لا تعرف كيف تحدد طباعها
– انا اسمي فتنة ياست قدر
اقتربت منها الخادمه الأخرى تبسط يدها اليه فزجرتها فاطمه بعينيها لتسحب يدها تمسحها بثيابها
– والله ايدي نضيفه ياست فاطمه
مدّت قدر يدها مبتسمه تصافحها
– عاشت الاسامي يافتنة.. اسمك جميل زيك
تهللت اسارير فتنة وهي لا تصدق ان سيدة المنزل تلاطفها
– ده انتي اللي جميله ولسانك بلسم
– ها قولولي بتطبخوا ايه… انا طباخه شاطره
لتشهق فاطمه مصدومه وهي تجدها تُشمر عن ذراعيها
– ميصحش ياهانم… احنا مخلصين كل حاجه
– تاني هانم… ما قولتلك انتي زي امي
واردفت بعبوس مصطنع تتأمل ما حولها
– انا لازم اعمل حاجه لاحسن اموت من الملل.. يرضيكم كده
تعلقت نظراتهم بها ف سيدة المنزل ليست لطيفة وحسب وانما ذات حس فكاهي وبسيطة
وهكذا انقضى باقي اليوم معها… لتسرع نحو غرفتها تزيل عن جسدها رائحة الطعام وتُبدل ملابسها
*****
ضاقت أنفاسها وهي تراه يتدخل في كل صغيرة وكبيره تخبر بها المزارعين بعد فحصها للتربه والمحاصيل
احتدت نظراتها وهي تراه يعطي اوامر مخالفه لتزفر أنفاسها بضيق
– يااستاذ عاصم مينفعش اللي بتعمل ده… انا بتكلم في حاجات ان درساها وعلى درايه بيها
امتعضت ملامحه وهو يشير نحو اذنه
– على ايه يابشمهندسه… لا شغل المتعلمين ده وكلامهم المكلكع مبيعجبنيش
تأففت ضجراً لتشيح بأنظارها بعيداً عنه وجثت فوق ركبتيها تلتقط حبات الطمي تشمه ليهتف ساخراً
– احنا هنقضيها شم… افرض حست الشم عند حضرتك مش تمام نضيع بقي شغلنا
تجاهلت عبارته تنظر للمزارع
– ياريت السماد هنا يقل
وهكذا انقضى يومها الثاني عائدة الي المنزل تُلقي بجسدها فوق الفراش تدعي على عاصم وأمثاله
*****
ورغم تأخيره للتاسعة مساءً الا انها ظلت تنتظره.. تسطحت فوق فراشها تقرء إحدى القصص البوليسية حتى غفت عيناها دون شعو
ر
شعرت بلمسة خشنه فوق ذراعها العاري لتفتح عينيها الناعسة تفركهما
– قدر… قدر
هبت فزعاً حينا أدركت ما ترتديه في غرفتها… ضمت جسدها بذراعيها مما جعله يجفل ويتراجع للخلف
– هستناكي نتعشا
وانصرف دون اضافه كلمة أخرى فهكذا حديثه دوما معها مجرد بضعة كلمات لا اكثر ولكن نظراته كانت توحي بالكثير
أغلق باب غرفتها فوقف لبرهة يمسح فوق وجهه… لقد جعلته يقف لدقائق يتأملها وهي نائمه دون أن يشعر بالملل.. مشاعر لا يريدها بحياته لذلك نفض رأسه من أفكاره وهبط لاسفل ينتظرها على مائدة الطعام
بضعة دقائق مرت ليجدها تهبط بثوب منزلي بسيط وقد غطت شعرها بحجابها… كان لأول مرة تجمعهما مائدة الطعام.. اقتربت منه ..فشرع في تناول طعامه
– فاطمه قالتلي انك متغدتيش ومستنياني
– ده المفروض اللي يحصل… اتربيت ان الزوجه بتستني جوزها
راقه كلامها فأرتسمت ابتسامه صغيره فوق شفتيه.. ليتذوق طعم الشربه بتلذذ متمتماً
– تسلم ايدك
كان على علم انها من اعدت الطعام معهم.. فالسيدة فاطمه لم تتركه الا وقصت له كل شئ بسعاده فمخاوفها من سيدة المنزل الجديده كانت تقلقها فقد عاشرت شيرين وشتان ما بين الامرأتين
– عجبك الاكل
– انا في العادي مبتعشاش بس اظاهر بعد كده هتبقى عاده عندي
اتسعت ابتسامتها شيئاً ف شئ ليبتسم هو الآخر وكأن ابتسامتها عدوة تصيبه
– تعرفي ان شكلك ميدكيش غير سن العشرين
مضغت طعامها تقاوم ضحكتها
– انت كده صغرتني عشر سنين… انا كلها شهر وأتم التلاتين
– انا عجوز عليكي بقى
– امممم تسعه وتلاتين مش كبير اوي
ليميل نحوها مما جعل أنفاسهم تتقارب يسألها بمكر
– وعرفتي عمري منين
ارتبكت من اقترابه فأطرقت عينيها نحو طبقها
– من السيرة الذاتيه بتاعتك…
واردفت بخجل فجذبت عينيه عليها
– انت رجل أعمال وسهل الاقي معلومات عنك
ضحك رغماً عنه وهو يرى اللون الوردي يزداد على وجنتيها من آثر خجلها المفرط
– شكرا على الأكل ياقدر
لطيف، قاسي، شهماً، حنوناً… لا تعرف على اي شاكله يكون هذا الرجل
****
تجمدت عيني حامد وهو يسمع ما يخبره الطبيب بأسف
– للأسف الجنين اتولد ميت… ربنا يعوض عليك
الطفل الذي انتظره لثلاث سنوات هكذا ذهب ببساطه… استند بجسده فوق الجدار ليقترب منه عاصم يربت فوق كتفه
– ربنا يعوض عليك ياحامد… بكره تجيب بدل العيل عشره
تعلقت عيني حامد به يغمض عيناه يتسأل لما هو سعادته لا تكتمل؟
*****
طالعت السيده سميرة المكان بفاه متسع تقترب من الارائك تمسد عليها مذهولة من فخامتها
– ايه العز ده كله
زجرها منير بذراعه نادماً أشد الندم انه اصطحبها معه
– انا غلطان اني جبتك معايا
– أخص عليك ياسي منير.. كده عايز تحرمني اشوف الحاجات الحلوه ديه
– ياوليه اسكتي.. يقولوا علينا ايه جاين نحسدهم
لوت شفتيها ممتعضه من تلك الكلمه تضع كفوفها أمام عينيها تفرد اصابعها الخمس
– الله اكبر.. ده انا عيني مليانه ياخويا
وقبل ان تستطرد حديثها كانت قدر تتقدم نحوهم بسعاده
– وحشتني ياخالي… كده متسألش عليا الفتره ديه كلها
ضمها منير اليه بحب سعيداً لرؤيتها
– قولتله ياقدر انك هتزعلي مننا… وهو يقولي عرسان وعيب كده… ده انا كنت جيالك الصباحية وعملالك اكل انما ايه بس منه لله خالك
امتقع وجه منير يزفر أنفاسه حنقاً ينظر لسميره بسأم لتلوك سميرة شفتيها
– انا قولت حاجه ياقدر …
ضحكت قدر على نظرات خالها لتقترب من سميرة مرحبة بها
– أنتي تنوري في اي وقت
اتسعت ابتسامه سميره تغمرها بقبلاتها
– والله انتي بنت أصول… مش عارفه خالك ده طالع لمين
اتسعت عيني منير الذي وقف يشد خصلات شعره القليله
– لا انتي شكلك ناويه على طلاقك النهارده
فتحت سميره عينيها على وسعهما تتسأل
– تطلق مين
– في حد غيرك هنا راديو
– ابعدي انتي ياقدر ياحببتي
اتسعت عيني قدر ذهولاً وهي ترى سميره تزيحها عنها وبعدما كانت بداية اليوم اشراقاً انتهت بكدمة زرقاء فوق عينيها نادمه أشد الندم انها وقفت حائل بينهما
****
ارتكزت عيناها عليه تخفي مشاعرها بصلابة دربت عليها نفسها لأيام
أياماً لا تعلم كيف قضتها والغيره تنهش قلبها ولكن ما اطفئ لهيب قلبها المعلومات التي جمعتها عن تلك التي تزوجها
امرأة ألقاها زوجها بعدما عاد لحبه القديم… لن تغير من انثي عاديه بل ابسط من تلك الكلمه.. كما أنه يترك عروسه بعد يومين زواج يالها من علامة مبشرة
شردت في ليالي زواجهم فلم يتركها شهاب الا بعد اسبوعين امضياهم بين باريس وإيطاليا يغرقها بحبه يشعرها بأنوثتها
ابتلعت مرارة حلقها عند هذا الحد من الذكريات لتشيح عينيها بعيداً عنه قبل أن تفضحها مشاعرها وتقف أمامه تتوسل اليه ان يعود لها ويغفر لها لقد تعلمت الدرس بجداره وعلمت انها من دونه أنثى ناقصه
كان السيد نشأت يتابعها بعينيه من حيناً لآخر رغم رفضه لتوليها الاجتماع معه الا انه في النهايه رضخ لتوسلاتها
انتهى الاجتماع الذي تم فيه وضع أسس بدايه بناء المشروع.. لينهضوا جميعاً
كانت أول المغادرين تتباطئ بخطاها بثقه رغم واهيتها الا انها أرادت ان تكون أمامه هكذا…
اقترب أدهم من شهاب بعدما أصبحوا بمفردهما
– شايف ان شيرين اتجاوزت الازمه
التمعت عيني ياشهاب وهو يجمع أوراقه
– اتمنى يكون ده حصل فعلا… وتبدء تشوف حياتها
تنهد أدهم يومئ له برأسه ليتحرك شهاب مغادراً لكنه توقف وهو يتذكر ذلك الاقتراح الذي اقترحته عليه قدر
– هات عهد وتعالوا اتعشوا معانا… قدر عزماكم
تعالت الدهشة فوق ملامح أدهم فهو لم يعتاد على ذكر اسم عروس عمه الجديده ولكن لا بأس بقبول الدعوه ومعرفه تلك الزوجه عن قرب
****
اقترب منها متعجباً من وضعها لكفها فوق عينها يسألها
– أنتي ليه حطه ايدك كده… مالها عينك
اشاحت عينيها بعيداً عنه تبتلع ريقها تهتف بتعلثم
– مافيش حاجه… انا عيني بس وجعاني
– طب وريني
وقف قابلتها بعدما ابتعدت بجسدها عنه لتتسع عيناه وهو يرى عينها بكدمتها الزرقاء
– ايه اللي عمل فيكي كده.. مش معقول تكوني وقعتي ديه مش منظر وقعه
وبعد برهة كان يضحك وهو يستمع اليها غير مصدقاً ما يسمعه
– يعنى خالك منير في خبر كان دلوقتي
تعجبت من مزاجه وكأن الحكايه اعجبته لينظر إليها يتمالك انفاسه الهائجة من تلك المشاعر الجديده التي باتت تقتحم قلبه عائداً لملامحه الجامده
– تحبي اتصل بأدهم وألغى العزومة
– لا لا انا هحاول اخفيها بأي كريم
واقتربت من المرآة تنظر اليه تسأله
– هي ورمه اوي
تحسسها بأصابعه برفق ينفي برأسه… وبمواقف بسيطة كانت خطواتهم تتقارب
ومن دون شعور منه كان يهبط بشفتيه فوق عينها يقبلها
****
اجتذب صراخ عهد عيناهم بعدما كان هو وادهم مندمجين في حديثهم
ضحكت رغماً عنها وهي ترى عهد تتعلق بعنقها تشكرها بسعاده
– بجد ياقدر هتعرفيني على اخت صاحبتك ويبقى ليا صحاب
سعاده عهد كانت لا توصف فلم يكن لديها يوماً اصدقاءً كباقي أقرانها… الكل كان يراها فتاه منطوئه لا تصلح للصداقه
دمعت عيناها تشكرها مُجدداً بأمتنان حقيقي
– وانتي كمان هتكوني صاحبتي مش كده
تعلقت عيني ياادهم بها يشعر بالضيق كلما وجدها تبكي..يلعن الظروف التي جعلتها تعيش حياه كتلك الحياه التي عاشتها ثم زواجها بتلك الطريقه وكأن لا حق لها بأختيار حياتها.. التعاطف والشفقه كانوا اساس مشاعره يُقربناه منها اكثر ناسياً بغضه للمشاعر بعد حكايته مع لبنى
اما شهاب فعيناه كانت تلمع بنظرات جديده يخصها بها وحدها.. يخصها لأول مره لامرأة.. انها حقاً مصدر بهجة وسعاده.. ف الصغيره التي كانت تجلس طيلة جلست العشاء منطويه لا تتحدث معهم تصيح الان بسعاده
اقترب منهم أدهم وقد اثار الحديث بينهن فضوله
– ممكن اعرف ايه سر السعاده ديه كلها
اتسعت ابتسامة عهد عندما انتبهت على صوته لتنهض مقتربه منه تتعلق بذراعه مما ادهشة لترفع عيناها نحوه وليتها لم ترفعهما فبراءتهما تُصيبه برجفة لا يعلم سببها
– قدر هتعرفني على اخت هناء صاحبتها بنت في سني وممكن نذاكر سوا
هتفت بحماس مما جعله يبتسم يُطالع قدر بنظرة ممتنه يلوم نفسه انه للحظه اعترض على قرار شهاب بالزواج منها
– مش عارف اشكرك ازاي يامدام قدر
وتعلقت عيناه بعهد التي وقفت تنظر ببراءة إليهم
– عهد اختي واحنا من هنا ورايح اخوات… مش كده ياعهد
لتومئ عهد برأسها فتنحنح شهاب يجليّ حنجرته مقترباً منهم مازحاً
– شكل هيبقى في العيله في حلف نسائي ياادهم وهنبدء نخاف
لتتعالا ضحكات أدهم يتذكر منذ اشهر كانت حياتهم تخلو من عنصر النساء ولكن اليوم يقفان بجانب امراءتان يليق بهم لقب طفلتان
– تفتكر لازم نبدء نخاف
ضحكت عهد رغم فهمها الطفيف لما يدور حولها لتبتسم قدر ترمقهم بأريحيه
– شكلنا مش هنسلم منهم النهارده ياعهد
فأقتربت منها عهد تسألها تحت نظرات أدهم
– مش كانوا قاعدين بعيد عننا.. ايه اللي جابهم
لتتسع عيني أدهم ف عهد بدأت تتكلم وانطلق لسانها اخيراً
– شكلنا بنطرد بالذوق ياادهم
هتف بها شهاب وهو يضحك مما جعل أدهم يشاركه الضحك ومنذ زمناً طويلاً لم يعيشوا تلك الحاله العائلية الدافئة
وانقضت السهره… ليتسطح شهاب فوق فراشه يعيد مقتطفات اليوم على عقله فيبتسم وهو يتقلب فوق فراشه لتقع عيناه على صورة صغيره.. ظل يطالعه للحظات الي ان نهض فوق فراشه لديه رغبه في الذهاب إليها متعللاً انه يُريد شكرها على ذلك اليوم السعيد والاطمئنان على عينيها
*****
وضعت أمامه فنجان قهوته وهي تتثاوب تنظر اليه وهو غارق في مطالعة حاسوبه
– محتاج مني حاجه تانيه
رفع عيناه إليها ليبتسم رغماً عنه فقد كانت تقف أمامه مغلقة العينين تفتح فمها وتغلقه بتثاوب من شدة نعاسها
– شكرا ياعهد… روحي نامي انتي
اماءت برأسها وسارت بخطوات متمهلة ورغم ذلك لم تنتبه لطرف السجادة المنقلب لتتعثر قدمها فتقع رغماً عنها متآوه
– اه
صرخه خافته نبهته فترك فنجان قهوته ناهضاً إليها بقلق
– مالك ايه اللي حصلك
– السجاده وقعتني
هتفت بها بطفوله مما جعله يضحك بقوه على عبارتها
– خلاص معلش هاتي ايدك قومي
التقط يدها لتبتسم وهو ينهضها برفق
– انت طيب اوي ياادهم…انت اكتر حد عملني كويس بعد ابله رحمه
استعجب اسم المرأة التي أصبحت مؤخراً تتحدث عن طيبتها ورعايتها لها.. فيبدو انها الوحيده التي اهتمت بها
اسندها برفق حتى وصل بها لغرفتها يفتح لها بابها
– يلا نامي عشان عندك بكره يوم طويل ومذاكره كتير
سطحها فوق الفراش ثم غطاها وكل هذا كانت تتابعه بعينيها الناعسه ومشاعر جديده كانت تدب داخل قلبها الصغير لتتفتح براعمه ، لكن هو كان يركز على هدفً واحداً انه سيعوض تقصيره بحق شقيقته بها لعلا ضميره يرتاح
*****
طرقة خافته افاقتها من دوامة مشاعرها فمجرد ان وضعت دفترها جانبها دلف للغرفه يُطالعها
– لسا صاحيه
اماءت له برأسها تُحاول ان تتحاشا النظر اليه مرتبكه من وجوده تجذب الغطاء الخفيف نحو جسدها
– كنت هنام
شعر بتوترها فتحسس عنقه وهو يتراجع منسحباً وكأنه نسي ما اتي من أجله
– اه افتكرت.. كنت جاي اشكرك على اللي عملتي مع أدهم ومراته
– انا كنت مبسوطه اوي بوجودهم
واردفت وهي تتذكر عاصم وقد ظنت أدهم مثله
– أدهم وعهد طيبين اوي.. وانا حبيتهم
كان غارق في صراعه بين عقله وقلبه لا يعرف ايخلق حديثاً اخر ام ينسحب بهدوء
ليأتي صوتها وكأن هذا ما ينتظره
– هو انا ممكن اطلب منك طلب
تراجع بخطواته يُطالع ارتباكها وفركها ليديها بعدما ارتكزت بركبتيها فوق الفراش.. منامتها كانت متحشمه بشده فلم تدرك ان حشمتها جعلت فضوله كرجلاً يدقق في ابسط تفاصيلها
عنقاً مرمرياً طويلاً وبشرة نقيه وغرة تتدلي فوق جبينها وخصلات متمرده تتناثر خلف عنقها
– انا كنت مقدمه على دورة لغه انجليزيه في المعهد وكمان دورة الكمبيوتر معرفتش أكملها بسبب الظروف
بهتت ملامحها وهي تتذكر حادثة اختطاف عاصم لها فهى لم ولن تنسى ماعاشته على يديه ولكن تُحاول أن تتجاوز هذا من أجل شقيقها ويكفيها ماتعيشه في كوابيسها
نظراته كانت مركزه عليها مما جعلها تشعر بالارتباك تنظر لازرار منامتها العلوية
الفصل التاسع (9)
لم تكن خطيئتي.
أدرك فداحة خطأه بعدما استوعب تحديقه بها الذي طال ، تنحنح حرجاً يشيح عيناه بعيداً عنها يمنحها الجواب
– شوفي المواعيد بتاعتك وبلغيني بيها عشان أبلغ السواق بيها
تهللت اساريرها بسعاده بعدما كانت تخشي رفضه.. وذكري بعيده كانت مشابها مع كريم عندما طلبت منه تعلم الخياطه في إحدى الدورات… قابل يومها فكرتها بسخريه حتى عندما أرادت ان تستكمل دراستها الجامعيه لم يكن على لسانه الا ان المرأه ليس لها إلا بيتها وراحة زوجها وانجاب الأطفال وتربيتهم
– يعنى انت موافق بجد
– ايوه موافق… انا مش متجوزك عشان اهدم أحلامك ياقدر… وده علم وتطوير من الذات ومن واجبي اشجعك
اتسعت عينيها غبطة فتفكيره مشابه لفكر أخيها عمر حتى انها يوماً كانت تتمنى لو ان تتزوج رجلاً مثله ولكن زواجها من كريم جعلها تدرك ان أخيها نموذج نادر من الرجال
– متقلقيش مش هكلفك حاجه انا معايا فلوس اقدر اصرفها على..
احتدت عينيه فأبتلعت باقي حديثها
– اي حاجه تخصك من هنا ورايح فأنا المسئول عنها مش معنى أننا حطين فرصه لجوازنا عشان نتقبل بعض تفتكري انك مش مسئوله مني
وقد تبدلت نظرة عيناه التي كانت تحوي دفئاً
– اتمنى مسمعش منك الكلام ده تاني
ومن دون حديث اخر انصرف من الغرفه
لتضيق عينيها تخبر حالها بمزيد من صفاته
” لطيف وحنون ومتفهم لكنه عصبي وبيقلب بسرعه… كوكتيل غريب ”
*****
ازداد حنقه وهو يراها تجلس وسط المزارعين ترتشف معهم الشاي وعلى افواههم ابتسامة متسعه لم يمر على عملها سوي اثنتي عشر يوماً ورجاله لا يهتفون الا
” البشمهندسه اخبرتنا.. البشمهندسه طلبت منا ..البشمهندسه أمرتنا ” هكذا كانت ردود رجاله الذين يتولون شئون الأرض في غيابه
انتفض المزارعين من حولها كما كان حال رجاله الذين هبوا فزعاً من رؤيته… الكل ركض نحو عمله يُكمله لتقف هي مكانها ترمقه بنظرات جامده تنتظر سماع صوته الفظ
– والله عال العال يابشمهندسه مجمعالي العمال حواليكي تتسيروا وتشربوا الشاي
– ده وقت الراحه بتاعنا ياعاصم بيه
ومدت يدها بكأس الشاي خاصتها وهتفت ببرود تعلمت ان تتبعه معه
– تحب تشرب شاي
استنكر حديثها فمن هي لتقف أمامه تُحادثه هكذا… كانت تثير حنقه بشخصيتها مما جعله يرمقها بنظرات ساخره وعيناه لا تحيد عن وجهها
– اومال لو كان يتبصلك كنتي عملتي ايه
كان وقع كلماته كالصاعقة التي اخترقت صميم قلبها.. ارتجفت شفتيها فأخذت تضغط عليهما بقوه حتى لا تظهر ارتجافهما
– مش محتاجه اعرف منك نظرتهم ليا ايه.. ومش كل الناس بتبص على الوشوش
واقتربت منه ترفع سبابتها نحو عقلها ثم قلبها
– في ناس بتبص هنا وهنا ياعاصم بيه
وابتعدت عن طريقه تقاوم ذرف دموعها… غامت عيناه بالجمود نادماً على كلامه ولكن سريعاً ما تلاشي شعور الندم داخله
وعاد ظلامه يخرج من جديد وتلك المره كانت عقدته وصلادة عقله من نصيبها
****
دلكت عنقها بأرهاق بعدما جمعت أوراقها وكتبها.. فقد انصرف للتو معلم الرياضيات ومن قبلها الكيمياء وهي بين ذلك وذلك تُحصل معهم كل مافاتها حتى تلحق بباقي المنهج… شعرت بأقتراب خطواته بعدما رافق المعلم لباب الشقه فرفعت عيناها المرهقه نحوه
– انا خلاص تعبت… اوعي تقولي أن في مدرس تاني جاي
ضحك مُستمتعاً بتعبيرات ملامحها ليقترب منها
– لا اجمدي كده عايزين مجموع يشرف
التمعت عيناها وهي تطالعه فكلمة شكر أصبحت لا تفي حقه
– قومي خدي دش عشان تفوقي اكون انا حضرت العشا
أسرعت تمسك ذراعه تهتف معترضه
– لا انا اللي هحضر الاكل مش كفايه انت اللي عمال تضايف في المدرسين وضيعتلك وقتك
– عهد احنا قولنا ايه… تروحي زي الشاطره تاخدي دش وانا اللي هحضر العشا يلا بسرعه
ختم كلامه وهو يقرص وجنتها مبتسماً لتغمض عيناها متنهده… فماذا سيحتل اكثر من ذلك لقد احتل قلبها وعقلها وعالمها
وهي كالمسلوبه تفقد كل راياتها أمامه رغم علمها انه يفعل ذلك لتعويض ماقصره بحق شقيقته التي توفيت وكان بعيداً عنها، لقد اخبرها في أول ليله لها بمنزله انها ليست مايرغب ولن ينظر إليها يوماً
*****
وقفت أمام المرآة تتحسس خدها وعنقها الي ما اسفله تتذكر حديثه الجارح ودموعها تحرق خديها.. مجرد حادث غير كل شئ بحياتها تركها خطيبها اشمئز منها أصدقائه غير مصدقين ان ايمان الجميله أصبحت بخد مشوهه ولم تعد ابنه العز.. زفرة حاره عبرت عن آلامها تُقاوم ذرف دموعها تخبر حالها
” انتي قويه وستظلي قويه وليست كلمه عاصم الأولي والاخيره التي ستسمعيها”
*****
دلفت للفيلا بسعاده بعدما أتت من المعهد الذي تدرس فيها دورة اللغه والكمبيوتر… فوقعت عيناها على السيده فاطمه وهي تقترب من غرفه مكتبه تحمل فنجان قهوته
ابتسمت السيده فاطمه لها تعطيها ما تحمل مما جعل ابتسامتها تتسع فقد فهمت نظراتها لتربت فوق كتفها بعدما حملت حقيبتها
– دخليله القهوه اكيد هيتبسط لما يشوفك
واردفت بمكر لا تجيده ولكن من أجلها ستصبح ماكره الي ان تتحسن علاقتهما فهى تدرك أنهما لا يتشاركان الغرفه
– سأل عليكي اول ماوصل ومرضاش نحطله الغدا.. اكيد البيه رجع بدري عشان تتغدوا سوا
توردت وجنتيها خجلاً رغم انها تعلم انه يفعل ذلك دون نية أخرى
طرقه باب الغرفه بخفوت ودلفت بعدها ليتفاجئ بها امامه
– وصلتي امتى… وليه جايبه القهوه بنفسك
اقتربت من مكان جلوسه تضع قهوته مبتسمه
– لسا واصله من دقايق
وارتبكت وهي تجيبه على سؤاله الآخر
– انا اللي طلبت منها اجبلك القهوه.. انت اتضايقت
– وتفتكري ده منظر حد مضايق
هتف عبارته مقترباً منها بعدما ازال نظارته الطبيه عن عينيه
– عملتي ايه النهارده
انشقت شفتيها بأبتسامة واسعه
– الحمدلله كان يوم كويس… بس انت ممكن تضايق من المواعيد انا حاولت اغيرها لكن منفعش
– مافيش مشكله ياقدر… انا بطبيعتي مبكنش موجود في البيت في الوقت ده
توترت من قربه لتتقدم بخطواتها للأمام قليلا تُلقي بعينها فوق فنجان قهوته تسأله
– القهوه هتبرد
ابتسم لمراوغتها وابتعادها عنه كلما اقترب منها
– هبقي اشربها في المكتب لاني راجع الشركه تاني..
تبدلت ملامحها ولا تعرف السبب لتومئ برأسها وقبل ان تغادر الغرفه
– انا مسافر بليل لبنان
****
انبت نفسها وهي تنظر لهاتفها للمره العاشره على التوالي منذ أن سافر من يومين
– أنتي فاكره عشان مجرد كلام مابينكم يبقى في مشاعر… فوقي ياقدر مش معقول تكوني لسا هابله ومصدقتي تلاقي حد يقولك كلمه حلوه ..
واردفت تجلد نفسها على مشاعرها التي أصبحت تكتشفها نحو شهاب
– انتي نسيتي اللي عمله فيكي كريم… نسيتي المرار اللي عشتيه مع أمه وجلدهم ليكي بالكلام وفي الاخر رجع لحبيبته القديمه
لتظهر أمامها صورة امرأة فاتنه لم تكن الا شيرين تغمض عيناها بقهر تتذكر كلماتها الجارحه حينا قابلتها امس في المول التجاري عندما ذهبت مع عهد لشراء بعض الثياب لها
” شهاب اكيد بكره يرجعلي لان انا الزوجه المناسبه ليه وكنت ام ابنه …مش مجرد واحده جوزها رماها لأنها مبتخلفش”
مازالت كلماتها تخترق اذنيها وكأن كان ينقصها
– ليه ياخالي فضلت مصمم اني اتجوز من تاني.. ليه حسستني اني لو متجوزتش هفضل طول عمري وحيده وسيرتي على لسان الناس
دموعها أنسابت بقهر وقله حيله ف قرار زواجها من شهاب لم يأتي الا بعد ضغطً
– هو وعدني انه مش هيظلمني
خاطبت حالها حتى تتناسي ذلك الاحساس الذي سعت شيرين لاصاله لها
****
توقفت الكلمات في حلقه وهو لا يعرف كيف يُخبرها… انتبهت عليه لتنظر اليه
– هخلص بس حل السؤال ده واقوم احضرلك العشا
ابتلع لعابه يجليّ حنجرته بأسي عليها
– قومي غيري هدومك عشان مسافرين البلد
انتابها الخوف تخشي ان يعيدها لمنزل عائلتها وينكس وعده
– ليه هو انا عملت حاجه تزعلك
هتفت مذعوره فتعلقت عيناه بها يزفر أنفاسه مُرتباً كلماته
– الحج ابراهيم
وقبل ان يكمل باقي عبارته كانت دموعها تتساقط فملامحه لا تدل الا على شيئاً واحداً لقد رحل والدها
منذ أن حطت قدميها داخل المنزل تُقدم واجب العزاء واعين النساء تُطالعها بفضول.. الكل يفحصها بتقيم يتسألون عن المرأة التي اقترن بها ابن العزيزي بعد ابنة الوزير… لوت بعض النسوة شفتيهم مستنكرين تلك المقارنه… تمنت ان تنقضي الساعات لترحل من هنا.
تعلقت عيناها بعهد الجالسه جوارها تبكي بصمت على رحيل والدها
انتبهت على وقوف زوجات أشقاء عهد يُسرعون نحو تلك السيده التي دلفت للمنزل تزيل عن عينيها نظارتها السوداء
الترحيب بها كان بحفاوة مما جعل عينيها عالقه بالمكان حتى تتبين لها ملامح من جذبت الأعين لها…
اتسعت عيناها ذهولاً فالمرأة لم تكن الا شيرين التي اقتربت من مجلس النسوه بخطوات واثقه والاعين تحيطها
بدأت الهمسات تتعالا والكل لا يصدق وجودها… تحولت نظراتهم من عليها لتصبح نحو شيرين التي جلست بأعتزاز
مصمصت احداهن شفتيها وهي تخبر من تجاورها
– بيقولوا انها دخلتله صوان الرجاله تعزيه
لتهتف الأخرى بعدما خبأت فمها بطرحتها
– بنت الوزير وتربيه بلاد بره… انتي مش فاكره ياختي لما كانت بتيجي البلد زمان كانت ولا السياح
تعلقت نظرات شيرين بها وكأنها تخبرها ان المقارنه بها لن تخرجها الا خاسره فستظل هي المرأة الوحيده المقترنه بأسم شهاب العزيزي وماهي الا وسيلة لجرحها ثم سيعود لأحضانها
تحاشت قدر نظراتها نحوها تُلهي حالها بمواساة عهد تُذكر حالها انها هنا تفعل الواجب
****
تجنبت لطيفة بسلاطتها وبغضها لها الذي لا تعرف سببه ولكن لطيفة لم تكن لتترك فرصتها
بعد انصراف المعزين وذهاب كل من زوجات اخوت حامد لغرفهم… كانت تشعر بالغربه تبحث بعينيها عن أدهم الذي أصبح يشكل لها مصدراً أماناً
رمقتها لطيفة بحقد وهي تراها كيف أصبحت لقد اكتسبت وزناً وبرق وجهها وكأن الزواج زادها جمالاً
– ياخوفي يرميكي بعد موت ابوكي
ارتجف جسد عهد فهى تخشي يوماً كهذا… ف والدها رحل واخوتها لا يعترفون بوجودها لا يرونها الا ابنه المرأه التي قهرت والدتهم
– ياريت بعد العزا ما يخلص منشوفكيش هنا تاني… الحج ابراهيم خلاص مات
وكأن والدها كان يعلم ما ستتلقاه على ايديهم بعد وفاته.. أيقنت ان العيش مع أدهم حتى لو تزوج عليها يوما أكرم لها من حياتها هنا
طالعتها لطيفة بشماته وهي تغادر الردهة الواسعه بعدما اعلمتها وضعها وان وجودها لم يعد مرحباً به فقد مات من كان مصراً على ربطها بهم … لتتقدم رسمية تلك السيده الطيبه منها تحتصنها بحنان
– حافظي على بيتك وجوزك يابنتي
*****
تتبعها بعينيه وهي تصعد لأعلى مُتعجباً من شرودها وصمتها الذي اتخذته طيلة الطريق…اختلي بغرفة مكتبه يمسح فوق وجهه فمجئ شيرين لعزاء ابن عمه الحج ابراهيم اليوم قد جعل الجميع يتحدث… فيبدو انه كان مخطئ حينا قرر ان بزواجه سيبعدها عن طريقه ويقطع امالها
التمعت عيناه عندما جال بعقله ان شيرين بالتأكيد افتعلت شيئاً بالعزاء…فقرر الصعود إليها ليعلم منها
لم يطرق باب غرفتها كما اعتاد انما فتحه على الفور… لتسقط الملابس التي بيدها فقد كانت على وشك ارتدائها
تعالت وتيرة أنفاسها وهي ترى نظراته نحو بشرة جسدها ليتقدم منها يتنحنح حرجاً ويجثي فوق ركبتيه يلتقط ملابسها
– مكنتش اعرف انك بتغيري هدومك..
لقد افرغها دلوفه فجعل جسدها يتخشب وذراعيها تلقائياً التفت حول جسدها العلوي تحميه من نظراته
– ممكن تخرج
لم تتحرك قدماه بل اقترب منها يمسد فوق وجنتيها
– قدر احنا لو فضلنا بالطريقه ديه مش هنتجاوز الحواجز اللي بينا
وعندما وجدها تغمض عينيها بقوه تتحاشيا نظراته… تمالك نفسه وانسحب من الغرفه يزفر أنفاسه دفعات واحده
مشاعره بدأت تتحرك نحوها بطريقه لا يعرف اهي بسبب مرهقة متأخرة كما يسمع عنها ام مجرد افتنان لوقت وينتهي كما انتهى من قبل في زيجته التي لم يعلن عنها وانتهت ف صمت
قدر كأسمها قدرها وحده هو من وضعها امامه في وقت ظهور شيرين ومشاعره المضطربه… بها شئ يجذبه نحوها منذ اول يوم رأها تقف مذعورة خائفه من بطش عاصم وبعدها كان نصيبه ان يراها ثانية الي ذلك اليوم الذي لا يعرف كيف فجأة دون تخطيط تقدم لطلب يدها للزواج
دلف لغرفته يجلس فوق فراشه حائراً وصورتها شبه عاريه لا تخرج من رأسه ودون أن يحمس قراره كان يعود لغرفتها ثانية لتنتفض من فوق الفراش تطالعه وقبل ان تفتح شفتيها تسأله عن سبب عودته كان يقترب منها والاجابه كانت واضحه
*****
ضمت الغطاء نحو جسدها تبكي حالها… وكأنها الليله فاقت واتأكدت انها دخلت تجربه زواج أخرى ستنتهي عندما تنتهي غايته منها
– قدر بصيلي لو سامحتي…
وتنهد وهو يمسح فوق وجهه يُرتب كلماته
– انا كنت وعدك مش هلمسك بس انتي مراتي
اغمضت عيناها بقوه ستكون كاذبه لو أنكرت انها شعرت بين ذراعيه وكأن مشاعرانوثتها تتفتح من جديد
شعرت بقربه منها
– انا عارف ان كل حاجه مع بعض بتيجي بسرعه.. خلينا ندي مشاعرنا فرصه
ادارها نحوه لينظر مصدوما يُطالع وجهها
– دموعك ديه ملهاش غير تفسير واحد ياقدر..
– انت قولتيلي ان سبب جوازك مني عشان تبعد طليقتك عنك… هيجي وقت ودوري هينتهي
هتفت عبارتها متعلثمه تتذكر مافعله كريم بها وأسباب رضوخها للزواج مرة اخرى قبل أن تفيق من تجربتها الأولى
– انا مش هستحمل جرح تاني… انا اتجوزتك مجبرة.. عاصم مسبليش فرصه طعن ف شرفي وسط زمايلي في الشغل خلاني خايفه انزل الشارع… اجبرني اعيش التجربه من تاني
واردفت بحرقه وخاصه بعد لقائها بشيرين في العزاء
– انا هكون نزوة مش اكتر.. واحده مطلقه مش هتفرق لما تفشل في جوازها من تاني
هو بالفعل يخشى عليها من نفسه… يخشى ان يفيق من حاله افتنانه السريع بها… وتصبح ضحية له… لا تدخل امرأة بحياته الا وكانت في النهايه خاسره
نهض من جانبها تاركاً لها الغرفه ليتعالا صوت نحيبها… حتماً ستكون هي الخاسره الوحيده في تلك العلاقه السريعه بينما هو رجلاً ذو مركز طليقته تفعل المستحيل لعودته إليها وهي لا تقارن بها كما لم تقارن ب شمس التي انتصرت عليها بالزوج والطفل وخرجت هي خالية الوفاض
*****
قبض فوق يده بقوه وهو يُطالع سيارة أدهم تُغادر البلده… لم يظهر اي مشاعر ل عهد رغم نظراتها التي تعلقت به وكأنها تستجديه ان يحتضنها ويخبرها انها من دماءه وان منزله سيظل مفتوحاً لها… لو يعلم انها كانت تجلس بجوار أدهم تحبس دموعها تتذكر المعامله السيئة التي عاملتها بها لطيفة لثلاث ايام والتجاهل كان من زوجات اشقاءها الاخريات
سقطت دموعها فقد احرقتها نظرات اشقاءها المتجاهلة كأنهم لم يروها
تعالت شهقاتها ليفزع أدهم وهو يراها بتلك الحاله…فأوقف سيارته جانب الطريق يسألها بقلق
– مالك ياعهد
ماذا ستخبره انه لو طردها هو الآخر من حياته ستكون بالشارع… هل ستخبره انها يجب عليها ان تعلقه بها بل ينجب منها حتى تربطه بها… الرجل الذي يخبرها كل يوم الا تنتظر منه إلا الواجب وارضاء الضمير…
حديث السيدة رسميه لم يرحمها كما لم يرحمها اشقائها
– عهد فيكي ايه بس… انتي كنتي متقبله موت عمي إبراهيم…هو حامد او مراته قالولك كلمه
– انت كمان هتسبني وترميني زيهم
صدمته عبارتها لتحتد عيناه يبغض اولاد عمومته بجبروتهم فعهد لم تتحدث هكذا الا اذا اوصلوا لها هذا الشعور
جذبها لحضنه يضمها اليه بحنان دوماً كان فيه عكسهم
– احنا مش اتفقنا اني كل عيلتك
– انت ليه غيرهم… انت مش قاسي زيهم حتى لو عملت كده بيبقى غصب عنك
ابتسم رغماً عنه ف الصغيره بدأت تكتشف صفاته.. فأراد مزاحها
– اظاهر ياست عهد بقيتي تركزي في صفاتي اوي وهتفهميني اكتر من نفسي بعد كده
رفعت عينيها اليه تتأمله….ليمسح دموعها بيديه يداعب وجنتيها
– قدامك مذكره كتير مش هتنازل عن مجموع كبير يدخلك كليه الهندسه
وهي لم يكن بعقلها الصغير الا حديث السيدة رسميه
” أدهم زوجها لابد أن تحافظ عليه… كزوج وليس الا… حتى لا تأتي أخرى وتنتزعه منها لتصبح هي شريدة كما كانت شريدة طيلة عمرها ”
*****
اتبعت معه المبدء الذي علمته لها الحياه ” التجاهل” كلمه لا يعترف بها عاصم العزيزي في قاموسه.. فإذا وجد هو لابد أن الكل يقف منصت اليه يتبع اوامره… الا هي تلك المسماه ” ايمان ” صاحبة الخد المشوه والأعين الجميله…
ارتفع حاجبه مستهزءً وهو يراها تجلس فوق المقعد الخشبي تتابع المزارعين بعينيها دون اهتمام بوقوفه أمامها
– البشمهندسه قاعده تدي في الأوامر ولا كأنها صاحبه الأملاك
لم تعجبه نظرتها المستنكره نحوه فأرتفعت زوايتي شفتيه متهكماً
– متبعديش وشك كده… هو انا طايق ابصلك
احتدت عيناها وهي تلتف بوجهها نحوه رغم ان سموم كلماته انضافت لجروح قلبها
– عاصم بيه هو انت ماشي تقول ياشكل….
