
-نواره !
رددها ” يوسف ” بتنبيه حين انتبه لشرودها , فنظرت له وهى تردد بتذمر :
-ملقتش غير النسا والتوليد ! مجال غريب يعنى !
-عادى ما فى كتير دكاتره رجاله نسا وتوليد انتى أول مره تشوفى دكتور نسا راجل !
نفت برأسها وهى تقول :
-لأ شوفت .
نظر لها قليلاً ثم قال بتوتر قليل :
-بالمناسبه , حاولى تلبسى زى ماكنتِ بتلبسى الأول , بالنسبه للطرحه يعنى بلاش الطرحه القصيره دى وكمان الالوان الفاتحه أوى دى بتلفت النظر ….
نظرت له مضيقه حاجبيها باستغراب فما شأنه بثيابها ؟!..
أدرك استغرابها فقال مبررًا :
-أنتِ عارفه المناطق الشعبيه وكنتِ فى واحده منهم , وهنا بييجى رجاله مع مراتتهم , وأكيد مش كلهم محترمين فعشان محدش يضايقك منهم , وكمان عشان محدش يقول عليكِ كلمه وأنتِ عارفه كلام الناس مبيسيبوش حد فى حاله .
اقتنعت بحديثه رغم أنه لم يكن الحقيقه , هو فقط لم يحب أن يراها أحد هكذا فيفُتن بها كما فُتن هو , لكنها رغم كذبه اقتنعت وردت بهدوء :
-معاك حق , طيب هطلع أنا مدام مفيش عياده النهارده ..
ابتسم براحه حين اقتنعت بحديثه فقد ظن أنها ستجادله وقال :
-تعالى بليل , هبعتلك سمر تاخدك وقضى الحنه معاهم أنا عارف أنك متعرفيش حد هنا …
ردت بحرج :
-ايوه بس …
قاطعها بإصرار وهو يقول :
-ده كلام الحاج , أنا بوصله بس …
امتعضت ملامحها وهى تسأله :
-يعنى أنت مش عاوزنى أجى ؟
نفى برأسه سريعًا وهو يقول :
-لا طبعًا مش قصدى أنا بس بقولك كده عشان توافقى تيجى .
ابتسمت بسعاده وهى تقول بلؤم :
-وأنا مقدرش أرفض كلمه للحاج ..
ابتسم لها ابتسامه جانبيه ساحره فبادلته ابتسامته بخجل قبل أن تنسحب ذاهبه ….
شهران مروا دون جديد …
فقط تقربت ” نواره ” من عائلة المهدى أكثر وأكثر وخاصًة النساء بالطبع ..
كانت جالسه فى العياده وهى تنظر للمرضى بضيق , لِمَ عليهم أن يكونوا جميعًا نساء ! ماهذا الحمق أليس هو طبيب نساء ! , أخذت تهز قدمها بضيق مؤخرًا بدأت لا تطيق هذا الجمع الغفير من النساء الذى يأتى له , وأكثر ما يثير غيظها ويزيد اشتعالها إن جاءت أحدهم لتلد , فهو مخصص غرفه بها جميع مستلزمات غرفة العمليات يقوم بها بعمليات الولاده , انتبهت لخروج المريضه من غرفته وكادت تدلف التاليه ولكن رن الجرس الصغير معلنًا إنه يحتاجها , أوقفت المريضه ودلفت هى …
سألها وهو ينزع قفازه الطبى :
-باقى كام بره يانواره ؟
ردت بضيق :
-خمسه .
رفع نظره لها وهو يسألها بإهتمام :
-مالك مضايقه ليه ؟
كادت تجيبه لكنهما انتفضا على صوت صراخ عالِ يأتى من الخارج ركض يوسف واتبعته هى لشرفة الغرفه ليهتف يوسف بفزع وهو يركض للداخل :
-الصريخ جاى من بيتنا .
ركض بعدما نزع معطفه الطبى للأسفل …
وقفت هى وقد تصلبت قدماها فى الشرفه وتنظر لمنزل المهدى الذى يبعد عنهما ثلاث بيوت فقط ..
رأت تجمع الناس وركض يوسف فى الحاره متجهًا للمنزل ..
تعالى الصراخ أكثر وأكثر واستمعت لصوت أحد الماره أسفل الشرفه حين سأله آخر :
-هو فى ايه فى بيت الكبير ؟
رد الأخير بأسف وحزن……..
يتبع
الجزء الخامس
المصائب لا تأتى فرادى
_هو فى ايه فى بيت الكبير ؟
رد الأخير بحزن :
-بيقولوا الست رحاب تعيش أنت .
شهقت ” نواره ” بفزع وهى تضرب بيدها على صدرها مُردده :
-يالهوى ماتت !
وبعدها وجدت نفسها تركض للأسفل متجهه لبيت المهدى ..
دلفت من بين الحشد المجتمع أمام باب البيت بصعوبه حتى استطاعت الوصول للداخل وأصوات الصراخ قد توقفت …
وقفت أمام باب الشقه المفتوح متردده فى الدخول , فهل من حقها أن تدخل أم سيبدو الأمر تطفل سخيف منها , أنهى ترددها خروج “زينب ” زوجة إبراهيم وهى تسند ” سمر ” المنهاره فى البكاء حتى أن قدميها لا تحملها , هتفت ” زينب ” ببكاء فور أن رأت ” نواره ” :
-نواره ساعدينى ندخلها شقة حماتى .
أسرعت ” نواره ” تسندها معها ودلفوا بها للشقه المجاوره ” شقة سُريه ” , أخذت ” سمر ” تبكى بنحيب وصراخ خافت خوفًا من أبيها الذى صرخ بها بالداخل رافضًا صراخها , أجلساها فى صالة الشقه الأخرى فأخذت تضرب بكفيها على فخذيها وهى تغمغم :
-آه يا أما آآآه ..مشيتِ بدرى يا أما سبتينى ليه ده أنا لسه محتاجاكِ .
انهمرت دموع ” نواره ” على حالتها وهى تتذكر حالتها المشابهه لها حين توفت والدتها مع اختلاف الوضع , فهى كانت مصيبتها مصيبتان , فقدنها أمها وأنها أصبحت بمفردها , أما سمر فلديها أسره كامله , تعلم أن لا أحد يعوض مكان الأم لكن تبقى مصيبتها أهون ومع الوقت ستهدأ قليلاً وتنشغل مع عائلتها , لكن هى حين تعود يوميًا لتجد نفسها بمفردها وتأكل بمفردها ولاتجد أحد يؤنسها …
تنهدت بحزن وهى تقترب من ” سمر ” لتواسيها فقد أصبحت قريبه لها فى الفتره الأخيره :
-اهدى يا سمر اهدى يا حبيبتى وادعيلها بالرحمه .
شهقت ببكاء وهى ترد :
-كانت لسه بتكلمنى يا نواره , قالتلى هدخل اصلى العشا واعملى كوبيتين شاى نقعد نشربهم فى البلكونه , دخلت بعد شويه لما استغيبتها لاقيتها واقعه على سجادة الصلاه ومبتردش عليا , ماتت ..أمى ماتت يازينب ..راحت وسابتنى خلاص .
اقتربت ” زينب ” منها تحتضنها ببكاء , وهتفت ” نواره ” وهى تجلس بجوارها من الجهه الأخرى :
-أمك ماتت أحسن موته يا سمر , ده أنتِ المفروض تفرحيلها بحسن الخاتمه يا حبيبتى .
جلس أمام والدته على الفراش ينظر لها بصمت , الصدمه لم يدركها بعد ,مازال مصدومًا من رحيل والدته المفاجئ , لم تشتكِ من شئ ولم تكن مريضه ! , ذهبت فجأه هكذا دون أى مقدمات ! , ظل ينظر لها بعدم استيعاب حتى دلف والده بثِقل وهو يستند على عصاهُ يرمى حمله عليها وقال بصوت مختنق :
-المُغسله زمانها على وصول …وبعت إبراهيم يجيب الكفن , سيبنى مع أمك شويه يا يوسف .
توقف بآليه تامه وعقله بدأ يستوعب الأمر , خرج ولم يخرج من الغرفه فقط بل من الشقه بأكملها وجلس على الدرج أمام باب الشقه يشعر بالاختناق وكأن المنزل أصبح كفتحة الإبره …
جلس أمامها على الفراش بعد خروج ولده وأدمعت عيناه وهو ينظر لها وبدأ بالحديث :
-متفقناش إنك هتسبينى بدرى كده يا رحاب , كنت فاكر أنى هفارق قبلك , بس أنتِ سبقتينى , عشتِ معايا على الحلوه والمره , واستحملتِ معايا كتير , كنتِ ونعمه الزوجه وكنتِ بتعاملى إبراهيم ومحمد كأنهم ولادك وعمرك ما قبلتى إنى أظلم سُريه رغم أنك كنتِ يادوب مفتش أسبوع على جوازنا وقولتيلى روحلها يا حاج وأقعد معاها كام يوم عشان متحسش أنك هتملها وترمى طوبتها عشان لاقيت بديل , طول عمرك طيبه وحقنيه , وأولادك طالعينلك , هتوحشينى يا رحاب , هتوحشينى ويعز عليا فراقك , ربنا يجمعنى بيكِ قريب على خير .
_
دلف ” محمد ” لشقة سُريه وهو يقول :
-حد ييجى عشان المُغسله جايه وأمى هتبقى معاها جوه بس هيحتاجوا حد يناولهم المايه .
هتفت ” نواره ” حين وجدت ” زينب ” هى الأخرى مُنهاره بالبكاء مع ” سمر ” التى بين أحضانها :
-ينفع أجى أنا ؟
أومئ بإرهاق :
-تعالى يانواره عشان يمنى مش هنا عند أهلها أنا بعتلها بس بيت أهلها بعيد .
وقفت سريعًا وهى تقول :
-مش مشكله تيجى براحتها .
سبقها ” محمد ” للخارج فوجد يوسف جالسًا على الدرج أمام باب الشقه لم يلاحظه فى بداية الأمر لبُعد الدرج قليلاً عن باب الشقه لكنه انتبه له الآن , اتجه له حتى وقف جواره فوضع كفهِ على كتف الأخير وهو يقول :
-وحد الله يا يوسف .
غمغم بهدوء رغم ملامحه التى تصرخ حزنًا :
-ونعم بالله .
خرجت من شقة ” سُريه ” لتجد يوسف جالسًا على الدرج و أخيهِ يقف بجواره , كادت تتجه له لكن قطعها وصول المُغسله فوقف يوسف سريعًا متجهًا للشقه دون حديث ..
اتبعه الجميع فاستمعوا ليوسف يقول لأبيه الذى خرج من الغرفه للتو :
-أنا عاوز أقعد معاها شويه .
نظر ” منتصر ” للمُغسله والمغسله التى دلفت يحملها صبيان من أهل المنطقه , وأعاد النظر لولده فقال بتنهيده :
-متتأخرش .
دلف سريعًا للداخل مُغلقًا الباب خلفه …
لتشهد الدقائق التاليه انهياره كطفل صغير بين أحضان والدته للمره الأخيره …
أسبوع مرَّ ولم ترى يوسف من حينها , لقد اعتكف بعيدًا عن كل شئ , حتى أنها عندما تذهب لترى سمر وتطمئن عليها لا تراه فقد فضل البقاء فى شقته مبتعدًا عن الجميع , ذهبت اليوم كعادتها فى الأيام الماضيه للإطمئنان على ” سمر ” فقابلته أثناء دلوفها من باب المنزل , وقفت تنظر لهُ بصمت تتفحص مظهره الذى بدى عليهِ الاختلاف .. بدا وجهه أنحف وعيناه غائره والهالات السوداء ظهرت بوضوح أسفلها , وذقنه الناميه على غير العاده , لم يكن بحاله جيده أبدًا .. قطع شرودها صوته المبحوح الجاد :
-تعالى عشان هنفتح العياده .
أومأت له سريعًا موافقه وارتدت للخلف كى تفسح له الطريق فخرج متجهًا لعيادته وتبعته هى بصمت …
وصلا للعياده ودلف لغرفة الكشف فتبعته وهى تسأله بهدوء :
-تحب اعملك قهوه ؟
أومئ بصمت فنظرت له لثوانى بتفحص ثم هتفت :
-بس هو أنت كلت ؟
زفر بإرهاق وقال :
-أعملى القهوه يانواره .
أومأت بموافقه وهى تدرك أنه لم يأكل , فحين كانت جالسه ذات مره مع زينب وسمر , قالت زينب حينها أنه لا يهبط للأكل معهم وحين تبعث له بالطعام يأكل منهِ القليل جدًا وأحيانًا لا يأكل أساسًا ..
_
غابت لدقائق ثم عادت دقت الباب ودلفت لتجده مستندًا برأسه على ظهر الكرسى الهزاز , وضعت ما بيدها على المكتب بعدما أزاحت ما عليهِ , جعد أنفه يشم جيدًا حينما عجت الغرفه برائحه طعام شهيه , فتح عيناه باستغراب فبصرها تفتح أغطية الأوانى , اعتدل فى جلسته باستغراب , فوجدها تهتف بحماس :
-حظك حلو أنا بقى عامله النهارده شوية ملوخيه ورز وفراخ هتاكل صوابعك وراهم وجبتلك عيش كمان لو عاوز .
قطب حاجبيهِ باستغراب متسائلاً :
-فين القهوه ؟
نظرت له ببراءه وقالت :
-بعد الأكل يا يوسف .
التمعت عيناه بنظره خاصه حين نطقت باسمه مجردًا من لقب ” دكتور ” لأول مره , وجد نفسه يبتسم وهو يتابعها بعينيهِ وهى تُكمل فرد الطعام ووضعه أمامه فى طبق مُخصص لهُ , لكنها توقفت فجأه حين أدركت ما قالته سهوًا فنظرت له لتجده يتابعها بعينيهِ فهتفت بحرج :
-أنا آسفه يا دكتور أنا بس مخدتش بالى.
ابتسم بهدوء يقول :
-ياريت متخديش بالك على طول ..
نظرت له ببلاهه وهى تردد :
-ها !
ضحك بخفوت وهو يقول :
-ها ايه بس ! , بصى بلاش دكتور دى غير لما نكون فى وقت العياده غير كده قوليلى يا يوسف عادى .
حمحمت بخجل وهى تضع الملعقه أمامه وقالت :
-دوق بقى وقولى رأيك .
نظر للأطباق أمامه فوجدها وضعت الأرز والدجاج فى طبق وطبق صغير وضعت فيهِ الحساء الأخضر , ذم شفتيهِ برفض وهو يقول :
التأمين (Insurance) القروض (Loans) الرهن العقاري (Mortgage) المحامي (Attorney) المحاسبة (Accounting)