روايات

اخوك مات

“واثق الخطا يمشي ملكا ” تستحق تلك الجملة أن تقال علي مالك الجوهري ،

ولكن ملكا بأخلاقه ملكا بقناعاته الهادفة وليس بالشكل والمادة ،

وصل إلي مصنع الملابس الخاص به وترجل من سيارته بهيبة ووقار وهو يغلق أزارر حلته الكاجوال ،

ويعدل من نظارته الشمسية ذات الماركة العالمية المعروفة “لاكوست” بلونها الأسود ، والتي تخفي نظرات عينيه ببراعة ،

دلف متعجلاً بخطاه وهو يلقي السلام بتواضع علي أفراد الأمن الماثلين أمام المصنع ،

فهو خلوق جدا وليس فيه داء الكبر علي عماله ولا هو صاحب النظرات المرعبة التي يعانيها الجميع ،

بل هو معتاد مع عماله علي السلام والكلام والتواضع والمحبة ،

دخل إلي مكتبه بعد ما ألقي التحية باحترام علي السكرتارية المخصصة لمكتبه ،

وفور دخوله خلع نظارته الشمسية ونزع الجاكيت الكلاسيكي ووضعه في الشماعة المخصصة الموجودة في استراحة مكتبه ،

وجلس علي كرسيه ممسكاً الهاتف يطلب من مديرة مكتبه أن تبعث للأستاذ علي صديقه الصدوق ، ومدير المصنع أن يأتي له ،

استجابت له على الفور وهاتفت مكتب الأستاذ علي وطلبت من الإتيان إلي مكتب مالك ،

بعد عشر دقائق وصل علي ودق على الباب بأدب ودخل ملقيا السلام وأردف بجدية وهو يجلس:

_ ازيك يامالك ، حمد لله على السلامة .

أجابه مالك بوجه بشوش:

_الله يسلمك يا علي ، أنا تمام الحمد لله ،

أخبار التصميمات الأون لاين ايه ،

شغالين تمام ولا مقصرين ؟

أمسك بالملفات المطبوعة الموضوعة أمامه وأعطاها له بعملية مرددا:

_ بصراحة شغالين كويس جداً أكتر من المصممين إللي شغالين وجها لوجه معانا هنا ،

أتمني إن ولو واحدة فيهم توافق تيجي تشتغل معانا هنا علي أرض الواقع ،

علشان الفنانين والناس المهمة إللي بتجي لنا ومبيكونوش عايزين تصاميم اون لاين للأسف ،

مش بيقتنعوا إلا لما يقعدوا مع المصمم ويعرفوه إللي عايزينه بالتفصيل بيبقوا كدة مستريحين .

اختلف مالك معه في وجهة النظر وأدلي رأيه بعملية رجل محنك مدرك بالتصاميم:

_ أختلف معاك في النقطة دي،

ياعلي المصمم ده فنان خيالي بيسرح بخياله في صورة ويفضل يسرح فيها لحد ما يحس إنه قرب منها يقوم بقي مشغل الموسيقى إللي بيحبها ،

ومشروبه المفضل ويقعد في حتة هدوء علشان يبدع رسمته ويطلعها زي ماهو راسمها في خياله بالظبط ويمكن تطلع أحسن كمان،

واسترسل بتوضيح أكثر:

_ علشان كدة أنا حابب شغل التصاميم الأون لاين وخاصة صاحبة ماركة ” ريما ستور ”

بجد التصاميم بتاعتها عاجباني وفي حتة تانية خالص ، ليها لمحة إبداعية في التصميم مريحة جدا ،

أكيد صاحبة الماركة دي إنسانة هادية وراقية علشان تتطلع لنا التصاميم بالروعة دي ،

وأكمل بتمني :

_ مصممة بالخبرة المتجددة دي أكيد سنها معدي ٤٥ سنة علشان خبرتها في التصاميم متطورة جداً عن الباقيين إللي بيبعتوا لنا ، واللي نعرف عنهم كل حاجة إلا دي رافضة أي طريقة للتواصل معاها ،

بجد أتمني في يوم من الأيام إني أقابل فنانة زي دي ومصممة عظيمة مينفعش تبقي مغمورة جوة التصميمات كدة ، ومتخرجش للعالم الخارجي وتحضر أتيليهات ، أنا واثق ومتأكد إن دي لو ظهرت هتكسر الدنيا.

حمحم علي بصوته وأخذ التصميمات المطبوعة وأعطاها له قائلا:

_ أتمني ذلك بس ساعتها لما منافسين كتير يحاولوا يخطفوها أو يحتكروها متزعلش ،

واسترسل وهو يمد يده بالتصميمات :

_ إتفضل ياسيدي التصميمات الجديدة أهي ،

إللي استلمناها أول الأسبوع بص عليها كدة وشوف إللي هيعجيك ايه ، وشوف إللي عايز تعديل أبعته تاني يتعدل .

أخذ منه التصميمات وتحدث بعملية وهو يتطلع إليها دون أن ينظر له :

_ السوق علمني إن الكف السابق غالب يابني ، يعني دي أول مايجي في بالها فكرة الظهور مش هتعدي من تحت إيد مالك الجوهري ،

ودة مش غرور مني ولا حاجة لأ دي خبرة سنين اكتسبتها من خلال ممارستي للعمل من أول مابتديت ، إنت عارف أنا المصانع دي ولا ورثتها ولا جات لي كدة من الهوا ،

تعبت فيها وعملتها من الصفر وطبعاً نجاحها يرجع أولا لفضل ربنا عليا في إنه رزقني التوفيق ، وللعمال إللي وقفت جمبي وسندتني من البداية لحد إللي وصلت له ،

واسترسل بدهاء:

_ وبعدين إنت قلت لي قبل كدة إنها اتعرض عليها عروض كتيرة جدا من منافسين حوالينا وهي كانت دايما بترفض ،

وقالت لك إنها يستحيل تسيب الكيان إللي ابتدت واتطورت وحققت نجاح معاه ،

صح ولا أنا غلطان ؟

وافقه علي حديثه وأجابه بتأكيد :

_ صح جدا يامالك ريما ستور بالذات فيها حتة الوفاء للي بتشتغل معاهم ومش ماشية بمبدأ اللي يغريها بفلوس أكتر تروح وراه ،

هي شايفة إن إسم الجوهري أضاف ليها ولسه هيضيف لها كتير علشان كدة مكملة وهتكمل معانا إن شاء الله ،

وظلا يتحدثان في أمور المصنع والتصميمات لمدة ،

إلي أن دق الباب ودخلت السكرتارية مرددة بعملية:

_ مالك بيه الأستاذة نهال برة وعايزة تقابل حضرتك ،

ضيق عينيه بزهق وردد باستنكار:

_ قولي لها مالك بيه مشغول ،

وكاد أن يكمل إلا أنه وجدها تقتحم المكتب بكل غرور وابتسامة سمجة قائلة باستسماح :

_ معلش يامالك عايزاك في حاجة مهمة ومش هعطلك كتير ممكن ؟

أشار بعينيه للسكرتيرة أن تتركها وتغادر ،

وقام علي من مقعده وهو يلملم أشياؤه قائلا باستعجال:

_ طيب أنا همشي أنا بقي ورايا مقابلات كتير ، اشوفك في الميتنج بالليل متنساش سلام .

لأ مش هنسي مع السلامة ،

رددها مالك بهدوء ، ثم نظر إلي الجالسة تنظر له بتبجح وقال ببرود :

_ خير إن شاء الله إللي جايب نهال هانم لحد عندي وبدون ميعاد سابق ؟

رمشت بأهدابها بتوتر ورفعت مقلتيها تنظر داخل عيناه كطريقة منها للتأثير عليه كقبل ذلك وأردفت بعتاب :

_ كدة يامالك دي مقابلة تقابلها لي بعد المدة الطويلة إللي مشفتكش فيها ،

مكانش العشم برده .

دق بقلمه على مكتبه ليبين لها عدم اهتمامه لثرثرتها وأوضح بسخرية:

_ عشم إيه إللي بينا يانهال إللي بتتكلمي عليه ،

العشم ده تبليه وتشربي مايته وتقولي الحمدلله وراه إني رضيت اقعد معاكي أصلاً .

استمعت لحديثه وقالت بحزن مصطنع :

_ للدرجة دي هنت عليك تقول لي كدة ،

للدرجة دي هانت عليك عشرة ٨ سنين جواز واتنين خطوبة !

ضحك بصوت عالي دليلا على الاستهزاء بكلامها وأكمل وهو يحك ذقنه بتساؤل:

_ إنتي مصدقة نفسك والكلام العبيط إللي إنتي جاية تقوليه ده ،

خلاص مالك بتاع زمان إللي اتحايل عليكي هو وأمه إنك تفضلي جمبه ومتسيبهوش علشان خاطر أزمة صحية مسيري هتعالج منها ، وبالرغم من كده بينتي أصلك بدري أوي ،

واسترسل بسخرية:

_ يابنت الأصول .

قامت من مكانها واتجهت إلى مقعده واقتربت منه وهي تنظر داخل عيناه قائلة بندم صادق:

_ كنت لسة صغيرة وغصب عني ضعفت من ضغط ماما وإللي حواليا ، ورجعت لك دلوقتى ندمانة ومشتاقة ومن الآخر عايزاك يامالك قلبي ،

وبحركة مفاجأة منها وضعت قبلة هائمة علي يداه ،

انتفض من أمامها كمن لدغه عقرب وبسرعة ابتعد عنها فمالك يخشي الله ولا يقبل بأي شئ محرم يفعله وعنفها قائلاً بشدة :

_ إنتي إزاي يابني آدمة إنتي تسمحي لنفسك تقربي مني بالمنظر ده يامحترمة !

عيب علي الحجاب إللي لايمت بالحجاب بصلة اصلا إللي إنتي لابساه ،

وذهب إلى الباب وأشار بيديه كطريقة لطردها مرددا بعنف:

_ ودلوقتي حالاً إتفضلي اطلعي برة معنديش وقت أضيعه معاكي ،

ثم اتسعت عينيه بحدة كحدة عيون الصقر مردفا بصوت عالي:

_ إتفضلي وياريت مشفش وشك هنا تاني .

قامت وهي تحمل حقيبتها بعنف وأردفت بتوعد جراء كرامتها المهدورة وهي تقف أمامه مرددة :

_ هتندم يامالك وهتدفع تمن طردك ليا من هنا واستهزائك بيا ،

ثم خرجت بسرعة غاضبة من مكتبه تدل على غضبها الشديد واستيائها من مقابلته لها الغير متوقعة في عقلها بالمرة .

أما هو بعد خروجها حدث حاله وهو يضرب بكفٍ علي كف:

_ قال ياقاعدين يكفيكوا شر الجايين ،

وذهب إلى مكتبه وطلب فنجانا من القهوة كي ينزع عنه صداع الرأس من تلك الشمطاء التي كانت تجلس معه الآن .

أما هي بعد خروجها ركبت سيارتها وجلست بها وأمسكت هاتفها وهاتفت شخص ما مرددة بعصبية :

_ أيوة ياست هانم هو ده اللي قلتي لي ده الوقت الصحيح إللي هترجعي له وهيقابلك بالأحضان ،

أجابها الطرف الآخر:

_ اهدي بس إيه إللي حصل لعصبيتك دي ؟

جزت علي أسنانها بغضب ونطقت بسخرية:

_ البيه طردني طردة الكلاب من مكتبه وكأني حشرة وعاملني بمنتهي البرود ،

أنا نهال الدين يتعمل فيا كده،

واسترسلت بتوعد:

_ والله لا أندمه علي إللي عمله معايا وهدفعه التمن غالي ،

وظلا يتحدثان بتخطيط كل منهم علي هواه

انت في الصفحة 4 من 13 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
34

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل