روايات

بقلم ساره علي

الفصلين السادس والسابع
أمام نفس الفندق وقفت سيارة تاكسي صفراء اللون لتهبط منها دينا وهي تجر حقيبتها خلفها …
سارت متجهة نحو موظفة الإستعلامات كي تحجز لنفسها جناحا وقبل أن تتحدث معها كان صوته الرجولي الرخيم ينادي عليها ..
التفتت نحو الخلف وهي ترسم على شفتيها ابتسامة مرحة ثم احتضنته بقوة وقالت بلهجة عذبة سعيدة :
” وحشتني اووي ..”
ربت على ظهرها بكفيه ثم ابتعد عنها قليلا وهتف بها بهدوء :
” انتي اكتر ، انا حجزتلك جناح جمب جناحي …”
” بجد ..؟!”
أومأ برأسه وأشار لموظفة الإستعلامات كي تعطيه البطاقة الخاصة بالجناح .. أخذ منها البطاقة وقال لدينا :
” اكيد عايزة ترتاحي من السفر ..؟!”
هزت دينا رأسها نفيا وقالت :
” عايزة اتكلم معاك ، واحشني اووي يا زياد ..”
” طب يلا بينا …”
قالها زياد وهو يقبض على يدها ويسحبها خلفه .. وصلا أخيرا الى الجناح ليتفاجئ زياد بزينة تخرج من جناحها المقابل لجناحه …
نظرت زينة الى زياد الذي يقف بجانب فتاة ممسكا بيدها بملامح متعجبة قبل أن تتنحنح قائلة بحرج :
” مساء الخير ..”
” رايحة فين ..؟!”
سألها زياد بسرعة لترد بهدوء :
” رايحة بيتنا أجيب هدومي ..”
ابتعد زياد عن دينا واقترب منها قائلا بعدم تصديق :
” تروحي فين ..؟! انتي اكيد تجننتي ..؟! بيت ايه ده اللي تروحيله .”
” امال هلبس هدوم منين ..؟!”
سألته بهدوء غريب ليرد بنفاد صبر :
” انا هتصرف فموضوع هدومك ده ..”
أومأت برأسها دون أن ترد ليردف بتحذير :
” ارجعي جناحك ومتخرجيش منه تاني ..”
كانت دينا تنظر اليهما بحيرة بينما زفرت زينة أنفاسها بقوة وسألته بنبرة متململة :
” هو انت حابسني ولا ايه ..؟!”
أجابها بهدوء خطر :
” اعتبريه كده لو تحبي ..”
ثم اكمل بجدية :
” ده عشانك وعشان مصلحتك انتي ..”
منحته ابتسامة ساخرة قبل أن ترد بخفوت متألم :
” مصلحتي ..!!”
ثم تحركت عائدة الى جناحها ليقول زياد مشيرا الى دينا :
” يلا بينا ..”
دلف زياد ودينا الى الجناح ، جلس زياد بوهن على الكنبة بينما اقتربت دينا منه وسألته بتردد :
” مين دي يا زياد ..؟! وبتعمل ايه معاك ..؟!”
نظر إليها زياد بصمت للحظات قبل ان يجيبها :
” دي زينة مرات أخويا علي الله يرحمه ..”
” بجد ..؟! وبتعمل ايه هنا ..؟!”
سألته دينا مندهشة من وجود زينه معه ليرد عليها موضحا لها سبب وجوده :
” اهلها عايزين يقتلوها بعد معرفوا اللي حصل ، وانا المسؤول عن حمايتها ..”
صمتت دينا ولم ترد ليتطلع اليها زياد بحيرة قبل أن يسألها بتعب :
” مش هتقولي حاجة ..؟!”
” هقول ايه يعني ..؟!”
” قولي أي حاجة ..”
ترددت دينا فيما ستقوله لكنها كانت مضطرة لقوله ، قالت بلهجة ذات مغزى :
” مش شايف إنوا وجودها حواليك غلط ..”
صمت زياد ولم يرد لتبرر دينا سبب كلامها :
” زياد انا خايفة عليك ، متنساش دي تبقى مين وعملت ايه … متخليش الماضي اللي موته زمان يرجع يعيش …”
” مستحيل يرجع يعيش ..”
قالها زياد بنبرة قاطعة لتقول دينا مكملة حديثها :
” محدش هيتقبل علاقتك بيها ، أولهم أهلك..”
قاطعها زياد بصرامة :
” انا مفيش بيني وبينها حاجة يا دينا ، انا مجرد بحميها مش اكتر ..”
هزت دينا رأسها وقالت متفهمة :
” انا فاهمة ده كويس ، بس خايفة لا الأمور تفلت من ايدك ..”
رد عليها بقوة :
” مستحيل ، انا منكرش اني فيوم اعجبت بيها ويمكن حبيتها من غير ماحس بس هي اتحرمت عليا من ساعة ما حبت علي وحبها …”
جلست دينا بجانبه وربتت على يده مساندة اياه قبل ان تهتف براحة :
” كده انت طمنتني ، وياريت بردوا تسمع كلامي وتبعد عنها .. هيكون احسن ليك…”
أومأ زياد برأسه ولم يرد بينما نهضت دينا من مكانها وأخبرته أنها ستغير ملابسها ..
……………………………………………………………………..
كانت زينة تجلس على سر،،يرها وتب،،كي بصمت .. تبكي حالها وما وصلت إليه .. ليتها لم تستمع الى كلام صديقتها التي نصحتها بعدم البوح بسرها الأكبر لعلي .. صديقتها التي ظنت وأقنعتها وقتها أن علي سوف يسامحها لأنه يحبها بحق ..
،،فلتنظر الأن إلى أين وصلت وكيف أصبح حالها …
ازداد بكائها ونحيبها وهي تتذكر علي .. علي الذي أحبته بصدق وتمنته شريكا لها ، ظنت أنه سيغفر لها ويتفهمها لكنه فعل مثلما فعل الجميع بها ..
أغمضت عينيها وتمددت على سريرها وقررت النوم بعدما جذبت غطاء ال،،سرير نحوها ورغما عنها ارتسمت صورة اختها مريم أمام عينيها فشهقت باكية وهي تتذكرها وتتذكر حبها وتعلقها بها ، ليتها لم تتزوج واكتفت بحب مريم ..
وضعت كف يدها على فمها محاولة كتم شهقاتها وهي تتذكر أختها ووالدتها وحياتها سابقا ، ظلت تبكي طويلا حتى غلب عليها النعاس ونامت أخيرا …
استيقظت في صباح اليوم التالي وهي تشعر براحة غريبة تسيطر عليها ..أطلقت تنهيدة صغيرة وهي تبتسم بصمت من شعور الراحة الذي غمرها بعد ليلة البارحة .. شعور لم تفهم سببه و لا ماهيته لكنه مريح وبشدة …
نهضت من فوق سريرها بعدما أبعدت الغطاء عنها واتجهت نحو الحمام لتأخذ حماما منعشا ، خرجت من الحمام وهي الف المنشفة على جسدها ، خلعه المنشفة وارتدت فستان لونه بني غامق يصل الى منتصف ساقيها وسرحت شعرها بعناية قبل أن تقرر الخروج من جناحها وتناول إفطارها في مطعم الفندق ..
خرجت زينه من الجناح واتجهت الى المطعم وهناك أخذت صحنا ووضعت به بعض أصناف الأطعمة الموجودة وجلست على احدى الطاولات تتناولها بشهية مفتوحة ..
فوجئت بشاب وسيم يقترب منها ويسألها :
” ممكن أشاركك فطارك ..؟!”
أومأت برأسها وهي تبتسم بخجل ليجلس أمامها ويهتف بهدوء :
” اول مرة أشوفك هنا .. شكلك مقيمة جديدة بالفندق ..؟!”
تنحنت قائلة :
” ايوه صح دي اول مرة أبات فيها هنا ..”
ابتسم وقال :
” انا شبه مقيم هنا ..”
” بجد ..؟!”
سألته بدهشة ليرد قائلا :
” انا اصلا عايش فإيطاليا ، وباجي هنا زيارات مستمرة فبختار الفندق ده أقعد فيه ..”
” حلو …”
” انتي اسمك ايه ..؟!”
أجابته زينة :
” زينة وانت ..؟!”
أجابها :
” مراد …”
” تشرفنا يا مراد ..”
” الشرف ليا ..”
في هذه الاثناء تقدم كلا من زياد ودينا الى داخل المطعم ليتفاجئا بزينة تجلس مع شاب غريب وتضحك بخفة ..
غلت الدماء في عروق زياد الذي تقدم نحوها بخطوات سريعة ووقف أمامها لتختفي ابتسامة زينة وتسعل بحرج بينما نظر مراد الى كليهما بحيرة ..
” معلش يا زينة ممكن تقومي معايا …؟!”
أومأت زينة برأسها ونهضت معه على مضض .. سارت خلفه متجهة الى الطابق العلوي حيث جناحها ..
” افتحي الباب ..”
قالها زياد وهو يقف امام الباب لتفتح زينة الباب وتلج الى الداخل يتبعها زياد الذي أغلق الباب بقوة …
اقترب زياد منها وقال بلهجة ساخرة :
” نازلة تحت وبتفطري وضحكتك مالية وشك ولا كأنه فيه واحد لسه ميت من كام يوم المفروض انه جوزك ..”
توترت ملامح زينه وقالت بأسف :
” انا بجد مكانش قصدي ..”
صرخ بها :
” يعني ايه مكانش قصدك ، انتي بجد معندكيش احساس.. ليكي نفس تاكلي وتهزري يا شيخة ..”
” انت عايز توصل لإيه ..؟! عايزني أنتحر عشان ترتاح ..؟! ”
لم يجبها بل ظل ينظر إليها بصمت لتكمل بإنهيار :
” انا هريحكوا كلكوا ..”
واتجهت مسرعة نحو السك،ينة الموضوعة على الطاولة وسحبتها موجهة رأس السك،،ينة نحو صدرها ليقف في وجهها هاتفا بتوتر ملحوظ :
” انتي اتجننتي ، سيبي الس،،كينة من ايدك ..”
هزت رأسها نفيا والد،،موع اللاذعة غطت وجنتيها لتهتف بصوت باكي :
” لا يا زياد ، انا تع،،،بت بجد وده الحل الوحيد اللي هيريحني …”
” زينة بلاش جنان ..”
قالها بتوسل وهو يحاول الاقتراب منها لتتجه بالسك،،ينة نحو صدرها لكنه كان أسرع منها وجذب السكينة نحوه محاولا سحبها من يدها …
ظل زياد يحاول سحب الس،،كينة وهي تقاومه بقوة حتى جرحت السكينة كف يده فتراجعت زينه الى الخلف ناظرة إلى زياد بصدمة وقد سقطت السكينة من يدها ..
تطلع زياد الى الجرح العميق بملامح متألمة وقد بدات الدماء تسيل من يده ..
اتجهت زينة مسرعة الى الحمام وأخرجت حقيبة الإسعافات الأولية ، تقدمت نحوه زياد وقالت بنبرة مرتجفة وهي تشير نحو الكنبة :
” ممكن تقعد ..”
جلس زياد على الكنبة بينما بدأت زينة تمسح كف يده بالمناديل الورقية بخفة قبل أن تعقم الجرح برقة بالغة بينما أخذ زياد يتأملها بملامح واجمة لا توحي بشيء …
انتهت زينه من تعقيم الجرح وتطهيره لتربطه جيدا قبل أن تنهض من مكانها وتقول بإعتذار :
” انا اسفة يا زياد ، بجد مكانش قصدي ..”
زفر نفسا قويا وقال بلا مبالاة :
” حصل خير …”
ثم نهض من مكانه وهم بالوجه خارج الجناح لكنه شعر بدوار شديد يسيطر عليه ..
سارعت زينة للإمساك به وأجلسته على الكنبة وسألته بقلق :
” انت كويس ..؟!”
أومأ برأسه دون أن ينظر إليها أو يجيبها ، نهض بعد لحظات من مكانه وقد استعاد توازنه أخيرا ليخرج من الجناح متجها الى جناحه ثم يتصل بدينا التي نساها في الأسفل ..
………………………………………………………………………….
مرت عدة أيام لم يحدث بها شيئا جديدا ..
عادت دينا الى أمريكا وعاد زياد يمارس عمله في شركة والده وبقيت زينة وحيدة في الفندق …
استيقظ زياد من نومه في احد الأيام على صوت طرقات على باب جناحه ..
هبط من فوق سريره واتجه الى الباب لفتحه ، فتح باب الجناح ليتفاجئ بزينة أمامه تنظر إليه بخجل ..
” نعم ..؟!”
سألها بجمود لترد بنبرة متشنجة :
” ينفع نتكلم شوية ..”
” اتفضلي ..”
قالها زياد وهو يفسح لها المجال للدخول ثم أغلق الباب خلفها واتجه نحوها لتهتف به بأسف :
” اسفة اني صحيتك من النوم ..”
رد زياد ببرود :
” حصل خير ..”
ثم سألها :
” عايزة ايه ..؟!”
كان الإرتباك يظهر بوضوح عليها ، لم تستطع زينه أن تفتح الموضوع معه مباشرة فأخذت خصلة من شعرها وضعتها خلف أذنها ثم قالت أخيرا بتوتر ملحوظ :
” انا عايزة اشتغل ..وحبيت أستأذنك إني هدور على شغل من النهاردة ..”
” تشتغلي ..؟! ”
قالها زياد متعجبا لتومأ برأسها فإقترب زياد منها وسألها :
” انتي محتاجة فلوس …؟!”
هزت رأسها نفيا وقالت :
” مش حكاية إني محتاجة فلوس ، بس حكاية إني متعودة اشتغل من زمان ومش هعرف أقعد من غير شغل ..”
” وبالنسبة لعمامك اللي عاوزين أي فرصة عشان يقتلوكي ..؟؟”
أطلقت تنهيدة صغيرة وقالت :
” معدش يهمني ، اللي يحصل يحصل …”
نظر إليها بصمت بينما أكملت بجدية :
” انا مش هفضل حياتي كلها خايفة منهم ، يعملوا اللي هما عاوزينه .. معدش يفرق معايا ..”
” طيب ايه رأيك تشتغلي معايا فالشركة زي ما كنتي بتشتغلي زمان ..”
اعترضت بسرعة :
” لا مش هقدر ..”
” ليه ..؟!”
سألها بحيرة لترد بجدية :
” مش هقدر وخلاص ، انا هدور شغل فمكان تاني ..”
” للاسف مش هينفع تشتغلي فمكان تاني لانك مسؤولة مني ولازم تفضلي تحت عيني طول الوقت ..”
زفرت أنفاسها وقالت بملل :
” قلتلك انا مش مهتمة للي هيحصل يعني تقدر تخلي مسؤوليتك من عليا …”
رد عليها بعناد :
” وقلتلك انا مسؤول منك ولا يمكن اسيبك كده …”
شعرت زينة فجأة بدوار يسيطر عليها وهي تهم بالرد عليه ليقترب زياد منها ويهتف بقلق :
” مالك يا زينة …؟!”
وقبل أن تفقد وعيها كان يتلقفها بين احضانه ..
……………………………………………………………………
داخل غرفة الطبيب كان زياد يتابع الطبيب الذي يفحص زينة بقلق …
انتهى الطبيب من فحصها لتعتدل زينة في جلستها بينما اتجه زياد خلف الطبيب وسأله :
” خير يا دكتور ..؟؟”
ابتسم الطبيب وقال :
” خير ان شاءالله ، انا شاكك إنها حامل ..”
تصنمت زينة في مكانها ما ان إستمعت لما قاله الطبيب ولم تكن صدمة زياد أقل منها ..
خرجت زينة من خلف غرفة الفحص وتقدمت نحو زياد المصدوم وقالت بعدم تصديق :
” حضرتك متأكد ..؟!”
هز الطببب رأسه نفيا وقال بجدية :
” لا طبعا ، تحليل الدم هو اللي هيأكد لينا الحمل ..”
ثم أخرج ورقة وكتب عليها اسم التحليل وطلب منهما أن يذهبا الى المختبر ليجريا التحليل ويتأكدان ..
ذهب كلا من زياد وزينة الى المختبر لتجري زينة تحليل الدم ، التزم كلاهما الصمت التام ولم يقولا شيئا فالصدمة كانت أقوى من أي حديث …
وصلا الى المختبر وأجرت زينة التحليل وجلسا ينتظران خروج النتيجة والتي ظهرت بعد فترة طويلة ..
أعطت الموظفة الظرف الذي يحوي نتيجة التحليل لزينة التي تلقته منها بأصابع مرتجفة قبل ان تبدأ في فتحه ثم قراءة التقرير …
نظر زياد إليها بتردد ليجد الد،،موع تشق طريقها على وجنتيها ففهم على الفور النتيجة ..
إنها حامل …
سحب زياد الورقة منها وأخذ يقرأ ما بها حيث تظهر النتيجة موجبة …
زفر أنفاسه بإحباط وهو يفكر بأن المشاكل لا تنفك ان تلحق به من كل اتجاه ..

 

في طريق العودة الى الفندق كان كلاهما ملتزما الصمت وشارد بأفكاره ..
زينه تفكر في هذا الطفل الذي فاجئها بظهوره هكذا وزياد يفكر بأشياء مختلفة …
أوقف زياد سيارته على جانب الطريق وقد شعر بالإختناق ، هبط من السيارة ووقف على الرصيف الجانبي وأخذ نفسا عميقا لعدة مرات ..
هبطت زينة من السيارة واقتربت منه تسأله بتردد :
” انت كويس …؟!”
اوما برأسه دون رد لتقف بجانبه تتأمل الطريق بملامح ساكنة وقد شعرت بالراحة الكبيرة فهي كانت بحاجة الى تنفس القليل من الهواء …
وضعت زينة يدها على بطنها بحركة لا ارادية لينتبه زياد لها فيضطرب كليا قبل ان يجد نفسها يسألها بملامح متشنجة :
” ابنه ..؟؟”
التفتت نحوه محاولة استيعاب ما يتفوه به فقالت بصوت شاحب :
” تقصد ايه ..؟!”
رد ببرود قتلها :
” الولد ده ابن علي ..؟!”
أدمعت عيناها لا إراديا ، شعور المرارة سيطر عليها قبل أن تجيبه بسرعة مبتلعة تلك الإهانة :
” طبعا ابنه …”
” وايه اللي يثبتلي ده ..؟!”
” انت اكيد اتجننت ..”
قالتها بعدم تصديق لما تسمعه ليرد ببرود :
” انا متجننتش ولا حاجة بس مفيش حاجة مضمونة وانتي بالذات مش محل ثقة بالنسبة ليا …”
وجدها تصيح بقوة وبكاء :
” الولد ده ابن علي ، انت فاهم .. انا محدش لمسني غيره..”
تطلع إليها بنظرات تائهة لتلعق شفتيها وتهتف ببكاء وهي تحتضن جنينها بذراعيها :
” ده ابنه ، اخر ذكرى ليا منه ، واللي هيشكك فده يبقى مجنون ..”
” خلينا نروح ..”
قالها بإقتضاب لتمسح دموعها بأناملها وتسير خلفه …
ركبت السيارة بجانبه ليتجه بها عائدا الى الفندق…
ما إن وصلا الى هناك حتى جرت زينه نحو جناحها يتبعها زياد والذي ما ان وصل الى جناحه اجرى اتصالا سريعا بدينا يخبرها :
” دينا انا محتاجلك اووي …”
يتبع

8/9
الفصل الثامن
دلفت زينة الى جناحها وهي تشعر بسعادة كبيرة لأول مرة منذ وفاة علي ..
تلك السعادة بقدوم طفل صغير من دم الرجل الوحيد الذي أحبته وتمنته لها ..
وضعت كف يدها على بطنها تتلمسها بسعادة غير مصدقة لما حدث معها ..
هل سوف يبتسم لها الحظ أخيرا بعد كل هذه المعاناة ..؟!
أدمعت عيناها وهي تتذكر علي ، كم تمنت لو كان موجودا وشاركها هذه اللحظة ..؟! لكن ابنها سيعوضها عنه ..
جلست على السرير وهي ما زالت تحتضن بطنها بكفيها وتنظر إليها وكأنها ترى صورة الطفل بداخلها …
حملت هاتفها وقررت أن تجري اتصالا أجلته طويلا .. اتصال بصديقتها المقربة والتي تناستها بعدما حصل خاصة لأنها سافرت إلى ألمانيا في رحلة عمل ..
اتصلت بصديقتها تنتظر منها أن تجيبها ليأتيها صوت صديقتها الصاخب :
” زينة وأخيرا افتكرتيني ، انتي فين ومختفية ليه ..؟! أنا حاولت اتصل بيكي معرفتش .. سامحيني يا زينة ، ياريتني ماكنت قلتلك متقوليلهوش حاجة …”
ضغطت زينة على هاتفها وهي تحاول ألا تتذكر ما حدث لكنها رغما عنها شردت فيه ..
ذكرى زواجها من علي وتوترها وعدم إخباره بالحقيقة والتي انتهت بموته ..
سوف تظل تحمل ذنبه طوال عمرها في عنقها …
” زينة رحتي فين ..؟!”
أجابتها زينة أخيرا :
” ايوه يا نور ، انا معاكي ..”
” انتي لسه زعلانه مني ..؟!”
سألتها نور بتردد لتجيبها بدموع :
” لا والله مش زعلانه ، انتي وحشتيني اوي …”
جاءها صوت نور الحزين :
” وانتي واحشاني أكتر يا زينة ، انا راجعة قريب وهشوفك .. ”
” ياريت بجد يا نور ، انا محتجاكي اووي …”
ابتسمت نور بألم وقالت :
” طمنيني عليكي .. اخبارك ليه ..؟!”
أجابتها زينة بنبرة خافتة :
” انا كويسة وعندي ليكي خير حلو ..”
” بجد ..؟! خبر ايه ..؟! قوليلي ..”
” انا حامل ..”
تجمدت نور للحظات من صد،،مة الخبر الذي سمعته ثم ما لبثت أن قالت بعدما استوعبت الص،،دمة :
” مبروك يا زينة .. مبروك يا حبيبتي ..”
ثم أكملت بتعجب :
” بس ازاي حصل كده ..؟!”
” مش عارفة ، اهو حصل وخلاص .. ”
ضحكت نور بخفوت وقالت :
” طلعتي مش سهلة يا زينة..”
” تقصدي ايه..؟!”
سألتها زينة ببراءة لتتنحنح نور بحرج وتقول مغيرة الموضوع :
” ولا حاجة ، المهم احكيلي بقى …”
…………………………………………………………………….
كان زياد يسير داخل غرفة النوم ذهابا وإيابا يفكر بما حدث وكيف سيخبر أهله به ..
عادت كلمات زينة تتردد داخل أذنه وهي تخبره بأنه لم يلمسها أحد سوى علي ..
لا يعرف لماذا شعر برغبة كبيرة في تصديقها ..؟! ولكن هناك أشياء تمنعه من هذا ..
توقف في منتصف الغرفة يفكر في إمكانية رؤيتها الأن والحديث معها ،نظر الى الساعة فوجدها التاسعة مساءا …
قرر زياد الذهاب إليها فخرج من جناحه واتجه الى جناحها المقابل له ، طرق على الباب بتردد لتفتح له زينة الباب بعد لحظات وهي ترتدي بيجامة طويلة ..
تنحنح قائلا بإرتياك:
” عايز اتكلم معاكي ..”
” اتفضل ..”
قالتها زينة وهي تفسح المجال له كي يدخل فولج الى الداخل وتبعته هي بعدما أغلقت الباب ..
التفت زياد نحوها يسألها بوجوم :
” انتي ليه قلتيلي محدش لمسني غير علي ..؟!”
نظرت زينة له بدهشة محاولة أن تستوعب كلماته ، لم تستوعب سؤاله هذا فرمشت بعينها وقالت بعدم تصديق :
” نعم ..؟!”
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال :
” كلامي واضح يا زينة ، تقصدي ايه بكلامك ده ..؟!”
أجابته بتوتر ملحوظ وهي تفرك يديها :
” عشان هي دي الحقيقة يا زياد ، انا محدش لمسني غير علي ..”
ضحك زياد بقوة ثم قال بلهجة هازئة :
” هو انتي فاكراني عبيط وهتكدبي عليا …؟!”
” والله هي دي الحقيقة ، انا فعلا مكنتش فيرجن وده لإني تعرضت للإغتصاب ..”
قاطعها بملل :
” اغتص،،بوني وضرب،،وني وايه كمان ..؟!”
أدمعت عينا زينة وهي تهتف بصوت متشنج :
” انت ليه مش مصدقني ..؟! ليه محدش فيكوا بيصدقني …؟!”
أجابها زياد بنبرة جادة :
” عشان كلامك مش منطقي ومفيش دليل عليه ..”
هطلت الدم،، وع من عينيها بغزارة وهي تهتف بلهجة باكية :
” والله العظيم هي دي الحقيقة ، انا اغتصب،،وني ثلاث شباب بعدما خدروني و..”
قاطعها زياد بض،،يق :
” خدر،،وكي ..؟! ”
أومأت برأسها وهي تمسح د،،موعها بأناملها ليقترب زياد منها محاولا تهدئتها ، قال زياد وهو يجذبها بجانبه على الكنبة :
” طب اقعدي واحكيلي ..”
جلست زينة بجانبه وهتفت بنبرة رقيقة ضعيفة :
” الحادثة دي حصلت من خمس سنين ، كنت لسه فالجامعة ، كان ليا صديقة اسمها منى وكان فيه شاب هناك اسمه ماجد بيحاول يقرب مني طول الوقت ..”
أومأ زياد برأسه طالبا منها أن تكمل لتسترسل زينة في حديثها قائلة :
” ماجد كان شاب صايع وغني مصاحب نص بنات الجامعة ، كان بيحاول يصاحبني بكل الطرق وأنا برفضه .. لحد ما فيوم منى قالتلي إنها تعبانه ومحتاجة تروح بيتها وطلبت مني أوصلها عشان مش قادرة تروح لوحدها ..”
أغمضت عينيها للحظات وهي تتذكر ذلك اليوم بكل ما فيه من بشاعة ، كيف خدعتها منى وأخذتها الى شقة ماجد ثم أصرت عليها أن تتناول شيئا من صنع يديها لتجلب لها الشاي الذي يحتوي على مادة مخدرة ..
خدرتها منى وتركتها فريسة لماجد وأصدقائه اللذين تناوبوا عليها واغتصبوها واحدا تلو الاخر حتى انتهوا منها وتركوها لتستيقظ بعد عدة ساعات وتجد نفسها وحيدة عارية في السرير ..
” مكنتش مستوعبة الي حصل اول ما صحيت ، اتجننت من الصدمة ومعرفش ازاي لبست هدومي المرمية على الارض وخرجت بسرعة من الشقة ، مكنش فيه حد منهم هناك …”
اعتصر زياد قبضة يده بقوة محاولا أن يسيطر على أعصابه وهو يستمع الى صوتها الباكي وملامحها المتعدية …
تحدث أخيرا بصوت قوي :
” عرفتي ازاي انهم ثلاثة ..؟!”
أجابته من وسط دموعها :
” منى هي اللي اعترفتلي بده قبل متنتحر …”
” انتحرت ليه ..؟!”
” مقدرتش تعيش فعذاب الضمير ، اصلها عملت اللي عملته مقابل فلوس دفعها ماجد ليها عشان تعالج أختها الصغيرة ..”
توقفت زينة عن الحديث للحظات محاولة أن تأخذ أنفاسها قبل أن تكمل بصوت شجي :
” انا سامحتها بعد ما ماتت ، مقدرتش مسامحهاش رغم كل اللي عملته فيا ..”
ثم نظرت الى زياد الصامت وسألته بخفوت :
” زياد انت مصدقني صح ..؟! قول إنك مصدقني .. انا والله مش بكدب ..”
نظر إليها زياد بطريقة غريبة ثم ما لبث أن قال بلهجة جامدة بثت الرعب داخلها :
” أساميهم ايه ..؟!”
ابتلعت ريقها وأجابته بوهن :
” ماجد حافظ عبد الرحيم ، الاتنين الباقيين اعرف أساميهم بس مصطفى وعبد الرحمن …”
نهض من مكانه واتجه خارج الجناح تاركا إياها تتابع أثره بحيرة قبل أن تنهار باكية من جديد ..
……………………………………………………………………………..
دلف زياد الى غرفته وهو يكاد ينفجر من شدة الألم والغضب …
فتح أول ثلاثة أزرار من قميصه وأخذ نفسا عميقا لعدة مرات …
لم يمنع نفسه من أن يأخذ القدح الموضوع على الطاولة ويرميه على الأرض ليتحطم الى عدة اجزاء ..
لا يعرف لماذا شعر بنفسه يتحطم مثل هذا القدح ..؟!
أخرج هاتفه من جيبه وأجرى اتصالا سريعا بمنتصر الذي أجابه بدهشة :
” واخيرا اتصلت بيا ، انت مش ناوي ترجع بيتكم ..؟!”
” حافظ عبد الرحيم .. تعرف حد بالإسم ده …؟!”
أجابه منتصر بعد تفكير استمر لعدة لحظات :
” ايوه تقريبا ده رجل اعمال مهم …”
” طب اعرفلي اذا كان عنده ولد اسمه ماجد وجبلي كل التفاصيل اللي تخصه ..”
” طيب بس هو عمل ايه ..؟!”
أجابه زياد بحسم :
” مش مهم تعرف المهم تجيبلي التفاصيل عنه لو طلع هو نفسه ..”
يتبع

انت في الصفحة 4 من 15 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
58

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل