
“واثق الخطا يمشي ملكا ” تستحق تلك الجملة أن تقال علي مالك الجوهري ،
ولكن ملكا بأخلاقه ملكا بقناعاته الهادفة وليس بالشكل والمادة ،
وصل إلي مصنع الملابس الخاص به وترجل من سيارته بهيبة ووقار وهو يغلق أزارر حلته الكاجوال ،
ويعدل من نظارته الشمسية ذات الماركة العالمية المعروفة “لاكوست” بلونها الأسود ، والتي تخفي نظرات عينيه ببراعة ،
دلف متعجلاً بخطاه وهو يلقي السلام بتواضع علي أفراد الأمن الماثلين أمام المصنع ،
فهو خلوق جدا وليس فيه داء الكبر علي عماله ولا هو صاحب النظرات المرعبة التي يعانيها الجميع ،
بل هو معتاد مع عماله علي السلام والكلام والتواضع والمحبة ،
دخل إلي مكتبه بعد ما ألقي التحية باحترام علي السكرتارية المخصصة لمكتبه ،
وفور دخوله خلع نظارته الشمسية ونزع الجاكيت الكلاسيكي ووضعه في الشماعة المخصصة الموجودة في استراحة مكتبه ،
وجلس علي كرسيه ممسكاً الهاتف يطلب من مديرة مكتبه أن تبعث للأستاذ علي صديقه الصدوق ، ومدير المصنع أن يأتي له ،
استجابت له على الفور وهاتفت مكتب الأستاذ علي وطلبت من الإتيان إلي مكتب مالك ،
بعد عشر دقائق وصل علي ودق على الباب بأدب ودخل ملقيا السلام وأردف بجدية وهو يجلس:
_ ازيك يامالك ، حمد لله على السلامة .
أجابه مالك بوجه بشوش:
_الله يسلمك يا علي ، أنا تمام الحمد لله ،
أخبار التصميمات الأون لاين ايه ،
شغالين تمام ولا مقصرين ؟
أمسك بالملفات المطبوعة الموضوعة أمامه وأعطاها له بعملية مرددا:
_ بصراحة شغالين كويس جداً أكتر من المصممين إللي شغالين وجها لوجه معانا هنا ،
أتمني إن ولو واحدة فيهم توافق تيجي تشتغل معانا هنا علي أرض الواقع ،
علشان الفنانين والناس المهمة إللي بتجي لنا ومبيكونوش عايزين تصاميم اون لاين للأسف ،
مش بيقتنعوا إلا لما يقعدوا مع المصمم ويعرفوه إللي عايزينه بالتفصيل بيبقوا كدة مستريحين .
اختلف مالك معه في وجهة النظر وأدلي رأيه بعملية رجل محنك مدرك بالتصاميم:
_ أختلف معاك في النقطة دي،
ياعلي المصمم ده فنان خيالي بيسرح بخياله في صورة ويفضل يسرح فيها لحد ما يحس إنه قرب منها يقوم بقي مشغل الموسيقى إللي بيحبها ،
ومشروبه المفضل ويقعد في حتة هدوء علشان يبدع رسمته ويطلعها زي ماهو راسمها في خياله بالظبط ويمكن تطلع أحسن كمان،
واسترسل بتوضيح أكثر:
_ علشان كدة أنا حابب شغل التصاميم الأون لاين وخاصة صاحبة ماركة ” ريما ستور ”
بجد التصاميم بتاعتها عاجباني وفي حتة تانية خالص ، ليها لمحة إبداعية في التصميم مريحة جدا ،
أكيد صاحبة الماركة دي إنسانة هادية وراقية علشان تتطلع لنا التصاميم بالروعة دي ،
وأكمل بتمني :
_ مصممة بالخبرة المتجددة دي أكيد سنها معدي ٤٥ سنة علشان خبرتها في التصاميم متطورة جداً عن الباقيين إللي بيبعتوا لنا ، واللي نعرف عنهم كل حاجة إلا دي رافضة أي طريقة للتواصل معاها ،
بجد أتمني في يوم من الأيام إني أقابل فنانة زي دي ومصممة عظيمة مينفعش تبقي مغمورة جوة التصميمات كدة ، ومتخرجش للعالم الخارجي وتحضر أتيليهات ، أنا واثق ومتأكد إن دي لو ظهرت هتكسر الدنيا.
حمحم علي بصوته وأخذ التصميمات المطبوعة وأعطاها له قائلا:
_ أتمني ذلك بس ساعتها لما منافسين كتير يحاولوا يخطفوها أو يحتكروها متزعلش ،
واسترسل وهو يمد يده بالتصميمات :
_ إتفضل ياسيدي التصميمات الجديدة أهي ،
إللي استلمناها أول الأسبوع بص عليها كدة وشوف إللي هيعجيك ايه ، وشوف إللي عايز تعديل أبعته تاني يتعدل .
أخذ منه التصميمات وتحدث بعملية وهو يتطلع إليها دون أن ينظر له :
_ السوق علمني إن الكف السابق غالب يابني ، يعني دي أول مايجي في بالها فكرة الظهور مش هتعدي من تحت إيد مالك الجوهري ،
ودة مش غرور مني ولا حاجة لأ دي خبرة سنين اكتسبتها من خلال ممارستي للعمل من أول مابتديت ، إنت عارف أنا المصانع دي ولا ورثتها ولا جات لي كدة من الهوا ،
تعبت فيها وعملتها من الصفر وطبعاً نجاحها يرجع أولا لفضل ربنا عليا في إنه رزقني التوفيق ، وللعمال إللي وقفت جمبي وسندتني من البداية لحد إللي وصلت له ،
واسترسل بدهاء:
_ وبعدين إنت قلت لي قبل كدة إنها اتعرض عليها عروض كتيرة جدا من منافسين حوالينا وهي كانت دايما بترفض ،
وقالت لك إنها يستحيل تسيب الكيان إللي ابتدت واتطورت وحققت نجاح معاه ،
صح ولا أنا غلطان ؟
وافقه علي حديثه وأجابه بتأكيد :
_ صح جدا يامالك ريما ستور بالذات فيها حتة الوفاء للي بتشتغل معاهم ومش ماشية بمبدأ اللي يغريها بفلوس أكتر تروح وراه ،
هي شايفة إن إسم الجوهري أضاف ليها ولسه هيضيف لها كتير علشان كدة مكملة وهتكمل معانا إن شاء الله ،
وظلا يتحدثان في أمور المصنع والتصميمات لمدة ،
إلي أن دق الباب ودخلت السكرتارية مرددة بعملية:
_ مالك بيه الأستاذة نهال برة وعايزة تقابل حضرتك ،
ضيق عينيه بزهق وردد باستنكار:
_ قولي لها مالك بيه مشغول ،
وكاد أن يكمل إلا أنه وجدها تقتحم المكتب بكل غرور وابتسامة سمجة قائلة باستسماح :
_ معلش يامالك عايزاك في حاجة مهمة ومش هعطلك كتير ممكن ؟
أشار بعينيه للسكرتيرة أن تتركها وتغادر ،
وقام علي من مقعده وهو يلملم أشياؤه قائلا باستعجال:
_ طيب أنا همشي أنا بقي ورايا مقابلات كتير ، اشوفك في الميتنج بالليل متنساش سلام .
لأ مش هنسي مع السلامة ،
رددها مالك بهدوء ، ثم نظر إلي الجالسة تنظر له بتبجح وقال ببرود :
_ خير إن شاء الله إللي جايب نهال هانم لحد عندي وبدون ميعاد سابق ؟
رمشت بأهدابها بتوتر ورفعت مقلتيها تنظر داخل عيناه كطريقة منها للتأثير عليه كقبل ذلك وأردفت بعتاب :
_ كدة يامالك دي مقابلة تقابلها لي بعد المدة الطويلة إللي مشفتكش فيها ،
مكانش العشم برده .
دق بقلمه على مكتبه ليبين لها عدم اهتمامه لثرثرتها وأوضح بسخرية:
_ عشم إيه إللي بينا يانهال إللي بتتكلمي عليه ،
العشم ده تبليه وتشربي مايته وتقولي الحمدلله وراه إني رضيت اقعد معاكي أصلاً .
استمعت لحديثه وقالت بحزن مصطنع :
_ للدرجة دي هنت عليك تقول لي كدة ،
للدرجة دي هانت عليك عشرة ٨ سنين جواز واتنين خطوبة !
ضحك بصوت عالي دليلا على الاستهزاء بكلامها وأكمل وهو يحك ذقنه بتساؤل:
_ إنتي مصدقة نفسك والكلام العبيط إللي إنتي جاية تقوليه ده ،
خلاص مالك بتاع زمان إللي اتحايل عليكي هو وأمه إنك تفضلي جمبه ومتسيبهوش علشان خاطر أزمة صحية مسيري هتعالج منها ، وبالرغم من كده بينتي أصلك بدري أوي ،
واسترسل بسخرية:
_ يابنت الأصول .
قامت من مكانها واتجهت إلى مقعده واقتربت منه وهي تنظر داخل عيناه قائلة بندم صادق:
_ كنت لسة صغيرة وغصب عني ضعفت من ضغط ماما وإللي حواليا ، ورجعت لك دلوقتى ندمانة ومشتاقة ومن الآخر عايزاك يامالك قلبي ،
وبحركة مفاجأة منها وضعت قبلة هائمة علي يداه ،
انتفض من أمامها كمن لدغه عقرب وبسرعة ابتعد عنها فمالك يخشي الله ولا يقبل بأي شئ محرم يفعله وعنفها قائلاً بشدة :
_ إنتي إزاي يابني آدمة إنتي تسمحي لنفسك تقربي مني بالمنظر ده يامحترمة !
عيب علي الحجاب إللي لايمت بالحجاب بصلة اصلا إللي إنتي لابساه ،
وذهب إلى الباب وأشار بيديه كطريقة لطردها مرددا بعنف:
_ ودلوقتي حالاً إتفضلي اطلعي برة معنديش وقت أضيعه معاكي ،
ثم اتسعت عينيه بحدة كحدة عيون الصقر مردفا بصوت عالي:
_ إتفضلي وياريت مشفش وشك هنا تاني .
قامت وهي تحمل حقيبتها بعنف وأردفت بتوعد جراء كرامتها المهدورة وهي تقف أمامه مرددة :
_ هتندم يامالك وهتدفع تمن طردك ليا من هنا واستهزائك بيا ،
ثم خرجت بسرعة غاضبة من مكتبه تدل على غضبها الشديد واستيائها من مقابلته لها الغير متوقعة في عقلها بالمرة .
أما هو بعد خروجها حدث حاله وهو يضرب بكفٍ علي كف:
_ قال ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين ،
وذهب إلى مكتبه وطلب فنجانا من القهوة كي ينزع عنه صداع الرأس من تلك الشمطاء التي كانت تجلس معه الآن .
أما هي بعد خروجها ركبت سيارتها وجلست بها وأمسكت هاتفها وهاتفت شخص ما مرددة بعصبية :
_ أيوة ياست هانم هو ده اللي قلتي لي ده الوقت الصحيح إللي هترجعي له وهيقابلك بالأحضان ،
أجابها الطرف الآخر:
_ اهدي بس إيه إللي حصل لعصبيتك دي ؟
جزت علي أسنانها بغضب ونطقت بسخرية:
_ البيه طردني طردة الكلاب من مكتبه وكأني حشرة وعاملني بمنتهي البرود ،
أنا نهال الدين يتعمل فيا كده،
واسترسلت بتوعد:
_ والله لا أندمه علي إللي عمله معايا وهدفعه التمن غالي ،
وظلا يتحدثان بتخطيط كل منهم علي هواه