
انتفض عن كرسيـه وقال بجدية:
” حاضر يا فندم.. بعد اذنك “…
تحـرك رسـلان عائـدا لمكتبـه والذي لم يفارقه إلا عند سـاعة الغداء، خرج ليجلس في الكافيتريـا ليأكل بعض الطـعام التي حضرته له والدتـه و احتسي معه كوب من العصير البـارد و علي مسافـة علي إحدي الطـاولات جلست هي ايضا تتنـاول بعض الطـعام بمفردهـا والجميع يلقي لها التحيه بإحتـرام و ايضا بحذر، ذلك الذي جعله يري بكـل وضوح تلك المسـافة التي وضعتها بين نفسهـا وبين جميـع من حـولها وهي بذلك العمر يبحث أمثالها عن الرفقـة و الاستمتـاع و أيضا الزواج والحب و الإستقـرار، انمـا هي رفضت كل ذلك لأجل اخيها الذي ينـازع مصيـره تجـلس معه بمفردها في منزل يمكنه تحمـل عائـلة بأكملهـا من أجداد الأجداد لأحفاد احفادهـم، حتي أنها رفضت شخصا شديد الوفاء والإخلاص لهـا ولأخيهـا…
كـان يود المساعـدة ولكن ماذا هـو بفـاعل، هو تابع عمله بكـل جدية وإلتـزام حتي مر شهـر كـامـل..
في إحدي الليـالي كـانت علي وشك الذهاب للنـوم عندما استمعـت لصوت شخص بالأسـفل، خرجت للتراث لتتعجب عندمـا تجده رسـلان، تحركت للأسفل و خرجـت تسأله بتعجب:
” في اي!! انت بتعمل اي هنا في الوقت دا!! “..
” اعملي توكيـل لحد تثقي فيه يمسك الشركه لفترة “..
” اااي؟ “..
كرر حديثـه مجددا فسألته بتعجب:
” ليه؟! “..
قال بجدية:
” علشان عندنـا رحـلة طويـلة شويـة.. ل أرض دارو “..
فتحت عينيه بصدمـه وسألته:
” أنت تعرف المكـان دا!؟ ولا أنت جاي تضحك عليـا و تستغفـلني!؟ لا ركز كدا وفوق أنا داليا النجـار “..
قـال رسلان بهدوء:
” أستاذة داليـا، أنا محتاج أشوف الاستاذ أدهم و بعدهـا قرري اذا كنتـي عاوزة مساعدتي ولا لا؟! “..
وقبل أن تجيبـه تحرك رسـلان للداخـل يبحث عن أدهم حتي وجده في زاويـة ما يجـلس صامتا مغمض العينين فأقتـرب منه و جلس أمامـه يخرج من جيبـه شيئـا لونه أخضر لزج فوضعه في فمــه و داليا تقف خلفه تشـعر بالحيرة ولكنها اقتربت من اخيـها تنقل نظرها بينه وبين رسلان الذي تابعه بإنتبـاه..
وبعد دقائق للمره الأولي من سنوات يفتح أدهم عيـنه ويرفـع رأسـه بحثا عن أخته التي أقتربت بلهفـه تجلس أمامـه و رأت طيف ابتسامة خفيفه علي جانب فمه و سقطت دمـعة من عيـنه فبكـت هي بشده ورسلان يتابعهم بشفقـه:
” أنا هقدر أسـاعده، أنا طول الفترة اللي فاتت مكنتش بنـام علشان ألاقي الحـل، و العشبه اللي أخدها دي من ارض دارو نفسها، لو روحنا هناك هيتعـالج بأمر الله “…
قالت بلهفه:
” أنا موافقـه.. “.
” الشركـة لازم تسيبيها في ايد أمينـه “..
” أنا عامله توكيـل عام لكريم في حـال حصلي اي حاجه أو اختفيت، لكن أنا حابه أقوله علشان ميقلقش عليا أنا و أدهم “..
” ابعتيـله رسـالة، لأننا لازم نمشي قبل شروق الشمس “..
أخرجـت هاتفهـا بالفعل ترسـل رسـاله لكريم ولم تخبره بالتفاصيل، فقط اخبرتع انها ستختفي مع أدهم لبضعه أيـام، تحركـت بعدهـا تجاه رسلان تسأله بجديه:
” ها، هنـروح هناك إزاي “…
أخرج رسلان من جيبـه نفس العشبه ولكنهـا كانت جـافه هذه المره، فركها بين يديـه و بيده اليسري أمسـك بيد داليا و باليد الأخـري أمسك بيد أدهم، نظرت له بتعجب و حيـرة ولم تفقه اي شيئ مما يحـدث حتي شعـرت بالأرض تهتز تحتهـا وحولهـا شئ يدور بسرعـه كبيـرة ثم بعد ثواني تـوقف، قد كـان باب كبيـر، كتب عليه نفس تلك الكلمـة..” دارو “..
أخذ رسلان أدهم علي ظهـره و تحـرك بـه يفتح ذلك الباب ولا زال ممسكا بيد داليـا وأخذهـا معـه ثم أُغلق الباب خلفهـم..
يكـاد يشعر بأنفاسهـا ستتوقف وهي تنـظر حـولهـا لذلك المكـان، فقد بدا في غايـة الجمـال، علي يسـارهم البحـر بلونـه الصافي و أمواج هادئه حتي أنها كانت تري الأسماك وهي تسبح بهـا، وعلي يمينهـا جبال خضـراء عالية مليئـة بالأشجـار و الزرع الأخضر بألوانه المتفاوتـه و الأزهار، وبين ذلك منـازل رائعـه عديده ترتص بجـوار بعضهـا بشكـل منتظـم..
تحرك رسـلان بعض الخطـوات حتي أوقفتـه فتـاة تنظر لهـم بتعجـب وقالت بدهشه:
” أنتم!! من المكـان الأخر!! يا ويلي لم أري أحدكم أبدا؟! هذه المره الأولي.. مرحبـا أنا بهـار “..
وقف رسلان ينظر لها بتعجـب لبعض الوقت، قد كـانت تلك الفتاة غاية في الحيـوية، بشعـر بلون ذهبي مموج تزينـه الأزهـار وأعين واسعه ونمش علي خديها و انفهـا و قبل أن يتعمق في التأمل سمع صوت أجش يسأل:
” من أنتم؟! “..
قالت بهـار:
” انهم من ذلك المكان الاخر عمي ايوان “..
نظر رسلان لهـا بتعجب ثم عاد بنظره لذلك الرجل الذي آتي من خلفـه يرتدي عبـاءه واسعـه مزخرفـه ممسكـا بعكـاز بيده وشعـره طويـل ابيض:
” من أنتم؟ ”
قال رسلان بتردد:
” أنا رسلان، و دا أدهم معموله سحر و اتقـالنا ان السحر دا في ارض اسمها دارو، هي دي صح؟! وفعلا السحر دا اتدفن هنا؟ “.
قـال الرجل بآسي:
” هذه حقيقه يـا بني، دُفن ذاك السحر من سنوات و دمر مـعه أجزاء كبيرة من أرضنـا و لكن آل دارو لا يمسـون السحر إلا القليل منهـم،لن يستطيع احد مساعدتك لإخراجه “..
قال رسلان بجدية:
” بس الشاب دا هيفقد حياته لو محدش ساعده “..
قال الرجل بجدية:
” بهار.. اذهبي لآفرين أحضريها و بعض الرجـال لأخذ الفتي و استقبال ضيـوفنا “..
استجمعـت داليا قواهـا مجددا وتداركت الموقف و توقف المنطق لديها في محاولة فهم ما يحدث وقالا بجدية:
” هياخدوه فيـن؟! أنا هروح مع أخويا مكـان ما هياخدوه! أنا مش هسيبـه معاهم لوحده “..
ألتفت رسلان له يقول بجدية:
” استاذة داليا احنا هنا علشان دا المكان الوحيد اللي هيقدر يسـاعده، لازم نثق فيـهم “..
عـادت بهـار بعد قـليل و معـها تلك الفتـاة، و إن ظن رسلان من دقائق أنه رأي أجمل فتاة قد يراها يوما فهو مخطـئ فقد رأي أمامه قطـعة من القمر تمثلت في فتـاة، انتبه علي حديث الرجل يقول بجدية:
” هذه آفرين، ابنتـي.. ستسـاعد الفتـي “..
تعجـب رسـلان نظرات تلك الفتاة الغاضبـه له و قد كانت قاسيه بعض الشيئ وهي تآمر الرجـال لأخذ الفتـي و وقفت تنـظر له بضيق فتعجب لها اكثر..
قالت داليا برجـاء:
” أنا عـاوزة اروح مع أخويا “..
قـال الرجـل بجديـة:
” أود الحديث معـكم في أمر هـام، حتي في أمرك سيدتي “..
انتبـه الإثنـين له فتحرك الرجـل وهم خلفـه يستمعـون له بإنتبـاه:
” سنعـالجه و بأمر الله ذلك الشاب سيتعافي وتعود له صحـته ولكـن ذلك السحر سيظل مفعوله قائما طالما انه في باطن الأرض، عليكم افساد سحره قبل ان يعود المرض لجسده من جديـد، سياخذ العلاج أكثر من شهر ولكن قد يـعود لحالته تلك في اي وقت.. ”
سأله رسلان بهدوء:
” بس احنا منعرفش نفسده، احنا فاكرينكم انتوا هتساعدونا “..
” سنساعدكم ولكننا لن نمس السحـر، لا يمس السحر سوي حكـام دارو.. أنا أو ابنتي، انا وقد اصبحت كهلا لن يتحمل جسدي ذلك السحر وقوتـه، ولن اسمح لإبنتي بأن تفعـل “..
قالت داليا بجدية:
” لكن لو أنتم حكام المكان ف دا واجبكم “..
قال الرجـل بجدية:
” نحن لا نستقبل أمثالكم في ارضنا سيدتي ولكـن استقبلناكم لأجل ذلك السحـر وقد دمر ارضنا، و أنتي لن تستطيعـي البقاء هنا لأكثر من شهـر، سيتحتم عليكِ العودة لبلادك وترك أخيكِ في النهـاية “..
قالت داليا بخوف:
” لا! أنا مستحيل اسيب اخويا وامشي “..
قـالت آفرين بهدوء:
” حسنا تعـالي معي الآن، ربما وقتها نجـد حـلا “..
تحركـت داليا لتذهب لأخيها مع الفتيـات وبقي رسلان مع ذلك الرجـل الذي قـال بجديـة:
” ستفسد ذلك السحـر بنفسك، هذا حلي الوحيـد، سأخبرك بما يجب فعـله و ستنفذ بدقه، سأجهزك لذلك حتي ولكن ستبقي المخاطر موجوده “…
سأله رسلان:
” واي هي المخاطر دي!! “..
” أن تنتقـل اللعنـة لك، عليك اتخاذ قرارك بأسرع وقت ”
” تمـام يا أنسة مريم كدا الانترفيو خلصـت “..
ابتسمت مريم وشكـرته ثم تحـركت لتخـرج ولكن قبـل ذلك شعرت بدوار جعلهـا تستنـد علي المكتـب بتعب فسألها كريم:
” حضرتك كـويسـه؟! “..
قـالت مريم بتعـب:
” اه اه كويسـه، انا بعتذر بس دوخة بسيطـة “..
وقف كريم عن مكتبـه ثم تحرك تجـاهها وقال بهدوء:
” لو سمحتي اتفضلي استريحـي لحد ما الدوخـة تروح و هطلبلك عصير “..
قالت بهدوء:
” لا شكـرا، أنا صايمـة.. أنا كويسه الحمد لله شكرا لحضرتك “..
تحركـت مريم من مكتبـه سريعـا فعليها الذهاب لعملهـا المؤقت في أحد المطـاعم البسيطـة و بمقابل مادي بسيط بالكـاد يكفيهـا، آتاها اتصـالا هاتفيـا فأجـابته:
” ايوا يا خـالد! “..
” أنتي فين؟ روحتي بردو الانترفيو؟! ”
“أيوا روحت و عملت الانترفيو و خلصت، انا ما صدقت ان جـاتلي فرصـة زي دي، انت مش باقيلي يا خالد علشان تضيع مني الفرصـه دي، متنساش ان خطوبتنـا دي مزيفـه”..
” وانا قولتلك مش هتشتغلي في شركـات و قدام اهلي وأهلك، عاوزة دلوقتي تصغريني قدامهم!؟ “..
” وأنت مبتصغرنيش وانت كل يوم بتدور مع واحده شكل “..
” إنتي قليلة الأدب، أنتي مش هتتحكمي فيا ولا في تصرفاتي “..
” أنا مش قليلـة الأدب يا خالد لو سمحت احفظ لسانك معايا، و بعدين هو مين اللي بيتحكم في التاني دلـوقتي!؟ “..
” لازم أنا اللي اتحكم فيكي انتي ناسيـه نفسك ولا اي “..
” اه وتقصد اي بقي بالكلام دا!؟ “..
” قصدي ان واحده زيك لازم ليها حـاكم يا استاذة “..
” يعني اي واحده زيي يا خالد؟ وضح كلامك وقول الكلمة اللي محشورة في زورك دي ونفسك تقولها من أول ما عرفتـني “..
” بلاش تقطيم بالكـلام، مش كفاية الكلام اللي زي السم اللي بسمعـه بسببك وبسبب أصلك اللي منعرفش عنه حـاجه!! انتي اللي زيك تسمع الكـلام من سكـات “…
” تمام يا خالد، يا ريت بـليل تيجي تاخـد دهبك، وانت كنت جبتلي حاجه تانيه ابقي خدهـا “…
أنهت المكـالمة قبـل أن يجيبهـا ثم تحـركت تعبـر الطريق ولكنهـا لم تنتبـه لتلك السيـارة التي آتت من بعيـد و اصطدمت بهـا ليرتطم جسدها بقوة في الأرض لأميـال بعيده، اجتمـع حولها النـاس ليعرفوا ان كانت حيه ام فقدت حيـاتها…
من بعيد انتبه كريم للحادث من مكتبـه فتحرك للأسفـل سريعـا يسألهم فقال له أحد الحراس:
” دي بنت من اللي كانوا بيعمـلوا الإنترفيـو “..
تحرك كريـم تجـاهها و ابعد الناس يتفحصهـا وقال بجدية:
” لازم ننقلها المستشفي “..
” احنا طلبنا الاسعاف يا كريم بيه”..
“بس دي لو استنت اكتـر من كده هتمـوت”..
تحـرك كريم يحمـلها بحذر ثم أخذهـا لسيـارته و اتجـه لأقرب مستشفـي، أخذها الممرضين و وقف هو في الأستقبـال ومعه حقيبتها يبحث عن بطلقتها الشخصيـة:
” هي اسمهـا مريم، بس لحظة هشوف بطاقتها.. اهي.. اسمهـا مريم عبد الرحمن فاروق، أنا هحاول اتواصل مع حد من أهلها “..
تحـرك كريم يجـلس علي أحد المقاعد يُخرج كل محتويات حقيبتهـا وتعجب عندما وجد شهادة ميلادها، فمن يخرج حاملا لتلك الشهادة معه ولذلك السبب قام بفتحهـا وانتبه لشيئ واحد:
” اسم الأم.. شير.. شيرين عبـد المنصف الاسيوطـي!!!!! “
يتبع….