– شكل… بقى انا عاصم العزيزي احب اتشاكل مع واحده تعتبر خدامه عندي
اشتعلت عينيها غضباً تنهض من فوق مقعدها
– انا موظفه عند محمود بيه والدك الراجل المحترم… اللي مش عارفه ازاي انت ابنه
– بقى انا بتقوليلي الكلام ده…. على اخر الزمن واحده بخد محروق تقولي الكلام ده… بدل ما تبوسي ايدي اني وفقت اشغلك واصطبح بوشك كل يوم
سقطت دموعها دون ارادتها تنظر لنظرات المزارعين الواقفين على بعد منهم يتابعونهم
– شكراً ياعاصم بيه.. انت كسبت في النهايه وانا مستقيله مش هو ده اللي انت عايزه
لم تفرحه دموعها وكسرتها كما كان يسعى لقد وصل لما يُريد ولكنه لا يشعر بزهوة الانتصار كما اعتاد
تعلقت عيناه بها وهي تخفي عيناها بنظارتها السوداء تُغادر المكان
ليقترب منه احد رجاله
– محتاجينك في موقع المصنع يابيه
******
تعجب السيد صابر من مجئ ابنته في هذا الوقت…نبأه حدسه بأن هناك خطبً حدث معها
– مالك ياايمان… ايه اللي رجعك بدري من شغلك يابنتي
اطرقت عيناها نحو حذائها تخلعه تخشي النظر لوالدها
– مافيش حاجه حصلت… بس سيبت الشغل
– ليه كده يابنتي… البلد هنا مفيهاش شغل يناسبك…هنعيش منين
عضت شفتيها قهراً تتمالك دموعها
– خلينا نرجع القاهره يابابا.. انا مش مرتاحه هنا
فأغمض صابر عيناه بقلة حيله
– والديون اللي عليا يابنتي هسدها ازاي… ما انتي عارفه اللي فيها ياايمان… ابوكي هربان من الديانه
انسابت دموعها فلم تعد تتحمل ان تظل قويه حتى أمام والدها
– نبيع البيت هنا… وبفلوسه نسد جزء
– وهنعيش فين بعد كده
مسحت دموعها حينما شعرت ان هناك املاً لمغادره هذه البلدة
– نأجر شقه… وانا مش لازم اشتغل بشهادتي هدور على اي شغل تاني… وانت حبايبك كتير يابابا مش هيتأخروا
ارتسمت السخريه فوق شفتي صابر فأي احباب تتكلم عنهم ابنته وقد تخلوا عنه جميعهم
– وهو حد وقف معانا قبل كده عشان يقفوا معانا دلوقتي
اطرقت عيناها ارضاً فقد رأت بعينيها كل شئ… حتى اذلال والدها ورجاءه
– استحملي يابنتي العيشه هنا عشان خاطري.. مش هترضي لابوكي يتبهدل في آخر أيامه ويدخل السجن… واذا كان على الشغل انا هطلع اشتغل اي حاجه… عمك محمود ممكن يساعدني
ارتمت بين ذراعي والدها ترثي حالها فالأيام كانت مخبأة لهم الكثير ولو عاد الزمن للوراء لحمدت الله كل يوماً على عيشتها
– لا يابابا… اوعاك تقول كده… انا موجوده اومال أنت علمتني ليه
ابعدها عنه برفق ينظر لعيونها الدامعه
– قوليلي سيبتي ليه الشغل الأول
اشاحت عيناها بعيداً عنها حتى لا يعلم بكذبتها
– انت عارفني مبستحملش حد يديني أوامر… وابن الحج محمود عايز الكل يقوله سمعاً وطاعاً
واردفت بمزاح تخفي حرقتها
– قومت اتخنقت معاه وسبتله الشغل…
ضحك صابر وهو يتخيل مافعلته ابنته وقد صدق كذبتها
– لا انا لازم اكلم عمك محمود اشتكيله… بس انتي برضوه ياايمان غلطانه مهما كانت المعرفه اللي بينا ده صاحب الشغل.. عودي نفسك يابنتي على كده خلاص بقينا نشتغل عند الناس وصاحب الشغل مهما قال فهو ليه الحق
ابتلعت مراره حلقها تومئ برأسها له
– حاضر يابابا
*****
منذ تلك الليله وأصبح يتجاهل وجودها… تجاوز ماحدث بعدما جعلها لا تنام الليالي الماضيه الا وهي تشعر بلمساته وانفاسه.. نجح في ان يجعل تلك اليله مرسخة بقلبها وجسدها
هزت رأسها هزات ممتاليه حتى تنفضها من أفكارها التي لا توحي لعقلها الا بالضعف…
اقتربت من باب غرفة مكتبه بعدما علمت بوجوده.. طرقت الباب بخفه لتدلف بعدها.. مجرد ان رفع عيناه نحوها اخفض عيناه ثانية يتابع تجميع الأوراق التي أمامه قبل انصرافه مجدداً
– احم… خالي عزمنا على الغدا عنده بكره… يعني انا وانت
انتظرت جوابه ليأتيها اخيرا ولكن بخيبه
– اعتذريلي منه… ومافيش مشكله روحي انتي واتبسطي معاهم
– بس هو هيفرح اوي لو جيت…
واردفت تخبره بأصرار خالها ان يأتي اليه حتى يعزمه بنفسه
– ده كان مصمم يجيلك هنا يعزمك
ابعد عينيه عن الأوراق التي يضع تركيزه عليها
– هبقي اتصل بيه اعتذر منه…
طالعت تجاهله لها ورفضه بكل الطرق المجئ معها اردات ان تنسحب ولكن تذكرت حماس خالها في رؤيتهم سوياً
– طب نأجل اليوم وشوف اليوم المناسب ليك
تعالا رنين هاتفه ليهتف بالمتصل متجاهلاً رجائها
– تمام نص ساعه واكون في المكتب
جمع أوراق عمله مُلتقطاً هاتفه
– معلش ياقدر… معنديش وقت للأسف
وقفت مكانها تطالع الفراغ الذي كان يشغله.. ولم يصل لخاطرها الا معنى واحداً ” شهاب يعاقبها بتجاهله”
يتبع….