منوعات

رواية بقلم آية محمد رفعت

الفصل التاسع.

تسللت على أطراف أصابعها حتى وصلت للطابق السفلي، ومن ثم راقبته حتى ولج لغرفة مكتبه، فلحقته على الفور وقبل أن يصل لمقعده دخلت ثم أغلقت الباب من خلفها فأصـ,ـدر صوتاً مزعجاً للغاية، اسـ,ـتدار “عاصي” على الفور، فوجدها تحكم اغلاق البـ,ـاب ثم دنت لتجلس على المقعد القـ,ـريب منه مشيرة له بالجلـ,ـوس:

_تقدر تقعد لان في حاجة مهمـ,ـة عايزة أناقشـ,ـها معاك..

عقد حاجبيه بذهـ,ـولٍ:

_والحاجة المهمة دي مينفعش نتكلم فيها بعدين!

رسمت الحزن باجتيازٍ على معالمها، ثم قالت بجدية:

_معنديش وقت.. أنت شايف بنفسك ازاي الملزق ده بيطاردني في كل حتة.

تلك الكلمة باتت لا تليق سوى بهذا الأحمق ولكنها لا تفشل بإضحكه، فتحرك تجاه مقعد مكتبه الرئيسي، فجلس وهو يتساءل ساخراً وعينيه مسلطة على باب الغرفة:

_وموضوعك المهم ده مينفعش الا والباب مقفول!

أومأت برأسها عدة مرات وهي تؤكد له قائلة:

_أكيد لإنه مهم ويخصني فمش عايزة حد يسمعني غيرك.

حك جبهته باستهزاءٍ على طريقتها المضحكة وعلى الرغم من ذلك الا أنه تماسك وهو يباشر سؤاله بثباتٍ:

_أوكي، تقدري تتكلمي.

ابتلعت ريقها بتوترٍ، ثم أجلت أحبالها الصوتية المنقطعة قبل أن تستجمع قواها للنطق:

_زي ما شوفت وسمعت بودنك “قاسم” مش ناوي يسبني، حتى لو هربت لأبعد مكان على الكرة الأرضية هيجبني برضو.

ولوت فمها بتهكمٍ وهي تستكمل:

_ الملزق ده مش قادر يستوعب أني بكرهه، فاكر إنه لما هيتجوزني غصب عني هعشق قسوته وهتقبل حبه المريض ده زي ما بيحصل في الروايات..

وطرقت المكتب بيدها لتجعله يلمس غضبها:

_بس حلمه الحقير ده مستحيل يتحقق.

ثم استكانت بجلستها، لتهدأ من روعها قليلاً قبل أن تستطرد:

_ وبعد تفكيراً عميق لقيت حل هيخرجني من المشكلة دي.

سيطر على انفعالات وجهه، ليحارب تلك الابتسامة التي تداعب شفتيه، فحينما يستمع إليها يفقد القدرة على التركيز بأي شيء سوى الاستماع لحديثها المجنون، فيفشل بالتحكم بذاته، وكأنه لا يود فعل أي شيء سوى الضحك على حديثها وتصرفاتها، وها هو الآن مجبر على العودة من شروده القصير حينما وجدها تتطلع له بنظراتها المغتاظة، فتنحنح وهو يتساءل بخشونةٍ:

_سامعك كملي.. حل أيه؟

ارتسمت بسمة غرور على وجهها وهي تجيبه بثقةٍ من حلها الأمثل الذي توصلت إليه بعد تفكير:

_أني أتجوز.. وساعتها بقى مش هيقدر يتجوزني غصب لإني هكون على عصمة راجل تاني.

تطلع لها لثوانٍ قبل أن ينفجر ضاحكاً والاخرى تحدجه بنظراتٍ قاتلة، فاحتبس ضحكاته وهو يخبرها بجديةٍ زائفة:

_أنا أسف بس حقيقي الموضوع مضحك أوي.

ثم هدأ قليلاً قبل أن يشرح لها بطريقةٍ كوميدية:

_يعني إنتي مش راضية تتجوزي ابن عمك، فتقومي تتجوزي أي حد والسلام لمجرد إنك تبقي على ذمة حد تاني، طب ليه تدوري على كبش فدى وأنتي بالنهاية هتتجوزي أي شخص!

ابتسمت وهي تجيبه بصوتٍ ناعم رققت طبقاته:

_ومين قال بأني هتجوز أي حد!

أشار لها باستسلامٍ ومازال الضحك يملأ وجهه:

_شكلك حاطة عينك على حد، أحب أعرف مين اللي هينال الشرف العظيم ده.

بابتسامة واسعة أجابته:

_عاصي سويلم.

انكمشت تعابير وجهه في صدمةٍ، وكأن الفرحة التهمها غراب أسود، فردد بدهشةٍ:

_بتهزري!

قالت بجديةٍ تامة:

_وهو الموضوع ده فيه هزار، أنا بتكلم جد.

احتل الغضب معالمه، ربما كان مندهشاً ببدء الأمر، فلم يتوقع أن تكن جريئة لتلك الدرجة، نهض “عاصي” عن مقعده بعدما دفعه بعيداً عنه بعصبيةٍ لحقت نبرته الذكورية المتمردة:

_أنتي إتجاوزتي كل حدودك “لوجين” ، أنا لما قررت أساعدك كان بإرادتي ورغبة مني إني أعمل كده، بس مش لدرجة إن الموضوع يوصل لجواز.

بدت متحكمة بانفعالتها وهي تمط شفتيها في حركةٍ سمجة لمواجهةٍ القادم:

_كلامي لسه مخلصش، اقعد بس وإسمعني للأخر وبعد كده قرر براحتك.

إنصاع إليها وجلس على مضضٍ يستمع الى ما ستقول، فقالت بابتسامةٍ ماكرة:

_الموضوع بيصب في مصلحتنا مع بعض.

تطلع لها بعدم فهم، فاستطردت بتوضيحٍ:

_أنا هتخلص من “قاسم” وأنت هتتخلص من زن “إيمان” بأنك تتجوز.

ابتسم ساخراً، فاستكملت الاخيرة حديثها بخبثٍ:

_متنكرش إنك معجب بيا وبذكائي الخارق.

ولوت خصلة من خصلات شعرها حول أصبع يدها بترقبٍ لملامحه التي تنطق بالرفض لتتحفز طيف مكانها وهي الاخيرة تنتظر جوابه، فوجدته يغلق عينيه،كأنه يقاوم انفعالا ما بداخله قبل أن يعاود فتحهما :

_أنا مش وحشة للدرجادي، أنت لو لفيت الدنيا دي كلها مش هتلاقي زوجة تسمحلك تحتفظ بذكرياتك اللي جمعتك بحبيبتك ومراتك الله يرحمها، أنا بقى هسمحلك بده.

ضحك حتى برزت أسنانه البيضاء، فلمعت عيناها ببريق إعجاب إحتل خلاياها بأكملها، فكان يحتل جلسته كملك متوج على عرش خاص به، شعره مصفف بعنايةٍ، وعينيه تحاكي أقصوصة حملت الدفء والخلود بين طياتها، وأنفه يحكي بشموخه قصص بطلها غروره، راقبت نظراتها حركة شفتيه التي نطقت بحروف بطيئة:

_بحاول أستوعب اللي بسمعه، في العادة الراجل هو اللي بيعرض الجواز على الست، لكن أنتي دايمًا ماشية عكس التيار!

استندت بيدها على سطح مكتبه ثم مالت برأسها عليها لتشير له بغمزةٍ من عينيها:

_مش شايف أن دي حاجة لذيذة وممتعة، الخروج عن المعتاد هو شيء جنوني ومختلف وأنا بعشق الإختلاف.

انحنى بجسده للأمام تجاه سطح مكتبه ليسألها بصوته الرخيم المصاحب لجدية لا تحتمل نقاشاً ساخر:

_وليه أنا بالتحديد يا “لوجين”؟

كيف تخبره بأن قلبها هو من يقربها منه، حتى خطواتها تنجذب نحوه أينما كان، وكأنه ملاذها الذي افتقدته بوجود أفراد عائلتها، رفعت”لوجين” وجهها تجاهه وهي تهمس بصوتٍ مغوٍ:

_مش عارفة، يمكن لأنك أوسم راجل قابلته في حياتي، أو يمكن لانك ساعدتني من غير ما حتى تعرفني وسمحت ليا إني أعيش في بيتك وأتعرف على عيلتك، والأهم من ده كله أنك خلصتني من”قاسم” الملزق ده!

وبعد صمتٍ تام التزمت بها لدقائق معدودة عادت لتهمس بصوتٍ اخترقته المشاعر الصادقة وبوحٍ نابع من الصميم:

_ويمكن لإني معجبة بيك وخايفة الأمور تنقلب بيا لشيء خطير أفقد السيطرة عليها..

هام بعينيها وكأنهم بحراً يغمسه بمعسول عينيها الصافي، ولأول مرة يشعر بعجزه التام عن الحديث، إن كانت فتاة أخرى من تتحدث عن ذلك الأمر المحظور ربما كان سيثور ويغضب، ولكن الغريب إنه يتقبل كل ما تقصه عليه بابتسامةٍ وصدر رحب، أما هي فدقائق صمته تلك مرت عليها كالسنوات الثقيلة، لذا قطعت مهلتها بالانتظار حينما قالت:

_هسيبك تفكر بعرضي كويس،بس هتقولي رأيك بكره.

ونهضت عن مقعدها لتشير له بابتسامةٍ مشرقة:

_تصبح على خير.

غادرت من أمامه كنسمةٍ عابرة، اختطفت قلبه ودعته حائراً في إتخاذ أي قرار قد يوصله لبرٍ آمن، فاستند بجسده الثقيل على المقعد وهو يردد بحيرةٍ:

_أيه اللي لسه هيحصلك يا عاصي؟

وأغلق عينيه وهو يبتسم حينما تذكر حديثها، يروق له أحياناً إختلافها وتصرفاتها المجنونة، من سيصدق بأن فتاة تطلب يد الشاب بنفسها وتخبره بأنها مستعدة لتحمل ذكريات حبه السابق بما يخوضه من مساحةٍ خاصة بشريكة ماضيه، تلك الفتاة إستحوذت على إهتمامه وجعلت عاصي سويلم حائراً لأول مرة في إتخاذ قراره!

السابقانت في الصفحة 1 من 32 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
350

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل