
_ شكلها بقا وحش خالص.
_تستاهل بصراحة.
هتفت بها “آمال و سهير” متتابعتين، في حين كان ينظر عصام لندى بفخر، تقدم نحوها قائلاً بسعادة:
_ عشان كدا كنتِ بتقولي نجيب حقنا بالذوق…فهمتك.
هتف آسر بسعادة مجددًا:
_ بس تصدقي يا ندى ؟ معاكي حق وأنا اللي كل ما أشوفها اشم رايحة زافرة.
_ أنا استحملتها كتير بس دي زودتها أووي كله إلا ياسمين.
هتفت بها ندى بسعادة وهي تنظر إلى ياسمين التي احتضنت كفها بحب وقالت:
_حبيبتي.
ساد الصمت دقائق ، ليقطعه صوت سها كالعادة بطلبها المعهود:
_ طب يالا ياعصام أنا جُعت.
اقترب آسر منها بصدمةٍ ونظر إليها بصوت محذر:
_ سها والله إن تخنتي أكتر من كدا لغير رأي… أنا عايز اتجوز واحدة مش أربعة في وقت واحد ، إيه اتجوز واحدة خد تلاتة هدية؟
_ أبقى اعملها كدا وشوف أنا هعمل فيك إيه!
هددته بصوتها الأنثوي ، لتصنع خوفه قائلًا:
_ أنا أقدر يا باشا…
ثم أردف بنبرته المرحة وهو يلوح بكفه لعصام أن يتحرك معه :
– يالا يا عصام الله يكرمك أشويلها ست سبع أسياخ كفتة بسرعة يا عصام أصل تاكلني أنا وأنت وإحنا واقفين.
احتدت نظرات عصام قليلًا، سأله بسخرية:
_ الشغال بتاع سيادتك ولا إيه؟!
_يالا يا معلم عشان أنا جعت أنا كمان.
دفعه خالد بقبضته في كتفه مخبرًا إياه بجوعه، لينظر عصام إليهما بشكلٍ متبادل، ثم قال:
_ حيث كدا ورايا.
بعد فترة كان عصام يقف مع وخالد يشوي الكفتة وإلى القرب منهم جلس محمد وأحمد يلعبان طاولة الزهر، وفي منطقة أخرى بعيدةٍ عن ألسنة الدخان الناتج عن الشواء، كانتا ياسمين وندى تفترشان العشب تلعبان لعبة الأغاني الشهيرة، فهما محبتان للموسيقى جدًا وصاحبتان صوتٍ جميل، و أخيرًا سها كانت تجلس إلى جانب عصام وخالد تأكل بشراهةٍ وكأنها لم تأكل منذ أيام ، وآسر يجلس على مسافة بعيدة منها يراقبها مذعورًا خاشيًا أن يقترب فيكون هو الضحية التالية.
_ هوي حلو يا خالد.
هتف بها عصام وهو يراقبه ، يضع أسياخًا أخرى أعدها ، في حين أجابه خالد:
_ ماهو يا عم أكتر من كدا.
هتف بها خالد بغيظٍ، ليبتسم عصام ابتسامةً جانبية لاحت على ثغره مرددًا:
_خلاص براحة عليا ايه هتاكلتي؟!
بادله الابتسام عند خاطر ذكر الأكل، وأشار بحاجبيه إلى سها وآسر قائلاً:
_متخافش مش أنا اللي هآكلك ، سها هتقوم بالواجب.
ضحك عصام لما يشير وقال :
_ بصراحة آسر الله يكون في عونه.
_يعني هو اللي ملاك أووي.
هتف بها خالد بسخرية، فارتفع ضحكتهما ليقول عصام:
_ على رأيك… المهم خلصت الملف اللي بقولك عليه؟
هزّ رأسه وأجاب:
_قربت أخلص، فاضل بس حاجات بسيطة، أنا تعبت فيه أوي.
ضرب عصام ركبتيه بكفيه بعد أن أنهى مهتمه ليقول بتعب:
_ اوك هروح استريح شوية.
انسحب عصام من مكان الشواء تاركًا المهمة لخالد ، الذي يحرك مروحة الشواء ويستمع لمشاجرة آسر وسها المعتادة :
_ كفاية يا حبيبتي حرام عليكِ، دا سادس سيخ، ارحمي نفسك.
_ بس بقا الله عايز أكل بنفس.
هتفت بها بتذمر، تلتهم ما هو معلقٌ في السيخ بشراهة ، فعاود هتافه بغيظ:
_ كل ده ومش بنِفس أومال لو نفسك مفتوحة هتعملي ايه! هتاكلي الناس اللي بتشوي بالشاوية!
ابتسم خالد وهو يقترب منهما حاملًا بين يديه سيخًا آخر قائلًا:
_خدي يا سها.
_ أنت بتعمل إيه أنت مش شايفها دي عايزة حد يقومها ومين هيشلها من مكانها!؟!
هتف بها آسر بغيظٍ، ليضحك الآخر بسخرية:
_ الونش.. دا أنت يا معلم.
_ لا حرام.
هتف بها آسر بملامح ونبرة مرتعدة، لتفزع ملامحه أكثر عندما استمع لطلب سها:
_ ساعدني أقوم يا أسر مش قادرة هموت آآه.
أظهر آسر الضيق على وجهه، فزفر بسخطٍ وقال بنبرةٍ ساخطة:
_ آه دك أوه يأويكِ يا بعيدة كنتي ارحمي نفسك.
ارتفعت ضحكات خالد لحالهما ثم تبع ذلك صوته مناديًا على الجميع:
_يالا يا جماعة الأكل جهز.
ابتسمت ندى بسعادة بعد أن كانت تدندن إحدى الأغاني، فنهضت عن العشب، وساعدت ياسمين بالوقوف أيضًا قائلة:
_ يالا يا ياسو
تراقصت الفتاتان بخطواتهما تجاه المائدة المُعدة في الحديقة، وفجأةً اختلّ توازن ياسمين ، لتشعر بالتواء كاحلها فسقطت أرضًا متألمة، ركضت ندى نحوها وهبطت لمستواها تسألها بلهفةٍ وخوف حقيقي:
_مالك؟!
دمعت عيناي ياسمين، وقالت من بين تأوهاتها:
_ آآه رجلي اتلوت.
سمع خالد تأوهاتها، فركض نحوها بقلقٍ يجثو على الأرض ويسألها بلهفة:
_ مالك؟!
تحاشت ياسمين النظر إليه وأخذت تفرك كاحلها موضع الألم قائلة:
_ آآه رجلي.
تأوهاتها زادت تدافع نبضات قلبه فلم يكن منه سوى أن حملها كرضيعٍ بين كفيه ويجلسها على إحدى المقاعد الملتفة حول المائدة ، وجلس إلى جانبها في المقعد المجاور يضع قدمها المصابة على إحدى ساقيه يفركها بلطفٍ ويحركها بحذر حتى لا يزيد ألمها :
_ متخافيش يا ياسمين.
هتف بها بحنوٍ، ليقترب والده منهما في محاولةٍ للاطمئنان:
_عاملة إيه دلوقتي؟!
_ الحمد لله ياعمي ، بقيت أحسن…
أغمضت عينيها بألم في لحظة انسحاب عمها لتسمع سؤال خالد القلق:
_ أنتِ كويسة؟ تحبي نجيب دكتور؟
اشتعلت وجنتيها بخجل خاصةٌ بعد حادثهما الأخير لتجيب بهمس:
_ لا أنا بقيت كويسة.
_ تيرا را را… إيه ده بقيت كويسة ما تتجوزوا بقا وترحمونا.
همست ندى بها ندى بجوار أذنها في سخرية، لتنظر إليها ياسمين بحدة وقالت من بين شفتيها:
_ ندى!
_ بس أنتِ بتتشطري عليا هروح أكل أحسن.
ابتعدت ندى عنها تكتم ضحكاتها بكفها لتجلس في مقعدها.
في مكانه تحدث محمد بصوتٍ منخفض مع أخيه بقلة حيلة:
_وبعدين يا أحمد في اللي بيحصل ده؟!
_ مش عارف والله الاثنين بيحبوا بعض بس بيكابروا.
اجابه أحمد بنبرة متعبة، ليستمع بعدها لقرار أخيه:
_أنا هقعد مع خالد وأشوف حل…
انشغل الجميع بتناول طعامهم، لتنتبه ندى إلى غياب عصام، فسألت بتوجس:
_ هو عصام فين مش هيتغدى؟!
آجابتها أمال نافية:
_ مش عارفة هو فين؟!
_ هشوفه فين وآجي.
نهضت من مكانها مغادرة تبحث عنه، فلمحته نائمًا على العشب مغمض العينين، فظلت تتأمله دقائق، تروي عطش حبها بملامحه المحببة.
_ عايزة حاجة يا ندى؟!
قاطع بها لحظات تأملها له، لتسأله بحيرة:
_ أنت عرفت إزاي إن أنا هنا ؟
فتح عينيه ينظر إليها مبتسمًا بفخر:
_ يابت دا أنا البوص.
_ يعني إيه؟!
سألته بترقبٍ وحيرة ليجيبها:
_يعني حاجات كتير.
_ زي؟
تابعت استفسارها وتابع أجوبته:
_القوة والذكاء وحاجات كتير.
ابتسمت بتهكمٍ وأوضحت رأيها بما قاله:
_أنت مغرور على فكرة.
بادلها ابتسامتها بأخرى:
_ عارف.
تحولت ابتسامتها إلى أخرى نابعة من القلب، أكملت رأيها به:
_ أمم … ومتكبر وساقع و…
انقطع حديثها عندما نهض ليقف على قدميه بسرعةٍ ارعبتها وهتف بنبرة جدية ممزوجة بمزاح:
_ أنا ساقع طب تعالي هنا…
اتسعت ابتسامتها وهي تشعر به يركض خلفها وهي تهرب منه ، لتسمع بعدها صوته متألمًا:
_آآه الحقني يا ندى!
توقف مكانها فجأةً ثم عادت إليه قلِقةً تسأله:
_ مالك يا عصام؟!
مد يده لها قائلًا:
_ساعدني أقوم، شكلها رجلي التوت .
اندفعت بعفوية تمسكه في محاولة لسحبه، لكن محاولتها باءت بالفشل حينما سحبها هو إليه لتسقط فوق الأرض، فقال بنبرته الماكرة:
_ تعالى بقى مين اللي ساقع يابت أنتِ.؟!
_ يا غشاش بتخدعني سبني.
هتفت بها بحدتها الطفولية وهي تضرب صدره بكفها الحر ، لتتسع ابتسامته قائلًا:
_ اعتذري الأول.
_ لاء.
هتفت بها بحدة لتجده يقبض على يدها الحرة بيده وزاد من إحكامه على كلتيّ يديها ثم قال بذات النبرة الماكرة:
_ كدا.
_ أنت بني آدم استغلالي.
تقلصت عيني ندى وهي تهتف بها في حنق، لتسمع جوابه البارد:
_ عارف.
نظرت إلى عينيه التي تعكس زُرقة السماء فوقهما ، لتشعر بدقات قلبها تتناقز وتعلن اضطرابها في كل حالة اقترابٍ منه، هتفت بنبرةٍ هائمة:
_ وعارف إني بحبك أوي.
ارتفع حاجباه بشيء من الدهشة، خُيّل إليه مكانها لميس، الفقيدة التي تسكن قلبه، اقترب منها بشدة وعقله كالمغيب وفجأةً تذكر الواقع ، لميس ليست هنا، هل خانها ؟ لقد ارتكب جريمةً بحق حبه لها، ابتعد عنها لتسقط على الأرض بقوة، كم مقت نفسه لفعلته تلك ؟ كم ودّ لو أن يبرح نفسه ضربًا لجريمته بشأن حبها.
تلألأ الدمع في عيني ندى، تستشعر ما أصابه، نادته وهي لا تزال أرضًا:
_عصام …استنى اسمعني…أنا بحبك
عاد إليها يقبض ذراعها بغضبٍ شديد، اعترافها ذلك يؤجج غضبه، سماء عينيه تشتعل غضبًا ظهر جليًّ في صوته:
_ اخرسي… مش عايز أسمع نفسك إيه اللي أنتِ بتقوليه دا أنا بعتبرك زي ياسمين.
افلتت ذراعها بقوةٍ من بين قبضته، انهمرت بعض دموعها الحبيسة وهي تحدثه، بشيءٍ من القوة المصطنعة:
_حرام عليك ياعصام اللي بتعمله فيا ده…أنا استحملت كتير إذا كنت أنت بتعتبرني زي ياسمين أنا آسفة بس عمري ما هعتبرك زي خالد، أنا من طفولتي عايشة على حلم إن أنت تكون ليا، يكون لي مكان في قلبك كحبيبة زي لميس الله يرحمها، كنت بغير منها لإنك كنت بتحبها كتير ، لأنها اتخطبت ليك وأنا زي ياسمين بالنسبة لك…أوعى.
تركته وغادرت بعدما أفرغت جزءًا مما يكنه قلبها له، ليبقى هو وحيدًا بمشاعره المضطربة ونظرته الكسيرة.
…. يتبع…
[٣/١٢ ٨:٤٧ ص] نودي: (الفصل السابع)
تركت ندى عصام وحيدًا ثم عادت إلى المزرعة، كلاهما يشعر بالحزن، خاصةً هي فقد رفضها حبيبها للمرة الثانية، جلس عصام بيأسٍ على العشب يعود إلى سجن ذكرياته.
*****
تفاجأ عصام بدخول أميرته إلى غرفته، فسألها بتعجب:
_أنتِ دخلتي هنا إزاي؟!
اقتربت لميس بخطواتها منه وعيناها تشع حبًّا، ثم أجابته:
_ دخلت من الباب.
قالتها مبتسمة، ليرد ابتسامته بأخرى ساخرة وبنبرةٍ مستهزئة: