روايات

بقلم ساره علي

الفصل الثاني
اتسعت عينا زينه ما إن رأت الشخص الواقف أمامها ، عرفته على الفور رغم أنها لم تلتق به إلا مرتين إحداهما يوم زفافها على علي والأخرى يوم الجنازة ..
عادت ببصرها نحو والدها وقالت بترجي :
” بابا ارجوك متعملش فيا كده ..”
إلا أن الأب رمقها بنظرة يائسة قبل أن يغلق الباب بقوة في وجهها …
” واضح إني جيت فوقت مش مناسب …”
قالها زياد بتهكم بارد جعلها تستدير نحوه غير منتبهة لنبرته الساخرة ، قالت بلهجة حاولت جعلها هادئة غير باكية :
” انا اسفة بس بابا …”
قاطعها بجمود :
” ملوش لزوم تبرري ، أبوكِ طردك ومش عايزك ….”
أغمضت عينيها بألم ثم فتحتهما وقالت بلهجة عادية :
” اتفضل يا …”
ثم صمتت تحاول تذكر إسمه ليذكرها به بحنق واضح :
” زياد .. اسمي زياد ..وأكيد مش هنتكلم هنا عالسلم وانتِ بالبيجامة..”
نظرت إلى ملابسها بعجز ثم ما لبثت ان قالت بهدوءاستغربه هو :
” بابا اكيد هيفتحلي الباب ، هو لا يمكن يسيبني كده ..”
ثم أخذت تطرق على الباب وهي ترجوه بنبرتها الرقيقة:
” بابا افتحلي من فضلك ، متعملش فيا كده ..”
جذبها زياد من كف يدها وقال بلهجة حازمة :
” كفاية بقى ، واضح انوا مش عايز يفتحلك …”
” ازاي ..؟! هروح فين ..؟!”
قالتها كأنما تحدث نفسها ليرفع زياد عينيه نحو الأعلى بنفاذ صبر ثم عاد وفتحها وهو يبتسم ببرود :
” متقلقيش ، من الناحية دي أنا هحل ليكي الموضوع ده …”
نظرت إليه بحيرة وقالت :
” تحل ايه ..؟!”
صمت لوهلة قبل أن يردف وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبة سوداء مستطيلة كان يحملها معه :
” المهم توقعيلي عالأوواق دي ..”
انتبهت زينة لما يقوله وشعرت بأن هناك مصيبة جديدة تنتظرها فسألته بتوجس:
” أوراق ايه دي ..؟!”
أجابها وهو يمد الأوراق نحوها :
” أوراق تنازل عن حصتك فثروة علي الله يرحمه …”
تطلعت إليه بصدمة ، كيف يفكرون بشيء كهذا وفي وقت مبكر فلم يمر سوى ثلاثة أيام على وفاته وهم يتحدثون بالميراث والأموال …
وجدت نفسها تصيح به :
” انت اكيد اتجننت .. ازاي تطلب مني حاجة زي كده ..؟! أخوك لسه يادوب مدفون من يومين وانت جاي تطالب بفلوسه ..”
” أخويا اللي اندفن بسببك مش كده ..”
قالها بلهجة حادة ثم أردف بهدوء خطر :
” لو فاكرة اني هسيبك تاخدي مليم واحد من ثروته تبقي غلطانه ، انتِ ملكيش أي حقوق عندنا ..”
نظرت إليه بعدم تصديق وقالت :
” حقوق ايه اللي بتتكلم عنها ..؟! انت فاكرني زيكوا بفكر بالفلوس وبس ..؟!”
منحها ابتسامة قاسية لم تصل إلى عينيه ثم قال بسخرية واضحة :
” لا انت بتفكري فحاجات تانية أهم ..بتفكري ازاي تكدبي، تخدعي .. تخوني ..”
ابتلعت ريقها وقالت وهي تهم بصفعه :
” انت واحد سافل وحقير ..”
إلا أنه كان أسرع منها حيث أمسك بكف يدها ومنعها من صفعه ثم قال بلهجة صارمة :
” أحسنلك توافقي وإلا هنضطر نروح للطب الشرعي ، وساعتها هتتوورطي اكتر خاصة لما الجيران يشهدوا عاللي حصل …”
” انت بتعمل كده ليه ..؟! حرام عليك ..”
قالتها ببكاء لم تستطع إيقافه ليزفر أنفاسه وهو يقول بضيق :
” انا مش بطلب منك حاجة صعبة يا مدام ، الموضوع أبسط من كده بكتير …”
وجدت نفسها تقول بعصبية ونفاذ صبر فقد اكتفت من سماع كلامه المسموم :
” هات قلم عشان أوقع وأخلص ..”

أعطاها قلما أخرجه من جيبه لتحمل الأوراق وتبدأ بتوقيعها واحدة الى الأخرى ..
انتهت من توقيع الأوراق لتجده يهتف بها :
” لو تحبي تروحي مكان معين أنا ممكن أوصلك عادي ..”
نظرت إليه بدهشة ، هل يحاول مساعدتها ..؟!
شعر هو بحيرتها فقال بضيق ظهر واضحا في صوته :
” انا مش بساعدك حبا فيكي ، بس انا مش متعود أشوف بنت فوضع زي ده وأسيبها كده ..”
ابتلعت غصة داخل حلقها وهي تفكر بأن والدها تركها هكذا وكأنها ليست ابنته وقطعة منه …
وقبل أن ترد عليه سمع الاثنان صوت صراخ يأتي من داخل الشقة ، اتجهت زينة نحو الباب وأخذت تحاول فتحه وهي تصرخ بتوسل :
” افتحوا الباب أرجوكم ، حصل ايه ..؟!”

ثم حاولت دفعه عدة مرات دون فائدة بينما بدأ صوت تحطيم بعض الإشياء يصل إلى مسامعهما وصوت بكاء والدتها وأختها ظهر بوضوح لتهتف بهما زينه بصوت باكي :
” حد يفتحلي الباب ، افتحوا الباب …”
تقدم زياد نحوها وجذبها بعيدا عن الباب وبدأ يضربه بقدمه ليفتح الباب بعد عدة محاولات ..
دلف الاثنان الى الداخل ليجدا والدة زينه تحتضن ابنتها في أحد أركان الصالة وهي تبكي وترتجف رعبا أما والدها فكان يدمر كل شيء يراه أمامه حتى أصبح المكان مدمرا بالكامل ..
اقترب والدها منها وملامح وجهه لا تبشر بالخير ثم صرخ بها وهو يجذبها من شعرها :
” انت ايه اللي جابك هنا ..؟! مش قلتلك مش عايز أشوف وشك تاني ..”
صاحت زينه بألم بينما أخذ زياد يحاول تحريرها من قبضة والدها وما زاد الطين بلة تجمع بعض الجيران أمام الباب وهم يحاولون أن يروا ما حدث …
حررها زياد أخيرا من قبضته وهو يصيح به :
” كفاية بقى ، مش كده ..”
” والله انا مظلوم،،ة ، والله معملتش حاجة …”
بدأت الهمهمات تعلو بين الجيران ليقول الأب بوهن :
” انت فضحتيني ، وطيتي راسي … هتعملي ايه اكتر من كده ..؟!”
” والله مكانش ذنبي ، بابا انا .. والله وخفت احكي ..”
حاول والدها جذبها من خلف زياد الواقف في وجهه كسد منيع وهو يصيح بها بقهر:
” اخرسي يا فـ،ـاجرة يا حقـ،ـ،ـيرة …”
” قلتلك سيبها …”
قالها زياد بنفاذ صبر ليرد الأب بحدة :
” انا ملكش دعوة ، متدخلش بيني وبين بنتي …”
في نفس الوقت تقدم مجموعة رجال بعضهم يرتدي جلابيب طويلة والأخرون يرتدون ملابس عادية ليهتف الأب بوهن :
” عمامك جم من البلد وهم هيتصرفوا معاكِ ، هيغسلوا عارك …”
تجمدت الكلمات على شفتي زينه وأخذت تنظر الى والدها بعينين متسعتين ، لا تصدق أن والدها فعلها واتصل بإخوته في البلد …
كيف هانت عليه هي ليفعل بها هذا ..؟! ألا يعرف أخوته وطريقة تفكيرهم ..؟! سيقـ،ـتلونها دون أدنى تردد..
التفت زياد نحوهم يناظرهم من الأعلى للأسفل فوجد الشر واضح على وجوههم …
عاد ونظر إليها لتنظر إليه بنظرات تحمل فيها الرجاء الخالص ، لقد بات الأن هو منقذها الوحيد ..
تقدم أحد الرجال والذي يرتدي بنطال اسود فوقه قميص أسود أيضا ليجذب زينه من شعرها من الخلف بقوة جعلتها تصرخ ألما قبل أن يهتف بجانب اذنها :
” وطيتي راسنا يا فأجرة ، لازم أقتلك وأغسل عارنا ..”
رغما عنه لم يتحمل زياد ما يراه فتقدم منه وهتف به بصوت عالي غاضب :
” انت مجنون ولا ايه ..؟! تغسل عارك يعني ايه …؟!”
ثم حاول تحرير زينه من يده لكن دون فائدة ليرد عليه الشاب بتحذير :
” ملكش دعوة انت ، تطلع مين انا عشان تكلمني بالشكل ده ..؟!”
وعندما لم بجد ردا أكمل :
” لتكون انت الشاب اللي غلطت معاه قبل الجواز ..”
لم يتحمل زياد ما سمعه فهم بضربه لكن رجلين ضخمين تقدما منه ومنعاه مما يفعله ليهتف زياد بعصبية كبيرة:
” انا اخو جوزها اللي مات يا متخلف ..”
” اخو جوزها على عيني وراسي ، بس متتحشرش فشيء ميخصكش..”
” يعني عايزني اسيبك تقتلها ..”
قالها زياد بذهول ليرد الأخير ببرود :
” عاري ولازم أغسله ..”
وقبل أن يتحدث زياد كان الشاب يرميها للرجال خلفه وهو يأمرهم :
” ودوها عالعربية ، خدوها عالطريق البري وخلصوا عليها ..”
تقدمت منه والدة زينه وانحنت نحوه تهتف به بتوسل :
” أبوس ايدك بلاش تموتها ، دي بنتي اللي مليش غيرها .. عشان خاطري ..”
إلا أنه لم يهتم بها وبتوسلاتها بل أشار الى الرجال لينفذوا ما قاله بينما أخذ زياد يتطلع إليها وهي تساق معهم بملامح متشنجة غير مصدقة ..
يتبع

الفصل الثالث
خرج زياد مسرعا من شقة عائلة زينه ، هبط درجات السلم راكضا وهو يجري اتصالا بمنتصر يخبره قائلا :
” عايزك تلحقني عالمكان اللي رايحله دلوقتي انت والبودي جارد بتوعنا … هتقدر توصل ليا عن طريق الGPS..”
جاءه صوت منتصر القلق :
” حاضر ، بس هو فيه حاجة …؟!”
” مش وقته يا منتصر ، اعمل اللي بقولك عليه..”
قالها زياد بعجلة وهو يقود سيارته لاحقا بزينة وابناء عمها …
تنهد بإرتياح حينما بات على بعد مسافة صغيرة من سيارتهم ثم بدأ يقود بهدوء وترقب محاولا عدم أفلاتهم منه …
كان يقود ويده تعبث بالهاتف حيث أجرى إتصالًا بأحدهم وقال :
” ايوه يا فندم ، من فضلك عايز ابلغ عن جماعة خاطفين بنت وعاوزين يقـ،ـتلوها عشان يغسلوا عارهم … ”
ثم شرح لهم التفاصيل تماما وطلب منهم أن يلحقوا به …
أوقف زياد سيارته على جانب أحد الطرق المقطوعة ليجدهم يهبطون من سيارتهم غير منتبهين له …
جذب أحدهم زينه وجرها خلفه ورماها على أرضية الشارع ….
بينما أخرج الأخر مسدسه وصوبه نحوها …
أغمضت زينه عينيها وهي تنتظر أن يصدح صوت الرصاصة عاليا ليعلن نهايتها … في تلك اللحظة لم تستطع التفكير بأحد سوى نفسها …
شعور غريب وهي قريبة من الموت اجتاحها ، شعور بالراحة ، نعم سترتاح هناك حيث ربها الذي يعلم بكل ما حدث .. سيحميها الله من شرور البشر وظلمهم … حاولت أن تتذكر اختها الصغيرة كأخر شيء حلو بقي في حياتها …سوف تنتهي حياتها وهي تتخيل ابتسامتها البريئة وحض،،نها الدافئ أمامها .. وقبل أن يطلق الرجل رصاصته كان زياد يصرخ بهم راكضا نحوهم …
التفت الرجل نحوه يناظره بحيرة قبل ان يهتف :
” انت عايز ايه ..؟! لحقتنا هنا ليه ..؟!”
وقف زياد أمامها بينما فتحت زينة عينيها بعدم تصديق ليقول زياد بنبرة قوية شجاعة :
” محدش يقرب منها ، انتوا فاهمين ..”
” ابعد عنها بدل ما اضرب،،ك بدالها …”
” انتوا مجانين .. دي جري،،مة هتتحاسبوا عليها …”
قالها زياد محاولا منعهم عما يقومون به وفي نفس الوقت وصل منتصر ورجاله الى المكان والذي ركض نحو زياد قائلا بعدم تصديق :
” ايه اللي بيحصل هنا يا زياد …؟!”
زفر زياد أنفاسه وقال :
” زي مانت شايف …”
تقدم رجال منتصر نحو ابناء عم زينه ومعهم أسلحتهم ثم أشار لهم زياد قائلا :
” خدوا السلاح اللي معاهم حالا وكتفوهم ..”
حاول ابناء عمها مقاومة رجاله لكنهم لم يستطيعوا فهؤلاء يحملون اسلحة حديثة ويتمتعون باجسام ضخمة مخيفة …
وصل رجال الشرطة بعدما انتهوا من ربطهم ليجدوا زياد واقفا أمامهم وزينة تقف خلفه غير مصدقة بعد لما حدث …
تقدم زياد من الشرطة وزينة تسير خلفه كظله ليقول زياد بعدما شكر الضابط :
” اتمنى انكوا تاخدوا منهم تعهد بعدم التعرض ليها …”
تحدث احد ابناء عمومتها قائلا :
” لو فاكرة انك خلصتي مننا تبقي غلطانه، احنا مش هنسيبك إلا لما نغسل عارنا ..”
نظر زياد الى زينه المختبئة خلفه بينما قال الضابط له بصوت خافت :
” بس دول ناويين على شر ومش هيهمهم تعهد من غيره ، الأحسن إنك تحميها منهم بنفسك ..”
” ازاي ..؟!”
سأله زياد بحيرة ليجيب الضابط :
” معرفش ، بس انا هخليهم تحت المراقبة .. وانت احمي المدام منهم وخليها قصاد عينك عشان محدش منهم يقدر يقرب ليها …”
زفر زياد أنفاسه بضيق وقال :
” ان شاءالله…”
بينما أمر الضابط :
” يلا خدوهم عالبوكس..”
أردف الضابط مشيرا الى زينه :
” وحضرتك والمدام لازم تيجوا معانا عشان تشهدوا ضدهم …”
” حاضر ..”
قالها زياد بإذعان ثم أشار الى زينه طالبا منها أن تركب سيارته ليتجه هو نحو منتصر ويشكره ثم يذهب الى سيارته ويقودها متجها الى مركز الشرطة …
……………………………………………………
كانت والدة زينة تبكي بصمت وكذلك اختها حينما زأر الأب بهم غاضبا :
” كفاية عياط بقى ، قرفتوني ..”
” حرام عليك ، ازاي هانت عليك بنتك ترميها ليهم ..؟!”
قالتها الأم بنحيب وهي تفكر أن هذا الرجل بلا قلب …
أما هو فكان يهز قدمه بعصبيه وهو يهتف بينه وبين نفسه :
” يا ترى قتلوها ولا لسه …؟!”
اقتربت منه ابنته الصغرى والتي تشبه اختها زينه كثيرا وقالت له بتوسل باكي :
” ارجوك يا بابا متخليهمش يقتلوها ، عشان خاطري ..”
جذبها الأب من ذراعها وهو يقول بكره :
” اخرسي ، انت متتكلميش.. مش كفاية عليا عمايل اختك ..”
نهضت الأم من مكانها وأخذت الطفلة بعيدا عنه تحميها بين أحضانها بينما لسان يقولها :
” اختها معملتش حاجة ، اختها بريئة ، بنتي مظلومة وذنبها فرقابتك..”
كان سيرد عليها لولا رنين هاتفه الذي جعله يشير لها بتهكم :
” اهي زمان البريئة ماتت وخلصنا منها ..،”
ثم جاءه صوت ابن اخيه يقول :
” الواد اخو جوزها لحقها وجاب لينا رجالته والشرطة …”
كانت الأم تنظر إليه وقلبها كاد يتوقف من شـ،ـدة الرعـ،ـ،ـب بينما سمعت زوجها يسأله بغلظة :
” يعني ايه مقتلتوهاش..؟!”
تنفست الأم الصعداء بينما أغلق الأب الهاتف ورماه أرضا ليتحطم الى اجزاء قبل أن ينظر الى الأم الفرحة ويقول بتوعد :
” متفرحيش اووي ، هقـ،ـ،ـتلها يعني هقـ،ـ،ـتلها ، مهما هربت مني مصيري هلاقيها واقتلها ..”
……………………………………………………………….

أوقف زياد سيارته أمام منزله لتقول زينة بتوسل :
” أرجوك بلاش .”
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بضيق :
” ارجوك انتي افهمي ، احنا مش طالعين رحلة .. ولاد عمك مش هيسيبوكي فحالك .. استوعبي ده وانت دلوقتي مسؤولة مني وتحت حمايتي ..”
” انا هروح استخبى فأي مكان بس بلاش ادخل هنا ..”
” انا عارف انوا محدش طايقك جوه ولا انا شخصيا طايقك بس انتِ لازم تفضلي هما عشان ده احسن مكان ليكي ..”
أغمضت عينيها محاولة ألا تبكي بينما أمرها هو :
” يلا انزلي ..”
هبطت زينه من سيارته على مضض وسارت خلفه … فتحت الخادمة لهما الباب وهي تنظر الى زينه بتعجب …
دلف الاثنان الى صالة الجلوس ليجدا والدة زياد واخته رنا ومنتصر هناك ليفهم زياد على الفور أن منتصر قد أخبرهم بكل ما حدث …
ركضت رنا فورا نحو أخيها واحتضنته بقوة بينما نهضت الأم نحو وهي ترمق زينة بنظرات حارقة …
ابتعدت رنا من بين أحضانه وأخذت تنظر الى زينة بحقد بينما أحاطت والدتها وجهه بكفيها وهي تسأله بدموع :
” انت كويس مش كده ..؟!”
أومأ برأسه وهو يقبلها من جبينها ثم أكمل وهو يشير الى زينه :
” زينة هتقعد معانا الفترة الجاية ..”
” انت بتقول ايه ..؟!”
قالتها رنا بعدم تصديق بينما قالت الأم :
” انت اتجننت يا زياد ..؟! عايز الحثالة دي تعيش عندنا ..؟!”
ابتلعت زينة غصتها داخل حلقها بينما قال زياد بهدوء :
” لازم تفضل هنا .. حياتها فخطر ومفيش مكان أقدر أأمن عليها فيه غير هنا ..”
قالت رنا بنبرة عصبية :
” ده بدل متسيبها تموت او تغرر فداهية … جايبها هنا عشان تحميها .”
” عن اذنكم ..”
قالتها زينة وهي تتجه خارج الفيلا ليوقفها زياد قائلا بحدة :
” قلتلك مفيش خروج من هنا إلا معايا … افهمي ده ..”
نظرت زينه إليه وقالت بترجي :
” ارجوك سيبني اخرج ، انا مسؤولة عن نفسي ..”
” جايبها هنا ليه ، وهتقعد هنا بصفتها ايه ..؟!”
سألته الأم بنبرة غاضبة ليرد زياد :
” بصفتها خطيبتي وقريب هتبقى مراتي ..”
يتبع
٤/٥
الفصل الرابع
الصدمة ألجمت جميع الموجودين وأولهم زينة ..
بينما كانت رنا أول المندفعين حيث قالت بلهجة غاضبة وعيناها تطلقان الشرر نحو زينة :
” انت بتقول ايه يا زياد ..؟! عايز تتجوز دي ..؟!”
أجابها زياد بنبرة قوية حاسمة :
” ايوه يا رنا ، هتجوزها وياريت نقفل الموضوع على كده ..”
” بالبساطة دي ، عايزنا نسكت عن جوازك من وحدة زيها ..”
قالتها رنا بعصبية وهي تع،،قد ذراعيها أمام صدرها ليحذرها زياد :
” قلنا كفاية يا رنا ، الموضوع اتقفل لحد هنا ..”
التفتت رنا نحو والدتها تسألها بحيرة :
” ماما انتِ ساكتة ليه ..؟! اتكلمي قولي اي حاجة ..”
نظرت والدتها إليها للحظات قبل أن تلتفت نحو زياد وتخبره :
” زياد ممكن نتكلم شوية لوحدنا ..؟!”
أومأ زياد برأسه وأجابها بهدوء :
” أكيد ..بس أودي زينه إوض،،تي الأول ..”
قبض زياد على يد زينة وجذبها خلفه لتسير وراءه بلا حول او قوة ..
ارتقى بها درجات السلم وطلب منها أن تنتظره داخل غر،،فته ثم خرج من الغرفة وهبط نحو الطابق السفلي ليخبره منتصر ان والدته تنتظره في غ،،رفة المكتب ..
ولج زياد الى داخل المكتب ليجد والدته هناك تجلس على الكرسي الجانبي للمكتب ، اتجه نحوها وجلس أمامها بأريحية ليجدها تنظر إليه بتدقيق قبل أن تسأله بهدوء :
” عايز تتجوزها ليه ..؟!”
أطلق زياد تنهيدة صغيرة قبل أن يقول :
” محتاجة حمايتي ، والحل الوحيد عشان أحميها إني أتجوزها ..”
هنا لم تتحمل والدته ادعاء الهدوء اكثر فوجدت نفسها تخبره بعصبية :
” وانت عايز تحمي،،ها ليه ..؟! انت نسيت هي تبقى مين وعملت ايه ..؟!”
أجابها زياد ببرود غريب :
” لا مش ناسي ، وده كان أحد الأسباب اللي خلتني أقرر أجيبها هنا وأخطبها..”
” انا مش فاهمة حاجة ..”
قالتها والدته بنبرة تائهة حائرة ليزفر زياد نفسا قويا قبل أن يرد عليها منتشلا إياها من حيرتها :
” زينه مش واحدة عادية ، زينة سرقت اخويا مني بعدما خدعته ..جايز هي فعلا مكانتش قاصدة انوا يحصل كل ده ، وجايز هي بريئة ، بس ده ميمنعش إنوا فيه نار جوايا من ناحيتها .. نار مش هيطفيها إلا إني أخد حق أخويا منها ..”
” لا يا زياد ، لا يابني .. بلاش كده ، انا مش عايزة أخسرك …”
أمسك زياد بكف يدها وقال بثقة :
” عمرك مهتخسريني .. خليكِ واثقة فيا ..”
نهضت من مكانها واحتضنت وجهه بين كفيها وقالت بتوسل :
” بلاش الانتقـ،ـام يا زياد ، الانتقـ،ـام بيدمر صاحبه …”
نهض من مكانه واحتضنها بقوة وقال :
” امال عايزاني اسيبها تعيش حياتها وتتهنى بيها بعدما خلت أخويا يخسر حياته ..”
تطلعت والدته إليه بعينين دامعتين بينما أكمل هو مطمئنا اياها :
” متقلقيش عليا ، انا اعرف اتصرف معاها صح ..”
” هتتجوزها فعلا ..؟!”
سألته الأم بعدم تصديق ليرد بخفوت :
” بصراحة لا ، مستحيل اتجوزها .. انا قلت ده قدامكوا عشان أبرر موقفي .. بس ياريت محدش يعرف بالكلام ده …”
صمتت الأم ولم ترد بينما طبع زياد قبلة على جبينها ورحل ..

كانت زينة تجلس على سرير زياد بتوتر بالغ .. أخذت تنظر الى الغرفة بملامح حزينة .. كانت الغرفة ذات أثاث أسود بالكامل .. كل شيء بها يتسم بالسواد .. أغمضت عينيها للحظات تحاول أن تبعد تلك الأفكار السوداء عن مخيلتها .. لطالما كرهت اللون الأسود ، كيف لا وهو لون الحزن ..؟!
أفاقت زينة من شرودها على صوت زياد يتقدم منها ، نهضت من مكانها على الفور واقتربت منه تسأله بقلق :
” انا همشي من هنا امتى ..؟!”
أجابها بإقتضاب وهو يخلع سترته ويرميها أرضا :
” مش هتمشي من هنا ..”
صاحت بلا قصد :
” يعني ايه ..؟!”
رد عليها بحدة :
” متعليش صوتك يا زينة ، ده اولا ..”
ثم أردف بنبرة حازمة :
” انتِ خلاص هتعيشي هنا …”
” انت بتتكلم بجد بقى ..؟!”
قالتها زينة بعدم تصديق ليومأ برأسه دون رد ..
ابتلعت ريقها وقالت بلهجة مترددة :
” بس الكلام اللي قلته مستحيل يحصل ، انا صعب اعيش هنا ..”
” مش بمزاجك ..”
نظرت إليه وقالت بألم مرير :
” معاك حق ، هو فعلا مش بمزاجي …”
” تعالي معايا ..”
سارت خلفه بإذعان لتجده يتجه نحو غرفة علي ، ارتفعت حرارة ج،،سدها وهي تراه يفتح بابها ويدلف الى داخلها .. لم تستطع الدخول .. شيء ما منعها من هذا رغم أنها لم تدخلها سوى مرات قليلة من قبل ..
وجدته يخرج ويقول :
” مش هتدخلي ..”
” انت جايبني هنا ليه ..؟!”
سألته بصوت متلكأ ليرد بفتور :
” ادخلي الاول ..”
دلفت الى الداخل بخطوات مترددة لتدمع عيناها ما إن رأت صورته المعلقة على حائط الغرفة أمامها ..
“انتِ هتنامي هنا فإوضة علي الله يرحمه ، عشان تفتكري ذنبك فحقه كل لحظة ..”
التفتت نحوه بعينين حمراوين متسعتين لينظر لها بتحدي ..
أشاحت وجهها بضيق تحاول أخفاء دمعة تسللت على خدها قبل أن تعاود الإستداره نحوه وتهتف بنبرة قوية :
” انا مش هقعد فالإوضة دي .. وهخرج من هنا ..”
اندفعت بعدها نحو الباب لكنه جذبها من ذراعها وألقاها على السرير قبل أن يقول بحزم :
” قلتلك مش بمزاجك ..”
نهضت من فوق السرير وقالت بعدم تصديق :
” افهم من كدة انك حابسني هنا ..”
” اعتبريها كده لو تحبي …”
قالها بحسم وأكمل :
” انت مش هتخرجي من البيت ده بعد كده إلا معايا …”
خرج بعدها من الغرفة تاركا إياها تنهار باكية على السرير ..
………………………………………………………………………..
اتجه زياد نحو الحديقة وبدأ يأخذ نفسا عميقا عدة مرات محاولا أن يصفي ذهنه من كل ما يمر به في الأونة الأخيرة ..
أيقظه من شروده رنين هاتفه ليخرج الهاتف من جيبه ويضغط على زر الإجابة ويقول رادا على المتصل :
” اهلا ، انا بخير الحمد لله .. انتِ عاملة ايه ..؟!”
جاءه صوتها الرقيق :
” انا بخير الحمد لله ، واحشني اوي يا زياد ..”
تنهد تنهيدة طويلة وقال بشوق :
” وانتِ اكتر ، اخبار الشغل ايه ..؟!”
أجابته بجدية :
” كله تمام ، انت هترجع امتى ..؟!”
” مش عارف ، لسه قدامي وقت طويل لحد مارجع …”
” يعني هتغيب عني كتير …”
” للاسف ايوه ..”
حل الصمت بينهما للحظات .. لحظات قطعتها وهي تقول بحزن :
” انا عارفة إنك تعبان وبتعاني ، نفسي أوي أكون جمبك .. نفسي أخدك فحضني وأطبطب عليك ..”
ابتسم بمرارة وقال بصدق :
” وانا نفسي فده اوي يا دينا …”
” حاساك متغير ، فيه حاجة عايز تقولها ..؟!”
صمت قليلا قبل أن يقول :
” بصراحة عندي كلام كتير نفسي أقوله ، موتة علي دمرتني يا دينا .. بقيت حاسس نفسي واحد تاني .. نفسي أشوفك واحكيلك عن اللي بمر فيه ..”
” مش عارفة أقولك ايه .. انا كمان نفسي أبقى جمبك وأكون معاك فأزمتك دي …هحاول اخد إجازة وانزل مصر ..”
” ياريت ، ياريت بجد يا دينا ..”
” خلي بالك من نفسك يا زياد ..”
” وانتِ كمان خلي بالك من نفسك ..”
” باي..”
أغلق زياد الهاتف وعاد ينظر ببصره نحو السماء يفكر في أخيه الذي يشتاقه كثير …
فجأة سمع صوت صراخ يأتي من غرفة علي فركض مسرعا عائدا الى الفيلا ..
ارتقى درجات السلم بسرعة قياسية ووصل الى الغرفة ليجد رنا أمامه تهتف ببكاء :
” الحقنا يا زياد، ماما هتقتلها…”
اقترب زياد منهما ليجد والدته تقف أمام زينة المنزوية في ركن الغرفة تحمل مسدسا موجهة فوهته نحوها …
” ماما هاتي المسـ،ـدس ..”
قالها زياد بنبرة مرتجفة وهو ينظر الى والدته التي تنظر إلى زينة بعينين زائغتين ..
هزت الأم رأسها نفيا وقالت :
” لازم أقتلها وأخلص من شرها …”
” ماما أرجوك …”
قالها زياد بتوسل لتصيح رنا به :
” خده منها يا زياد بدل متقتلها …”
” هاتيه يا ماما ..”
قالها زياد وهو يرجوها بعينيه لتهز الأم رأسها نفيا وقد قررت أن تضغط على زر المسـ،ـدس .. ركض زياد نحوها وحاول أن يسحب المسـ،ـدس منها قبل أن تضغط على الزناد بينما زينة ترتجف بالكامل وهي تستند بجسدها على الحائط ليصدح صوت رصاصة عالية في ارجاء المكان ..
يتبع

انت في الصفحة 2 من 15 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
58

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل